على هامش انتخابات مجلس الشعب (الأستاذ هيثم المالح)

يملأ المرشحون للانتخابات البلد بصورهم دون برامج فعلية وقد اكتسحوا الطرقات ويبقى هناك وجهة نظر الآخر … المغيب … الذي يتحكم به الأوصياء … ولابد أن يذكر للناس رأي البعض الذي يمثل الكثيرين من الصامتين .. وقد أتى الموقع رسالة باسم الأستاذ هيثم المالح رجل القانون الكبير وهو غني عن كل تعريف … تمثل وجهة النظر الأخرى..

على هامش انتخابات مجلس الشعب

أيام قليلة تفصل المواطن عن موعد انتخابات مجلس الشعب, فماذا على المواطن فعله؟

للجواب على هذا السؤال ينبغي لنا مراجعة تاريخ مجالس الشعب منذ مجيء حزب البعث إلى السلطة فوقياً وحتى الآن!!

معلوم أن الوظيفة الأساسية لمجلس الشعب أو المجلس النيابي كما يسمى سابقاً هي الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وإصدار التشريعات اللازمة التي تخدم مصالح الشعب، وتضبط الحياة العامة للتمكن من الرقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وللتأسيس لدولة القانون.

فماذا قدمت مجالس الشعب على التوالي؟
قبل دستور 1973 وبعده انفردت السلطة التنفيذية بإصدار تشريعات غير مدروسة ولا تؤسس لدولة القانون، ومن هذه التشريعات:

1. المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1968 والذي شرعن حماية العاملين في أجهزة الأمن من المساءلة القانونية حال ارتكابهم الجرائم – المادة 16 من المرسوم – .

2. المرسوم التشريعي رقم 4 المتضمن الأحكام التي تطبق بحق من يعرقل تنفيذ التشريعات الاشتراكية.

3. القانون 49 لعام 1980 الذي قضى بفرض عقوبة الإعدام على كل منتسب لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يشكل تصادماً كاملاً مع الدستور، ومع قانون العقوبات، ومع المعاهدات الدولية.

4. مرسوم مناهضة أهداف الثورة.

فماذا فعلت جميع مجالس الشعب التي من المفروض أنها انتخبت لتمثل إرادة الشعب ومصالحه؟! لا شيء، والعكس صحيح، إذ إننا الآن نجد بين المرشحين الحاليين أعضاء سابقين في مجالس تشريعية سكتت عن تشريعات لا تحقق مصالح الشعب، أو أنها سنت هذه القوانين، من أمثال القانون 49 لعام 1980م، وبالتالي فمجالس الشعب لا تقوم بواجباتها التي من المفروض أنها انتخبت من أجلها.

إن أياً من مجالس الشعب لم يتعرض بقليل أو كثير لضرورة وجود محاسبة للسلطة التنفيذية؛ بمعنى وجود ميزانية لقطع الحسابات، ومعرفة ماذا نفد من الميزانية التقديرية لأي عام من الأعوام السابقة، كما لم تجر أية مراجعة لمبيعات النفط ومآل مداخلها.

لم يتعرض أحد من مجالس الشعب للطرق الوعرة في العاصمة والحفر التي تملؤها وسوء التنفيذ الذي يبدو عليها بعد أشهر من تنفيذها، فكأن أعضاء المجلس يتنقلون بطائرات مروحية ولا يسيرون على الطرقات العامة.

لم يعر أي من مجالس الشعب أي اهتمام لرفض تنفيذ أحكام المحاكم القطعية الصادرة بحق بعض جهات القطاع العام برغم لفت نظره إلى ذلك من قبل كاتب هذه الكلمة.

تم تدمير السلطة القضائية والسيطرة عليها لصالح السلطة التنفيذية – أجهزة الأمن بالتحديد – وشرعنت لصائق لتسديد زيادات رواتب القضاة كي تدفع من جيوب المواطنين، في حين لم تكلف السلطة التنفيذية نفسها بإيجاد البدائل والتي منها الرقابة على الهدر، ونهب المال العام، فطروش السيارات التي تزين المواقف أمام دور المسؤولين، وخاصة العسكريين منهم، واستعمالها لغير أغراض المصلحة العامة، ومن قبل الأولاد والأصدقاء لإيصالهم إلى مدارسهم، وحتى السيارات العسكرية كسيارات الجيب وغيرها تستعمل لغير ما أعدت له.

فلو كان هناك رقابة شعبية على هذا الهدر والنهب للمال العام فإن بالإمكان تأمين رواتب للقضاة عن غير طريق اللصائق التي ذكرناها آنفاً والتي فرضت على أصحاب القضايا في المحاكم دون مؤيد قانوني، فهل تصدى مجلس الشعب لهذه الانتهاكات لحقوق المواطنين؟ هذا غيض من فيض ولو أردت تسطير عجز مجالس الشعب السابقة عن ممارسة مهامها لاحتجت لصفحات طوال قد يتعب القارئ منها.

نتجول الآن في الطرقات فماذا نشاهد؟
صور ملونة بأوضاع مختلفة بغرض تسويق المرشح أو المرشحة للجمهور، فيختار كل منهم الوضع الذي يراه مناسباً في عرض صورته، ولكننا لا نجد أي مرشح يقدم لنا برنامجاً يعد به ناخبيه، وكأننا في معرض صور لممثلين وفنانين!! أما المضمون فهو خواء خالٍ من أي معنى!!!

فهل المطلوب من المواطن أن يختار المرشح أو المرشح الأجمل صورةً أو الأكثر وسامةً وشباباً؟

في الحقيقة كل ذلك لا يعني شيئاً والمطلوب الوحيد هو أن يوجد مرشحون يقدمون للمواطن برامج محددة يستطيع فيها الاختيار بينهم، ثم يحاسبهم مع انتهاء الدورة الانتخابية.

من ذلك يتبين أن الاستمرار في سوق الانتخابات على النحو الذي تم في السابق لعقود خلت أمر غير منتج، وأن مجلس الشعب الذي سيشكله المرشحون سيكون كالمجالس السابقة لا معنى له، ولا يؤدي الوظيفة المطلوبة منه، وفي هذه الحالة أرى أن مقاطعة الانتخابات هي الأجدر حتى تتخذ السلطة القائمة الخطوة الضرورية واللازمة للتغيير… ولا أظن هذا آتياً في الوقت الحاضر. والله من وراء القصد.

دمشق 8/4/2007م.
المحامي هيثم المالح

كُتب في المناهج | التعليقات على على هامش انتخابات مجلس الشعب (الأستاذ هيثم المالح) مغلقة

المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية – 2

الفصل الثاني

أمريكا:الشعب والأرض

 

تمهيـــــــــــد:
أمريكا بلد المتناقضات، بلد الآمال والآلام. بلد فيه كثير من التسهيلات والخيرات، وكثير من الفرص. أنظمته في أغلبها واضحة وصارمة. بلد يقود العالم في تقدمه وصناعته ونفوذه وقوته العسكرية، يهتم بمواطنيه كثيرا عندما “يهدهم خطر أو يقعون في مأزق، وتستنفر أجهزة الإعلام وأجهزة الدولة من أ-لم ! ذلك. وفي داخل ذلك البلد تجد الكثير من التناقضات، فهناك الغنى الفاحش والفقر الشديد، هناك المحافظون، وهناك المتحللون، تجد العباقرة والأذكياء والمنتجين، وتجد الدراويش والمؤمنين بالخرافات والشعوذات، هناك تجد الحرية والاضطهاد، والمتعة والعذاب، والحب والكره، والصراع والتعاون، والإنجاز والإحباط، واللين والقسوة، إنه حقا بلد المتناقضات. ويدرك كثر من الأمريكيين هذه الحقيقة عن بلدهم، ويتحدثون عنها في لقاءاتهم وحواراتهم كجزء من الحرية التي يتمتعون بها، فهذا (ارثر لودتك) يقول ( لودتك، 1981: 3) ): إنه من المألوف أن نعلن أنه مهما يكن للواحد منا أن يأخذ بعين الاعتبار ميزة أمريكية صادقة، فلا بد أن تظهر ميزة أخرى مناقضة لها) .
ففي مقابل الإيجابيات التي تحظى بها أمريكا، هناك كثير من السلبيات، فالعنصرية منتشرة، رغم أنها ممنوعة ومحرمة على المستوى النظري وفي ضوء القانون. وكذلك تنتشر الجريمة بأشكالها المختلفة من قتل، وسرقة، وتزوير، وسطو مسلح، ومخدرات.

ولقد زار الشيخ أبو الحسن الندوي أمريكا، وألقى محاضرة نشرت تحت عنوان (ما وجدته في أمريكا وما لم أجده) قال فيها: القد استطاع الإنسان أن ينفخ روح الحياة في الحديد وفي الجمادات، واستطاع أن يسخر الأجواء الفسيحة بين السماء والأرض، وأن يغوص في أعماق الأرض، وأصبح يستخدم أشعة الشمس في أغراضه، واطلع على أفلاك القمر والكواكب والنجوم، وقد وصل أخيرا إلى القمر، وهبط عليه فعلا، لكن كل ذلك ليس مما يدل على الكمال الإنساني الحقيقي، ليس الكمال أبدأ في أن ينفخ الإنسان في الجمادات روحأ، ويجعلها ناطقة حية، بل الكمال في الواقع أن ينفخ في نفسه الروح، وجعلها حية تنطق، الإنسان خليفة الله في الأرض، ونائبه في الكون، فمنصبه أسمى وأعلى، وأجل من أن يكون عبدا للجمادات، بل هو الجدير بأن يستعبدها لا لنفسه فحسب، بل لله خالقه وربه، فيستخدمها في تحقيق ما يريد الله من هذا الإنسان وهذا الكون) (الندوي، 1399: 24-25). ويقول في مكان آخر: (والشيء الوحيد النادر المفقود الذي لا أجده، هو الإنسان، ذلك الإنسان الحقيقي الذي يحمل في صدره قلبأ، حيأ، نابضأ، متدفقأ، لا مكينة متحركة، لقد خضع الإنسان لحياة الماكينات خضوعأ جعله لا يفكر إلا في الماكينة وأصبحت خواطره ومشاعره كلها ماكينات، وتتسم بمزايا الجمادات والفولاذ، فلا رقة فيها ولا مرونة، ولا لين فيها ولا نعومة، وقد بعد عهد العيون بالدموع، وعهد القلوب بالخشوع، تلك هي الحقيقة التي لمستها في الولايات المتحدة الأمريكية) (المصدر السابق، ص 29).

الأرض :الولايات المتحدة الأمريكية قارة تبلغ مساحتها (431. 9 0 8 و 9)، أي ما يقارب أربعة أضعاف مساحة المملكة العربية السعودية، ومن تلك المساحة (206 و 65) كم 2، من المياه، وتبلغ مساحة الثمان والأربعين ولاية باستئناء ألاسكا وهوائي (767، 0 8 0. 8) كم 2، والمسافة بين (هوائي ( Hawaii في المحيط الهادي و (مين ( Maine) في الشرق تبلغ (8. 2..) كم، وتبلغ من (بوينت بارو ( Point Parrow) في الشمال إلى (فلوريدا (Florida) في الجنوب (4500) كم، وتمتد حدودها مع كندا (8895) كم، منها (2478) كم في ألاسكا، وتبلغ حدودها مع المكسيك (3240) كم، ويبلغ طول السواحل الأمريكية (929. 19) كم، منها (686، 0 1) كم في ألاسكا، و (7 0 2، 1) كم في هوائي، وتفصل كندا بين ألاسكا وبقية الولايات بمسافة تبلغ (800) كم، وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية، إذا حسبت ألاسكا، رابع اكبر دولة في العالم من حيث المساحة ( New standard Encyclopedia,1995,Vol.18 : 56-57 ).
وتتنوع تضاريس الولايات المتحدة الأمريكية تنوعأ شديدا، فهناك البحيرات الكبرى، والأنهار الطويلة، وهناك سلاسل الجبال، والغابات الكثيفة ذات الأشجار العملاقة، والصحارى القاحلة، والأراضي الخصبة، والسهول الساحلية الطويلة والعريضة.
أما المناخ فيختلف من منطقة إلى أخرى، فدراجات الحرارة مثلا تصل في الاسكا إلى (60) درجة مئوية تحت الصفر، وتصل في كاليفورنيا في المقابل إلى (57) درجة مئوية في بعض فترات الصيف، ويختلف كذلك معدل سقوط الأمطار، فأعلى معدل له يصل إلى (680. 11) ملم في بعض أجزاء هوائي، وأدنى معدل له يصل إلى (50) ملم في الصحراء في الجنوب، وتتأثر المناطق الساحلية برطوبة المحيطات، وتوجد في الولايات المتحدة معظم المناخات المعروفة في العالم من صحراوي، وقاري، ومناخ البحر الأبيض المتوسط، والاستوائي. ( Ibid).

وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من أغنى المناطق في العالم بتنوع نباتاتها وحيواناتها وكائناتها الحية الأخرى، وهذا أمر غير مستغرب في بلد عملاق من حيث مساحته، ويتمتع بمناخات متنوعة، ولديه ثروة كبيرة من مياه البحيرات والأنهار، ومياه الأمطار، ولهذا تتنوع الطبيعة، وتكثر الغابات الكثيفة والجميلة، وتتنوع فيها النباتات والأشجار والكائنات الحية، وتعتبر الولايات المتحدة من أجمل الأماكن في العالم لمن يعشق رؤية الطبيعة البكر في جمالها وسحرها الأخاذ، الذي يعكس عظمة الخالق وقدرته سبحانه، فهناك أكثر من (000، 20) نوع من النباتات المزهرة، Ibid وهناك أنواع كثيرة من الأشجار العملاقة والتي تشكل مساحات كبيرة من الغابات الطبيعية في كثير من الولايات، وخاصة في الأجزاء الغربية من البلاد.
التركيب السكاني :يسكن الولايات المتحدة الأمريكية حسب إحصاء عام 1996م (845. 562. 265) نسمة (الآفاق المتحدة، 17 4 1 هـ: 846). جاؤها من جميع زوايا الأرض، ولذلك لا توجد أغلبية عرقية واضحة، فنهاك حوالي 15% من أصل بريطاني، و 13% من أصل ألماني، و 8% من أصل أيرلندي، ومن المتوقع في المستقبل القريب أن تكون كبر مجموعة عرقية في الولايات المتحدة الأمريكية من أمريكا اللاتينية، ففي لوس أنجلوس مثلا هناك 28% من أصل لاتيني، 13% من السود، و 6% من أصل آسيوي، وربع المقيمين من مواليد دول أجنبية ( لودتك، 1989).

وإشارة إلى تعدد الأعراق في أمريكا يقول الروائي (هيرمن ملفيل) إنه لا يمكنك إراقة نقطة من الدم الأمريكي دون إراقة دم العالم أجمع (مان، 1989: 29) ولقد فتحت أمريكا باب الهجرة لأسباب أهمها:
– كبر مساحة البلاد.
– وجود موارد طبيعية ضخمة، من أراض خصبة، وموارد مائية كبيرة، ومعادن، وأخشاب، وثروات سمكية وغيرها.
– الحاجة إلى الأيدي العاملة بمستوياتها المختلفة، وخاصة بعد التوسع الصناعي بعد الحرب العالمية الأولى.
– الحاجة في بداية النهضة إلى رؤوس أموال المهاجرين.
أما في العقود الأخيرة فإنها لا تسمح بالهجرة ولا تعطي الجنسية إلا لمن تتوفر فيهم بعض المواصفات الخاصة، ويأتي في مقدمتها المهارة المهنية والحصول على درجات علمية عليا.
ويشير(آرثر مان) إلى أن موجات الهجرة المتتالية أدت إلى زيادة تعدد الأعراق ونوعها، فقد كان يعيش في الولايات المتحدة قبل الحرب العالمية الأولى ستون عرقأ مختلفاًُ، أما اليوم فيوجد بها كثر من مئة عرق (المصدر السابق: 69). ولا شك أن تعدد الأعراق في أمريكا له إيجابياته وسلبياته، فمن أهم إيجابياته أن المهاجرين الجدد لا يشعرون بوقع الغربة القاسي، وآثارها النفسية والاجتماعية العميقة، فالمهاجر حديثأ يشعر أن من حوله كلهم مهاجرون وقد أتوا من خارج البلاد، وإنما الفرق في الفترة الزمنية، فبعضهم كان المهاجر الأول جده، وبعضهم أبوه، وبعضهم هو نفسه، كما يجد المهاجر الجديد أن بعض قومه قد سبقوه، فيسعى للاتصال بهم، وينشد مساعدتهم ودعمهم المادي والمعنوي، وإذا كان صاحب أسرة فإن حاجته إلى أبناء جلدته آكد، ففي الغالب لا يتكلم معظم أفراد الأسرة اللغة الإنجليزية في الفترة الأولى من القدوم، وتحتاج الأسرة إلى نظام داعم ( Support System ) يساعد على التأقلم مع ظروف ومتغيرات الحياة الجديدة، ومن فوائد تعدد الأعراق خلق نوع من المنافسة بين الأعراق في الجوانب البناءة، كالتكاتف، والتآزر، والحرص على النجاح، والإنتاج، وإثبات الوجود، وكسب احترام المجتمع والجماعات الأخرى.

أما سلبيات تعدد الأعراق فتتمثل في عدم الانسجام الاجتماعي، وتؤدي إلى كثرة الصراعات والخلافات والصدامات، ولعل الوضع بين البيض والسود، والبيض والهنود الحمر، والسود والتشيكانوز (الذين ينحدرون من أصول أسبانية) من أكبر الشواهد على ذلك، وتظهر الخلافات العرقية بوضوح في أوقات الأزمات، كما حدث خلال الحرب العالمية الثانية عندما وضع الأمريكيون من أصل ياباني في معسكرات الاعتقال خوفأ من قيامهم بأعمال تخريبية ومساندة اليابان ضد أمريكا، وقبلها ظهرت موجة من العداء الصارخ خلال الحرب العالمية الأولى ضد الأمريكيين من أصل ألماني، ولعل أحدث الشواهد وآخرها ما لاقاه المسلمون والعرب بعد حادث تفجير مبنى الحكومة الفدرالية في مدينة أوكلاهوما في عام 1994م ، حيث سجلت الدوائر الرسمية أكثر من مئتين وعشرين إعتداء أو تهديدا بالاعتداء على المراكز والمساجد والأفراد. وهناك تنظيمات إرهابية عرقية مثل عصابات (الكو كلكس كلان، K.K.K ) التي تعادي الأعراق كلها بدون استثناء، ما عدا المسيحيين البيض، وإن كانت درجة عدائهم تختلف من جماعة إلى أخرى، فأكثر ضحاياهم من السود، ويليهم اليهود.
ولقد كانت السلطة وصناعة القرار- ولا زالت في معظمها- في أيدي (الأنجلو- ساكسون) ولذلك حاولوا توجيه القوانين لمنع بعض الأجناس من الهجرة إلى أمريكا، وكانت تلك الآراء منتشرة لمدة ثلاثة عقود تقريباً في أواخر القرن الماضي، وكانت الحجة المستخدمة تتمثل في أن العرق الأنجلو- ساكسوني يتفوق على جميع الأعراق، ولقد صادقت الحكومة المركزية في ذلك الزمن، والمتاثرة بنظرية التطور، على تصنيف الناس إلى عدة أجناس، ووضع بعض الباحثين الأجناس في ترتيب هرمي يأتي الأنجلو- ساكسون وأبناء عمومتهم الجرمانيون في شمال وغرب أوربا في قمته، وسكان جنوب الكرة الأرضية وشرقها والسود في أسفله، ووضع هذا الترتيب بناء على ما سمي معطيات علمية في ذلك الوقت بأن الصفات الأخلاقية والعقليه والجسديه تورث من جيل إلى جيل، ولذلك تقدمت بعض الأمم، بينما بقي البعض الآخر متخلفاً ، وانتشرت مقولة تفيد بأن الرجل المهزوم من الجنس المهزوم (مان) 1989: 73-74 .

هذا وقد استعرض (جون كنيدي) الكثير من قوانين الهجرة إلى أمريكا، والتغيرات والتعديلات التي طرأت عليها، ومن ذلك أن الإدارة الأمريكية في عام 1917م فرضت كثيراً من القيود كانت انعكاساً للأفكار التي نادى بها(ماديسون جرانت) حين نشر كتابه (مرور الجنس العظيم) في عام 1916 م والذي طالب فيه بطرد الأجناس الدنيا من اليهود وسلالات الألب والبحر الأبيض المتوسط بصفة عامة (كنيدي، 1965: 108). وصدر قانون الأجانب في عام 1798 م والذي يعتبر الخطوة الأولى لتقييد الهجرة إلى أمريكا، وكان ينص على إبعاد الخطيرين على أمن الولايات المتحدة الأمريكية، وفي عام 1882 م صدر قانون يحظر الهجرة من الشرق وكان هدفه الأساسي العناصر الصفراء. وحدد القانون الصادر في عام 1921م عدد المهاجرين من كل جنسية حسب نسبة أفرادها المقيمين في أمريكا طبقاً لتعداد 1910م بما لا يزيد عن 3%، وعدل في عام 1924م لكي تكون النسبة 2% من كل جنسية من الجنسيات المقيمة في الولايات المتحدة في عام 1980 م (المصدر السابق).
وفي عام 1924م صدر قانون (جونسون ريد) وطبق بعد خمس سنوات، ويقضي بتقليل أعداد المهاجرين، وتصنيف القادمين حسب موطنهم الأصلي، وإيقاف تدفق الآسيويين، وتحديد نسبة ضئيلة للقادمين من شرق وجنوب أوربا، ونسبة أكبر للقادمين من شمالها وغربها، والجزء الأكبر للقادمين من بريطانيا وأيرلندا الشمالية، ومن ضمن الفلسفات التي اعتمد عليها صدور ذلك القانون أن فتح باب الهجرة على مصراعيه أدى إلى قدوم أجناس دنيا، وبقدومها ظهرت الأحياء الفقيرة، والاضطرابات، والأسر المتصدعة، والسكارى، والجريمة، والبغاء، والقمار، والأمية (مان، 1989: 74).

وبعد الحرب العالمية الثانية خُـففت بعض قيود الهجرة بدءا بالقانون الذي أصدره الكونجرس الأمريكي في عام 1948 م والذي عرف ب (قانون المشردين) وكان يسمح بالهجرة لأولئك الذين شردتهم الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1957م أدخل تعديل في نظام حصص الأجناس القومية أدى إلى التوسع بعض الشيء في أعداد المهاجرين (كنيدي، المصدر السابق: 90 و 108).
ومع مرور السنين كثر التزاوج بين المجموعات العرقية، واختلطت الأعراق والدماء، وفي هذا الجانب يتساءل (آرثر مان) قائلا: هل الأمريكي نتاج وعاء الإذابة أو (بوتقة الانصهار) كما يسميها البعض؟ ويجيب على ذلك قائلا: (نعم ولدرجة أنه بالكاد يوجد أي حفيد أمريكي من نفس سلالة أجداده الأصليين في موطنهم الأصلي … فقد أقر ثلاثة وثمانون مليوناً من الأمريكيين اعتمادا على مسح مكتب الإحصاءات في الولايات المتحدة في عام 1979م أنهم ينحدرون (من مجموعات متعددة الأجداد) وستة وتسعون مليوناً (من مجموعة واحدة) ويواصل (آرثر مان) حديثه عن بوتقة الانصهار وأنها لم تلغ الفروق المختلفة بين أفراد الشعب، قائلا: إنه إذا انطبقت على الكثيرين، فإنه من غير المقبول استخدامها وصفاً لأمريكا ككل، حيث سيتم تجاهل ” التصميم العرقي، وقيم المجموعات العرقية، وشيء تفسير قوة العائلة، والقيود العرقية والدينية والجنسية ضد التزاوج، ويقلل من قيمة الزواج داخل المجموعة الواحدة (المصدر السابق: 78).

ويمكن النظر إلى أي مواطن أمريكي على أنه يقع في واحدة من الفئات التالية:
1- أصحاب الدم الصافي: وهم الذين يعيشون حياتهم في مجموعات عرقية مغلقة، يسكنون ويذهبون إلى المدرسة، ويعملون، ويقضون أوقات فراغهم مع بني جنسهم، وكذلك يتزاوجون ويأكلون طعام مجموعتهم، ويصوتون لبعضهم، وهؤلاء يشكلون نسبة ضئيلة من السكان، ويقع في هذه الشريحة الكثير من الجماعات اليهودية، وبعض فئات السود والهنود الحمر
2- المعرقون جزئياً: وهؤلاء يأخذون انتماءاتهم العرقية بجرعات قياسية ومختارة، فيبتعدون عنها في الجمعيات الأساسية، ولكنهم قد يعرفون على على أنفسهم بعيدا عن العرقية في العمل وفي المجتمع، وهؤلاء يشكلون أكثرية المجتمع الأمريكي الذي ما زال محافظاً على ارتباطه بالأجداد.
3-اللامنتمون: وهؤلاء يهملون انتماءاتهم العرقية، لشعورهم أنها تسبب لهم بعض المشكلات، أو لبعدهم عن جذورهم، أو لقناعتهم أن المجتمع الأمريكي يجب أن يبتعد عن العرقية لإثارتها للحساسيات والصراعات وهؤلاء غالباً ما يكونون من فئة المتعلمين والمثقفين، أو من الفئات التي يمارس ضدها التمييز العنصري، وقد تلاقي عنتأ إذا كشفت عن أصولها العرقية، مثل بعض العرب، وبعض الفيتناميين.
4-المهجنون: وهم الذين يجري في عروقهم كثير من الدماء، ولا يستطيعون الانتماء إلى عرق واحد، وهؤلاء من ثمار ونتائج بوتقة الانصهار.

الأسرة في المجتمع الأمريكي:
رغم ما يقال من أن العائلة الأمريكية قد فقدت الكثير من خصائصها ومقوماتها، فمما لا شك فيه أنها لعبت دورا كبيرا في تاريخ البلاد، ( فكانت العائلة هي المؤسسة الوحيدة التي يمكن الوثوق بها في مشروع استيطان القارة لشعب لم يثق بالكنيسة بقدر عدم ثقته بالدولة) (شيليسل، 1989: 81).
وإذا كانت أمريكا اليوم تعاني من ارتفاع نسبة الطلاق حيث تصل إلى أكثر من 50%، أي أن كل زواجين محكوم على أحدهما بالفشل، فإن الطلاق كان نادراً وقليلا في ذلك المجتمع قبل حوالي قرن من الزمن تقريباً، فهذه ( ليليان شيليسل) تذكر أن الهيئة التشريعية في ولاية (أوريجون) في عام 1858/ 1859 م في جلسة طلاق جديرة بالذكر تم طلاق ثلاثين زوجاً، وتم تأجيل عشرة طلبات أخرى لأنها كانت متأخرة لإقامة الدعوى (المصدر السابق:88). إن هذا الرقم يمكن أن يحدث اليوم في مدينة صغيرة أو متوسطة الحجم، وربما في أقل من عام. فالطلاق عموماً يقل في المجتمعات البسيطة، ويرتفع كلما تعقدت الحياة، وزاد التداخل والتشابك بين وظائف وأدوار كل من النساء والرجال.
وعلى العموم، فإن المفكرين وعلماء الاجتماع يرون أن العصر الذي نعيش فيه من أكثر العصور تأثيراً على وظائف الأسرة ومقوماتها، ويرون أن المادية، والتحضر والتصنيع من أكثر العوامل التي أدت إلى تدهور وضعف دور الأسرة، فالأسرة كانت المؤسسة التي لا تنازعها أو تزاحمها مؤسسة أخرى في عملية التنشئة الاجتماعية، وكانت مكان التدريب على العمل، ومكان تعلم القيم والأعراف الاجتماعية، ومؤسسة لتقديم الخدمات الاجتماعية بصورها وأشكالها المختلفة لأعضائها، أما اليوم فقد سلبت منها كثير من تلك الوظائف بواسطة مؤسسات اجتماعية أخرى مثل المدرسة، ووسائل الإعلام، والنوادي، وجماعات الرفاق، وجماعات العمل.

ولعبت الأسرة الأمريكية دوراً كبيراً في عملية الاستيطان، فقد مال الأقارب إلى العيش بجوار بعضهم، وفضلوا العيش بقرب أقاربهم كلما كان ذلك ممكناً، وبذلك تبادلت الأسر المساعدة، والتعاون على قهر الصعاب في المجتمع الجديد ( وكان يتم القيام بمعظم العمل في المسكن في المجتمع قبل الصناعي، لذلك كانت أدوار الأب والأم منسجمة مع الأدوار الاجتماعية والاقتصادية، وكان يتم اعتبار الأطفال أعضاء في القوى العاملة ورؤيتهم كأشياء نافعة، وكانت الطفولة تعامل باعتبارها فترة قصيرة تنتهي عند تعلم مهنة وبداية العمل، وبشكل عام قبل سن البلوغ، وكانت فترة المراهقة التي تعتبر مرحلة متميزة من الحياة شيئاً غير معروف فعلياً (هريغن،1989: 261).
ومع التنمية الصناعية وزيادة التحضر تعرضت البنية التقليدية للأسرة الأمريكية لكثير من التغيرات، وتفككت وتدهور وضعها. ( ويستند هذا الاتجاه في رأيه إلى عدة عوامل لعل أهمها زيادة معدلات الطلاق في الغرب الأمريكي طوال القرن الماضي بشكل لم يسبق له مثيل، واضمحلال سلطة الآباء على الأبناء، وكذلك تفكك وضعف العلاقات العاطفية بين الزوجين علاوة على الآثار الضارة للبطالة على حياة الأسرة وكذلك انتشار وزيادة معدلات الجناح، وكل تلك السمات تدل على تدهور حياة الأسرة الذي ارتبط بدوره بشكل وثيق بانتشار أسلوب الحياة الصناعية الحضرية) (الخريجي، 1399، 142).
وظهر تفسيران واتجاهان مخالفان لهذا الاتجاه الأول ارتبط بعالم الاجتماع الأمريكي المشهور ( تالكوت بارسونز، T.Parsons الذي يرى أن الأسرة الأمريكية قد مرت، حقيقة، بكثير من التغيرات الأساسية، والتي ارتبطت بالتصنيع والتحضر. إلا أنه من الخطأ اعتبار تلك التغيرات الأسرية نوعاً من التفكك أو (سوء التنظيم). بل على العكس من هذا تحولت الأسرة لتصبح بناء أكثر تخصصاً بمعنى ما. فالأسرة وإن تكن فقدت الكثير من وظائفها (مثل إنتاج الطعام وتعليم الأولاد). إلا أنها اكتسبت وظائف أخرى لا تقل أهمية مثل تنشئة الأطفال الصغار، وتهيئة الظروف الملائمة لحل التوترات العاطفية التي تجتاح البالغين، بالإضافة إلى أنه طرأ تخصص على دور الزوج- الأب، ودور الزوجة- الأم. فقد صار الرجل مسؤولاً عن الوظائف التي يتوسل بها إلى كسب لقمة العيش، على حين تضطلع الأم بالوظائف التعبيرية متمثلة في توفير جو الحنان والحب للأسرة. ولا تعكس هذه الخصائص البنائية الجديدة للأسرة أي قدر من انعدام التكامل، بل على العكس من هذا، فإنها تشير إلى ظهور النمط النووي من الأسرة وهو أفضل من النمط الممتد في تنشئة الأطفال حتى يبلغوا سن النضج في مجتمع حضري يغلب عليه طابع الصناعة) (المصدر السابق 142-143).

