جلال الدين الرومي ينافس شعراء الحداثة الأميركية

ما سر اهتمام أميركا بشاعر القرون الوسطى الصوفي، جلال الدين الرومي، شاعر اللغة الفارسية ومؤسس أهم مظاهر الثقافة الصوفية في العالم الإسلامي. أو سر عروض الأزياء الأميركية التي استضافت شعره كأسلوب تسويقي لملابس السهرات الرومانسية أو شركات الآلات الموسيقية التي قررت حفر أبيات من شعره على منتجاتها، هل هو توظيف مرحلي سياسي،

أو توظيف روحي كما عبرت عنه محررة مجلة، بابليشر ويكلي الأدبية، فيليس تيكل » إن جماهيرية الرومي في أميركا تعود إلى ما نعانيه من ظمأ روحي شديد«. أم أنه زيادة في الوعي بهذه الشخصية التي روج لها كتاب مترجمه الشاعر الأميركي كولمان باركس » رومي المميز« 1995، دار هاربر كولينز، سان فرانسيسكو؟

لقد تحولت قصائد ودواوين، رومي (كما يشتهر جلال الدين الرومي في أميركا)، على يد باركس مترجمه الرئيسي، إلى نجاح قياسي تجاري، جماهيري يتربع مؤلفه على عرش إمبراطورية الشعر »الغربي الحديث« إلى جانب أسماء نعرفها وهي شديدة المعاصرة منها الايرلندي شيموس هيني الحائز على جائزة نوبل، والشاعرين الأميركيين روبرت بنسكي، وماري أوليفر. وعلى الرغم من ذلك نتساءل…

لماذا أحبته أميركا كل هذا الحب. وهل توفر الثقافة الغربية بذلك الإجابة عن سؤال مطروح اليوم… هل تستحق الثقافة الإسلامية اهتماماً خاصاً بها بعدما فرط بالكثير؟

ولد جلال الدين الرومي في الأناضول، في مطلع القرن الثالث عشر، وتوفي في 17 ديسمبر 1273. على الرغم من أن السؤال المطروح هنا هو كيف تسنى له هذا الرواج التجاري الذي لم تحققه أي من الأعمال الشعرية الصادرة في أميركا أواخر التسعينيات، وهو ما كان يبدو بعيداً عن أي احتمال، حسبما جاء في صحيفة لوس أنجلوس تايمز، على الأقل.

إلا أن ذلك لا يبدو احتمالاً بعيداً إلى الحد الذي يضاهي الغموض الذي يحيط بتحوله من واحد من علماء العصور الوسطى قام بتدريس الفقه وغيره من العلوم الإسلامية إلى معلم روحي منتم إلى الحقبة الأميركية الجديدة.

كانت مختارات من قصائده »النابضة« التي قام بترجمتها الشاعر الأميركي »كولمان باركس« قد تحولت إلى موسيقى شعرية إضافة إلى قيام مجموعة من نجوم الغناء الأمريكي منهم مادونا، وغولدي هاون، وديمي مور بتسجيل مقاطع من شعره.

وكذلك تردد أن سارة جيسيكا باركر أصبحت تؤدي تمريناتها الراقصة على موسيقى الروك أند رول المسجلة من شعره، كما أنه صار متوفراً في محلات بيع الكتب وشبكات الإنترنت التي تقدم خدمات سمعية متطورة لسكان نيويورك الذين يعانون من ضغوط التنقل اليومي المستمرة. وكذلك تم الترحيب به كواحد من حاملي مشعل الروحانية والمجون.

إن القليل مما سبق ذكره يبدو بالطبع ، متعلقاً بالرواية التاريخية الأصلية للرومي، أو موروثه الشعري الفارسي الصوفي المتميز بالعمق. وحسبما يقول مؤلف سيرته الأكثر وثوقاً، الباحث الفارسي، فرانكلين. دي. لويس، »بينما يتراءى لنا الرومي شخصية بعيدة إلى حد ما عن روح العصر، يساء فهمه كثيراً كشاعر غزلي، فإن هذه النظرة الساذجة يمكن التصدي لها بالقول بأن قصائد الرومي تقع في دائرة الإبداع«.

