الصفحة 50 من 51« الصفحة الأولي...102030...4748495051

قل هو من عند أنفسكم

من أسباب ضياع الأمة

قال الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (ت 276هـ) في كتاب : تأويل مختلف الحديث : (وحدثني رجل من أصحاب الأخبار أن المنصور سمر ليلة فذكر خلفاء بني أمية وسيرتهم ، وأنهم لم يزالوا على استقامة حتى أفضى أمرهم إلى أبنائهم المترفين فكان همهم من عظيم شأن الملك وجلالة قدره قصدَ الشهوات ، وإيثار اللذات ، والدخول في معاصي الله عز وجل ومساخطه ؛ جهلا منهم باستدراج لله تعالى وأمنا من مكره تعالى فسلبهم الله تعالى الملك والعز ونقل عنهم النعمة ، فقال له صالح بن علي : يا أمير المؤمنين إن عبيد الله بن مروان لما دخل أرض النوبة هارباً فيمن اتبعه سأل ملك النوبة عنهم فأخبر ، فركب إلى عبيد الله فكلمه بكلام عجيب في هذا النحو لا أحفظه وأزعجه عن بلده فإن رأى أمير المؤمنين أن يدعو به من الحبس بحضرتنا في هذه الليلة ،ويسأله عن ذلك ؛ فأمر المنصور باحضاره وسأله عن القصة فقال :
ياأمير المؤمنين قدمت أرض النوبة بأثاث سَلِم لي فافترشته بها وأقمت ثلاثاً فأتاني ملك النوبة وقد خبر أمرنا ، فدخل عليَ رجل طوال أقنى حسن الوجه فقعد على الأرض ولم يقرب الثياب فقلت : مايمنعك أن تقعد على ثيابنا ، فقال : إني ملك ، وحق على كل ملك أن يتواضع لعظمة الله عز وجل إذ رفعه الله ، ثم أقبل علي فقال لي : لم تشربون الخمور وهي محرمة ، فقلت : اجترأ على ذلك عبيدنا وسفهاؤنا . قال : فلم تطؤون الزرع بدوابكم والفساد حرام ؟ قلت : يفعل ذلك جهالنا . قال: فلم تلبسون الديباج والحرير وتستعملون الذهب والفضة وهو محرم عليكم ، فقلت : زال عنا الملك ، وقل أنصارنا فانتصرنا بقوم من العجم دخلوا في ديننا فلبسوا ذلك على الكره منا. فأطرق ملياً وجعل يقلب يده ، وينكت في الأرض ثم قال : ليس ذلك كما ذكرت بل أنتم قوم استحللتم ماحرم عليكم وركبتم ماعنه نهيتم وظلمتم فيما ملكتم فسلبكم الله تعالى العز وألبسكم الذل بذنوبكم وآثامكم ولله تعالى فيكم نقمة لم تبلغ نهايتها وأخاف أن يحل بكم العذاب وأنتم ببلدي فيصيبني معكم وإنما الضيافة ثلاث فتزودوا مااحتجتم إليه وارتحلوا عن بلدي ففعلت ذلك).

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على قل هو من عند أنفسكم مغلقة

همسات المعالي

يلحظ المراقب الناقد لصفات الأجيال الدعوية المتعاقبة نوعا من الهبوط في مستوى الالتزام بدقائق الأخلاق الإيمانية والذوقية، إذ ليس اللاحق على مثل جودة السابق، مع احتمال أن يكون أوعى منه سياسيا وعلميا، وأطلق لسانا، وأحكم تنظيما، ولربما وجدت اليوم شيئا من الغيبة، وسوء الظن، وسرعة الغضب، وورود اللفظ الخشن على لسان المتكلم، وعدم إباء أُذُن جليسه السامع لهذا اللفظ، بل وقد تطرب له، وهي أمور لم يبرأ الجيل الأول منها، ولكنها كانت نادرة، تأتي كالفلتات، أو يقل عدد المتورطين بها، بينما تترادف اليوم، ويزداد الاستدراج، بحيث أصابت الصورة المثالية التي كنا عليها ثلمة، وما زالت مثالية بحمد الله تعالى، لكن درجات الإحسان التي ندرج عليها توجب علينا براءة شبه تامة.

 

يظن البعض أن هذا التباين إنما هو ظاهرة طبيعية ناتجة من ارتفاع همة من يتولى التأسيس، تبعا لمعنى التحدي عند نشوء الدعوة في كل بلد، وهذا سبب صحيح، لكنه ليس السبب الوحيد ولا الأهم، والراجح أن هذه الثلمة إنما هي من تأثر بالمحيط العام والبيئة السياسية والفكرية والإعلامية التي تعقدت بعد التحولات الثورية في كثير من البلاد، فإن الداعية فرد في هذا المجتمع العام قبل انضمامه لتيار الدعوة، خاضع للمؤثرات فيه، ثم هو بعد انضمامه يخالط الفجرة مثلما يخالط البررة، في الجامعة أو عند أداء عمله المهني، وفي السوق والشارع والمنتديات العامة، بل يخالط فجرة من عائلته، من بين شقيق أو ابن عم وخال، فيقلدهم في أشياء، إذا غفل، ويسري إليه عيبهم دون أن يشعر، وتظهر على لسانه عبارات عامية يفترض أن يتعفف عنها طالب العلم وصاحب الفكر، بله المتوضئ، ويفعل النشاز الذي يأباه الذوق أو ترفضه المروءة، إذا شاهد فاجرا يذهب في الإسفاف إلى أبعد منه، كأنه يفتي نفسه بأنه أفضل من ذاك المسف المبعد، بدلالة الاقتصار منه ومدى الاختصار ، ذاهلا عن أن الثلمة الصغيرة التي لم يستكبرها يمكن أن تشوه الصورة وتعكر الصفاء أيضا، وأنها سبب في ضعف الحساسية الإيمانية التي تمنحه الأنفة عن الابتذال، والعزة على أهل السوء.

وليست هي الخلطة فقط، وإنما مثلها ردود الفعل لأساليب الأحزاب العلمانية وأنواع تصرفات منتسبيها وأفكارهم التي يعرضونها، إذ تكون ردود الداعية أحيانا على غير ما فقه صائب إذا استفزه الحزبيون، وكذلك اللغة الصحفية والإذاعية الرديئة المبنى والجرس والنبرة فضلا عما فيها من معنى منحرف وشتيمة وظلم واستهزاء وحشو، كل ذلك يقسي قلب المسلم عن طريق التقليد اللاشعوري لما يسمع ويرى، ويجعل الجرأة على الفاضل مستساغة عنده، فيقل احترام الكبير، من أستاذ أو شيخ مرب أو أمير متقدم، وتكون منه أنواع من المنافسة للقرين المماثل، من حسد خفي أو صريح، وتكذيب، ويصبح يضيق به ذرعا إذا رآه يأتي من العمل ما يعجز عنه أو يكون أفصح في درس أو كتابة مقال ، ولربما تجاوز عدوانه الكبير والقرين ليصيب المستجد والتلميذ والناشئ الصغير، فيتعامل معهم بلا رفق، ويكثر منه الزجر لهم والقسوة عليهم.

 

إنها فلتات لا يبرأ منها رجال منا، ولسنا نتكلف التهمة لهم، وإنما هناك قرائن تشهد وحوادث ترتكب، وابن آدم لا بد أن يلازمه خطأ، والشيطان يستزل، والموفق من لم يغالط نفسه ويغالط الآخرين، وتكون له مسارعة إلى التوبة والعلاج والترميم والاستدراك، بدل المكابرة والإصرار، وإذا كان أحد من منحرفي النفوس يعتاد التشهير بنا معتمدا على مثل هذه المكاشفة فإن المفروض أن لا يصدنا ذلك عن كمال المصارحة، إذ نكله إلى نيته الحائدة عن الحق والإصلاح، ونلوذ بعز التوبة.

إن ظاهرة نقص الأفراد هي من الظواهر المبتوت بصحة وجودها، وإنما أردنا أن نثبت بكلامنا آنفا ما هو أوسع من ذلك، من تأثر جيل بكامله برداءة المحيط والبيئة، إلا من رحم ربك، وقليل ما هم، وأما الغالبية فقد ألمت أو قارفت، وكأنها تورطت، لكن منهم الموغل المكثار، ومنهم المتخفف، ومنهم صاحب الفلتات النادرة.

إن هذه الملاحظات لا يلاحظها أفراد الأجيال الجديدة، لأنهم لم يعيشوا لذة صفاء الأجيال السابقة القديمة قبل أن تفسد الحزبيات والثورات البقية التي كانت باقية من جمال الحياة، مع قلة حجم تلك البقية، وفاقد الشيء لا يعطيه، ويمكن أن يدرك ما نقول الأخوة القدماء الذين عاصروا بداية الدعوة ومراحلها الأولى، يوم كان الخير في الناس وافرا، وبين الدعاة عامرا، ويوم لم يكن الحاكم يتفنن في أذى الشعب كما يتفنن اليوم ويبتكر، ولا يرغمهم على سماع اللغو منه أو من إذاعته وتلفازه وصحفه كما يرغمهم اليوم.

ويظن البعض أن وجود ضعفاء من الجيل القديم تؤثر عنهم مثل هذه الأدواء ينقض صحة هذا الاستنتاج ويدفع التهمة عن الأجيال الجديدة . وليس هذا الظن على سعته، لأن الذي يرى ضعيفا من القدماء فهو إنما يرى نموذجا واهن التكوين أصابه المحيط الملوث أيضا، واستوى مع الجدد في ذلك، وتلك زيادة تأكيد على صحة ما ذهبنا إليه، فإن فساد البيئة إذا كان ينحت فضل القديم الراسخ فأحرى أن تلين أمامه قناة المستجد الطارئ، وإنما أردنا الإشارة إلى موقف هذا القديم في أيامه القديمة التي هي أقرب إلى النقاء وبيئته التي كانت محافظة على مزايا الصفاء: كيف أنه كان أنزه روحا، وأسلم قلبا، وأجود معدنا، وأشد ركنا.

 

والمتفحص للأمر، المقارن بين قصص الحياة اليومية الحاضرة والماضية، يجد أن التأثر بالسوء حاصل بصورة عامة لدى جميع الناس بصورة أعمق، وأن الخير والفعل الجميل في تناقص، بل أن الذي نسبناه للدعاة ما هو إلا بمقدار عشر المعشار منه، وتولدت في الناس غلظة وجفوة وقطيعة رحم ما كان يعرفها الجيل الذي عاصر حياة ما قبل الحرب العالمية الأولى مثلا، يوم كان العرق الأخير للدولة العثمانية ينبض، حتى أصبحنا نرى من عقوق الوالدين والعدوان على الجيران والغش في التعامل والبخل على الضيف والظلم عند المقدرة أشياء كان يتعفف عنها الناس سابقا، أغلب الناس .. وحتى أصبحت الحكايات الحقيقية لمكارم الأخلاق، والتي كانت اعتيادية: ضربا من الرمز والخيال المستبعد تكراره في تقدير من يسمعها، وهذا الوضع كان وما يزال مستمرا في بلاد عديدة، وبداياته تتزامن مع تطبيق مناهج التعليم الحديثة قبل ما معدله ستين سنة، أو أقل أو أكثر قليلا، ومع ما صاحب ذلك من انفتاح على الغرب والشرق، ومع نشوء الصحافة المقلدة للصحافة العالمية التي يسيطر عليها التوجيه اليهودي، بل نجزم أن بلاد النصارى في الغرب، وبلاد البوذية وأمثالها في الشرق، كانت حياتها الماضية لا تخلو من تراحم بين أهلها، وبقايا عفة، وآثار مروءة، هي خالية منها الآن.

 

إننا لا نريد بهذا الكلام أن نقذف يأسا في قلوب الدعاة، أو نولد إحباطا وشعورا من الأسف أو الزهد بالعمل الإسلامي ونتائجه، ولم نسرد خبر الأمس واليوم من أجل متعة تاريخية أو إثبات حقيقة إحصائية، وإنما أردنا توجيه الغد، وأن يكون لنا في التجربة موعظة.

إن لكلامنا مقاصد خمسة:

· الأول: إيراد نمط من التحليل والتسبيب يوسع آفاق تفكير الدعاة إذا أرادوا فهم ظاهرة معينة في الحياة الدعوية، بحيث تتكشف جذور المسألة وجذور المداخلات التي تحيط بها، وضغط المجتمع، وتأثيرات السياسة.

· الثاني: إخراج الداعية من الإطلاق في الحكم على الأمور، إلى النسبية، ومن الاستعجال، إلى التأمل، ومن العفوية، إلى المنهجية، ومن الغفلة، إلى نقد الذات والتدقيق مع النفس، مع أن هذا المسلك خطر، إذ أن بعض المنافسين والحاسدين سينحرفون بهذا المقصد النقدي الإصلاحي الواعظ إلى جعل كلماتنا وثيقة اتهام لنا يدللون بها على ضعفنا، وما دروا أن الحساسية المفرطة هي التي تنطقنا، وإن صف الدعاة – بحمد الله – أنقى وأرفع من أي صف آخر رغم ملاحظتنا.

· الثالث: الانتصار للأجيال الجديدة! وإعادة الاعتبار لها إزاء أحكام يصدرها عليهم بعض المتشددين من أفراد الجيل القديم، بتقرير ما ذهبنا إلى ترجيحه من أن هذه الأجيال إنما هي ضحية البيئة الملوثة أخلاقيا وفكريا وسياسيا، وأن الخيرية مركوزة فيها أيضا، ولكن تغطى شيئا منها الأوساخ المحيطة أو تميل بها العواصف الداهمة! وأن هذا كله من دلالات الظاهرة التربوية العامة التي تجعل تأثر كل فرد بالمسموع والمنظور محتملا، ومن نتائج تضاد التربيات المتزاحمة.

· الرابع: إثبات وجوب التربية التي تعالج هذه السلبيات الأخلاقية، وضرورة أن يتواضع كل داعية أمام ما تستوجبه هذه الظاهرة من خضوع لمنهج يعظ القلوب بكثافة، ويعيد ذكر بديهيات الطريق وأسس الإيمان والأخلاق ، وليس بصواب أن يضع داعية نفسه فوق التربية، ويستعلي على حديث يزجره عن السوء ولو سمعه مائة مرة، فإن في النفوس – كل النفوس – قابلية لطيش في أوقات الغفلة، فتنزل إلى مستوى العوام، وان استقام صاحبها على دين الخواص الفقهاء العباد دهرا، أو حاز على أعلى شهادة وأرقى منصب وأضخم رصيد مالي، بل وإن ابيضت لحيته وتجاوز الكهولة سنه.

· الخامس: التخطيط الدعوي لإصلاح أخلاق الناس عامة وأذواقهم وأعرافهم، وإعادة إحياء عواطفهم، وتجديد الحس الإيماني بعد ضموره فيهم، ويبدأ هذا التخطيط والتنفيذ له ابتداء من يومنا هذا في مرحلتنا التي نحن فيها، رغم ثقل أحمالنا وجزالة همومنا، ثم يمتد إلى مراحل التمكين، بل يجب أن يتركز هذا التوجه آنذاك ويشتد، وليس من شأننا أن نخطط سياسيا واقتصاديا فقط، أو نبث علم اللسان فحسب، فإن طريقنا يمر قبل السياسة والاقتصاد وخلاف الفقهاء بتطهير الجنان. إن دعوتنا هي دعوة المروءة والنبل والعفة، ورقة التعامل والذوـق الرفيع، قبل أن تكون دعوة سياسية، أو حملة جهادية، أو مدرسة علمية، ولن ينزل الطغاة إلى نهاياتهم ما لم تتسام أخلاقنا صعدا، ونعود إلى بداياتنا..

 

من سلسلة رسائل العين (نحو المعالي) للداعية المجدد الأستاذ عبد المنعم علي صالح العزي (محمد أخمد الراشد).

 

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على همسات المعالي مغلقة

أشجار الإيمان

 من كتاب الرقائق للداعية الأستاذ محمد أحمد الراشد

وحدة العبودية ، و تكاملها ، في أجزاء هذا الكون ، لله تعالى الذي خـلقه : حقيقة يراها المتـفكر ، إذا استطاع أن يفلت من الصخب الملهي و يتأمل في هدوء ورَوية .

منها : عبودية لا تشوبها الوساوس ، لبساط الأرض جميعه ، حشائشه و الباسقات ، نبهك القرآن لها ، في قوله عزّ وجلّ : { والنجم و الشجر يسجدان } .

قال الطبري : ‘ يعني بالنجم : ما نَجَم من الأرض من نبت ، وبالشجر : ما استـقـل على ساق ‘ [1]

فهو منظر سجود دائم يراه المؤمن ليكون له تذكرة حين تثـقله الغفلة ، يديم له سجوداً قلبياً ، آيته الرضا عن الله ، والتسليم لحكم حلاله وحرامه ، به يستكمل سجود جبهتـه مغزاه .

ومتى ذاق المؤمن ، بالخلوات المسترسلة ، لذة مراقبة هذا السجود الأخضر ، المتوشح بألوان الزهر ، وأذن لقلبه أن يبالغ في الهبوط مقلداً ، حتى يلامس أوطأ الإخبات : نادى غيره للمشاركة ، وعرض عليه الرفقة ، منخلعاً عن حسد واحتكار .

وتلك هي دعوة إقبال ، لما ظفر بسر السياحة الإيمانية الصامتة ، في البراري الناطقة ، ونبهك إلى إنصات واجب ، لتسبيح دائب ، و أوصاك أن :

دع الدور و اطلب فسيح البراري **** و انظر إلى صفحات الجمال

على حافة الماء دون ملال **** تأمل ترقق ماء زلال

وحدق إلى نرجس ذي دلال **** وقبِّل عيوناً له كاللآلي [2]

و كان عبد الوهاب عزام أول مجيب له ، وطفق يستغرق في التأمل ، فرآه جاهل بما هنالك فأنكر عليه ، فقال :

لست أخلو لغفلة و سكون **** وفرار من الورى و ارتياح

إنما خلوتي لفكر و ذكر **** فهي زادي وعُدّتي لكفاحي

و ما زاد بهذا على أن جدّد مذهباً سالفاً ، و عرفاً عند أول المسلمين ، في استلال ساعة من بين حركاتهم في التعلم و التعليم ، والأمر و النهي ، و ضرورات المعيشة ، يميلون فيها إلى التـفرد خارجاً ، والركون إلى أرباض مدنهم ، و الجلوس بين الزروع ، يرجون لأنفسهم بصائر و تذكرة .

وروى ابن القيم أن شيخه ابن تيميه ، رحمهما الله ، كان يتركهم غادياً بعد الفجر مراراً ، فراقبه ، فوجده يعتـزل في غوطة دمشق و حقولها ، حتى غدت عنده عادة .

وما ذاك على أسلوب القرآن بغريب ، ولا على رموز النص الشريف المأثور و تشبيهاته ، بل هو ارتباط واضح خلالهما بين الخضرة و خصال الفطرة ، ترك طابعه على طرائق المؤمنين في التعبير و التمثيل ، في نحو على منحاهما ، يدلك على قـلوب فقهت المناسبة ، واستوعبت الإشارة ، وشهدت الرابط الجامع في لقيا الشجر و معاني الإيمان إنها غاية من أشجار الإيمان ، فيها أيك ملتف متشابك ، تجعل سيرك في ظل وارف ، و مداعبة من زكي العبيق .

 

· تفجؤك فيها شجرة التوحيد .