وكلام (بارسونز) يمكن الاعتراض على الكثير من الأفكار التي وردت فيه، فلا صحة لما قاله من أن الأسرة اكتسبت وظائف جديدة، فتنشئة الأطفال تعتبر من الزم وأهم وظائف الأسرة عبر التاريخ، وإذا كان يقصد من ذلك أن بعض الأسر تخصصت في حضانة الأطفال عند ذهاب آباءهم وأمهاتهم للعمل، فإن التنشئة الاجتماعية للأطفال هنا ستكون قاصرة، لافتقارها للصلات والروابط الروحية والنفسية، فليس هناك معاملة أو عطف أو حنان يعوض أو يقارب ما تقوم به الأم والأب. أما حل التوترات العاطفية للكبار فهي أيضا وظيفة قديمة من وظانف الأسرة، وهو ما عبر عنه الإسلام بالسكن، والذي فيه الهدوء والراحة والطمأنينة، أما مسؤولية الرجل عن كسب لقمة العيش فهو دور معروف وقائم في كثير من الثقافات، وما يحدث في العقود الأخيرة هو عكس ذلك، فالمرأة بدأت تنافس الرجال في العمل خارج المنزل، وتتزايد مطالبتها بالمساواة بالرجل في جميع الميادين، وهذا أثر على دورها سلباً في إضفاء جو من الحب والحنان على الأسرة.

أما التفسير والاتجاه الثاني المخالف لمن يقول بتفكك الأسرة الأمريكية، وضعف دورها فقد جاء من (يوجين لتواك، E.Litwek حيث يذهب اليأن التغيرات التي طرأت على تركيب الأسرة لم تكن بتلك القوة التي ذهب إليها ذلك التيار التشاؤمي، إذ أن المطالب التي يمليها البناء المهني الحديث من حراك عائلي سريع لا تعني قضاء أو تدميرا لنمط الأسرة الممتدة، كما أكد ليتواك أن التغيرات (التقنية) الهائلة التي طرأت على أساليب الاتصال الحديثة قد أدى إلى اختصار المسافات البعيدة بحيث صار البعد الجغرافي لا يشكل خطورة على أبناء الأسرة حتى إذا تباعدوا لفترة معينة، علاوة على هذا فإن الأسرة (النووية) تقدم عددا من الخدمات للأسرة الممتدة دون أن يؤثر هذا على النسق المنهي العام. وعلى ذلك ظهر إلى حيز الوجود نظام أسرة ممتدة معدل في منتصف القرن العشرين، وقد حاول ليتواك أن يدعم استنتاجاته بدراسة مجموعة من أنماط التزاور في عدد من المدن الكبيرة) (الخريجي، 1399: 143.

وإذا كانت الفردية Endividualism من أوضح خصائص المجتمع الأمريكي المعاصر، فقد كانت السكنى المنفردة في القرن التاسع عشرغيرمسموح بها (هريغن، 1989: 259). ويشاهد الزائر لأمريكا اليوم أن نسبة كبيرة من السكان يعيشون بمفردهم، والعائلة الأمريكية أصبحت نووية تتكون من الأب والأم وأولادهما، ومعظم الأسر تحدد عدد الأبناء بإثنين، ولم تعد الأسرة وحدة منتجة، بل أصبحت مستهلكة في الأغلب الأعم، وأصبح دورها أضعف وأقل تأثيرا من الماضي، ويتركز في الحمل، والولادة، وتربية الطفل، والمشاركة مع المؤسسات الأخرى في تنشئته، ويكون لها الدور الأكبر في التنشئة في المراحل الأولى من حياة الطفل، وكلما تقدمت به الأيام يقل ذلك الدور وتحل المؤسسات الأخرى محل الأسرة في القيام به، وهذه الظاهرة ليست موجودة في المجتمع الأمريكي فقط، وانما في معظم المجتمعات المعاصرة التي أخذت قسطاً من التنمية والتقدم وتتميز الأسرة الأمريكية بتنوعها، كما تتميز بتأخر سن الزواج، وطول الفترة التي تفصل بين الزواج والإنجاب، (وفي الواقع فإن المجتمع الأمريكي شمل على نماذج عائلية متنوعة.. ارتبطت بالدخول المتكرر لمجموعات مهاجرة جديدة، وقد تسببت الاختلافات العرقية والعنصرية والثنائية والطبقية في تنوع كبير في سلوك العائلة، إن التوتر القائم بين مثاليات سلوك العائلة في ثقافة مهيمنة وبين النماذج التقليدية للعائلات السود والمهاجرين كانت موضوعاً متكررا في الحياة الأمريكية (المصدر السابق 266).

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية – 2 مغلقة

في ذكرى ولادة الهادي عليه الصلاة والسلام

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ{[1] ، وأصلي وأسلم على خير الخلق سيدنا محمد }فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{ [2]، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الغر المباركين وسائر المتبعين المهتدين وبعد : فهذ أيام الذكرى العظيمة ذكرى ولادة الهادي عليه الصلاة والسلام وما أشد حاجتنا للاقتداء به في كل سبيل، ومن قرأ كتاب العلامة أبي الحسن الندوي (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) عرف ماذا يحل بالحياة عندما ينأى المسلمون عنها ، ومن يقرأ سيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم يدرك ماذا يحل بالمسلمين إذا بعدوا عن منهج نبيهم الهادي ، ولاشك أن جوانح كل مسلم تضم من الحب لرسول الله عليه الصلاة والسلام ما لم تشهده البشرية يوماً حباً لأحد ، وهذا الحب الدافق ينبغي أن يمده اتباع صادق وعلم صحيح ، وما أكثر حبنا للنبي الهادي عليه الصلاة والسلام وما أكثر حاجتنا إلى زيادة التفقه في سيرته وخلقه ومنهجه ، و (المراد من التفقه علم راسخ في القلب ؛ ضارب بعروقه في النفس ، ظاهر أثره على الجوارح ؛ بحيث لايمكن صاحبه ارتكاب مايخالف ذلك العلم وإلا لم يكن عالماً)[3].

كيف للعين الكليلة أن تحيط بالنور كله ، وكيف للسواقي الصغيرة أن تحمل البحر الزخّار ، وكيف للنفوس الفانية أن تدرك الجلال كله والافتقار كله في ليلة يقومها سيد الخلق عليه الصلاة والسلام يبكي ويتضرع إلى الله في قومه الذين آذوه فما لقوا منه إلا البر وذروة الإحسان: )إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ([4].
وكيف للعليل أن يعرف العافية ، ولمن لم يعرف حب الهادي لأمته أن يتذوق عذوبة كلامه عليه الصلاة والسلام : (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً ، فجعل الجنادبُ والفراشُ يَقعنَ فيها وهو يذُبـُّهُنَّ عنها ، وأنا آخذ بحُجَزِكُم عن النار وأنتم تفلتون من يدي)[5]، ,وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ-[6] .

فياسيرة محمد عليه الصلاة والسلام ابعثي روحك فينا ، ويامنهج الإيمان جدد رِي صَادينا: (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة: فأفضلها قول لاإله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان)[7].
ذكر العلامة صلاح الدين المنجد[8] أسماء أكثر من ألفين وخمسمائة كتاب باللغة العربية وحدها ، منها ستة كتب في صفات نعاله عليه الصلاة والسلام! ، فهل ترى على الأرض أمة تحب أحداً كما يحب أتباع محمدٍ محمداً عليه الصلاة والسلام.
ولقد بلغ من محبة النبي عليه الصلاة والسلام في قلب القاضي أبي شجاع صاحب متن الغاية والتقريب ، وقد خدم الحجرة النبوية الشريفة زماناً ، أنه استأذن في أن يدفن في أقرب مكان إلى الحجرة التي شرفها الله بنبيه عليه الصلاة والسلام ثم صاحبيه رضي الله عنهما ، وأن توضع على قبره شاهدة صغيرة يكتب عليها (وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد).

أما اللواء المرحوم عبد الكريم العابد فحدثني أنه كان أثناء خدمته العسكرية يتعجب مما يسمع عن رقة قلوب كثير من المؤمنين ، وحرارة عاطفتهم عندما يذكر رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وكان يعزو ذلك إلى بساطتهم ، وضعف قلوبهم (فهم ليسوا مثل محدثنا الذي قابل الرؤساء والملوك وخاض الحروب وشارك في الانقلابات) ، ومضت الأيام وصار الرجل متقاعداً ، وكتبت له زيارة الحبيب المصطفى ، فقال : أحسست بالهيبة الشديدة عندما اقتربت الطائرة من المدينة المنورة زادها الله شرفاً ، ومن الفندق انطلقنا تجاه المسجد النبوي وبدأت أحس بوجل في قلبي ، ثم ارتعاش في يديَّ ، وكلما اقتربنا زاد الأمر فلما لاحت القبة الخضراء زادها الله بهاء بدأت أحس بركبتي تضعفان … وأنا أتجلد وأحس بتهيب عظيم ، ولما دخلت المسجد بدأ جسمي كله بالارتجاف ، فلما صرت أمام المواجهة الشريفة لم تخرج من فمي الكلمات وأنا أريد ان أقول :السلام عليك ياسيدي يارسول الله بل سبقتني العبرات وأخذت أرتجف مثل أوراق الخريف في يوم عاصف والدموع تنسكب من عيني وتجري .. لقد عرفت وقتها جهلي ومن هو رسول الله محمد … صلى الله على محمد وآل محمد وصحب محمد … ,لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا-[9].

دعونا ياشباب الإسلام وبناته الأبرار نزداد تعرفاً على نبينا الهادي ونملأ قلوبنا من محبته ، دعونا نرقق أفئدتنا ونروي ظمأنا من كريم سجاياه وأخلاقه في كل مكان وحين ، ولا نستنفر لمحبته فقط إذا تطاول الصغار وماهم ببالغيه.
إن البشرية كلها تئن وتتخبط تبحث عن هاد في عتمة الليل ومن لها غيركم ياأبناء وبنات الإسلام تنشرون النور ، وتخرجون البشرية من التيه العظيم؟ من يفقه سيرة محمد عليه الصلاة والسلام ومنهجه ، فيعيد مد الإسلام في الأرض حضارة ومدنية ومنهج عافية وتوازن وشمول وكرامة وولاء لله.

وياسيدي يارسول الله :

أي ذكرى أهجتها أي ذكرى[10]
فاستهلت على شفاهي شعرا
أنت ألهمتني النشيدَ وأوحيـ
ـتَ لي اللحن يعربياً أغـرا
أنت أرعشت أنمُلي فوق أوتا
ري فسالت على رَبابي سحرا
خفَقَ القلب عند ذكراك يهفو
وعلت في فمي التسابيح تَترى
وجناحي المَهيـض واهٍ مُعَنىَّ
وعلى مخلبي دمــائي حُمرا
رغم دنيا الأذى وغدر زماني
عِشت حراً وسوف أُدفن حرا
أمةٌ أخجلَ الزمان كَراهـا
واعتراها الهوانُ طوراً فطورا
ذَكِّري قومي الغفاة زمانـا
ذكريهم قد تنفع اليومَ ذكرى
وأغاني الجراح أشجى أغانٍ
هدهدتها الآلام عصراً فعصرا
فإذا ما أسكبتُ دمعي لحناً
يوم ميلادكَ الوضيء فعُـذرا
هي ذكراكَ قد أثارت شجوني
هي ذكراكَ يالها اليوم ذكرى

اللهم قد أحببنا نبيك الهادي عليه الصلاة والسلام رغم كثرة التقصير ، وملأت محبته قلوبنا رغم بعدنا عن كثير مما مننت به علينا من خلقه العظيم ، فأكرمنا بحسن الاتباع له والتخلق بأخلاقه ، ثم هبنا بمحبتنا فيه لشفاعته عندك يا أرحم الراحمين.
اللهم اجز عنا سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله ماهو أهله واجعلنا تحت لواءه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، وصلي عليه في الأولين والآخرين وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه الهداة الفاتحين ، واجعلنا ممن }دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{[11].

كتبه أفقر العباد إلى الله
أحمد معاذ الخطيب الحسني

[1] – سورة سبأ ، الآية 1.
[2] – سورة الأعراف ، الآية 157.
[3] – جمال الدين القاسمي ، محاسن التأويل ، سورة التوبة ، الآية 122 ، المجلد 8 ، ص3300.
[4] – سورة المائدة ، ص 118.
[5] – أحمد بن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، كتاب الرقاق ، باب الانتهاء عن المعاصي ، الحديث (6483).
[6] – سورة الحجرات ، الآية 7.
[7] – يحيى بن شرف النووي (676هـ/1277م) ، شرح صحيح مسلم ، دم ، المطبعة الكستلية ، 1283هـ ، كتاب الإيمان ، باب بيان عدد شعب الإيمان ، ، 1 ، ص 126.
[8] – في كتابه : معجم ما ألف عن رسول الله عليه الصلاة والسلام ، وقد طبعته دار الكتاب الجديد ، بيروت ، 1402هـ/1982م.
[9] – سورة الفتح ، الآية 9.
[10] – من قصيدة ألقاها الأديب عبد السلام الجزائري بعنوان: سأظل باسمك الحياة صداحاً في حفل أقامته جمعية التمدن الإسلامي بدمشق ، ونشرته مجلة التمدن في عدد جمادى الأولى 1367هـ/نيسان 1948م.
[11] – سورة يونس ، الآية 10.

كُتب في المناهج | التعليقات على في ذكرى ولادة الهادي عليه الصلاة والسلام مغلقة

العلامة الشهيد الدكتور صبحي الصالح

العلامة الشهيد الدكتور صبحي الصالح
(1345-1407هـ/ 1926-1986م)
مثل الشمس الساطعة في أيام الشتاء الباردة ، ومثل العافية بعد المرض كان قدوم صبحي الصالح في الساعة الثامنة والنصف من صباح كل يوم إلى مقر جمعية رعاية أطفال المسلمين في لبنان ، فينفق وقته في الإشراف على مدرستها لرعاية الأيتام ، ومتابعة مدرسة أخرى لتعليم العلماء المسلمين اللغات الأجنبية … وكان قدومه يملأ النفوس بهجة بعمامته المهيبة ووجهه المشع بالنور وابتسامته التي لم تكن تفارق شفتيه ، والتي تبعث الأمل وتخفف عسر الحياة في وجه كل من يلقاه.
تأخر الشيخ صباح يوم الثلاثاء الخامس من صفر 1407هـ الموافق للسابع من تشرين الأول عام 1986 لأنه ذهب لرفع كربة طفل ، ولمساعدة أحد طلابه الفقراء .
كان يستقل سيارة أجرة كل يوم ويشتري في طريقه جريدة الصباح … لكنه في ذلك اليوم لم يقرأ سوى عناوينها ، ولم يتح له أن يدخل جمعية الأطفال فعند وقفت سيارة الأجرة وهم بالنزول اندفع باتجاهه مجرمان ملثمان يركبان دراجة نارية ومن مسافة قريبة جداً أطلقت عليه ثلاث رصاصات دخلت في جبهته وتحت عينه وفي فكه … لتنقله فيما نرجو الله إلى عالم الشهداء.
لم يكن صبحي الصالح يسد ثغرات عظيمة في مجتمعه وبلده وحتى في الأمة المسلمة فحسب بل كان يمثل بحق الإنسان الذي كرمه الله ، فحقق كرامة الله فيه بنموذج قل نظيره في المعرفة والتقى والسمو والتسامح … لم يفقده فقط أيتام لبنان.. ولكن المسلمين جميعهم فقدوه، وخصوصاً أهل السنة والجماعة في لبنان فقد خسروا باستشهاده أحد أهم مرجعياتهم التي أعطتهم توازناً ورؤية حضارية واسعة وآفاقاً إيمانية مؤثرة … وساهمت في نقلهم من الغبش الحضاري والتشرذم إلى الرؤية الحكيمة والنظر البعيد، “وكان الصالح مقتنعاً أن حضارة العصر دائرة في الفراغ، مستعدة للرحيل … وكان يؤكد أن ضياع قيمة الإنسان هو الذي أضاع قيمة الحضارة، بين جماد المتحرك وتحرك الجماد، وبين انتصار الغريزة وانهزام العاطفة، وبين نفاق السياسة وعزلة الدين … وبرغم هذا كله كان الشهيد الصالح يتوقع حلول حضارة تقبل محل حضارة ترحل، وتوقع نور يسطع في أعقاب نجم يأفل، وإيناع حقول تثمر وسط روضات تذبل ..
إنها من الأفق البعيد تومض وتلوح …إنها من جديد حضارة الإنسان، لأنها حضارة الدين وقيم الروح”.

العلامة صبحي الصالح طرابلسي المولد من عائلة تركية الأصل ، نبغ فيها عدد من العلماء ، كأخيه الشيخ ناصر رئيس المحاكم الشرعية في لبنان ، والشيخ طه صابونجي مفتي لبنان الشمالي .
– درس في طرابلس وأتم دراسته الثانوية المدنية والشرعية في دار التربية والتعليم فيها ، ثم حصل على الشهادة العالية (الإجازة) من كلية أصول الدين في الأزهر الشريف عام 1947م ثم الأزهر ثم العالمية عام 1947م ثم سافر إلى فرنسة فنال شهادة دكتوراة الدولة في الآداب من جامعة السوربون عام 1954.
– قضى حوالي ثمانية وعشرين عاماً في التدريس الجامعي، في جامعة بغداد (1954-1956م)، وفي جامعة دمشق (1956- 1963م)، وفي بيروت العربية عمل أستاذاً للإسلاميات وفقه اللغة منذ تأسيسها وحتى استشهاده، وفي الجامعة الأردنية (1971-1973م)، وكان فيها رئيساً لقسم أصول الدين، وعين أستاذاً في الجامعة اللبنانية منذ عام 1963، وانتخب رئيساً لقسم اللغة العربية وآدابها فيها منذ عام 1975، ثم عين مديراً لكلية الآداب والعلوم الإنسانية عام 1977م، ثم صار أستاذ كرسي الإسلاميات وفقه اللغة فيها. وحاضر أستاذاً زائراً في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، والكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين في الجامعة التونسية، وسمي في جامعة ليون الثالثة بفرنسة مشرفاً على رسائل الدكتوراة في الدراسات الحضارية واللغوية والإسلامية.
– نائب رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في لبنان.
– رئيس اللجنة العليا للقرن الخامس عشر الهجري.
– الأمين العام لرابطة علماء لبنان.
– عضو مجمع اللغة العربية في القاهرة ، وأكاديمية المملكة المغربية ، والمجمع العلمي العراقي ، ولجنة الإشراف على الموسوعة العربية الكبرى.
منحته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم جائزة “التفكير الاجتهادي في الإسلام”.

– كان للعلامة الشهيد شخصية قوية ، وبديهة حاضرة ، وحضور محبب ، وجاذبية عفوية، وقد كان له في التلفزيون الأردني منذ أكثر من ثلاثة عقود مساجلات علمية راقية جداً مع بعض العلماء، وكان يدير ذلك الأستاذ الكبير ظافر القاسمي وهو ابن العلامة الشيخ جمال الدين، رحمهم الله جميعاً، أما في العراق فكان جامع أبي حنيفة في منطقة الأعظمية يكتظ بالشباب الملتزم العطش إلى المعرفة والعلم عندما كان يحاضر فيه العلامة الصالح ، ومن الطرائف الأليمة أنه كانت بين الشيخ الصالح وسيدي الوالد (محمد أبو الفرج الخطيب الحسني) رحمهما صحبة عميقة، واجتمعا في كلية أصول الدين في الأزهر، وكان الوالد هو أول أمين عام لاتحاد الطلاب السوريين في القاهرة، وواضع نظامه الأساسي، وكان يكتب بعض الأوراق بالعربية ويقوم الصالح بترجمتها إلى الفرنسية (وقد كان بارعاً فيها) ولست أعلم بالضبط عن ماذا كانت تلك الأوراق! مازلت أبحث لعلي أجد جواباً.
ولكن كما كان لهما مشرب متقارب في الحياة فقد اجتمعا في مشرب الموت، ومساء الاثنين مات سيدي الوالد فجأة وبعد أقل من اثنتي عشرة ساعة انتقل الصالح إلى جوار الله بطلقات مجرمة، فكان المصاب في قلبي مضاعفاً بفقد الوالد ثم استشهاد الصالح، رحمهما الله جميعاً.
من مؤلفات الشهيد الدكتور صبحي الصالح :
1- الإسلام والمجتمع العصري
2- النظم الإسلامية:نشأتها وتطورها ، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1385هـ، 608ص.
3- المرأة في الإسلام ، بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1400هـ،57ص.
4- نهج البلاغة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ضبط نصوصه وابتكر فهارسه العلمية، بيروت، دار الكتاب اللبناني، 1387هـ، 853ص.
5- أحكام أهل الذمة لابن قيم الجوزية (تحقيق وتعليق) ، ط2، بيروت ، دار العلم للملايين ، 1401هـ، 2مج.
6- شرح الشروط العمرية (مجرداً من أحكام أهل الذمة) ، 1391هـ.
7- دراسات في فقه اللغة ، دمشق ، مطبعة جامعة دمشق،1379هـ ، 412ص.
8- مباحث في علوم القرآن، ط14، بيروت ، دار العلم للملايين، 1402هـ، 381ص.
9- الإسلام ومستقبل الحضارة، ط2، دمشق ، دار قتيبة، بيروت ، دار الشورى، 1410هـ،442ص.
10- منهل الواردين شرح رياض الصالحين للنووي، ط5، بيروت ، دار العلم للملايين، 1397هـ،2مج.
11- الإسلام والمجتمع العصري، حوار ثلاثي حول الدين وقضايا الساعة، بيروت، دار الآداب، 1398هـ، 272ص.
12- فلسفة الفكر الديني بين الإسلام والمسيحية/لويس غردية-جورج قنواتي، ترجمة بالاشتراك مع فريد جبر، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، 1398-1403هـ، 3مج.
13- علوم الحديث ومصطلحه، ط8 ، بيروت، دار العلم للملايين، 1411هـ، 448ص.
14- معالم الشريعة الإسلامية، ط2، بيروت، دار العلم للملايين، 1398هـ، 422ص.
من بيروت مضت جنازة الصالح إلى طرابلس الشام بلد العلماء .. وفي الطريق وقفت كل مناطق لبنان وطوائفه ومذاهبة والدموع تترقرق في أعينها .. لأنه كان العالم الذي يلم الناس إذا افترقوا ويحيي فيهم الإنسانية إذا أطلت غرائز الوحوش، وأحنى الجميع رؤوسهم إجلالاً لموكب العالم المهيب، أما قتلته من المجرمين فظنوا أنه صبحي الصالح ومدرسته قد انتهوا ومازالوا يجهلون أن وراء الدجى يلد الفجر الجديد.

مصادر الترجمة :
– محمد خير رمضان يوسف ، تتمة الأعلام للزركلي ، بيروت ، دار ابن حزم ، 1418هـم1998م ، 1، 241.
– أحمد العلاونة ، ذيل الأعلام ، جدة ، دار المنارة ، 1418هـ/1998م ، 103.
– مجلة الشراع (أسبوعية – سياسية-عربية) ، السنة الخامسة، العدد239، الإثنين 13تشرين الأول 1968.ص 11-13.
– صبحي الصالح، الإسلام ومستقبل الحضارة، ط2، بيروت، دار الشورى، 1990.
– معلومات شفهية خاصة
– ملاحظة : صورة العلامة الصالح موجودة في قسم الصور

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على العلامة الشهيد الدكتور صبحي الصالح مغلقة

دمعة دمشقية…

(من علي الطنطاوي .. وحتى نزار قباني .. غريبان ماتا قبل أن يصلا ضفافك يا دمشق …) …
” …(دمشق!)، وهل توصف دمشق؟ وهل تصور الجنة لمن لم يرها؟ من يصفها وهي دنيا من أحلام الحب وأمجاد البطولة وروائع الخلود؟ من يكتب عنها (وهي من جنات الخلد الباقية) بقلم من أقلام الأرض فانٍ؟”.
“وبعد فأي مزاياك يا دمشق أذكر، وفيك الدين، وأنت الدنيا، وعندك الجمال وعندك الجلال، وأنت ديار المجد وأنت ديار الوجد، جمعت عظمة الماضي وروعة الحاضر!”.
كلمات كتبها علامة الشام علي الطنطاوي فما استطاعت أسوار الظالمين أسرها وتفلتت من أيديهم فسكنت قلب كل دمشقي فتبادلت معه ألحان الهوى.
نعم شامي متعصب أنا … دمشقي حتى الجنون أنا … أبغض كل جرادة مرت فيك يادمشق فلم يأسرها ربيعك، بل بقِيَت جرادة شرهة تقضم سندسك الأخضر الفتان.
وأُجِلُّ كل ضيف حل فيك فحنا عليك حنواً زاد فيه على حنو بنيكِ …

عاشق مفتون بك يادمشق أنا … أكره كل بومة هاجرت إليك، فلم تتعلم من رقيك شيئاً بل نشرت فيك الخراب والنعيق …وأحالت حضارتك السامقة خرائب، وبيوتك الفواحة ياسميناً وفلاً وقرنفلاً إلى حظائر للدجاج والصيصان…..
وأحني رأسي احتراماً لمن جاءك غريباً فعلم من أنت فحرص عليك فنقش على صفحات مجدك أثراً صالحاً أعلى منارة الحضارة فيكِ.

متيم بحبك يا أيها الجامع الأموي أنا … وقد سمعت علماءنا يروون عن الشيخ مصطفى الفرا .. أنه كان عند كل سارية فيك َعالمٌ وحَلَقةٌ … قبل أن يصبح مكاناً لأمثال الغربان السود .. من لطَّامات الخدود .. بل خاناً وفندقاً وحديقة .. بل مطعماً تفوح من سجاده رائحة (الزَفر) ، ويعلو الغبار والأوساخ أغلب رحابه، ويكاد يضيع سحره في نتن (كلسات) الغرباء ، ممن أتوا إليه لا لعبادة ولا اعتبار .. بل دخلوه في رمضان قبل المغرب فأكلوا فيه الطعام قبل وقت الإفطار ثم انصرفوا منه بعد المغرب دون صلاة … فهل يتخيل إنسان مسجداً يدخله الناس بلا صيام ولا صلاة ….
كم لا أطيق أن أرى منتسباً يا دمشقُ إليك، وقد تعافى من الغيرة عليك …

لك الله يا دمشق … كيف نُزع منك الياسمين واغتيل بردى ووئدت أزهار النارنج … بل اختطف فجرك ..فصارت سماؤك كلها سحب دخان .. تحمل السم وتزداد السرطانات وتنتشر بلا رقيب و لاحساب ..
يالله .. سوق ساروجة الذي كان إسطنبول الصغرى فصار كأنه قرية بدائية مر فيها مغول الرشوة والخراب..

يا لحي القيمرية .. وقد كان مثوى أهل العلم … فغزته المطاعم والحانات والأغراب … يشترون بيوته واحداً وراء آخر ولا أحد يدري من أين يأتون بالأموال التي تنفق بلا عد ولا انتهاء.!

ويا لحي العمارة الباكي .. والمناخلية .. يراد لهما أن يدكا لتمحى منائر آلاف السنين من العراقة والتاريخ والعبق الدمشقي الأخاذ ، وترتفع أبنية الإسمنت اللقيطة على أشلاء التاريخ والحضارة وبيوت أهل الشام!

يالفقراء الشام تصادر بيوتهم وأراضيهم وعقاراتهم … بأبخس الأثمان ثم تعطى للمترفين وتجار العمار، بل حَمَلة الخراب فيجنون من ورائها المليارات من عرق الناس ودموعهم وجهدهم وشقائهم.

يالمياهك يادمشق إذ كانت كل قطرة منها عنوان طهارة، ونعمة قدسية، فصار المبذرون يتبارون في استنزافها وهدرها وكأن لهم مع كل تحضر ثأر ومع كل رقي ونعمة عداء …

يا لله من حل بالشام من اللئام فلم يعرفوها ولم يعرفوا أهلها رغم أن علي الطنطاوي وصفهم منذ أكثر من ستين سنة: “وأهل الشام كالماء لهم في الرضا رقته وسيلانه، وفي الغضب شدته وطغيانه، بل ربما كان لهم من البركان فورانه وثوراته”.

مر بدمشق عبر تاريخها كثيرون أداروا الراح بدماء أبنائها ونهبوها و كانوا حشرات زاحفة وعوالق طفيلية ما فيهم واحد له همة أبناء الشام وجلدهم وجهدهم، وقعدت بهم الدنيا واحتاروا ماذا يعملون فاتخذوا السرقة والنهب واللصوصية عملهم، وبه يشرفون وبه يعرفون.

مساكين من لم يفهموك يادمشق … ولم يعلموا أن أبناءك نوعان … شجاع وخائف .. فأما الشجاع فبصدره يتلقى سكاكين من حسدوا .. وبقلمه يدفنهم في غياهب التاريخ… يصبر من أجلك ولا ينسى … ويعادي لأجلك ولا يحقد .. وأما الخائف فمَكرُهُ بالظالمين شديد … وسلوا من سبقوا يأتوكم بالخبر اليقين!

حبيبتي دمشق …..
تنوع أبناؤك بين متدين وماجن وعالم وجاهل وغني وفقير ومستقيم وغافل … لكنهم اتفقوا عليك وفي حبك تاهوا … أرأيت كيف أضناهم الهوى فما استطاعت صدورهم أن تحبس معانيهم فباحوا بحبهم فكتب شاعر الشام نزار قباني بوحَهُ بحراً متمرداً لمن ظلموا، وديعاً لمن عشقوا ..بحراً ليست له شطآن .. ولا حدود:
آه ياشامُ كيفَ أشرحُ مابي
وأنا فيكِ دائماً مَسكونُ
سامحيني إن لم أكاشِفكِ بالعشقِ
فأحلى مَافي الهَوى التضمينُ
نحنُ أسرَى مَعاً .. وفي قَفَصِ الحُبَّ
يُعاني السَّجَّانُ والمسجُونُ
ياإلهي جَعلتَ عِشقِيَ بَحراً
أحَرامٌ على البحَّارِ السُّكونُ
رضي اللهُ والرسولُ عن الشامِ
فنصرٌ آتٍ وفتحٌ مبينُ ..

