على هامش انتخابات مجلس الشعب (الأستاذ هيثم المالح)

يملأ المرشحون للانتخابات البلد بصورهم دون برامج فعلية وقد اكتسحوا الطرقات ويبقى هناك وجهة نظر الآخر … المغيب … الذي يتحكم به الأوصياء … ولابد أن يذكر للناس رأي البعض الذي يمثل الكثيرين من الصامتين .. وقد أتى الموقع رسالة باسم الأستاذ هيثم المالح رجل القانون الكبير وهو غني عن كل تعريف … تمثل وجهة النظر الأخرى..

على هامش انتخابات مجلس الشعب

أيام قليلة تفصل المواطن عن موعد انتخابات مجلس الشعب, فماذا على المواطن فعله؟

للجواب على هذا السؤال ينبغي لنا مراجعة تاريخ مجالس الشعب منذ مجيء حزب البعث إلى السلطة فوقياً وحتى الآن!!

معلوم أن الوظيفة الأساسية لمجلس الشعب أو المجلس النيابي كما يسمى سابقاً هي الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وإصدار التشريعات اللازمة التي تخدم مصالح الشعب، وتضبط الحياة العامة للتمكن من الرقي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وللتأسيس لدولة القانون.

فماذا قدمت مجالس الشعب على التوالي؟
قبل دستور 1973 وبعده انفردت السلطة التنفيذية بإصدار تشريعات غير مدروسة ولا تؤسس لدولة القانون، ومن هذه التشريعات:

1. المرسوم التشريعي رقم 14 لعام 1968 والذي شرعن حماية العاملين في أجهزة الأمن من المساءلة القانونية حال ارتكابهم الجرائم – المادة 16 من المرسوم – .

2. المرسوم التشريعي رقم 4 المتضمن الأحكام التي تطبق بحق من يعرقل تنفيذ التشريعات الاشتراكية.

3. القانون 49 لعام 1980 الذي قضى بفرض عقوبة الإعدام على كل منتسب لجماعة الإخوان المسلمين، والذي يشكل تصادماً كاملاً مع الدستور، ومع قانون العقوبات، ومع المعاهدات الدولية.

4. مرسوم مناهضة أهداف الثورة.

فماذا فعلت جميع مجالس الشعب التي من المفروض أنها انتخبت لتمثل إرادة الشعب ومصالحه؟! لا شيء، والعكس صحيح، إذ إننا الآن نجد بين المرشحين الحاليين أعضاء سابقين في مجالس تشريعية سكتت عن تشريعات لا تحقق مصالح الشعب، أو أنها سنت هذه القوانين، من أمثال القانون 49 لعام 1980م، وبالتالي فمجالس الشعب لا تقوم بواجباتها التي من المفروض أنها انتخبت من أجلها.

إن أياً من مجالس الشعب لم يتعرض بقليل أو كثير لضرورة وجود محاسبة للسلطة التنفيذية؛ بمعنى وجود ميزانية لقطع الحسابات، ومعرفة ماذا نفد من الميزانية التقديرية لأي عام من الأعوام السابقة، كما لم تجر أية مراجعة لمبيعات النفط ومآل مداخلها.

لم يتعرض أحد من مجالس الشعب للطرق الوعرة في العاصمة والحفر التي تملؤها وسوء التنفيذ الذي يبدو عليها بعد أشهر من تنفيذها، فكأن أعضاء المجلس يتنقلون بطائرات مروحية ولا يسيرون على الطرقات العامة.

لم يعر أي من مجالس الشعب أي اهتمام لرفض تنفيذ أحكام المحاكم القطعية الصادرة بحق بعض جهات القطاع العام برغم لفت نظره إلى ذلك من قبل كاتب هذه الكلمة.

تم تدمير السلطة القضائية والسيطرة عليها لصالح السلطة التنفيذية – أجهزة الأمن بالتحديد – وشرعنت لصائق لتسديد زيادات رواتب القضاة كي تدفع من جيوب المواطنين، في حين لم تكلف السلطة التنفيذية نفسها بإيجاد البدائل والتي منها الرقابة على الهدر، ونهب المال العام، فطروش السيارات التي تزين المواقف أمام دور المسؤولين، وخاصة العسكريين منهم، واستعمالها لغير أغراض المصلحة العامة، ومن قبل الأولاد والأصدقاء لإيصالهم إلى مدارسهم، وحتى السيارات العسكرية كسيارات الجيب وغيرها تستعمل لغير ما أعدت له.

فلو كان هناك رقابة شعبية على هذا الهدر والنهب للمال العام فإن بالإمكان تأمين رواتب للقضاة عن غير طريق اللصائق التي ذكرناها آنفاً والتي فرضت على أصحاب القضايا في المحاكم دون مؤيد قانوني، فهل تصدى مجلس الشعب لهذه الانتهاكات لحقوق المواطنين؟ هذا غيض من فيض ولو أردت تسطير عجز مجالس الشعب السابقة عن ممارسة مهامها لاحتجت لصفحات طوال قد يتعب القارئ منها.

نتجول الآن في الطرقات فماذا نشاهد؟
صور ملونة بأوضاع مختلفة بغرض تسويق المرشح أو المرشحة للجمهور، فيختار كل منهم الوضع الذي يراه مناسباً في عرض صورته، ولكننا لا نجد أي مرشح يقدم لنا برنامجاً يعد به ناخبيه، وكأننا في معرض صور لممثلين وفنانين!! أما المضمون فهو خواء خالٍ من أي معنى!!!

فهل المطلوب من المواطن أن يختار المرشح أو المرشح الأجمل صورةً أو الأكثر وسامةً وشباباً؟

في الحقيقة كل ذلك لا يعني شيئاً والمطلوب الوحيد هو أن يوجد مرشحون يقدمون للمواطن برامج محددة يستطيع فيها الاختيار بينهم، ثم يحاسبهم مع انتهاء الدورة الانتخابية.

من ذلك يتبين أن الاستمرار في سوق الانتخابات على النحو الذي تم في السابق لعقود خلت أمر غير منتج، وأن مجلس الشعب الذي سيشكله المرشحون سيكون كالمجالس السابقة لا معنى له، ولا يؤدي الوظيفة المطلوبة منه، وفي هذه الحالة أرى أن مقاطعة الانتخابات هي الأجدر حتى تتخذ السلطة القائمة الخطوة الضرورية واللازمة للتغيير… ولا أظن هذا آتياً في الوقت الحاضر. والله من وراء القصد.

دمشق 8/4/2007م.
المحامي هيثم المالح

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.