وهي شجرة غرسها القرآن ، تستـلقي تحت أغصانها حين تـقرأ قول الله تبارك وتعالى :

{ ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ، تُؤتي أُكُلَها كلَّ حين بإذن ربها ، و يضرِب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون }

قال ابن القيم : ‘ فإنه سبحانه شبّه شجرة التوحيد في القـلب بالشجرة الطيبة الثابتة الأصل ، الباسقة الفرع في السماء علواً ، التي لا تـزال تؤتي ثمرتها كل حين . و إذا تأملت هذا التشبيه رأيتـه مطابقاً لشجرة التوحيد الثابتة الراسخة في القلب ، التي فروعها من الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء . ولا تـزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة صاعدة إلى السماء . ولا تـزال هذه الشجرة تثمر الأعمال الصالحة كل وقت ، بحسب ثباتها في القلب ، ومحبة القـلب لها ، وإخلاصه فيها ، ومعرفته بحقيقتها ، و قيامه بحقوقها ، ومراعاتها حقّ رعايتها ‘ [3]

و من السلف من قال : إن الشجرة الطيبة هي النخلة ، ويدل عليه حديث ابن عمر في الصحيح ، وقال الربيع بن أنس : ذلك المؤمن ، أصل عمله ثابت في الأرض ، و ذكره في السماء .

قال ابن القيم :

‘ ولا اختلاف بين القـولين ، و المقصود بالمثل : المؤمن ، و النخلة مشبهة به ، وهو مشبه بها ‘ [4]

– و من مكانك تحتها تشم عبير ورود بقربها ، من شجرة تسمى شجرة الطاعة ، شهدت منحة الرضوان ، لما أسبغت ، يوم نزلت : { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ، فعلم ما في قلوبهم ، فأنزل السكينة عليهم ، وأثابهم فتحاً قريباً }

و يفتأ المستظل بظلها اليوم ساكن الفؤاد ، غير مضطرب لحرمان وفـوات ، ينتظر فتحاً لحركة الإسلام تـندكّ به صروح الضلال ، قد قدّم له التبايع على الموت ثمناً .

– فإن اختار الله لك المحنة سبيلاً لهذه المنحة ، وحَزَبَك الأمر : لجأت إلى شجرة الترحاب ، تطلب الطمأنينة عندها ، هازاً جذعها ، لتغدق عليك من بركتها ، وتـفعل ما فعلت مريم عليها السلام لما ضاقت عليها الأرض ، فجاءها نداء: { و هزّي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رُطباً جَنياً فكلي و اشربي و قرّي عينا } .

فتأكل رطيبات وتـقنع بها ، عازفاً عن بطر المترفين ، وتغرف من ثَمّ من سَرِي بين يديك يجري ، مستعلياً بعزة دونك مدارجها ، ترقى إليها و تَسري .

– و للنبي صلى الله عليه وسلم غِراس في هذه الغابة ، كما أن الحكمة أشهدت الشجر مواقف من سيرته الشريفة ، إيماء إلى هذا الارتباط ، ربما ، و إثارة لتطلع الغافل .

منها : شجرة الوفاء ، عنوان امتـزاج الأرواح الذاكرة ، تـنطق بالشكر ، و تحفظ الفضل لأهله ، و تعلن عِرفان الجميل .

وهي نخلة ، تَنَهَّدتْ عند الفِراق .

قال جابر بن عبد الله رضي الله عنه :

( كان جذع يقوم إليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما وُضع له المنبر سمعنا للجذع مثل أصوات العِشار ، حتى نزل النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضع يده عليه ) [5]

أي كأصوات النياق التي أثـقلها حمل بطنها وقَرُب مخاضها . وتـلك من معجزاته ، عليه أفضل الصلاة و أزكى السلام .

جذع أنيلَ الشرف ، فوفى ، واجتمع له الحَنين ، فاستبدَّ به استبداداً ، فَرَّق منه الأنين .

وما من أحد إلا وفي بيته ديوان حديث ، وكأن النبي صلى الله عليه وسلم واقف عنده يُفقِّه أمرَ دينه ، و يُلقنه شرائع الأسلام ، و الوفاء يليق لمثلنا ، نتعلمه من الجذع ، و نترجمه صُوراً من الاتّباع و الاقـتـفاء .

– و شجرة خامسة تسمى شجرة الثبات ، تلوذ بها يوم تتوزع الناس الأهواء ، فتطلب النجاة معتـزلاً الفِرَق كلها ، ( ولو أن تعضّ بأصل شجرة ) [6]

وتصون لسانك إلا عن قولك مع عبد الله بن أبي مُليكة : \’ اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نُفتن \’ [7] فلأمر ما مما نقول كان هذا الاعتصام بالشجر ، في إلحاح يزيد معه المعتصم شدّ نواجذه ضاغطاً ، لو تخيّلته ، لتردّد قلبك يهتـز في قلق ، بين رهبة من استرخاء يعتري فيَجرِف ، و أمل في إتمام يُنجي .

إلا أن رحيق هذه الشجرة يرويك إذ الناس تلهث عطشاً ، ويبل حلقك بارداً ، فتضاعف العضّ مُبالغاً ، كأنك تمص الثبات راضعاً .

– و سادسة تُعرف بشجرة الأنس ، تُصاحبك عند الوحشة ، و تخفف رطوبتها جفاف هـفواتـك . غَرَسها النبي صلى الله عليه وسلم لما مَرَّ بقبرين يُعذبان ، فكان أن : ( أخذ جريدة رطبة ، فشقها بنصفين ، ثم غرز في كل قبر واحدة ، فقالوا : يارسول الله : لِمَ صنعت هذا ؟ فقال : لعـله يخفـف عنهما مالم يَيْبسا ) [8]

ففهم بُريدة الأسلمي – رضي الله عنه – من ذلك أنها سُنة ، فأوصى أن يُجعل في قبره جريدان ، فما زال الناس يُقلدونه في ذلك .

وقد لا نخلوا من لمم يكدر صفـو العمل ، أو من تَتَبع بفـضول لما في يد أهل الدنيا من أموال الاستـدراج ، يكون معه الأرق المتـلف ، واضطراب النوم ، فيضعف الاستعداد للفجر الآتي ، ولعل سويعة لك تحت سعف النخيل تخفف لهـفـك .

– ثم شجرة المفاصلة ، شهدت كيف يُتمم استـقلال الوسيلة عند المسلم استـقلال الهدف ، و ذلك لما تبع مشرك جيش المهاجرين والأنصار حين سيره نحو بدر ، يريد أن يقاتل معهم ، حمية و نصرة لقومه ، فلما وصلوا شجرة ضخمة كانت مَعْلماً في الطريق ، ذكرتها عائشة رضي الله عنها : لحق بهم ، فالتـفـت إليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( ارجع ، فلن أستعين بمشرك ) [9]

فمضى ذلك أصلاً ، لم يطرأ عليه الاستـثـناء إلا في حوادث ضيقة .

و تحاصر جبهات الأحزاب اليوم دعوة الحق ، تبثّ إرجافها ، متهمة إياها بتخلف عن ركب سياسي مجتمع ، فيقصد الدعاة الأشجار المعالم الضخام ، فتشهد بانتـفاء اللقاء ، و عيب النزول بعد الاستعلاء .

– ولما فَقه الناس هذه الأمثال : تتابعوا في سباق يغرسون ، فكانت شجرة ثامنة عرفت بينهم أنها شجرة الاغتـفار .

وهي شجرة عنب كثيرة الثمر ، فكان غارسها إذا مَرَّ به صديق له : اقتطف عنقـوداً ودعاه ، فيأكله ، وينصرف شاكراً .

فلما كان اليوم العاشر : قالت امرأة صاحب الشجرة لزوجها : ماهذا من أدب الضيافة ، ولكن أرى إن دعوت أخاك ، فأكل النصف ، مددت يدك معه مشاركاً ، إيناساً له ، و تبسطاً و إكراماً .

فقال : لأفعلن ذلك غذاً .

فلما كان الغد ، و انتصف الضيف في أكله : مدّ الرجل يده و تـناول حَبّة ، فوجدها حامضة لا تساغ ، وتـفلها ، و قطّب حاجبية ، و أبدى عَجَبه من صبر ضيفه على أكل أمثالها .

قال أبو حيان التوحيدي : فقال الضيف : قد أكلت من يدك ، من قَبلُ على مر الأيام حُلواً كثيراً ، و لم أحب أن أريك من نفسي كراهة لهذا تشوب في نفسك عطاءك السالف [10].

و ما هذه من قصص الأغاليط ، ولكنه مَثـَل ضرب لك أيها الأخ الداعية فاستمع له ، ومجاز تدلف منه إلى العدل مفتوح أمامك .

فليس فيمن حولك من انبغت له العصمة و استـقام له الصواب ، فإن أخطأ معك أخ لك فلا تجرمنـَّك كبوته على الهجران ، و التأفف ، و الضجر و الانتقاص منه ، بل ولا على العتاب , إنما تـتصبر ، و تكظم و تعفو في سرك مستحضراً جمال سابقاته ، و جياد أفعاله ، و حلو مكرماته ، إذ لعله قد أعانك على توبة أو ظاهرك عند تعلمك رديفاً و رفيقاً و سميراً ، أو علّمك باباً مما علّمه الله و طريفه .

– فإن استـفدت و نشرت الانصاف ، فقد أذن لك في أن تستـلقي تحت شجرة هيفاء ، كثيرة الثمار و الورود ، يخلب نظر الرائي جمالها ، و تُنطق المستمتع حمداً لرفيع ذوق غارسها .

اسمها : شجرة الزهد .

وهي شجرة قلبية فريدة ، و لم يَسبق صاحبها أحد إلى استـنبات مِثلها ، فجاءت بدعة ، و وصفها فقال :

غَرسَ الزهدُ بقلبي شجره **** بعد أن نقّى بجهدٍ حَجَرَه

وسَقاها إثرَ ما أَودَعها **** كَبِدَ الأرضِ بدمعٍ فَجَّرّه

ومتى أبصرَ طيراً مُفسداً **** حائماً حول حِماها زَجَرَه

نمتُ في ظلٍ ظليلٍ تحتَها **** رَوّح القلبُ و نَحى ضَجَره

تم بايعت إلهي وكذا **** بيعة الرضوان تحت الشجرة

فانظروا أطوار رعايته لها ، وعنايته بها ، وكيف بدأ بتطهير قلبه مما هنالك من أحجار الحسد و الرياء و التكبر و سوء الظن ، و كيف سقاها بدموع الخشية في الأثلاث الأخيرة ، وكيف زجر شياطين الإنس و الجن لما حامت حول بذرتها تبغي التـقاطها ، وقلِّده ، و أفعل فعله : تورق لك أختها ، و تتفتّح لك منها الزهور بألوان و عطور ، فتـنام تحتها كما نام ، تستشعر شعور أهل بيعة الرضوان ، و كأنك فيهم و معهم ، تغمرك نشوة البيعة على الموت في سبيل الله دفاعاً عن الإسلام .

– و وعى الإمام حسن البنا – رحمه الله – فَن زراعة أشجار الإيمان ، فغرس لك الشجرة العاشرة ، وهي شجرة الحِلم ، و صفها مخاطباً الدعاة فقال : \’ كونوا كالشجر، يرميه الناس بالحجر ، و يرميهم بالثمر \’ . ولقد أجاد وأفاد ، فإن في أكثر الناس سرعة جنوح إلى الجهل ، يميلهم إلى تكذيب دعاة الإسلام و إيذائهم بالباطل . ولو جهل الداعية مثـل جهل الجاهلين ، وقابل الإساءة بإساءة ، لعـفـت رسوم الإحسان واندثرت ، و لكنه الصدر الواسع ، والاحتساب ، والاستغفار لقومه الذين لا يعلمون .

أما بعد :

فليس الإمام البنا بآخر غارس في غابة الإيمان ، و إنما وضعنا في يدك الفأس ، و أعطيناك البذر ، فأبذر : تجد الثمر و فيراً ، مباركاً .

فاخرج و تجوّل متأملاً : تجد أخلاق الإيمان قد مازجت الخضرة ، و إن لكل شجرة تعبيراً عن شيء من محاسن الخصال يمازج سجودها ، و يقترن بمظهر عبوديتها لله خالقها .

ومن ها هنا كانت سويعات الخلوة بين الشجر سبب ذكرى للغافلين ، و سبيل إنابة .

و مما ينبيك عن صدق ظننا الحَسَن هذا بالأشجار أن الله سبحانه ضرب مثل الكلمة الخبيثة المنافية للتوحيد كشجرة خبيثة ، لكنها ليست قائمة ، بل اجتُثتْ من فوق الأرض ما لها من قرار .

فليس من شجر واقف إلا و يعظك بكلمة من الإيمان .

 
[1] تفسير الطبري 1/516 – طبعه دار المعارف .

[2] ديوان رسالة المشرق 30 .

[3] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1/188 طبعة الوكيل .

[4] إعلام الموقعين عن رب العالمين 1 / 188 – طبعة الوكيل .

[5] صحيح البخاري 2/11 .

[6] صحيح البخاري 9/65 .

[7] صحيح البخاري 9/58 .

[8] صحيح البخاري 2/14 .

[9] صحيح مسلم 5/201 .

[10] الامتاع و المؤانسة 2/121 .

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على أشجار الإيمان مغلقة

سلسلة البناء الدعوي – 2

ســلامة منهـج الداعيـة

مطلب: الكمال في القرآن.
مطلب: الإخراج من التيه.
مطلب: يسروا ولا تعسروا.
مطلب: رحمة عامة شاملة.
مطلب: شعب الإيمان تحدد المسار.
مطلب: يحمل هذا العلم عدوله.

إن سلامة المنهج شرط أساسي للصواب، وكم من مناهج قارفها الزلل ابتداءً فلم يكن من ورائها طائل، بل سببت سلبيات وربما كوارث على الدعوة والدعاة، ونحاول هنا تلمس ملامح أساسية في سلامة المنهج :
1- الكمال في القرآن : إن الدارس للقرآن الكريم يجد أنه مامن ظرف ولاحالة ولاإشكال ولامحنة قد يمر بها الداعية إلا وبُينت له منارات التوجه السليم فيها .
(وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ)1. وخصصت سور كاملة لتروي تجارب أنبياء الله الكرام . (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)2. فكتاب الله مَعِينُ الداعية أبدا، وفيه كافة التجارب اللازمة للهداية ورد الناس إليه تعالى.
إن أساليب الدعوة كما وردت في القرآن الكريم، هي الأساليب الشرعية التي لاينبغي العدول عنها (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ)3، وقد زكاها الله في كتابه، وأثنى على حملتها فقال : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)4.
2- الإخراج من التيه : (إن سيئة واحدة إذا ألقاها واحد منا في ساحة هذا الوجود، يوشك أن تصبح بعد سنوات من الزمن جريمة لاتنسب إلى فرد معين ولاتنحصر في شخص، بل تنصبغ بها ملايين من النفوس الإسلامية، وستكشف لكم الأيام والأعوام القادمة عن أمثلة كثيرة لصدق هذه الحقيقة )5، ومن المؤسف أن هذا الأمر لاينتبه له العديد من الدعاة، والتعصب الشديد يأخذ ببعضهم، ويصبح الحط من قدر الآخرين ديدنهم، حتى أن المسلم الجديد يكاد يضيع، ويروي أحدهم تجربته العملية في ذلك بين الجماعات المختلفة: (وكنت أشعر في بعض الأحيان أن كلاً منها كان يحاول جذبي إلى صفوفهم؛ ففي كثير من الأحيان كان بعضهم يأخذني جانباً ويهمس في أذني محذراً بالقول : ألاّ أقترب كثيراً من هؤلاء الإخوة. وكانت كل فرقة تخبرني أن الفرقة الأخرى ضالة عن الإسلام، وعند ذلك في الواقع لم أكن قادراً على تحديد موقفي … وفي كل مرة كانت كل مجموعة تسألني عما قالته المجموعة الأخرى، ثم تقوم بتصحيح بعض الأشياء التي تعلمتها من تلك المجموعة، وسرعان ماتولد لدي انطباع وهو أنه بالرغم من أن الإسلام ينهى عن الغيبة والنميمة فإن المسلمين نمامون ومغتابون بالعادة ، وأن ذلك هو الشغل الشاغل للجالية الإسلامية)6.
3- يسروا ولا تعسروا وبشروا ولاتنفروا : يغلب على بعض الدعاة نوع من التشدد في طرح بعض الأمور، وهذا المنهج بحاجة للمراجعة على هدي الكتاب والسنة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)7، ويبين الله تعالى منهجه القويم: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ8 .
لم يكن فقه التعسير أبداً بسديد، والتشدد يحسنه كل أحد، والصلابة إنما ينبغي أن تكون في الثوابت القطعية لا الظنيات، وقول الله تعالى لنبيه: (طَهَ * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى)9 هو خطاب لكل مسلم.
لقد منيت الدعوة بخسائر فادحة جداً من وراء التعسير والذي وراءه التنفير، ولقد عقب الإمام ابن حجر العسقلاني على حديث سلمان رضي الله عنه إذ يطلب من أبي الدرداء رضي الله عنه يعطي كل ذي حق حقه ؛ بقوله: (وفيه جواز النهي عن المستحبات إذا خشي أن يفضي ذلك إلى السآمة والملل وتفويت الحقوق المطلوبة الواجبة أو المندوبة الراجح فعلها على فعل المستحب المذكور10 .
أفما من حق للإسلام والدعوة وفقه التيسير، ذلك إن كان الأمر مستحباً ؛ فكيف بالمرجوح والمفضول ؛ وكيف بما يؤدي إلى فتنة في الدين وازدراء بالمسلمين ، والتعسير بدل التيسير ، والتنفير بدل التبشير؟ .
4- رحمة عامة شاملة : لقد قال تعالى في حق رسوله الكريم: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)11، وبكى عليه الصلاة والسلام وقام الليل مفتقراً إلى الله تعالى : (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)12.
لاينبغي لبعض الظروف والمآسي التي يتعرض لها المسلمون أن تصرفهم عن أصل رسالتهم، وواجبهم في القيام بعمل الأنبياء.
إن البشرية تئن حقيقة وتتألم وهي بحاجة لمن يمد لها يد الرحمة فلقد طحنها المفسدون في الأرض ومحوا كرامتها ولابد من منقذ، فمن تراه يكون غير المؤمنين المصلحين الرحماء.

5- شُعَبُ الإيمان تحدد المسار: إن شعب الإيمان قد انحسر العديد منها عملياً في حياة بعض المسلمين، فـ ((الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة: فأفضلها قول لاإله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان))13.
في أحيان عديدة فإن إعطاء بعض الأمور أكثر من أهميتها أوأقل يؤدي إلى اختلالات في فقه الإسلام، وإن العجز عن رؤية الصورة الكلية أوحملها بالشكل الصحيح أدى إى مناهج ضيقة وتشويهات مريعة يدفع الإسلام ثمناً مرهقاً لها؛ (فشأن الراسخين تصور الشريعة صورة واحدة يخدم بعضها بعضاً كأعضاء الإنسان إذاً صورت صورة مثمرة. وشأن متبعي المتشابهات أخذ دليل ما أي دليل كان عفواً وأولياً، وإن كان ثم مايعارضه من كلي أوجزئي ؛ فكأن العضو الواحد لايعطي في مفهوم أحكام الشريعة حكماً حقيقياً؛ فمتبعه متبع متشابه، ولا يتبعه إلا من في قلبه زيغ كما شهد الله به)14.
أكثر الثغرات الملاحظة في ساحة العمل الدعوي هو الفقه الاجتزائي، وعدم إدراك علاقة الفروع بالأصول، وانفصال المبدأ عن السلوك، والتركيز غير المتوازن، وانقلاب أحجام الأحكام الشرعية، وإذا ترافق ذلك مع سذاجة واعتداد بالنفس فإن عجزاً معيباً سيطوق حركتنا، ولا مخرج من ذلك إلا بإعادة التفقه بشعب الإيمان.

