المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية – 1

هذا بحث قديم نسبياً لكنه مفيد وخصوصاً للدعاة وسننشره على حلقات خشية الإطالة ونأمل أن ينفع الله به وجزى الله مؤلفه كل خير

المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية
دراسة ميدانية

تأليف :د. عـبد الرزاق بن حـمود الزهـراني / أستـاذ مشارك في قـسم عـلم الاجتماع
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)
ترجمة الدعاء الذي رفعة سراج وهاج في مجلس النواب الأمريكي في 52 يونيو 1991 م:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده رب العالمين وخالقهم .
الحمد لله الذي شكلنا ولوننا في أرحام أمهاتنا، فجعل منا الأبيض والأسود والبني والأحمر والأصفر. الحمد لله الذي خلقنا من ذكور وإناث وجعلنا شعوباً وقبائل لنتعارف.
يا رحمن يا رحيم يا عليم يا حكيم يا عادل يا الله. نعبدك أنت وحدك، ونسألك أنت وحدك أن تعيننا.
اهد قادة هذه الأمة الذين أعطوا مسؤولية جسيمة عن شؤون العالم، اهدهم يا الله وامنحهم الاستقامة والحكمة.
اهدنا وإياهم الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم، صراط عبيدك المؤمنين، صراط نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد. اهدهم وإيانا طريقاً غير طريق العاصين، المغضوب عليهم يارب العالمين .

فهرس الموضوعات:
مقدمة

الفصل ا لأول: موضوع الدراسة وأطرها النظرية
موضوع البحث
تساؤلات البحث
أهمية البحث
الإطار النظري
الدراسات السابقة
الدراسات العربية
الدراسات ا لأجنبية

الفصل الثاني: أمريكا الشعب والأرض
الأرض
التركيب السكاني
الأسرة في المجتمع الأمريكي
التدين في المجتمع الأمريكي

الفصل الثالث: السكان المسلمون 
تاريخ دخول الإسلام إلى أمريكا
مسلمو ما قبل الحرب الأهلية
الهجرات الأولى
الجالية العربية
الوضع السكاني (الديموجرافي)
مناطق تركز المسلمين

الفصل الرابع: التنظيمات والمؤسسات الإسلامية 
التنظيمات المبكرة
اتحاد المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا
اتحاد الطلبة المسلمين
الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية
جماعة الدعوة الإسلامية الأمريكية
طائفة الحنفيين
دار الإسلام
أنصار الله
أهم المراكز الإسلامية
جمعيات ومؤسسات أخرى

الفصل الخامس: الإطار المنهجي للدراسة 
منهج الدراسة
مجتمع الدراسة
عينة الدراسة وطريقة اختيارها

الفصل السادس: عرض وتحليل بيانات الدراسة الميدانية 

الفصل السابع: المركز الإسلامي في مدينة بولمان (دراسة حالة).
الموقع
سبب الاختيار
المعرفة الأولى بالمدينة
بدايات نشأة المركز
شراء الأرض
إنشاء المركز
لجان المركز
لجنة الدعوة
لجنة السجن
اللجنة الاجتماعية
لجنة الثلج
لجنة التربية والتعليم
لجنة الرياضة
اللجنة الإعلامية
النشاطات النسائية

الفصل الثامن: تلخيص عام وخاتمة 

المراجع
المراجع العربية
المراجع الأجنبية
استبانه الدراسة

مقدمـــــــــــــــــة
تعـتبر الولايات المتحـدة الأمريكية من أكثر الدول في العالم، إن لم تـكن أكثرها، اسـتقـطابا للمهاجـرين. فسكانها يتكونون مـن فـئات اجـتماعـية ترجع في أصـولها إلى أماكـن كثيرة ومتـفـرقة من العـالم. ويعـكس ذلك كتاب (أمة من المهاجرين) بقلم الرئيس الأمريكي الراحل (جون كنيدي) الذي تحدث فيه عن الهجرات وقوانين الهجرة إلى أمريكا، وما جرى من تعديلات وتغييرات على تلك القوانين (كنيدي، 1965). ولعل أهم الفئات الاجتماعية (الإثنية) من غير الأنجلوساكسون والجرمانيين تتمثل في السود والآسيويين والهنود الحمر، و (التشيكانوز)، وهم الذين ينحدرون من أصول أسبانية وبرتغالية. كما أنه من النادر أن توجد دولة في العالم لم يهاجر منها أحد إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما الاختلاف في عدد المهاجرين، فبعض الدول مثل سوريا ولبنان ومصر من العالم العربي هاجر منها أعداد كبيرة، والبعض الآخر لم يهاجر منها إلا أعداد قليلة لا تكاد تذكر مثل دول الخليج العربي.
ولقد جاءت فئات المهاجرين تحمل معها عقائدها وقيمها وأخلاقها وشيئا من تراثها. وبما أن الإسلام يعتبر من كثر الأديان انتشارا في العالم، فقد وصل إلى أمريكا في مراحل مبكرة جدا أعقبت اكتشافها من قبل كولومبس في عام 1495م بفترة وجيزة، إن لم تكن سبقته كما تشير بعض المصادر كما سنرى. ومن المحتمل أن بعض المسلمين وصلوا إلى أمريكا على السفن والبواخر التي أقلت (كولومبس) ومن معه، ولكنهم كانوا يخفون إسلامهم خوفاً من القتل والتعذيب، ولعل من المفيد أن نذكر أن الفترة التي تفصل بين إخراج المسلمين من الأندلس على يدي (فرديناند وإيزابلا) واكتشاف أمريكا هي حوالي ثلاثة أعوام تقريباً، حيث أخرج المسلمون في عام 1492 م، وتم اكتشاف أمريكا في عام 1495م. ومن المعلوم أن محاكم التفتيش فعلت فعلها في القضاء على الإسلام والمسلمين في تلك البلاد، وبقيت فئة سميت بـ (المورسيكيين) حافظت على إسلامها في الخفاء، وهاجر بعض أفرادها إلى أمريكا، واستمروا محافظين على إسلامهم خفية هناك. وأصبح في حكم المؤكد أن السود يعتبرون من أوائل من حمل الإسلام إلى أمريكا بصورة جماعية عندما أخذوا عنوة وأدخلوا في ذلك المعتقل الكبير، ومهما يكن من أمر الفئات المسلمة التي وصلت إلى أمريكا في القرون الماضية، فإن الذي لا شك فيه أن أعداد المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية قد تزايدت في القرن العشرين، وخاصة في النصف الثاني منه، وبالأخص في العقدين الأخيرين.

فقد تزايد المهاجرون من العالم الإسلامي إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وكثرت البعثات، وتزايدت أعداد الداخلين في دين الله أفواجا، وخاصة من السود الذين يرون أن أصولهم إسلامية، وأن أسرهم عندما جيء بها إلى العالم الجديد كانت مسلمة. وزاد من إقبال السود على الإسلام ظهور زعامات ورموز قوية ونافذة من المسلمين السود، اشتهرت ليس على مستوى أمريكا فقط، وإنما على مستوى العالم كله، ويأتي في مقدمتهم مالكلوم إكس، ووارث الدين محمد، ومحمد على كلاي، ولاعب السلة المشهور عبد الكريم عبدالجبار وغيرهم.

ونتيجة لذلك كله، شهد العمل الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية نقلات وخطوات كبيرة إلى الأفضل والأحسن، منها العمل على تصحيح بعض المعتقدات المنحرفة عند بعض الطوائف والجماعات المنتمية إلى الإسلام، ومنها التوسع في إنشاء المؤسسات والجمعيات والمراكز والمدارس الإسلامية، ومن تلك النقلات المهمة استخدام وسائل الإعلام الحديثة من إذاعة وتلفزيون وصحافة وأشرطة في الدعوة الإسلامية، وبعدد من اللغات.

ويأتي هذا البحث محاولة لدراسة أوضاع الأقلية المسلمة في الولايات المتحدة الأمريكية وقد حوى ثمانية فصول، خصص الفصل الأول لموضوع البحث وأهميته وأطره النظرية ومراجعة الدراسات السابقة. وخصص الفصل الثاني للحديث عن أمريكا من ناحية جغرافيتها، وتركيبتها السكانية، والنظام الأسري فيها، والتدين في المجتمع الأمريكي. أما الفصل الثالث فتم فيه استعراض الجانب السكاني (الديموجرافي) للمسلمين في أمريكا من حيث تاريخ وصولهم إليها، وتطور الهجرات من البلدان الإسلامية، وتقدير أعدادهم ومناطق تركزهم. وفي الفصل الرابع تم استعراض نشأة وتطور الجمعيات والجماعات الإسلامية. أما الإطار المنهجي للدراسة فتم استعراضه في الفصل الخامس. والفصل السادس حوى التقرير والجداول المتعلقة بالدراسة الميدانية. أما الفصل السابع فكان دراسة حالة لأحد المراكز الإسلامية في أمريكا. واختتمت الدراسة بالفصل الثامن وهو تلخيص لأهم ما ورد فيها، وأهم ما توصلت إليه من نتائج، مع بيان أهم التحديات التي تواجه المسلمين هناك. وفي الختام قدمت بعض التوصيات لدعم المسلمين ومساعدتهم على المحافظة على هويتهم ونشر الإسلام، والتأثير في صناعة القرار هناك .

ولا يفوتني هنا أن أتقدم بالشكر الجزيل لكل من أسهم في مساعدتي في هذه الدراسة، فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله ، وأخص بالشكر الدكتور أحمد توتنجي الذي قدم لي كثيراً من المعلومات والتقارير عن المسلمين في أمريكا، كما يمتد شكري للأخوة خالد التركي وعبدالعزيز العبود وأحمد يونس الذين كانوا يدرسون في جامعة ولاية واشنطن على استضافتي أثناء وجودي بينهم وتحكيم استمارة البحث. ويمتد شكري للأستاذ الدكتور عبدالرحيم بن حمود الزهراني الأستاذ بقسم الهندسة المدنية في جامعة الملك عبدالعزيز على مساعدته في رسم المسقط الأفقي للدور الأول والدور الأرضي للمركز الإسلامي في مدينة بولمان، كما أشكر الأستاذ أحمد بن سالم الزهراني أمين عام اللجنة العليا للإصلاح الإداري في معهد الإدراة على قراءة أصول هذا البحث وإبداء ملاحظات لغوية، وتصويبات مطبعية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. عبدالرزاق بن حمود الزهراني

الرياض 28/ صفر/ 1419 هـ الموافـق 1/ يـونـيو/ 2000 م.

