نساء بلا مساجد (رد على رسالة شابة مسلمة معاصرة)

نساء بلا مساجد عنوان لكتاب لم أتمه بعد، ولكنه اليوم جواب لرسالة أخت سألت بحيرة: هل المرأة في الإسلام مخلوق من الدرجة الثانية؟

لا أزعم امتلاك الحقيقة ولكني سأحاول قدر الإمكان البحث عنها وسيكون الجواب في النهاية.

الأخت التي سألت ليست من النائمين ولا المسيرين بل من أهل الصحوة في زمن التبلد والضياع، وهي كانت تسأل لتتلمس الطريق الصواب، لأن واحداً منا لن يعثر عليه بمفرده، والله تعالى يقول: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم) (التوبة -71).

أكمل قراءة التدوينة

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على نساء بلا مساجد (رد على رسالة شابة مسلمة معاصرة) مغلقة

وفاة العلامة الفقيه المربي الشيخ حسن أيوب أحد بقية العلماء الربانيين في الأمة

وفاة العلامة الفقيه المربي الشيخ حسن أيوب أحد بقية العلماء الربانيين في الأمة .
(الأربعاء 13 رجب 1329هـ/ 16 تموز 2008م).

تُشيَّع جنازة العالم الجليل الشيخ حسن أيوب بعد ظهر اليوم الخميس من مسجد الأشبكية بمدينة منوف في مصر بجوار مستشفى المواساة، بعد أن وافته المنية مساء أمس عن عمر يناهز 90 عامًا.

والشيخ الراحل من الرعيل الأول للإخوان المسلمين؛ الذين بذلوا جهدهم في سبيل خدمة الدعوة الإسلامية والمنهج الوسطي المعتدل، ولقِيَ الفقيد أشدَّ ألوان التعذيب أثناء فترة اعتقاله التي قاربت 20 عامًا.

والفقيد من مواليد قرية كفر فيشا بمركز منوف بمحافظة المنوفية، وهو من علماء الأزهر الشريف، تخرج في كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف سنة 1949م، وعمل بعد تخرجه مدرِّسًا بوزارة التربية والتعليم، ثم موجِّهًا بوزارة الأوقاف، ثم مديرًا للمكتب الفني بها.

انتقل بعد ذلك للعمل بدولة الكويت كواعظ وخبير ومؤلف، ثم انتقل للعمل في المملكة العربية السعودية؛ فَعُيِّنَ أستاذًا في الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز، ثم أستاذًا بمعهد إعداد الدعاة بمكة المكرمة.

وللفقيد مكتبة صوتية متميزة وعشرات الكتب التي خدمت الدعوة الإسلامية؛ منها:
الخلفاء الراشدون القادة الأوفياء وأعظم الخلفاء.
السلوك الاجتماعي في الإسلام.
السلوك الاجتماعي في الإسلام: باللغة الإنجليزية.
الفقه الشامل.
تبسيط العقائد الإسلامية.
دليل الحج والعمرة.
رحلة الخلود.
فقه الأسرة المسلمة.
فقه الحج والعمرة.
فقه العبادات بأدلتها في الإسلام.
فقه المعاملات المالية في الإسلام.
قصص الأنبياء (قصص الصفوة الممتازة.. أنبياء الله ورسله).
رسائل صغيرة في موضوعات مختلفة كالصلاة والحج.
الموسوعة الإسلامية الميسرة (وهذه الموسوعة هي آخر ما كتب الشيخ، وتبلغ حوالي 50 جزءًا من القطع الصغير، وهي شاملة لكل كليات الإسلام وفروعه وعلومه ومعارفه المختلفة.

يتميز منهج الشيخ فيما علمنا ولا نزكي على الله تعالى أحداً: بالعمق في الفكر والقوة في الدليل والحزم في الثوابت. وهو مربٍ وعالم وداعية وواعظ ومفتٍ وفقيه ومجاهد وزاهد.
لم تغيره المناصب ولا السجون وبقي على الطريق حتى اختاره الله إلى جواره.
ننصح كل من يريد قراءة الفقه بالدليل أن يستفيد مما كتبه الشيخ لأنه صاحب منهج مميز جمع بين النص والمقصد. ونسأل الله أن يفسح له مد بصره وأن يجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً وأن يخلف الأمة بخير.
اللهم أجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيراً منها.
اللهم آمين.