6- يحمل هذا العلم عدوله : هناك خلط عند عوام الدعاة بين قوله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)15، وقوله عليه الصلاة والسلام: ((بلغوا عني ولو آية))16، ولقد ذكر الإمام العسقلاني في شرح الحديث عن المعافى النهرواني في كتاب الجليس أن (الآية في اللغة تطلق على ثلاثة معانٍ: العلامة الفاصلة، والأعجوبة الحاصلة، والبلية النازلة …. ويجمع بين هذه المعاني الثلاثة أنه قيل لها: آية لدلالتها وفصلها وإبانتها ؛ وقال في الحديث (ولوآية) أي واحدة ليسارع كل سامعٍ إلى تبليغ ماوقع له من الآي ولوقل ليتصل بذلك نقل جميع ماجاء به محمد عليه الصلاة والسلام)17؛ فما نراه من مسارعة البعض إلى الفتيا الجازمة في كل أمر مع ضيق العطن وقلة العلم وانتفاخ الأوداج وضعف الفهم مستدلين بالحديث الشريف السابق فليس من البلاغ في شيء، فإن التبليغ إنما يكون في الأمور القطعية التي لايُعذر بجهلها الناس فتقوم الحجة على الجميع لإبلاغها ورفع الجهالة عمن لابسته.
أما دقائق الأمور وغوامضها ومايتصل بغيره من الأمور ومايتعلق بظروف وأحوال خاصة فالأمر فيه موكول إلى أهل العلم بلا خلاف امتثالاً للآية الكريمة، ووقد نقل القاسمي عن القاشاني في تفسير سورة التوبة – الآية 122 مايلي: (فالمراد من التفقه علم راسخ في القلب؛ ضارب بعروقه في النفس، ظاهر أثره على الجوارح؛ بحيث لايمكن صاحبه ارتكاب مايخالف ذلك العلم وإلا لم يكن عالماً)18.
العامي من الدعاة لايطيق أن يرى له مخالفاً، وربما وصمه بالبدعة لأية مخالفة لما هو عليه، ولم يفرق بين بدعة اللغة وبدعة الدين، ولو فرَّقَ لجزم بحبوط عمل مخالفه، وأن مصيره جهنم بلا خلاف، وكل ذلك قمعاً للبدعة وظناً أنه يُبلغ الآية التي يعلمها، أما ابن تيمية فيقول: (وقد ذهب كثير من مبتدعة المسلمين من الرافضة والجهمية وغيرهم إلى بلاد الكفار، فأسلم على يديه خلقٌ كثير، وانتفعوا بذلك وصاروا مسلمين مبتدعين؛ وهو خير من أن يكونوا كفارا)19، ومن لطائف مانقل عن العلماء أن الخليفة المأمون [رغم تعصبه] كان رجلاً عالماً وعنده صفات تليق بالدعاة ، (وقد كان يرد على الملحدين وأهل الأهواء، وإذا قال لمرتد كان أسلم على يديه: أخبرني مالذي أوحشك مما كنت به آنساً من ديننا؟ وقال له المرتد غير هياب ولا وجل: أوحشني منكم مارأيت من الاختلاف في دينكم، لم يتنكر له المأمون، وإنما كان يرد عليه فلا يزال يخرج من حجة إلى حجة حتى يرجع به إلى الإسلام)20، فرحم الله من قال: إذا سكت من لايعلم سقط الخلاف.

————————
1- سورة هود ، آية 120.
2- سورة يوسف ، آية 111.
3- سورة الشورى ، آية 15.
4- سورة يوسف ، آية 108.
5- سعيد النورسي (بديع الزمان) ، الخطبة الشامية (سلسلة رسائل النور) ، ترجمة محمد سعيد رمضان البوطي ، دم ، دن ، دت ، ص21. [وقد ألقى النورسي خطبته الشهيرة أثناء زيارته لدمشق عام 1911م]
6- جيفري لانغ ، حتى الملائكة تسأل (رحلة إلى الإسلام في أميركا) ، بيروت-دمشق/دار الفكرالمعاصر-دار الفكر ، 1422هـ/2001م ، ص282-283.
7- سورة الأحزاب ، ص21.
8- سورة البقرة ، ص 185.
9- سورة طه ، الآيات 1-2.
10- ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، كتاب الصوم ، باب من أقسم على أخيه ليفطر، الحديث (1968).
11-سورة الأنبياء ، ص107.
12- سورة المائدة ، ص 118.
13- يحيى بن شرف النووي (676هـ/1277م) ، شرح صحيح مسلم ، دم ، المطبعة الكستلية ، 1283هـ ، كتاب الإيمان ، باب بيان عدد شعب الإيمان ، ، 1 ، ص 126.
14- إبراهيم بن موسى الشاطبي (790هـ/1388م) ، الاعتصام ، القاهرة ، المكتبة التجارية الكبرى ، دت ، ص 245.
15- سورة النحل ، ص 43.
16- ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، كتاب أحاديث الأنبياء ، باب ماذكر عن بني إسرائيل ، الحديث (3461) .
17- ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، 6،575.
18- جمال الدين القاسمي ، محاسن التأويل ، مرجع سابق ، 8 ، 3300.
19- عبد الكريم بكار ، فصول في التفكير الموضوعي ، دمشق ، دار القلم ، 1413هـ/1993م ، ص120.
20- شفيق جبري ، الجاحظ معلم العقل والأدب ، دمشق ، دار البشائر ، ط2، 1422هـ/2001م ، ص 83.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على سلسلة البناء الدعوي – 2 مغلقة

بسم الله نبدأ – 2005-11-14

فهذا الموقع وقد سميناه (دربنا Darbuna) إنما هو مولود جديد في درب الدعوة يحبو، وبدعائكم وسديد رأيكم يشتد وينمو، حاولنا مااستطعنا أن نجعل فيه زاداً جديداً في درب قديم مااستطاع أحد أن يزعم له بدلاً، فالدعوة إلى الله هي عمل الأنبياء والرسل الكرام، ولقد أقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أن يَكُونَ لَكَ حُمْرِ النَّعَمِ (رواه البخاري-المناقب 3701).

دربنا بالوعي نملؤوه، ولانرضى السذاجة في دربنا، ولانسير تقليداً من دون بصيرة، بل نبحث عن الصواب فنعلنه، ونرفع له راية، وتبقى دعوتنا أغلى من أن نجامل في حقائقها، أونغِّيب صريح معانيها.

من توفيق الله أن يكون انطلاق موقعنا في شهر التقوى، في رمضان ولله در رمضان ما أكرمه:

فلأنفاس رمضان … عبقٌ لايُنسى.

في الصيام نداوة التوحيد ، ومدرسة التقوى.

وعندما تكاد الأمة تتشرذم أو تضيع :

وفيه يكون الري … إذا جفت الينابيع والسواقي.

وإلى نفحات الهداية من المعلم الهادي صلى الله عليه وسلم … يكون الحنين.

رمضان عالَمُ إيمانٍ … أخاذٌ آسِر .

فلنغترف منه .. فإن القلوب إلى ريه لظماء.

ببركة الله نبدأ سيرنا، وبكم إخوتنا تزدان الأرض وتمتلئ هداية وإيماناً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أحمد معاذ الخطيب الحسني

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على بسم الله نبدأ – 2005-11-14 مغلقة

أولويات الأحكام الشرعية

أ. رياض أدهمي

مفهوم الأولويات في اعتبار الأحكام الشرعية مفهوم شرعي أصيل مبثوث في آيات القران الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وفتاوى العلماء والمجتهدين. ومعرفة الأولويات ومعرفة ترتيبها وضوابطها تعين المسلم على الخروج من الحيرة والتردد عندما تواجهه الحياة بمشكلات وأحوال يصعب ردها الى احاد الأحكام والفتاوى التي صيغت ودوِّنت في إطار نظري لا يعطي في الغالب الوضع النسبي للفتوى أو الحكم من مجمل احكام الشريعة.
ومفهوم الأولويات في اعتبار الأحكام الشرعية هو الذي يعين على تقدير الخصوصيات التي تؤثر على اختيار حل من الحلول المتعددة والذي يحقق أكبر قدر من المصالح المعتبرة حسب اختلاف الأمكنة والأزمنة والأشخاص.
ومعرفة الاولويات في اعتبار الأحكام الشرعية لا تختص ولا تنحصر بالمختصين من المشتغلين بالفتوى واستنباط الاحكام، لان كل مسلم مطالب بتنزيل الاحكام الشرعية المطلقة على واقعه النسبي، ومطالب بالاجتهاد في تحقيق المناط الذي يمكن أن يعرف بأنه واجب المسلم في معرفة تعلق الحكم الشرعي بالحالة التي يواجهها، ومطالب كذلك بالتأكد من أن هذا الحكم الشرعي لا يزاحمه ولا يتقدمه في الاعتبار -في حالته- حكم شرعي اخر.

فإذا عرف المسلم قول الله تعالى (إنما الصدقات للفقراء) فهو مطالب بالتحقق من وجود وصف الفقر في من يؤدي له صدقته، ومطالب كذلك بمعرفة أولويات الانفاق (إبدأ بنفسك ثم بمن تعول…) و(كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول). وإذا عرف المسلم قول الله تعالى (يا أيها الذين امنوا إذا قمتم الى الصلاة فاغسلوا… وإن كنتم جنباً فاطهروا… ) فهو مطالب بالتحقق من وجود وصف الماء المطلق الذي يجوز الغسل به، وهو مطالب كذلك بمعرفة ما يتقدم على واجب الغسل في حالة المشقة أو المرض ( قتلوه قتلهم ا، ألا سألوا إذا لم يعلموا).
فالأحكام الشرعية هي منظومة من الأحكام المرتبة شاقولياً حسب الأهمية، وليست مجموعة من الأحكام المتساوية في صلاحيتها ومناسبتها للتطبيق بترتيب أفقي مطلق.
ومن الملفت للنظر أن القران الكريم عرض كثيراً من الأحكام الشرعية بصورة توحي بوجوب اعتبار ظروف التطبيق أو الوضع النسبي للحكم من جملة الأحكام وهو ما أسميناه بمفهوم الأولويات.

أمثلة من القران الكريم
مثلاً قوله تعالى (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أُهِّل به لغير ا فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه، إن الله غفور رحيم) البقرة-173. فقد نقل ابن كثير عن مسروق قوله فمن اضطر فلم يأكل ولم يشرب حتى مات دخل النار. والآية تقدم حفظ الحياة على حرمة تناول الاطعمة الخبيثة.
(فمن شهد منكم الشهر فليصمه، ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أُخر) البقرة ـ 185. والآية تقدم اعتبار المرض ومشقة السفر على واجب الصوم في الشهر المحدد.
(ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محِلَّه، فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك) البقرة ـ 196. والآية تقدم اعتبار المرض على واجب ترتيب مناسك الحج.
(فإن خفتم ألا يقيما حدود ا فلا جناح عليهما فيما افتدت به) البقرة ـ 229. والآية تقرر أن احترام المسلم والبعد به عن موارد المشقة والعسر مقدم على كراهة الطلاق وفسخ الزوجية.
(ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات، فمما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات… ذلك لمن خشي العنت منكم وأن تصبروا خير لكم) النساء ـ 25. والآية تقرر أن الزواج بالإماء وما يتبعه من العبودية لأولادهن أخف ضرراً من الوقوع في الفاحشة.
(والذين امنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم في شيء حتى يهاجروا، وإن استنصروكم في الدِّين فعليكم النصر إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق) الأنفال ـ 72.
والآية تقرر أن الوفاء بالعهد والميثاق مقدم على واجب نصر المسلم ومساعدته.
(وابتلوا اليتامى حتى اذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم ولا تأكلوها إسرافاً وبداراً أن يكبروا ومن كان غنياً فليستعفف ومن كان فقيراً فليأكل بالمعروف) النساء. والآية تقدم حفظ حياة الكفيل الفقير على الأمر باجتناب أخذ مال اليتيم.
(وإن كنتم جنباً فاطهروا، وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيداً طيباً) المائدة ـ 6. والاية تقدم اعتبار المرض أو المشقة على وجوب التطهر بالماء.
(إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بايات ا وأولئك هم الكاذبون، من كفر با من بعد إيمانه إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان). النحل ـ 105. نـزلت الآيات في عمار بن ياسر، عذبه المشركون حتى أعطاهم ما أرادوا مُكرهاً، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبكي، فقال له رسول الله (ص) كيف تجد قلبك؟ قال مطمئن بالايمان، قال: فإن عادوا فعد. والآية تقدم اعتبار حفظ النفس على واجب حفظ اللسان عما يعارض الإيمان.
والتأمل في الآيات السابقة يدلنا على أن القران الكريم لم يأت بأوامر مطلقة مجردة عن اعتبار الزمان والمكان والأشخاص، ولكن الأوامر والتوجيهات كانت تأتي مع إشارات واضحة إلى اعتبار ظروف التطبيق وتقرر البديل الذي يناسب حال المكلف ويخرج به عن موارد المشقة والعسر والحرج، وهذا الاعتبار لظروف تطبيق الأوامر الشرعية هو ما يمكن أن يسمى (اعتبار الأولويات).

أمثلة من السنة المشرفة
فإذا انتقلنا الى سنة النبي (ص) وجدنا معنى اعتبار الأولويات مبثوثاً في كثير من المواقف والتعليقات والأوامر والتوجيهات التي تلقاها الصحابة الكرام وفهموا منها ترتيب أولويات الاحكام الشرعية:
خرج جماعة من أصحاب رسول الله (ص) في سفر فأصابت أحدهم شجة في رأسه ثم اصابته الجنابة، فسأل أصحابه فقالوا: لا نرى لك الا أن تغتسل فاغتسل فمات، فلما رجعوا الى النبي (ص) سألوه فقال: (قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال) رواه أبو داود وابن ماجه.
والحديث يقرر أن اعتبار رخصة التيمم مقدم على واجب الغسل للتطهر من الجنابة عند المرض. وبالاضافة الى ذلك ففي الحديث إشارة صريحة إلى وجوب التفقه بفقه الأولويات لآحاد الناس وسواد الأمة.
جاء رجل الى النبي (ص) يستأذنه في الجهاد، فسأله النبي (ص): (أحيّ والداك؟) قال نعم. قال النبي (ص): (فيهما فجاهد) رواه مسلم. والحديث يقرر أن القيام بشؤون الوالدين ورعايتهما يتقدم في الاعتبار -في حالة السائل- على واجب الجهاد في سبيل الله.
عن أنس رضي الله عنه قال كنا مع النبي (ص) في السفر، فمنا الصائم ومنا المفطر، قال فنـزلنا منـزلاً في يوم صار أكثرنا ظلاً صاحب الكساء، ومنا من يتقي الشمس بيده. قال فسقط الصوَّام وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) (ذهب المفطرون اليوم بالأجر) رواه مسلم. والحديث يقرر أن القيام بمصالح الناس العامة وإصلاح الضروري من أمر حياتهم يتقدم في الاعتبار التطوع في العبادة.
سئل النبي (ص) عما يرى الرجل من امرأة يريد أن يتزوجها فقال: (إن استطعت أن ترى منها ما يرغبك فيها فافعل) رواه ابو داود. والحديث يقرر أن ما يرغب الخاطب في الزواج ويطمئنه الى وجود الميل والتوافق مقدم على الامر بغض النظر.
كان ابن عباس رضي الله عنه جالساً عند الكعبة فنظر إليها وقال: (ما أعظمك وما أعظم حرمتك، وللمسلم أشد حرمة عند الله منك) رواه الترمذي. وكلام ابن عباس في هذا المقام يقرر أن إيذاء المسلم أشد حرمة من الاستهانة أو الإعتداء على حرمة الكعبة.
وروي عن ابن عمر قوله: (لإن أمشي في حاجة أخي أحب إلي من اعتكاف سنة). ويؤكد هذا الفهم من ابن عمر أن قضاء حاجات الناس وإزالة همومهم مقدم في الإعتبار والأجر على نوافل الطاعات.
قال النبي (صلى الله عليه وسلم) لسعد عندما أوصى بماله في سبيل الله (الثلث، والثلث كثير. لأن تدع عيالك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس) رواه البخاري. والحديث يقدم حاجة العيال وكفايتهم على التوسع في الإنفاق في سبيل الله.
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) مهتما بحفر الخندق -قبل غزوة الاحزاب- ففاتته صلاة العصر فقال: (شغلونا عن الصلاة الوسطى ملأ الله بيوتهم وقلوبهم نارا) رواه البخاري. والحديث يقدم الضروري من أمر الجهاد على واجب أداء الصلاة في وقتها.

وعند تأمل الامثلة المذكورة يتبين بوضوح أن مفهوم الاولويات عند اعتبار الأحكام الشرعية، فكرة أصيلة في سنة النبي (ص) وفي فهم الصحابة رضي الله عنهم ففي كل مثال كان هناك تقديم لحكم شرعي آخر، أو مقارنة بين وضعين واختيار لأحدهما وامر وتوجيه بإطراح الحكم الاخر، أو بيان لفضيلة وأهمية أحدهما على الاخر.

شواهد من أقوال الفقهاء
وبالاضافة الى ما تقدم من الايات الكريمة والأحاديث النبوية، نذكر بعض الفتاوى عن العلماء والتي يبدو بوضوح أنها تنبع من فكرة الاولويات:
يجوز التيمم عند بيع الماء بسعر أغلى من المعتاد (الاختيار ج1 ـ 22)
تسقط الجمعة والجماعة عند الخوف واضطراب الامن (فقه العبادات 358).
يجوز كشف العورة للتداوي الاختيار (ج ـ 154).
يحرم نبش قبر الميت إلا أن يكون القبر في أرض مغصوبة (فقه العبادات 250).
تجوز الصلاة قاعداً أو مستلقياً عند العجز أو خوف زيادة المرض (الاختيار ج1 ـ 6).
ذكر الإمام الغزالي في الإحياء ـ كتاب الحلال والحرام ـ أنه لا يجوز سؤال المسلم عن مصدر رزقه عندما يقدم طعاماً لضيوفه -محاولة منهم للتورع عن الشبهات- لأن إيحاش قلب المسلم بهذا السؤال أشد حرمة من أكل المال الحرام.

وفي جميع ما تقدم نرى أن الاحكام الشرعية الثابتة قدمت بصورة توضح أن الأحكام الشرعية ليست على وزن واحد في كل الأوقات وفي كل الأحوال. وبعبارة أدق، أنه لا بد من اعتبار الاحكام الشرعية وفق ترتيب متدرج في الأولوية أو الأهمية.