حبيبتي يادمشق .. أسمعت وصف علامة الشام علي الطنطاوي لك عندما لبثتِ في مطلع سنة 1936 خمسين يوماً مضربة في وجه الفرنسيين فقال عنك: ” لاتجد فيها حانوتاً واحداً مفتوحاً، مقفرة أسواقها ….. فتعطلت تجارة التاجر، وصناعة الصانع، وعاش هذا الشعب على الخبز القفار، وطوى ليله من لم يجد الخبر، ثم لم يرتفع صوت واحد بشكوى، ولم يفكر رجل أو امرأة أو طفل بتذمر أو ضجر، بل كانوا جميعا من العالم إلى الجاهل ومن الكبير إلى الصغير، راضين مبتهجين، يمشون ورؤوسهم مرفوعة وجباههم عالية، ولم نسمع أن (دكانا) من هذه الدكاكين قد مس أو تعدى عليه أحد، ولم يسمع أن لصاً قد مد يده خلال هذه الأيام إلى مال، وقد كانت الأسواق كلها مطفأة الأنوار ليس عليها حارس ولا خفير، فهل قرأ أحد أو سمع أن بلدا في أوروبا أو أميركا أو المريخ يسير فيه اللصوص جياعا ولا يمدون أيديهم إلى المال المعروض حرمة لأيام الجهاد الوطني؟ ولقد بقي الأولاد في المعسكر العام في المسجد (الأموي) أياما طوالا يرقبون وينظرون، فإذا فتح تاجر محله ذهبوا فأغلقوه، ففتح (حلواني مشهور)، فذهب بعض الأولاد فحملوا بضاعته، صدور (البقلاوة والنمورة والكنافة) إلى المسجد، وتشاوروا بينهم ماذا يفعلون بها؟ فقال قائل منهم: نأكلها عقابا له، فصاحوا به: اخرس ويلك، هل نحن لصوص؟ ثم أرجعوها إليه بعد دقائق وما فيهم إلا جائع”.

ماذا أقولُ لمن جاءكِ يادمشق لا يتقنُ في الحياةِ شيئاً، ورأى كل الكرم والبذل والجود والعطاء، فلم يتعلم من بَنيكِ مهارتهم بل حَسدَ هِمتهم حَسدَ مكيود ، وماذا أقول بمن مر فيك يا حبيبتي دمشق من بعض اللصوص على مدى القرون فستر بعضهم عواره ببناء مسجد أو تكية أو سبيل .. وبمن مر بك من لصوص آخرين امتصوا كل ذرة خير فيك ثم لم يبنوا (ليس لك) ، بل لقومهم وأهلهم حتى ساحة دبكة ولا اصطبلاً مما سرقوه منك فقد كانوا بخلاء حتى على أهلهم وجيرتهم …

عشاقٌ هُمُ أهلوكِ، وفي عشقهم رفرفات ولطف … صاحب الدين فيهم غيور للحق، رقيق الفؤاد، رحيم الطباع .. واللاهي من بنيكِ عفيف القلب مهما اكتوى.. في عشقه براءة .. وفيمن يحب طهر وعفاف ….. هكذا كان أهلوك قبل أن يأتيك صاحب عمامة صنعته قسراً عنك أيدي الساسة غليظ الطباع سمج الحديث مهما تكلم… ثقيل الظل أينما سار … أو أصحاب شهوات ملصوقة بطين الأرض لايفارقون عالم الحس الغليظ في صباح ولا مساء .. الفجور صاحبهم بلا توبة ولا ارتقاء …

من شيخ الإسلام ابن تيمية إلى سلطان العارفين محيي الدين بن عربي، ومن الشيخ رسلان إلى الإمام ابن القيم.. ومن علم الدعاة مصطفى السباعي إلى مفتي الشام أحمد كفتارو ، ومن علامة الشام علي الطنطاوي إلى شاعر الفل والياسمين نزار قباني … بين كل هؤلاء ألف مدرسة ومدرسة … أتعلمين ما الذي يجمع بينها كلها ياحبيبتي… شيء واحدٌ .. هو حبك الذي سكن مهجهم وعانق أرواحهم فلم يروا عنك في أرض الله بديلاً … فبك ابتدأت الحضارة وإليك تعود وبك تنتهي … مهما حاول الجهلة أن يطفئوك أو يمحوا أثر أبنائك الذين زرعوا الحضارة والرقي والمدنية في دروب الحياة

وهاهو ذا نزار يخبرك عن عشق كل دمشقي وحبه لك:
ولو فتحتم شراييني بمِديتكم
سمعتم في دمي أصوات من راحوا
زراعة القلب، تشفي بعض من عشقوا
وما لقلبي إذا أحبَبتُ جرَّاحُ
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني
وللمآذن كالأشجار أرواحِ
كل من أحبك ياشام وكل من ذاق من عشقك وصلاً فهو دمشقي أصيل وإن أتى من أقاصي الأرض .. وكل من كان لئيماً مخرباً فهو لقيط فيك لا ينتسب إليك ولو تسلسلت وجمعت له الأنساب العظام.
منذ أيام خرجت من منطقة المكتبات في حي الحلبوني مذهولاً.. بعدما يئست من أن أجد كتاب علامة الشام علي الطنطاوي الذي يبوح بحبك يادمشق … وقد أخبرني الباعة أن كتب الشيخ قد سحبت من السوق!!
غرغرت الدمعة في عيني وتخيلت الشيخ علي الطنطاوي عندما توفي أبوه وهو طفل صغير فمر بظروف من الفقر والضيق لا يعلمها إلا الله ، وعاش في بيت مثل القبر لا يكاد يدخله نور ولاهواء وكان إذا استيقظ في الليل يرى قطرات الدمع تنسكب من عيني أمه الحنون، وقد هدها المرضُ، وأحاط بها الفقر المدقع من كل جانب، وهي تدفع البق والحشرات عن الأطفال الأيتام الذين مضى والدهم وتركهم بين أيديها … وتخيلت الشيخ علي مرة ثانية عندما زرته منذ سنوات كثيرة فبكى رقة لذكر ابنته ( بنان) وقد أطلق المجرمون النار عليها فأردوها قتيلة بخمس رصاصات، وما رحموا لها غربة ولا أمومة ولا إنسانية، فيا خجلة المؤرخين من أفعال الجبناء …
أفقت مما تخيلته ونظرت حولي فوجدت اللافتات التي تغزو الطرقات تدعو الناس إلى انتخاب أصحابها .. وقد مل الناس من معظم الأسماء التي صارت كالضيف الثقيل لا يصدق الإنسان رحيله .. بعدما خبروا أكثر أصحابها فلم يروا فيهم شيئاً من الوفاء … لا للشام ولا لدمشق .. ولا لحق ضاع فيها .. ففي عهدهم تآكلت المنابر من المساجد إلى الصحافة إلى الكتابة إلى السياسة .. حتى كأنها من عهد عاد …
وفي زمنهم ضاعت غوطتها … بعدما عملت الوسائط والرشى في اقتلاع شجرة جوز وراء أخرى .. حتى أصبحت مثل الصحراء التي عرّشت فيها جحافل الجراد …
وما بين ذلك من دمار الحجر والشجر والبشر … مالا تنتهي من كتابته الأقلام … وسيتوارى التاريخ خجلاً من سوء ما ستقع عليه عيناه …
لوكنتم أيها المرشحون العظماء تحبون الشام لما صارت في شر حال …

عدت بذاكرتي إلى ما قرأته عن فترة الخمسينات عندما كانت الانتخابات مفتوحة، والجميع يتنافسون، ولايوجد أحد يصادر قرار أحد … ولا حزب يدعي العصمة أو يؤله نفسه فوق العباد .. وأسماء قادة الأحزاب وزعماؤهم معروفة للجميع .. فارس الخوري .. صلاح الدين البيطار … مصطفى السباعي.. رياض المالكي .. خالد العظم ..
وأجلت النظر ثانية فيما تقع عليه عيني من اللافتات فلم أجد من بين كل الأسماء رجلاً يستطيع أن يدعي أنه عاشقٌ للشام … وفيٌ لدمشق … رجل يستطيع القول أن له فيها تاريخاً حافلاً بالحفاظ عليها والدفاع عنها دفاع المستميت …
قدموا أنفسكم وعلقوا صوركم ولافتاتكم أيها المرشحون الكرام .. ولكن ثقوا أن الناس تعرف كل مفصل في حياتكم وتعرف المحب من الوصولي … والصادق من المنافق .. … وأنا لن أنتخب واحداً منكم وهنيئاً لكم فوزكم الظافر المبارك … على أشلاء مدينتكم وأهلكم وعلمائكم ودهمائكم أيها المرشحون العظام!
تلفَّتُّ إلى الوراء …ونظرت إلى واجهات المكتبات، ثم غرغرت الدمعة في عيني … أسَجناً للشام حتى في كتب علامتها الطنطاوي …أقيداً على العقول في أمة صارت من أدنى أمم الأرض ثقافة وقراءة ومعرفة … أمصادرة للكتب في زمان صار همُّ الناس فيه (سندويشة) يسدون بها جوعهم ولا يهم أكثرهم مقال ولا كتاب … أوصاية على البشر في عصر طلق الناس فيه فكر المعصومين والأوصياء …. أظناً أن ذلك ممكن في عصر انفجرت فيه المعلومات وامتدت أخطبوطاً بمليون ذراع تتعانق فيها مصادر العرفان … أتحريماً لحب الشام وكل حبة تراب فيها سقته راية قائد ولوعة فقيه وغيرة محب ومهارة تاجر وأنين عاشق ودلال صبية وقصيدة شاعر ولوحة رسام!
حسنٌ … فلتمنع كتب الشيخ علي الطنطاوي … وليحرم أهل الشام من رمز من أعظم رموزهم … ولكن ليثق الكل أن الشيخ علي الطنطاوي وأمثاله أرسخ في قلوبنا من جبل قاسيون ….

نزلت دمعتي أخيراً وأنا أغادر منطقة الحلبوني … وتذكرت دموع علي الطنطاوي وحبه للشام .. ومرت بي أطياف نزار قباني عاشق الشام … وتتابعت أمامي ألف صورة وصورة، ثم اعتراها الغبش من دموعي الهاملة … ونظر إلىَّ شخص يعبر الشارع مدهوشاً لرجل يبكي في الطريق … لم أخبره لم كنت أبكي فقد حبست أشجاني في صدري والآن أبوح لكم بها أيها الناس … كنت أبكي على المساكين الذي سحبوا الكتب من السوق …. وهم لا يعرفون من هو علي الطنطاوي …

كتبه : أحمد معاذ الخطيب الحسني
دمشق: 13 ربيع الأول الأنور 1428هـ
1 نيسان 2007م

– هذه المقالة هدية لكل من يحب الشام … فأهدها إلى كل المحبين والعشاق

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على دمعة دمشقية… مغلقة

رسالة من بلاد الغربة

هذه رسالة عفوية من أخ يطلب العلم في بلاد الغرب (الأستاذ أنس) أطلق فيها لمداد قلمه العنان ليحمل بعض مافي صدره إلى إخوانه نصيحة وموعظة وذكرى فجزاه الله كل خير .

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وحده لا شريك له الملك يحي ويميت وهو على كل شيء قدير، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة القدوة محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان وسلم.
إخوتي الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، قد بدأ الفصل الثاني الجديد منذ أسبوع، واستقراري بالمدينة الجديدة بات ممتازا ً بفضل الله، كان الإنجاز في الفصل الأول على مستوى العمل المخبري أكبر منه على مستوى الامتحانات النظرية ، فالعوائق التي كانت في الفصل الأول من لغة علمية جديدة تماما ً وبحث عن سكن وتأقلم في المدينة الجديدة وفهم لنظام الدراسة هنا، كل ذلك حال دون نتائج كثيرة على مستوى الامتحانات النظرية ولكن الأمور بنظري جيدة جداً والحمد لله، والفرصة للإقلاع والتعويض بالفصل القادم كبيرة إن شاء الله.
أكتب لكم هذه المرة وأنا خائف فالشعور الذي ينتابني غريب وقد مضى علي عام من السفر والغربة، مضت كأنها طرفة عين وما كنت أتخيلها تمضي، وما أدري كم كان فيها من الإخلاص وكم كان فيها من النية الصالحة …..أستغفر الله وأتوب إليه، ولما أسأل بعض الشباب عن مدة وجودهم هنا فيقولوا لي خمسة أو ستة أعوام أُذْهل وأسأل الله المعونة والرحمة، أما عندما أسمع من بعض الرجال أرقاماً كعشرين وثلاثين عاماً فعندها أستعيذ بالله وأسأل الله العافية في الدنيا والآخرة.
على كل هاهي قد مضت السنة كلمح البصر وبالنهاية كانت كل الأرقام السابقة عند المقيمين هنا كذلك، وسينقضي العمر كذلك (كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها)
لذا وجبت المحاسبة وتصحيح المسار كل حين، وكثرة المحاسبة تعكس اليقظة ونعوذ بالله من الغفلة، أما الهمة بعد المحاسبة للتغيير فهي أمر ليس باليسير، كما أن الحاجة للتجرد والصبر والمجاهدة كبيرة، ولن يُعْلَم الطريق الأجدى والعمل الأفضل إلا بالعلم والاطلاع وإصلاح الحال مع الله وطلب التوفيق منه.
لماذا كل هذا الكلام ؟ ولم تلك العبارات وهذه التذكرة؟
أحبابي لقد تفرق الشباب في أرض الله الواسعة وفق سنة الله وتحت ضغط الظروف الصعبة وطلباً للرزق الكريم وسعياً وراء المعرفة والخبرة، فكان سفر قلتهم قصيراً وسفر أكثرهم طويلاً، وفي بلاد الغربة ينهمك المرء في العمل أو الدراسة وبعيداً عن الذكرى تضيع معالم الطريق وتُنْسى الأهداف وتنمحي العهود، وبثقافة الحياة المادية والمصلحة الشخصية وبقلة القدوات والعينات القاطرة لا المقطورة ومع مضي الوقت يتحول الأشخاص وتنقلب رؤيتهم ومفهومهم للحياة دون أن يشعروا، فينضم لقائمة المسافرين المفقودين فرد جديد.
واسمحوا لي أحبابي أن أسأل نفسي وأسألكم في الشام وخارجها بعض الأسئلة الهامة متى كانت آخر مرة جلست فيها مع نفسك جلسة هادئة صافية فأمسكت بورقة وقلم وكتبت أهدافك التي كنت ترجو تحقيقها في العام المنصرم فحاسبت نفسك أحققتها أم لا ؟ وهل كانت هذه الأهداف كلها ترمي للمصلحة الشخصية المباشرة أم كان فيها ما يصب تحت نشر الخير والبذل للآخرين؟ هل كانت أهداف البناء كلها تحت خطة لزيادة الدخل وتحسين الظروف المادية (علما أن ذلك مطلوب شرعاً لكن ليس لدرجة أن ينسى المرء نصيبه من الآخرة وأن ينسى واجباته تجاه مجتمعه) فقط أم كان هناك ما فيه بناء على الصعيد الإيماني والأخلاقي والاجتماعي والثقافي مما يعود بالنفع على الصعيد الشخصي والاجتماعي؟ وهل كان بعد ذلك تصويب للأهداف ودراسة للمعوقات؟ وهل تبع ذلك خطة للعام القادم وخطة للمحاسبة خلاله؟ هل استشار أحدنا إخوانه وأهل الخبرة من حوله أم بقيت هذه الأمور مخفية وتحت طي الكتمان بحجة الخصوصية، والله أعلم بما فيها من مخالفات استشعرت النفس قبح ظهورها فآثرت كتمانها بحجج واهية؟ وهل نحن على مستوى من الترتيب والتنسيق لنضع تلك الأوراق وهذه الدراسة في مكان أمين نستطيع العودة إليه كل فترة لنراجع أمرنا أم أنها ستضيع وترمي بها الأيام في أماكن مجهولة؟ وما هي قدرة الثبات على هذه الخطة وما هو أسلوب ترجمتها وإسقاطها على الحياة (وهل راعت أساساً الظروف الواقعية الموضوعية أم كانت نوعاً من حماسة وفورة بعيدة عن الواقع) أم أنها ستكون مسيرة ماتت بعد أول خطوة فبقيت ذكرى جميلة حبيسة للأوراق ومؤطرة بالأفكار لا حرية لها ولا فاعلية، لا في الصباح قبل الذهاب للعمل ولا في المساء ولا في الأوقات الضائعة ( في المواصلات مثلا) ولا في أوقات العطل ولا حتى في الدعاء؟ وعند الوحدة والخلاء هل راقبنا الله في هذه الخطة فقمنا بها حق قيامنا أم أننا اعتدنا دوماً وجود الأخوة إلى جانبنا ليذكّرونا ويشدّونا ويحملونا فما عدنا قادرين على السير وحدنا فضلاً عن شد آخرين؟
أسئلة كثيرة وجوابها ليس بسهل ، لكن فترة الشباب فرصة ووضع الأمة خطير فكان العمل واجب والصبر أوجب.
إخوتي في الله إنني لأستغفر الله كثيراً من تقصيري وأسأله أن يغفر لي خطيئتي، وأستعيذ به من أن أحدثكم بشيء ثم لا يكون لي منه نصيب وافر.
هذه الأسئلة واجب الجواب عنها، فهي ترسم ملامح للعمل، والمحاسبة تقي الانجراف مع تيار الظروف، الذي سيرمي بك حتماً خارج أهدافك إن لم تبق يقظاً ممسكاً بالدفة لتعدل المسار وتبقى على الطريق، والسؤال يوم القيامة أكثر تفصيلاً وتفصيلاً، واليوم عودة وتصحيح وتدارك، أما عندها فلا شيء من ذلك إلا جزاءاً ورضاً من الرحمن أو سخطاً نسأل الله العافية.
نصيحة من القلب بعد عام من غربة مرير، وبعد سبل فرقت كثيراً من الأخوة وبهم تسير، وبعد نظرة لحال تعيشه الأمة خطير، وبعد شوق لكم كبير كبير، وشوق للبلد عارم وفير، وبعد ذكرى ليوم الحساب الأخير …..وخوف من رب بكل شيء بصير وعلى كل شيء قدير.
حماكم الله ورعاكم وزادكم علما ً وعملا ً ورزقا ً حلالاً وجمع بيننا على خير في الدنيا والآخرة وجزاكم الله خيراً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

6 / ربيع الأول /1428
25 / آذار /2007

كُتب في مقالات القراء, منائر | التعليقات على رسالة من بلاد الغربة مغلقة

جلال الدين الرومي ينافس شعراء الحداثة الأميركية

ما سر اهتمام أميركا بشاعر القرون الوسطى الصوفي، جلال الدين الرومي، شاعر اللغة الفارسية ومؤسس أهم مظاهر الثقافة الصوفية في العالم الإسلامي. أو سر عروض الأزياء الأميركية التي استضافت شعره كأسلوب تسويقي لملابس السهرات الرومانسية أو شركات الآلات الموسيقية التي قررت حفر أبيات من شعره على منتجاتها، هل هو توظيف مرحلي سياسي،

أو توظيف روحي كما عبرت عنه محررة مجلة، بابليشر ويكلي الأدبية، فيليس تيكل » إن جماهيرية الرومي في أميركا تعود إلى ما نعانيه من ظمأ روحي شديد«. أم أنه زيادة في الوعي بهذه الشخصية التي روج لها كتاب مترجمه الشاعر الأميركي كولمان باركس » رومي المميز« 1995، دار هاربر كولينز، سان فرانسيسكو؟

لقد تحولت قصائد ودواوين، رومي (كما يشتهر جلال الدين الرومي في أميركا)، على يد باركس مترجمه الرئيسي، إلى نجاح قياسي تجاري، جماهيري يتربع مؤلفه على عرش إمبراطورية الشعر »الغربي الحديث« إلى جانب أسماء نعرفها وهي شديدة المعاصرة منها الايرلندي شيموس هيني الحائز على جائزة نوبل، والشاعرين الأميركيين روبرت بنسكي، وماري أوليفر. وعلى الرغم من ذلك نتساءل…

لماذا أحبته أميركا كل هذا الحب. وهل توفر الثقافة الغربية بذلك الإجابة عن سؤال مطروح اليوم… هل تستحق الثقافة الإسلامية اهتماماً خاصاً بها بعدما فرط بالكثير؟

ولد جلال الدين الرومي في الأناضول، في مطلع القرن الثالث عشر، وتوفي في 17 ديسمبر 1273. على الرغم من أن السؤال المطروح هنا هو كيف تسنى له هذا الرواج التجاري الذي لم تحققه أي من الأعمال الشعرية الصادرة في أميركا أواخر التسعينيات، وهو ما كان يبدو بعيداً عن أي احتمال، حسبما جاء في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، على الأقل.

إلا أن ذلك لا يبدو احتمالاً بعيداً إلى الحد الذي يضاهي الغموض الذي يحيط بتحوله من واحد من علماء العصور الوسطى قام بتدريس الفقه وغيره من العلوم الإسلامية إلى معلم روحي منتم إلى الحقبة الأميركية الجديدة.

كانت مختارات من قصائده »النابضة« التي قام بترجمتها الشاعر الأميركي »كولمان باركس« قد تحولت إلى موسيقى شعرية إضافة إلى قيام مجموعة من نجوم الغناء الأمريكي منهم مادونا، وغولدي هاون، وديمي مور بتسجيل مقاطع من شعره.

وكذلك تردد أن سارة جيسيكا باركر أصبحت تؤدي تمريناتها الراقصة على موسيقى الروك أند رول المسجلة من شعره، كما أنه صار متوفراً في محلات بيع الكتب وشبكات الإنترنت التي تقدم خدمات سمعية متطورة لسكان نيويورك الذين يعانون من ضغوط التنقل اليومي المستمرة. وكذلك تم الترحيب به كواحد من حاملي مشعل الروحانية والمجون.

إن القليل مما سبق ذكره يبدو بالطبع ، متعلقاً بالرواية التاريخية الأصلية للرومي، أو موروثه الشعري الفارسي الصوفي المتميز بالعمق. وحسبما يقول مؤلف سيرته الأكثر وثوقاً، الباحث الفارسي، فرانكلين. دي. لويس، »بينما يتراءى لنا الرومي شخصية بعيدة إلى حد ما عن روح العصر، يساء فهمه كثيراً كشاعر غزلي، فإن هذه النظرة الساذجة يمكن التصدي لها بالقول بأن قصائد الرومي تقع في دائرة الإبداع«.

والواقع أن هنالك مفارقة عبثية يمكن إضافتها ، حيث على الرغم من أنه نشأ وكتب أعماله في منطقة وسط تركيا، إلا أن أحداً لم يقرأه هناك تقريباً كما أن المكتبات تكاد لا تحتوي على نسخ جديدة من مؤلفاته المكتوبة باللغة التركية المتداولة في الوقت الراهن. من وجهة نظر، طلعت هالمان، الباحث التركي البارز المتخصص في دراسة الرومي، الذي قابلته في استنبول فإنه لا يمكن القول بأن الرومي،

هو الشاعر الأكثر رواجاً في تركيا لسبب واحد هو أن، قصائده لم تترجم على نطاق واسع كما ينبغي له أن يكون، كما أن الترجمات المتوفرة ما زالت تفتقر إلى الشاعرية. وببساطة فإن الناس لا يتمتعون بقوة الاحتمال التي تساعدهم على قراءة مجلد ضخم مثل (رائعة الرومي ) المثنوي.

إلا أن قصائد الرومي ليست الشيء الوحيد الذي لا يقرأ هناك. فقد تعرض ما يعرف بالطريقة المولوية للدراويش الصوفية التي قام بتأسيسها إلى الحظر الرسمي منذ قيام حكومة أتاتورك،

كما أقفلت أبواب التكايا الجميلة، التي إما تحولت إلى خرائب أو صودرت من قبل الدولة ، من أجل، ما يشكل مفارقة تراجيدية، وهو أن تصبح تركيا دولة غربية الثقافة، وتكون قريبة من أوروبا والولايات المتحدة.

يعتقد هالمان أن الثقافة الصوفية التي أسسها الرومي تجسد »جوهر العقيدة الإسلامية المتحرر من القيود«… الجوهر الذي أعتقد بأنه يحتاج إلى التأمل في مرحلة أصبح فيها الإسلام مقروناً بالإرهاب. إن الجوهر الصوفي يعمل على تليين الرسالة التي يحرص الدين الإسلامي على توصيلها بتعزيز مشاعر الحب،

والعلاقة القوية التي تربط ما بين المحب والحبيب، وهو الله الحبيب الأول والأخير. هكذا يصبح الله في عيون الرومي والصوفيين، بعيداً عن الثورة والغضب والعقاب، بعيداً عن الانتقام، رمزاً للحب«.

على الرغم من أن حياته، كغيره من المتصوفين الذي عرفوا في القرون الوسطى، في الشرق أو الغرب، لا تزال محاطة بالغموض الناجم عما يعرف بتقديس المترجم للمترجم له. إلا أن بعض الحقائق المتعلقة بها تظهر على هذا النحو..

ولد جلال الدين الرومي في بلخ، عاصمة إقليم خراسان ، فيما يطلق عليه في وقتنا الراهن، أفغانستان، في 30سبتمبر 1207، ثم هاجر مع عائلته إلى الأناضول قبل فترة قصيرة من تدمير المغول لمسقط رأسه سنة 1221.

بعد تدربه كواعظ وقانوني، عمل في مدرسة، قونية ، مدرساً للشريعة الإسلامية حسب المذهب الحنفي. وهو المكان الذي توفي فيه في 17ديسمبر 1273، حيث يوجد إلى الآن ضريحه، الضريح الأخضر.

ثمة ما كان له تأثير قوي في حياة جلال الدين الرومي.فقد كان للقائه بالدرويش الصوفي الجوال، شمس الدين تبريزي، وهو في السابعة والثلاثين، أثراً عظيماً في كل من حياته الفكرية والإبداعية. فمنذ التقى به لم يفارقه حتى لحظة رحيله عن الدنيا على نحو يحيط به هو الآخر نوع من الغموض،

وهو ما يعبر عنه الرومي في سلسلة من أروع ما كتب من قصائد الشوق وألم الفراق والتوق إلى لقاء الحبيب الذي يربطه به ذلك الحب المتسامي الرفيع، وهي مجموعة ضخمة من الملاحم والأشعار يصل عددها إلى 3500 قصيدة غنائية و2000 رباعية، أما رائعته الخالدة المثنوي،

فهي الأكثر شهرة بين أعماله الملحمية وقد نظمها في ستة مجلدات ضخمة تشتمل على 25649 بيتاً من الشعر استخدم فيها فن الحكاية المتقن، وأضاف لها شخصيات وحوارات لا تقل استثنائية عما نجده في بعض القصص المعاصرة، بينما يدور موضوعها الرئيسي حول قصة رمزية »العندليب والوردة«،

وهي من الرموز المتداولة في الثقافات الشرقية، وفيها يرمز العندليب إلى العاشق المتيم والوردة إلى المعشوق العلوي، أو الحقيقة التي يسعى إلى اكتشافها بصعوبة بالنظر إلى المسافة الفاصلة بينهما. من وجهة نظر الكثيرين فإن ما تعبر عنه هذه الملحمة الصوفية الخالصة يتلخص في عمق الشعور والرصانة الفكرية.

لقد كرس الرومي حياته من أجل تجسيد المبادئ المعبرة عن التربية الشخصية والروحية الإسلامية التي تحمل في ثناياها جوهر الفلسفة الرامية إلى الحب والسعي إلى رأب العلاقة القائمة بين الخالق والمخلوق وهي كذلك محاولة لوصف الحالة التي يصل إليها ناشد الحب الإلهي عوضاً عن الخوف بالنظر إلى الله بعين الحب فهو كامن في النفس البشرية.

ولأن الوسيلة المثلى للوصول إلى الله هي القلب، فقد آمن هذا الشاعر الصوفي بأن عبادة أي منا لا يمكن اعتبارها طريقة ننتمي إليها بقدر ما هي دعوة إلى إقامة الدنيا على أسس المحبة الصادقة، إن عقيدتي كما يقول »هي الحياة من خلال الحب«.

في نهاية مقاله يتساءل، الكاتب الصحافي، وليام دالريمبل، الآن وبعدما أدرك الناس في بلد مثل تركيا، على سبيل المثال، أن الثقافة الغربية باهتمامها بالثقافة الإسلامية لا يمكنها أن تكون الشيء الوحيد الذي يوفر الإجابة الشافية على السؤال المتعلق بما إذا كانت الثقافة الإسلامية جديرة بالاهتمام، هل يمكن القيام بشيء بعد فوات الأوان، وضياع أشياء كثيرة أصبح من غير الممكن استعادتها.

جلال الدين محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن قاسم بن مسيب الذي يرجع أصله كما يقال إلى أبي بكر الصديق الرومي، مفكر إسلامي، صوفي سكولستي (مدرسي) وشاعر فارسي الأصل ارتبط اسمه بأشياء كثيرة منها مدينة قونية التركية التي هاجر إليها في صباه، أو بلاد الروم التي جاءت منها تسميته بالرومي، وما يعرف بالطريقة المولوية للدراويش الصوفية، وإنشاد السماع الذي اشتهرت به مجموعة الدراويش القونية.

نظم الشعر بالعربية والفارسية. من أهم آثاره الأدبية غزلياته العرفانية وملحمته الشهيرة، مثنوي التي وصفها بعض النقاد بقولهم إنها، قرآن العجم، وديوان »شمس تبريز« المشتمل على غزليات صوفية.

وكتاب »المجالس السبعة« المشتمل على سبع مواعظ دينية وخطب مدرسية. وكتاب تحت عنوان » فيه ما فيه« وهي مذكرات حول مجالس الصوفيين القونية وقصص ومواعظ ذات صلة. إضافة إلى مجموعة من الرسائل الموجهة إلى شمس الدين تبريزي.