الفصل الأول

موضوع البَحث وأُطرهِ النَظرية

موضوع البحث: يُعنى هذا البحث الاستطلاعي بدراسة الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، مع التركيز على الجوانب الاجتماعية والتاريخية، ومحاولة تقييم فهم بعض جماعات السود للإسلام وخاصة في المراحل المبكرة، عندما كان الاتصال بين العالم الإسلامي وأمريكا شبه معدوم، ومن ثم ضعفت المصادر التي يمكن الاعتماد عليها في فهم الإسلام في صورته النقية من قبل الفئات التي كانت تعيش في أمريكا والتي كان معظمها من السود، ولذلك فإن هذا البحث سوف يشمل تغطية للهجرات الإسلامية الأولى، وما واجهته في العالم الجديد من عقبات ومصاعب، مع محاولة لإبراز دوافع الهجرة من دفع وجذب، وسيكون التركيز على الهجرات التي تمت في القرن العشرين، مع محاولة لمعرفة المواطن الأصلية للمهاجرين. وسوف يغطي البحث مراحل نشأة بعض الجماعات والجمعيات والمؤسسات الإسلامية، وما قامت به من دور روحي واجتماعي لمساعدة المسلمين على الثبات على دينهم ودعوة الآخرين إليه.

وللمسلمين السود دور كبير في نشر الإسلام في تلك الديار، وخاصة ً بين بني جلدتهم، ولذلك سوف يغطي البحث معاناتهم أثناء فترة الاستعباد وما بعدها، وجهودهم وبعض جماعاتهم، وسوف يتناول البحث بالدراسة بعض الجوانب الاجتماعية للمسلمين هناك، مثل التعليم، والزواج، والتكافل، وتوفير المواد الاستهلاكية المشروعة، والتنافس، وعلاقاتهم بالمجتمعات المحلية، وما يعانونه من صعوبات ومضايقات، وما يتمتعون به من فرص ومزايا، إن وجُـدت.
تساؤلات الدراسة: سوف تحاول هذه الدراسة الإجابة على التساؤلات التالية:

1- ماهي تركيبة وخصائص المجتمع الأمريكي الذي يعيش المسلمون بين ظهرانيه؟

2- ما هو الوضع السكاني (الديموجرافي) للمسلمين هناك من حيث الهجرات وأنواعها وأسبابها، وتقديرات أعداد المسلمين ومناطق تركزهم.

3- ماهي أهم الجمعيات والجماعات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية؟ وكيف تطورت؟

4- ما هو وضع الأسرة المسلمة في أمريكا من حيث الزواج بغير المسلمات ومعدلات الطلاق، وتنشئة الصغار وتعليمهم؟

5- كيف يؤمَّن المسلمون احتياجاتهم الاستهلاكية بالطرق التي تتفق مع تعاليم الإسلام وقيمه؟ وما هي الصعوبات المرتبطة بذلك؟

6- ماهي علاقة المسلمين بغيرهم من الفئات الاجتماعية؟ وهل يواجه المسلمون مضايقات وممارسات عنصرية؟

7- ما هي أكثر الفئات إقبالاً على الإسلام؟
أهمية البحث: تفتقر المكتبة العربية إلى دراسة أو بحث يتسم بالشمول حول الإسلام والمسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية. ولعل جانبأ من أهمية هذا البحث يكمن في تطلعه إلى إكمال بعض ذلك النقص، وتقديم دراسة حديثه حول هذا الموضوع للقارئ المسلم بشكل عام، وللمهتمين بدراسة الأقليات الإسلامية في العالم بشكل خاص. ومن المتوقع أن يكون البحث حلقة وصل بين المسلمين في الولايات المتحدة والقارئ العربي، وخاصة أولئك الذين لم تتح لهم الفرصة لزيارة أمريكا أو العيش فيها، ومعرفة أحوال المسلمين من كثب، فكثير من القراء والباحثين يتطلعون لمعرفة المزيد عن أوضاع المسلمين في تلك الديار، ومعرفة ما يحققونه من نجاحات للاستفادة منها في أماكن أخرى من العالم إن أمكن، وما يواجهونه من عقبات لمساعدتهم في تجاوزها.
وجانب آخر من جوانب أهمية البحث يتمثل في أهمية الولايات المتحدة الأمريكية، وما تلعبه من دور في العالم المعاصر، وخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، فهي أقوى دولة في العالم ولها تأثير كبير في تسيير السياسة الدولية، وسياسة الحكومة الأمريكية تتأثر بما تواجهه من ضغوط داخلية من قبل الأقليات المختلفة، فكلما كان وضع الأقلية ونفوذها قويأ كان تأثيرها في صناعة القرار الأمريكي قويأ ونافذأ كذلك، ولعل اللوبي الصهيوني وما يفعله اليهود لتوجيه السياسة الأمريكية لخدمة المصالح الإسرائيلية أكبر شاهد على ذلك، والمسلمون في تلك الديار قوة صاعدة ومتنامية، و إذا أحسن المسلمون تنظيم صفوفهم وتوحيد قواهم، فإن تأثيرهم سيتزايد ويقوى، وسيكون لهم تأثير في صناعة القرار الأمريكي المتعلق بقضايا المسلمين.
الإطار النظري: المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية أقلية ويمكن النظر إليهم على أنهم (جماعة إثنية). ويُعرف الباحث الجماعة الإثنية بأنها (كل جماعة تجمع أفرادها هوية عامة مشتركة) مثل الدين واللغة واللون والجنس. وعلم الاجتماع يحوي عدداً من النظريات الكبرى التي يمكن توظيفها في دراسة الأقليات والجماعات الإثنية، ومن أشهر تلك النظريات (النظرية الوظيفية) التي تنظر إلى المجتمع على أنه مكون من عدد من الأنساق، كل نسق له وظيفة تحتاجها الأنساق الأخرى، وذلك النسق بحاجة إلى ما تقدمه الأنساق الأخرى من وظائف، وبهذا تترابط تلك الأنساق وتتآزر كما تترابط وتتآزر أعضاء الجسم لحاجة كل منها إلى الآخر، ويمكن استخدام تلك النظرية لدراسة الأقلية كبناء اجتماعي له أنساقه المختلفة، مثل النسق الاقتصادي والتربوي والسياسي والإعلامي والثقافي… وبهذا يمكن تتبع العلاقة والتكامل بين تلك الأنساق للوصول إلى الأهداف العامة للجماعة، التي يأتي في مقدمتها المحافظة على الهوية العامة للجماعة، وتقوية درجة الترابط والتكاتف بين أعضائها (انظر: أحمد، 1985).

وفي الجماعات الإثنية والأقليات يكون الترابط غالباً آلياً. والترابط الآلي يجذب الفرد إلى الجماعة ليصبح عضوا فيها بطريقة آلية،. وغالباً ما تكون عضوية الفرد في تلك الجماعة معروفة منذ ولادته، أو من اللحظة التي يغير فيها عقيدته، فالترابط الآلي يقوم على الدين، والعادات، والتقاليد، وروابط الدم والعصبية مثل الجماعات الدينية، والجماعات القبلية والعرقية، وهذا النوع من الترابط ينتشر في المجتمعات والجماعات البسيطة (انظر: أحمد، 1985: 98). وبالنسبة للمسلمين تعتبر العقيدة أقوى وأهم رابط يربط بعضهم ببعض، وهي بوتقة الانصهار الكبرى التي استطاعت عبر التاريخ أن تضم تحت لوائها شعوبأ وقبائل متفرقة من مشارق الأرض ومغاربها، واستطاعت تلك العقيدة أن تحطم حواجز اللغة واللون والجنس وغيرها من الحواجز، وأن تنشئ حضارة شاركت فيها عناصر من تلك الشعوب والقبائل المختلفة، والنصوص التي تدعم هذا النوع من الترابط وتؤازره كثيرة في القرآن الكريم والسنة المطهرة، قال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة)، الحجرات: 10، وقال سبحانه: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبأ وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير )، الحجرات: 13، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر)، ويقول صلى الله عليه وسلم (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى) ويقول في حديث آخر (المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً.
وشن الإسلام حربأ لا هوادة فيها ضد العنصرية بصورها المختلفة التي كانت تنتشر في المجتمع العربي الجاهلي، فألغى جميع عناصر التفاضل وحصرها في عنصر واحد هو (التقوى) فالآية السابقة تشير إلى أن أكرم الناس عند الله هو أتقاهم وليس من كان لونه أبيضأ أو كان من أسرة أو قبيلة معينة، ومن أحاديث الرسول التي تحارب العنصرية قوله صلى الله عليه وسلم (من مات على عصبية مات ميتة جاهلية) ويقول (دعوها (أي العصبية) فإنها منتنة) ونتن العصبية نتن اجتماعي، يشيع البغضاء والفرقة والتدابر والتناحر. وبهذا استطاع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن يشيد مجتمعأ نموذجيأ قائمأ على التقوى والإخاء والتعاون، شارك في بنائه، بالإضافة إلى عناصر من القبائل العربية المختلفة، ممثلون للشعوب والأمم الأخرى مثل بلال الحبشي، وسلمان الفارسي، وصُهيب الرومي. ويمكن النظر إلى الترابط الوظيفي بين المسلمين في الولايات المتحدة على أنه يقتفي هذا الأثر، فأنت تجد في المسجد الواحد ممثلين لطوائف من المسلمين جاؤا إلى أمريكا من جميع أركان المعمورة، يمثلون أعراقأ وأجناسأ وألوانأ ولغات مختلفة، جمعتهم عقيدة الإسلام في ترابط آلي يلغي جميع الحواجز، أو يضعفها ويقلل من تأثيرها على تلك الجماعات، ولهذا لا غرابة أن نجد أعداد الذين يدخلون في الإسلام في أمريكا في تزايد مستمر، وخاصة من قبل الفئات التي تعاني من العنصرية والاضطهاد، فالتكامل الوظيفي بين فئات المجتمع المسلم وأنساقه المختلفة حتمية يمليها الإسلام على أتباعه والمؤمنين به، وخاصة عندما تكون تلك الجماعة أقلية كما هو حال المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث يعانون من خطر الذوبان، ومن طغيان الثقافة الأمريكية بمغرياتها المختلفة، ويحتاجون إلى إيجاد المؤسسات التي تفي باحتياجاتهم المختلفة، مثل الاحتياجات الروحية والنفسية والغذائية المتفقة مع الشريعة الإسلامية، والاحتياجات التربوية لأبنائهم، والاحتياجات الاقتصادية والإعلامية والطبية، وغيرها من الاحتياجات.