والواقع أن هنالك مفارقة عبثية يمكن إضافتها ، حيث على الرغم من أنه نشأ وكتب أعماله في منطقة وسط تركيا، إلا أن أحداً لم يقرأه هناك تقريباً كما أن المكتبات تكاد لا تحتوي على نسخ جديدة من مؤلفاته المكتوبة باللغة التركية المتداولة في الوقت الراهن. من وجهة نظر، طلعت هالمان، الباحث التركي البارز المتخصص في دراسة الرومي، الذي قابلته في استنبول فإنه لا يمكن القول بأن الرومي،

هو الشاعر الأكثر رواجاً في تركيا لسبب واحد هو أن، قصائده لم تترجم على نطاق واسع كما ينبغي له أن يكون، كما أن الترجمات المتوفرة ما زالت تفتقر إلى الشاعرية. وببساطة فإن الناس لا يتمتعون بقوة الاحتمال التي تساعدهم على قراءة مجلد ضخم مثل (رائعة الرومي ) المثنوي.

إلا أن قصائد الرومي ليست الشيء الوحيد الذي لا يقرأ هناك. فقد تعرض ما يعرف بالطريقة المولوية للدراويش الصوفية التي قام بتأسيسها إلى الحظر الرسمي منذ قيام حكومة أتاتورك،

كما أقفلت أبواب التكايا الجميلة، التي إما تحولت إلى خرائب أو صودرت من قبل الدولة ، من أجل، ما يشكل مفارقة تراجيدية، وهو أن تصبح تركيا دولة غربية الثقافة، وتكون قريبة من أوروبا والولايات المتحدة.

يعتقد هالمان أن الثقافة الصوفية التي أسسها الرومي تجسد »جوهر العقيدة الإسلامية المتحرر من القيود«… الجوهر الذي أعتقد بأنه يحتاج إلى التأمل في مرحلة أصبح فيها الإسلام مقروناً بالإرهاب. إن الجوهر الصوفي يعمل على تليين الرسالة التي يحرص الدين الإسلامي على توصيلها بتعزيز مشاعر الحب،

والعلاقة القوية التي تربط ما بين المحب والحبيب، وهو الله الحبيب الأول والأخير. هكذا يصبح الله في عيون الرومي والصوفيين، بعيداً عن الثورة والغضب والعقاب، بعيداً عن الانتقام، رمزاً للحب«.

على الرغم من أن حياته، كغيره من المتصوفين الذي عرفوا في القرون الوسطى، في الشرق أو الغرب، لا تزال محاطة بالغموض الناجم عما يعرف بتقديس المترجم للمترجم له. إلا أن بعض الحقائق المتعلقة بها تظهر على هذا النحو..

ولد جلال الدين الرومي في بلخ، عاصمة إقليم خراسان ، فيما يطلق عليه في وقتنا الراهن، أفغانستان، في 30سبتمبر 1207، ثم هاجر مع عائلته إلى الأناضول قبل فترة قصيرة من تدمير المغول لمسقط رأسه سنة 1221.

بعد تدربه كواعظ وقانوني، عمل في مدرسة، قونية ، مدرساً للشريعة الإسلامية حسب المذهب الحنفي. وهو المكان الذي توفي فيه في 17ديسمبر 1273، حيث يوجد إلى الآن ضريحه، الضريح الأخضر.