رابط صوتي لبعض التسجيلات الخاصة بالشيخ رحمه الله.
http://www.r-khair.com/catplay.php?catsmktba=33#

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على وفاة العلامة الفقيه المربي الشيخ حسن أيوب أحد بقية العلماء الربانيين في الأمة مغلقة

وفاة عبد الوهاب المسيري المفكر الذي أزعج الصهيونية ونظام حسني مبارك

توفي في الساعات الأولى من صباح الخميس 3 تموز 2008المفكر المصري عبد الوهاب المسيري، أحد أبرز قادة حركة “كفاية” المعارضة، وصاحب أهم موسوعة عربية عن “اليهودية والصهيونية” عن “70 عاماً، بعد معاناة مع مرض السرطان.
وكان المسيري، وهو متزوج وله ولدان، أستاذا متخصصا في الأدب الانجليزي وقام بالتدريس في عدة جامعات مصرية وعربية. وله مؤلفات عديدة في الصراع العربي الإسرائيلي ابزرها موسوعة “اليهود واليهودية والصهيونية”” “التي صدرت في 8 مجلدات عام 1999 و”الإيديولوجية الصهيونية: دراسة حالة في علم اجتماع المعرفة”” (1981). “كما لا يزال تحت الطبع كتابان له، هما “”الفكر الصهيوني من هرتزل حتى الوقت الحاضر” و”من هم اليهود وما هي اليهودية؟ اسئلة الهوية والازمة الصهيونية.

تم اختيار المسيري في العام الماضي منسقا لحركة “كفاية” الاحتجاجية، وفي يناير2007 تولى منصب المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) التي تأسست في نهاية 2004 والتي تطالب بالإصلاح السياسي في مصر، ونظمت سلسلة تظاهرات احتجاجا على إعادة انتخاب الرئيس المصري حسني مبارك لولاية خامسة في 2005،أو التوريث لابنه جمال مبارك ، ويرى مراقبون أن دور حركة كفاية أصبح أكبر من دور جل الأحزاب المصرية في الاحتجاج وتأطير المواطنين ، وأصبحت تشكل هاجسا مؤرقا للنظام المصري مما عرض ناشطيها لاعتقالات واعتداءات عديدة لم يسلم منها منسق الحركة أيضا الراحل عبد الوهاب المسيري .
وكان الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري، أستاذا غير متفرغ بكلية البنات جامعة عين شمس. وُلد في دمنهور 1938 وتلقى تعليمه الابتدائي والثانوي (مرحلة التكوين أو البذور). والتحق عام 1955 بقسم اللغة الإنجليزية بكلية الآداب جامعة الإسكندرية وعُين معيدًا فيها عند تخرجه، وسافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على درجة الماجستير عام 1964 (من جامعة كولومبيا) ثم على درجة الدكتوراه عام 1969 من جامعة رَتْجَرز Rutgers . وعند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 – 1988(، كما عمل أستاذا زائرًا في أكاديمية ناصر العسكرية، وجامعة ماليزيا الإسلامية، وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 – 1975)، ومستشارًا ثقافيًا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 – 1979). وهو الآن عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بليسبرج، بولاية فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية، ومستشار التحرير في عدد من الحوليات التي تصدر في ماليزيا وإيران والولايات المتحدة وانجلترا وفرنسا (مرحلة الثمر). ومن أهم أعمال الدكتور المسيري بالإضافة إلى موسوعة” “اليهود واليهودية والصهيونية: نموذج تفسيري جديد “( ثمانية مجلدات) ، كتاب” رحلتي الفكرية: سيرة غير ذاتية غير موضوعية- في البذور والجذور والثمار.” و مؤلفات أخرى في موضوعات شتى من أهمها: العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة (جزأين)، إشكالية التحيز”: رؤية معرفية ودعوة للاجتهاد (سبعة أجزاء). كما أن له مؤلفات أخرى في الحضارة الغربية والحضارة الأمريكية على وجه الخصوص مثل”: “الفردوس الأرضي، و الفلسفة المادية وتفكيك الإنسان، و الحداثة وما بعد الحداثة، و دراسات معرفية في الحداثة الغربية ، وللدكتور المسيري دراسات لغوية وأدبية من أهمها : “اللغة والمجاز: بين التوحيد ووحدة الوجود،” و” دراسات في الشعر”، و في الأدب والفكر، كما صدر له ديوان شعر بعنوان” أغاني الخبرة والحيرة والبراءة: سيرة شعرية.” وقد نشر الدكتور المسيري عدة قصص وديوان شعر للأطفال. وترجمت بعض أعمال المسيري الى الانكليزية والفارسية والتركية والبرتغالية وستصدر هذا العام ترجمة باللغتين الفرنسية والانجليزية لسيرته الذاتية.