والصراع سنة من سنن الحياة منذ أن بدأ بين آدم وإبليس، ومنذ أن أخُرج آدم من الجنة، ومنذ قتل قابيل أخاه هابيل، والصراع والتنافس والتدافع قائم بين الحق والباطل، بين الخير والشر، بين الرسل وأتباعهم من جهة، ومناوئيهم والكافرين بهم من جهة أخرى، وإذا كان الماركسيون من أكثر الذين استخدموا هذا المصطلح، وحصروا الصراع بين الطبقات الغنية والفقيرة، وبين العمال والملاك، فإن ذلك لا يمنع من توظيف النظرية الصراعية في دراسة جوانب الحياة المختلفة، وخاصة عند دراسة الأقليات والجماعات الإثنية التي تكافح وتناضل من أجل البقاء، ومن أجل المحافظة على دينها وعقيدتها وكيانها، والصراع له صوره وميادينه المختلفة، فهناك صراع مواجهة واقتتال، كما حدث بين البيض القادمين من أوربا والهنود الحمر سكان أمريكا الأصليين، وهناك صراع إعلامي ودعائي كما يحدث بين العرب واليهود على الساحة الأمريكية، وهناك صراع ثقافي حول القيم والأعراف والعادات والتقاليد وطريقة الحياة، ويعتبر الاقتصاد من أفسح وأوسع ميادين الصراع، ويكون بين المؤسسات في الدولة الواحدة، وبين المؤسسات من دول مختلفة مثل شركات صناعة السيارات، ويكون الصراع والتنافس الاقتصادي بين الدول والشعوب، ولقد كان الاقتصاد سبباً لكثير من الحروب الأهلية والدولية، واستخدم سلاح عقوبة. وفي الولايات المتحدة يلعب الاقتصاد دورا كبيراً في ترسيخ نفوذ الجماعات الإثنية المختلفة، وبعض المؤسسات الاقتصادية مسخر لخدمة بعض الأقليات أو الجماعات الإثنية، ولا تسمح بالعمل فيها إلا لمن يقدم ولاءه لتلك الجماعة ويسعى إلى خدمتها، أو على الأقل يلتزم الصمت حيال ممارساتها وأخطائها) انظر: فندلي، 1990 م). ومن النظريات التي يمكن توظيفها واستخدامها عند دراسة الأقليات
نظرية (التفاعل الرمزي) والتي تركز على الاتجاه والمعنى والرموز المتبادلة بين الأفراد، ويتم في إطارها التفاعل والتفاهم، وتأتي اللغة في مقدمة قنوات التفاعل الرمزي، ومن أبرز رواد هذا الاتجاه (تشالز كولي، (Cooly لذي يرى أنه لكي يوجد مجتمع لا بد أن يلتقي الأشخاص مع بعضهم في مكان ما، ويتم اللقاء على المستوى الفكري في العقل، فالمجتمع يوجد في عقل الشخص على شكل أفكار معينة، وفي هذا الاتجاه طور (كولي) مفهومه عن الجماعات حيث قسمها إلى جماعات أولية وجماعات ثانوية، فالجماعات الأولية تتصف بالعلاقات الحميمة والمباشرة (وجهاً لوجه ( Face to face والتعاون بين أعضائها، وهي أساسية في تشكيل مُثـُل الفرد، وقيمه وطبيعته الاجتماعية، والنتيجة النفسية لتلك العلاقة الحميمة هي امتزاج الأفراد في كل مشترك بحيث تصبح ذات كل فرد هي الحياة المشتركة للمجموعة، وربما كانت أبسط طريقة نصف بها هذا الشكل الجماعي المشترك هي استخدام ضمير الجماعة للمتكلم (نحن، (We) والذي يدل على قوة البناء الاجتماعي والتوحد المتبادل بين الأعضاء، فالعضو يعيش في شعور المجموع ويجد أهدافه الأساسية في ذلك الشعور (أنظر: احمد، 1985: 239- 0 24).
أما الجماعات الثانوية فإنها لا تتصف بالقوة والمباشرة والتعاطف، وتعتبر الجماعة الدينية جماعة أولية يجد الفرد نفسه فيها ويدافع عن قيمها ومبادئها ومعتقداتها لأنها معتقداته هو، والمساجد واللقاءات والمحاضرات من الأمور التي لها انعكاساتها الرمزية في نفوس أتباعها ونفوس معارضيها.

الدراسات السابقة: ظهر عدد من الدراسات العامة والمتخصصة عن المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية باللغتين العربية والإنجليزية وعدد الدراسات التي ظهرت باللغة الإنجليزية في العقدين الأخيرين أكثر، وسوف نستعرض فيما يلي أهم الدراسات العربية ثم نتلوها باستعراض لأهم الدراسات الأجنبية .

الدراسات العربية: خرجت دراسات عن أمريكا والحياة فيها بأقلام كتاب مسلمين، ومن منطلق إسلامي، ومن تلك الدراسات ما قام به صلاح عبدالفتاح الخالدي حيث أخرج دراسة بعنوان : (أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب) جمع فيها آراء سيد قطب حول أمريكا، والتي كتبها في مقالات خاصة، أو رسائل بعث بها إلى أصدقائه، أو بثها في كتبه المختلفة، حيث يصور حياة الأمريكيين، ويقوّم مبادئهم وعلاقتهم بالمسلمين، والكتاب يفيد في تصوير بعض جوانب الحياة في أمريكا في النصف الأول من الخمسينات الميلادية، وهي الفترة التي قـُدر لسيد قطب أن يقضي جزءا منها في أمريكا (الخالدي،1406 هـ). ويؤخذ على الكتاب أنه لم يحاول أن يبرز الجوانب الإيجابية في الحياة الأمريكية، ليحقق بذلك شيئاً من التوازن والموضوعية، التي يدعو إليها الإسلام، قال تعالى: ( يأيها الذين آمنوا لا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى ) المائدة 8.

وألف (مختار خليل المسلآتي) كتاباً بعنوان: (أمريكا كما رأيتها: مذكرات شخصية، تحليل سياسي، اجتماعي، مقارنة) تحدث فيه عن تجربته في أمريكا كمبتعث في النصف الأول من الثمانينات الميلادية، وكما هو واضح من العنوان، فقد تناول المؤلف هيكل الحكومة الأمريكية وكيفية عملها، وقارنه ببعض جوانب الحكم في الإسلام، واستعرض بعض الجوانب الاجتماعية معتمداً في ذلك على ما تبثه وسائل الإعلام وخاصة الصحافة والتلفزيون من قضايا اجتماعية تتعلق بالجريمة، وجنوح الأحداث، والمخدرات، والعلاقات الاجتماعية المختلفة، وخاصة العلاقات الأسرية، وتحدث فيه أخيرا عن تجربته كمبتعث وعن الأشخاص الذين قابلهم وتعامل معهم، وقد أورد كثيرا من المعلومات عن المراكز الإسلامية التي زارها، والمسلمين الذين أسلموا وقابلهم، وبعض الجماعات الإسلامية التي تعامل معها، والكتاب يحوي معلومات كثيرة، ويتحدث عن أمريكا من وجهة نظر إسلامية، ويعتبر مرجعاً جيدا لتكوين صورة عامة عن الحياة في أمريكا لمن ينوي زيارتها لأول مرة (المسلآتي، 1406 هـ ، 1986م.

ومن الدراسات المباشرة عن الإسلام والمسلمين في أمريكا تلك الدراسة الميدانية التي قام بها (عاطف وصفي) عن الجالية اللبنانية المسلمة في حي (ديربورن)، بمدينة (ديترويت) وقد نال بها درجة الدكتوراه في علم الاجتماع وعلم الإنسان من جامعة ولاية (ميتشجان) سنة 1964 م، وقد نشر ملخصاً للدراسة ضمن كتابه (الأنثروبولوجيا الثقافية)، تحدث في دراسته عن تاريخ هجرة اللبنانيين المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثرهم بالنجاحات التي أحرزها المهاجرون اللبنانيون النصارى الذين بدأت هجرتهم منذ حوالي عام 1875 م، وذكر أن معظمهم لم يكن ينوي الاستمرار في الإقامة في أمريكا، ويشير إلى أن عدد المسلمين قد تزايد بعد عام 1914م، وهو العام الذي أعلن فيه (فورد) عن حاجة مصانعه إلى مزيد من العمال، وقدم أجوراً مغرية كانت سبباً في هجرة الكثيرين.

وتركز الدراسة على حي (ديربورن) حيث أقام الباحث في الحي وقابل معظم سكانه، وتحدث عن عوامل تماسكهم، وذكر أن الإسلام هو أهمها، وتحدت عن تلوث الحي من جراء دخان مصانع السيارات، كما تحدث عن ا لجامع، والنادي، والحوانيت، و المقاهي، والمطاعم، و المدرسة، و ا لفنا دق، والمكتبة باعتبارها منشآت تخدم سكان الحي المسلمين. واستعرض الباحث في دراسته الحالة الاقتصادية، والتعليمية، والوضع ا لأسري وصراع الأجيال، والنشاط الديني، كما استعرض تاريخ إنشاء الجمعيات في الحي، وتحدث عن علاقة سكان الحي بغيرهم، سواء من المسلمين في الأحياء الأخرى أو غير المسلمين. وقام الباحث بتحليل عملية الامتزاج الثقافي وأساليبه، وعوامل التكيف الاجتماعي والثقافي، وتعتبر هذه الدراسة من أقرب الدراسات إلى موضوع هذا البحث، إلا أنها تعتبر قديمة إلى حد ما، وتتحدث عن جماعة صغيرة في أحد الأحياء بمدينة (ديترويت) وهي مفيدة في تكوين الخلفية التاريخية والثقافية والاجتماعية عن المجتمع المسلم في أمريكا في الستينات الميلادية (وصفي، 1971 م.

ومن الدراسات التي كتبت عن الجالية العربية، دراسة بعنوان: (العرب في أمريكا: نظرة تاريخية) من إعداد (الكسنان) كانت قد نُشرت في (موسوعة هارفارد للمجموعات العرقية الأمريكية) عام 1980 م، وقد اعتمدت الباحثة على أحاديث أجرتها مع الجيلين الأول والثاني من المهاجرين، وعلى معلومات مأخوذة من مذكرات وصحف وكتب، وتذكر أن عدد العرب آنذاك يقدر بمليوني نسمة، 90% منهم نصارى، و10% مسلمون. وقد غطت الدراسة الهجرات المبكرة، والقيم العائلية والحياة الاقتصادية للمهاجرين، وتحدثت عن المؤسسات الدينية، وعن الصحافة، والمؤسسات الثقافية، وتذكر أن أول صحيفة عربية صدرت في (نيويورك) سنة 1892 م، وتحدثت الباحثة عن التغيرات التي طرأت على الأسرة المهاجرة، وتغير الكثير من عاداتها، سواء كانت الأسرة مسلمة أم نصرانية (إلكسنان، 1985 م.

ومنها دراسة بعنوان (الهجرة من سوريا) من إعداد (نجيب صليبا) ركز فيها على دور السلطات العثمانية في دفع السوريين إلى الهجرة، وأبرز فيها عوامل الجذب والفرص المختلفة في أمريكا، وبين أن الكتابات المتعلقة بالهجرة- بما في ذلك مذكرات المهاجرين تدل على أن الاضطهاد الديني كان عاملا إضافياً، وليس عاملا أساسياً في الدفع إلى الهجرة، وقد ركزت الدراسة على المهاجرين النصارى، ولم يرد ذكر المسلمين إلا لماما، ومن ضمن ما ذكره الكاتب عن المسلمين أن معظمهم فضل الهجرة إلى مصر بدلا من أمريكا، وذلك خوفاً على دينهم ومستقبل أسرهم (صليبا، 1985م.