* * *

وبعد هذا البيان لمدى أصالة مفهوم الأولويات في مصادر الشريعة وفتاوى الفقهاء، لا بد من استحضار بعض المقدمات والقواعد والضوابط التي تعين على معرفة الأولويات وتدرج الأحكام الشرعية في الأهمية.
وأول ما يجب علمه في هذا المجال أن الله تعالى قد قرر الاحكام وأمر ونهى لاصلاح أمر الخلق ورعاية مصالحهم في دنياهم واخرتهم، فا سبحانه وتعالى غني عن العالمين لا يحتاج الى شيء لا تنفعه طاعة الصالحين، ولا تضره مخالفات العاصين: (يا عبادي لو أن أولكم واخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم.. ما زاد ذلك في ملكي شيئاً. يا عبادي لو أن أولكم واخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك في ملكي شيئا. يا عبادي انكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني).
فأوامر واحكام الشريعة هي هداية ورحمة رب العالمين اللطيف الخبير ليعيش الناس حياة طيبة في الدنيا ليس فيها عسر ومشقة وضيق وحرج، ويستحقوا النعيم في الاخرة بكرمه وفضله سبحانه وتعالى: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً، ونحشره يوم القيامة أعمى) ؛ (من عمل صالحاً من ذكر أو أُنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم اجرهم بأحسن ما كانوا يعملون).
ومما يجب علمه من مقدمات معرفة الأولويات أن الله تعالى لم يضع الشرائع والأوامر عبثاً، وأن الأحكام لم تشرع بمعزل عن مفهوم العلة والقصد والغاية. فلكل أمر حكمة ولكل تشريع غاية ومقصد ومعنى يرتبط بتحقيق مصالح العباد في الدنيا و استقرار حياتهم الطيبة فيها. والمسلم مطالب – لهذا – في محاولته للتدين بالأوامر والإنصياع للأحكام أن يتحرى المعنى وأن يتفقد المقصد والغاية ليجعل من تدينه و التزامه موجهاً لحياته إلى الخير و الصلاح، ولا يكون من الذين (إذا ذكّروا بآيات ربهم خروا عليها صُماً وعُمياناً).

وقد عرض القران الكريم مفهوم العلة والغاية والقصد وأصّل اعتبار المعنى عند التدين بالأوامر بأساليب متنوعة، فلام التعليل، وصيغ لعلكم، والامر بالنظر الى العاقبة، والأمر بالاعتبار والسير في الأرض والنظر والتدبر، وذكر قصص الأقوام السابقين، و ذكر قصص بني اسرائيل وما نقم الله منهم من الشكلية والحرفية والطقوسية… كل ذلك لا يمكن أن يكون إشارات عابرة، ولكنه الإرساء والتأصيل لمفهوم الغاية والعلة، و كأن الله تعالى يأمرنا باعتبار المعنى والقصد عند الفهم عنه ومحاولة التدين بالتزام أوامره وتشريعاته سبحانه وتعالى. وقد قرر الامام الشاطبي بأن هذا الامر مقطوع به وأنه مستمر في جميع تفاصيل الشريعة (الموافقات ج2 ـ 3).

وهنا لا بد من وقفة لتوضيح بعض اللبس و الإشكال، فقد يتحرج البعض من تقرير مفهوم العلة و الغاية و القصد و يحسب أن هذا يتعارض مع واجب المسلم في التسليم للأوامر مقطوعة عن غاياتها و حكمتها ، فلو كان الدين بالرأي لكان مسح باطن الخفّ أولى بالمسح من ظاهره. و نسارع إلى القول أنّ هذا الكلام صحيح لا يخالف فيه مسلم إذا تعلق الأمر بالعبادة و الشعائر، فالعبادة حق الله على عباده و واجبهم أن يعبدوه بما شرع بلا زيادة و لا نقصان و لا قياس تعبداً و خضوعاً . أما إذا تعلق الأمر بإقامة مصالح الدنيا و معايش الناس فلا بد من اعتبار المعنى و النظر إلى مقاصد التشريع. و قد قرر العلماء أن الأوامر الشرعية التي تتعلق بمصالح الدنيا و التي لا يفهم ارتباطها بالمصالح و المقاصد نادر و لا بد إن وجد من الإقتصار على حدود المنصوص فيه تعبداً بلا تعدية و لا زيادة ( راجع إن شئت ما كتبه الإمام محمد الطاهر ابن عاشور في – مقاصد الشريعة الإسلامية – ص 47 عند كلامه عن تعليل الأحكام و عكسه المسمى بالتعبدي ).
و يتحرج البعض الآخر من إثبات مفهوم العلة و القصد و الغاية من جهة اخرى ، إذ يظن أن في ذلك جراءة على الله تقدح في الإيمان و التسليم . فالله سبحانه و تعالى (لا يسأل عما يفعل) و أحكامه و تشريعاته هي من أفعاله التي لا نسأله فيها : لم ؟ أو لماذا ؟ بل يجب أن نسارع إلى الإلتزام بها فهمت أم لم تفهم . و نجيب على ذلك بما قرره العلماء أن الله تعالى لا يسأل سؤال محاسبة أو استنكار، و لكنه سبحانه يسأل سؤال استفهام و طلب علم و معرفة. و قد وقع مثل هذا السؤال – بهذا المعنى – من ملائكة مقربين و رسل و أنبياء صالحين من دون أية إشارة إلى هجنة السؤال أو اية معاتبة على وقوعه منهم. و قد سبق الوهم إلى هذا المعنى عند بعض العلماء نتيجة تعلقهم بآثار و مخلفات المعارك الكلامية و الجدل بين الفرق الذي استحكم في بعض الفترات حتى أكثر من الغبش و الخلط حول أساسيات الفهم عن الله في أوامره و هديه ( انظر إن شئت ما كتبه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور في تفسير الآية – لا يسأل عما يفعل – في التحرير و التنوير ج17 ص 46 ).

فإذا انتهينا إلى أن البحث في العلة و المقاصد هو الأساس في فهم و توجيه الأوامر الشرعية لتحقيق المصالح و تجنب المفاسد فلا بد من وقفة لتعريف المصلحة الشرعية المعتبرة. وقد عرّف الشيخ العز بن عبد السلام المصالح بأنها اللذات و أسبابها و الأفراح و أسبابها ، و عرّف المفاسد بأنها الآلام و أسبابها و الغموم و أسبابها وهي منقسمة إلى دنيوية وأخروية ( قواعد الأحكام ).
و لإحتمال اختلاط المصلحة المعتبرة شرعاً بالهوى المذموم فقد أكد العلماء أن الشريعة إنما جاءت لإخراج العبد عن داعية هواه حتى يكون عبداً لله ، وأن المصالح المجتلبة و المفاسد المستدفعة إنما تعتبر من حيث تقام الحياة الدنيا للآخرة، لا من حيث أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية أو درء مفاسدها العادية ( راجع إن شئت كتاب المقاصد في الموافقات للشاطبي ).
و قد يزيد تعريف المصلحة الشرعية وضوحاً ما قرره علماء الأصول وفي مقدمتهم الإمام الغزالي والإمام الشاطبي أن أحكام الشريعة و أوامرها تدور حول رعاية و تأصيل و تزكية و حفظ كليات و أساسيات خمسة و هي الدين و النفس و النسل و العقل و المال . فالمصلحة الشرعية المعتبرة هي كل عمل يحقق و يؤصل و يزكي و يحفظ إحدى كليات الشريعة التي تمثل أساسيات الحياة الإنسانية الراشدة .
فمقاصد الشريعة هي ما يزيد الحياة الإنسانية إستقراراً و طيباً و عدلاً و نماءً و تزكية بحفظ عناصرها وإقامة مصالحها ودرء الفساد الواقع أو المتوقع فيها. وبعبارة اخرى فالله تعالى سبحانه يعلم أن حياة الانسان لا تستقر ولا تنمو ولا ترتقي إلا اذا تأصلت فيها عناصر أساسية خمسة تدور حول حفظها ورعايتها وحمايتها أحكام الشريعة وجميع تفصيلاتها.
1-الدين
يمثل الدين العنصر الأساسي في استقرار الحياة الانسانية ونموها وزكاتها. فاستقرار التصور الصحيح عن الكون والإنسان، وبداية الكون وغايته ونهايته، ومركز الانسان في هذا الكون، واستقرار مصدر التلقي للقيم والموازين والشرائع… كل ذلك يعتبر الاساس لاستقرار الحياة الانسانية. ولا مطمع للانسانية في حياة كريمة يسودها العدل والحق والخير إذا ترك الحكم في هذه الامور الهامة للانسان المحدود القاصر الذي تحكمه الميول والرغبات. فالعقيدة في أصولها العامة، ومعرفة الله سبحانه بصفات جلاله وكماله وأصول العبادات، وأصول الاخلاق والقيم… هي الدين.
ولا بد من الاشارة الى أن اقتصار معنى الدين على اسم الملة أو العبادة وحدها أو العقيدة مقطوعة عما تقتضيه من عمل ـ ولو كانت جميعاً من مضمون معنى الدين ـ يحرم المسلم من الفهم المقصدي للاحكام ويوقعه في الشكلية الطقوسية.

2-النفس
تعتبر النفس الإنسانية بعناصرها المادية و المعنوية هي محل الدين و مجال عمله ، و لذلك كان ما يقوم به الجسم الإنساني من متطلبات مادية كالغذاء و اللباس و المسكن و المركب و الدواء و الأمن ، و كذلك كل ما تسمو به النفس من أمور معنوية مثل الكرامة و الشرف الخصوصية ، كان كل ذلك مدار تعليمات الدين و تشريعاته لإستقرار الحياة الإنسانية . فلا تتصور الحياة ممكنة نامية زاكية و الإنسان مهدد في حياته و حاجات حياته الفطرية الطبيعية لا يجد ما يلبيها إلا بشق الأنفس وإهدار الكرامة.

3-النسل
تعتبر متطلبات وشروط النشأة السليمة المستقرة للنسل الإنساني والمتمثلة في نظام الاسرة وقيم ومثل هذا النظام، الهدف والمقصد الشرعي الذي تدور حوله التوجيهات والتشريعات الاجتماعية. فرعاية النسل الانساني وتربيته في أسرة متماسكة مستقرة، وحماية نظام الاسرة من طغيان الانانية الفردية، واعتبار العلاقة الزوجية وعقد الزواج هو الوسيلة الوحيدة –حصراً- لتلبية الدوافع والحاجات الجنسية و حاجة الإنجاب و اتخاذ الذرية عند الرجل والمرأة على حد سواء، واعتبار أي تلبية للحاجات الجنسية خارج إطار العلاقة الزوجية عدواناً على المجتمع بأسره وخطراً يهدد الأمن الاجتماعي بتهديد نظام الاسرة. كل ذلك يمثل وجوهاً من التوجيه الإجتماعي لاستقرار الحياة الإنسانية و استقرار ضوابطها الأخلاقية و القانونية .
ويلحق بحفظ النسل كل ما يتعلق بترتيبات تأصيل نظام الاسرة كالأمر ببر الوالدين وصلة الارحام ورعاية الايتام، وكذلك كل ترتيبات دفع الفساد المتوقع على نظام الاسرة كالامر بغض النظر وستر العورة، وتحريم الخلوة بالأجنبية والامر بالجدِّية و الحشمة في اللهجة وموضوع الكلام عند تخاطب النساء والرجال، وإباحة الطلاق عند تنافر الطباع وتعذر الوفاق.

4-العقل
العقل الإنساني هو مناط الكرامة والتكليف. وحفظ العقل هو حفظ قانون السببية فيه عند التعامل مع الواقع المادي والاجتماعي أو التعامل مع اللغة وقوانين المعاني فيها.
فالانسان مطالب بالفهم لأوامر الله ومطالب بمعرفة ظروفه وما يحيط به من أمور مادية واجتماعية واقتصادية، ومطالب باجراء الموافقة والمطابقة لتنـزيل الامر الإلهي على واقعه. فالتدين بالامر الشرعي هو الفهم للأمر المطلق و تنـزيله في محله المناسب في الواقع و بشكل يحقق مقاصد الأمر المطلق و غاياته ، وهذا الفهم وهذه المطابقة تحكمها قوانين المعرفة التي غرسها الله سبحانه في الفطرة الانسانية. ولا تتصور الحياة الانسانية مستقرة راشدة إلا باستقامة التعامل مع قوانين المعرفة في الفطرة و العقل و الواقع المادي و الإنساني . و لا تتصور الحياة راشدة كذلك إلا بحماية العقل من أي تعطيل مادي بالمسكرات و المخدرات أو من أي تعطيل وظيفي بالتقليد أو بترويج الخرافة أو إهمال النظر في قوانين السببية و التسخير. فتحريم المسكرات والمخدرات، وتحريم السحر والتنجيم والكهانة والعرافة وضرب الرمل وزجر الطير والتطير والفأل و تحريم الإستقسام بالأزلام والأمر بالبعد عن اتباع الظن والامر باتباع الدليل واقتفاء العلم وطلب البرهان والامر بالنظر الى العواقب… كل ذلك هو حفظ لوظيفة العقل بحفظ قوانين المعرفة والسببية فيه وحمايته من الخرافة والأوهام وصيانته عن التعطل بالمسكرات والمخدرات.

5-المال (الثروة)
تعتبر الإمكانيات و الموارد على النطاق الفردي والجماعي القاعدة المادية الضرورية التي تمكن من خدمة و رعاية و تأصيل الكليات الإنسانية الاخرى، ويتمثل مقصد حفظ المال في رعاية و ضبط و حفظ الثروات و كل ما تقوم به الحياة من المنافع و الخدمات و استقرار دوران هذه الخدمات و المنافع في المجتمع . فالأمر بالعمل و التكسب ، و الأمر بتأمين الكفاية الفردية و الجماعية ، و تحريم الإسراف و التبذير و هدر الموارد و تضييع الثروات ، و جميع تدابير استقرار قوانين التبادل للخدمات والسلع و تحريم كل ما يصادمها أو يمزجها بالظلم و الإستغلال و المشقة و العسر، وحماية الدورة الاقتصادية من التعطل بالكنز والاحتكار… وحماية الملكية الفردية من السرقة والغصب والظلم، ومنع الغرر والغش والجهالة المفضية الى النـزاع… والامر بالوفاء بالعقود ورد الأمانات وتحريم الربا… كل ذلك يمثل أمثلة لرعاية الشريعة للقاعدة المادية التي يقوم عليها كيان الأمة و الأفراد .

* * *

وبعد بيان معاني الكليات الشرعية و آفاقها و مجالاتها و التي تمثل مقاصد الأحكام الشرعية ، نذكر بعض القواعد التي تساعد في معرفة الأولويات وتدرج الأحكام في الاهمية عند التعارض والتزاحم، مستفيدين مما قرره الامام الشاطبي في بحثه عن مقاصد الشريعة في كتاب الموافقات.

اعتبار الأولويات عند التعارض و التزاحم
شرع الله سبحانه و تعالى الأوامر و النواهي و هو يعلم طبيعة الإنسان و قصوره و ضعفه فرفع الحرج و العسر عن الدين فلم يأمر إلا بما يتناسب مع فطرة الإنسان و حياته العادية المستقرة . فأصل الشريعة لا ينطوي على عسر و ضيق و مشقة و لابد من الإلتزام بالأوامر و النواهي بحدودها كما جاءت بدون تضييع أو تهاون.
ولكن الحياة لا تجري دائماً على نسق واحد ، فتتدخل العوارض و الأحوال في بعض الاحيان فتجعل في الإلتزام بالأوامر و النواهي حرجاً و ضيقاً و عسراً تتنزه عنه شريعة الرحمة . و عندها – فقط – لا بد من اعتبار الأولويات لإسقاط الأمور التي تضيع بالتزامها مصالح أعلى و معان شرعية اسمى و أولى بالإتباع و الإعتبار و ليس لمعنى يرتبط بالهوى و التهاون و التكاسل .و في هذه الحال يعتير التمسك بالمصالح المرجوحة إثماً و ذنباً يستحق المعاتبة أو العقوبة ( كما أوردنا الأثر عن مسروق في أنه من اضطر فلم يأكل و لم يشرب حتى مات دخل النار ).

الترتيب النسبي لكليات الشريعة
تعتبر أهمية مقاصد الشريعة في حفظ و تأصيل و رعاية الكليات الأساسية للحياة الانسانية حسب الترتيب المذكور. فالدين يأتي في المرتبة الاولى من الاهمية ثم يليه الكلية الشرعية – النفس – بالمعنى و الآفاق المذكورة أعلاه ، ثم كلية (النسل) ثم كلية (العقل) ثم كلية (المال) . ولكن هذا الترتيب الإجمالي لا يكفي فلا بد من إعتبار ترتيب آخر :

الترتيب النسبي للأحكام ضمن الكليات الشرعية
تنقسم الأحكام الشرعية التي شرعت لضبط و رعاية أي عنصر من عناصر الحياة الانسانية الى ثلاث مراتب:
أحكام لحفظ الضروريات.
أحكام لحفظ الحاجيات.
أحكام لحفظ التحسينيات.
فليست كل الأحكام التي شرعت لرعاية أمر من الامور على وزان واحد و أهمية واحدة ، فهناك الأركان و هناك الواجبات و هناك المندوبات و إن كانت جميعها تدور حول رعاية عبادة واحدة مثل الصلاة او الصوم او غيرها . و هذا المعنى مستمر في جميع الأحكام . و قد عقد الإمام الشاطبي فصلاً مطولاً لبيان هذا الترتيب في المسألة الرابعة من النوع الأول من كتاب المقاصد من (الموافقات).
وقد عرّف الإمام الضروريات و الحاجيات و التحسينيات:
فالضروريات هي الامور التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا بحيث اذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على استقامة، بل على فساد وتهارج وفوت حياة وفي الاخرى فوت النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين.
فالامور الضرورية هي التي يعود اختلالها و فقدانها على أصل المصلحة بالالغاء أو الفوات أو الاضطراب البالغ، فالأكل ضروري للحياة و الدواء واللباس و المسكن كذلك . و الضروريات كذلك هي الامور التي قدر الشرع حدّاً معلوماً عند اقتحام ما يناقضها ، أو توعد بالعذاب المهين أو الخلود في الجحيم عند اقتراف ما يلغيها أو يعطلها.
و الحاجيات هي الامور المفتقر اليها من حيث التوسعة على العباد ورفع الضيق المؤدي في الغالب الى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراع دخل على المكلفين الفساد العادي المتوقع في المصالح العامة. وبعبارة اخرى فإن ضابط الأمور الحاجية أن أصل المصلحة لا يزول ولا يلغى عند فقدها ، بل يدخل على النفس مشقة وضيقا ًوحرجاً قد يعود على أصل المصلحة والضروري منها ببعض الخلل والقصور. فبعض الامراض لا تؤدي بالمريض عادة إلى الموت و لكن الألم و الوهن المصاحب للمرض يدخل المشقة و العسر و الحرج على المريض و يدخل الخلل على معنى الحياة.

والتحسينيات معناها الأخذ بما يليق من محاسن العادات وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحات، ويجمع ذلك قسم مكارم الأخلاق. فالنظافة و الطهارة و الجماليات و الكماليات لا يدخل الحرج و المشقة على تاركها ، و لكنها تزيد الحياة جمالاً و حسناً و بهاءً – إلا إذا صار الترك كلياً جماعياً فعندها يرد الحرج و تصبح الحياة عسيرة شاقة.
فالأحكام التي شرعت لحفظ الضروريات مقدمة على أحكام حفظ الحاجيات والتحسينيات في الاهمية والاعتبار . وكذلك تتقدم الاحكام التي شرعت لحفظ الحاجيات على احكام حفظ التحسينيات في الاهمية والاعتبار. فالاحكام الشرعية ضمن كل كلية من مقاصد الشرع تنقسم على ثلاث مراتب من الأهمية: الضروري فالحاجي فالتحسيني.