وحصل المسيري في حياته على كثير من الشهادات كان آخرها جائزة القدس من الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب في شهر يونيو الماضي .وجائزة رجل العام من هيأة صيادلة مصر .
وكان آخر ما أنتجه المسيري بيانه الشهير بمناسبة الذكرى الستين للنكبة ، كما حظي مقالا له يتوقع فيه “”نهاية قريبة” لإسرائيل ربما في خمسين عاما.باهتمام فكري وإعلامي كبير” .
وبعد أن قضي نحو ربع قرن في إعداد موسوعته “اليهود واليهودية والصهيونية” كان الدكتور المسيري يعد موسوعة عنوانها “الصهيونية وإسرائيل” تتناول إسرائيل من الداخل مجتمعا ومؤسسات بهدف تعميق فهم “هذا الكيان الاستيطاني حتى تتحسن كفاءتنا في المواجهة معه كدولة وظيفية” لا تختلف كثيرا في رأيه عن دولة المماليك التي نشأت في منتصف القرن الثالث عشر الميلادي واستمرت 267 عاما.
وقال الكاتب المصري الراحل في مقاله” إسرائيل ستسقط في 50 عاما ” إن “التشابه بين إسرائيل ودولة المماليك لا يعني أن تستمر 267 عاما لأن الدورات التاريخية أصبحت الآن أكثر سرعة مما مضى”. وأضاف أن “العدو الآن في حالة تقهقر بعد أن لحقت به هزائم عسكرية متوالية” منذ ستينيات القرن العشرين وحتى حرب صيف 2006 مع حزب الله والتي أثبتت أن إسرائيل يمكن أن “تهزم””.”
وقال المسيري إن “الباحثين الإسرائيليين أنفسهم لا ينكرون هذا الخوف حتى أصبحت “كمية الكتابات” في إسرائيل عن نهاية دولتهم “””مملة” وأضاف أن هذا الهاجس لازم مؤسسي إسرائيل ومنهم ديفيد بن غوريون أول رئيس للوزراء الذي ألقى عام 1938 خطبة تضمنت أن الجماعات اليهودية في فلسطين لا تواجه “””إرهابا”.”
وقال المسيري إن بن غوريون عرّف الإرهاب في خطبته تلك بأنه “مجموعة من العصابات ممولة من الخارج، ونحن هنا لا نجابه إرهابا وإنما حربا، وهي حرب قومية أعلنها العرب علينا، هذه مقاومة فعالة من جانب الفلسطينيين لما يعتبرونه اغتصابا لوطنهم من قبل اليهود، فالشعب الذي يحارب ضد اغتصاب أرضه لن ينال منه التعب سريعا””.”
وأوضح المسيري أن الطبيعة الوظيفية لإسرائيل تعني أن “القوى الاستعمارية اصطنعتها وأنشأتها للقيام بوظائف ومهام تترفع عن القيام بها مباشرة هي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية””. ”
وذهب المسيري في مقاله إلى أن “هزيمة إسرائيل في الحرب مع حزب الله ساهمت فيها المقاومة الفلسطينية التي أتعبت إسرائيل بوسائل رغم بدائيتها لا يوجد لدى إسرائيل وسيلة لصدها”. وأوضح أنه “في حروب التحرير لا يمكن هزيمة العدو وإنما إرهاقه حتى يسلم بالأمر الواقع””. ”
ويستدل المسيري بما حدث مع المقاومة في فيتنام التي “لم تهزم الجيش الأميركي وإنما أرهقته لدرجة اليأس من تحقيق المخططات الأميركية، وهو ما فعله المجاهدون الجزائريون على مدى ثماني سنوات (1954-1962) في حرب تحرير بلدهم من الاستعمار الفرنسي””. ”
ووصف المسيري قيام دولة فلسطينية بالصيغة التي تقترحها إسرائيل ودول عربية وأجنبية بأنه أمر “عديم الجدوى” وقال الكاتب المصري إن “البديل هو قيام دولة متعددة الأديان والهويات” كما حدث في جنوب أفريقيا.
كما بثت قناة الجزيرة أكثر من حلقة في برنامج: بلاحدود مع المفكر عبد الوهاب المسيري رحمه الله في آيار 2008.
بتصرف يسير عن موقع الجزيرة.