وتعتبر دراسة أيفون حداد (بعنوان: (المسلمون العرب والمؤسسات الإسلامية في أمريكا: التكيف والإصلاح) من أقرب الدراسات إلى موضوع بحثنا، فقد تحدثت فيه الكاتبة عن مراحل هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعن دور الطلاب في إنشاء التنظيمات والمؤسسات الإسلامية، مركزة على إبراز دور (اتحاد الطلبة المسلمين، (MSA) باعتباره من أكبر الهيئات الإسلامية وأكثرها نشاطاً، كما تحدثت عن التطورات والتغيرات التي شهدتها عادات المسلمين في البيئة الجديدة، والدور الذي تقوم به المساجد، والذي يختلف عن الدور الذي تقوم به في الشرق، وتتحدث عن حركة الإصلاح التي بدأت في السبعينات الميلادية، التي تعتبر امتدادا للصحوة الإسلامية في العالم كله (حداد، 1985م). [ملاحظة من مشرف الموقع : الدكتورة حداد سورية الأصل أميركية الجنسية وأصلها من لواء إسكندرونة جاءت إلى سورية منذ سنوات وألقت محاضرة لم أر مثلها في المكر والتدليس وإقحام الأمور ببعضها ، وربما أذكر يوماً بعض ماجرى في المحاضرة ومارددت به عليها).

وهناك عدد من الدراسات جاءت بمثابة دراسة حالة للجاليات العربية في (ديترويت)، منها دراسة بعنوان: (الجالية العربية الأمريكية في ديترويت: بحث عن مدى التنوع والعمومية) من إعداد (سمير ابراهام)، ويقدر عدد العرب في (ديترويت) بحوالي مئتي ألف (000، 200) شخص، ينتمون إلى أربع مجموعات هم اللبنانيون، والفلسطينيون، واليمنيون، والعراقيون، وينتمون إلى عدد من المذاهب والديانات، ومن أهم عوامل التمايز في نظر الكاتب المؤسسات الدينية والاجتماعية، أما العوامل المشتركة فتتمثل في اللغة، والتراث الثقافي، والشخصية. وقد قام الباحث بمسح للأبحاث المنشورة حول الموضوع لإعطاء صورة عامة عن الجالية، مع التركيز على التنوع فيها، كما تحدث عن أنماط الهجرة وعواملها، وأنماط الإقامة، وعوامل الوحدة بين الجاليات (ابرهام ، سمير: 1985 م).

ودراسة أخرى بعنوان: (جالية المهاجرين اليمنيين في ديترويت: جذورهم وحياتهم الاجتماعية) بقلم (نبيل ابرا هام) اعتمد فيه على دراسة ميدانية استمرت ثمانية عشر شهراً، من سبتمبر 1975م، إلى مارس 1977م. ويناقش جذور المهاجرين من اليمن وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، وأنماط الهجرة والدوافع إليها، كما يصف الباحث المهاجرين وأعمالهم وتوزيعاتهم السكنية، ومحيطهم الاجتماعي، وأسلوب حياتهم على ضوء أهدافهم ومواقفهم تجاه المجتمع المضيف، حيث يظهر من خلال البحث أن هناك من ينوي العودة، وهناك من ينوي الاستقرار من المهاجرين، وقدر عدد المهاجرين ما بين خمسة إلى ستة آلاف في منطقة (ديترويت)، ويذكر الباحث أن أغلب المهاجرين متزوجون، ولكن 90% منهم لم يصطحبوا عائلاتهم معهم إلى أمريكا، وتتراوح أعمارهم ما بين العشرينات والثلاثينات، وأكثرهم أميون وأشباه أميين، وفلاحون غيرمهره، ومعرفتهم بالإنجليزية قليلة أو معدومة (ابراهام، نبيل:1985م.

ومن الدراسات التي ركزت على العرب المسلمين تلك الدراسة التي بعنوان: (ساوث إند: الجالية العمالية العربية المسلمة) بقلم كل من (سمير ابراهام، نبيل ابراهام، وباربرا أسود) و (ساوث إند) حي من أحياء (ديربورن) في ديترويت، ويرى الباحثون أن الجالية التي تسكن هذا الحي تعتبر من أقدم الجاليات المسلمة العربية وأكثرها كثافة في شمال أمريكا، وتعتبر منطقة (ساوث إند) منطقة استقبال للمهاجرين العرب القادمين إلى (ديربورن) و (ديترويت) ويسكنها لبنانيون، وفلسطينيون، ويمنيون، يشتركون في الدين واللغة والتراث الثقافي، وهي جالية عمالية لديها مسجد، ومقهى عربي يقومان بدور مهم في حياة الجماعة، وقد تحدث الباحثون عن المسجد والمقهى حديثاً طويلأ وشاملأ، ويمثل العرب حوالي 80% من سكان الحي، ويستخدمون اللغة العربية في محادثاتهم، وفي اللوحات التي على محلاتهم التجارية، وكثير منهم يلبس ملابس الوطن الأم، وثلاثة أرباعهم يملكون منازلهم (ابراهام وآخرون، 1985 م). وسوف يستعين الباحث ببعض الأرقام والإحصاءات التي وردت في تلك الدراسة.

وألف جمال قاسم كتاباً بعنوان (العرب في أمريكا: دراسة لتاريخ الهجرة العربية إلى الولايات المتحدة الأمريكية) تتبع فيه تاريخ الهجرات العربية إلى هناك، وخصص الفصل السابع منه للحديث عن المسلمين العرب والمؤسسات الإسلامية، وأشار فيه إلى دوافع تلك الهجرة وأسباب تأخرها، والمراحل المختلفة التي مر بها نمو المؤسسات الإسلامية، وتحدث عن الحركة الإسلامية في تلك البلاد وعن أهدافها المختلفة ( قاسم،1988م).

وهناك مجموعة من الدراسات عن المسلمين السود في أمريكا منها دراسة (دنيس ووكر) بعنوان (علاقة الأفارقة الأمريكان بالإسلام في التاريخ الماضي والمعاصر) وهو عبارة عن سلسلة من المحاضرات تناول فيها تاريخ هجرات السود القسرية إلى أمريكا كرقيق، وعن ثقافتهم، وما عانوه هناك من ظلم وعذاب، وتأثرهم بحركة السود المسلمين في البرازيل في العودة إلى الإسلام، ثم تتبع نشوء جماعاتهم وتطورها (ووكر، 1397 هـ 1977 م). ومن الدراسات التي تناولت موضوع المسلمين السود في أمريكا دراسة قيصر الزين بعنوان (الأفرو إسلامية في الولايات المتحدة) حاول فيها فهم الحركات المعاصرة وسط الجماعات السوداء المسلمة عن طريق عرض وتحليل بعض مظاهرها، وتحليل ارتباطاتها التاريخية من جهة، وعلاقتها بمجمل السياق الثقافي الذي يحكم أوضاع المجتمع الأمريكي عامة والمسلمين فيه بوجه خاص (الزين، 1990 م).

هذا وهناك الكثير من الكتابات عن أمريكا التي قام بوضعها رحالة وصحفيون يصفون فيها مشاهداتهم ويتحدثون فيها عن عجائب الحياة في أمريكا، وهي في معظمها انطباعات شخصية، ونادراً ما تتعرض للحديث عن أوضاع المسلمين أو همومهم، ومن ذلك ما كتبه أحمد مصطفى بعنوان (مهاجر إلى أمريكا) (مصطفى، 1979 م) وسامي الكيال بعنوان (يوميات عربي في أمريكا) (الكيالي، 1961 م) و عبدالله الغذامي بعنوان (رحلة إلى جمهورية النظرية: مقاربات لقراءة وجه أمريكا الثقاف) وكان قد نشر الكتاب في سلسلة من المقالات في جريدة الشرق الأوسط، ثم جمعت ونشرت ضمن سلسلة كتاب الشرق الأوسط (الغذامي، 1995 م). ويعتبر كتاب عبدالقادر طاش بعنوان (أمريكا.. والإسلام: تعايش أم تصادم) الذي نشر ضمن سلسلة كتاب (المسلمون) من أفضل ما كتب في المجال الصحفي عن علاقة المسلمين عموماً بأمريكا، وقدم فيه كثيرا من المقابلات والآراء الأمريكية والمسلمة عن مستقبل العلاقة بين الطرفين، ودعم كتابه بوثائق مهمة في هذا الجانب، والكتاب خطوة مهمة لردم الهوة وتقريب وجهات النظر ووضع أرضية مشتركة للتعاون والتعايش بين الطرفين (طاش، 1414هـ ، 1993م.
الدراسات الأجنبية: هناك كثير من الدراسات التي ظهرت باللغة الإنجليزية عن المسلمين في أمريكا، بعضها فيه شمول ويتحدث عن وضع المسلمين عموماً، وبعضها خاص يتحدث عن جماعة من الجماعات، أو قضية من قضايا المسلمين هناك، مثل السود، والأسرة، والاقتصاد، والتعليم. وتتزايد تلك الدراسات من فترة لأخرى تبعاً لتزايد أعداد المسلمين هناك، وزيادة نشاطاتهم، واندماجهم في الحياة العامة، والتفاعل معها.

وتعتبر دراسة ايفون حداد وأدير لومس، Y.Haddad and A. LUMMIS بعنوان (القيم الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكي: دراسة مقارنه، Islamic Values in the United States : A Comparative Study من أشمل الدراسات الميدانية ومن أقربها لموضوع دراستنا، ولذلك سوف نستعرضها بشيء من التفصيل.
يذكر الباحثان أن جدوى دراستهما تـنبع من أن هجرة المسلمين، وتأسيس الجماعات الإسلامية لم تدرس إلا قليلا في التاريخ الأمريكي. والدراسات الموجودة على قلتها تعاني من نقص في المعلومات، وكثير منها دراسات لحالات خاصة، وقليل من تلك الدراسات قدّم فهماً مقبولاً للهجرات الجديدة، وخصائص المهاجرين الجدد، وتفتقد تلك الدراسات محاولة تحليل التفاعل بين الأجيال، وبين الأعراق، والضغط العالمي الذي يمارس على المساجد وبرامج التعليم لتلك المؤسسات الإسلامية، ولذلك هدفت الدراسة، كما يقول الباحثان إلى تغطية الموضوعات التالية: Haddad and : Lummis, 1987:6-7
1- درجة الاختلاف بين المسلمين في فهم وتطبيق بعض القوانين الإسلامية، والإقلاع عن البعض الآخر بناء على العمر والجنس، وفترة العيش في أمريكا، والخلفية الوطنية، ونوع العمل، ودرجة التعلم، وغيرها من ا لعوامل.

2-درجة التكيف مع الحياة الأمريكية بالنسبة للأطفال الذين ولدوا لآباء مهاجرين، والتكيف مع النظام الدراسي، ودرجة الاحتفاظ بالقيم الإسلامية أو التخلي عنها بعد أن يكبروا ويتزاوجوا ويندمجوا مع نظام العمل في أمريكا.