بقلم: وليام دالريمبل / ترجمته بتصرف: مريم جمعة فرج – عن الخليج الثقافي

www.alimbaratur.com

كُتب في المناهج | التعليقات على جلال الدين الرومي ينافس شعراء الحداثة الأميركية مغلقة

المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية – 1

هذا بحث قديم نسبياً لكنه مفيد وخصوصاً للدعاة وسننشره على حلقات خشية الإطالة ونأمل أن ينفع الله به وجزى الله مؤلفه كل خير

المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية
دراسة ميدانية

تأليف :د. عـبد الرزاق بن حـمود الزهـراني / أستـاذ مشارك في قـسم عـلم الاجتماع
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
ترجمة الدعاء الذي رفعة سراج وهاج في مجلس النواب الأمريكي في 52 يونيو 1991 م:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده رب العالمين وخالقهم .
الحمد لله الذي شكلنا ولوننا في أرحام أمهاتنا، فجعل منا الأبيض والأسود والبني والأحمر والأصفر. الحمد لله الذي خلقنا من ذكور وإناث وجعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف.
يا رحمن يا رحيم يا عليم يا حكيم يا عادل يا الله. نعبدك أنت وحدك، ونسألك أنت وحدك أن تعيننا.
اهد قادة هذه الأمة الذين أعطوا مسؤولية جسيمة عن شؤون العالم، اهدهم يا الله وامنحهم الاستقامة والحكمة.
اهدنا وإياهم الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، صراط عبيدك المؤمنين، صراط نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. اهدهم وإيانا طريقاً غير طريق العاصين، المغضوب عليهم يارب العالمين .

فهرس الموضوعات:
مقدمة

الفصل ا لأول: موضوع الدراسة وأطرها النظرية
موضوع البحث
تساؤلات البحث
أهمية البحث
الإطار النظري
الدراسات السابقة
الدراسات العربية
الدراسات ا لأجنبية

الفصل الثاني: أمريكا الشعب والأرض
الأرض
التركيب السكاني
الأسرة في المجتمع الأمريكي
التدين في المجتمع الأمريكي

الفصل الثالث: السكان المسلمون 
تاريخ دخول الإسلام إلى أمريكا
مسلمو ما قبل الحرب الأهلية
الهجرات الأولى
الجالية العربية
الوضع السكاني (الديموجرافي)
مناطق تركز المسلمين

الفصل الرابع: التنظيمات والمؤسسات الإسلامية 
التنظيمات المبكرة
اتحاد المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا
اتحاد الطلبة المسلمين
الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية
جماعة الدعوة الإسلامية الأمريكية
طائفة الحنفيين
دار الإسلام
أنصار الله
أهم المراكز الإسلامية
جمعيات ومؤسسات أخرى

الفصل الخامس: الإطار المنهجي للدراسة 
منهج الدراسة
مجتمع الدراسة
عينة الدراسة وطريقة اختيارها

الفصل السادس: عرض وتحليل بيانات الدراسة الميدانية 

الفصل السابع: المركز الإسلامي في مدينة بولمان (دراسة حالة).
الموقع
سبب الاختيار
المعرفة الأولى بالمدينة
بدايات نشأة المركز
شراء الأرض
إنشاء المركز
لجان المركز
لجنة الدعوة
لجنة السجن
اللجنة الاجتماعية
لجنة الثلج
لجنة التربية والتعليم
لجنة الرياضة
اللجنة الإعلامية
النشاطات النسائية

الفصل الثامن: تلخيص عام وخاتمة 

المراجع
المراجع العربية
المراجع الأجنبية
استبانه الدراسة

مقدمـــــــــــــــــة
تعـتبر الولايات المتحـدة الأمريكية من أكثر الدول في العالم، إن لم تـكن أكثرها، اسـتقـطابا للمهاجـرين. فسكانها يتكونون مـن فـئات اجـتماعـية ترجع في أصـولها إلى أماكـن كثيرة ومتـفـرقة من العـالم. ويعـكس ذلك كتاب (أمة من المهاجرين) بقلم الرئيس الأمريكي الراحل (جون كنيدي) الذي تحدث فيه عن الهجرات وقوانين الهجرة إلى أمريكا، وما جرى من تعديلات وتغييرات على تلك القوانين (كنيدي، 1965). ولعل أهم الفئات الاجتماعية (الإثنية) من غير الأنجلوساكسون والجرمانيين تتمثل في السود والآسيويين والهنود الحمر، و (التشيكانوز)، وهم الذين ينحدرون من أصول أسبانية وبرتغالية. كما أنه من النادر أن توجد دولة في العالم لم يهاجر منها أحد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما الاختلاف في عدد المهاجرين، فبعض الدول مثل سوريا ولبنان ومصر من العالم العربي هاجر منها أعداد كبيرة، والبعض الآخر لم يهاجر منها إلا أعداد قليلة لا تكاد تذكر مثل دول الخليج العربي.
ولقد جاءت فئات المهاجرين تحمل معها عقائدها وقيمها وأخلاقها وشيئا من تراثها. وبما أن الإسلام يعتبر من كثر الأديان انتشارا في العالم، فقد وصل إلى أمريكا في مراحل مبكرة جدا أعقبت اكتشافها من قبل كولومبس في عام 1495م بفترة وجيزة، إن لم تكن سبقته كما تشير بعض المصادر كما سنرى. ومن المحتمل أن بعض المسلمين وصلوا إلى أمريكا على السفن والبواخر التي أقلت (كولومبس) ومن معه، ولكنهم كانوا يخفون إسلامهم خوفاً من القتل والتعذيب، ولعل من المفيد أن نذكر أن الفترة التي تفصل بين إخراج المسلمين من الأندلس على يدي (فرديناند وإيزابلا) واكتشاف أمريكا هي حوالي ثلاثة أعوام تقريباً، حيث أخرج المسلمون في عام 1492 م، وتم اكتشاف أمريكا في عام 1495م. ومن المعلوم أن محاكم التفتيش فعلت فعلها في القضاء على الإسلام والمسلمين في تلك البلاد، وبقيت فئة سميت بـ (المورسيكيين) حافظت على إسلامها في الخفاء، وهاجر بعض أفرادها إلى أمريكا، واستمروا محافظين على إسلامهم خفية هناك. وأصبح في حكم المؤكد أن السود يعتبرون من أوائل من حمل الإسلام إلى أمريكا بصورة جماعية عندما أخذوا عنوة وأدخلوا في ذلك المعتقل الكبير، ومهما يكن من أمر الفئات المسلمة التي وصلت إلى أمريكا في القرون الماضية، فإن الذي لا شك فيه أن أعداد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية قد تزايدت في القرن العشرين، وخاصة في النصف الثاني منه، وبالأخص في العقدين الأخيرين.

فقد تزايد المهاجرون من العالم الإسلامي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكثرت البعثات، وتزايدت أعداد الداخلين في دين الله أفواجا، وخاصة من السود الذين يرون أن أصولهم إسلامية، وأن أسرهم عندما جيء بها إلى العالم الجديد كانت مسلمة. وزاد من إقبال السود على الإسلام ظهور زعامات ورموز قوية ونافذة من المسلمين السود، اشتهرت ليس على مستوى أمريكا فقط، وإنما على مستوى العالم كله، ويأتي في مقدمتهم مالكلوم إكس، ووارث الدين محمد، ومحمد على كلاي، ولاعب السلة المشهور عبد الكريم عبدالجبار وغيرهم.

ونتيجة لذلك كله، شهد العمل الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية نقلات وخطوات كبيرة إلى الأفضل والأحسن، منها العمل على تصحيح بعض المعتقدات المنحرفة عند بعض الطوائف والجماعات المنتمية إلى الإسلام، ومنها التوسع في إنشاء المؤسسات والجمعيات والمراكز والمدارس الإسلامية، ومن تلك النقلات المهمة استخدام وسائل الإعلام الحديثة من إذاعة وتلفزيون وصحافة وأشرطة في الدعوة الإسلامية، وبعدد من اللغات.

ويأتي هذا البحث محاولة لدراسة أوضاع الأقلية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية وقد حوى ثمانية فصول، خصص الفصل الأول لموضوع البحث وأهميته وأطره النظرية ومراجعة الدراسات السابقة. وخصص الفصل الثاني للحديث عن أمريكا من ناحية جغرافيتها، وتركيبتها السكانية، والنظام الأسري فيها، والتدين في المجتمع الأمريكي. أما الفصل الثالث فتم فيه استعراض الجانب السكاني (الديموجرافي) للمسلمين في أمريكا من حيث تاريخ وصولهم إليها، وتطور الهجرات من البلدان الإسلامية، وتقدير أعدادهم ومناطق تركزهم. وفي الفصل الرابع تم استعراض نشأة وتطور الجمعيات والجماعات الإسلامية. أما الإطار المنهجي للدراسة فتم استعراضه في الفصل الخامس. والفصل السادس حوى التقرير والجداول المتعلقة بالدراسة الميدانية. أما الفصل السابع فكان دراسة حالة لأحد المراكز الإسلامية في أمريكا. واختتمت الدراسة بالفصل الثامن وهو تلخيص لأهم ما ورد فيها، وأهم ما توصلت إليه من نتائج، مع بيان أهم التحديات التي تواجه المسلمين هناك. وفي الختام قدمت بعض التوصيات لدعم المسلمين ومساعدتهم على المحافظة على هويتهم ونشر الإسلام، والتأثير في صناعة القرار هناك .

ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أسهم في مساعدتي في هذه الدراسة، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، وأخص بالشكر الدكتور أحمد توتنجي الذي قدم لي كثيراً من المعلومات والتقارير عن المسلمين في أمريكا، كما يمتد شكري للأخوة خالد التركي وعبدالعزيز العبود وأحمد يونس الذين كانوا يدرسون في جامعة ولاية واشنطن على استضافتي أثناء وجودي بينهم وتحكيم استمارة البحث. ويمتد شكري للأستاذ الدكتور عبدالرحيم بن حمود الزهراني الأستاذ بقسم الهندسة المدنية في جامعة الملك عبدالعزيز على مساعدته في رسم المسقط الأفقي للدور الأول والدور الأرضي للمركز الإسلامي في مدينة بولمان، كما أشكر الأستاذ أحمد بن سالم الزهراني أمين عام اللجنة العليا للإصلاح الإداري في معهد الإدراة على قراءة أصول هذا البحث وإبداء ملاحظات لغوية، وتصويبات مطبعية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني

الرياض 28/ صفر/ 1419 هـ الموافـق 1/ يـونـيو/ 2000 م.

الفصل الأول

موضوع البَحث وأُطرهِ النَظرية

موضوع البحث: يُعنى هذا البحث الاستطلاعي بدراسة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية والتاريخية، ومحاولة تقييم فهم بعض جماعات السود للإسلام وخاصة في المراحل المبكرة، عندما كان الاتصال بين العالم الإسلامي وأمريكا شبه معدوم، ومن ثم ضعفت المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في فهم الإسلام في صورته النقية من قبل الفئات التي كانت تعيش في أمريكا والتي كان معظمها من السود، ولذلك فإن هذا البحث سوف يشمل تغطية للهجرات الإسلامية الأولى، وما واجهته في العالم الجديد من عقبات ومصاعب، مع محاولة لإبراز دوافع الهجرة من دفع وجذب، وسيكون التركيز على الهجرات التي تمت في القرن العشرين، مع محاولة لمعرفة المواطن الأصلية للمهاجرين. وسوف يغطي البحث مراحل نشأة بعض الجماعات والجمعيات والمؤسسات الإسلامية، وما قامت به من دور روحي واجتماعي لمساعدة المسلمين على الثبات على دينهم ودعوة الآخرين إليه.

وللمسلمين السود دور كبير في نشر الإسلام في تلك الديار، وخاصة ً بين بني جلدتهم، ولذلك سوف يغطي البحث معاناتهم أثناء فترة الاستعباد وما بعدها، وجهودهم وبعض جماعاتهم، وسوف يتناول البحث بالدراسة بعض الجوانب الاجتماعية للمسلمين هناك، مثل التعليم، والزواج، والتكافل، وتوفير المواد الاستهلاكية المشروعة، والتنافس، وعلاقاتهم بالمجتمعات المحلية، وما يعانونه من صعوبات ومضايقات، وما يتمتعون به من فرص ومزايا، إن وجُـدت.
تساؤلات الدراسة: سوف تحاول هذه الدراسة الإجابة على التساؤلات التالية:

1- ماهي تركيبة وخصائص المجتمع الأمريكي الذي يعيش المسلمون بين ظهرانيه؟

2- ما هو الوضع السكاني (الديموجرافي) للمسلمين هناك من حيث الهجرات وأنواعها وأسبابها، وتقديرات أعداد المسلمين ومناطق تركزهم.

3- ماهي أهم الجمعيات والجماعات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وكيف تطورت؟

4- ما هو وضع الأسرة المسلمة في أمريكا من حيث الزواج بغير المسلمات ومعدلات الطلاق، وتنشئة الصغار وتعليمهم؟

5- كيف يؤمَّن المسلمون احتياجاتهم الاستهلاكية بالطرق التي تتفق مع تعاليم الإسلام وقيمه؟ وما هي الصعوبات المرتبطة بذلك؟

6- ماهي علاقة المسلمين بغيرهم من الفئات الاجتماعية؟ وهل يواجه المسلمون مضايقات وممارسات عنصرية؟

7- ما هي أكثر الفئات إقبالاً على الإسلام؟
أهمية البحث: تفتقر المكتبة العربية إلى دراسة أو بحث يتسم بالشمول حول الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل جانبأ من أهمية هذا البحث يكمن في تطلعه إلى إكمال بعض ذلك النقص، وتقديم دراسة حديثه حول هذا الموضوع للقارئ المسلم بشكل عام، وللمهتمين بدراسة الأقليات الإسلامية في العالم بشكل خاص. ومن المتوقع أن يكون البحث حلقة وصل بين المسلمين في الولايات المتحدة والقارئ العربي، وخاصة أولئك الذين لم تتح لهم الفرصة لزيارة أمريكا أو العيش فيها، ومعرفة أحوال المسلمين من كثب، فكثير من القراء والباحثين يتطلعون لمعرفة المزيد عن أوضاع المسلمين في تلك الديار، ومعرفة ما يحققونه من نجاحات للاستفادة منها في أماكن أخرى من العالم إن أمكن، وما يواجهونه من عقبات لمساعدتهم في تجاوزها.
وجانب آخر من جوانب أهمية البحث يتمثل في أهمية الولايات المتحدة الأمريكية، وما تلعبه من دور في العالم المعاصر، وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فهي أقوى دولة في العالم ولها تأثير كبير في تسيير السياسة الدولية، وسياسة الحكومة الأمريكية تتأثر بما تواجهه من ضغوط داخلية من قبل الأقليات المختلفة، فكلما كان وضع الأقلية ونفوذها قويأ كان تأثيرها في صناعة القرار الأمريكي قويأ ونافذأ كذلك، ولعل اللوبي الصهيوني وما يفعله اليهود لتوجيه السياسة الأمريكية لخدمة المصالح الإسرائيلية أكبر شاهد على ذلك، والمسلمون في تلك الديار قوة صاعدة ومتنامية، و إذا أحسن المسلمون تنظيم صفوفهم وتوحيد قواهم، فإن تأثيرهم سيتزايد ويقوى، وسيكون لهم تأثير في صناعة القرار الأمريكي المتعلق بقضايا المسلمين.
الإطار النظري: المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية أقلية ويمكن النظر إليهم على أنهم (جماعة إثنية). ويُعرف الباحث الجماعة الإثنية بأنها (كل جماعة تجمع أفرادها هوية عامة مشتركة) مثل الدين واللغة واللون والجنس. وعلم الاجتماع يحوي عدداً من النظريات الكبرى التي يمكن توظيفها في دراسة الأقليات والجماعات الإثنية، ومن أشهر تلك النظريات (النظرية الوظيفية) التي تنظر إلى المجتمع على أنه مكون من عدد من الأنساق، كل نسق له وظيفة تحتاجها الأنساق الأخرى، وذلك النسق بحاجة إلى ما تقدمه الأنساق الأخرى من وظائف، وبهذا تترابط تلك الأنساق وتتآزر كما تترابط وتتآزر أعضاء الجسم لحاجة كل منها إلى الآخر، ويمكن استخدام تلك النظرية لدراسة الأقلية كبناء اجتماعي له أنساقه المختلفة، مثل النسق الاقتصادي والتربوي والسياسي والإعلامي والثقافي… وبهذا يمكن تتبع العلاقة والتكامل بين تلك الأنساق للوصول إلى الأهداف العامة للجماعة، التي يأتي في مقدمتها المحافظة على الهوية العامة للجماعة، وتقوية درجة الترابط والتكاتف بين أعضائها (انظر: أحمد، 1985).

وفي الجماعات الإثنية والأقليات يكون الترابط غالباً آلياً. والترابط الآلي يجذب الفرد إلى الجماعة ليصبح عضوا فيها بطريقة آلية،. وغالباً ما تكون عضوية الفرد في تلك الجماعة معروفة منذ ولادته، أو من اللحظة التي يغير فيها عقيدته، فالترابط الآلي يقوم على الدين، والعادات، والتقاليد، وروابط الدم والعصبية مثل الجماعات الدينية، والجماعات القبلية والعرقية، وهذا النوع من الترابط ينتشر في المجتمعات والجماعات البسيطة (انظر: أحمد، 1985: 98). وبالنسبة للمسلمين تعتبر العقيدة أقوى وأهم رابط يربط بعضهم ببعض، وهي بوتقة الانصهار الكبرى التي استطاعت عبر التاريخ أن تضم تحت لوائها شعوبأ وقبائل متفرقة من مشارق الأرض ومغاربها، واستطاعت تلك العقيدة أن تحطم حواجز اللغة واللون والجنس وغيرها من الحواجز، وأن تنشئ حضارة شاركت فيها عناصر من تلك الشعوب والقبائل المختلفة، والنصوص التي تدعم هذا النوع من الترابط وتؤازره كثيرة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، الحجرات: 10، وقال سبحانه: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبأ وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )، الحجرات: 13، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، ويقول صلى الله عليه وسلم (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) ويقول في حديث آخر (المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
وشن الإسلام حربأ لا هوادة فيها ضد العنصرية بصورها المختلفة التي كانت تنتشر في المجتمع العربي الجاهلي، فألغى جميع عناصر التفاضل وحصرها في عنصر واحد هو (التقوى) فالآية السابقة تشير إلى أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم وليس من كان لونه أبيضأ أو كان من أسرة أو قبيلة معينة، ومن أحاديث الرسول التي تحارب العنصرية قوله صلى الله عليه وسلم (من مات على عصبية مات ميتة جاهلية) ويقول (دعوها (أي العصبية) فإنها منتنة) ونتن العصبية نتن اجتماعي، يشيع البغضاء والفرقة والتدابر والتناحر. وبهذا استطاع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يشيد مجتمعأ نموذجيأ قائمأ على التقوى والإخاء والتعاون، شارك في بنائه، بالإضافة إلى عناصر من القبائل العربية المختلفة، ممثلون للشعوب والأمم الأخرى مثل بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصُهيب الرومي. ويمكن النظر إلى الترابط الوظيفي بين المسلمين في الولايات المتحدة على أنه يقتفي هذا الأثر، فأنت تجد في المسجد الواحد ممثلين لطوائف من المسلمين جاؤا إلى أمريكا من جميع أركان المعمورة، يمثلون أعراقأ وأجناسأ وألوانأ ولغات مختلفة، جمعتهم عقيدة الإسلام في ترابط آلي يلغي جميع الحواجز، أو يضعفها ويقلل من تأثيرها على تلك الجماعات، ولهذا لا غرابة أن نجد أعداد الذين يدخلون في الإسلام في أمريكا في تزايد مستمر، وخاصة من قبل الفئات التي تعاني من العنصرية والاضطهاد، فالتكامل الوظيفي بين فئات المجتمع المسلم وأنساقه المختلفة حتمية يمليها الإسلام على أتباعه والمؤمنين به، وخاصة عندما تكون تلك الجماعة أقلية كما هو حال المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعانون من خطر الذوبان، ومن طغيان الثقافة الأمريكية بمغرياتها المختلفة، ويحتاجون إلى إيجاد المؤسسات التي تفي باحتياجاتهم المختلفة، مثل الاحتياجات الروحية والنفسية والغذائية المتفقة مع الشريعة الإسلامية، والاحتياجات التربوية لأبنائهم، والاحتياجات الاقتصادية والإعلامية والطبية، وغيرها من الاحتياجات.

والصراع سنة من سنن الحياة منذ أن بدأ بين آدم وإبليس، ومنذ أن أخُرج آدم من الجنة، ومنذ قتل قابيل أخاه هابيل، والصراع والتنافس والتدافع قائم بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الرسل وأتباعهم من جهة، ومناوئيهم والكافرين بهم من جهة أخرى، وإذا كان الماركسيون من أكثر الذين استخدموا هذا المصطلح، وحصروا الصراع بين الطبقات الغنية والفقيرة، وبين العمال والملاك، فإن ذلك لا يمنع من توظيف النظرية الصراعية في دراسة جوانب الحياة المختلفة، وخاصة عند دراسة الأقليات والجماعات الإثنية التي تكافح وتناضل من أجل البقاء، ومن أجل المحافظة على دينها وعقيدتها وكيانها، والصراع له صوره وميادينه المختلفة، فهناك صراع مواجهة واقتتال، كما حدث بين البيض القادمين من أوربا والهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، وهناك صراع إعلامي ودعائي كما يحدث بين العرب واليهود على الساحة الأمريكية، وهناك صراع ثقافي حول القيم والأعراف والعادات والتقاليد وطريقة الحياة، ويعتبر الاقتصاد من أفسح وأوسع ميادين الصراع، ويكون بين المؤسسات في الدولة الواحدة، وبين المؤسسات من دول مختلفة مثل شركات صناعة السيارات، ويكون الصراع والتنافس الاقتصادي بين الدول والشعوب، ولقد كان الاقتصاد سبباً لكثير من الحروب الأهلية والدولية، واستخدم سلاح عقوبة. وفي الولايات المتحدة يلعب الاقتصاد دورا كبيراً في ترسيخ نفوذ الجماعات الإثنية المختلفة، وبعض المؤسسات الاقتصادية مسخر لخدمة بعض الأقليات أو الجماعات الإثنية، ولا تسمح بالعمل فيها إلا لمن يقدم ولاءه لتلك الجماعة ويسعى إلى خدمتها، أو على الأقل يلتزم الصمت حيال ممارساتها وأخطائها) انظر: فندلي، 1990 م). ومن النظريات التي يمكن توظيفها واستخدامها عند دراسة الأقليات
نظرية (التفاعل الرمزي) والتي تركز على الاتجاه والمعنى والرموز المتبادلة بين الأفراد، ويتم في إطارها التفاعل والتفاهم، وتأتي اللغة في مقدمة قنوات التفاعل الرمزي، ومن أبرز رواد هذا الاتجاه (تشالز كولي، (Cooly لذي يرى أنه لكي يوجد مجتمع لا بد أن يلتقي الأشخاص مع بعضهم في مكان ما، ويتم اللقاء على المستوى الفكري في العقل، فالمجتمع يوجد في عقل الشخص على شكل أفكار معينة، وفي هذا الاتجاه طور (كولي) مفهومه عن الجماعات حيث قسمها إلى جماعات أولية وجماعات ثانوية، فالجماعات الأولية تتصف بالعلاقات الحميمة والمباشرة (وجهاً لوجه ( Face to face والتعاون بين أعضائها، وهي أساسية في تشكيل مُثـُل الفرد، وقيمه وطبيعته الاجتماعية، والنتيجة النفسية لتلك العلاقة الحميمة هي امتزاج الأفراد في كل مشترك بحيث تصبح ذات كل فرد هي الحياة المشتركة للمجموعة، وربما كانت أبسط طريقة نصف بها هذا الشكل الجماعي المشترك هي استخدام ضمير الجماعة للمتكلم (نحن، (We) والذي يدل على قوة البناء الاجتماعي والتوحد المتبادل بين الأعضاء، فالعضو يعيش في شعور المجموع ويجد أهدافه الأساسية في ذلك الشعور (أنظر: احمد، 1985: 239- 0 24).
أما الجماعات الثانوية فإنها لا تتصف بالقوة والمباشرة والتعاطف، وتعتبر الجماعة الدينية جماعة أولية يجد الفرد نفسه فيها ويدافع عن قيمها ومبادئها ومعتقداتها لأنها معتقداته هو، والمساجد واللقاءات والمحاضرات من الأمور التي لها انعكاساتها الرمزية في نفوس أتباعها ونفوس معارضيها.

الدراسات السابقة: ظهر عدد من الدراسات العامة والمتخصصة عن المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية باللغتين العربية والإنجليزية وعدد الدراسات التي ظهرت باللغة الإنجليزية في العقدين الأخيرين أكثر، وسوف نستعرض فيما يلي أهم الدراسات العربية ثم نتلوها باستعراض لأهم الدراسات الأجنبية .

الدراسات العربية: خرجت دراسات عن أمريكا والحياة فيها بأقلام كتاب مسلمين، ومن منطلق إسلامي، ومن تلك الدراسات ما قام به صلاح عبدالفتاح الخالدي حيث أخرج دراسة بعنوان : (أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب) جمع فيها آراء سيد قطب حول أمريكا، والتي كتبها في مقالات خاصة، أو رسائل بعث بها إلى أصدقائه، أو بثها في كتبه المختلفة، حيث يصور حياة الأمريكيين، ويقوّم مبادئهم وعلاقتهم بالمسلمين، والكتاب يفيد في تصوير بعض جوانب الحياة في أمريكا في النصف الأول من الخمسينات الميلادية، وهي الفترة التي قـُدر لسيد قطب أن يقضي جزءا منها في أمريكا (الخالدي،1406 هـ). ويؤخذ على الكتاب أنه لم يحاول أن يبرز الجوانب الإيجابية في الحياة الأمريكية، ليحقق بذلك شيئاً من التوازن والموضوعية، التي يدعو إليها الإسلام، قال تعالى: ( يأيها الذين آمنوا لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى ) المائدة 8.

وألف (مختار خليل المسلآتي) كتاباً بعنوان: (أمريكا كما رأيتها: مذكرات شخصية، تحليل سياسي، اجتماعي، مقارنة) تحدث فيه عن تجربته في أمريكا كمبتعث في النصف الأول من الثمانينات الميلادية، وكما هو واضح من العنوان، فقد تناول المؤلف هيكل الحكومة الأمريكية وكيفية عملها، وقارنه ببعض جوانب الحكم في الإسلام، واستعرض بعض الجوانب الاجتماعية معتمداً في ذلك على ما تبثه وسائل الإعلام وخاصة الصحافة والتلفزيون من قضايا اجتماعية تتعلق بالجريمة، وجنوح الأحداث، والمخدرات، والعلاقات الاجتماعية المختلفة، وخاصة العلاقات الأسرية، وتحدث فيه أخيرا عن تجربته كمبتعث وعن الأشخاص الذين قابلهم وتعامل معهم، وقد أورد كثيرا من المعلومات عن المراكز الإسلامية التي زارها، والمسلمين الذين أسلموا وقابلهم، وبعض الجماعات الإسلامية التي تعامل معها، والكتاب يحوي معلومات كثيرة، ويتحدث عن أمريكا من وجهة نظر إسلامية، ويعتبر مرجعاً جيدا لتكوين صورة عامة عن الحياة في أمريكا لمن ينوي زيارتها لأول مرة (المسلآتي، 1406 هـ ، 1986م.

ومن الدراسات المباشرة عن الإسلام والمسلمين في أمريكا تلك الدراسة الميدانية التي قام بها (عاطف وصفي) عن الجالية اللبنانية المسلمة في حي (ديربورن)، بمدينة (ديترويت) وقد نال بها درجة الدكتوراه في علم الاجتماع وعلم الإنسان من جامعة ولاية (ميتشجان) سنة 1964 م، وقد نشر ملخصاً للدراسة ضمن كتابه (الأنثروبولوجيا الثقافية)، تحدث في دراسته عن تاريخ هجرة اللبنانيين المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثرهم بالنجاحات التي أحرزها المهاجرون اللبنانيون النصارى الذين بدأت هجرتهم منذ حوالي عام 1875 م، وذكر أن معظمهم لم يكن ينوي الاستمرار في الإقامة في أمريكا، ويشير إلى أن عدد المسلمين قد تزايد بعد عام 1914م، وهو العام الذي أعلن فيه (فورد) عن حاجة مصانعه إلى مزيد من العمال، وقدم أجوراً مغرية كانت سبباً في هجرة الكثيرين.

وتركز الدراسة على حي (ديربورن) حيث أقام الباحث في الحي وقابل معظم سكانه، وتحدث عن عوامل تماسكهم، وذكر أن الإسلام هو أهمها، وتحدت عن تلوث الحي من جراء دخان مصانع السيارات، كما تحدث عن ا لجامع، والنادي، والحوانيت، و المقاهي، والمطاعم، و المدرسة، و ا لفنا دق، والمكتبة باعتبارها منشآت تخدم سكان الحي المسلمين. واستعرض الباحث في دراسته الحالة الاقتصادية، والتعليمية، والوضع ا لأسري وصراع الأجيال، والنشاط الديني، كما استعرض تاريخ إنشاء الجمعيات في الحي، وتحدث عن علاقة سكان الحي بغيرهم، سواء من المسلمين في الأحياء الأخرى أو غير المسلمين. وقام الباحث بتحليل عملية الامتزاج الثقافي وأساليبه، وعوامل التكيف الاجتماعي والثقافي، وتعتبر هذه الدراسة من أقرب الدراسات إلى موضوع هذا البحث، إلا أنها تعتبر قديمة إلى حد ما، وتتحدث عن جماعة صغيرة في أحد الأحياء بمدينة (ديترويت) وهي مفيدة في تكوين الخلفية التاريخية والثقافية والاجتماعية عن المجتمع المسلم في أمريكا في الستينات الميلادية (وصفي، 1971 م.

ومن الدراسات التي كتبت عن الجالية العربية، دراسة بعنوان: (العرب في أمريكا: نظرة تاريخية) من إعداد (الكسنان) كانت قد نُشرت في (موسوعة هارفارد للمجموعات العرقية الأمريكية) عام 1980 م، وقد اعتمدت الباحثة على أحاديث أجرتها مع الجيلين الأول والثاني من المهاجرين، وعلى معلومات مأخوذة من مذكرات وصحف وكتب، وتذكر أن عدد العرب آنذاك يقدر بمليوني نسمة، 90% منهم نصارى، و10% مسلمون. وقد غطت الدراسة الهجرات المبكرة، والقيم العائلية والحياة الاقتصادية للمهاجرين، وتحدثت عن المؤسسات الدينية، وعن الصحافة، والمؤسسات الثقافية، وتذكر أن أول صحيفة عربية صدرت في (نيويورك) سنة 1892 م، وتحدثت الباحثة عن التغيرات التي طرأت على الأسرة المهاجرة، وتغير الكثير من عاداتها، سواء كانت الأسرة مسلمة أم نصرانية (إلكسنان، 1985 م.