اللهم ارحم المسيري وعوض الأمة خيراً.

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على وفاة عبد الوهاب المسيري المفكر الذي أزعج الصهيونية ونظام حسني مبارك مغلقة

الداعية التركي فتح الله غولين من أكثر الدعاة تأثيراً

الكثيرون لا يعرفون عن جماعة النور في تركية شيئاً ، وهذه مقالة تتحدث عن شخصية الداعية الأستاذ فتح الله غولين ، وهو زعيم أكبر أجنحة جماعة النور التي أسسها بديع الوزمان النورسي رحمه الله، ومن المفيد الاطلاع على ماتقوم به، وكل أحد يؤخذ منه ويترك إلا صاحب المقام صلى الله عليه وآله وسلم. ولها آثار دعوية عالمية ومنهج خاص في التربية والدعوة.

مقالة كتبتها سها الريشة نقلاً عن موقع البي بي سي العربية / الأحد 03 أغسطس 2008

ركزت الأنظار في أواخر تموز/ يوليو على قرار المحكمة الدستورية في تركيا في القضية التي رفعها الإدعاء في البلاد ضد حزب العدالة والتنمية الحاكم بتهمة تعريضه الجمهورية العلمانية إلى خطر لم تشهده من قبل.
نجا الحزب في النهاية من قرار الحل، ونجا معه عدد كبير من الأسماء الكبيرة من البلاد كرئيس الجمهورية عبد الله غول ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان من الحرمان من العمل السياسي.
وسط التنبؤات والتحليلات التي شغلت الأسابيع السابقة على هذا القرار، كانت العلمانية تحارب ـ وتخسر ـ معركة قضائية أخرى ضد الداعية الإسلامي التركي الأشهر فتح الله غولين
وجهت لغولين قبل نحو عشرة أعوام تهمة تقويض الأسس العلمانية للجمهورية، غادر البلاد إثر ذلك إلى الولايات المتحدة، إلا أن المحكمة برأته في نهاية حزيران/يونيو الماضي من هذه التهمة، مما أثار التكهنات بقرب عودته إلى تركيا، وطرح تساؤلات حول ما قد يترتب على عودته.
ففتح الله غولين هو الشخص الأكثر نفوذا في العالم كما وجدت ـ لدهشتهما ـ مجلتا “بروسبكتس” و”فورين بوليسي” السياسيتان الرصينتان، بعد استطلاع للرأي تبعته في النهاية اتهامات لصحيفة “زمان” التركية بتزوير التصويت كي تضمن فوزه.

فمن هو فتح الله غولين؟
الداعية الإسلامي في منتصف العقد السابع من عمره، رائد دعوة الحوار بين الأديان والمؤلف لعشرات الكتب أغلبها حول التصوف في الإسلام ومعنى التدين والتحديات التي تواجه الإسلام اليوم.
ولد غولين في قرية صغيرة بالأناضول، في بيت يحب الأدب والعلم والدين، في فترة كانت العلمانية التي نشرها الزعيم التركي كمال أتاتورك تجعل الناس يتشوقون لممارسة الشعائر الدينية في النور.
لم يقتصر تعليم غولين على الدين والثقافات الشرقية فحسب بل امتد إلى الإطلاع على الثقافة الغربية بأفكارها وفلسفتها، وإلى العلوم الطبيعية أيضا.
وكان الأهم في التأثير على شخصيته تعرفه برسائل النور وبحركة طلاب النور، التي أسسها عالم إسلامي هو بديع الزمان سعيد النورسي.
ومع بلوغ غولين العشرين من العمر عين إماما ثم واعظا متجولا فجاب البلاد، وتحلق حوله الكثيرون مأخوذين بشخصيته ومغزى رسالته، وكانت لقاءاته هذه نواة حركته التي يتراوح عدد أعضائها بين ثلاثة وأربعة ملايين شخص من بين 72 مليون نسمة هم عدد سكان تركيا اليوم.
ويقول الباحث التركي محمد كارلي في جامعة أكسفورد إن حركة غولين، الذي يعتبره البعض مواليا للولايات المتحدة الأمريكية، كانت في إبان انتشارها معادية للشيوعية تدعو إلى إجراء بعض الإصلاحات التي لا تهدد الإسلام، وقويت شوكتها بعد الانقلاب الذي حدث في 12/9/1980 حيث استخدمت الاتجاهات الإسلامية من قبل الغرب لقمع اليسار .
غير أن جماعة غولين أصبحت أشد قوة واستقلالا مما أثار قلق السلطات التي أصبح بإمكانها الاستغناء عن هذه الجماعات مع الضعف الشديد الذي شاب الحركة اليسارية (قبيل انهيار الاتحاد السوفييتي).
وكان تقديم زعيم الحركة للمحاكمة بتهم أهمها التخطيط بسرية لوضع أتباعه في مراكز قوة داخل أجهزة الدولة مما يهدد بتقويض دعائم الجمهورية العلمانية، وهي القضية التي دامت في أروقة المحاكم لعشرة أعوام حتى كان قرار البراءة قبل شهر والذي يفتح الباب امام غولين للعودة إلى تركيا دون محاسبة أو مساءلة.

مظاهر قوة غولين
نجح فتح الله غولين في بناء شبكة من الأعمال لتمويل نشاطاته، وخاصة الكليات التركية المعروفة بمدارس النور والتي انتشرت بشكل واسع خاصة في دول الاتحاد السوفييتي بعد انهياره.
وقد دفع تخوف السلطات التركية من مدى انتشار نفوذ غولين إلى سحب الاعتراف بالشهادات التي تمنحها.
كما تمكن من تأسيس شبكة خدمات إعلامية وأهم وسائلها قناتا “سمانديول” أو “درب التبانة” العامة والإخبارية.
مظاهر السلطة هذه أثارت اتهامات لحركة غولين بأنها تشكل دولة داخل الدولة، وأثارت المخاوف من أن تشكل عودته نقطة انطلاق لاحتجاجات كالتي رافقت عودة الإمام الخميني إلى إيران وكانت العلامة على انهيار نظام حكم الشاه في إيران في أواخر السبعينات.
غير أن هذا التشبيه في نظر الكثيرين قاصر ومن بينهم ضيا ميرال الباحث الاجتماعي والذي يقول في صحيفة تيركيش ديلي نيوز الصادرة بالإنجليزية إن تركيا ليست بالهشاشة التي كانت عليها إيران ما بين أعوام 1977 ـ 1979.
كما لا يوجد هناك اتحاد قوى معارض لحكام البلاد كاتحاد قوى اليسار والشيوعيين ورجال الدين وتجار الطبقة الوسطى في إيران والذي خلقه سوء حال الاقتصاد وفساد الحكم والتدخل الخارجي في الشؤون الإيرانية، وإجماع هؤلاء على من يرون أنه أس البلاء في البلاد.
كما يرى ميال أن إمساك حزب العدالة والتنمية بمقاليد الحكم في البلاد بأغلبية 47% من الأصوات يجعل من المستحيل قيام ثورة أو تغيير فوري في تركيا، فالرأي العام منقسم ولا توجد هناك سلطة تستطيع الهيمنة وحدها على الحكم.
أورخان بياتلي الكاتب التركي الذي عرف غولين عن قرب يؤكد أن الإشاعات هذه والضجة الإعلامية التي ثارت حوله قد أخرت قرار عودته، وإنه إذا دخل لن يعلن عن دخوله وإنه لن يقابل أي صحفي كي لا يكون سببا في إثارة أي نوع من القلاقل.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على الداعية التركي فتح الله غولين من أكثر الدعاة تأثيراً مغلقة