3-دور المرأة في الجماعات الإسلامية، والتفاعل العائلي.

4- الضغط الذي يواجهه المسلمون من خلال العيش في مجتمع غير إسلامي، وثقافة غير إسلامية، والطرق التي يتبعونها للتكيف مع تلك الثقافة.

وقد بنيا تحليلهما على دراسة معمقة لخمس جماعات إسلامية، آخذين في الاعتبار عوامل التكامل مع الجماعة، ومؤسساتها الاجتماعية، والدينية، والتربوية، والسياسة. وحاولا دراسة كل مسجد بمفرده من حيث بيئته الداخلية (الخلفية العرقية لأعضائه، اتجاهات واستجابات القيادات والقيادات المساعدة، والممارسات اليومية)، ومن حيث علاقتها بالثقافة المحيطة، وما تضمه من أعراق ومؤسسات سياسية واجتماعية، وضمت الدراسة شيئاً عن التعليم في المساجد والمراكز الإسلامية، وقد جرت الدراسة على جماعات تعيش على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية، وأعالي ولاية نيويورك، والوسط الغربي، ويرى الباحثان أن الاهتمام يجب أن يعطى في المستقبل لدراسة قضايا مثل:

1- الحالات التي يتعارض فيها العيش في ظل القانون المدني الأمريكي.مع قوانين الشريعة الإسلامية المتعلقة بالأسرة، وكيف يؤثر ذلك على نظرة المرأة إلى نفسها، ولعل أبرز مثال على هذا الموضوع الذي يقترح الباحثان دراسته ما حدث لأحد المهاجرين العراقيين في منتصف التسعينات الميلادية، حيث كان لديه ابنتان إحداهما في الرابعة عشرة من العمر والثانية في الثالثة عشرة ، وخشي عليهما من الانحراف، فزوجهما زواجاً شرعياً، وعندما علمت الجهات الرسمية الأمريكية، فرقت بين الفتاتين وزوجيهما، واتهمت الزوجين بالاغتصاب، واتهمت الأب بمخالفة القوانين التي لا تسمح بالزواج قبل الخامسة عشرة، وتعتبر الفتاة قبل ذلك غير راشدة، وأحيلت القضية إلى المحكمة للنظر فيها.

2- تزايد التأثير للمراكز الإسلامية على غير الملتزمين من المسلمين، ومعرفة الطرق التي تتبع في إحداث ذلك التأثير.

3- حركة الدعوة الإسلامية، والأسباب التي تدعو الأمريكان سوداً وبيضاً لقبول الإسلام والتحول إليه.

4- العلاقة بين المؤسسات الإسلامية الكبرى مثل رابطة العالم الإسلامي والمجتمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، واتحاد الجماعات الإسلامية، وتأثير كل واحدة منها على الفئات التي تشكل الجماعات الإسلامية.

5- دراسة وتحليل أوضاع المجموعات غير الملتزمة بالمساجد من الجيل الثاني والجيل الثالث، والتي تقدر- حسب رأيهما- بحوالي 80% إلى 90% من السكان المسلمين في أمريكا.

6- مساهمة ومشاركة المسلمين أفرادا وتنظيمات في المجتمع الأمريكي.
وكانت الدراسة عبارة عن مشروع مدته سنتان بدأ في الشهر الأول من عام 1983م بمقابلات معمقة مع قادة المساجد قام بها مسلمون ضمن توجيهات وإرشادات الباحثين، وتمت دراسة ثمانية مساجد، مع تركيز خاص على خمسة منها. وفي المرحلة الأولى من الدراسة تم التركيز على اكتشاف خلفيات الأعضاء من حيث اتجاهاتهم الدينية، ومشاركاتهم في نشاطات المسجد، وأسلوب حياتهم، ونظرتهم لطريقة معاملة الأمريكان غير المسلمين لهم. وتمت مقابلة ثمانين حالة عن طريق التسجيل، وبعد ذلك فرغت المعلومات، وتمت تلك العملية في شتاء 1983م . وكانت تلك المقابلات مركزة على القيادات من الأئمة، وأعضاء مجالس الإدارة، وأساتذة مدارس الأحد، ومن سبق لهم تقـلد أي عمل قيادي. ومن خلال تلك المقابلات أعيد النظر في أسئلة الاستبانة، وتم حذف بعضها وإضافة البعض الآخر. وأفادت المقابلات في معرفة ما يراه المسؤولون في المساجد من قيم إسلامية يجب المحافظة عليها في البيئة ا لأمريكية.

وفي المرحلة الثانية التي بدأت في نهاية شتاء 1983م ، وُزَّعت النسخة المنقحة من الاستبانة بواسطة باحثين ميدانيين، وقد حوت إجابات مختصرة ليسهل معالجتها بالحاسب الآلي، وطلب من الباحثين تعبئة خمس وسبعين استمارة من منطقة كل مسجد، ستين منها مع مرتادي المساجد، وخمس عشرة مع الذين لا يرتادون المساجد، أو من يسمون بمسلمي الأعياد، أي الذين لا يأتون إلى المساجد إلا في العيد، وقد تم الانتهاء من جمع تلك المعلومات في شهر إبريل من عام 1984م ، وبلغ مجموع الاستمارات التي تمت تعبئتها (347) استمارة.

ويذكر الباحثان أنه قد اعترضهما بعض المشكلات، منها تردد بعض المساجد في التعاون، ورفض البعض الآخر خشية سوء استخدام أو تشويه المعلومات، وكان الكثير من المهاجرين يشكون من الباحثين لأنه أتوا من مناطق لا تُسأل فيها الأسئلة إلا من قبل الحكومة، وكان من أكبر المشكلات كسب ثقة المبحوثين ليجيبوا على الأسئلة بصراحة وصدق، وقد كان التأكيد على سرية المعلومات عاملا مساعدا ومفيدا، ويقترح الباحثان إجراء البحوث من قبل علماء مسلمين في المستقبل لتجاوز هذه المشكلة بصورة اكبر، والمشكلة الأخرى التي واجهت البحث كانت في إيجاد الباحثين الميدانيين المسلمين المؤهلين، وقد برزت هذه المشكلة في ثلاثة مساجد، في أحدها كان الباحث شيعياً ومرتادو المسجد سنيين، فرفض الإمام التعاون معه، وحذر الناس من التعاون معه خشية استخدام المعلومات استخداماً سيئاً، فما كان من الباحثين إلا أن اختارا مسجدا آخر، وفي حالة أخرى لم يكن الباحث مسلماً ولا عضوا في المسجد، وإن كان ليس غريباً على نشاطات المسجد، وحدث أن زارت جماعة التبليغ المسجد، وزاره كذلك نمساوي دخل في الإسلام مقدماً حلقة نقاشية ( سيمنار) حول خطورة التعاون مع النصارى، وعندما عرضت عليه نسخة من استمارة البحث اعتبرها محاولة نصرانية لعرقلة الإسلام، وحذر قادة المسجد من التعاون والمشاركة في البحث، ولذلك تم إلغاء المسجد، ويعتبر ذلك مؤشرا على أن الباحث يجب أن يحصل على الشرعية من قبل المبحوثين حتى يكون بحثه شاملا وفعالاً.

وفي النهاية تم اختيار خمسة مواقع للدراسة المعمقة، مع معلومات مكملة جمعت من ثلاثة مواقع أخرى، ووصف الباحثان المناطق الجغرافية الثلاث التي وقعت فيها الدراسة، فالمنطقة الأولى كانت الوسط الغربي west-Mid وتضم اكبر مجموعة من المهاجرين العرب في الولايات المتحدة الأمريكية، وتحوي عددا من المساجد الكبيرة، وأغلبية المسلمين في هذه المنطقة من أصل لبناني، ويبدو عليهم التحرر والأمركة، ولكن الظروف التي استجدت في العقود الأخيرة قللت من تجانس السكان، حيث تزايدت هجرات المسلمين من الدول الأخرى، وخاصة باكستان واليمن وفلسطين. مما سبب بعض الضغط على المؤسسات الاجتماعية والدينية الموجودة في المجتمع، وتسلم القيادة في بعض تلك المواقع بعض المولودين في الخارج، والمدربين في الخارج من الأئمة الذين ينظرون إلى الوضع على أنه إسلام على الطريقة الأمريكية، ولذلك يطالبون برفض كل ما يتعارض مع الإسلام في الحياة الأمريكية، وفي بعض الأماكن تبدأ المشكلات عندما يحاول المسجد أن يخدم ويساعد القادمين الجدد من الخارج، وكذلك الطلاب الموجودين في المنطقة، وقد بذلت الجهود لإدماج مجموعة من اللاجئين المسلمين القادمين من جنوب شرق آسيا في مجتمعهم المحلي.

وفي إحدى مدن الوسط الغربي تشكل الأقلية المسلمة نسبة كبيرة من السكان مما حدا بالسلطات المحلية إلى وضع بعض التجهيزات والخدمات الاجتماعية التي صممت خصيصاً لخدمة تلك الجماعة، فبعض المدارس المحلية تقدم دروساً بأكثر من لغة، ويعطى الأطفال إجازات للاحتفال بأعيادهم، وتحول أحد المواقع التي يتركز فيها المسلمون إلى موقع تعكس فيه الدكاكين والبضائع والمطاعم والملاهي اختلاف الأذواق حسب اختلاف السكان.

والموقع الجغرافي الثاني هو الساحل الشرق ( East coast) وأول من وصل هناك المهاجرون اللبنانيون، ولكنه يضم أعضاء من دول إسلامية مختلفة، يميلون إلى التناثر في المنطقة ويتفاعلون مع المسلمين ومع غير المسلمين، ولكثرة المعاهد والجامعات ومراكز البحث يتكاثر في المنطقة الطلاب الذين وفدوا للدراسة، مما سبب بعض الخلاف بين القادمين المحافظين والمحليين المتحررين، واستطاعت العناصر المحافظة أن تشجع النساء على اللباس الإسلامي، وتشجع المجتمع المحلي على إتباع طريقة في الحياة يمكن تمييزها عن الحياة التي تحيط بها.

ولم يترك تدفق المهاجرين الجدد أي تأثير واضح على المدينة التي بني فيها المسجد لأن معظمهم حرفيون مهرة، ولديهم القدرة المالية على شراء منازل في مدن وضواحي مختلفة، وربما يمثلون الحلقة الأولى في سلسلة المهاجرين الذين سيفدون في المستقبل، وكان وجودهم سبباً في تغيير تركيبة المراكز الإسلامية لكثرة عددهم، ويظهر تأثيرهم في أيام الأحد عندما يجتمعون للصلاة، ولتوجيه وتعليم أبنائهم في مدارس الأحد، والتفاعل في الساحل الشرقي قليل بين المجموعات العرقية، وبين المهاجرين الجدد والمهاجرين القدماء، وهذه المجموعة، كما يشير الباحثان، يمكن وصفها بأنها مجموعة متناثرة.