ومنها دراسة بعنوان (الهجرة من سوريا) من إعداد (نجيب صليبا) ركز فيها على دور السلطات العثمانية في دفع السوريين إلى الهجرة، وأبرز فيها عوامل الجذب والفرص المختلفة في أمريكا، وبين أن الكتابات المتعلقة بالهجرة- بما في ذلك مذكرات المهاجرين تدل على أن الاضطهاد الديني كان عاملا إضافياً، وليس عاملا أساسياً في الدفع إلى الهجرة، وقد ركزت الدراسة على المهاجرين النصارى، ولم يرد ذكر المسلمين إلا لماما، ومن ضمن ما ذكره الكاتب عن المسلمين أن معظمهم فضل الهجرة إلى مصر بدلا من أمريكا، وذلك خوفاً على دينهم ومستقبل أسرهم (صليبا، 1985م.

وتعتبر دراسة أيفون حداد (بعنوان: (المسلمون العرب والمؤسسات الإسلامية في أمريكا: التكيف والإصلاح) من أقرب الدراسات إلى موضوع بحثنا، فقد تحدثت فيه الكاتبة عن مراحل هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعن دور الطلاب في إنشاء التنظيمات والمؤسسات الإسلامية، مركزة على إبراز دور (اتحاد الطلبة المسلمين، (MSA) باعتباره من أكبر الهيئات الإسلامية وأكثرها نشاطاً، كما تحدثت عن التطورات والتغيرات التي شهدتها عادات المسلمين في البيئة الجديدة، والدور الذي تقوم به المساجد، والذي يختلف عن الدور الذي تقوم به في الشرق، وتتحدث عن حركة الإصلاح التي بدأت في السبعينات الميلادية، التي تعتبر امتدادا للصحوة الإسلامية في العالم كله (حداد، 1985م). [ملاحظة من مشرف الموقع : الدكتورة حداد سورية الأصل أميركية الجنسية وأصلها من لواء إسكندرونة جاءت إلى سورية منذ سنوات وألقت محاضرة لم أر مثلها في المكر والتدليس وإقحام الأمور ببعضها ، وربما أذكر يوماً بعض ماجرى في المحاضرة ومارددت به عليها).

وهناك عدد من الدراسات جاءت بمثابة دراسة حالة للجاليات العربية في (ديترويت)، منها دراسة بعنوان: (الجالية العربية الأمريكية في ديترويت: بحث عن مدى التنوع والعمومية) من إعداد (سمير ابراهام)، ويقدر عدد العرب في (ديترويت) بحوالي مئتي ألف (000، 200) شخص، ينتمون إلى أربع مجموعات هم اللبنانيون، والفلسطينيون، واليمنيون، والعراقيون، وينتمون إلى عدد من المذاهب والديانات، ومن أهم عوامل التمايز في نظر الكاتب المؤسسات الدينية والاجتماعية، أما العوامل المشتركة فتتمثل في اللغة، والتراث الثقافي، والشخصية. وقد قام الباحث بمسح للأبحاث المنشورة حول الموضوع لإعطاء صورة عامة عن الجالية، مع التركيز على التنوع فيها، كما تحدث عن أنماط الهجرة وعواملها، وأنماط الإقامة، وعوامل الوحدة بين الجاليات (ابرهام ، سمير: 1985 م).

ودراسة أخرى بعنوان: (جالية المهاجرين اليمنيين في ديترويت: جذورهم وحياتهم الاجتماعية) بقلم (نبيل ابرا هام) اعتمد فيه على دراسة ميدانية استمرت ثمانية عشر شهراً، من سبتمبر 1975م، إلى مارس 1977م. ويناقش جذور المهاجرين من اليمن وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، وأنماط الهجرة والدوافع إليها، كما يصف الباحث المهاجرين وأعمالهم وتوزيعاتهم السكنية، ومحيطهم الاجتماعي، وأسلوب حياتهم على ضوء أهدافهم ومواقفهم تجاه المجتمع المضيف، حيث يظهر من خلال البحث أن هناك من ينوي العودة، وهناك من ينوي الاستقرار من المهاجرين، وقدر عدد المهاجرين ما بين خمسة إلى ستة آلاف في منطقة (ديترويت)، ويذكر الباحث أن أغلب المهاجرين متزوجون، ولكن 90% منهم لم يصطحبوا عائلاتهم معهم إلى أمريكا، وتتراوح أعمارهم ما بين العشرينات والثلاثينات، وأكثرهم أميون وأشباه أميين، وفلاحون غيرمهره، ومعرفتهم بالإنجليزية قليلة أو معدومة (ابراهام، نبيل:1985م.

ومن الدراسات التي ركزت على العرب المسلمين تلك الدراسة التي بعنوان: (ساوث إند: الجالية العمالية العربية المسلمة) بقلم كل من (سمير ابراهام، نبيل ابراهام، وباربرا أسود) و (ساوث إند) حي من أحياء (ديربورن) في ديترويت، ويرى الباحثون أن الجالية التي تسكن هذا الحي تعتبر من أقدم الجاليات المسلمة العربية وأكثرها كثافة في شمال أمريكا، وتعتبر منطقة (ساوث إند) منطقة استقبال للمهاجرين العرب القادمين إلى (ديربورن) و (ديترويت) ويسكنها لبنانيون، وفلسطينيون، ويمنيون، يشتركون في الدين واللغة والتراث الثقافي، وهي جالية عمالية لديها مسجد، ومقهى عربي يقومان بدور مهم في حياة الجماعة، وقد تحدث الباحثون عن المسجد والمقهى حديثاً طويلأ وشاملأ، ويمثل العرب حوالي 80% من سكان الحي، ويستخدمون اللغة العربية في محادثاتهم، وفي اللوحات التي على محلاتهم التجارية، وكثير منهم يلبس ملابس الوطن الأم، وثلاثة أرباعهم يملكون منازلهم (ابراهام وآخرون، 1985 م). وسوف يستعين الباحث ببعض الأرقام والإحصاءات التي وردت في تلك الدراسة.

وألف جمال قاسم كتاباً بعنوان (العرب في أمريكا: دراسة لتاريخ الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية) تتبع فيه تاريخ الهجرات العربية إلى هناك، وخصص الفصل السابع منه للحديث عن المسلمين العرب والمؤسسات الإسلامية، وأشار فيه إلى دوافع تلك الهجرة وأسباب تأخرها، والمراحل المختلفة التي مر بها نمو المؤسسات الإسلامية، وتحدث عن الحركة الإسلامية في تلك البلاد وعن أهدافها المختلفة ( قاسم،1988م).

وهناك مجموعة من الدراسات عن المسلمين السود في أمريكا منها دراسة (دنيس ووكر) بعنوان (علاقة الأفارقة الأمريكان بالإسلام في التاريخ الماضي والمعاصر) وهو عبارة عن سلسلة من المحاضرات تناول فيها تاريخ هجرات السود القسرية إلى أمريكا كرقيق، وعن ثقافتهم، وما عانوه هناك من ظلم وعذاب، وتأثرهم بحركة السود المسلمين في البرازيل في العودة إلى الإسلام، ثم تتبع نشوء جماعاتهم وتطورها (ووكر، 1397 هـ 1977 م). ومن الدراسات التي تناولت موضوع المسلمين السود في أمريكا دراسة قيصر الزين بعنوان (الأفرو إسلامية في الولايات المتحدة) حاول فيها فهم الحركات المعاصرة وسط الجماعات السوداء المسلمة عن طريق عرض وتحليل بعض مظاهرها، وتحليل ارتباطاتها التاريخية من جهة، وعلاقتها بمجمل السياق الثقافي الذي يحكم أوضاع المجتمع الأمريكي عامة والمسلمين فيه بوجه خاص (الزين، 1990 م).

هذا وهناك الكثير من الكتابات عن أمريكا التي قام بوضعها رحالة وصحفيون يصفون فيها مشاهداتهم ويتحدثون فيها عن عجائب الحياة في أمريكا، وهي في معظمها انطباعات شخصية، ونادراً ما تتعرض للحديث عن أوضاع المسلمين أو همومهم، ومن ذلك ما كتبه أحمد مصطفى بعنوان (مهاجر إلى أمريكا) (مصطفى، 1979 م) وسامي الكيال بعنوان (يوميات عربي في أمريكا) (الكيالي، 1961 م) و عبدالله الغذامي بعنوان (رحلة إلى جمهورية النظرية: مقاربات لقراءة وجه أمريكا الثقاف) وكان قد نشر الكتاب في سلسلة من المقالات في جريدة الشرق الأوسط، ثم جمعت ونشرت ضمن سلسلة كتاب الشرق الأوسط (الغذامي، 1995 م). ويعتبر كتاب عبدالقادر طاش بعنوان (أمريكا.. والإسلام: تعايش أم تصادم) الذي نشر ضمن سلسلة كتاب (المسلمون) من أفضل ما كتب في المجال الصحفي عن علاقة المسلمين عموماً بأمريكا، وقدم فيه كثيرا من المقابلات والآراء الأمريكية والمسلمة عن مستقبل العلاقة بين الطرفين، ودعم كتابه بوثائق مهمة في هذا الجانب، والكتاب خطوة مهمة لردم الهوة وتقريب وجهات النظر ووضع أرضية مشتركة للتعاون والتعايش بين الطرفين (طاش، 1414هـ ، 1993م.
الدراسات الأجنبية: هناك كثير من الدراسات التي ظهرت باللغة الإنجليزية عن المسلمين في أمريكا، بعضها فيه شمول ويتحدث عن وضع المسلمين عموماً، وبعضها خاص يتحدث عن جماعة من الجماعات، أو قضية من قضايا المسلمين هناك، مثل السود، والأسرة، والاقتصاد، والتعليم. وتتزايد تلك الدراسات من فترة لأخرى تبعاً لتزايد أعداد المسلمين هناك، وزيادة نشاطاتهم، واندماجهم في الحياة العامة، والتفاعل معها.

وتعتبر دراسة ايفون حداد وأدير لومس، Y.Haddad and A. LUMMIS بعنوان (القيم الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكي: دراسة مقارنه، Islamic Values in the United States : A Comparative Study من أشمل الدراسات الميدانية ومن أقربها لموضوع دراستنا، ولذلك سوف نستعرضها بشيء من التفصيل.
يذكر الباحثان أن جدوى دراستهما تـنبع من أن هجرة المسلمين، وتأسيس الجماعات الإسلامية لم تدرس إلا قليلا في التاريخ الأمريكي. والدراسات الموجودة على قلتها تعاني من نقص في المعلومات، وكثير منها دراسات لحالات خاصة، وقليل من تلك الدراسات قدّم فهماً مقبولاً للهجرات الجديدة، وخصائص المهاجرين الجدد، وتفتقد تلك الدراسات محاولة تحليل التفاعل بين الأجيال، وبين الأعراق، والضغط العالمي الذي يمارس على المساجد وبرامج التعليم لتلك المؤسسات الإسلامية، ولذلك هدفت الدراسة، كما يقول الباحثان إلى تغطية الموضوعات التالية: Haddad and : Lummis, 1987:6-7
1- درجة الاختلاف بين المسلمين في فهم وتطبيق بعض القوانين الإسلامية، والإقلاع عن البعض الآخر بناء على العمر والجنس، وفترة العيش في أمريكا، والخلفية الوطنية، ونوع العمل، ودرجة التعلم، وغيرها من ا لعوامل.

2-درجة التكيف مع الحياة الأمريكية بالنسبة للأطفال الذين ولدوا لآباء مهاجرين، والتكيف مع النظام الدراسي، ودرجة الاحتفاظ بالقيم الإسلامية أو التخلي عنها بعد أن يكبروا ويتزاوجوا ويندمجوا مع نظام العمل في أمريكا.

3-دور المرأة في الجماعات الإسلامية، والتفاعل العائلي.

4- الضغط الذي يواجهه المسلمون من خلال العيش في مجتمع غير إسلامي، وثقافة غير إسلامية، والطرق التي يتبعونها للتكيف مع تلك الثقافة.

وقد بنيا تحليلهما على دراسة معمقة لخمس جماعات إسلامية، آخذين في الاعتبار عوامل التكامل مع الجماعة، ومؤسساتها الاجتماعية، والدينية، والتربوية، والسياسة. وحاولا دراسة كل مسجد بمفرده من حيث بيئته الداخلية (الخلفية العرقية لأعضائه، اتجاهات واستجابات القيادات والقيادات المساعدة، والممارسات اليومية)، ومن حيث علاقتها بالثقافة المحيطة، وما تضمه من أعراق ومؤسسات سياسية واجتماعية، وضمت الدراسة شيئاً عن التعليم في المساجد والمراكز الإسلامية، وقد جرت الدراسة على جماعات تعيش على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وأعالي ولاية نيويورك، والوسط الغربي، ويرى الباحثان أن الاهتمام يجب أن يعطى في المستقبل لدراسة قضايا مثل:

1- الحالات التي يتعارض فيها العيش في ظل القانون المدني الأمريكي.مع قوانين الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأسرة، وكيف يؤثر ذلك على نظرة المرأة إلى نفسها، ولعل أبرز مثال على هذا الموضوع الذي يقترح الباحثان دراسته ما حدث لأحد المهاجرين العراقيين في منتصف التسعينات الميلادية، حيث كان لديه ابنتان إحداهما في الرابعة عشرة من العمر والثانية في الثالثة عشرة ، وخشي عليهما من الانحراف، فزوجهما زواجاً شرعياً، وعندما علمت الجهات الرسمية الأمريكية، فرقت بين الفتاتين وزوجيهما، واتهمت الزوجين بالاغتصاب، واتهمت الأب بمخالفة القوانين التي لا تسمح بالزواج قبل الخامسة عشرة، وتعتبر الفتاة قبل ذلك غير راشدة، وأحيلت القضية إلى المحكمة للنظر فيها.

2- تزايد التأثير للمراكز الإسلامية على غير الملتزمين من المسلمين، ومعرفة الطرق التي تتبع في إحداث ذلك التأثير.

3- حركة الدعوة الإسلامية، والأسباب التي تدعو الأمريكان سوداً وبيضاً لقبول الإسلام والتحول إليه.

4- العلاقة بين المؤسسات الإسلامية الكبرى مثل رابطة العالم الإسلامي والمجتمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، واتحاد الجماعات الإسلامية، وتأثير كل واحدة منها على الفئات التي تشكل الجماعات الإسلامية.

5- دراسة وتحليل أوضاع المجموعات غير الملتزمة بالمساجد من الجيل الثاني والجيل الثالث، والتي تقدر- حسب رأيهما- بحوالي 80% إلى 90% من السكان المسلمين في أمريكا.

6- مساهمة ومشاركة المسلمين أفرادا وتنظيمات في المجتمع الأمريكي.
وكانت الدراسة عبارة عن مشروع مدته سنتان بدأ في الشهر الأول من عام 1983م بمقابلات معمقة مع قادة المساجد قام بها مسلمون ضمن توجيهات وإرشادات الباحثين، وتمت دراسة ثمانية مساجد، مع تركيز خاص على خمسة منها. وفي المرحلة الأولى من الدراسة تم التركيز على اكتشاف خلفيات الأعضاء من حيث اتجاهاتهم الدينية، ومشاركاتهم في نشاطات المسجد، وأسلوب حياتهم، ونظرتهم لطريقة معاملة الأمريكان غير المسلمين لهم. وتمت مقابلة ثمانين حالة عن طريق التسجيل، وبعد ذلك فرغت المعلومات، وتمت تلك العملية في شتاء 1983م . وكانت تلك المقابلات مركزة على القيادات من الأئمة، وأعضاء مجالس الإدارة، وأساتذة مدارس الأحد، ومن سبق لهم تقـلد أي عمل قيادي. ومن خلال تلك المقابلات أعيد النظر في أسئلة الاستبانة، وتم حذف بعضها وإضافة البعض الآخر. وأفادت المقابلات في معرفة ما يراه المسؤولون في المساجد من قيم إسلامية يجب المحافظة عليها في البيئة ا لأمريكية.

وفي المرحلة الثانية التي بدأت في نهاية شتاء 1983م ، وُزَّعت النسخة المنقحة من الاستبانة بواسطة باحثين ميدانيين، وقد حوت إجابات مختصرة ليسهل معالجتها بالحاسب الآلي، وطلب من الباحثين تعبئة خمس وسبعين استمارة من منطقة كل مسجد، ستين منها مع مرتادي المساجد، وخمس عشرة مع الذين لا يرتادون المساجد، أو من يسمون بمسلمي الأعياد، أي الذين لا يأتون إلى المساجد إلا في العيد، وقد تم الانتهاء من جمع تلك المعلومات في شهر إبريل من عام 1984م ، وبلغ مجموع الاستمارات التي تمت تعبئتها (347) استمارة.

ويذكر الباحثان أنه قد اعترضهما بعض المشكلات، منها تردد بعض المساجد في التعاون، ورفض البعض الآخر خشية سوء استخدام أو تشويه المعلومات، وكان الكثير من المهاجرين يشكون من الباحثين لأنه أتوا من مناطق لا تُسأل فيها الأسئلة إلا من قبل الحكومة، وكان من أكبر المشكلات كسب ثقة المبحوثين ليجيبوا على الأسئلة بصراحة وصدق، وقد كان التأكيد على سرية المعلومات عاملا مساعدا ومفيدا، ويقترح الباحثان إجراء البحوث من قبل علماء مسلمين في المستقبل لتجاوز هذه المشكلة بصورة اكبر، والمشكلة الأخرى التي واجهت البحث كانت في إيجاد الباحثين الميدانيين المسلمين المؤهلين، وقد برزت هذه المشكلة في ثلاثة مساجد، في أحدها كان الباحث شيعياً ومرتادو المسجد سنيين، فرفض الإمام التعاون معه، وحذر الناس من التعاون معه خشية استخدام المعلومات استخداماً سيئاً، فما كان من الباحثين إلا أن اختارا مسجدا آخر، وفي حالة أخرى لم يكن الباحث مسلماً ولا عضوا في المسجد، وإن كان ليس غريباً على نشاطات المسجد، وحدث أن زارت جماعة التبليغ المسجد، وزاره كذلك نمساوي دخل في الإسلام مقدماً حلقة نقاشية ( سيمنار) حول خطورة التعاون مع النصارى، وعندما عرضت عليه نسخة من استمارة البحث اعتبرها محاولة نصرانية لعرقلة الإسلام، وحذر قادة المسجد من التعاون والمشاركة في البحث، ولذلك تم إلغاء المسجد، ويعتبر ذلك مؤشرا على أن الباحث يجب أن يحصل على الشرعية من قبل المبحوثين حتى يكون بحثه شاملا وفعالاً.

وفي النهاية تم اختيار خمسة مواقع للدراسة المعمقة، مع معلومات مكملة جمعت من ثلاثة مواقع أخرى، ووصف الباحثان المناطق الجغرافية الثلاث التي وقعت فيها الدراسة، فالمنطقة الأولى كانت الوسط الغربي west-Mid وتضم اكبر مجموعة من المهاجرين العرب في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحوي عددا من المساجد الكبيرة، وأغلبية المسلمين في هذه المنطقة من أصل لبناني، ويبدو عليهم التحرر والأمركة، ولكن الظروف التي استجدت في العقود الأخيرة قللت من تجانس السكان، حيث تزايدت هجرات المسلمين من الدول الأخرى، وخاصة باكستان واليمن وفلسطين. مما سبب بعض الضغط على المؤسسات الاجتماعية والدينية الموجودة في المجتمع، وتسلم القيادة في بعض تلك المواقع بعض المولودين في الخارج، والمدربين في الخارج من الأئمة الذين ينظرون إلى الوضع على أنه إسلام على الطريقة الأمريكية، ولذلك يطالبون برفض كل ما يتعارض مع الإسلام في الحياة الأمريكية، وفي بعض الأماكن تبدأ المشكلات عندما يحاول المسجد أن يخدم ويساعد القادمين الجدد من الخارج، وكذلك الطلاب الموجودين في المنطقة، وقد بذلت الجهود لإدماج مجموعة من اللاجئين المسلمين القادمين من جنوب شرق آسيا في مجتمعهم المحلي.

وفي إحدى مدن الوسط الغربي تشكل الأقلية المسلمة نسبة كبيرة من السكان مما حدا بالسلطات المحلية إلى وضع بعض التجهيزات والخدمات الاجتماعية التي صممت خصيصاً لخدمة تلك الجماعة، فبعض المدارس المحلية تقدم دروساً بأكثر من لغة، ويعطى الأطفال إجازات للاحتفال بأعيادهم، وتحول أحد المواقع التي يتركز فيها المسلمون إلى موقع تعكس فيه الدكاكين والبضائع والمطاعم والملاهي اختلاف الأذواق حسب اختلاف السكان.

والموقع الجغرافي الثاني هو الساحل الشرق ( East coast) وأول من وصل هناك المهاجرون اللبنانيون، ولكنه يضم أعضاء من دول إسلامية مختلفة، يميلون إلى التناثر في المنطقة ويتفاعلون مع المسلمين ومع غير المسلمين، ولكثرة المعاهد والجامعات ومراكز البحث يتكاثر في المنطقة الطلاب الذين وفدوا للدراسة، مما سبب بعض الخلاف بين القادمين المحافظين والمحليين المتحررين، واستطاعت العناصر المحافظة أن تشجع النساء على اللباس الإسلامي، وتشجع المجتمع المحلي على إتباع طريقة في الحياة يمكن تمييزها عن الحياة التي تحيط بها.

ولم يترك تدفق المهاجرين الجدد أي تأثير واضح على المدينة التي بني فيها المسجد لأن معظمهم حرفيون مهرة، ولديهم القدرة المالية على شراء منازل في مدن وضواحي مختلفة، وربما يمثلون الحلقة الأولى في سلسلة المهاجرين الذين سيفدون في المستقبل، وكان وجودهم سبباً في تغيير تركيبة المراكز الإسلامية لكثرة عددهم، ويظهر تأثيرهم في أيام الأحد عندما يجتمعون للصلاة، ولتوجيه وتعليم أبنائهم في مدارس الأحد، والتفاعل في الساحل الشرقي قليل بين المجموعات العرقية، وبين المهاجرين الجدد والمهاجرين القدماء، وهذه المجموعة، كما يشير الباحثان، يمكن وصفها بأنها مجموعة متناثرة.

أما الموقع الجغرافي الثالث فهو أعالي ولاية (نيويورك) والمسلمون في هذه المنطقة يمثلون ثلاث مجموعات عرقية: الباكستانيين، واليمنيين، والأتراك، وفي الغالب تكون ثقافة وتعليم اليمنيين والأتراك قليلة، بينما معظم الباكستانيين من خريجي الجامعات، محترفون، ويمكن تصنيفهم ضمن الطبقة المتوسطة العالية، ويرتبطون بأعمال في مؤسسات عاملة وفعالة، وفي الوقت نفسه لديهم وعى ذاتي بانتمائهم إلى الإسلام على الطريقة التقليدية أكثر من العرب. وتضم المساجد الباكستانيين، وبعض الهنود، وبعض المصريين، واليمنيين وغيرهم من العرب، أما الأتراك- الذين يعملون غالباً في مصانع النسيج في المناطق الحضرية- فقد أسسوا لهم جماعة خاصة ولها مسجدها، وتفاعلها قليل مع المجموعات الأخرى، ما عدا المشاركة في الاحتفالات الجماعية الكبيرة. وأكثر المسلمين في هذه المنطقة مهاجرون جدد جاؤوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة، هدفهم في البداية الدراسة، وبعد التخرج وجدوا أنفسهم قادرين على العمل والمشاركة مع المؤسسات العلمية المحترفة، وهم الآن في منتصف العمر تقريباً، ولديهم أطفال صغار ويتطلعون إلى أن يغرسوا القيم الإسلامية في الجيل الجديد، وبالرغم أنهم في الغالب لا يعملون في المكان نفسه، ولا يسكنون في منطقة واحدة، إلا أنهم أبقوا على العلاقة القوية بينهم وبين الأسر الإسلامية. ولأن ذلك يتطلب جهدا ووقتاً أطول للتنقل أكثر من التفاعل مع الجوار، فقد أطلق الباحثان على هذا النوع من جماعات المهاجرين المسلمين (الأقلية كثيرة الترحال) ،. (Commuter enclave)

وبعد وصف المواقع الجغرافية الثلاثة، شرع الباحثان في وصف عينة الدراسة، فذكرا أن المهاجرين المسلمين- كغيرهم من المهاجرين- يعكسون الاختلافات السياسية والأيديولوجية الجغرافية للدول التي قدموا منها، كما يعكسون العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية التي تؤثر على حياتهم في الولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي المهاجرون إلى أمريكا ومعهم العناصر الرئيسة لهويتهم التي نمت عبر السنين. والمهاجرون المسلمون إلى أمريكا جاؤوا في موجات عدة، قسمها الباحثان إلى خمس موجات، فمن حوالي عام 1875 إلى عام 1912م كانت الهجرات من غير المثقفين، وكانت من العمال غير المهرة، وكان معظمهم من الشباب ومن سوريا وفلسطين ولبنان والأردن، وكانت تلك البقاع تحكم من قبل الحكومة العثمانية. وكان السبب الرئيس للهجرة هو سوء الأحوال الاقتصادية والأمل في إحراز نجاح اقتصادي في أمريكا مثلما هو الحال بالنسبة للبنانيين النصارى الذين سبقوهم إلى تلك الديار. وبعض أولئك المهاجرين عادوا إلى بلادهم، والغالبية بقيت مكونة جماعات إسلامية. ولقلة التعليم وضعف المعرفة باللغة الإنجليزية، اضطر كثير منهم للعمل في المناجم والمصانع، أو تجارا صغارا. وعندما استقرت غالبيتهم في المراكز الصناعية وجدوا صعوبة في التفاعل والاندماج في الثقافة الأمريكية، ولذلك اتجهوا إلى تقوية الأواصر بينهم، وقصر علاقاتهم وتفاعلهم مع إخوانهم المسلمين، ومع الذين يشاركونهم في الوطن الأم.

وكانت الموجة الثانية ما بين عامي 1918 و 1922م بعد الحرب العالمية الأولى، وحوت أعداداً قليلة من سكان المدن، بينما كانت غالبية المهاجرين من أقارب وأصدقاء ومعارف المهاجرين القدماء، فبعد أن شهدوا استقلال بلاد الشام عن الحكم العثماني وجدوا أن الاستعمار الإنجليزي والفرنسي قد حلا محلة. أما الموجة الثالثة- في رأي الباحثين- فكانت ما بين عامي 1930و1960م وكانت محكومة بالقانون الأمريكي الذي قصر الهجرة عموماً على أقرباء المهاجرين القدماء الموجودين في الولايات المتحدة الأمريكية.

وشملت الموجة الرابعة التي كانت بين عامي 1947 و 1960م مهاجرين ليس فقط من الشرق الأوسط، ولكن من الهند، والباكستان، وأوربا الشرقية، والاتحاد السوفيتي، وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي، وتزايد العدد من أبناء النخب الحاكمة في عدد من الدول، وكان معظمهم سكان حضر، مثقفين، ومستغربين ( لديهم اتجاهات غربية) قبل وصولهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جاؤا إليها لاجئين، يبحثون عن حياة أفضل، وعن مواصلة دراساتهم العليا، أو تدريب تقني عال، وفرص عمل خاصة، وإشباع توجهاتهم الأيديولوجية.

والموجة الخامسة بدأت في عام 1967م ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، فبالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، لعبت العوامل السياسية دورا كبيرا في دفع الكثير من المسلمين إلى المجيء إلى الولايات المتحدة، فالعالم العربي عانى عدة هزائم في حروبه مع إسرائيل، مما ترك آثارا بالغة على نفسيات كثير من العرب وهز ثقتهم في الأيديولوجيات المتبعة، وكان المهاجرون في هذه المرحلة يختلفون عن سابقيهم بارتفاع مستواهم الثقافي وامتلاكهم للمهارات، ويتطلعون للتمتع بالمميزات الاقتصادية والسياسية للحياة في أمريكا. والمجموعات التي جاءت أخيرا هم أشباه مهرة، ومعظمهم جاء من باكستان واليمن ولبنان، وإيران بعـد الثورة، وبشكل عام، كان المهاجرون المتأخرون أكثر حظاً في الحصول على أعمال من الذين جاؤوا في بداية القرن.

ويذكر الباحثان أن دراستهما شملت 347 مسلما، كان 64% مهاجرين، ونصف النسبة الباقية 16% كانوا أبناء لهم، وكان تقريبا كل الجيل الأول والثاني والثالث من المهاجرين اللبنانيين، ولذلك لا غرابة أن يكون 34% من العينة منهم، حيث يشكلون كبر مجموعة مهاجرة، وثاني اكبر مجموعة كانت من الباكستانيين، ويشكلون أكثر من ربع العينة 28%، وقد شملت العينة مهاجرين من بلدان مختلفة هي مصر، والأردن، وتركيا، والكويت، واليمن، والمملكة العربية السعودية، وإيران، والعراق. ولم تمثل دولة من هذه الدول بأكثر من ثمانية عشر شخصا (أقل من 9% من المجموع) ومعظم الدول مثلت بأقل من هذا العدد بكثير. ويبدو لي أن هناك شيء من التحيز في العينة، فلا أعتقد أن اللبنانيين يمثلون 34% من المهاجرين في أمريكا، أو في المناطق التي أجريت فيها الدراسة، ومثل ذلك يقال عن الباكستانيين، وربما كان السبب في رفع نسبتهما يعود إلى أن بعض المساجد التي أجريت عليها الدراسة كانت خاصة بالمهاجرين من هاتين الدولتين، خصوصا إذا علمنا أن المهاجرين من الدولة الواحدة يجذبون إليهم مهاجرين جدد من الدولة نفسها لأسباب مختلفة منها النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.

ويواصل الباحثان وصفهما للعينة، ويذكران أن معظمها جاء إلى أمريكا حديثا، فثلاثة أرباعهم جاؤا بعد عام 1968 م وأكثر هؤلاء (42%) جاؤا بعد عام 1977م ، أي أن الغالبية جاء ضمن الموجة الخامسة، وهذا مؤشر آخر لتحيز العينة، فاللبنانيين، كما يذكر الباحثان، كانوا يمثلون غالبية، إن لم يكن كل الجيل الأول والثاني والثالث، وهذه الأجيال جاءت قبل عام 1947 م، و75% من أفراد العينة جاؤا لأمريكا بعد عام 1968 م .

ويختلف أفراد العينة من حيث العمر ووقت الوصول، فحوالي 30% استقروا في أمريكا وهم في الثامنة عشرة من العمر أو أقل، وحوالي 35% قدموا وأعمارهم ما بين 19 و 25 سنة، وكانوا طلاب كليات وجامعات في الغالب. و 33% استقروا في أمريكا وأعمارهم بين 26 و 39 سنة، وفقط 2% من العينة قدموا وأعمارهم فوق الأربعين، وتوزيع عينة الدراسة على هذا الشكل يشير إلى أن معظم المسلمين جاؤوا إلى أمريكا وهم شباب، أو جاؤوا مع آبائهم الذين كانوا شباباً، و جاؤوا في الغالب للدراسة، أو العمل، وكانوا يأملون في تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية.