الأمور الكلية مقدمة على الأمور الجزئية
يختلف وزن الامور باختلاف سعة الدائرة التي تتأثر بها . فحكم أمر يحدث مرة واحدة يختلف عن حكمه إذا صار عادة مستحكمة مستمرة. و كذلك فإن حكم أمر يؤثر على فرد واحد يختلف عن حكم الأمر نفسه إذا عمّ مجتمعاً كاملاً أو جيلاً أو أمّة . فلا بد من النظر إلى معنى الكلية و الجزئية في الأحكام . فالأحكام الكلية تتقدم في الإعتبار على الأحكام الجزئية . و يرتفع وزن الامور الكلية عند مقارنتها مع أمور جزئية و لو كانت في نفس الترتيب من حيث كونها ضرورية أو حاجية أو تحسينية . ولذلك فقد قرر العلماء أن الحاجة العامة تنـزل منـزلة الضرورة الفردية . و قرر الامام الشاطبي أن الأمر الكلي التحسيني يرتقي ليصبح أمراً حاجياً ، و الامر الكلي الحاجي يرتقي ليصبح في مرتبة الضروري.

ترتيب أولويات الأحكام
يمكن أن نعيد صياغة ما تقدم فنقول : هناك ترتيبان متداخلان للاحكام الشرعية: ترتيب الكليات الخمسة فيما بينها (الدين فالنفس فالنسل فالعقل فالمال) و ترتيب الأحكام على ثلاث مراتب (ضرورية فحاجية فتحسينية) ضمن كل كلية شرعية. ولفهم هذا الترتيب المتداخل لأولويات الأحكام الشرعية يمكن صياغته على شكل جدول يرتب الأحكام على خمسة عشرة مرتبة.
1. الضروري في حفظ الدين
2. الضروري في حفظ النفس
3. الضروري في حفظ النسل
4. الضروري في حفظ العقل
5. الضروري في حفظ المال
6. الحاجي في حفظ الدين
7. الحاجي في حفظ النفس
8. الحاجي في حفظ النسل
9. الحاجي في حفظ العقل
10. الحاجي في حفظ المال
11. التحسيني في حفظ الدين
12. التحسيني في حفظ النفس
13. التحسيني في حفظ النسل
14. التحسيني في حفظ العقل
15. التحسيني في حفظ المال
شرح جدول الأولويات
عندما تواجهنا الحياة بمواقف متداخلة و أمور متشابكة ، يصعب تحليل الامور بشكل مباشر إذ يتوزع الإهتمام على طرفي المسألة المتداخلة بين نفي و إثبات.
و الخطوة الاولى في الإستفادة من الجدول تبدأ بمعرفة المصلحة التي يتعلق بها الحكم الشرعي ، فهل تتعلق المسألة بالدين أم بالنفس أم بالنسل أو العقل أو المال. فلكل الامور في الحياة أحكام دينية بمعنى أن الدين له منها موقف و توجه ، وليس بمعنى أن كل ما ورد في الشريعة حكمه فهو من كلية حفظ الدين. فأحكام الطعام و الشراب هي من أحكام حفظ النفس ، و أحكام البيوع و العقود هي من أحكام حفظ المال ، و أحكام و آداب الاسرة و الزواج و الطلاق و النفقة و هي أحكام لحفظ النسل و هكذا.
و الخطوة الثانية هي تحديد مرتبة المصلحة، هل هي من الضروريات أم من الحاجيات أم من التحسينيات . وعند ذلك يمكن أن نلحق المصلحة بمرتبتها على الجدول ثم مقارنتها بما يزاحمها بعد معرفة مرتبة الامر المزاحم كذلك . و النتيجة أننا نقدم المصلحة الأعلى على الجدول و نهمل المصلحة الأدنى، و يكون هذا التقديم أو التأخير هو الحكم الشرعي في المسألة المعروضة على البحث. ونضرب مثلاً مسألة كشف العورة للتداوي .
فمعلوم أن التداوي يندرج تحت كلّية حفظ النفس (فهذا هو البعد الأول)، أما البعد الثاني و قد يكون ذلك ضرورياً إذا كان المرض يؤدي – في الغالب – إلى الموت ، وقد يكون التداوي حاجياً إذا كان المرض يسبب الألم و المشقة و لكنه لا يؤدي – الغالب – إلى الموت. فالتداوي على هذا يمكن أن يأخذ المرتبة رقم 2 أو 7 . أما ستر العورة فهو حكم شرعي يتعلق بكلية حفظ النظام الإجتماعي – حفظ النسل – أو بكلية حفظ النفس في طرفها التحسيني المتعلق بصون كرامة الإنسان بمواراة سوأته ، و على هذا فكشف العورة لا يعدو مسألة إدخال الحرج على النفس ، وتتراوح مرتبته بين حاجي في حفظ النسل ( 8 ) أو تحسيني في حفظ النفس ( 12 ) و النتيجة الواضحة أن الحكم الذي وزنه (7 ) في أدنى الحالات مقدم على الحكم الذي وزنه ( 8 ) في أسوأ الحالات . فلا نتردد في القول أنه يجب التداوي و لا حرج من كشف العورة و لا إثم و لا معاتبة.

والمثال الثاني هو ما نقله الفقهاء من حرمة نبش قبر الميت إلا إذا كان القبر في أرض مغصوبة .
و هنا نجد أن حرمة نبش القبر تتعلق بمعنى تجميلي و تحسيني يتعلق بحفظ كرامة المسلم بعد الموت و ستر ما يصير إليه مما يؤذي و يتعارض مع التكريم و الإحترام . فحرمة نبش القبر لا تعدو أن تكون تحسينياً في حفظ النفس، و مرتبة هذا الحكم (12) . و حق المسلم في الإنتفاع بأرضه هو في منـزلة الحاجي في حفظ المال ، لأن وجود القبر يؤذي صاحب الأرض و يدخل عليه شيئاً من الحرج و المشقة و لا تفوت مصلحة الإنتفاع بالأرض أصلاً ، فمرتبة هذا الحق هي ( 10 ) . و لذلك نقدم الامر ذي المرتبة ( 10 ) على الأمر ذي المرتبة ( 12 ) و نقول إن إيذاء المسلم بأخذ شيء من حقه أشد حرمة و أشد ضرراً من نبش قبر الميت و الذي يقرر العلماء أنه حرام .

والمثال الثالث الإستدانة بقرض ربوي لشراء بيت أو سيارة أو آلة عمل.
و نبدأ القول بأن جميع الأحكام المتعلقة بالمعاملات المالية تندرج تحت الكلية الشرعية – حفظ المال . و المعاملات الفاسدة شرعاً هي عقود مخالفة لضروري في حفظ المال إذا أدت إلى تلف أصل المنفعة أو أصل المال ، أو مخالفة لحاجي في حفظ المال إن أدّت إلى ظلم أو غبن أو حرج و مشقة .
فعند تعين مرتبة التعامل بالمعاملات الفاسدة عند انعدام البديل الحلال أو تعذره (مخالف لضروري في حفظ المال -5 – أو لحاجي في حفظ المال –10-) نقارن هذه المرتبة بمرتبة المنفعة المتحققة من القرض أو الشراء بالمعاملة الفاسدة . فإذا كانت المصلحة أو المنفعة في مرتبة ضروري أو حاجي في حفظ النفس أو النسل أو العقل و كان مقدار الظلم أو الغبن أقل من يذهب أصل المنفعة أو أصل المال ، عرفنا أن في الأمر سعة و رخصة فلا حرج . و إن كانت المصلحة أو المنفعة في مرتبة التحسيني أو الكمالي و التزييني فلا يجوز الإقدام على مخالفة مرتبتها أعلى و أشد من مرتبة المصلحة و المنفعة .
و نظراً لنسبية حال كل فرد في تقدير المصلحة المترتبة أو الضرر الحاصل ، يتعذر إعطاء حكم عام و لا بد لأن يتولى تقدير المصلحة أو المفسدة صاحب العلاقة بنفسه ملاحظاً معنى التقوى و الصدق في التقدير .

وبالعودة الى جميع الامثلة المذكورة في أول البحث ووضع كل مثال في مكانه المناسب على جدول الألويات نجد مطابقة تامة بين الجدول في ترتيبة وبين مدلول الايات والأحاديث.
فإذا استعان الدارس بالتعاريف التي تحدد مرتبة المصلحة على الجدول، واستعان بالامثلة التي اقتبسناها من القران الكريم والاحاديث النبوية الشريفة وبعض فتاوى الفقهاء، امتلك وسيلة ميسورة لمعرفة الأوليات ومعرفة ما يجب اعتباره أو إهماله في كل حال أو وضع من الاوضاع. ولا بد من الاشارة الى أن وضع أي حكم من الأحكام على الجدول لا علاقة له بمنـزلة هذا الحكم-فرض أو مندوب أو مباح أو مكروه أو حرام- لأن الجدول يبين المكان النسبي لمجمل الأحكام عند التعارض واستحالة الجمع، فإذا لم يكن ثمة تعارض فالمسلم مطالب بالاحكام جميعاً مهما تكن مرتبتها.

مهندس وعالم وداعية دمشقي متخصص بفقه المقاصد الشرعية وباحث وكاتب والمقالة مأخوذة عن موقع مجلة الرشاد

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على أولويات الأحكام الشرعية مغلقة

أوضاع الجالية المسلمة في بريطانيا

د. رنا قباني
يعود الفضل في إجبارنا علي الانفتاح علي الآخر إلي القضية التي كانت قد أثيرت في أواخر الثمانينيات من القرن العشرين حول رواية آيات شيطانية للكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي. حتي ذلك الوقت كنا جالية غير مرئية إذا جاز التعبير وإذا ما تسني استخدام مثل هذا الوصف في حق جماعة تبلغ من التنوع ما نبلغه، فلغاتنا متعددة وأصولنا القومية والعرقية متباينة ونتوزع علي كافة الطبقات الاجتماعية والاقتصادية. رغم هذا الاختلاف والتنوع فقد هاجمتنا العقارب العنصرية التي أطلقت من جحورها لتنال منا وتلدغنا دونما تمييز.

وجدنا أنفسنا محصورين بين نوعين من الطغيان، الخميني بما أصدره من حكم بالإعدام علي كاتب (مهما كان خاطئاً أو أحمق)، والفتوي الليبرالية القاسية ضد هويتنا الدينية، والتي أصدرت علينا حكمها التعميمي المحقر دونما تمييز واصفة إيانا بالأجانب والبربريين. لقد أفرزت تلك الأزمة حالة من الاستقطاب بلغت مداها حينما حفزت حتي أولئك الذين اقتصر فهمهم للإسلام وعلاقتهم به علي بعض الأعراف الاجتماعية والعادات العائلية أو الاختيارات الشخصية إلي أن يتحولوا فجأة إلي محاربين في سبيله. في هذا الخضم خلت مواقف الفريقين من أدني مساحة للحنكة. مررنا حينها بظروف مؤلمة ومربكة وأبعد ما تكون عن الشفقة.

إلا أن الأزمات تعلم وتسيس، وقد سيستنا تلك الأزمة وفرضت علينا أن نرتب أوضاعنا. كانت تلك بداية صياغة مصطلح المسلمون البريطانيون ، ذلك المصطلح الذي ولد من رحم عصر الهستيريا الإعلامية التي لم تترك لنا خياراً سوي اللجوء إليه ربما في محاكاة غير مقصودة لمصطلح آخر سبقه وتفوق عليه ألا وهو مصلح اليهود البريطانيون الذي يعبر عن أقلية دينية أخري لا يتجاوز تعدادها ربع تعداد المسلمين، ومع ذلك فقد تمكنت عبر قرن من العمل الجاد والجيد وبفضل ما حققت من ثراء وأنجزت من تضامن من أن تجد لنفسها مكاناً تحت الشمس البريطانية التي لا تكاد تبزغ. لقد تمكنت الجالية اليهودية من أن تحظي بنفوذ ووزن لا يضاهيان وذلك بفضل ما حققته من نفوذ هائل داخل البرلمان وبفضل تواجدها الواضح والمؤثر في الإعلام وفي الأوساط المالية وبفضل ما تملكه من وسائل ضغط سياسية وشعبية.

مقارنة باليهود، كنا معشر المسلمين لا نحسن العلاقات، وكانت مآسينا الناجمة عن استعمار الغرب لبلادنا إما غير معروفة أو لا تحظي باهتمام أحد. وكنا في شقاق مع أنفسنا ومع البلد المضيف لنا، وكنا نفتقر إلي النفوذ سواء السياسي أو الاقتصادي، ولم يكن لنا صوت في وسائل الإعلام التي كان شغلها الشاغل وبشكل يومي تشويه صورتنا، ولم تكن لدينا القدرة علي معرفة كيف نرتقي فوق ما هو شخصي وفردي حتي يتسني لنا خدمة مصالح المجموع الذي غدا جالية مسلمة بريطانية مستقرة وكبيرة الحجم.

كان الاندماج الحقيقي هو العقبة الأكبر والأشق، وكانت اللغة، أو بمعني أصح عدم إتقانها، هو المظهر الأهم لهذه العقبة. ككل المهاجرين الآخرين، اكتسب الجيل الأول مستويات متباينة من إتقان التحدث بالإنكليزية، ولكننا كنا كلما بكينا أو سخطنا نصيح ونلعن بلغاتنا الأصلية، بالأردو أو بالعربية أو بالبنغالية أو بالعفارية أو التركية. كنا ما نزال مواظبين علي قراءة جرائد بلادنا القديمة وكانت الأخبار الواردة من البوسنة أو من العراق أو من كشمير أو من فلسطين تنال منا وتكاد تفتك بنا. وكنا خلال ذلك كله نزداد سخطاً بسبب السياسات البريطانية المعادية لمصالح أمتنا في كل واحدة من هذه القضايا التي كانت تستحوذ علي اهتمامنا نحن معشر المليوني مواطن من مواطنيها. لم يكن الحبل السري الذي ربطنا ببلادنا الأصلية قد انقطع بعد، ومع ذلك فلم نتمكن من العناية به بأنفسنا. كانت الأوضاع في بلادنا الأم دموية وفي غاية الفوضي، ولم يكن ثمة قابلة محلية قادرة علي مساعدتنا في إنجاز هذه الولادة العسرة التي عجزنا وحدنا عن إتمامها.

ما من شك في أن الاندماج يتطلب شارعاً معتني به ومفتوحاً للسير في الاتجاهين لا طريقاً مسدوداً ومجمعاً للنفايات كالذي خصص لنا. فحتي لو كنا في أمس الحاجة إلي الاندماج ـ وكثيرون منا يتوقون لذلك ويريدونه ـ بمعني أن ننحي جانباً كل ما لم يعد ضرورياً وأساسياً من شخصياتنا السابقة، ما كان بإمكاننا إنجاز ذلك دون يد حانية ومرحبة يمدها إلينا شركاؤنا الجدد في المواطنة. ولكن مثل هذه المبادرات الكريمة نادرة جداً، وما قوبلنا به بدلاً من ذلك كان مزيجاً من الحذر والشح والريبة علي المستويين الشعبي والحكومي. تركنا نعاني الآثار النفسية والمادية لمنعزلاتنا إلي أن لوح لنا براية التعددية الثقافية فاستلمناها ولوحنا بها ذات اليمين وذات الشمال طائعين.

وكالعادة، تمتع الأثرياء منا بالحماية، إذ كانت الإقامة الدائمة وما يترتب عليها من اكتساب للجنسية البريطانية لسنوات عديدة تمنح مقابل الاستثمار المالي داخل بريطانيا، وكأنما لسان حال القائمين علي القطاع المالي في البلاد هو: أعطونا أموالكم المكدسة بدلاً من أعطونا جماعاتكم إذا ما أردتم الهجرة بغرض الإقامة بين ظهرانينا.

ولكن حتي بين من كانوا أقل ثراءً، كانت ثمة تباينات واضحة. فالذين جاءوا منا بثقة من مدن راسخة وعريقة مثل دمشق وبومبي واسطنبول ولاهور لم تسرهم الحياة في مانشستر أو في ليفربول أو حتي في لندن، ولكن سريعاً ما تأقلموا مع حياة تلك المدن بما أوتوا من حصافة. أما أولئك الذين قلعوا من مواطنهم في القري الريفية في باكستان أو مصر فلم يتمكنوا من التغلب علي الأعراض الناجمة عن إعادة زرعهم في بيئات غريبة عليهم، فما كان منهم إلا أن وهنوا سريعاً. وتماماً كما حصل مع المزارعين الإنكليز الذين جردتهم الثورة الصناعية من ممتلكاتهم قبل قرن، فقد فقد هؤلاء المسلمون بوصلتهم. ونظراً لأن حياة القرية لم تتوغل في المراكز الحضرية، فقد تقوقعوا علي الذات متمسكين بأفكار دينية ومسلكية ضيقة الأفق رغم أن مثل هذه الأفكار قد تغيرت واستبدلت في الأرياف التي جاءوا يوماً منها وتركوها وراءهم.

في مثل هذه الظروف لا مفر من حدوث صدام حاد بين الأجيال، وخاصة بعد أن أنجب جيل الآباء ذرية لا تفهم ـ ولا تريد أن تفهم ـ اللغة التي ينطق بها الآباء سواء في صياغاتها الحرفية أو بمعانيها التشبيهية. وسبب ذلك هو تدخل بريطانيا الحديثة ـ بمدارسها ولغات شوارعها وأنماط معايشها ـ بين الجيلين، بين الأب وابنه وبشكل أكثر خطورة بين الأب وابنته. ثم ما لبثت هذه المتدخلة أن انسحبت تاركة إياهم في حالة من الضياع والريبة والغضب.

خلق هذا الوضع من الانفصام، في القطاعين الخاص والعام، بيئة خام وفراغاً لم يكن مستغرباً أن تستغله المؤسسة الدينية المنظمة (الممولة من الخارج بمباركة أمريكية ومن جيوب أكثر العناصر تخلفاً في الباكستان والخليج) لتستقطب التائهين من أبناء المسلمين في بريطانيا.
ففي غياب وسط جماعي يستقطبهم، أو مؤسسات علمانية تجتذبهم، أو أموال تنفق علي تحسين أوضاعهم المعيشية أو توفر لهم فرصاً تدريبية تؤهلهم أو مهناً كريمة يسترزقون منها، تدفق الشباب المسلم ـ ، وقد خلا الأفق أمامهم من أي بارقة أمل بمستقبل مطمئن ـ علي المسجد الذي فتح أبوابه مشرعة ليستقبلهم ثم ليستوعبهم تاركاً أولياء أمورهم في حيرة من أمرهم نظراً لأن هذا التحول كان في كثير من الأحيان يأتي مفاجئاً وبلا مقدمات.

ونتيجة لسياسة عدم تدخل الدولة التي تنتهج في بريطانيا، والتي تترجم عملياً في صورة إهمال مريع، ونظراً لأن الحركات الإسلامية السرية نشطة جداً في ملء هذا الفراغ، فإن نوعاً من الانعزال الآلي حل محل أي أمل في تحقيق اندماج طبيعي للكثير من أبناء الجيل الثاني والثالث من مسلمي بريطانيا الذين ارتكب في حقهم من الخطايا أكثير بكثير مما وقعوا فيه هم أنفسهم من خطايا. وكانت العواقب الكارثية لذلك أن انتهي المطاف بعدد ممن يحملون جوازات السفر البريطانية من المسلمين أن يحتجزوا في أقفاص معتقل غوانتانامو بي (في كوبا). بقدر ما هو صعب أن يقال (وأقوله وقلبي يعصره الأسي والحزن) وبقدر ما هو مؤلم أن يسمع، فإن علينا أن نصرح بأن بريطانيا خذلت مسلميها، والتاريخ وحده سيحكم إن كان هذا الخذلان مقصوداً أم غير مقصود.