أما الموقع الجغرافي الثالث فهو أعالي ولاية (نيويورك) والمسلمون في هذه المنطقة يمثلون ثلاث مجموعات عرقية: الباكستانيين، واليمنيين، والأتراك، وفي الغالب تكون ثقافة وتعليم اليمنيين والأتراك قليلة، بينما معظم الباكستانيين من خريجي الجامعات، محترفون، ويمكن تصنيفهم ضمن الطبقة المتوسطة العالية، ويرتبطون بأعمال في مؤسسات عاملة وفعالة، وفي الوقت نفسه لديهم وعى ذاتي بانتمائهم إلى الإسلام على الطريقة التقليدية أكثر من العرب. وتضم المساجد الباكستانيين، وبعض الهنود، وبعض المصريين، واليمنيين وغيرهم من العرب، أما الأتراك- الذين يعملون غالباً في مصانع النسيج في المناطق الحضرية- فقد أسسوا لهم جماعة خاصة ولها مسجدها، وتفاعلها قليل مع المجموعات الأخرى، ما عدا المشاركة في الاحتفالات الجماعية الكبيرة. وأكثر المسلمين في هذه المنطقة مهاجرون جدد جاؤوا إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال العشر أو الخمس عشرة سنة الأخيرة، هدفهم في البداية الدراسة، وبعد التخرج وجدوا أنفسهم قادرين على العمل والمشاركة مع المؤسسات العلمية المحترفة، وهم الآن في منتصف العمر تقريباً، ولديهم أطفال صغار ويتطلعون إلى أن يغرسوا القيم الإسلامية في الجيل الجديد، وبالرغم أنهم في الغالب لا يعملون في المكان نفسه، ولا يسكنون في منطقة واحدة، إلا أنهم أبقوا على العلاقة القوية بينهم وبين الأسر الإسلامية. ولأن ذلك يتطلب جهدا ووقتاً أطول للتنقل أكثر من التفاعل مع الجوار، فقد أطلق الباحثان على هذا النوع من جماعات المهاجرين المسلمين (الأقلية كثيرة الترحال) ،. (Commuter enclave)

وبعد وصف المواقع الجغرافية الثلاثة، شرع الباحثان في وصف عينة الدراسة، فذكرا أن المهاجرين المسلمين- كغيرهم من المهاجرين- يعكسون الاختلافات السياسية والأيديولوجية الجغرافية للدول التي قدموا منها، كما يعكسون العوامل الاجتماعية والسياسية والنفسية التي تؤثر على حياتهم في الولايات المتحدة الأمريكية. ويأتي المهاجرون إلى أمريكا ومعهم العناصر الرئيسة لهويتهم التي نمت عبر السنين. والمهاجرون المسلمون إلى أمريكا جاؤوا في موجات عدة، قسمها الباحثان إلى خمس موجات، فمن حوالي عام 1875 إلى عام 1912م كانت الهجرات من غير المثقفين، وكانت من العمال غير المهرة، وكان معظمهم من الشباب ومن سوريا وفلسطين ولبنان والأردن، وكانت تلك البقاع تحكم من قبل الحكومة العثمانية. وكان السبب الرئيس للهجرة هو سوء الأحوال الاقتصادية والأمل في إحراز نجاح اقتصادي في أمريكا مثلما هو الحال بالنسبة للبنانيين النصارى الذين سبقوهم إلى تلك الديار. وبعض أولئك المهاجرين عادوا إلى بلادهم، والغالبية بقيت مكونة جماعات إسلامية. ولقلة التعليم وضعف المعرفة باللغة الإنجليزية، اضطر كثير منهم للعمل في المناجم والمصانع، أو تجارا صغارا. وعندما استقرت غالبيتهم في المراكز الصناعية وجدوا صعوبة في التفاعل والاندماج في الثقافة الأمريكية، ولذلك اتجهوا إلى تقوية الأواصر بينهم، وقصر علاقاتهم وتفاعلهم مع إخوانهم المسلمين، ومع الذين يشاركونهم في الوطن الأم.

وكانت الموجة الثانية ما بين عامي 1918 و 1922م بعد الحرب العالمية الأولى، وحوت أعداداً قليلة من سكان المدن، بينما كانت غالبية المهاجرين من أقارب وأصدقاء ومعارف المهاجرين القدماء، فبعد أن شهدوا استقلال بلاد الشام عن الحكم العثماني وجدوا أن الاستعمار الإنجليزي والفرنسي قد حلا محلة. أما الموجة الثالثة- في رأي الباحثين- فكانت ما بين عامي 1930و1960م وكانت محكومة بالقانون الأمريكي الذي قصر الهجرة عموماً على أقرباء المهاجرين القدماء الموجودين في الولايات المتحدة الأمريكية.

وشملت الموجة الرابعة التي كانت بين عامي 1947 و 1960م مهاجرين ليس فقط من الشرق الأوسط، ولكن من الهند، والباكستان، وأوربا الشرقية، والاتحاد السوفيتي، وأجزاء أخرى من العالم الإسلامي، وتزايد العدد من أبناء النخب الحاكمة في عدد من الدول، وكان معظمهم سكان حضر، مثقفين، ومستغربين ( لديهم اتجاهات غربية) قبل وصولهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وقد جاؤا إليها لاجئين، يبحثون عن حياة أفضل، وعن مواصلة دراساتهم العليا، أو تدريب تقني عال، وفرص عمل خاصة، وإشباع توجهاتهم الأيديولوجية.

والموجة الخامسة بدأت في عام 1967م ولا تزال مستمرة إلى يومنا هذا، فبالإضافة إلى العوامل الاقتصادية، لعبت العوامل السياسية دورا كبيرا في دفع الكثير من المسلمين إلى المجيء إلى الولايات المتحدة، فالعالم العربي عانى عدة هزائم في حروبه مع إسرائيل، مما ترك آثارا بالغة على نفسيات كثير من العرب وهز ثقتهم في الأيديولوجيات المتبعة، وكان المهاجرون في هذه المرحلة يختلفون عن سابقيهم بارتفاع مستواهم الثقافي وامتلاكهم للمهارات، ويتطلعون للتمتع بالمميزات الاقتصادية والسياسية للحياة في أمريكا. والمجموعات التي جاءت أخيرا هم أشباه مهرة، ومعظمهم جاء من باكستان واليمن ولبنان، وإيران بعـد الثورة، وبشكل عام، كان المهاجرون المتأخرون أكثر حظاً في الحصول على أعمال من الذين جاؤوا في بداية القرن.

ويذكر الباحثان أن دراستهما شملت 347 مسلما، كان 64% مهاجرين، ونصف النسبة الباقية 16% كانوا أبناء لهم، وكان تقريبا كل الجيل الأول والثاني والثالث من المهاجرين اللبنانيين، ولذلك لا غرابة أن يكون 34% من العينة منهم، حيث يشكلون كبر مجموعة مهاجرة، وثاني اكبر مجموعة كانت من الباكستانيين، ويشكلون أكثر من ربع العينة 28%، وقد شملت العينة مهاجرين من بلدان مختلفة هي مصر، والأردن، وتركيا، والكويت، واليمن، والمملكة العربية السعودية، وإيران، والعراق. ولم تمثل دولة من هذه الدول بأكثر من ثمانية عشر شخصا (أقل من 9% من المجموع) ومعظم الدول مثلت بأقل من هذا العدد بكثير. ويبدو لي أن هناك شيء من التحيز في العينة، فلا أعتقد أن اللبنانيين يمثلون 34% من المهاجرين في أمريكا، أو في المناطق التي أجريت فيها الدراسة، ومثل ذلك يقال عن الباكستانيين، وربما كان السبب في رفع نسبتهما يعود إلى أن بعض المساجد التي أجريت عليها الدراسة كانت خاصة بالمهاجرين من هاتين الدولتين، خصوصا إذا علمنا أن المهاجرين من الدولة الواحدة يجذبون إليهم مهاجرين جدد من الدولة نفسها لأسباب مختلفة منها النفسي، والاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي.

ويواصل الباحثان وصفهما للعينة، ويذكران أن معظمها جاء إلى أمريكا حديثا، فثلاثة أرباعهم جاؤا بعد عام 1968 م وأكثر هؤلاء (42%) جاؤا بعد عام 1977م ، أي أن الغالبية جاء ضمن الموجة الخامسة، وهذا مؤشر آخر لتحيز العينة، فاللبنانيين، كما يذكر الباحثان، كانوا يمثلون غالبية، إن لم يكن كل الجيل الأول والثاني والثالث، وهذه الأجيال جاءت قبل عام 1947 م، و75% من أفراد العينة جاؤا لأمريكا بعد عام 1968 م .

ويختلف أفراد العينة من حيث العمر ووقت الوصول، فحوالي 30% استقروا في أمريكا وهم في الثامنة عشرة من العمر أو أقل، وحوالي 35% قدموا وأعمارهم ما بين 19 و 25 سنة، وكانوا طلاب كليات وجامعات في الغالب. و 33% استقروا في أمريكا وأعمارهم بين 26 و 39 سنة، وفقط 2% من العينة قدموا وأعمارهم فوق الأربعين، وتوزيع عينة الدراسة على هذا الشكل يشير إلى أن معظم المسلمين جاؤوا إلى أمريكا وهم شباب، أو جاؤوا مع آبائهم الذين كانوا شباباً، و جاؤوا في الغالب للدراسة، أو العمل، وكانوا يأملون في تحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية.

وإلى حد كبير يمكن القول أن هؤلاء المهاجرين وأبناءهم وأحفادهم قد أحرزوا نجاحات ملموسة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وتعكس الدراسة مستوى دخل المبحوثين، حيث بلغ الدخل لثلاثة أرباعهم (78%) خمسة عشر ألف دولار في السنة أو كثر، وحوالي النصف (49%) بلغ معدل دخلهم 35 ألف دولار أو أكثر، و51% عندهم على الأقل أربع سنوات من التعليم الجامعي، وحوالي الربع يحملون شهادات عليا، ويشغلون أعمالاً مختلفة، وحوالي 21% طلاب غير عاملين، ويشكل الزوجات ربات المنازل 18%، ويشكل المتقاعدون 4% والبقية 26% عاملون محترفون، نصفهم 13% أطباء، ومحامون، أو أعضاء هيئة تدريس في الجامعة، وقلة 8% يشتغلون رجال أعمال، وأعضاء مجلس إدارة، وعمال إدارة متوسطون، أو ملاك دكاكين، وحوالي 22% موظفون حكوميون، وباعة، وعمال مصا رف (بنوك) ويعملون في السكرتارية، وعمال مهرة، ويبدو على الأغلبية أنهم قانعون بحياتهم في أمريكا، فقط 18% ذكروا أنهم لن يعيشوا فيها بعـد التقاعد.