وإلى حد كبير يمكن القول أن هؤلاء المهاجرين وأبناءهم وأحفادهم قد أحرزوا نجاحات ملموسة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وتعكس الدراسة مستوى دخل المبحوثين، حيث بلغ الدخل لثلاثة أرباعهم (78%) خمسة عشر ألف دولار في السنة أو كثر، وحوالي النصف (49%) بلغ معدل دخلهم 35 ألف دولار أو أكثر، و51% عندهم على الأقل أربع سنوات من التعليم الجامعي، وحوالي الربع يحملون شهادات عليا، ويشغلون أعمالاً مختلفة، وحوالي 21% طلاب غير عاملين، ويشكل الزوجات ربات المنازل 18%، ويشكل المتقاعدون 4% والبقية 26% عاملون محترفون، نصفهم 13% أطباء، ومحامون، أو أعضاء هيئة تدريس في الجامعة، وقلة 8% يشتغلون رجال أعمال، وأعضاء مجلس إدارة، وعمال إدارة متوسطون، أو ملاك دكاكين، وحوالي 22% موظفون حكوميون، وباعة، وعمال مصا رف (بنوك) ويعملون في السكرتارية، وعمال مهرة، ويبدو على الأغلبية أنهم قانعون بحياتهم في أمريكا، فقط 18% ذكروا أنهم لن يعيشوا فيها بعـد التقاعد.

هذا وقد أظهر البحث نتائج كثيرة ومتعددة، سوف نقتصر على بعضها، منها أن كثيرا من المسلمين لم يذهبوا إلى المساجد ولم يتعرفوا على الإسلام إلا في أمريكا، لما رأوه من حملات إعلامية على الإسلام والمسلمين، ولكثرة الأسئلة التي يتلقونها عن الإسلام، وبعضهم لم يكن يهمه البحث عن جذوره قبل أن يصل إلى أمريكا.، وعندما سئل المبحوثون عن أقرب الجمل المتعلقة بالقضاء والقدر إلى وجهة نظرهم، أجاب 33% بأن كل شيء في هذا الكون محكوم بإرادة الله، وأجاب 38% بأن الله أعطى للإنسان بعض حرية الاختيار، وأجاب 29% بأن الله ترك حرية الاختيار كاملة للإنسان. وحول درجة اتباع تعاليم الإسلام قال 46% أن تعاليم الإسلام يجب أن تطبق بدقة وبقوة، وقال 36% أنها يجب أن تطبق بشيء من المرونة، أما البقية 18% فقالوا بتكييفها إذا لزم الأمر، وحول درجة التدين، أجاب 15% بأنهم يعتبرون أنفسهم متدينين جدا، و 47% بأنهم متدينون إلى حد كبير، و 33% بأنهم متدينون إلى حد ما، و 5% بأنهم ليسوا متدينين .

وقضية القضاء والقدر قضية حساسة جدا، وحولها جدل طويل، وكثير من الغربيين ينظرون إلى الإسلام على أنه دين إتكالية، وأن مفهوم القضاء والقدر مفهوم مخدر للمسلمين، يعلقون عليه أخطاءهم، وهم لذلك لا يبذلون الأسباب. وهذا فهم خاطئ وغير صحيح، فلا يوجد مذهب أو دين دعا للعمل وقدسه، ودعا إلى بذل الأسباب أكثر من الإسلام، والآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة الدالة على ذلك كثيرة. أما قياس تدين الناس فإنه قضية صعبة وشائكة، خصوصاً إذا كان الاعتماد فيها على ما يقوله المبحوث عن نفسه، فربما كان الشخص متديناً جدا، فيصف نفسه بأنه متدين إلى حد ما، تواضعاً منه، أو شعورا منه بالتقصير في بعض الجوانب، وربما كان الشخص متديناً إلى حد ما، فيصف نفسه بأنه متدين جدا إما قياساً على رفاقه الذين يعرفهم، أو لأنه يستكثر ما يقوم به من عبادة، وربما أخذ بعضهم البيئة التي يعيش فيها في الحسبان، فاتباع الدين في بلد مثل المملكة العربية السعودية، حيث ينادى للصلاة بصوت عال، وتمتلئ المساجد بالمصلين، وكل من حول الشخص مسلم، يختلف عن بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لا تتوفر البيئة المساعدة على أداء شعائر الإسلام. ويمكن النظر إلى إجابة الشخص عن درجة تدينه على أنها مؤشر عام، ولقد عضدت الإجابات التي وردت سابقاً بإجابات حول درجة تدين الشخص في السنوات الأربع الأخيرة، فأجاب 45% بأنهم أصبحوا أكثر تديناً، و 43% بأن درجة تدينهم لم تتغير، و 12% بأنهم أصبحوا أقل تديناً.

أما بالنسبة لدرجة الارتباط بالمسجد، فكانت إجابات المبحوثين على النحو التالي: 10% لم يذهب أبدا، 20% يذهب في الأعياد فقط ( مرة أو مّرتين في السنة) 6% مرة كل شهرين، 4% مرة كل شهر، 9% مرتين في الشهر، 39%مرة كل أسبوع،12% مرتين في الأسبوع. ودرجة الارتباط بالمسجد تعتمد على قربه من سكن المبحوث، والمساجد في الولايات المتحدة كلها أقل من المساجد في مدينة الرياض وحدها، رغم تناميها وتكاثرها في السنوات الأخيرة ، ومهما كان المسجد بعيداً على المسلم فإنه يجب أن يذهب إليه على الأقل لأداء صلاة الجمعة ، أي مرة كل أسبوع.

وعن أهمية المسجد في ربط المسلمين بالإسلام، ذكر 71% من عينه البحث أنه مهم جداً، و 16% قالوا أنه مهم إلى حد كبير ، و8% قالوا أنه مهم إلى حد ما ، و2% فقط قالوا أنه قليل الأهمية. وعندما سئل المبحوثون عما إذا كانوا سينتقلون لأسباب تتعلق بالعمل أو العائلة ، وعن أهمية أن ينتقلوا إلى منطقة فيها مسجد، قال 46% بأن ذلك مهم جداً، و25% قالوا أنه مهم إلى حد كبير، و 21% مهم إلى حد ما ، و8% قالوا أنه قليل الأهمية ، ووافق 57% على أن الشخص يمكن أن يكون مسلماً جيداً دون أن يعتاد المسجد ، و23% قالوا لا أدري ، بينما 2% لم يوافقوا على ذلك . وبالنسبة للسلوك الديني ، فيوضحه الجدول التالي:
1: توزيع عينه ( حداد ولومس )

حسب السلوك الديني: أبدا ً 14% نادراً 14% أحياناً 22% غالباً 50%

الصيام خلال رمضان: أبداً 14% نادراً 14% أحياناً 22% غالباً 50%

قراءة القرآن: أبداً 31% نادراً 22% أحيانا 34% غالباً 31%

دعوة مسلم لينضم إليه في الصلاة: أبداً 31% نادراً 24% أحيانا 30% غالباً 15%

يؤدي الصلاة في المسجد: : أبداً 33% نادراً 21% احياناً 21% غالباً 24%

أداء الجمعة في المسجد: أبداً 29% نادراً 26% أحياناً 16% غالباً 39%.
Source: Haddad and Lummis, 1987:29
وبالنسبة لحضور الأطفال لبرامج المسجد، قال 79% أن أطفالهم أو أحفادهم يحضرون كل أسبوع، وقال 5% بحضورهم مرتين. في الشهر، و 31% قالوا بحضورهم عدة مرات في السنة وفي الأعياد، أما 3% فقالوا أن حضورهم قليل جداً أو لم يحضروا أبدا، ويرى 70% أن لحضورهم قيمة كبيرة جدا، و 15% يرون أن له قيمة إلى حد كبير، 13% له قيمة إلى حد ما، و 2% يرون أن له قيمة قليلة أو ليس له قيمة، ويرى كثير من المسلمين أن المسجد يجب أن يقدم نشاطات اجتماعية مختلفة حتى يجذب إليه المسلمين، ويملأ الفراغ، ويهيئ الأجواء للتفاعل والتعاون والتآزر بين المسلمين. هذا وسوف نشير إلى بعض النتائج الأخرى التي توصلت إليها دراسة (حداد ولومس ) Haddad and Lummis عند مناقشة الموضوعات ذات العلاقة.
وكتب (قطبي مهدي أحمد، G. M. Ahmed ) بحثاً عن (المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، Muslim Organizations in the United States تتبع فيه نشأة كثير من الجمعيات والمنظمات في أمريكا من بداية القرن العشرين إلى أواسط الثمانينات الميلادية، وركز فيه على دور المهاجرين الأوائل من اللبنانيين في وضع البذور الأولى لبعض التنظيمات، وحاول إبراز جهودهم في جمع شتات المسلمين في النصف الأول من القرن العشرين، كما تحدث عن بعض جماعات السود، مثل معبد المراكشيين العلمي، وجماعة (أمة الإسلام)، وجماعة الأنصار، وتحدث عن نشأة اتحاد الطلبة المسلمين، ونشاطاته وتطوره، ثم أخيرا تحدث عن (الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية، ISNA وعن فروعه ونشاطاته المختلفة. ( Ahmed,1991). وأعدت (كارل ستون، C.Ston بحثاً بعنوان (تقدير أعداد المسلمين الذين يعيشون في أمريكا، Estimate of Muslims Living in America) ) كان محاولة لتقدير عدد المسلمين الذين يعيشون في أمريكا في الثمانينات الميلادية، بنته الباحثة على بعض الافتراضات التي ربما تثار حول قبولها علامات استفهام، حيث قامت بحصر المهاجرين حسب بلد الأصل، وافترضت أن نسبة المسلمين بين المهاجرين، تعادل نسبة المسلمين في ذلك البلد، وهذا افتراض غير مقبول، لأن المسلمين مثلا في لبنان يمثلون حوالي 50 % من السكان، لكن نسبة من هاجر منهم إلى أمريكا لا تتجاوز 15% من المهاجرين اللبنانيين، وفي المقابل نجد نسبة المسلمين في الهند حوالي 15% ولكن المهاجرين منهم إلى أمريكا ربما تجاوزوا هذه النسبة كثيرا لأنهم يعانون ضغوطاً دينية لا يعانيها غيرهم من الهنود. ولكن يمكن النظر إلى أن تلك النسب يعوض بعضهما بعضاً، فقلتهم بالنسبة للبنان تعوضها كثرتهم من يوغسلافيا مثلا ( Stone,1991 ) .

وعن الانطباع عن المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، كتب (بايرن هينز ( B.Haines دراسة عن (نظرة الكنائس الأمريكية للإسلام وللجماعات المسلمة في أمريكا الشمالية،
Perspectives of the American churches on Islam and the Muslim Community in

North America) ويرى الباحث (هينز) أن المعلومات تشير إلى وجود ثلاث فئات من المنظمات والجماعات الكنسية بالنسبة لنظرتها للإسلام والمسلمين في أمريكا، الفئة الأولى تقبل بالمسلمين كجماعة مشروعة ضمن المجتمع الأمريكي، وتحاول مد الجسور معهم، وإجابة دعواتهم، والاعتراف بحقوقهم. والفئة الثانية تنظر إلى أن وجود المسلمين في أمريكا فرصة ساقها الرب لتحويلهم إلى النصرانية، ولا تتوانى هذه الفئة عن بذل الجهود في هذا الاتجاه، أما الفئة الثالثة فتقع بين الفئتين السابقتين، فهي لا تقبل المسلمين مثل الفئة الأولى، ومن ثم غير مستعدة للتعاون معهم، كما أنها لا تسعى إلى تحولهم إلى النصرانية ( Stone,1991 ).

وعن (المسلمين كآخرين: تمثيل المسلمين ونظرتهم إلى أنفسهم في الولايات المتحدة الأمريكية

The Muslims as the (Others): Representation and Self-Image of the Muslims

in America ; كتب (أبو بكر الشنقيطي، A.Al-Shingiety مركزا على المشاركة السياسية والثقافية للمسلمين في أمريكا، وتأثير المسلمين على التوجه الأيديولوجي لأمريكا من جهة، ونظرة الأمريكيين إلى الجماعات الإسلامية من جهة أخرى، وكان حديث الباحث يدور حول المسلمين السود في أمريكا مثل جـماعة ( أمة الإسلام )، وجماعة ( الدعوة الإسلامية في أمريكا ) (Al-òShingiety ,1991 ) وعن الفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك عدد من الدراسات والبحوث، منها بحث بقلم (جان اسبسيتو Esposito J. عن إسماعيل الفاروقي: عالم إسلامي حركي ، Ismail R.Al-Faruqi : Muslim Scholar-Activist تتبع فيه الباحث مراحل حياة الفاروقي، وتحوله من الدعوة للقومية العربية إلى الدعوة إلى الإسلام، وبين الباحث سعة أفق الفاروقي وسعة اطلاعه على الثقافة النصرانية باعتباره جزءا من عمله الأكاديمي، وكجزء من عمله الدعوي وكثرة احتكاكه بالفرق النصرانية، Esposito,1991 وأخر بعنوان ( تركة فضل الرحمن، The Legacy of Fazlur Rahman بقلم فردريك دئي F.Denny وفضل الرحمن عالم باكستاني واسع الاطلاع على علوم الأديان، والفلسفة، والأخلاق، ويركز في بحوثه على تفسير القران، وعلى ربط الإسلام بالحياة المعاصرة، Denny,1991، وهناك عدد كبير من الدراسات والبحوث عن مالكولم إكس Malcolm X الذي يعتبر أشهر شخصية مسلمة ظهرت في أمريكا إلى الآن، ومن تلك الدراسات دراسة (هنريك كلارك، H.Clarke عنوان مالكولم إكس: الرجل وزمنه، Malcolm X: The Man and His Times تتبع فيه مراحل حياته وشخصيته، وما تعرضت له من تحولات، وخطبه، ومواقفه Clarke;1969 وكتاب (ديفد جالن، (D.Gallen بعنوان (المرجع عن مالكولم إكس: نظرات حول الرجل والخرافة، Malcolm X Reader:Perspectives on the Man and the Myths ) وهو كتاب مرجعي عن مالكلوم إكس يغطي حياته منذ ميلاده في عام 1925م إلى مقتله في سنة 1965م Gallen;1994ومن البحوث التي كتبت عن وارث الدين محمد ما كتبه (ظافر الأنصاري، Z.Ansari بعنوان (وارث الدين محمد: تكوين قائد مسلم أسود، W.D.Muhammad:the Making of a ( Black Muslim ) تتبع فيه حياته مع والده وخلافاته معه، وبعض رحلاته، وتوليه قيادة الجماعة وما قام به من تغييرات قربتها من أهل السنة والجماعة ( Ansari;1985).

وهناك دراسات وبحوث عن النشاطات السياسية للمسلمين في أمريكا، منها بحث بقلم (ستيف جانسون S.Johnson ) تحدث فيه عن محورين من محاور النشاط السياسي، الأول عن النشاط السياسي داخل الجماعات الإسلامية والذي يدعو إلى تعريف المسلمين بحقوقهم الانتخابية، ودعوتهم إلى استثمارها فيما يعود على المسلمين بالفائدة والنفع، والمحور الثاني عن نشاط المسلمين السياسي ضمن المجتمع الأمريكي الكبير ( Johnson.1991 ). وبحث عن الدعوة في الغرب، بقلم ( لاري بوستون، L.Poston تحدث فيه عن الانقسام بين أولئك الذين يرون أن الجهود يجب أن تنصب على تثبيت المسلمين على دينهم، ومساعدتهم على ذلك، وأولئك الذين يرون أنه يجب العمل كذلك على إدخال الأمريكيين في الإسلام. واستعرض الخلفية التاريخية للدعوة الإسلامية في أمريكا، ودور بعض الجماعات المسلمة في ذلك (Poston1991 ). وهناك بحث عن المسلمين في السجون، بقلم (كاثلين مور، K.Moore;1991وبحث عن التربية الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا، كتبته (نعمت حافظ برزنجي،. N.M.Barazangi;1991:A

والمرأة المسلمة من أهم أعمدة وعناصر المجتمع المسلم في كل زمان ومكان، ومن البحوث التي تناولت موضوع المرأة المسلمة بحث عن المرأة الأمريكية الأفريقية المسلمة، كتبته (بفرلي مكلاود، B.McCloud;1991والثاني بعنوان: طريقين للتثاقف: المرأة المسلمة بين الاختيار الفردي، وتحقيق التوقعات الاجتماعية بقلم (مارشا هيرمانسن ). M.Hermansen;1991 وموضوع الهوية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية جاء حوله عدد من البحوث، منها بحث بعنوان: قضايا إسلامية للمسلمين في أمريكا، بقلم (جان فول، J.Voll) تحدث فيه عن نوعين من القضايا، القضايا التي تواجه الأقليات المسلمة في كل زمان ومكان، والقضايا التي توجه المسلمين في مرحلة ما بعد الصناعة في الغرب. وبحث بقلم (أيفون حداد ،Y.Haddad ) عن: السياسة الخارجية الأمريكية وأثرها على هوية العرب المسلمين\\\” في الولايات المتحدة الأمريكية، تم فيه تتبع التغيرات التي حدثت في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في العقود الأربعة الأخيرة، وأثر ذلك على تحديد هوية المسلمين في أمريكا، فتزايد الغضب والإحباطات أدى إلى تزايد نشاط المسلمين لإثبات هويتهم وتميزها ( Haddad, 1991 ) .

وتحت عنوان: (الالتقاء والاختلاف في مجتمع ناشئ: دراسة عن التحديات التي تواجه مسلمي أمريكا) أعد (سليمان نايانج، SNyang بحثاً ذكر فيه أربعة احتياجات هي: الحفاظ على الهوية الإسلامية، الدفاع عن المؤسسات الإسلامية، تأسيس بنيات تحتية لاقتصاد إسلامي، وإيجاد طريقة للمشاركة في الحياة السياسية الأمريكية. ورغم وجرد الاختلافات بين المسلمين، إلا أن الباحث (نايانج) يرى أن الشعائر والقيم الإسلامية يمكن أن تجمعهم، ويفرق الباحث بين الاتجاه الذي لا يرى إمكانية الجمع بين الهوية الإسلامية والهوية الأمريكية، والاتجاه الآخر الذي يرى أنه يمكن إيجاد طرق للجمع بين الإثنين Nyang,1991.

وحظيت الأسر المسلمة في أمريكا الشمالية بمجموعة من البحوث والدراسات، منها بحث بقلم (أبو لبن، Abo-Laban;1991) عن الأسرة والدين بين المسلمين المهاجرين وذريتهم، وبحث عن الإطار الديني للأسرة المسلمة كتبه (سالم قرشي Qureshi;S.1991) ودراسة عن (الوالدين والشباب: المحافظة على الإسلام وتطبيقه في أمريكا الشمالية) بقلم (نعمة برزنجي Barazangi;N.1991:B).
أما المسلمون السود فهناك الكثير من البحوث والدراسات التي كتبت عنهم، وربما كانت دراسة (سي أرك لنكولن C.Eric Linooln بعنوان (المسلمون السود في أمريكا، The Black Muslims in America) من أشهرها وأقدمها، وقد ترجمه إلى اللغة العربية عمر الديراوي تحت عنوان: (المسلمون الزنوج في أمريكا) ونشر سنة 1964 م، وهو يتحدث عن فرق السود، وخاصة (أمة الإسلام) وعن زعاماتها ومراحل تطورها ( لنكولن 1964م ، Lincoln; 1961) وتعتبر دراسة (أمينة بفرلي مكلاود، A.B.McCloud) من أحدثها وهي تتتبع تاريخ وتطور ما أسمته بالجماعات القديمة، أو المبكرة، وتمتد في نظرها من عام 1900م إلى عام 1960م ، وقدمت ضمن هذا الجزء معلومات كثيرة عن إحدى عشرة جماعة منها معبد الموراكشيين العلمي، وجماعة الأخوة الإسلامية، وجماعة أمة الإسلام التي تعتبر الأشهر ضمن تلك الجماعات. ثم تحدثت عما أسمته بالجماعات المعاصرة والتي تبدأ من الستينات إلى وقتنا الحاضر وما صاحب ذلك من أحداث تحررية في العالم الإسلامي، وعن تأثير الحركة المدنية في أمريكا عليها، والتي كانت تطالب بحقوق الأقليات وخاصة السود، وتناولت ما حدث من تغيرات وانقسامات في (أمة الإسلام) بعد موت أليجا محمد في عام1975. كما تناولت بشيء من التفصيل تركيبة الأسرة في مجتمع السود المسلمين، وحياة الجماعات المحلية، وكذلك موضوع المرأة في الإسلام، والتحديات التي يواجهها المسلمون هناك، والكتاب في عمومه عن تاريخ وعقائد وتطبيقات المسلمين السود الذين قدرت عددهم الباحثة بـ 1,5 مليون إلى 4,5 مليون نسمة ( McCloud;1995)

وفي عام 1992م حرر كل من (ميشيل كوزجي وجي ملتون، Michael A.Koszegi & J.Melton كتابأ بعنوان (الإسلام في أمريكا: كتاب مرجعي، ( Islam in America: A Scurce Book) حوى دراسات وقوائم شبه حصرية للكتب والدراسات والدوريات التي تتعلق بالمسلمين في أمريكا الشمالية، بطوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم المختلفة، والكتاب يعتبر مصدرا مهمأ لمن يريد معرفة ما كتب عن الإسلام والجماعات الإسلامية في ذلك الجزء من العالم ( Koszegi & melton:1992)

ومن خلال الدراسات السابقة نرى أن هناك اهتمامأ متزايدا بالمسلمين في أمريكا، وهذا الاهتمام يتزايد بتزايد أعداد المسلمين هناك، ولهذا نرى أن معظم الدراسات أجريت في العقدين الأخيرين، ولقد غطت تلك الدراسات كثيرا من جوانب حياة الأقلية الإسلامية في أمريكا. ومعظم تلك الدراسات جاءت باللغة الإنجـليزية، ولم تــواكبها كــتابات وبحــوث باللغــة العــربية، لغة القـرآن ولغــة الإسلام.
.وتأتي هذه الدراسة باللغة العربية ضمن علم اجتماع الوحدات الكبرى ( Macro-Sociology) لتتحدث عن المجتمع الإسلامي في أمريكا معتمدة على الدراسات السابقة في تتبع ظاهرة هجرة المسلمين إلى أمريكا، ونشأة جمعياتهم ومؤسساتهم، وتزايد أعدادهم، ومعتمدة كذلك على دراسة ميدانية لمعرفة جوانب حياة المسلمين كأقلية في المجتمع الأمريكي، ونجاحاتهم والتحديات التي يواجهونها. وتم تدعيم الدراسة الميدانية الأفقية بدراسة رأسية معمقة ضمن علم اجتماع الوحدات الصغرى Micro-Sociology عن مركز من المراكز الإسلامية من حيث مراحل نشأته، والصعوبات التي صاحبت ذلك، ونشاطاته المختلفة، ودوره في خدمة المجتمع المحلي.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية – 1 مغلقة