ثمة ما كان له تأثير قوي في حياة جلال الدين الرومي.فقد كان للقائه بالدرويش الصوفي الجوال، شمس الدين تبريزي، وهو في السابعة والثلاثين، أثراً عظيماً في كل من حياته الفكرية والإبداعية. فمنذ التقى به لم يفارقه حتى لحظة رحيله عن الدنيا على نحو يحيط به هو الآخر نوع من الغموض،

وهو ما يعبر عنه الرومي في سلسلة من أروع ما كتب من قصائد الشوق وألم الفراق والتوق إلى لقاء الحبيب الذي يربطه به ذلك الحب المتسامي الرفيع، وهي مجموعة ضخمة من الملاحم والأشعار يصل عددها إلى 3500 قصيدة غنائية و2000 رباعية، أما رائعته الخالدة المثنوي،

فهي الأكثر شهرة بين أعماله الملحمية وقد نظمها في ستة مجلدات ضخمة تشتمل على 25649 بيتاً من الشعر استخدم فيها فن الحكاية المتقن، وأضاف لها شخصيات وحوارات لا تقل استثنائية عما نجده في بعض القصص المعاصرة، بينما يدور موضوعها الرئيسي حول قصة رمزية »العندليب والوردة«،

وهي من الرموز المتداولة في الثقافات الشرقية، وفيها يرمز العندليب إلى العاشق المتيم والوردة إلى المعشوق العلوي، أو الحقيقة التي يسعى إلى اكتشافها بصعوبة بالنظر إلى المسافة الفاصلة بينهما. من وجهة نظر الكثيرين فإن ما تعبر عنه هذه الملحمة الصوفية الخالصة يتلخص في عمق الشعور والرصانة الفكرية.

لقد كرس الرومي حياته من أجل تجسيد المبادئ المعبرة عن التربية الشخصية والروحية الإسلامية التي تحمل في ثناياها جوهر الفلسفة الرامية إلى الحب والسعي إلى رأب العلاقة القائمة بين الخالق والمخلوق وهي كذلك محاولة لوصف الحالة التي يصل إليها ناشد الحب الإلهي عوضاً عن الخوف بالنظر إلى الله بعين الحب فهو كامن في النفس البشرية.

ولأن الوسيلة المثلى للوصول إلى الله هي القلب، فقد آمن هذا الشاعر الصوفي بأن عبادة أي منا لا يمكن اعتبارها طريقة ننتمي إليها بقدر ما هي دعوة إلى إقامة الدنيا على أسس المحبة الصادقة، إن عقيدتي كما يقول »هي الحياة من خلال الحب«.

في نهاية مقاله يتساءل، الكاتب الصحافي، وليام دالريمبل، الآن وبعدما أدرك الناس في بلد مثل تركيا، على سبيل المثال، أن الثقافة الغربية باهتمامها بالثقافة الإسلامية لا يمكنها أن تكون الشيء الوحيد الذي يوفر الإجابة الشافية على السؤال المتعلق بما إذا كانت الثقافة الإسلامية جديرة بالاهتمام، هل يمكن القيام بشيء بعد فوات الأوان، وضياع أشياء كثيرة أصبح من غير الممكن استعادتها.

جلال الدين محمد بن محمد بن حسين بن أحمد بن قاسم بن مسيب الذي يرجع أصله كما يقال إلى أبي بكر الصديق الرومي، مفكر إسلامي، صوفي سكولستي (مدرسي) وشاعر فارسي الأصل ارتبط اسمه بأشياء كثيرة منها مدينة قونية التركية التي هاجر إليها في صباه، أو بلاد الروم التي جاءت منها تسميته بالرومي، وما يعرف بالطريقة المولوية للدراويش الصوفية، وإنشاد السماع الذي اشتهرت به مجموعة الدراويش القونية.

نظم الشعر بالعربية والفارسية. من أهم آثاره الأدبية غزلياته العرفانية وملحمته الشهيرة، مثنوي التي وصفها بعض النقاد بقولهم إنها، قرآن العجم، وديوان »شمس تبريز« المشتمل على غزليات صوفية.

وكتاب »المجالس السبعة« المشتمل على سبع مواعظ دينية وخطب مدرسية. وكتاب تحت عنوان » فيه ما فيه« وهي مذكرات حول مجالس الصوفيين القونية وقصص ومواعظ ذات صلة. إضافة إلى مجموعة من الرسائل الموجهة إلى شمس الدين تبريزي.

بقلم: وليام دالريمبل / ترجمته بتصرف: مريم جمعة فرج – عن الخليج الثقافي

www.alimbaratur.com

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.