هذا وقد أظهر البحث نتائج كثيرة ومتعددة، سوف نقتصر على بعضها، منها أن كثيرا من المسلمين لم يذهبوا إلى المساجد ولم يتعرفوا على الإسلام إلا في أمريكا، لما رأوه من حملات إعلامية على الإسلام والمسلمين، ولكثرة الأسئلة التي يتلقونها عن الإسلام، وبعضهم لم يكن يهمه البحث عن جذوره قبل أن يصل إلى أمريكا.، وعندما سئل المبحوثون عن أقرب الجمل المتعلقة بالقضاء والقدر إلى وجهة نظرهم، أجاب 33% بأن كل شيء في هذا الكون محكوم بإرادة الله، وأجاب 38% بأن الله أعطى للإنسان بعض حرية الاختيار، وأجاب 29% بأن الله ترك حرية الاختيار كاملة للإنسان. وحول درجة اتباع تعاليم الإسلام قال 46% أن تعاليم الإسلام يجب أن تطبق بدقة وبقوة، وقال 36% أنها يجب أن تطبق بشيء من المرونة، أما البقية 18% فقالوا بتكييفها إذا لزم الأمر، وحول درجة التدين، أجاب 15% بأنهم يعتبرون أنفسهم متدينين جدا، و 47% بأنهم متدينون إلى حد كبير، و 33% بأنهم متدينون إلى حد ما، و 5% بأنهم ليسوا متدينين .

وقضية القضاء والقدر قضية حساسة جدا، وحولها جدل طويل، وكثير من الغربيين ينظرون إلى الإسلام على أنه دين إتكالية، وأن مفهوم القضاء والقدر مفهوم مخدر للمسلمين، يعلقون عليه أخطاءهم، وهم لذلك لا يبذلون الأسباب. وهذا فهم خاطئ وغير صحيح، فلا يوجد مذهب أو دين دعا للعمل وقدسه، ودعا إلى بذل الأسباب أكثر من الإسلام، والآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة الدالة على ذلك كثيرة. أما قياس تدين الناس فإنه قضية صعبة وشائكة، خصوصاً إذا كان الاعتماد فيها على ما يقوله المبحوث عن نفسه، فربما كان الشخص متديناً جدا، فيصف نفسه بأنه متدين إلى حد ما، تواضعاً منه، أو شعورا منه بالتقصير في بعض الجوانب، وربما كان الشخص متديناً إلى حد ما، فيصف نفسه بأنه متدين جدا إما قياساً على رفاقه الذين يعرفهم، أو لأنه يستكثر ما يقوم به من عبادة، وربما أخذ بعضهم البيئة التي يعيش فيها في الحسبان، فاتباع الدين في بلد مثل المملكة العربية السعودية، حيث ينادى للصلاة بصوت عال، وتمتلئ المساجد بالمصلين، وكل من حول الشخص مسلم، يختلف عن بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، حيث لا تتوفر البيئة المساعدة على أداء شعائر الإسلام. ويمكن النظر إلى إجابة الشخص عن درجة تدينه على أنها مؤشر عام، ولقد عضدت الإجابات التي وردت سابقاً بإجابات حول درجة تدين الشخص في السنوات الأربع الأخيرة، فأجاب 45% بأنهم أصبحوا أكثر تديناً، و 43% بأن درجة تدينهم لم تتغير، و 12% بأنهم أصبحوا أقل تديناً.

أما بالنسبة لدرجة الارتباط بالمسجد، فكانت إجابات المبحوثين على النحو التالي: 10% لم يذهب أبدا، 20% يذهب في الأعياد فقط ( مرة أو مّرتين في السنة) 6% مرة كل شهرين، 4% مرة كل شهر، 9% مرتين في الشهر، 39%مرة كل أسبوع،12% مرتين في الأسبوع. ودرجة الارتباط بالمسجد تعتمد على قربه من سكن المبحوث، والمساجد في الولايات المتحدة كلها أقل من المساجد في مدينة الرياض وحدها، رغم تناميها وتكاثرها في السنوات الأخيرة ، ومهما كان المسجد بعيداً على المسلم فإنه يجب أن يذهب إليه على الأقل لأداء صلاة الجمعة ، أي مرة كل أسبوع.

وعن أهمية المسجد في ربط المسلمين بالإسلام، ذكر 71% من عينه البحث أنه مهم جداً، و 16% قالوا أنه مهم إلى حد كبير ، و8% قالوا أنه مهم إلى حد ما ، و2% فقط قالوا أنه قليل الأهمية. وعندما سئل المبحوثون عما إذا كانوا سينتقلون لأسباب تتعلق بالعمل أو العائلة ، وعن أهمية أن ينتقلوا إلى منطقة فيها مسجد، قال 46% بأن ذلك مهم جداً، و25% قالوا أنه مهم إلى حد كبير، و 21% مهم إلى حد ما ، و8% قالوا أنه قليل الأهمية ، ووافق 57% على أن الشخص يمكن أن يكون مسلماً جيداً دون أن يعتاد المسجد ، و23% قالوا لا أدري ، بينما 2% لم يوافقوا على ذلك . وبالنسبة للسلوك الديني ، فيوضحه الجدول التالي:
1: توزيع عينه ( حداد ولومس )

حسب السلوك الديني: أبدا ً 14% نادراً 14% أحياناً 22% غالباً 50%

الصيام خلال رمضان: أبداً 14% نادراً 14% أحياناً 22% غالباً 50%

قراءة القرآن: أبداً 31% نادراً 22% أحيانا 34% غالباً 31%

دعوة مسلم لينضم إليه في الصلاة: أبداً 31% نادراً 24% أحيانا 30% غالباً 15%

يؤدي الصلاة في المسجد: : أبداً 33% نادراً 21% احياناً 21% غالباً 24%

أداء الجمعة في المسجد: أبداً 29% نادراً 26% أحياناً 16% غالباً 39%.
Source: Haddad and Lummis, 1987:29
وبالنسبة لحضور الأطفال لبرامج المسجد، قال 79% أن أطفالهم أو أحفادهم يحضرون كل أسبوع، وقال 5% بحضورهم مرتين. في الشهر، و 31% قالوا بحضورهم عدة مرات في السنة وفي الأعياد، أما 3% فقالوا أن حضورهم قليل جداً أو لم يحضروا أبدا، ويرى 70% أن لحضورهم قيمة كبيرة جدا، و 15% يرون أن له قيمة إلى حد كبير، 13% له قيمة إلى حد ما، و 2% يرون أن له قيمة قليلة أو ليس له قيمة، ويرى كثير من المسلمين أن المسجد يجب أن يقدم نشاطات اجتماعية مختلفة حتى يجذب إليه المسلمين، ويملأ الفراغ، ويهيئ الأجواء للتفاعل والتعاون والتآزر بين المسلمين. هذا وسوف نشير إلى بعض النتائج الأخرى التي توصلت إليها دراسة (حداد ولومس ) Haddad and Lummis عند مناقشة الموضوعات ذات العلاقة.
وكتب (قطبي مهدي أحمد، G. M. Ahmed ) بحثاً عن (المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية، Muslim Organizations in the United States تتبع فيه نشأة كثير من الجمعيات والمنظمات في أمريكا من بداية القرن العشرين إلى أواسط الثمانينات الميلادية، وركز فيه على دور المهاجرين الأوائل من اللبنانيين في وضع البذور الأولى لبعض التنظيمات، وحاول إبراز جهودهم في جمع شتات المسلمين في النصف الأول من القرن العشرين، كما تحدث عن بعض جماعات السود، مثل معبد المراكشيين العلمي، وجماعة (أمة الإسلام)، وجماعة الأنصار، وتحدث عن نشأة اتحاد الطلبة المسلمين، ونشاطاته وتطوره، ثم أخيرا تحدث عن (الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية، ISNA وعن فروعه ونشاطاته المختلفة. ( Ahmed,1991). وأعدت (كارل ستون، C.Ston بحثاً بعنوان (تقدير أعداد المسلمين الذين يعيشون في أمريكا، Estimate of Muslims Living in America) ) كان محاولة لتقدير عدد المسلمين الذين يعيشون في أمريكا في الثمانينات الميلادية، بنته الباحثة على بعض الافتراضات التي ربما تثار حول قبولها علامات استفهام، حيث قامت بحصر المهاجرين حسب بلد الأصل، وافترضت أن نسبة المسلمين بين المهاجرين، تعادل نسبة المسلمين في ذلك البلد، وهذا افتراض غير مقبول، لأن المسلمين مثلا في لبنان يمثلون حوالي 50 % من السكان، لكن نسبة من هاجر منهم إلى أمريكا لا تتجاوز 15% من المهاجرين اللبنانيين، وفي المقابل نجد نسبة المسلمين في الهند حوالي 15% ولكن المهاجرين منهم إلى أمريكا ربما تجاوزوا هذه النسبة كثيرا لأنهم يعانون ضغوطاً دينية لا يعانيها غيرهم من الهنود. ولكن يمكن النظر إلى أن تلك النسب يعوض بعضهما بعضاً، فقلتهم بالنسبة للبنان تعوضها كثرتهم من يوغسلافيا مثلا ( Stone,1991 ) .

وعن الانطباع عن المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، كتب (بايرن هينز ( B.Haines دراسة عن (نظرة الكنائس الأمريكية للإسلام وللجماعات المسلمة في أمريكا الشمالية،
Perspectives of the American churches on Islam and the Muslim Community in

North America) ويرى الباحث (هينز) أن المعلومات تشير إلى وجود ثلاث فئات من المنظمات والجماعات الكنسية بالنسبة لنظرتها للإسلام والمسلمين في أمريكا، الفئة الأولى تقبل بالمسلمين كجماعة مشروعة ضمن المجتمع الأمريكي، وتحاول مد الجسور معهم، وإجابة دعواتهم، والاعتراف بحقوقهم. والفئة الثانية تنظر إلى أن وجود المسلمين في أمريكا فرصة ساقها الرب لتحويلهم إلى النصرانية، ولا تتوانى هذه الفئة عن بذل الجهود في هذا الاتجاه، أما الفئة الثالثة فتقع بين الفئتين السابقتين، فهي لا تقبل المسلمين مثل الفئة الأولى، ومن ثم غير مستعدة للتعاون معهم، كما أنها لا تسعى إلى تحولهم إلى النصرانية ( Stone,1991 ).