الشهداء القادمون هم الضمان – 2007-03-03

ليسوا قلة أولئك الإخوة الذين يضعونك أمام أسئلة صعبة الجواب، مشافهة أو مراسلة، والحرج في الإجابة عنها ليس فقط بسبب خصوصيتها بل لكثرة الحدود في معادلاتها، ومن ذلك ما سُئلته عن الرأي في حركة الإخوان المسلمين وخصوصاً السورية، والموقف من المد الشيعي في سورية، وحقيقة الاضطهاد الديني لكل من هوسلفي أو إخواني التوجه بل حتى الأنفاس! وهل حقيقة أن وزارة الأوقاف صار دورها هو غسيل عقول المشايخ من أجل غسيل عقول الناس وهل صحيح أن الأبواب تفتح للضيوف الكرام من أمثال الأساتذة: عمر عبد الكافي والحبيب علي الجفري ، بينما يمنع أهل البيت وآخرهم الداعية الدكتور تيسير العمر الأستاذ في كلية الشريعة بجامعة دمشق ، والذي تم عزله عن الخطابة منذ أسبوعين! بحيث صنع ذلك ندبة في القلوب ليس الآن وقتها! وماهي ضراوة العلمانيين وحدود مكرهم، وأسئلة عن بعض الجمعيات النسوية وصلتها بالصهيونية!! وعن التسلل التجسسي تحت ذريعة الحوار الديني! وكيف هي النظرة إلى الحزب الإسلامي العراقي وزعيمه طارق الهاشمي، وهل أسامة بن لادن وطالبان على هدى أم ضلال؟ وهل حزب الله عملاء أم أبطال؟، وما الموقف من المحكمة الدولة التي تملأ الأخبار ليل نهار! وهل حقيقة لايجوز للمسلمين الموجودين في ديار الغرب البقاء فيها وعليهم الهجرة منها! وعشرات الأمور التي هي أكبر من أن يزعم أحد أنه يمتلك الحقيقة المطلقة حولها!
إن هذه الأمور تؤرقني مثل غيري فهل نبقى حيارى تجاهها؟ إن ذلك هو مصير بائس لأمة تتناوشها العلل! ولكن المسارعة إلى كوة ضيقة لنرى العالم كله من خلالها هو أمر لا تقل فداحة آثاره عن الحيرة والضياع.
لدي فكرة وسأضعها تحت أنظار الجميع وأرجو أن يكون فيها بداية تلمس للصواب! والأساس فيها هو قوله تعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) (الشعراء- 183) .
إن النظرة الأحادية تؤدي بنا إلى اتخاذ قرارات حدية فيما يواجهنا ، لأن حل معادلة رياضية من الدرجة الأولى أسهل بكثير من معادلات فيها مجاهيل كثيرة! وقد سمعت مفتياً في إذاعة إسلامية يجيب سائلاً يحاول دعوة أخيه إلى الصلاة فيستجيب أحياناً وينكص أحياناً ويسأل عن حكم أخيه؟ فيقول المفتي: هو كافر ولله الحمد!! (انتهى الجواب) … وهذا الجواب السهل هو عين مانفعله في قضايا تحتاج إلى بسط وربط وفقه وإدراك ….. فنختصر الطريق بجواب كارثي النتيجة.
إن أمام المد الإسلامي ثلاثة تحديات رئيسة تواجهه وعليه أن يحسن التعامل معها، وبطريقة (ولا تبخسوا الناس أشيائهم) بحيث لا يكون التصرف معها بطريقة البعد الواحد ، وتلك التحديات أولها: مشروع الهيمنة الغربية ، وثانيها: المشروع الاستبدادي، وثالثها: التآكل الداخلي (وهو الأخطر على الإطلاق برأيي).
التحدي الأول: لقد ورثنا نحن الإسلاميون أحد طباع الأنظمة الثورية من تأجيل كل الأمور بحجة الخطر الصهيوني أوالغربي، و فهمنا للأمور بالطريقة الحادة، رغم أننا ندرِّس للناس سورة العصر وأنه لو لم ينزل للناس إلا هذه السورة لكفتهم ، ونذكر لهم قولة ابن عطاء الله : إحالتك الأعمال على وجود الوقت من رعونات النفس، وننتشي بقولة الإمام البنا : الواجبات أكثر من الأوقات ….
إنني أزعم أن أحد المقاتل الإستراتيجية للعمل الإسلامي انهماكه في محور واحد استهلكه بل غرق في مستنقعه وعندما خرج من تلك المعركة في ذلك المحور خاسراً وجد أنه صار في صحراء مقفرة لأنه لم يبن في المحاور الأخرى شيئاً فصار في العراء … وقد تمر ظروف صعبة حقيقة تجمد كل شيء ولكن الأخطر هو تجمد العقل بحيث لا يقدر على إدراك التوافيق والمتغيرات عندما تتغير الظروف ، وما أسميه التآكل الداخلي هو الذي يفتح الأبواب للمشروع الاستبدادي، وهو بالتالي يؤدي إلى قبول الهيمنة الخارجية! وهي لوحدها لا تؤدي إلا إلى استنهاض طاقة الأمة للتحرير إذا لم يكن هناك استبداد ولا تآكل داخلي، ولكنها كارثة مرعبة إذا توفرت مقدماتها من الاستبداد والتآكل ، وكمثال على ذلك حالة العراق فالاستبداد الطويل هو المقدمة للغزو ، ولكن الأخطر أن التآكل الداخلي لم يتضح لأحد إلا عندما انفجرت المساجد والحسينيات بل المخابز ومجالس العزاء وأسواق الخضار بأشلاء الأبرياء ، ولا أعلم إن كان أحد خلال العقود الأخيرة قد حاول أن يجري دراسة موضوعية حول نقاط الالتقاء والاختلاف بين السنة والشيعة وماهي الأمور التي تعتبر كفراً أو إيماناً لدى الطرفين ، وماهي الأمور التي يمكن أن يكون لها تأويل وتدخل في الاجتهاد والأمور القطعية ، وماهو الخط الفاصل بين الشرعي والسياسي ، وماهي الظروف التاريخية المؤثرة والعوامل النفسية .. وماهي النقاط التي يمكن التلاقي فيها والنقاط التي لا يمكن قبولها بحال! إذاً لوفرت تلك الدراسة في حال اعتمادها كوابح هائلة في وجه أنهار الدماء والدندنات الطائفية (مهما كان مصدرها)! ويمكن ضرب مثال مغاير بالشعب الفيتنامي الذي لم يكن يعاني من تفكك داخلي بل اتسم بتلاحم هائل ، ولم تكن مؤسساته ديكتاتورية، فلم تستطع الآلة الأميركية اجتثاثه، بل تكسر كبرياؤها بشكل غير مسبوق.
إذاً فالهيمنة الخارجية لا تستمر إلا على أنقاض الاستبداد وتتغذى بتآكلنا الداخلي ، ومن المؤسف أنها عندما تتمكن فإنها تعيد تصنيع فيروسات الاستبداد والتآكل الداخلي بشكل أشد هولاً بحيث يصبح المخرج منه شيئاً في غاية الصعوبة.
تُفكك الهيمنة الخارجية (وأكرر: المعتمدة على الاستبداد والتآكل الداخلي) البنية السياسية ثم الاجتماعية ثم النفسية للشعوب، وبعدها تستخدم مكوناتها في نحرها، ومن المؤلم جداً أن البعض من السنة أوالبعض الشيعة في العراق قد صار همهم الأول هو الإجهاز على الطرف الآخر ، ونسوا المحتل الأميركي، وأنهم عاشوا قروناً طويلة وحلوا مشاكلهم بأنفسهم، وأن هذه هي المرة الأولى الذي يصل بينهم الصراع إلى هذه الدرجة من الدموية، ولسبب واحد هو عدو خارجي اتكأ على استبداد سابق ونخر قديم لم يصلحه أحد ..واليوم تداعت كل مقدماته في نتائج مرعبة.
قد يكون خبث التدخل الخارجي شمولياً بحيث يصيب بآثاره كل مرفق، وأوضح مثال لذلك ماحصل مع حركة طالبان، فقد صارت صورتها في عقول الناس من أردأ مايمكن تصوره، والحق يقال: مادمنا نطالب بعدم البخس، فعلينا أن نعطي هذه الصلاحية للمؤمنين ابتداء وأقول: إن التصنيف الأميركي مغاير تماماً للتصنيف الإسلامي ، فأميركة تراها أم الإرهاب والحركة لم تقم بشيء خارج بلادها وذنبها الظاهر أنها لم تسمح بتسليم أحد مواطنيها (ابن لادن) وهو مبدأ لاتقوم به إلا الدول القوية وذات السيادة ومهما كان الثمن، وأستطيع كمسلم أن أقول عن حركة طالبان أنها مغلقة ، وبدائية ، ومتخلفة .. و غير ذلك لكنها في النهاية حركة إسلامية لها إيجابيات وسلبيات ، وقد حولها الغرب في عقول المسلمين (التي احتلها) إلى شيء لا يمكن تصوره بحال! وكأنها الجحيم بعينه! وقد تألمت مرة لصاحب منبر معروف بانتهازيته يقول في إحدى الفضائيات بأنها إرهابية مثل أميركة! وأنا متأكد أنها عندما تنتصر وتفتح سفارة لها فإن ذلك المتحدث سيسبق رأسه رجليه للتقرب منها والإشادة بمناقبها! مع كل بدائيتها!
إن النظام الأميركي له إيجابيات كبيرة ، وفيه من كوامن العدل (حقيقة) ما لايتوفر في أكثر دول العالم ، ولكن ذلك الأمر محصور ويا للأسف في الداخل … أما في الخارج فما يفعله النظام الأميركي أغنى عن كل بيان!
في كل الحالات فإن طالبان (مع كل تخلفها) مقارنة بما يفعله النظام الأميركي من الخير!! حتى داخل بلاده ومع الأخذ بعين الاعتبار الفرق الواسع في الإمكانيات المادية والتنقنية ، ولو ركزنا على الجوانب الإنسانية والمعنوية فإن دولة طالبان أرقى بكثير من دولة بوش المسكين ، فدولة طالبان هي الوحيدة التي دمرت زراعة المخدرات تدميراً (فليخبرنا النظام الأميركي وأصدقاؤه عن قدراتهم في حماية أبنائهم من المخدرات والمسكرات)، وطالبان هي الدولة الأولى منذ قرون التي صار الناس فيها يشعرون بالأمن التام على دمائهم وأموالهم (فليخبرنا النظام الأميركي عما حصل عندما انقطعت الكهرباء في نيويورك يوماً … وليخبرنا عن السرقات والنهب الذي حصل في فلوريدا في العام الماضي إثر الأعاصير) … وطالبان هي الدولة الأولى في العالم التي كان فيها رجال الحكومة متطوعين وليس لهم رواتب بسبب فقر الدولة الشديد … (فليحدثنا النظام الغربي عن الرفاهية المنتزعة من دماء وعرق ودموع مئات الملايين من شعوب الأرض ، وليحدثنا الرئيس بوش عن السبعمائة والستين مليار دولار التي طلبتها إدارته للحروب القادمة!!) .. وهناك انغلاق وتعصب ديني في أفغانستان ، ولكنه بكل المقاييس أقل شراً على أمم الأرض من تعصب الإدارة الأميركية وإصرارها على دمار هذه الحياة!
لم تفتح طالبان الكثير من المدارس للبنات لأنها بالكاد تعلم بعض الصبيان، وعند العديد من المتدينين شطط في التعامل مع المرأة، وتزمت لا مبرر شرعي ولا عقلي له ، وأساسه نظرة فقهية جامدة أوطباع ذكورية طاغية أوغيرة ماحقة، ومن الحب ماقتل! ، ولكنه بالتأكيد لا يقارن في الضرر مع المنظومات الأخلاقية الفاسدة والعدوان على الأعراض والاغتصاب حتى للأطفال والعرض الفاجر لأجساد النساء بل حتى الرجال بطريقة تدعو إلى الغثيان كما يفعل هؤلاء المحتلون في بلادهم أو في بلاد المسلمين! وسل سجون أبي غريب تنبؤك بما تجمد معه الدماء في العروق.
لست أدافع عن أغلاط طالبان ولا أراها النموذج الإسلامي الأفضل للأمة المسلمة ولكني أضرب المثل بها فيما يقع من الإجحاف والظلم، ومن اللافت للنظر أن العديد من الأفغان قد كسروا أجهزة التلفزيون عندما انتصرت طالبان لأنها كانت تمثل لديهم رموزاً للفساد وأبواباً للشر والمحتل والدخيل والغريب، وقد كنت أظن نفسي ذا دراية وبعد نظر فقلت لبعض الإخوة: لعلهم لو أبقوها للاستخدام في إعلام نظيف لكان أفضل، ثم أدركت أنني إنسان وقع في المكر الإعلامي والفخ الغربي [الذي يهوش دائماً] عندما قال أحد الناطقين باسم الأفغان أن أكثر أراضي أفغانستان ليس فيها كهرباء!! وتأكدت أن في هولاندا منطقة فيها مئات الآلاف من المتدينين الذين يرفضون اقتناء التلفزيونات!! لأنها باب شر وفساد! نعم يا أخواننا وأخواتنا في هولاندا إن لم تعجبك تصرفات الأفغان! وهم يعيشون ضمن نطاق يسمى (حزام الإنجيل) وهذه عدة مواقع تتحدث عن ذلك لمن أراد الازدياد:
و بعض القرى في ذلك الحزام يرمى فيها بالأحجار على الطالبات اللواتي يقدرن دراجاتهن وهن يلبسن البناطيل القصيرة (الشورتات)! ….
إنني بتلك المقارنات لا أريد أن أقرر خطأ صغيراً في مواجهة خطأ أعظم ، ولا دعوة الناس للقبول بالبدائية رداً على ظلم الغرب، بل أريد أن تستيقظ هوية الأمة مستقلة واعية عصية على الافتتان والغسيل والاستيعاب، وأن لا تتحول نصالها إلى صدور أبنائها مهما كبرت أخطاؤهم بل تتجه إلى المحتلين والغاصبين والطامعين , وأن تعطي الأمور حقها دون إجحاف ولا بخس .
أطلت في المسألة لبيان المكر السافر وغسيل العقول والذي مازال غالباً يخضع له، رغم أن الأيام تدفع إلينا بالمزيد من الأدلة الدامغة على الخطر المبين، وأخشى أن الناس بدأت تنسى في حمى الأخبار كيف تحايلت الإدارة الأميركية والبريطانية بموضوع أسلحة الدمار الشامل فحاصروا العراق وأفنوا مليوناً من أطفاله ، وعلوا فيه فراعنة متجبرين وما تركوا مكاناً في أرض الأحرار إلا ودخلوه ثم نقبوا العراق شبراً شبراً حتى فتشوا غرف نوم صدام حسين واستنفروا حكومات العالم لإسقاط النظام في العراق [انظر الرأي في النظام العراقي ورئيسه في مقالة بعنوان: غفرانك اللهم فالحسين لايشرب الدماء ، وتجدها في الأرشيف قسم المقالات الشهرية] فلما سقط انكشف الكذب الكبير المخجل فإذا بمن يطرح نفسه مصلحاً في الأرض هو أكبر الكاذبين!
الآن يوجد لعبة خطيرة تشابه ذلك، وهي قضية المحكمة الدولية لقتلة الرئيس رفيق الحريري، ومن العجيب أن الوسائل الإعلامية تكرر على الناس ليل نهار وبسابقة غير قانونية أن سورية هي المسؤولة عن الموضوع! إذاً فلماذا المحكمة وكل ذلك التعب! إن القاضي لا يحكم بعلمه بل بالبينات التي تقوم عنده من الأدلة القطعية! ولكن النظام الأميركي وجوقة من العازفين يرددون معزوفة واحدة حتى تصبح الشبهات حقائق والظنون قطعيات!
إننا نفهم تماماً اللوعة بمقتل رفيق الحريري وغيره ، ومهما كان عليه من ملاحظات فقد كان اغتياله حقيقة خسارة كبيرة، ولكننا نقول أنه لا يوجد نظام إقليمي قادر على القيام بتلك الخطوة من دون موافقة دولة كبرى، فليُبحث عن المجرم الأساسي! والأمر الثاني أن ذلك التهويش على سورية ينبغي أن توصد في وجهه قلوب الأحرار، فقد رأينا صدق الإدارة الأميركية التي هيأت الأمور حتى احتلت أفغانستان ثم طبخت العالم عشر سنوات حتى أقنعته بغزو العراق وهيأت الدول والشعوب لذلك نفسياً ومعنوياً ثم سياسياً وعسكرياً … ثم بان الكذب المبين … ونقول بأنه مهما تكن النتائج فليست الإدارة الأميركية وحلفاؤها بالقاضي النزيه ولا المستشار المؤتمن … بعد أن استباح دماء الأفغان ثم شرب دم مليون طفل عراقي برئ …. وعندما ستصدر لجنة التحقيق قرارها فهو مرفوض ابتداء للشك في نزاهة الجهات التي وراءه! وإذا ثبت بطريقة لا ترقى إلى الشك بأن شخصاً سورياً معيناً له ضلع في الموضوع أو أنه منفذ أو مخطط حقيقي أو ثانوي فيه فإن الواجب الشرعي ثم الوطني يستدعي الرفض القطعي الخضوع لذلك القرار ، وندعو الناس إلى مؤازرة الدولة في هذه النقطة والالتحام معها تفويتاً لخطر هائل هو أعظم بكثير وسيصيب جميع السوريين، ومهما كان الحريري غالياً وعزيزاً فإن السوريين بمجموعهم أغلى.
إن السيادة الوطنية شيء لاتفرط به إلا الحكومات الخائنة، وبالتالي فإنه لا يجوز تسليم أي مواطن سوري إلى جهة خارجية مهما كان السبب وإذا كان لدى البعض شكوك أو تساؤلات حول القضاء السوري فإنه وبالتأكيد أشد نزاهة من الإدارة الأميركية.
أما ما يستخدمه البعض في اللقاءات الفضائية والخطب الرنانة من عبارات مقذعة فهو بلاشك جزء من حرب نفسية، و إفلاس أخلاقي لأن من يعتبرون أنفسهم زعماء ينبغي أن تكون لهم بعض الأخلاقيات حتى في الخصومة، ونعوذ بالله ممن إذا خاصم فجر، وكل ينفق مما عنده.
التحدي الثاني: الاستبداد : منذ أسبوعين حذر رئيس دولة إسلامية أفريقية كبرى من تحول بلاده إلى دولة إسلامية! [ترى هل يريد أن يخبر الناس أنه غير مسلم] ، وأبشر ذلك الرئيس أن الإسلام الصافي، ورغم كل مايحيط به من ضعف داخلي وكيد خارجي فهو قادم شاء الرئيس أم أبى!، وسواء دعمته الإدارة الأميركية أو لم تفعل.
إنني لا أفهم لماذا يكره حكام المسلمين دين شعوبهم إلى هذه الدرجة؟ وللحقيقة نقول أن الفكر الاستبدادي لم يبدأ اليوم بل هو قديم منذ قتل ابن آدم أخاه ومنذ دمرت الخلافة الراشدة، ومنذ أكره الناس على مذهب واحد في السياسة أو الدين.
يقول الكواكبي أن الاستبداد لا يحارب بالقوة بل بالذكاء! وهذه نقطة مهمة فكثير من الجماعات الإسلامية نحرت نفسها عندما اندفعت تحارب الاستبداد دون أن تدرك قوته ، وإزالة الأنظمة الشمولية شيء أوسع من ثلة من الشباب تخترع تنظيماً سرياً تقدمه هدية للمستبدين كل فترة بل تعطيهم المزيد من المبررات للقمع وإحكام القبضة … وصحيح أنه يحصل إجحاف بحق المتدينين ولكنه لا ينبغي أن يقابل بطرق غير سليمة أيضاً، ومن أعظم ماقرأته في تهذيب المدارج ، ص424، أن (من قام لله حتى أوذي في الله : حرم الله عليه الانتقام، كما قال لقمان لابنه : (يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان- 17) ) ، لذا فإن طريق مقاومة الظلم تبدأ بالمناصحة والصبر لحصول النتائج ، في عام 1994م شرحت هذا المنهج على المنابر من خلال مثال عملي هو الحركة التي قام بها مجدد الألف الثاني الإمام السرهندي رحمه الله (وقد خصه العلامة أبو الحسن الندوي بمجلد كامل في رجال الفكر والدعوة في الإسلام) ، ولكن عندما لا تحصل المناصحة فما هو العمل؟ إنه بصراحة الصبر ثم الصبر ثم الصبر .. وبالتعبير المعاصر: المقاومة السلمية أو المدنية ….
إن المقاومة السلمية أقل أنواع المقاومة خسائر وأكثرها ربحاً وأقربها إلى المنطلقات الشرعية في الحفاظ على أرواح الناس وممتلكاتهم، وهي تحتاج إلى بضعة شهداء كلمة، وشرط نجاحهم هو مؤازرة الناس لهم ، ولو قلبياً! وهذا الأمر تقوم به الشعوب تلقائياً من دون توجيه فإذا اجتمع معه الترشيد أصبح قوة كبيرة لا تستطيع دولة أن تأكلها، وهذه الطريقة لاتعرِّض أمن أي دولة إلى الخطر لأنها زحف بطئ وهادئ ومسالم لاحتلال المواقع لا بالإكراه بل بالضرورة العملية والقناعة الراسخة ، والخاسر الوحيد فيها هم الظالمون لا الدولة (التي هي ملك الشعب) … وكمثال على ذلك الانتخابات التي تشاهد أن كل شعب يتعرض للإجحاف أو التضييق يحجم عن المشاركة فيها، ويقدم رسائل صامته وحزينة إلى ظالميه ، وهذا الأمر له دلالات عظيمة وآثار ليس هنا مجال شرحها.
من أخطر أنواع الاستبداد مايستند إلى مبررات دينية، أو يقوم بمصادرة الدين! وكمثال عن ذلك أحد المفتين الذين عينتهم دولتهم بقرار سياسي (فتبهدلت) الدولة كلها به، وفقد مرجعيته بين الناس، فقد غير فتواه حول العمليات الاستشهادية بضع مرات! مما جعل الناس تنفر من كل فتوى لاحقة له ولو كانت صواباً، وكما قال فضيلة الدكتور عماد الدين الرشيد (رئيس قسم علوم القرآن في كلية الشريعة بجامعة دمشق) في مقابلة له على الجزيرة بما معناه: أن المرجعية هي موقف وليست تعييناً أو قراراً سياسياً! وأتساءل أحياناً عما تفعله بعض العمائم التي تتسلق على الأكتاف وتدافع عن سياسة الدولة التي وظفتها ، وتحاول أن تكون إنسانية وواسعة الأفق ومنفتحة مع كل عباد الله مسيحيين أو بوذيين وحتى يهوداً … ولكنه ليس لها موقف واحد تقدمه للدفاع عن المسلمين الذين تنطق باسمهم وتدافع به عنهم.
لست أحب التنظير ولو دخلت فيه وسأنتقل إلى مثال عملي في غاية الصراحة آمل قراءته بتمعن حتى نهايته لشرح كيف تتداخل الأمور مع بعضها!
منذ أشهر عقد بإشراف أحد المعاهد الشرعية مؤتمر للحوار الإسلامي المسيحي، وقال لي أخ أحضر لي دعوة هل ستأتي؟ فقلت له: لا ، قال لماذا؟ فقلت له أولاً : العلامة الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أصدر قراراً بإيقاف الاتصالات مع هؤلاء كموقف من الإساءات التي تفوه بها بابا الفاتيكان بحق القرآن والإسلام ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا ملتزم بهذا القرار. (والجهة المدعوة بالمناسبة هي جامعة تنصيرية أميركية تحولت إلى جامعة للحوار بين الأديان).
السبب الثاني: إنني لا أستطيع أن أجلس معهم وأنا أرى أن كثيراً من الإسلاميين لا يستطيعون التلاقي ولا الحوار ولا التناصح!
إنني أريد أن أزيل كثيراً من الأفكار المغلوطة التي نحملها نحن الإسلاميون ، وقد يكون عندي وعند غيري من العيوب الفكرية والسلوكية الشيء الكثير والمؤمن مرآة المؤمن، وإنني بصراحة أرغب في أن تفتح طاولة مستديرة للتناصح الصريح والتقويم المفتوح بين الجماعات الإسلامية تضم الصوفي والسلفي والإخواني والتحريري والتبليغي … وتستفيد من مدرسة البوطي وكفتارو والفتح .. ويحضرها أساتذة كلية الشريعة والعلماء والدعاة والوعاظ والخطباء … فهل هذا ممكن؟ إن لم يكن ممكناً فإنني نفسياً لا أستطيع الحضور!
من المؤلم أن يفرض الدين أو المذهب على الناس وفق مقاييس غير منطقية، وقد دخل داعية في نقاش مع صاحب منصب! زعم بأن أبواب الدين مفتوحة دون ضغط أو إكراه ماعدا : الإخوان المسلمين فهم عنيفو المنهج ماكرو الأهداف ، وأما السلفيون فأكثرهم أصحاب فتنة ورغم مسالمة أكثرهم إلا أنه يخشى أن تكون لبعضهم ارتباطات بالقاعدة، قال الداعية: فهمت عذركم [ولو لم أقتنع به] و لوسلمنا جدلاً بذلك فما قصة جماعة الدعوة والتبليغ؟ وهم يفصلون من شبابهم من يشتغل بالسياسة، ففكر صاحب المنصب ثم قال: نعم هم والله أكثر صفاء من اللبن الأبيض … وليس في قلوبهم سوى هم الدعوة! ولكن … ولكن … نعم … يخشى من تسلل الإخوان أو السلفيين الخطرين بين صفوفهم!!! فابتسم الداعية وانقطع الكلام المباح لأنه لم يفهم لماذا تستطيع جماعة الدعوة والتبليغ ضبط عناصرها في كل الكرة الأرضية ولا تستطيع فقط في هذه البلاد أن تضبطهم!! إلعب غيرها يرحمك الله… ولكن ….
إنني لن أوجه النقد إلى الناس وأنسى نفسي فحقيقة هناك إعاقات نقوم بها نحن الإسلاميون ونفعل أحياناً حماقات ، ولكن سببها الاستبداد والإجحاف والظلم … وهناك أمور خطيرة لا يجوز أن ندفع عجلتها باتجاه سلبي .. وقد أعياني مرة بعض طلابي في معهد شرعي عندما قالوا أن ملصقاً لوزارة الزراعة! فيه إهانة للمسلمين! ونظرت فإذا بصورة قسيس وشيخ يزرعان شجرة! فقلت ما المشكلة؟ قالوا القسيس أقرب إلى المشاهد وهو أعلى جسماً من الشيخ بقليل مما يعني إبرازاً أكثر للنصارى!!! قلت سبحان الله على هذه العقول الضيقة! ألم تجدوا معركة مظفرة غير هذه! قبل أن تبنوا في عقولكم الأوهام حدثوني كم شجرة زرعتم، وكلكم يحفظ ويدرس حديث الإمام أحمد (إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها) … وربما وكل إلى أحدكم خطبة جمعة فيكاد ينفتق وهو يصرخ عن عظمة الإسلام في رعاية البيئة وغرس الأشجار ثم يمضي بعضكم إلى الحج فيكسر من الأشجار لتزيين مدخل بيته مالا يقره عقل ولا نقل!
ازرعوا الأشجار أيها الناس، وسابقوا إلى ذلك أيها العلماء وطلاب العلم، ولايضركم أن يكون ذلك مع مسلم أو مسيحي، بل ليكن مع فرع الشبيبة أو الحزب … لعل ذلك احد القنوات القليلة الباقية والممكنة والتي نستطيع من خلالها أن نفهم بعضنا ونمتص الاحتقان الذي سيستثمره الماكرون!
إن الحوار ممكن مع أي طرف ضمن ثلاثة شروط: أن لا يتعرض إلى ثوابت الأمة وعقيدتها في محاولة لتمييع الدين بحجة الحوار وإدخال الشرك بالإيمان والكفر بالعقيدة ، فلهم دينهم ولنا ديننا ، ويجري البحث فيما يمكن التعاون فيه لمصلحة العباد والبلاد ، ثم أن لا يوظف الدين في اتجاه سياسي خاص، وأن لا أُمنع من لقاء الأقرب ليقال لي حاور من هم أوسع دائرة ..
إذاً فالأمر ليس رفضاً لأصل الحوار (كما يعتقد العديد من المتدينين، ويصب بعض الشيوخ الزيت على تلك النار) فنحن نفهم تماماً أن هناك ضغوطاً شديدة على الدولة تتحرك في كل اتجاه ، ومن أخطرها تحريك موضوع الأقليات، وهي لعبة استعمارية قديمة شرخت الدولة العثمانية في عهودها الأخيرة، وتحدث احتقاناً طائفياً له آثار مدمرة وتستنفر الناس في اتجاه بعضهم … وماتفعله المرجعيات العليا في الدولة يصب في هذا الإطار (أي تفويت الفرصة على المخطط الغربي) ، وحقيقة هناك تحريض غربي للأقليات وإيقاظ لخوف في نفوسها من مد إسلامي عارم يجتثها من أصولها، وعلينا أن نبعث لها برسائل مطمئنة، وأن نذكر لها جهاراً نهاراً أننا لانضيق بهم فهم جزء هام من مكوناتنا الثقافية والحضارية ، ولكن أعود لأقول أنني (كمجتمع أوتيار …) لا أستطيع أن أطالب بالحرية والعدل وأنا محروم منها، ولا أستطيع الحوار وأنا مكموم الأفواه حتى في أقل المستويات ، أذهب إلى مكتبة عامة فأجد كتاب مقدمات للنهوض الدعوي ممنوع الإعارة، ويفتش ركاب الباصات في محافظة … بحثاً عن كتب الدكتور القرضاوي!!! … ويمنع كتاب الجهاد بالمال الذي كتبه أخونا الدكتور نواف التكروري وقدم له الأستاذ خالد مشعل!!! … ويُسأل الإنسان كيف يصلي وكيف يؤذن وما طول ثوبه …وهل يحتفل بالمولد أولا …. إنني أقول أن هذا الأمر يولد في النفوس مرارة بحيث يؤدي إلى نتائج سلبية جداً في نفوس الناس.
إن الاستبداد والظلم على أي مستوى كان يؤدي إلى دورة عجيبة تفتت أعظم دولة، فحيث يكثر الظلم يبحث الناس عن آليات لدفعه ومن أهمها الرشوة والواسطة، وتبدأ قوانين أي دولة بالتحلل والتفسخ ثم يصبح الفساد هو القانون ثم يصبح المجتمع كله فاسداً وكل سمكة تأكل الأصغر منها، ثم يعم الفساد والتبلد … وعدم الإحساس بالمسؤولية … والهرب من القرار .. ثم لا يبقى لمرجعية سياسية ولا دينية ولا اجتماعية هيبة ولا احترام … ويفقد القائمون على الأمور الحجة والقوة … تماماً مثل الرجل الصالح الذي ارتكب ذنباً بين يدي الله فلن يجد القوة ليطالب الناس بالطاعة، وإن حصل أنه كان فاجراً وتكلم فسيذهب كلامه هباء منثوراً ويكون عاملاً في زيادة سقوطه.
وقد ساهم الإعلام العالمي رغم كل سلبياته في تغيير قناعات الناس حتى الذين يعملون تحت أيدي المستبدين فأراهم طرقاً في التعامل والحياة كانوا محرومين منها ففتح غرائزهم بسرعة لم يعد أحد قادراً على لجمها… وهذا يؤدي إلى التحلل الذاتي .. فقط الأمر يحتاج إلى الوقت …
عندما تتقاطع المصالح فإننا نقدم المصلحة العامة ولو أجحف بحقنا، ولكن هناك أموراً لابد لها من جواب بل حل عاجل ليس لمصلحة ضيقة بل لمصلحة الدولة والمجتمع والناس أجمعين …
لاشك أن الدولة يهمهما استقرار الناس ، وربما نُقلت إليها الأمور بطريقة واحدة قائمة على الإرضاء والتملق وربما النفاق ..
وسورية هي بلدي و لا أستطيع أن أسكت عن أذى يلحقها ….. ومن أجل ذلك ألفت الأنظار إلى أمر شديد الخطورة وللناس فيه موقفان ولي رأي ثالث:
إن المد الشيعي في سورية يجب أن ينظر فيه إلى جانبين : الجانب الديني ، والتجيير السياسي ..
أما الجانب الديني … فوالله لو أن كل أهل سورية صاروا شيعة بل حتى كفاراً بالحجة والإقناع لما كان لنا أن نقابل ذلك إلا بالحجة والإقناع ليس خوفاً من أية جهة ولا كسباً لرضاها بل التزاما بقوله تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ) (البقرة 256) ، وهناك عائلات شيعية الأصل تنشطت بما يجري حولها فأعادت تشيعها عن اقتناع ، أو أفراد اقتنعوا بالتشيع كمذهب ديني .. وليس لنا أن نتكلم حول ذلك فهو حق ليس معه سوى الحجة والإقناع.
أما إن كان يحصل ذلك عن طريق الرشوة (أي دفع المال للتحويل المذهبي) ففي ذلك خطر على الدولة كلها، والإنسان الذي يقوم
دينه على المال فيخشى من تحول ولاءه لمن يدفع أكثر …. وسأتوقف هنا ولن أتكلم أكثر …
لأنتقل إلى جانب آخر فيه ظلم أقل… حركه في نفسي استضافة الداعية الموفق الدكتور عمر عبد الكافي، وشكراً لمن دعاه .. ولكن الملاحظ أنه لم يلتزم في محاضرة واحدة بالعنوان الذي قدم لأجله لا في الزيارة الماضية ولا اللاحقة … فهو واعظ ممتاز في الرقائق
و متكلم موفق إذا تحدث في الإيمانيات، ولكنه ليس بشيءإذا تكلم عن الوحدة الإسلامية أو دور رجال الدين في التنمية [مع كامل الاحترام له ، وهو قريبي بالمناسبة فزوجته من آل الخطيب وجدها هو العلامة السيد محب الدين الخطيب خال الشيخ علي الطنطاوي وابن عم جدي رحمهم الله جميعاً] وبصراحة فقد صار هناك توجه وتفكير (ونأمل أن لايكون صحيحاً) أن هناك شيئاً ما لإلهاء الناس بمرجعيات تفريغية! تملأ الساحة، وأسفت جداً لأن أمثال فضيلة الدكتور تسير العمر لم يدع إلى إلقاء محاضرة عن الوحدة الإسلامية والتي لا شك أنه أبرع بمرات كثيرة من الدكتور عمر عبد الكافي في إلقائها ، بل كوفئ بعزله من الخطابة في مسجده المتواضع في قرية دير ماكر ، ونأمل أن يعود قريباً ، وأن يبقى ضيفنا الكريم متحدثاً في اختصاصه ومايبرع فيه.
وضيف آخر للناس فيه مذاهب ، وهو الداعية البارع أيضاً الحبيب علي الجفري هيأ الله له كل خير ، وقد سألني مرة عنه محب له فقلت له : أين تجد قلبك فارحل … إلا أن هناك ملاحظات بدأت تتراكم حول الرجل … ومن أهمهما الرحلات المكوكية له إلى سورية وفتح الأبواب له وبطريقة لم تفتح لأحد من قبله لا ضيفاً ولا مقيماً حتى صار في اعتقاد كثيرين من الناس أنه المستشار غير المعلن والموجه الأساسي للأوقاف والإفتاء وحتى المعاهد الشرعية ..
ومرة أخرى أهلاً بكل ضيف .. ومن الكرم استقباله وإحسان ضيافته ولكن لماذا يُمنع رجال الدعوة والتبليغ من العمل وهم أبرع منه بكثير في الدعوة، هل لأنه يطرح منهجاً روحياً فقط ، وهم يطرحون التزاماً عملياً بالإسلام! هل لأنه يدخل الناس في دوامات ما أنزل الله بها من سلطان، ورجال الدعوة رغم كل ضعفهم العلمي يحيون الدين في النفوس … ومهما بلغ بهم الضعف فلا يفعلون مثله مما صار حديث كل لسان ، عندما زار الثانوية الشرعية في داريا وجلس في الإدارة وبناتنا مصفوفات في الباحة ، وصار يشرب من كأس ماء ثم تعطى للطالبات لتشرب كل واحدة منها سؤر الشيخ المبارك!!!
[بالمناسبة طلبت جهات في الأوقاف شطب اسم العبد الفقير كاتب هذه السطور من أسماء المحاضرين في دورة لموجهي المعاهد الشرعية في ثانوية المعضمية، وشكراً جزيلاً على هذا التكريم وأعتذر لأنني لا أستطيع أن أقدم سؤري لأحد]
أين وزير الأوقاف وأين وزير التربية وأين العلماء …. ليقولوا كلمة حول هذا التخلف … ولو أنه حصل في مجلس خاص لقلنا مزاج خاص ورؤية لصاحبها أما أن تربى بناتنا في المدارس الشرعية على ذلك فأمر مرفوض ولا يقبل بحال.
هناك تركيز على نشر التفكير الخرافي والتهويمي ، وعلى سبيل المثال فقد كانت هناك توصيات بدعم الطريقة النقشبندية، ثم قدمت دراسة تظهر أن الحركة النقشبندية ترجع في جذورها إلى مربين كان الجهاد سارياً في دمائهم ، لذا فقد أوصت بعض الدوائر الاستخباراتية صانعة القرار بتحويل الدعم عنها، خشية أن تنبعث الروح الجهادية من المريدين الذين لابد من أن يتأثروا بطريقة أو أخرى بسيرة أسلافهم المجاهدين!
وأوصت الدراسة بأن يتم توجيه الأنظار إلى الطريقة المولوية (مؤسسها مولانا جلال الدين الرومي وهو مرب بارع وفيلسوف من طراز نادر) ولكن أتباعه حولوا الطريقة إلى فولكلور شعبي وحركات راقصة خالية المعنى ، وفلسفة هائمة كل وظيفتها إضفاء روحانيات بلا عمل إلى السادة الغربيين ، لأن رغباتهم شيء ينبغي أن يستجاب له مهما لُوي في سبيله من الحقائق والأفكار ، وقد قررت هيئة الأمم المتحدة اعتماد عام 2007 عاماً للمولوية! [انظر المقالة المرفقة عن المولوية].
إنه لا يجوز لنا الجزم بنية أحد ولكنه من السذاجة أيضاً إغماض العيون عن بعض الأمور! ومن ذلك أن الحبيب علي ألهمه الله الصواب من القول والعمل ، يرى أن ما قام به أو نسب إلى ابن لادن إنما هو شيء مرفوض (ونوافقه على ذلك تماماً و نعتقد بحرمة ماحصل من الهجوم على برجي مركز التجارة الدولي وغير ذلك مما سبق الكلام عنه في عدة مقالات) ولكن الداعية الفاضل لم يذكر عن بوش أميركة كلمة واحدة ، بل قال أنه بشر يخطئ ويصيب ولا بد أن نخاطبه برفق!! وقلت لنفسي: ابن لادن أحق بالرفق في النصيحة وهو في النهاية مسلم شديد الغيرة على الإسلام (وأكرر أنني لا أعتقد الصواب في منهجه) ومن الحب ما قتل كما ذكرنا ، ولكن البوش الأميركي رجل قد ضجت الأرض مما فعل وشهدت الأرض والسماء جرائمه لا بحق شعوب المسلمين كلها وعلى الأخص فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال بل قد أجرم بحق بلاده فأورثها من العداوات والبغضاء ونهب من اقتصادها لنزواته المجنونة مالا يعلمه إلا الله! ، وفوقها هو يحتاج إلى الرفق! (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (القلم35-36). ومضت أيام فإذا بالحبيب علي يقول في إحدى الفضائيات للمذيع: أخي الكريم ، هذه القكبضات! المرفوعة في المظاهرات تؤذي مشاعر الغربيين!! ، تعقيباً على المظاهرات التي قامت في بعض بلاد المسلمين احتجاجاً على إهانات البابا بحق الإسلام والقرآن والنبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم! هل مشاعر مئات ملايين المسلمين وعقيدتهم ودينهم هدر ولا قيمة لها أمام الأذى بل الخبث والمكر الذي تطاول به البابا على الإسلام … وهل من أجل إرضاء الغربيين نخلع ديننا وإيماننا بل حتى ثيابنا! فحتى (القكبضات) المرفوعة (والتي لم يعد المسلمون يملكون غيرها) صار من العار رفعها! سبحانك اللهم …هذا بهتان عظيم.
لذا نقول لكل طرف يهمه استقرار الأمة أننا لانريد منه سوى العدل والعدل فقط فالمصرع وخيم ومن نسي فليذكر صداماً فبعد كل ما عمل رأى كل الناس كيف أهانوه وقتلوا أولاده أمام عينيه ثم صرعوه بطريقة لا تليق حتى بالخراف….
نريد العدل ومن أبى فلن ندخل معه في صراع ، ولكننا سنقاومه بالكلمة الحرة والصدور العارية والأيدي المفتوحه ، وسنطوق ظلمه بهموم الأمة وعنائها وصبرها .. وشعارنا عمل بلا تنظيم … وأفكار بلا أسرار … ودعوة بلا عنف … واجتماع على الحق … وانطلاق من الأمة وعيش معها .. وشهداء للكلمة قادمون في اللحظات المناسبة ..
أيها المستبدون توبوا وارجعوا إلى شعوبكم … واكسبونا قبل أن تخسرونا وتضيع البلاد والعباد …. لستم أنتم الذين تحموننا بل نحن الذين نحميكم … ولن نفرط فيكم أيها الظالمون ولو ظلمتم ، ولن ندع البلاد تضيع ولو غفلتم … وسنسامحكم ولو أخطأتم وسنعفو عنكم ولو على أجسادنا تسلقتم ودمائنا شربتم …. سنحميكم فنحن الضمان ….
سنتابع في المقالة القادمة الحديث عن التآكل الداخلي …