حقوق المرأة بين الواقع و الخيال …. للأستاذ رياض الأدهمي

يجب أن نستمع إلى الجميع حتى يتبين الحق، وهذ مقالة عميقة للأستاذ رياض الأدهمي تبلور بعض الأفكار في الطريق الطويل وتحاول توضيح بعض النقاط المشكلة ،ننقلها عن موقع أبحاث الحضارة الإسلامية راجين أن يكون فيها النفع والصواب.

في كل مرة يتناول الناس موضوع مشكلات الأسرة و خاصة العنف و التسلط على حقوق المرأة في كثير من مجتمعات المسلمين ، يقف العلماء و الدعاة و الباحثين ليعلنوا بحق أن هذا الأمر المشين هو أمر غير مقبول و لا يمكن نسبته إلى الدين و الشريعة . و في هذا السياق يبين العلماء و الباحثون حقوق المرأة في القرآن و السنة و مجالات الحرية و الاستقلال التي أعطاها الإسلام للمرأة ، و هو أمر لا بد من بيانه و توضيحه حتى لا يكون واقع الظلم التي تعاني منه بعض مجتمعات المسلمين فتنة للناس عن دينهم و أداة في يد دعاة التمييع الثقافي لنشر الفساد و إهلاك الحرث و النسل .
و من الأمور التي لا بد من بيانها و التعليق عليها في هذا المقام ، أن بعض هؤلاء الباحثين و الدعاة في غمرة الحماس عند الحديث عن حقوق المرأة و واجباتها ينقلون عن الأئمة و الفقهاء بعض الفتاوى التي تقرر أنه ليس من واجبات المرأة و لا من مسؤولياتها في بيتها طبخ و إعداد الطعام أو التنظيف أو إرضاع وليدها و أن من حقها أن يكون لها خادم و غير ذلك . و قد يكون هذا الكلام مفهوماً إذا قصد به إبعاد النظرة الإستخدامية للزوجة و التي تختزل دورها إلى الخدمة على وجه السخرة بعيداً عن مفهوم الشراكة في مناخ التحبب المتبادل . و لكن تبقى المشكلة في هذا النقل أنه يسلخ الفتوى عن ظروفها و شروطها و يقدمها دون الإشارة إلى الكليات الحاكمة و القواعد التي تضع الأمور في نصابها لإقامة العدل الذي ترضاه الشريعة و ترسمه نصوصها و مقاصدها .
و نشير بداية إلى أن الفتاوى المنقولة عن الأئمة عند مراجعتها و تدقيق عباراتها لم تذكر حقوق المرأة و واجباتها في البيت إلا في إطار الوسع و العرف ، و لا شك أن هذا الإطار يؤمن مدخلاً شرعياً يمكن تعميمه بلا حرج . أما نقل الفتاوى مع إغفال شروطها و ظروفها و احترازاتها فهو قراءة انتقائية غير أمينة لا تزيد المرء علماً بدينه أو مقدرة على معالجة المشكلات .
إذا رجعنا إلى القرآن الكريم و جدنا أن قضية الحقوق و الواجبات في الأسرة تعرض من منطلق واقعي فطري ينسحب على ظروف مختلفة عبر الزمان و المكان .

· لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها .
· لينفق ذو سعة من سعته .
· أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم .
· و عاشروهن بالمعروف .
· إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان .
· فإن أرادا فصالاً عن تراض منهما و تشاور فلا جناح عليهما .
· و الوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة .

فالآيات الكريمة تقرر مبادئ لتقرير الحقوق و الواجبات في الأسرة تتلخص في المعروف و السعة و التراضي و التشاور . فالعرف المستقر في أية بيئة يساعد كثيراً في تحديد الواجبات و الحقوق و تضييق شقة الخلاف بين الناس ، و كذلك فإن مفهوم السعة يتوافق مع المنطق الشرعي الذي لا يكلف الناس فوق ما يستطيعون ، و أما التراضي و التشاور فهما الوسيلة و الطريقة التي يتوصل بها الناس إلى الوضع المناسب و الملائم بما يحقق المصلحة في جو من التفاهم و التعاون .
فعند الحديث عن مشكلات الأسرة و طرق معالجتها لا بد من تقرير المبادئ القرآنية أولاً و لا بد كذلك من تدريب الناس – رجالاً و نساءً – على فهمها و تذوقها و التحاكم إليها .
و يبدو أن ما يدعى ” مشكلات الأسرة ” هو تعبير عن توتر و انزعاج و خيبة أمل ناتجة عن فرق بين التوقعات و الواقع أو بين الأحلام و الحقيقة . و من هنا فإن مساعدة الناس على تجاوز مشكلات الأسرة تكمن في مساعدتهم على :
· وضع توقعاتهم للحياة الزوجية ضمن ما يقرره العرف و ما يتأصل به المعروف
· فهم الاحتياجات المادية و الاقتصادية للأسرة و معرفة طرق و وسائل تغطية الاحتياجات ضمن الإمكانيات المتوفرة و السعة في الرزق .
· الاعتياد على استعمال التراضي و التشاور وسيلة للوصول إلى أي قرار يتعلق بالأسرة بعيداً عن الإنفراد أو التجاهل .

وقد عاشت كثير من المجتمعات الإنسانية حالة من السلام الاجتماعي و التوافق العائلي الذي يستمد ثباته و استقراره من أعراف و تقاليد وضعت حاجات الأسرة فوق اعتبار رغبات الأفراد . و جاء الإسلام فأقر نظام الأسرة و حوله من مجرد عادات قد يداخلها الحيف و الظلم إلى علاقات مضبوطة بإطار المسؤولية و المودة و الرحمة، و أدخل بعض التعديلات و الضوابط التي تتعلق ببيان أصناف القرابة التي لا يصح عقد الزواج فيما بينها ، و تتعلق بتفصيلات العقود و الميراث بين الأزواج ، و تتعلق ببعض تفصيلات الحضانة و الرضاع و الطلاق و النسب و غير ذلك .
و كان دور المرأة في الأسرة – عبر الثقافات و الحضارات – أساسياً في تأمين كفايات الأسرة من الغذاء و اللباس. و كانت مساحة مسؤوليات المرأة في البيت تختلف حسب الحاجة و السعة في الإمكانيات . و قد كان هذا المعنى واضحاً في آيات القرآن الكريم التي تحدثنا عن أسرة نبي الله شعيب حيث عملت بنتاه في الرعي و تأمين السقاية لقطيع من البهائم . و عند تلاوة آيات تلك القصة الطريفة لا يحس القارئ بلوم أو تثريب بل يجد القارئ الموافقة و الإقرار و الاستحسان لعملهما و مبادرتهما لأداء الواجب في رعاية حاجات الأسرة الكريمة ” و أبونا شيخ كبير “.
و في سنة النبي صلى الله عليه و سلم – في الحديث الذي يرويه البخاري – كانت سيدة نساء أهل الجنة ” فاطمة ” رضي الله عنها تتقرح يداها من الطحن فلما أشفق عليها زوجها علي و سألها أن تطلب من أبيها أن يعينها بخادم من السبي ، علـّمها النبي صلى الله عليه و سلم دعاءً و أذكاراً تخفف عنها بعض التعب و لم يخصّـها بخادم . لقد كان هدي النبي مع ابنته تعليماً للمرأة المؤمنة الصالحة أن تؤدي واجبها في القيام بنصيبها من أعباء البيت صابرة محتسبة ، و كان تصرف سيدنا علي كرم الله وجهه هو مثال الزوج الشفيق الذي لا يترك فرصة لمساعدة زوجته و تخفيف معاناتها إلا بادر إليها .
وفي ضوء هذا الفهم لهدي القرآن الكريم و سنة النبي صلى الله عليه وسلم في قضية مسؤوليات المرأة في البيت نرى أن الاستشهاد ببعض الفتاوى المنقولة عن الأئمة هو نقل تنقصه الدقة و الأمانة العلمية التي تتطلب نقل ظروف الفتوى و العرف الذي استندت إليه و الذي لا ينطبق عند التحقيق و التدقيق على واقع المجتمعات الإنسانية في أغلب حالاتها و أوضاعها التي يغلب عليها المعاناة و الكدح من جميع أفراد العائلة لتغطية نفقات و أعباء الأسرة و التي قلما ترتفع عن حد الكفاف .
وفي الظروف التي تدفع بها ثقافة الاستهلاك و التكاثرو التفاخر و أولوية الزينة و المظاهر ، و في جو الاستقطاب و التنافر الذي تجود به طروحات الحركة النسوية التي تجعل – الذات الأنثوية – أعلى مرتبة في سلم الأولويات من الأسرة و العائلة ، تأتي النقول الاستعراضية لبعض الفتاوى التاريخية لتزيد الأمر سوءاً و تصب الزيت على النار و تؤصل ثقافة النشوز و مركزية – الأنا – ليحل التشاحن و التوتر محل المودة و الرحمة و السكينة . و في النهاية تكون النتيجة هي انهيار البيت و عيش الفصام و النكد و مخالفة الفطرة.
فإذا كان الواجب يقضي بإنصاف المرأة مما يقع عليها من ظلم في بعض المجتمعات، فإن من غير المقبول أن نقع في مبالغات ردود الفعل فنسعى في تدمير ثقافة أسرية تكافلية تعاونية أثبتت صلاحيتها عبر القرون و في مختلف الثقافات .
و لابد من الحذر كذلك من نقل الفتاوى التي تساوي بين المطلوب شرعاً و بين المفروض قانوناً بالمعنى المعاصر . فالمطلوب شرعاً يرتبط في قلب المؤمن بجملة من المشاعر الطيبة و شعور المسؤولية أمام الله ، بينما يرتبط ما يفرض بقوة القانون بإكراه السلطة و المبارزات السياسية على منصات الانتخاب .
إن فهم الحقوق و الواجبات في الإسلام عبر بعض الفتاوى الاستعراضية السمجة هو فتنة عن دين الله تقدم الإسلام ديناً ارستقراطياً لا يصلح إلا لمن يملك الخدم و الحشم، و تقدم المرأة في تلك المجتمعات الأرستقراطية أكثر تديناً و رفعة ممن يكابدن العمل لتأمين الكفاف .
إنها الفتنة التي تفتح الباب لكل دعوات النشوز و دعوات استبدال نمط الإسلام الفطري بالعلمانية الحداثية الاصطناعية أو غيرها من دعوات الجاهلية.