بعد أن أمضيت في بريطانيا زهاء العشرين عاماً، أناضل في سبيل موقع ولو نصف محترم كإمرأة متعلمة ومتجنسة، أي كمسلمة بريطانية، وصلت إلي قناعة بأن فشل هذا البلد في التعامل مع جاليتي المسلمة كان وسيبقي فشلاً في الإرادة وفي التصور هو انعكاس لفشل هذه البلاد في أن تعيد ترتيب أوضاعها علي نحو أقل أنانية بعد أن أفلت عنها الشمس ولم تعد امبراطورية كونية يحسب لها كل حساب.

من المثير للانتباه أن أشكال التمييز الاجتماعي التي صيغت في المستعمرات جلبت إلي عقر دار المستعمر وسخرت بطريقة شريرة ضد الأغلبية البيضاء في بريطانيا ـ والتي تمثل ذوي الدخل المحدود والفقراء ـ وليس فقط ضد الأقليات الملونة التي تمثل ظاهرة نجمت بدورها عن السياسة الاستعمارية الخرقاء. فما يزال نظام التعليم القائم علي الفصل العنصري هو المعمول به اليوم في بريطانيا تماماً كما كان عليه الوضع حينما عممت المدارس الحكومية لتستجيب لاحتياجات الإدارة (والنخب المحلية الموالية لها) في مد الأساطيل الاستعمارية بما تحتاجه من الرجال حتي تظل سيدة البحار.

حينما زرت شمال إنكلترا لأول مرة لدراسة أوضاع المسلمين هناك ـ وقد أهملوا وألقي بهم كما يلقي بالنفايات تماماً كما لو كانوا مخلفات صناعية بعد أن تبخرت وظائفهم إثر إغلاق المصانع ـ أذهلني أن أري الفقراء من البريطانيين البيض الذين أضحوا هم الآخرين نفايات بشرية بعد أن أفــــقروا وأعدمــــوا من ممتلكاتهم وأصبحوا بلا فائدة، تكتظ بهـــــم الأحياء الداخلية للمدن وضواحيها علـــي حــــد سواء، وقد بتروا بلا رحمة من خارطة بريطانيا الحديثة تماماً كما هو حال معظم الآسيويين والأفارقة البريطانيين.

لقد رأت بريطانيا أن من المناسب أن تتحول إلي بلد يملكه الأغنياء حصراً، ناكرة جميل طبقتها العمالية التي عفا عليها الدهر ومحقرة لها (مع العلم أن مصطلح الطبقة العمالية لم يعد له قيمة ولا احترام بفضل الخصخصة وصناعة الخدمات والمناورات السياسية التي تمارسها الحكومة)، فأقدمت بقدر كبير من اللامبالاة علي إزالة صمامات الأمان التي كانت يوماً قد وفرتها لحماية هؤلاء العمال، السود والبيض منهم والمسلمين والمسيحيين علي حد سواء، متظاهرة في نفس الوقت بمنحهم وذراريهم رعاية صحية أقرب ما تكون إلي المرض منها إلي الصحة وخدمات تعليمية بدائية وقاصرة عن الوفاء باحتياجاتهم. أي أن بريطانيا باختصار سلكت مع العمال ما يمكن أن يتوهم في الظاهر بأنه الوداد بينما كان سلوكها في الحقيقة هو نفسه الفساد، لا تشذ في ذلك عن الأنظمة البائسة في الأقطار النامية من العالم الثالث حيث كانت بريطانيا حتي عهد قريب المستعمر والسيد المطاع.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على أوضاع الجالية المسلمة في بريطانيا مغلقة

قبل السير قف لحظة… فهل تعرف الطريق

قبل السير قف لحظة …. فهل تعرف الطريق ؟؟
هل تزودت قبل أن تمضي …

أول الطريق إصلاح النفس ، وهذه أنوار للسالك يستعين بها في الدرب الطويل ، ولا تظنن أنها كلمات مجردة فوراءها من التجارب مالا يدركه غير المجرب ….
فاتعب لها كي لا تعود من حيث بدأت … فالسير طويل ….

القسم الأول:
– إن أقواماً غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء فلا يغلبن جهل غيرك بك علمك بنفسك
– لا يزال العبد بخير ما علم الذي يفسد عليه عمله
– ما استودع في غيب السرائر ظهر في شهادة الظواهر
– اجتهادك في ما ضمن لك وتقصيرك فما طلب منك دليل على انطماس بصيرتك
– قال الشافعي : (كلما ازددت علماً ازددت معرفة بجهلي ) ذلك حال العلماء والجاهل يقعد على عرش العجب والتكبر فما يصله من الخير والعلم شيء .. وإنما هو مغرور يتوهم
– ما أعزت العباد نفسها بمثل طاعة الله ولا أهانت نفسها بمثل معصية الله
– فقه اللسان بلا عمل القلب لا يخطيك إلى الحق خطوة السير سير القلب
– لا تعامل من عصى الله فيك إلا بأن تطيع الله فيه
– طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب
– فاستقم كما أمرت والإستثناء لا يقلد
– بصر العينين من الدنيا وبصر القلب من الآخرة وإن الرجل ليبصر بعينيه فلا ينتفع ببصره فإذا أبصر بالقلب انتفع
– لا تذهب نور قلبك وتطمس بصيرتك بظلمة المعصية
– لا يخالف قولك فعلك ولا فعلك نيتك ولا تخالف نيتك ما يرضاه الله تعالى أبداً
– الغرور قاصم والعجب مهلك والرياء شرك
– نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل
– معصية أورثت ذلاً و استصغاراً خير من طاعة أورثت عجباً واستكباراً
– هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لحفظهم
– إن من علامة المنافق أن يفرح إذا سمع بعيب أحد من أقرانه
– اغتراف اللسان يذيقك طعم القلب
– ابتعد عن الفتنه بالتقوى عند الغضب الهاجم
– التفت إلي عيب نفسك فإن في النفس لشغلاً عن الناس ومن علامة الاستدراج للعبد عماه عن عيبه واهتمامه بعيوب الناس
– ما أحسب أحداً تفرغ لعيب الناس إلا من غفلة غفلها عن نفسه
– مجالس الإيمان تزيل قسوة القلب
– إياك وإتباع الهوى وانظر ماذا خالط قلبك
– المحبوس من حُبس قلبه عن ربه و المأسور من أسره هواه
– حب الظهور كم قصم الظهور

القسم الثاني:

– من لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة
– فاقد الشيء لا يعطيه
– إنما يقع كلامك في القلوب بمقدار موقعه من قلبك
– من لم ينتفع بلحظك لم ينتفع بلفظك
-طالب الوديعة خائن
– رأس مالنا الوقت فاحرصوا عليه
– دقائق الليل غالية فلا ترخصوها بالغفلة
– إنما يعين القائد همم الرجال من حوله
– الفترة بعد المجاهدة من فساد الابتداء
– الجندية طريق القيادة
– خير لك أن تكون ذنباً في الحق من أن تكون رأساً في الباطل
– احذروا مصارع العقول عند التهاب الشهوات
– نفس تنجيها خير من إمارة لا تحصيها
– غرور الفقيه يمنع تأميره ولا ينصحك من خان نفسه
– الساكت عن الحق شيطان أخرس
– رب كلمة حق أريد بها باطل
– الناس يمدحونك لما يظنونه فيك فكن ذاماً لها لما تعلمه منها فإن الأحمق من ترك يقين ما عنده لظن ما عند الناس
– لا تهربوا من خشونة كلامي فما رباني إلا الخشن في دين الله عز وجل
– يدخل الشيطان على قلب أحدكم بسبعين باباً من الخير كي يدخل معه بابأ من الشر
– إذا أجاب العالم تقية والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق
– نجوى الجيوب ضلالة ويد الله مع الجماعة وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية
– إن أمراً رؤساءه أهل باطل لأمر سوء
– اللهم إنا نعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة
– الاجتهاد لا ينمو في الجيوب و ( ما انتجى قوم دون جماعتهم إلا كانوا على تأسيس ضلالة )
– المؤمن قليل الكلام كثير العمل والمنافق كثير الكلام قليل العمل
– إياك ومساجد الضرار
– بداية الفتنة تأويل
– لا خير في طاعة هاوية
– لا يحمل الرجل في الكتيبة إلا بإذن أميره
– العلم بحر إن أعطيته كلك أعطاك بعضه فإن أعطيته بعضك لم يعطك شيء
– من يقاتل العدو إذا اعتزلتم
– علق تضحيتك على أمر قيادتك
– (ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أتوا الجدل)
– لا تعن بلسانك على سفك دم الدعوة

القسم الثالث:
-أول الطريق سهل ثم يأتي الحزن ؛ في البداية إنفاق الوقت والسرور وفي التوسط إنفاق النفس وفي النهاية بذل ليس فوقه بذل حتى تلقى الله
– أول الطريق بذل الروح وإلا فلا تشتغل بترهات
– المحنة منحة من الله ألبسها ثوب المحنة لكي لا نحسد عليها
– الزمن جزء من العلاج ولكنكم قوم تستعجلون
– الانتقاء يقي المصارع وصعود الثقات رأس الوقاية
– لا نفصل بين الإدارة و التربية
– الناس كإبل مائة لا تجد فيها راحلة
– لا يغرنك من الرجل لسانه ورفع وخفض رأسه في المسجد
– ركز جهودك على مصنع الثقات
– التطوير ينطلق من المعاناة
– سعة التجميع تتناسب مع طاقة التربية
– التوسع موزون والانتشار متأني
– نريد التركيز لا التكاثر وقد ألهاكم التكاثر بالأمس فاتزنوا
– المركز ثابت والانسياب موزون
– اختلاف المنطق ينفي اللقاء
– إن ما تكرهون في الجماعة خير لكم مما تحبون في الفرقة
– أنت لله ودعوته وليس لك من نفسك شيء
– ليس الزمان زمان حفظ الطريقة ، الزمان زمان حفظ الإيمان ، وكثيرون يدخلون الجنة دون طريقة ، ولكن لا أحد يدخل الجنة دون إيمان.
– أقيموا دولة الإسلام في صدوركم تقم في أرضكم
– العمل الساذج يعالج ببث الوعي وطول الأمل يقصر بذكر الموت وظلام العوائق يبدد بأنوار الفطنة

القسم الرابع:
– اعرف الحق تعرف أهله
– من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف
– من صحت بدايته صحت نهايته ومن فسدت بدايته فالهلاك مآله
– إن من تفرس في نفسه وعرفها صحت له الفراسة في غيره وأحكمها
– إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونات النفس
– إهمال ساعة يفسد رياضة سنة
– من فقه الرجل إقباله على حاجته حتى يقبل على صلاته (وأمور دينه ودعوته) وقلبه فارغ
– رب حامل فقه لمن هو أفقه منه
– عزلة الزهاد مفضولة
– لا تستكثر عملك وتستقل عمل غيرك
– من سامى بنفسه فوق ما يساوي رده الله تعالى إلى قيمته
– إن من علامة المنافق أن يحب المدح بما ليس فيه ويكره الذم بما فيه ويبغض من يبصره عيوبه
– ما رأينا الزهد في شيء أقل منه في الرئاسة
– آخر شهوة تخرج من القلب حب الرئاسة ومن عشقها فقد تُودع من صلاحه
– إذا تصدر الحدث فاته علم كثير
– أنوار الفطنة تبدد ظلمات الفتنة
– لا تظلم نفسك باختيار الظلام
– لا يكون الرجل تقياً حتى يكون تقي المطعم تقي الغضب
– كن مثل عمر ( لسب بالخب ولا الخب يخدعني ) ولا تكن ساذجاً

القسم الخامس:
– الأخوة ركيزة دعوتنا وقلوبنا كقلب واحد
– ابتسامة الأخوة مفتاح الأنوار وتبسمك في وجه أخيك صدقة
– لا تعاتب بين الأخوة بل تراحم وتغافر
– اتخذ صاحباً أميناً يحصي عليك وخذ بيده فأمنا ساعة
– الحر من راعى وداد لحظة أو انتمى لمن أفاده لفظة
– نزن الناس بحسناتهم وسيئاتهم ولا نعتدي
– نحاسب بالحسنى ولا نفضح فالصادق ينصح والفاجر يفضح
– من طلب أخاً بغير عيب بقي بغير إخوة
– من غلب فضله على نقصه وهب قليل نقصه لكثير فضله

مفاهيم شاملة:
– قال تعالى : (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك )
– قال عليه الصلاة والسلام:
– (إنما الأعمال بالنيات )
– (الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله لأئمة المسلمين وعامتهم)
– (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
– (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)
– (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)
– (من أراد منكم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد )
– عجبت لمن يقرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقرآته
– أنزل القرآن ليعمل به فاتخذ الناس تلاوته عملاً
– (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا…)
– (وماأرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً ولكن أكثر الناس لا يعلمون)

فامض يا أخي معنا وكن من أحبتنا السالكين درب الدعوة الطويل
أحباب ديني أخـوتي في ليلنا كالشمـعة
تبـكي وتحرق نفسها في لهفة للدعـوة
بـنودهـا ولهيبهـا أمحو ظلام الغـربة
والعين تعكس ما ترى بعد الأسى بمـودة
ابكي دمـاً من أعين لما تكن في ذلـة
ويفيض قلبي حسرة وتحـرقاً للأمـة
من أين تأتي رقـتـي يا أخوتي في ليلتي
بعـيـن قلبي لا أرى إلا دموع أحـبتي

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين…

كُتب في المناهج | التعليقات على قبل السير قف لحظة… فهل تعرف الطريق مغلقة

التوبة من الذنوب الجماعية : بداية الطريق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله حمد الشاكرين ، والصلاة والسلام على المعلم الهادي محمد وعلى آله وصحبه

يتوب الكثيرون من الذنوب الفردية ، ولكن التوبة من الذنوب الجماعية أضعف بكثير وقد لايحصل أصلاً ؛ ربما لأن له مقدمات طويلة لايفطن لها أكثر الناس ، مع أن الأمر والتكليف الشرعي في القرآن الكريم إنما هو في أكثره جماعي ابتداءً من (إياك نعبد وإياك نستعين)[1] ، وقد لاحظت في بعض البلاد أنه كلما أحاطت بالأمة نكبة أو مصيبة ؛ كثرت حلقات قراءة كتب أشراط الساعة! صحيحها وسقيمها ؛ حتى يكاد أولئك الإخوة الطيبون يمهدون لأنفسهم وللأمة الاستسلام لكل محنة آتية ، فكل منها لها مع إحدى علامات الساعة نسب! وترى العمل السنني والتكليف الشرعي حتى الفردي يكاد يخبو ، وكأن تلك القراءة هي البديل عن العمل العنيد المستمر لرفع إيمانيات الأمة وتقدمها إلى الريادة والفلاح.

ضياع الأندلس[2] له في قلوب المسلمين لوعة وأسى ، ولم يخرج منه المسلمون حتى اليوم بدرس عميق أوعبرة ، حتى صار في عالم المسلمين اليوم مائة أندلس تضيع وبقي التباكي عند أهل الغيرة هو المألوف والفعل والذكرى.
وفيما يلي إشارات ومعان تدندن حول الأمر وتبحث عن بعض منافذ النجاة.

الإشارة الأولى :الإدمان ممنوع:
أما المتبلدون (الذين نسأل الله لنا ولهم العافية) فليس لنا معهم الآن حديث! وإنما يهمنا صاحب الغيرة الذي يحترق قلبه على الأمة فلا يجد سبيلاً غير أن يتابع أخبار المسلمين هنا وهناك ولايترك فضائية إلا وتسمرت عيناه على ماتبثه ، وقلبه يكاد ينفطر على حال المسلمين!
إن فقه الفضائيات فيه خطر كبير ومنافع للناس ، وخطره أكبر من نفعه إلا لمرتاض حاذق متوازن! ومنا من يتابع أخبار الشر في الأرض دون منهج سليم ، فيؤدي ذلك إلى هبوط المعنويات ؛ بل ربما التهيؤ النفسي لقبول كل أنواع الضعف في الأمة.
وهذه الأمة وجدت لتبقى ، ورغم كل مايحيط بنا فقد قررنا أن نبقى كما قال الأستاذ الغزالي رحمه الله يوماً، ولكن الحالة الإيمانية التي هي مناط الثبات عرضة للزيادة والنقصان.
ونجد في فترة مبكرة وخطوة استباقية منهجاً رائداً لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه في التعامل مع الشر، وهو منهج راشد وينبغي أن يتجمل به دعاة الإيمان في كل أرض! وفي الصحيحين أنه قال : كان الناس يسألون النبي صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني! فقلت: يارسول الله ، إنا كنا في جاهلية وشرٍ ، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير شرٌ؟ قال صلى الله عليه وسلم نعم فقلتُ له: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: صلى الله عليه وسلم نعم ، وفيه دَخَنٌ ، قلتُ : ومادَخَنُهُ؟ قال: صلى الله عليه وسلم قومٌ يستنون بغير سُنتي ويهتدونَ بغير هديي ، تَعرفُ منهم وتنكر فقلت: هل بعد ذلك الخيرِ من شرٍ؟ قال: صلى الله عليه وسلم نعم ، دعاة على أبواب جهنمَ ؛ من أجابهم إليها قذفوه فيها ، فقلت: يارسول الله ، صفهم لنا ، قال: صلى الله عليه وسلم نعم ، هم قومٌ من جِلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت: يارسول الله ، ماترى إن أدركني ذلك؟ قال: صلى الله عليه وسلمتلزم جماعة المسلمين وإمامهم فقلتُ: فإن لم يكن لهم جماعةٌ ولا إمام؟ قال: صلى الله عليه وسلم تعتزلُ تلكَ الفرقَ كلها، ولو أن تعض على أصل شجرةٍ ، حتى يُدرِكَكَ الموتُ وأنت على ذلك[3].

إن فقهنا للشر لضعيف ، ومبادرة حذيفة تبحث عن صاحب يرفع رايتها من بعده عالياً فيراها المؤمنون فيتحلقون حولها يحيون فقهاً كاد يضيع!
وأول القصة رواه حذيفة رضي الله عنه فقال: صلى الله عليه وسلم تعلم أصحابي الخير ، وتعلمت الشر[4]، لذا كان أعلم الناس بالمنافقين والأقدر على صد مكرهم وكشف نفاقهم.
ثم جاء تفريع على كلامه بأن الإدمان مرفوض حتى في العبادة! فكيف بفضول الأمور، فعاتب المتكلم أصحابٌ له فأرشدهم إلى حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أقول: والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت ؛ فقلت له: قد قلتهُ بأبي أنت وأمي ، قال: صلى الله عليه وسلم فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر قلت: إني أطيق أفضل من ذلك! قال: صلى الله عليه وسلمفصم يوما وأفطر يومين قلت: إني أطيق أفضل من ذلك، قال: صلى الله عليه وسلم فصم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام فقلت: إني أطيق أفضل من ذلك؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا أفضل من ذلك[5]. قال ابن حجر: ومقتضاه أن تكون الزيادة على ذلك مفضولة! وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم:لاصام من صام الأبد مرتين[6]. وأهل الخبرة يعلمون أنه ماخرج أحد عن التوازن الشرعي مهما ظن أنه يفعل من الطاعات إلا كان ذلك على حساب جانب آخر من دينه ، فما بالك بمن يدمن بعض الأمور حتى ليظن العافية فيها ، وربما أوهمته بأنها عين ما ينتصر الإنسان فيه للحق ، وماثمة إلا وهم ، فإن العمل شيء والأمنية غيره ، وقد كثر في الأمة شيب وشباب يحبون الإسلام ويجتمعون من أجله فيرمي كل منهم إلى جلسائه بما سمع من الأخبار وتكون زفرة كل واحد منهم أطول من أختها ثم ينصرفون ولم يتفقوا على شيء من الخير يتواصون به ، أوعمل يفعلونه للأمة أو حتى لأنفسهم ؛ بل تزداد صدورهم ضيقاً بما أتحفهم به إخوانهم من أخبار مصائبَ فاتهم علمها ومحن غاب عنهم هولها ، وصار الأمر مثل جلسات المدمنين ، ولكن على أخبارٍ الكذب فيها أكثر من الصدق ، وتبادلِ همومٍ ، والقليلُ منهم من ينتصب بين إخوانه منذراً ، يُعلمهم أن كثرة إلقاء اللوم على الأعداء فيه حيلة لطيفة للنفس تستريح فيها من آلام التأنيب ، وتلقي بالمسؤولية على المفسدين في الأرض ، ويخبرهم بأن هذا ربما غيَّبَ عنهم حقيقة أوردها الكتاب المبين قل هو من عند أنفسكم[7].