من موادنا الجديدة :
– العلامة الدكتور صبحي الصالح ، وواحد وعشرون عاماً على استشهاده (قسم منائر- لم يحمل بعد) ( وصورته في حديث الصور)
– ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأوربية (ركن الدعوة)
– دراسة عن المسلمين في الولايات المتحدة (منائر : كتب).
-دمعة محب: منائر : تذكره
– مقال عن المولوية وانتشارها (مناهج)ا
– ياقبور بلادي ضميني (حديث الصور) … مقبرة الباب الصغير بدمشق
– نشيد إسلامي: what did i do today
إضافة إلى الأسئلة والأجوبة (وبقيت عدة أسئلة سيجاب عنها قريباً جداً)

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على الشهداء القادمون هم الضمان – 2007-03-03 مغلقة

الحرية مهما طال الطريق – 2007-03-03

الاستبداد السياسي ومحاولات الهيمنة الخارجية لايمكن لها أن تؤتي ثمارها من دون عوامل داخلية، مما سميناه في مقالة الشهر السابقة (التآكل الداخلي) ، وهذا التآكل يشمل كل الجوانب حيث تطغى السلبيات لتصبح هي الأصل .. وأخطر مافيه هو الانضباط الطوعي بالغلط ثم تحويله إلى أصل .. وفي هذه المقالة سنحاول الإشارة إلى عامل مهم في التآكل وهو مايفعله البعض من بناء العقلية التي ترفض الحرية، وتستدعي الظلم، وتغفل بسذاجة شديدة عوامل الترابط الاجتماعي والعمل السلمي والتحرك الفكري والتواصل الإنساني الذي يحاصر الأغلاط، بل إنها تستدعي القهر على يد السلطة السياسية لإيقاف أي حركة في وجهها، وعلى سبيل المثال فإن إحدى الجماعات الإسلامية قد شنت حملة هائلة على كتاب يتعلق برؤية خاصة لكاتبة إيرانية تمردت على الحجاب، واضطرت السلطات إلى مصادرة الكتاب ثم إغلاق الدار الناشرة، وسر بعض الإسلاميين وظنوا أنهم قد أحرزوا انتصاراً ولم يتذكروا أنه ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لاتصنع، و قياساً عليه: ويل لجسم ديني يستقوي بالسلطة السياسة ولا يبني الفكر الصحيح في نفوس حملته (وبالمناسبة فقد كان من باب الموازنة أن يسمح للإسلاميين بإقامة حفل تكريم لكبار القراء [في القاعة الأساسية في جامعة دمشق] كمقابل للسماح للعلمانيين بمهرجان عقدوه هناك).
وعندما أغلقت إحدى الجمعيات النسائية العلمانية سُرََّ أكثر الإسلاميين وكأنهم حرروا الأندلس، (وأنا أقبل إغلاق الجمعية بحالة واحدة وهو إذا ثبت أن لهذه الجمعية نشاطاً تجسسياً خارجياً) .. أما ماعدا ذلك فإن اليد التي يستقوي بها الإسلامي الآن لإسكات العلماني هي نفس اليد التي سيستقوي بها الآخرون على الإسلامي يوماً إذا تغيرت الرياح، ومن ظن أن في الأمر نصراً فهو واهم وقد قال الإمام الغزالي أن حاجة الإنسان إلى عدو مشاحن هو أكثر من حاجته إلى صديق مداهن، وعلى الإسلاميين أن لا يفكروا بالقمع لا في البداية ولا النهاية وعليهم أن يمدوا بساط الإسلام بـ(لا إكراه في الدين) وأن يلجموا الفكر المنحرف بالفكر الصحيح، وينهوا الشغب بالسكينة التي يمكن أن يقدموها للمجتمع.
قال أخ معترض وماذا نفعل وحرمات الحجاب انتهكت! أفلا نطالب بمنع ذلك الكتاب؟ فقلت: إن التخلف في القراءة الذي تعانية الأمة أخطر من ذلك الكتاب بما لايقاس وفي الساحة ملايين الكتب والأبحاث وبعض المواقع الغربية لديها من الغوص الفكري ما يذهل فهل نطالب بإغلاقها جميعاً؟ وهو غير ممكن أم نفجرها فنخرج إلى سلوك مرفوض شرعاً وعقلاً .. أم نغلق أعيننا عن الواقع ونبدأ بالاجترار الداخلي والتآكل الطوعي!
لست أدعوك أبداً إلى إباحة الإسلام لأحد، وأريد للأمة أن تستعين بكل جهة أمنية في حالة الجرائم الجنائية، أما مانعتقده أو نظنه أو نصنفه جريمة فكرية فالفكر والحجة وحدها هي المقابل والمعيار … ولو سألتني ماذا كنت تفعل بذلك الكتاب؟ قلت أنظر في خطورته ولا أنشره بين العباد لكثرة صراخي عليه حتى يعلم به من لم يعلم (الجسم الديني له الأولوية غالباً في نشر الأفكار السلبية وإشهار الكتب المتعلقة بها وإبراز الكتاب والمؤلفين الطاعنين في الإسلام أو ذوي الأفكار الخاصة بداية من سلمان رشدي وانتهاء بأصغر مؤلف وأوهى كتاب …) ..فإن لم تكن له أهمية تركته فيأخذ حجمه الحقيقي، فإن كان خطيراً فعلاً استنفرت العلماء والكتاب وأحييت روح البحث في الشباب وجعلت لأمهرهم في الرد جائزة سنية، وعممت كتابه الذي ينهض بالحق بين صفوف المفكرين والعلماء والدعاة فإن عمت البلوى ولم يكن في بحث المفكر الشاب ضعف ولا مؤاخذة نشرته بين الناس …) ثم بعد ذلك أدرس ما الذي جعل عيون العلمانيين أو غيرهم وسهام كتابهم تنهال على ديني وإسلامي فإن رأيت أنهم يتكلمون بجهل نشرت العلم، وإن كانت مسألة شائكة بحثت فيها فكنت رائداً، وإن وجدت أنني أنا وفهمي على غلط رجعت إلى الحق ثم كنت حامل أكبر راية فيه، وقلت للناس بأعلى صوتي: جريمة الشرف ليس لها في الشريعة أصل ولا فرع وكفى تحميلاً للشريعة بما لم تحتمله وكفى ياساداتنا أهل العلم سماحاً لأعراف الجهال تجر مركب الإسلام كله إلى بحر الهلاك .. وبعضكم في مجالسه الخاصة يذكر الحق ثم بين العوام يستسلم لإرهابهم الذي لابد من إيقافه فهو أخطر من إرهاب الحكومات بكثير.
ثم بعد ذلك أعمل بالحق وأدعو الناس إليه وكلما اعترضني عارض أعدت تقويم ما أعمل واستعنت بالناس وصبرت على الأذى حتى لا يجد الشارد مناصاً من اتباع الحق والهدى والإيمان… وفي طريقي إلى كل ذلك أستقل في الطريق ولا أرضى العون الأمني في عمل فكري .. فضلاً عن وساطة في احتلال إمامة مسجد مما هو من أقبح القبيح ..بل أنمي قدرات الفكر والحوار والكتابة والنقاش بين طلاب العلم وبراعم الدعاة .. وأذكر لهم إيجابيات وسلبيات كل فريق في الساحة .. وأعيد النظر كلما ازددت من العلم …و أعلمهم أن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وأن من ضعف الدعاة لا بل من خراب الإسلام في الأرض أن نفرضه فرضاً بأيدي غيرنا، والذي يمنع كتاباً عن الحجاب هو الذي يمنع كتاباً عن الإسلام، والذي يلغي ترخيص جمعية علمانية هو الذي يلغي ترخيص معهد شرعي … والحرية مطلب لا نحتكره لأنفسنا بل نقول للعلمانيين نحن أرحم بكم من بعض العلمانيين أنفسهم .. لأن الأيام أرتنا أن بعضهم عندما ملكوا الكراسي باعوا العلمانية بثمن بخس فقد كان همهم الكرسي والعلمانية شيء ركبوا ظهره وامتطوه، وصاروا أعنف من أعنف جماعات الدم والتكفير والذبح .. لأنهم امتلكوا فوقها القوة والسلطة ..
إنني اطالب بالحرية للجميع حتى يتحقق قوله تعالى: “فأما الزبد فيذهب جُفاء وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض” …
وهنا يجب العلم أنه يحلو للسلطات القمعية في أي بلد أن تضع معظم التيارات الإسلامية (بل التيارات المطالبة بالإصلاح) بين خيارين مجانبين للصواب ، أولهما : الصدام والعنف ، وهو أمر غير محمود العواقب ، ظاهر الخطأ ، مرفوض المنطلقات ، والخيار الثاني هو الذوبان والامتصاص ، والقبول بكل حال مهما كانت مزرية ، وخصوصاً إن كان هناك (فوبيا) العدو الخارجي الذي يقتضي منا رص الصفوف دائماً لعدم تعريض العباد والبلاد للخطر ، ومن نواتج ذلك العيش على فتات ما يتكرم به الحكام ، وعدم المطالبة ( كأمة وليس فقط بضعة أفراد شجعان) بالحقوق المشروعة .
يبرز الإشكال في القبول بأحد هذين الخيارين ، واللذين يخرجان بالأفراد والمجتمع عن التوازن ، ويعرضان الحقوق العامة والخاصة ( في كلا الحالين) إلى الاهتراء إن لم يكن الذوبان.
تعين السلطات في شتى البلاد على توضيح خطورة الانجرار وراء العنف ، ولديها النية والأدوات القمعية لإقناع من لم تقده قناعاته الذاتية إلى الفهم العميق! ولكنها لا تهتم بالجانب الثاني ، وما قد تحوزه الجهات المطالبة بالحقوق ، فإنما تحصل عليه بعد عناء شديد ، وفي أحيان أخرى نتيجة ظروف خارجية ، وعملية تبادل منافع ، وتقاص بين الداخل والخارج.
من أخطر الأدوات التي تستخدم من قبل السلطات : الدين ، فهو محرك شديد الاستنفار ، وعالي الحساسية عند احتمال الضغط الخارجي ، كما أنه دواء شديد التسكين في شعوب متدينة ، بعدت عنها أجزاء عديدة من دينها فارتضت بالقليل منه ، مع الفرح الشديد بالحصول على تلك الأقسام البسيطة ، رغم عدم الانتباه للفاقد العظيم فيما هو أهم منه أحياناً بكثير!
يؤدي فقر الدم السياسي في الجسم الديني إلى تقديم الإسلام نفسه كقربان للسلطات ، مقابل مكاسب شديدة الضآلة تتراوح بين مصالح شخصية ، ومكاسب حقيقية ولكنها تبقى بسيطة وغير مؤصلة ولا مقننة ، بل أشبه بجوائز الترضية!
من أهم أسباب انجرار الجسم الديني وراء تقديم القرابين ، العقلية ذات البعد الواحد التي تماهت مع الضعف والهبوط السياسي العام ، وبدل أن تكون مفصلاً حاسماً يعين المجتمع وحتى السلطات على عدم الانجرار وراء الأغلاط ، فإنها تكون رديفاً قمعياً لا ذاتياً (أي لا يشتغل لمصلحته بل لمصلحة سيد آخر يستهلكه في مشاريعه الخاصة) ، ومن الطرائف الحزينة أن أحد العلماء قال في اجتماع حاشد ما خلاصته : هناك حقوق للدولة وحقوق لنا ، ولقد قررنا (ولا نعرف في الحقيقة من الذي قرر بالضبط) أن نتنازل عن حقوقنا لصالح الدولة ، بسبب ماتتعرض له من ضغوط!
الأمر المؤلم أن الدولة في أي بلد لم تستقر فيه حقوق الإنسان وتتبلور لاتعجز عن استيفاء حقوقها حتى الثمالة ( وفوقها حبة مسك)، والأمر الآخر أن المواطن (المحروم من الحقوق ابتداء) ليس عنده شيء يتنازل عنه أكثر ، إلا أن يتطوع بالخروج من ثيابه والسير عارياً (والعياذ بالله) إكراماً للعالم الفاضل!
أما الأمر الشديد الخطورة فهو التمويه العجيب ، والذي نعرفه في الإسلام أن الحدود لا تقام في أوقات الحرب ، أي ان الدولة هي التي تتنازل وتغض الطرف عن القانون (ولو كان حداً من حدود الله) ، وذلك من أجل لم الشمل وتخفيف احتقان الشعب ، وليس الشعب المسكين هو الذي يُطالبُ بالتنازل عن حقوقه التي لم يرها أصلاً ، والتي صار الكثيرون يحلمون بها ويظنونها من الأساطير المكملة لقصص الغول والعنقاء والخل الوفي!
ومن الأسباب كذلك انحصار التجربة ، فإن الطيور المغردة في الأقفاص تألف العيش فيها ، ولاتفكر خارج إطارها ، وهيهات لمن ولد في الأقفاص أن يستطيع التحليق يوماً ، فلقد صار جناحاه أليفي المحبس ، وإذا صحت النظرية القائلة بأن ما يحمله الإنسان من مورثات يتأثر بالبيئة تأثراً شديداً علمنا السبب في تعهد الأنظمة الحاكمة لتربية المواطن على تمجيدها روحاً وعقلاً ولساناً وفكراً منذ نعومة أظفاره ، غاضة النظر عن إعطائه كفاية مستلزماتهِ: غذاء ودواء وحاجات حياتية ، وانتماء وهوية وثقافة.
كلنا درس في سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف أنه رفض سائر العروض التي قدمتها قريش له ليدع دعوته! ولكن روح الإصرار والحزم في المبدأ لم تعد لدى أكثرنا اليوم بذلك الوضوح ، ويمكن لعوامل خداع عديدة أن تحول كثيرين عن بعض الأحكام الشرعية ، تفصيلية كانت أم مقاصدية!
مثال ذلك : ماتقتضيه الآية الثانية والثلاثون من قوله تعالى في سورة المائدة : } مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جمَيعاً { ، إذ ينقل الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس رضي الله عنهما : أن من أحياها ، فاستنقذها من هلكة فكأنما أحيا الناس جميعاً عند المستنقذ! وأن من كف عن قتلها فقد أحياها!
عندما تضطهد شعوب ، وتحرم من حقوقها ، ثم يعتقل أحرارها ، ويعدم من لايطيقون الأقفاص فيها ، ثم تسكت الأمة وخصوصاً أصحاب العمائم فيها ، ويسلمون الظالمين فلذات أكباد الأمة ، فماذا يكون ذلك إلا قتلاً للأمة ، بل قتلاً للناس جميعاً! وهل قتل الأجسام أعظم أم قتل النفوس؟ وهل مايذكره علماء الأصول جميعاً بأن غاية الشريعة هي المحافظة على المقاصد الكليات الخمس :
الدين ، النفس ، العقل ، النسل ، المال! هل تلك المقاصد للتدريس في الكليات الشرعية ، أم للاستشهاد في سبيلها وتثبيتها في الأرض إذ بها تقوم شريعة الله1
أما الآية السادسة والخمسون بعد المائتين من سورة البقرة : } لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ{ فتستخدم في اتجاه واحد ، وهي أننا لا نُكره أحداً على الدين! ولكن ماذا عن سكوتنا عمن يُكره الناس على الدين ، بل من يصادر الحياة كلها ، ويكاد يقول للناس قولة فرعون في الآية الثامنة والثلاثون من سورة القصص: }يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي{ فيكره الناس في الدين والثقافة والفكر والاجتماع والسياسية والعمل … بل حتى في الآمال والأحلام!
إن شعوبنا يسكن الدين (ولله الحمد) في أعماقها ، ولكن تحويل الدين ليصبح قرباناً أمر مرفوض قطعياً ، وعلى الملتزمين بالشريعة اجتنابه تماماً ، وأرى أن يتدارسوا وبعمق ماكتبه المصلح الشيخ عبد الرحمن الكواكبي في طبائع الاستبداد وخصوصاً الفصلين اللذين يتحدثان عن الاستبداد والعلم ، والاستبداد والدين!
يظن كثير من أهل العلم فضلاً عن الملتزمين العفويين أن المطالبة بالحريات أمر مرادف لقلة الدين وتفكك الأخلاق بل العمالة للغرب! وساعد على ذلك متسلطون شديدو الدهاء ، يقايضون الحريات بمغانم ضحلة يقدمونها لشبكة من أصحاب عمائم سذج ، شربوا الخنوع ثم يعيدون تربية الأمة عليه تارة أخرى ، وفي حين أنهم ينادون دوماً بأنه لا إله إلا الله ، فإنهم قد ينسون مقتضياتها ومنها : أن العبودية لله وحده وأن إشراك غير الله فيها شرك وكفر وضلال مبين، وأن إقامة التوحيد لله لا يمكن أن تتم مادامت هناك عبودية لفرعون وقومه.
إن جمعيات حقوق الإنسان ليست سيئة كما تريد الحكومات أن تفرض على الناس، ويساعدها في هذا الفرض أصحاب عمائم غائبون! يذكرون للناس أن جمعيات حقوق الإنسان والمجتمع المدني والحراك السلمي هي عميلة، وقد نسوا أن تلك الجمعيات هي التي تساهم في حصار الإدارة الأميركية وقد فضحتها فيما فعلته في معسكرات غوانتانامو وفي سجن أبي غريب … وهي التي أنزلت بوش وبلير من عليائهما وهي التي تولد موجة عظيمة من المعارضة الهائلة ضد الحرب في العراق وأفغانستان .. وبفضل جمعيات حقوق الإنسان (العميلة) أنقذت أرواح آلاف البشر من الإعدام، وصار من الصعب إخفاء إنسان والإدعاء أنه لم يعرف له مكان … وجمعيات حقوق الإنسان هي التي أربكت الإدارة الأميركية ومعظم الحكومات الأوربية عندما فضحت السجون السرية لمخابراتها والنقل للمعتقلين وخصوصا الإسلاميين عبر المطارات الأوربية .. ومنظمات حقوق الإنسان (مهما اعترتها علل وتسلل إليها عملاء) فهي التي توصل المساعدات الغذائية والإنسانية والطبية إلى ملايين الأيتام والفقراء والنساء واللاجئين .. وهي التي تضغط على الحكومات .. وتنبش الملفات الخطيرة للمجرمين الكبار… وبعد ذلك يأتيك فلان من المتدينين أو أصحاب العمائم ليقول لك بملء فمه : منظمات عميلة … صدقناك ياسيدي الفاضل فأرنا ماذا فعلت أنت وهل تكلمت على منبرك يوماً عن إطلاق سراح المعتقلين السياسيين أو إيقاف تحكم الحزب الواحد في الأمة أو عن إلغاء المحاكم الاستثائية والعرفية .. وهل طالبت الكبار جميعاً مرة بتقديم كشوف حسابات عن ممتلكاتهم … كي لايظن الشعب الجائع أنهم قد نهبوها (لاسمح الله) فيصادرها أو يتشوف إليها .. من المؤلم جداً أن هناك بلاداً واسعة يتحدث فيها الجسم الديني دائماً عن وجوب نصرة الأنظمة الحاكمة ولا تخلو خطب الجمعة من الدعاء طوعاً أو كرهاً ، بالنصر والتوفيق ولم يحدث قط أن خطيب منبر تحدث عن حقوق الإنسان أو الاعتقالات الجائرة وسجن الأبرياء من دون محاكمة مشهودة أو عن قمع الحريات العامة ، ومنع حرية الاجتماع والرأي والصحافة والإعلام ..، أو عن الاضطهاد الديني وتدخل الأنظمة في كل كبيرة وصغيرة من شؤون الدين وهي تدعي العلمانية! ….. ناهيك عن تداول السلطة ، وإيجاد تكافؤ في الفرص والعدل في توزيع السلطات والمناصب والأموال! … بل إن بعض المتدينين صار أداة قمع لما قل القمع ضده وصار يستجير بفروع الأمن لخنق خصومه بدل أن يواجههم بالفكر النظيف!
يزرع السذج في عقول الناس وتحت بريق السيف والانتخابات الانتقائية والإعلام الموجه والفكر الميت ؛ أن الاستبداد ضرورة لازمة والعدل بدعة من عمل الشيطان ، وأن قبول الاضطهاد فيه أجر عظيم ، وأن حكام الأمة مصدر خير وسعادة ورفاه وبركة وأن نساء الأرض قد عقمت ولم يعد لدى الشعوب المغلوبة على أمرها إلا الرضى بواقعها المقدر ، فليس هناك ماهو أبدع منه ، وهي بحاجة إلى المستبدين دوماً لأنها عاجزة عن متابعة الحياة بنفسها!
إن تلك المقولات تصادم بشدة المفاهيم الشرعية ، وعندما قام الصديق رضي الله عنه يعلن : أنه من كان يعبد محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ، فإنه كان يتابع منهج الرشاد في القرآن الكريم : }وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ{ الآية 144- آل عمران ، وقد ذكر الإمام القرطبي في تفسيرها أن الله تعالى أعلم في هذه الآية أن الرسل ليست بباقية في قومها أبداً ، وأنه يجب التمسك بما أتت به الرسل ، وإن فقد الرسول بموت أوقتل!
كيف يمكن لمن يؤمن بالله أن يعتقد أن أمة لايمكن أن تحيا من دون جهة وصائية عليها! وكيف يظن مؤمن أن الدندنة على الحريات بسبب أن أمماً أخرى تدندن عليها إنما هو بدعة فجة!
أظن بعض محدودي النظر لو وجدوا في دار عبد الله بن جدعان لاعترضوا على حلف الفضول ، والذي قال عنه النبي الهادي صلى الله عليه وسلم أنه لودعي إليه في الإسلام لأجاب (وهو حلف لنصرة المظلومين مهما كانوا) ، ولوسمعوا قولة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؛ لقالوا : الحرية مرفوضة ، والأمة مِلكُ يمين للحاكم والعبودية له هي الأصل في الإسلام.
أدت عوامل تاريخية ، وعوامل ضعف داخلي ، وطرق التلقين الفاشية والتي لاتنتهي إلى نشوء عقليات تعمل بشكل آلي صرف ، وعندما لا يؤدى المعنى بشكل صريح وتحت كلمة واضحة تماماً فإن المعاني قد تغيب مهما كانت مقاصد الشريعة تدندن عليها ، وواقع الحال يفصح عن أهميتها! وفي الإسلام لم تأت كلمة الحرية بالسياق المطلوب ، ولم تأت كلمة منظمات حقوق الإنسان في قرآن ولا سنة ، ولم يرد مصطلح حقوق الإنسان في كتاب سابق فغفلنا عنه! ونادى الغرب به فصار الحديث به قرين الضلال المبين!
حقيقة يحتاج الأمر إلى جلاء ، وبيان بعد شرعي مهم ، فإن للحرية في الإسلام شفافية فائقة ينبغي أن يعلمها الملتزم وغير الملتزم : في بعض البلاد التي لاتلتزم بمنهج الله قد تبيع المرأة نفسها بثمن علبة كبريت أو أقل فهي حرة في نفسها! والإسلام نأى بها عن ذلك فحوط تلك الحرية بالكرامة فالمسلمة حرة في الزواج من كفء لها ، ولو تعنت الولي فإن القاضي ولي من لا ولي له وهي حرة بمعنى أرقى بكثير من حرية بلا كرامة ، وقد رد عليه الصلاة والسلام زواج من أجبرها أبوها على الزواج من ابن أخيه ليرفع خسيسته ، فقالت : قد أجزت ماصنع أبي ولكن أردت أن أعلم الآباء أن ليس لهم من الأمر شيء!! حرية كاملة محاطة بكرامة كاملة!
ونحن أحرار إذا شئنا أن لانتصدق على فقير يسألنا ، ولكن الله تعالى كرمنا عن أن نكون عبيداً للمال ، فأمرنا بالصدقة والبذل ، وعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن اليد العليا خير من اليد السفلى، وأنه ما أمن به من بات شبعان وجاره جائع إلى جواره وهو يعلم! وحفظت كرامة الفقير فقال تعالى : “وأما السائل فلا تنهر”، وتعلمنا جميعاً أن المال مال الله فهو المالك وهو المعطي وهو المانع!
ونحن أحرار كبشر في أن نستخدم أجسادنا كما نشاء بل حتى أن ننهي تلك الأجساد بالأداة التي نختار! انتحاراً من شاهق أو تلفاً بالدخان أو انغماساً في شهوة! ولكن قمة التكريم عندما نعلم أن لأجسادنا علينا حقاً ، وأنها أمانة وضعت بين أيدينا وإن من كرامتنا أن لا نكون لصوصاً فنرد تلك الأجساد نقية كما خلقت ، ونحرم الانتحار والمهلكات والمفسدات … (جوارحنا حفظناها من المعاصي صغاراً فحفظها الله لنا من الآفات كباراً.(
وفي كل أنظمة الأرض يتوق الناس إلى الحرية أو تضيق أرواحهم عن تحمل الظلم فيجهر البعض بالحق فيموتون من أجل الحرية ، والإسلام لم يتوقف عند تلك العتبة فالكل يموت ، بل كرم ذلك الطالب لقيام الحق فجعله قريناً لسيد الشهداء رضي الله عنه: “سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله ” كما علمنا الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم … وغير ذلك كثير ….
وديننا يأمرنا أن نحترم النظام وأن نصغي لأولياء الأمور علماء ثم حكاماً ، ولكن الله كرمنا فلم يجعلنا ضحايا لاعوجاج فتاويهم إن حادوا عن الحق ، أوسوائم بين أيدي الحكام نطيعهم من دون شرط ، ونقبل ما يقولون من دون مناقشة ، ونمشي ورائهم دون بصيرة! … لقد كرمتنا الشريعة عن ذلك المآل فقال صلى الله عليه وآله وسلم : “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ” وأي معصية أكبر من يُجعل خلق الله في عبودية غير الله !!
إن إيجاد الكرامة في الأمة فريضة لازمة (ولقد كرمنا بني آدم) ، وهي شيء أوسع نطاقاً من مجرد الحرية الغريزية المنزوعة الكرامة …. وبهذا يستطيع كل ملتزم أن يكون صاحب مظلة في الخير أوسع بكثير مما رسم له من الحدود والقيود …. بل يستطيع أن يكون نواة لحلف فضول جديد ويبشر لا بالحرية فقط بل بالكرامة الموفورة التي تستمد نورها من هداية الله.
هناك مفاهيم انقلبت ، وعلينا أن لا نتكلم عنها سراً ، بل ينبغي وضعها تحت المجهر ، والدندنة حولها حتى يظهر الصواب ، وكفى ما دفعته هذه الأمة تيهاً في سراديب التاريخ ، ووهم العافية .. إن صلاح الحياة الدنيا والآخرة قرين بكرامتنا عند الله ، و (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ، ويجب أن نسير في طريق كرامتنا ونحصل على الحرية مهما طال الطريق.

– نشرت معظم أجزاء هذه المقالة سابقاً في النشرة الغير دورية الصادرة عن مركز دمشق لدراسات حقوق الإنسان، العدد الرابع ، نيسان 2006،وقد غير المركز لأسباب ارتآها العنوان إلى: سؤال الحرية في الإسلام، ونعيد نشرها بعنوانها الأصلي مع بعض الإضافات الأساسية.

أحمد معاذ الخطيب الحسني
13 ربيع الأول الأنور 1428هـ/1 نيسان 2007م

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على الحرية مهما طال الطريق – 2007-03-03 مغلقة