كُتب في المناهج | التعليقات على حقوق المرأة بين الواقع و الخيال …. للأستاذ رياض الأدهمي مغلقة

يا أمة فزعت من جهلها الأمم

من عبر المربين العميقة أن رجلاً سمع بعالم فاضل يقصده الناس ليستفيدوا منه فذهب إليه ظاناً أن أمر التربية سهل (على طريقة بعض التجار ، أي أن الأمر يمر بوليمة وبعض النكت ثم النفاق بإظهار التقوى ثم يشترون الشيخ) ومرت أيام والرجل يحاول التودد [بطرق خاصة] إلى العالم الذي كان لا يقصر في الترحيب به والعناية به كسائر الزوار، ولكنه لا يلتفت إليه فيما وراء ذلك! وبعد أيام ضجر الرجل! فقال للمربي: كيف لا تهتم بي وتدلني على الطريق! وقد قطعت إليك مسافة بعيدة! فقال العالم مبتسماً: يابني ..الطريق أمامك، ليس الأمر بقطع المسافات! فارق نفسك خطوة واحدة فتعرف ماهو المطلوب!!

أكمل قراءة التدوينة

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على يا أمة فزعت من جهلها الأمم مغلقة

إلى مجنونِ ليلى …. شعر للأستاذ أغيد الطباع

قالوا رويدكَ ما .. ذا الشِعرُ تَكتبهُ           لا فيهِ ليلى و لا حُبٌ تُؤَجِجُهُ

تلهو القوافي لذكرِ الحُبِّ عابثةً           و أنتَ ألزمتها همَّاً تجالسهُ

لا يُحسِنُ الشِعرَ إلَّا مَن يذوبُ هوىً           أو هامَ عشقاً بحسناءٍ تُمانعهُ

مَن أدمَنَ الآهَ عاشَ العُمرَ في كَدَرٍ           فارفُق بِدَهرِكَ و انسَ ما يُكَدِّرهُ

يا قوم عُذراً فأفراحي مُهاجِرةٌ           و الشِعرُ يعكسُ دهري لا يُجَمِّلهُ

يا سائلي اليومَ عن ليلى يُجنُّ بها           و لائِمي لجراحٍ ……. لا تُعذبه

ليلى بسجنٍ بهِ عِلجٌ يُصَبِّحها           يسومها الذلَّ .. ترنو من يُعاقِبُهُ

ليلى بغزةَ تدعو و هيَ ضامرةٌ           تُقَلِبُ الطَرفَ من للطِفلِ يُطعِمُهُ

ليلى تَتُوقُ لأمجادٍ …. تُحَصِنُها           كيما تَعودَ لصدرِ البيتِ تعمُرُهُ

للصالحينَ دعاةِ اللهِ رَغمَ أذىً           للناشِرينَ بعونِ الله …. مَنهَجَهُ

لأسدِ كَرٍ .. كماةٍ .. لا دعاة خنىً          لمن يصونُ حِماً .. حاشا يُسَلِّمُهُ

يا صاحِ مهلكَ لا تبخَس بضاعتنا           و امضِ لسوقك و لتحمل بضاعَتَهُ

ما يعرفُ الحُبَّ إلا من سما خُلقاً          كريمُ نفسٍ و دين الله يُرشدهُ

إن صاحبَ الليلَ ضاءَ الليلُ من ولهٍ          كالبدرِ فاضت على الدنيا محبَتُهُ

لا يُحسِنُ الشِعرَ إلا من يَذُوبُ هوىً          لكن بِحورٍ و دارُ الخُلدِ .. مطمعهُ

أغيد الطباع

 

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على إلى مجنونِ ليلى …. شعر للأستاذ أغيد الطباع مغلقة

أزمة حجاب خطيرة …ولكن في مدريد..هذه المرة!!