ولما قال أحدهم لأخيه مستنكراً: خبرني بربك ماذا يمكن لأحدنا أن يفعل غير اجترار الأحاديث ، ونقل الأخبار ، والتحسر على الأحوال؟ تصدى له فقيه نفس يذكره بكلام ابن عطاء الله : (اجتهادك فيما ضُمن لك وتقصيرك فيما طُلِبَ منكَ دليلُ انطماس بصيرتك) ففغر المستنكر فاه ثم تدارك قائلاً: ألا ترى من حولنا من أمم الأرض كيف اجتمعوا علينا ، وما منا أحد بقادر على فعل شيء!

فرد أخوه : وهل علاج ذلك الغرق في اليأس أم الفورة في المشاعر أم البحث عن سبل النجاة التي أضعنا منها الكثير.
يجب أن نعلم أن التقصير في الفرائض الجماعية جد خطير، وأن من مقدمات تدارك ذلك أن نتقن فقه الجماعة ( لا ببعد حزبي ضيق ) بل بما يصلنا ثانية بحضارية الإسلام ومنهجيته العالمية ، فينطلق الفرد من خلالها وينبذ التقوقع الذي صار عادة وطبعاً ، ويدرك خطورة إدمان المناهج الضيقة والمرور من ثقوب الإبر، وأن التكافل والعدل والشورى والإتقان والدقة والتراحم بل حتى التواضع والحفاظ على البيئة وسلامة الحياة وبذل الخير لكل الناس إنما هي فروض إيمانية حضارية تلزم الجماعة ، وكون غيرنا يدندن عليها لا ينزع عنها قيمتها الشرعية ، إن ديننا يعلمنا أن الله غفر لبغي سقت كلباً شربة ماء[8] ، وأن الله أدخل رجلاً الجنة في غصن شوك رفعه عن الطريق كي لا يؤذي الناس[9] ، وأن رجلاً أشفق من ذبح شاة فقال عليه الصلاة والسلام : والشاة إن رحمتها رحمك الله[10].
إن الإدمان الذي نفعله يسبب تحجيم الكثير من الأمور وقلب التوازنات الإيمانية وتكبير الصغير وتهوين الخطير ، والسطحية بل البدائية ومن ثم تقزيم الحركة والمنهج والفكرة والتفريغ المخيف لكل معاني البناء والاستمرار.
ولابد حتى تستعيد ساحتنا الداخلية توازناتها من تجاوز سلبياتنا التي يظن البعض في بعضها فضائلاً ، ولابد من أفق إيماني أعلى وأرحب نطل منه على الدنيا ونملأ منه يديها خيراً وبركة وعملاً صالحاً.

الإشارة الثانية : كن صاحب فعل لا تابعاً لغيرك:
مما تعلمناه من الحكماء أن الشيطان يدخل إلى قلب الإنسان بمئة باب من الخير كي يُدخل معه باباً واحداً من الشر؟
ويا أيها المسلم إنما أنت ظبي سابقٌ ، فلماذا تطيل الالتفات؟
وعجيب هو مكر الخصوم ، ولكن الأعجب منه سذاجة أهل الحق ، وانخداعهم ببعض حيل المبطلين ، ومن أمثلة ذلك منكرات جرت في بعض بلاد العرب منذ فترة قريبة ، وأشغلت الناس ، وكان محورها مسابقة لنجم الطرب الذي ليس معه نجم! فتبارى أهل الغفلة في الترويج لذلك وهم أهل لذلك (ردهم الله إليه) ولكن عجبي لم ينقضِ من أهل علم زادوا اشتغال الناس بالموضوع وملئوا خطبهم ودروسهم ومجالسهم بذلك حتى أوصلوا العلم بذلك إلى من لم يكن يعلم ، وليتهم إشاروا إلى ذلك إشارة عابرة ، وليتهم بنوا الحق بدل أن يتحدثوا عن الباطل ، وتذكرت ما أورده ابن القيم رحمه الله في مدارجه فقال : (ولما كان طالب الصراط المستقيم طالبَ أمر أكثر الناس ناكبون عنه ، مريداً لسلوك طريقٍ مرافقهُ فيها في غاية القلة والعزة ، والنفوس مجبولة على وحشة التفرد ، وعلى الأنس بالرفيق ، نبه الله سبحانه على الرفيق في هذا الطريق ، وأنهم هم الذين (أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)[11] فأضاف الصراط إلى الرفيق السالكين له ، وهم الذين أنعم الله عليهم ، ليزول عن الطالب للهداية وسلوك الصراط وحشة تفرده عن أهل زمانه وبني جنسه ، وليعلم أن رفيقه في هذا الصراط : هم الذين أنعم الله عليهم ، فلا يكترث بمخالفة الناكبين عنه له ، فإنهم هم الأقلون قدراً ، وإن كانوا الأكثرين عدداً ، كما قال بعض السلف : (عليك بطريق الحق ، ولا تستوحش لقلة السالكين ، وإياك وطريق الباطل ، ولاتغتر بكثرة الهالكين) وكلما استوحشت في تفردك فانظر إلى الرفيق السابق ، واحرص على اللحاق بهم ، وغض الطرف عمن سواهم ، فإنهم لن يغنوا عنك من الله شيئاً ، وإذا صاحوا بك في طريق سيرك ، فلا تلتفت إليهم ، فإنك متى التفت إليهم أخذوك وعاقوك)[12]، ثم ذكر مثالاً عن ذلك أن الظبي أشد سعياً من الكلب ، ولكنه إذا أحس به التفت إليه فيضعف سعيه ، فيدركه الكلب فيأخذه.

فمتى يا أبناء الإسلام وبناته الأطهار سنبني إذا كنا لن نشتغل إلا بما يوضع لنا لنشتغل به ، ومتى نخرج من رد الفعل فنكون السابقين إلى إعادة الفطرة إلى النفوس ، ومتى سنوقظ في الناس حب الإيمان وجمال الدين ، بدل أن يكون محور حركتنا الحديث عن عمل المفسدين ، وكما هم أرادوا لا كما نحن نريد.

إن من الخطر الشديد أن نفكر كما يفرض علينا رد الفعل أن نتصرف أو أن نسير في الطريق الذي رُسِمَ لنا وأن تتغير بعض أخلاقنا لأن عدونا هو الذي يختار ويفرض أسلوب المعركة والتوقيت ، ولعلنا نلاحظ أنه كان في بعض الأوقات هجوم شديد على الإسلام جعل بعض أبنائه يحاولون إظهاره للناس إمعة يسير كيفما تريد المصالح الدولية أن يسير، وأن يقلِّموا منه كل شوكة وسبب قوة ، ولكن من الخطير أيضاً (ولنقل بصراحة) أن يفرض علينا أعدائنا أخلاقهم الحربية فيظهر في الأمة من يظن (ولو مجرد ظن) أن الإسلام لا يرتوي ظمؤه من شرب الدماء , وأن قتل الأبرياء فيه مباح! فمتى سيحمل المسلمون أمام أهل الأرض جميعاً دينهم كما أراده الله ، جامعاً لكل إيمان وقوة ورحمة وطاعة واستقامة ، جهاداً وحضارة ، ومدنية واستقراراً.
متى سنزرع في قلوب الناس نداوة التوحيد ولذة الطاعة والشوق إلى الجنان بدل أن نكون ممن يؤجج النيران.

إن النزوات لاتأتي بفائدة ومكر الماكرين لا يعادله إلا سذاجة العجولين الغضاب ، والذين إن رزق بعضهم كثيراً من الإخلاص ، إلا أنهم أربكوا الأمة بقلة الصواب.
حزنت لما أخبرني ثقة أن مسئولا في أحد المساجد أخبره طلابه من الشباب أن من رفاقهم في الحي والمدرسة من يدخل إلى المواقع الإباحية في الانترنيت ، فغار صاحبنا على الخلق الكريم وأمر تلامذته فجمعوا له أسماء تلك المواقع! ثم كتبها على لوح كبير في المسجد! محذرأ أهل الأيمان من دخولها!! فقلت: ماذا؟ قال: نعم … وقد حضر بعدها شباب كثر! فقلت: ليطلبوا العلم؟ قال: لا بل لينقلوا أسماء المواقع التي كتبها الشيخ!

هذا مثال مفهوم للكل ولكن أمثلة أخرى قد تضيع فيها أمة بكاملها تحتاج إلى بصر شديد وفي فهمكم كفاية .(اللهم غفرانك).

الإشارة الثالثة : إملأ رصيدك من الخيرواحذر الاستنزاف:
عند كل منا رصيد من الإيمان والعلم والتجربة والثقافة ، وهذا الرصيد عرضة للزيادة والنقصان ، ومن خلاله نتعامل مع الأمور التي تحيط بنا ولن أتحدث عن ضرورة زيادة رصيدنا كجانب معرفي وثقافي فقد كتب في ذلك الكثير.
إشارتي هنا إلى أكبر معيق عن كل أنواع الصالحات ، وقد أظهر وأبان ذلك حديث أنس رضي الله عنه إذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ثلاث مهلكات ، وثلاث منجيات ؛ فالمهلكات : شُحٌّ مطاعُ ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، والمنجياتُ : تقوى الله تعالى في السر والعلانية ، والعدلُ في الغضب والرضا ، والقصدُ في الفقر والغنى)[13].
إن حركة الحياة كلها من الذرات الى المجرات أساسها محور تدور حوله ، ومرجع نسبي منه تستمد ، ولا فاعل حقيقة إلا الله تعالى ومنه المدد الحق ، وإتباع الهوى يخرج الإنسان من حركته المتناسقة المنتظمة المدهشة ، يظن نفسه محوراً صالحاً وهو محور صدٍ عن الاستجابة والهداية (فإن لم يستجيبوا لكَ فاعلم أنَّما يتبعونَ أهواءهُم ومَن أضلُّ مَِّمنِ اتَّبَعَ هواهُ بغيرِ هُدىً منَ اللهِ إنَّ اللهَ لا يهدي القومَ الظالمين)[14].
كثير من المحن التي مرت بها الأمة سببها الأول إتباع الهوى ، الذي لايرى صاحبه معه شيئاً غيره فيصل إلى مرحلة تأليه نفسه (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا)[15].

إن من الذنوب الجماعية حقاً أن ينتشر إتباع الهوى في الأمة ثم لا يكون التصدي له بمقدار الخطر المنبعث منه ، ولقد تكلم كثير من الأفاضل عنه ولكننا لم نحسن ربطه جيداً حتى الآن بالعواقب المدمرة الناشئة عنه ، لأن المحور الفردي هو الأساس في ثقافتنا رغم كل المفردات الكثيرة التي نتحدث فيها عن الجماعة والأمة ، ومن الحكمة الظاهرة ما ذكره الدكتور عبد الكريم بكار في أحد كتبه من أن الفرد في المجتمعات الضعيفة يبحث عن نفسه كيلا يضيع وفي المجتمعات القوية يبحث عن الجماعة كيلا يضيع ، وأمثلة ذلك لا تكاد تعد ؛ ففي المجتمعات القوية يقوم الحاكم بالشورى وفي الضعيفة بالاستبداد ، والحكومات الصالحة تعتبر أن الغنى إنما هو غنى المجتمع ، وفي المجتمعات المتخلفة تجمع الحكومات كل المال في يد أوصياء على الشعب ، وفي المجتمعات المستقرة يبذل العالم العلم لكل الناس ، وفي المجتمعات الجاهلة يستأثر به ليحظى بوضع خاص ، وفي المجتمع المتين لا يخشى الإنسان من قولة الحق ، وفي المجتمع المتوحش يتعرض للأذى وربما الفناء.

في المجتمع القوي لايخشى الإنسان من طرح فكرة خطرت في باله لأن المجتمع يقوِّمُها بيد حانية حريص صاحبها على الصواب ، وحتى إن كانت حائدة عن كل ثوابت المجتمع فإن القانون الرباني : (فأما الزبد فيذهب جُفاءً وأما ماينفع الناس فيمكث في الأرض)[16] يضعها في حجمها الصحيح ، ولكن في المجتمعات المتآكلة فإن التعانف والفكر التكفيري الغضوب هو سيد الموقف أبداً ، وفي المجتمع المؤمن الراشد فإن المرأة خلقت كما خُلق الرجل من نفس واحدة (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا)[17]، وفي المجتمعات التي لا رُشد فيها فإن المرأة أشبه بأَمَةٍ ذليلة ليس لها كيان ولا كرامة.

لقد ضاعت أمم مسلمة بكاملها بسبب نزوات أفراد منها حكاماً أو محكومين ، أفما نحتاج إلى الوقوف قليلاً لنقرر كيف سنضبط أهوائنا الفردية ، كي لانكون أصحاب الخرق الذي يهوي بالسفينة كلها إلى القعر العميق!

5- الإشارة الرابعة: اتخاذ الأسباب :
قال تعالى (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يُجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا)[18]؛ قال الإمام ابن كثير: والمعنى في هذه الآية أن الدين ليس بالتحلي ولا التمني ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال ، وليس كل من ادعى شيئا حصل له بمجرد دعواه ، ولا كل من قال أنه هو على الحق يُسمع قوله بمجرد ذلك حتى يكون له من الله برهان.

لقد علم الهادي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أمته أن تتعرف وتحفظ أسباب ديمومتها بصلتها مع الله تعالى ؛ فأخرج الترمذي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: (كنت خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا غلام إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك ؛ احفظ الله تجده تجاهك. إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ؛ رفعت الأقلام وجفت الصحف)[19]، وفي رواية الإمام أحمد بسند صحيح: (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا)[20].
والتقط هذا الفقه ابن القيم رحمه الله فأعلن وذكر وأفصح : (بل لاتتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسببَّاَتها شرعا وعقلا ، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل كما يقدح في الأمر والحكمة ، ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى في التوكل)[21].
ونصوص الكتاب والسنة تشهد لفقه ابن القيم بالصواب.
قال تعالى: (فهل ينظرون إلا سنة الأولين فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا)[22].
وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه ؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة)[23] ، وقال الإمام النووي في شرح الحديث : (استعينوا على طاعة الله عز وجل بالأعمال في وقت نشاطكم وفراغ قلوبكم بحيث تستلذون العبادة ولا تسأمون وتبلغون مقصودكم) ، وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إياكم والجلوس في الطرقات ؛ فقالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها ؛ فقال عليه الصلاة والسلام: فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه ؛ قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله ؛ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)[24]. فمنع الناس من الجلوس في الطرقات مما لا يمكن ؛ لمصادمته طبيعتهم فعلمنا الهادي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا نصدم الأمر بل أن نستثمره ونمسك بزمامه لنقوده إلى الفعل الإيجابي ، وقد فطن الإمام ابن القيم إلى المغزى العميق والدلالات السننية لمثل هذه التوجيهات فقال في كتابه الفوائد: (العارف يدعو الناس إلى الله من دنياهم فتسهل عليهم الإجابة ، والزاهد يدعو الناس إلى الله بترك دنياهم فتشق عليهم الإجابة) ، ومما ذكره أهل التربية أن من طلب أخا بلا عيب بقي بلا أخ ، وأوصى أحد الحكماء بطريقة للعثور على إنسان عاقل لمؤاخاته فقال: أغضب أخاك فإن أنصفك في غضبه فآخه و لم يقل: إن لم يغضب ؛ بل قال: فإن أنصفك في غضبه. فمنع الغضب بالكلية مصادم للفطرة ، أو السنة ، أو القانون … سمه ما شئت ولكن خذ حظك من عظته ، ولذا قال تعال: (والكاظمين الغيظ)[25] ولم يقل (والفاقدين الغيظ). وفقيه الدعوة الفطن لا يصدم قوانين الحياة وسنن الكون ؛ بل يحتال عليها فيمسك بمعاقدها ، ومن كان يحمل معولا وصادفته صخرة صماء فلا يضيعن الوقت في الطرق عليها وهي صماء صلداء ؛ فإنه بذلك يستنزف قوته وربما حطم معوله ولكن ليحفر التراب الذي حولها فلا بد أن تهوي ، وحتى الدين كله قد يفشل إذا صادم حَمَلَتُهُ سنن الله في خلقه ؛ فدين الزهاد خرب الاقتصاد ، ودين الرهبان خرب الفطرة ، وفتح أبواب الفساد ، ودين المتنطعين أمات الحيوية في الأمم وقتل أرواح العباد ، ودين المتفرنجين والمتغربين والمبهورين أرضى النزوات وألغى العقول وأطاع الشهوات ، ودين الله الحق هو الفطرة والتوازن والعدل والرحمة والشمول والواقعية والإنسانية والربانية ، وصدق تعالى إذ يقول: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا)[26]، وصدق تعالى إذ يقول: (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى)[27] وصدق تعالى إذ يقول: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)[28].

والذي أراه (والله أعلم بالصواب) أن فقه السننية في العالم الإسلامي أضعف بكثير من المستوى الذي يجب أن يكون عليه ، والخرافة ليست فقط بما اخترعه الدجالون ، بل ربما وقعنا في الخرافة أيضاً عند تجاوزنا السنن ، ونظرنا من خلال الأماني ، وقفزنا فوق التاريخ.

خلاصة الموضوع :
1- الإدمان مرفوض كي لا تحتل جزئية مكان الكليات.
2- إتباع الهوى أكبر عائق عن نهوض الأمة.
3- الاستنزاف خطير وعلينا التعويض الدائم.
4- السنة تمضي وعلينا الحذر من فوات القطار.

فلتزدد صلتنا ببعضنا ولنملأ مجالسنا بكل نافع ومفيد ، ولنحضر ورقة وقلماً لنحصى بوابات التقصير (فردية وجماعية) ، ثم لنضع خططاً قصيرة وأخرى متوسطة لدرء التقصير ثم فلنتعاهد عليها ، ولنتابع بعضنا فيها ، مع متابعة التعلم والاستفادة من كل تجربة ، ولن يشبع مؤمن خير حتى يكون منتهاه الجنة.