وعن (المسلمين كآخرين: تمثيل المسلمين ونظرتهم إلى أنفسهم في الولايات المتحدة الأمريكية

The Muslims as the (Others): Representation and Self-Image of the Muslims

in America ; كتب (أبو بكر الشنقيطي، A.Al-Shingiety مركزا على المشاركة السياسية والثقافية للمسلمين في أمريكا، وتأثير المسلمين على التوجه الأيديولوجي لأمريكا من جهة، ونظرة الأمريكيين إلى الجماعات الإسلامية من جهة أخرى، وكان حديث الباحث يدور حول المسلمين السود في أمريكا مثل جـماعة ( أمة الإسلام )، وجماعة ( الدعوة الإسلامية في أمريكا ) (Al-òShingiety ,1991 ) وعن الفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية، هناك عدد من الدراسات والبحوث، منها بحث بقلم (جان اسبسيتو Esposito J. عن إسماعيل الفاروقي: عالم إسلامي حركي ، Ismail R.Al-Faruqi : Muslim Scholar-Activist تتبع فيه الباحث مراحل حياة الفاروقي، وتحوله من الدعوة للقومية العربية إلى الدعوة إلى الإسلام، وبين الباحث سعة أفق الفاروقي وسعة اطلاعه على الثقافة النصرانية باعتباره جزءا من عمله الأكاديمي، وكجزء من عمله الدعوي وكثرة احتكاكه بالفرق النصرانية، Esposito,1991 وأخر بعنوان ( تركة فضل الرحمن، The Legacy of Fazlur Rahman بقلم فردريك دئي F.Denny وفضل الرحمن عالم باكستاني واسع الاطلاع على علوم الأديان، والفلسفة، والأخلاق، ويركز في بحوثه على تفسير القران، وعلى ربط الإسلام بالحياة المعاصرة، Denny,1991، وهناك عدد كبير من الدراسات والبحوث عن مالكولم إكس Malcolm X الذي يعتبر أشهر شخصية مسلمة ظهرت في أمريكا إلى الآن، ومن تلك الدراسات دراسة (هنريك كلارك، H.Clarke عنوان مالكولم إكس: الرجل وزمنه، Malcolm X: The Man and His Times تتبع فيه مراحل حياته وشخصيته، وما تعرضت له من تحولات، وخطبه، ومواقفه Clarke;1969 وكتاب (ديفد جالن، (D.Gallen بعنوان (المرجع عن مالكولم إكس: نظرات حول الرجل والخرافة، Malcolm X Reader:Perspectives on the Man and the Myths ) وهو كتاب مرجعي عن مالكلوم إكس يغطي حياته منذ ميلاده في عام 1925م إلى مقتله في سنة 1965م Gallen;1994ومن البحوث التي كتبت عن وارث الدين محمد ما كتبه (ظافر الأنصاري، Z.Ansari بعنوان (وارث الدين محمد: تكوين قائد مسلم أسود، W.D.Muhammad:the Making of a ( Black Muslim ) تتبع فيه حياته مع والده وخلافاته معه، وبعض رحلاته، وتوليه قيادة الجماعة وما قام به من تغييرات قربتها من أهل السنة والجماعة ( Ansari;1985).

وهناك دراسات وبحوث عن النشاطات السياسية للمسلمين في أمريكا، منها بحث بقلم (ستيف جانسون S.Johnson ) تحدث فيه عن محورين من محاور النشاط السياسي، الأول عن النشاط السياسي داخل الجماعات الإسلامية والذي يدعو إلى تعريف المسلمين بحقوقهم الانتخابية، ودعوتهم إلى استثمارها فيما يعود على المسلمين بالفائدة والنفع، والمحور الثاني عن نشاط المسلمين السياسي ضمن المجتمع الأمريكي الكبير ( Johnson.1991 ). وبحث عن الدعوة في الغرب، بقلم ( لاري بوستون، L.Poston تحدث فيه عن الانقسام بين أولئك الذين يرون أن الجهود يجب أن تنصب على تثبيت المسلمين على دينهم، ومساعدتهم على ذلك، وأولئك الذين يرون أنه يجب العمل كذلك على إدخال الأمريكيين في الإسلام. واستعرض الخلفية التاريخية للدعوة الإسلامية في أمريكا، ودور بعض الجماعات المسلمة في ذلك (Poston1991 ). وهناك بحث عن المسلمين في السجون، بقلم (كاثلين مور، K.Moore;1991وبحث عن التربية الإسلامية في الولايات المتحدة وكندا، كتبته (نعمت حافظ برزنجي،. N.M.Barazangi;1991:A

والمرأة المسلمة من أهم أعمدة وعناصر المجتمع المسلم في كل زمان ومكان، ومن البحوث التي تناولت موضوع المرأة المسلمة بحث عن المرأة الأمريكية الأفريقية المسلمة، كتبته (بفرلي مكلاود، B.McCloud;1991والثاني بعنوان: طريقين للتثاقف: المرأة المسلمة بين الاختيار الفردي، وتحقيق التوقعات الاجتماعية بقلم (مارشا هيرمانسن ). M.Hermansen;1991 وموضوع الهوية الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية جاء حوله عدد من البحوث، منها بحث بعنوان: قضايا إسلامية للمسلمين في أمريكا، بقلم (جان فول، J.Voll) تحدث فيه عن نوعين من القضايا، القضايا التي تواجه الأقليات المسلمة في كل زمان ومكان، والقضايا التي توجه المسلمين في مرحلة ما بعد الصناعة في الغرب. وبحث بقلم (أيفون حداد ،Y.Haddad ) عن: السياسة الخارجية الأمريكية وأثرها على هوية العرب المسلمين\\\” في الولايات المتحدة الأمريكية، تم فيه تتبع التغيرات التي حدثت في السياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط في العقود الأربعة الأخيرة، وأثر ذلك على تحديد هوية المسلمين في أمريكا، فتزايد الغضب والإحباطات أدى إلى تزايد نشاط المسلمين لإثبات هويتهم وتميزها ( Haddad, 1991 ) .

وتحت عنوان: (الالتقاء والاختلاف في مجتمع ناشئ: دراسة عن التحديات التي تواجه مسلمي أمريكا) أعد (سليمان نايانج، SNyang بحثاً ذكر فيه أربعة احتياجات هي: الحفاظ على الهوية الإسلامية، الدفاع عن المؤسسات الإسلامية، تأسيس بنيات تحتية لاقتصاد إسلامي، وإيجاد طريقة للمشاركة في الحياة السياسية الأمريكية. ورغم وجرد الاختلافات بين المسلمين، إلا أن الباحث (نايانج) يرى أن الشعائر والقيم الإسلامية يمكن أن تجمعهم، ويفرق الباحث بين الاتجاه الذي لا يرى إمكانية الجمع بين الهوية الإسلامية والهوية الأمريكية، والاتجاه الآخر الذي يرى أنه يمكن إيجاد طرق للجمع بين الإثنين Nyang,1991.

وحظيت الأسر المسلمة في أمريكا الشمالية بمجموعة من البحوث والدراسات، منها بحث بقلم (أبو لبن، Abo-Laban;1991) عن الأسرة والدين بين المسلمين المهاجرين وذريتهم، وبحث عن الإطار الديني للأسرة المسلمة كتبه (سالم قرشي Qureshi;S.1991) ودراسة عن (الوالدين والشباب: المحافظة على الإسلام وتطبيقه في أمريكا الشمالية) بقلم (نعمة برزنجي Barazangi;N.1991:B).
أما المسلمون السود فهناك الكثير من البحوث والدراسات التي كتبت عنهم، وربما كانت دراسة (سي أرك لنكولن C.Eric Linooln بعنوان (المسلمون السود في أمريكا، The Black Muslims in America) من أشهرها وأقدمها، وقد ترجمه إلى اللغة العربية عمر الديراوي تحت عنوان: (المسلمون الزنوج في أمريكا) ونشر سنة 1964 م، وهو يتحدث عن فرق السود، وخاصة (أمة الإسلام) وعن زعاماتها ومراحل تطورها ( لنكولن 1964م ، Lincoln; 1961) وتعتبر دراسة (أمينة بفرلي مكلاود، A.B.McCloud) من أحدثها وهي تتتبع تاريخ وتطور ما أسمته بالجماعات القديمة، أو المبكرة، وتمتد في نظرها من عام 1900م إلى عام 1960م ، وقدمت ضمن هذا الجزء معلومات كثيرة عن إحدى عشرة جماعة منها معبد الموراكشيين العلمي، وجماعة الأخوة الإسلامية، وجماعة أمة الإسلام التي تعتبر الأشهر ضمن تلك الجماعات. ثم تحدثت عما أسمته بالجماعات المعاصرة والتي تبدأ من الستينات إلى وقتنا الحاضر وما صاحب ذلك من أحداث تحررية في العالم الإسلامي، وعن تأثير الحركة المدنية في أمريكا عليها، والتي كانت تطالب بحقوق الأقليات وخاصة السود، وتناولت ما حدث من تغيرات وانقسامات في (أمة الإسلام) بعد موت أليجا محمد في عام1975. كما تناولت بشيء من التفصيل تركيبة الأسرة في مجتمع السود المسلمين، وحياة الجماعات المحلية، وكذلك موضوع المرأة في الإسلام، والتحديات التي يواجهها المسلمون هناك، والكتاب في عمومه عن تاريخ وعقائد وتطبيقات المسلمين السود الذين قدرت عددهم الباحثة بـ 1,5 مليون إلى 4,5 مليون نسمة ( McCloud;1995)

وفي عام 1992م حرر كل من (ميشيل كوزجي وجي ملتون، Michael A.Koszegi & J.Melton كتابأ بعنوان (الإسلام في أمريكا: كتاب مرجعي، ( Islam in America: A Scurce Book) حوى دراسات وقوائم شبه حصرية للكتب والدراسات والدوريات التي تتعلق بالمسلمين في أمريكا الشمالية، بطوائفهم ومذاهبهم وأعراقهم المختلفة، والكتاب يعتبر مصدرا مهمأ لمن يريد معرفة ما كتب عن الإسلام والجماعات الإسلامية في ذلك الجزء من العالم ( Koszegi & melton:1992)

ومن خلال الدراسات السابقة نرى أن هناك اهتمامأ متزايدا بالمسلمين في أمريكا، وهذا الاهتمام يتزايد بتزايد أعداد المسلمين هناك، ولهذا نرى أن معظم الدراسات أجريت في العقدين الأخيرين، ولقد غطت تلك الدراسات كثيرا من جوانب حياة الأقلية الإسلامية في أمريكا. ومعظم تلك الدراسات جاءت باللغة الإنجـليزية، ولم تــواكبها كــتابات وبحــوث باللغــة العــربية، لغة القـرآن ولغــة الإسلام.
.وتأتي هذه الدراسة باللغة العربية ضمن علم اجتماع الوحدات الكبرى ( Macro-Sociology) لتتحدث عن المجتمع الإسلامي في أمريكا معتمدة على الدراسات السابقة في تتبع ظاهرة هجرة المسلمين إلى أمريكا، ونشأة جمعياتهم ومؤسساتهم، وتزايد أعدادهم، ومعتمدة كذلك على دراسة ميدانية لمعرفة جوانب حياة المسلمين كأقلية في المجتمع الأمريكي، ونجاحاتهم والتحديات التي يواجهونها. وتم تدعيم الدراسة الميدانية الأفقية بدراسة رأسية معمقة ضمن علم اجتماع الوحدات الصغرى Micro-Sociology عن مركز من المراكز الإسلامية من حيث مراحل نشأته، والصعوبات التي صاحبت ذلك، ونشاطاته المختلفة، ودوره في خدمة المجتمع المحلي.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف ركن الدعوة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.