وأخيراً ورغم كل ما يعترينا ففينا خير كثير ، وأخطر أمر يحيط بنا هو البعد عن الإيمان الصحيح وإهمال تربية النفس روحياً ، والأخطر منه أن ننطلق من الفردية في فقه الإسلام ، فلنجعل من الجماعة منطلقنا ولنبدأ بزراعة المقدمات الفردية التي تحفظنا من الذنوب الجماعية ، وماأنزل الله من داءٍ إلا أنزل له شفاء[29]، (فكيف يُنكر لمن قويت طبيعته ونفسه ، وفرحت بقربها من بارئها ، وأنسها به ، وحبها له ، وتنعمها بذكره ، وانصراف قواها كلها إليه ، وجمعها عليه ، واستعانتها به ، وتوكلها عليه ، أن يكون ذلك لها من أكبر الأدوية ، وأن توجب لها هذه القوة دفع الألم بالكلية، ولاينكر هذا إلا أجهل الناس ، وأغلظهم حجاباً ، وأكثفهم نفساً ،وأبعدهم عن الله وعن حقيقة الإنسانية)[30]. وبالرجوع واتخاذ أسباب الدواء تكون العاقبة : (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)[31].
اللهم علمنا ماينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

أحمد معاذ الخطيب الحسني

[1] – سورة الفاتحة ، الآية 5.
[2] – انظر في ذلك كتاب : محنة العرب في الأندلس ؛ للدكتور: أسعد حومد ، بيروت ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ط2 ، 1988.
[3] – فتح الباري ، كتاب المناقب (61) الحديث 606، 6 ، 712.
[4] – فتح الباري ، كتاب المناقب (61) الحديث 3607 ، 6 ، 712
[5] -فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني ، كتاب الصوم (30) ، الحديث 1976، 4 ، 259.
[6] – فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني ، كتاب الصوم (30) ، الحديث 1977 ، 4 ، 260.
[7] – سورة آل عمران ، الآية 165.
[8] – مسلم ، كتاب السلام ، الحديث 2245.
[9] – البخاري ، كتاب الأذان ، الحديث 654.
[10] – مسند الإمام أحمد ، الحديث 19851 سنده متصل ورواته ثقات.
[11] – سورة النساء ، الآية 69.
[12] – تهذيب مدارج السالكين ، كتبه ابن القيم وهذبه عبد المنعم العزي ، الإمارات المتحدة ، وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، ص 30.
[13] – مجمع الزوائد 1/91 والترغيب والترهيب 82.
[14] سورة القصص ، الآية 50.
[15] – سورة الفرقان ، الآية 43.
[16] سورة الرعد ، الآية 17.
[17] سورة النساء ، الآية 1.
[18] – النساء 123.
[19] – الترمذي ، القيامة والرقائق والورع 2516 ، قال : هذا حديث حسن صحيح.
[20] – أحمد ، مسند بني هاشم 2800.
[21] -زاد المعاد ، ابن قيم الجوزية ، 3 ، 15.
[22] – فاطر43. وفي المصحف تكتب (سنة) بالتاء المبسوطة : (سنت) وأثبتناها بالمربوطة تسهيلاً.
[23] –
[24] –
[25] – سورة آل عمران ، الآية 134.
[26] – سورة الإسراء ، الآية 105.
[27] – سورة النجم ، الآية 3-4.
[28] – سورة الحشر ، الآية 7.
[29] – فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني ، الطب 10 ، 113.
[30] – زاد المعاد ، ابن قيم الجوزية ، 3،12.
[31] – سورة السجدة ، الآية 53.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على التوبة من الذنوب الجماعية : بداية الطريق مغلقة

سلسلة البناء الدعوي-1

سلسلة البناء الدعوي
الموضوع الأول: من صفات الداعية
1-الصلاح قبل الإصلاح.
2-التواضع.
3-الصبر في الحالين.
4-الالتجاء إلى الله.
5-الثبات حتى اليقين.
6-أدب العلم قبل حرفه.
7-صواب لا أدري.
8-المؤمن صاحب نصيحة.

لابد لمن يدعو إلى الله من حيازة صفات مميزة نورد فيما يلي أهمها:
1- الصلاح قبل الإصلاح : يقول الإمام الجيلاني : (عظ نفسك أولا ثم عظ نفس غيرك ، عليك بخويصة نفسك ، لاتتعدَ إلى غيرك وقد بقي عندك بقية تحتاج إلى إصلاحها ، ويحك أنت تعرف كيف تخلص غيرك ، أنت أعمى كيف تقود غيرك ، إنما يقود الناس البصير ، إنما يخلصهم من البحر السابح المحمود)[1]، وزاد الجيلاني الطريق وضوحا فأرشد السالك أن : (كُن صحيحا تكن فصيحا … كُن صحيحا في السر تكن فصيحا في العلانية)[2].

فقه الصلاح والإصلاح جمعتها آية واحدة في كتاب الله ، إذ يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) [3]، أي: (وجعلنا منهم أئمة يهدون أتباعهم بإذننا إياهم ، وتقويتنا إياهم على الهداية ، إذ صبروا على طاعتنا ، وعزفوا أنفسهم عن لذات الدنيا وشهواتها ، أما من قرأ: (لِمَا) بكسر اللام وتخفيف الميم ، وكلا القراءتين مشهورة ، فالمعنى يكون: إذ صبروا ، وحين صبروا ، أي صاروا أئمة هدى لصبرهم عن الدنيا وشهواتها ، واجتهادهم في طاعتنا ، والعمل بأمرنا)[4]. لما صلُحَتِ القلوبُ صارت على إصلاح غيرها قادرة ، ومن عجز عن إخراج الدغل من قلبه فهو عن غيره أعجز ، وبوارق الصلاح إنما أسها الإخلاص وتصحيح النية ، ومن فاته الإخلاص والنية الصالحة هلكَ وأهلكَ.

2- لوعة القلب : جاء في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً ، فجعل الجنادب والفراش يقعن فيها وهو يذُبـُّهُنَّ عنها ، وأنا آخذ بحُجَزِكُم عن النار وأنتم تفلتون من يدي))[5].
ومن يتصدى للدعوة بحس بليد وقلب لالوعة فيه واحتراق ، يظنها ألقابا ومناصبا وحرفة وشقشقة كلام ، فهو نصل في خاصرتها ، وميت القلب هو قبر يمشي ، ولايكون خير ممن لايغتفر إساءة إلى ذاته ، وينام عن إستباحة كرامة الإسلام.
إن فاقد الشىء لايعطيه ، وهداة الخلق إلى الله ، ينتقل النور من قلوبهم إلى قلوب العباد كسراج يقتبس من سراج ، واللوعة التي في قلوبهم تغني عن كثير من فصاحة اللسان ، وإن الدعوات الناجحة رزقت حملة ذوي مواصفات خاصة ، وهذا سر قوتها ، وكثيرون قد يحتارون من النتائج الهائلة التي يكرم الله بها الصادقين من دعاته ، ويتلمسون سرها في سبل شتى ، ولكنهم يبحثون في السراب ، مالم يعرفوا الحقيقة البسيطة العظيمة ، والتي لايعسر إدراكها على الصادقين.

3- حب الهداية : إن للداعية أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد كان يخرج إلى القبائل يدعوها إلى الله ، فلا يلقى إلا المعاندة والأذى ، وعلَّمَنا القرآن الكريم كيف يتحرق الداعية : (قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ)[6]، فحتى بعد الموت يطمع الداعية أن يعلم الغافلون عن الله ماأعدَّ الله لمن اصطفاهم من أهل محبته ، لعلها تتحرك قلوب من قتلوه ، ويملأ الايمان جنباتها . وعلى هذا الطريق ينبغي أن يسير الدعاة ، أما من يريد الدعوة بقلب حقود ونفس حانقة فيقال له: ياهذا أخطأت الطريق ، فارجع من حيث أتيت ، وإن فاقد الشيء ماكان أبدا ليعطيه ؛ (فمن قام لله حتى أوذي في الله : حرم الله عليه الانتقام ، كما قال لقمان لابنه : (يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[7][8].

4- التواضع : يلاحظ أحيانا أن بعض من يتصدون للدعوة لايكون عندهم التواضع المطلوب ، وقد يتعلل البعض بأنهم يتخذون بعض المواقف لإشعار الناس بوجوب الاحترام اللازم للعلم وأهله ، وقد يصدق هؤلاء في مواطن قليلة ؛ ولكن ما بالهم يشمخون على إخوانهم بأنوفهم ، وينظر بعضهم إلى الناس بل ربما أقرانه نظره إلى التراب ، (وتمام التواضع : أن لايرى العابد لنفسه حقاً على الله لأجل عمله ، فإنه في عبودية وفقر محض ، وذل وانكسار ، فمتى رأى لنفسه على الله حقاً : فسدت عبوديته ، وصارت معلولة وخيف منها المقت)[9].

تقدم السيرة السلوكية العملية للنبي صلى الله عليه وسلم القدوة لكل داعية إذ (كان أشد الناس تواضعا ، وأبعدهم عن الكبر ، يمنع عن القيام له كما يقومون للملوك ، وكان يعود المساكين ، ويجالس الفقراء ، ويجيب دعوة العبد ، ويجلس في أصحابه كأحدهم ، قالت عائشة : كان يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل بيده كما يعمل أحدكم في بيته، وكان بشراً من البشر يفلي ثوبه ، ويحلب شاته ويخدم نفسه … لم يكن فاحشا ولامتفحشا ، ولالعانا ، ولاصخابا في الأسواق ، ولايجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان لايدع أحدا يمشي خلفه … كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب ، ليس بفظ ولاغليظ ، ولاصخاب ، ولافحاش ، ولاعتاب ، ولامداح … ويصبر للغريب على الجفوة في المنطق …وكانت هذه الخلال مما قرب إليه النفوس، وحببه إلى القلوب ، وصيره قائدا تهوي إليه الأفئدة ، وألان من شكيمة قومه بعد الإباء ، حتى دخلوا في دين الله أفواجا)[10].

5- الصبر في الحالين : يحتاج الداعية إلى زاد عظيم من الصبر ، لتتحقق فيه إمامة الهداية ؛ قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)[11]، ومن مواطن الصبر العظيمة : الصبر عند التبليغ ، والصبر عند التخذيل ؛ فإن الصبر ضياء ، ولايزال ينير سبيل السالك مااستعان به ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبيا من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ، ضربه قومه فأدموه وهو يمسح الدم عن وجهه وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لايعلمون))[12]، وليس الصبر شيئا يظنه المرء كما يشتهي بل ضابطه واضح عند أهل العلم ؛ (فالصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخط ، وحبس اللسان عن الشكوى ، وحبس الجوارح عن التشويش)[13]، وماكل أحد بقادر عليه إلا بعد الرياضة الطويلة ؛ (وإنما كان صعبا على العامة : لأن العامي مبتدىء في الطريق وليس له دُربَةٌ في السلوك ،ولاتهذيب المرتاض بقطع المنازل ، فإذا أصابته المحن أدركه الجزع ، وصعب عليه احتمال البلاء ، وعز عليه وجدان الصبر ، لأنه ليس من أهل الرياضة فيكون مستوطنا للصبر، ولامن أهل المحبة ، فيلتذ بالبلاء في رضاة محبوبه)[14]؛ (والصبر من آكد المنازل في طريق المحبة ، وألزمها للمحبين . وهم أحوج الى منزلته من كل منزلة . وهو من أعرف المنازل في طريق التوحيد وأبينها)[15].

6- الالتجاء إلى الله في كل عمل : روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((والله إني لأستغفر الله ، وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة))[16]، وخلال تحرك الداعية فإن كثيرا من المواطن لاينفع فيها إلا الاستمداد من الله ، وإن مخالطة الناس ربما يكون معها ضيق صدر ، وشدة وطأة ، وقد يأتي الداعية مالايطيق ، وقد يذكره الناس بنفسه لكثرة شكواهم وجحودهم ، وقد تنتقل غفلتهم إلى قلبه ، وعليه أن يفطن لكل ذلك فيقصيه ، وأعون العون على ذلك الاستغفار ، فيكون دائما لله ومع الله ، ويحذر الإمام ابن القيم فيقول: (وليحذر كل الحذر من طغيان: أنا و لي و عندي ، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون ،(فأنَا خَيرٌ مِنهُ)[17] لإبليس ، و(ِلي مُلكُ مِصرَ)[18] لفرعون ،و (إنَّمَا أوتِيتُهُ عَلى عِلمٍ عِندِي)[19] لقارون . وأحسن ماوضعت أنا؛ في قول العبد: أنا العبد المذنب المخطىء المستغفر المعترف ، ولي ؛ في قولِهِ: لي الذنب ولي الجرم ولي المسكنة ولي الذلة والفقر، وعندي؛ في قوله : اغفر لي ِجدي وهزلي وخطئي وعَمدي وكل ذلك عندي)[20].

7- الثبات حتى اليقين : يقتبس الداعية ثباته من خطاب الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد لقي مالقي من الصد والاستهزاء : )وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ([21]، والمعنى : (واعبد ربك في جميع أوقاتك ومدة حياتك حتى يأتيك الموت وأنت في عبادة ربك)[22] ، فصاحب الرسالة يبقى ماضيا فيها حتى يلقى وجه ربه .

8- أدب العلم قبل حرفه : تعلمنا سورة الحجرات أن هناك آدابا شرعية ينبغي للمؤمن أن يراعيها ؛ قال تعالى : (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)[23] (وفي سورة الحجرات جملة من الآداب التي تزين الأمة وتصون كيانها ، أولها أدب المسلمين مع رسولهم، ثم آداب المسلمين بعضهم مع بعض ، ثم علاقة الأمة كلها بسائر الأمم)[24]، (وقد قيل للشافعي رضي الله عنه : كيف شهوتك للأدب؟ فقال أسمع بالحرف منه مالم أسمعه ، فتود أعضائي أن لها أسماعا تتنعم به ، قيل : وكيف طلبك له؟ قال : طلب المرأة الضالةِ ولدها وليس لها غيره)[25].
إن فوات جملة الآداب الشرعية أمر خطير ، أعظمه حبوط العمل ، وأدناه نفور القلوب ، والداعية لاينبغي أن يعرف الأدب وحسب ، بل ينبغي أن يكون قمة فيه.

9- صواب لاأدرى : إن من أتقن لاأدري يبقى في الصواب أبدا: وقد قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : (من علم منكم شيئا فليقل بما يعلم ، ومن لم يعلم فليقل : الله أعلم ، فإنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لايعلم : الله أعلم ؛ فإن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ)[26] ….)[27].
لا أدري هي نصف العلم ، وعلى الداعية إتقانها ، وإلا هلك ، وقد جاء في الحديث الصحيح : ((إن الله لايقبضُ العلمَ انتزاعاً ينتزعهُ من العباد ، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ ، حتى إذا لم يُبق عالماً ، اتخذ الناس رؤوساً جُهالاً فسُئلوا بغيرِعلمٍ ، فضلُّوا وأضلُّوا))[28].
وقد بوب الإمام البخاري في كتاب العلم: (باب:مايستحب للعالم إذا سئل أي الناس أعلم ، أن يكل العلم إلى الله) وذكر فيه قصة سيدنا موسى مع الخضر، وكيف عتب الله على موسى صلى الله عليه وسلم (إذ لم يرُدَّ العلم إليه)[29]، وهو حديث عظيم فيه للدعاة في كل عصر ومكان من العبر الكثير.

10- صاحب نصيحة : فإن المؤمن مرآة أخيه ، و((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشُد بعضه بعضا ، وشبك [صلى الله عليه وسلم]أصابعه))[30] وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((الدين النصيحة))[31] ، وهي أمر لابد أن يكون متبادلاً بين الجميع بذلاً وقبولاً فإن \\\”من استغنى برأيه ضل وذلَّ وزل ، إذا استغنيت برأيك حُرمت الهداية والحماية لأنك ماطلبتها ولا دخلت في سببها)[32].
(وقيل لأبي حنيفة رضي الله عنه : في المسجد حلقة ينظرون في الفقه ، فقال : ألهم رأس؟ قالوا : لا . قال : لايفقه هؤلاء أبدا)[33].
إن فقه التناصح لابد من إحيائه ، ومن لايرى إلا نفسه فهيهات أن يكون ناصحاً أومنصوحاً ، وهو ما أشار إليه مولانا ابو الحسن الندوي فقال: (ما أضر بالدعوة من شيء مثل ما أضر بها الأنا الأنا الفردية والأنا الجماعية)[34]، فعند بروز الأنا تغيب الجماعة ، وتتقوض كل مرجعية ، وتبرز عبادة النفس ، وعندها يكون الهلاك.

كتبه أفقر العباد إلى الله
أحمد معاذ الخطيب الحسني
[1] – عبد القادر بن موسى الجيلاني (561 هـ/ 1166م) ، الفتح الرباني والفيض الرحماني ، القاهرة ، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده ، الطبعة الأخيرة ، 1380/1960 ، ص5.
[2] – المرجع نفسه ، ص64.
[3] – سورة السجدة ، آية 24.
[4] – محمد بن جرير الطبري (310 هـ/923م) ، جامع البيان عن تأويل آي القرآن ، هذبه وحققه: د.بشارعواد معروف ـ عصام فارس الحرستاني ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1415/1994 ، 6 ، ص152.
[5] – أحمد بن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ،كتاب الرقاق ، باب الانتهاء عن المعاصي ، الحديث (6483).
[6] – سورة يس ، الآيات 26ـ27.
[7] – سورة لقمان ، ص17.
[8] – عبد المنعم صالح علي العزي ، تهذيب مدارج السالكين ، مرجع سابق ، ص424.
[9] – المرجع نفسه ، ص433.
[10] – صفي الرحمن المباركفوري ، الرحيق المختوم ، جدة ، دار القبلة ، ط6 ، 1411هـ/1991م ، ص546-549.
[11] – سورة السجدة ، ص 24.
[12] – أحمد بن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، كتاب أحاديث الأنبياء ، الحديث (3477).
[13] – عبد المنعم العزي ، تهذيب مدارج السالكين ، مرجع سابق ، ص253.
[14] – المرجع نفسه ، ص356.
[15] – المرجع نفسه ، ص357.
[16] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ،كتاب الدعوات ، باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم ، الحديث (6307).
[17] – سورة ص ، آية 76.
[18] – سورة الزخرف ، آية 51.
[19] – سورة القصص ، آية 78.
[20] – ابن قيم الجوزية : محمد بن أبي بكر الزرعي ، (691هـ/751م) ، زاد المعاد في هدي خير العباد ، بيروت ، مؤسسة الرسالة ، 1399هـ/1979م ، 2، ص475.
[21] – سورة الحجر ، الآيات 97، 98 ، 99.
[22] – عبد الغني الدقر ، مختصر تفسير الخازن ، دمشق ، دار اليمامة ، 1415هـ/1994م ، 2 ، ص895.
[23] – سورة الحجرات ، الآيات 2 ، 3.
[24] – محمد الغزالي ، نحو تفسير موضوعي ، القاهرة ـ بيروت ، دار الشروق ، 1416/1995 ، ص 404.
[25] – بدر الدين بن جماعة ، تذكرة السامع والمتكلم ، بيروت ، دار إقرأ ، ط2 ، 1406/1986 ، ص63.
[26] – سورة ص ، آية 86.
[27] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، كتاب تفسير القرآن ، باب وما أنا من المتكلفين، الحديث (4809) .
[28] – المرجع نفسه ، كتاب العلم ، باب كيف يقبض العلم ، الحديث (100) .
[29] – المرجع نفسه ، كتاب العلم ، باب مايستحب للعالم إذا سئل ، الحديث (122).
[30] – المرجع سابق ، كتاب الصلاة ، باب تشبيك الأصابع في المسجد ، الحديث (481).
[31] – المرجع نفسه ، كتاب الإيمان ، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة ، الحديث (42).
[32] – عبد القادر الجيلاني ، الفتح الرباني ، مرجع سابق ، ص114.
[33] – بدر الدين بن جماعة ، تذكرة السامع والمتكلم ، مرجع سابق ، ص95.
[34] – محمد أبو الفتح البيانوني ، بصائر دعوية ، القاهرة ، دار السلام ، 1422هـ/2002م ، ص 49.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على سلسلة البناء الدعوي-1 مغلقة
الصفحة 50 من 51« الصفحة الأولي...102030...4748495051