“عندما قدمت ابنتي أوراقها للعمل في واحدة من أهم الشركات العاملة في النطاق الدولي في مدريد ، قَبِل مدير المؤسسة كل أوراقها مجرد اطلاعه عليها عند وصولها اليه عن طريق الايميل وتعاقد معها تقريباً وغيابياً عن طريق الهاتف ، لكنه أصيب بصدمة مذهلة عندما أجرى معها المقابلة الأولى فرآها بحجابها ، ولدماثة في خلقه ونبلٍ في طريقته في التعامل مع موظفيه لم يعد أدراجه ولم يرجع في كلمته ، مضت الأيام في تلك الشركة بخير إلا أن اسم البنت صار على لسان المدير “بن لادن” ، لم يعد يناديها إلا ب”ابن لادن”! ، وقال إنه مجرد مزاح ، بعد فترة أصبح يتذمر ويشتكي من أن الزبائن بدأوا ينفرون من منظر حجابها ، ويرفضون التعامل معها ، ولم يمض العام الأول من العمل إلا وصاحبنا قد أعلن استسلامه لحُنقٍ وغضبٍ مكبوتين ذهبا بكل مالديه ومن نبل ودماثة أخلاق ، قال للبنت وبالحرف : ظننت أن صبري عليك سوف يقنعك بخلع الحجاب وتغيير سلوكك الشبيه بسلوك الراهبات ، أنا لم أكن أريد راهبة في شركتي !! أنت لاتستطيعين المشاركة في المعارض العالمية ، لاتستطيعين السفر معي إلى المؤتمرات ، أنت تتسببين لي بخسائر فادحة في الشركة!” .
كانت هذه السيدة تحكي لي قصة ابنتها وهي تشعر بأسى شديد ، وقد انتصرت ابنتها لكرامتها الجريحة وحجابها المهان وتركت العمل وجلست في الدار وهي التي تحمل أعلى الشهادات الممكن الحصول عليها في اختصاصها ، لكن ما أثار فضولي ودهشتي لم تكن هذه الحكاية التي لايكاد يمرّ يوم دون أن نسمع بمثيل لها في مدريد وفي طول أوربة وعرضها ، ماأثار ألمي وعقد لساني ما أعرفه وما أردفته السيدة : “مايجعلنا نصبر على ذلك كله أن الحال في بلادنا ليس بأفضل من هذه فيم يتعلق بالحجاب ، إن زوج أختي-كما قالت السيدة- رجل “يصلي الأوقات الخمسة في المسجد ويعرف ربه” ، وهو يعمل رئيس شركة دولية كذلك ، لكنه يشترط على كل سكرتارية تعمل في الشركة أن تكون شبيه ب”نانسي عجرم” ، وكان منذ سنوات يطالبهن بأن يكن مثل “نوال الزغبي ” ! ولكن الدنيا تغيرت ونوال الزغبي قد شاخت!!، فلماذا يحزننا مايجري في أوربة ، ونقيم الدنيا ونقعدها كلما فتحوا سيرة الحجاب ؟؟”.

قبل ساعات فقط من كتابة هذه السطور صدرت عن واحد من أهم مسؤولي حزب الشعب –الذي يدعي أنه محافظ- في مدريد ، تصريحات يعد فيها ناخبيه بأنه في حال فوز حزبه في الانتخابات العامة المقبلة في التاسع من آذار المقبل ، فإنه سيتخذ في مجال قضية الهجرة والمهاجرين سلسلة من الإجراآت “المناسبة” لمصلحة الشعب الاسباني ، والتي ستبدأ بمنع الحجاب منعاً باتا في المدارس على غرار ماحصل في فرنسة !، وليس في المدارس فحسب –كما قال- بل في كل مكان يتسبب فيه الحجاب بإحداث نوع من التهميش للمرأة بسبب هذا الغطاء الذي تضعه الفتيات المسلمات على رؤوسهن ، وسمى إجراآت أخرى يمكننا معها القول أن هتلر نفسه كان ليستحي من التصريح بها قبيل الانتخابات العامة بشهر واحد فقط !!.. خاصة أن حزب الشعب المحافظ هذا كان هو الذي خسر الانتخابات عقب تفجيرات الحادي عشر من آذار والتي نفذتها مجموعة من “المجانين المهووسين ” ضدّ آلاف الابرياء من أبناء مدريد ردا على دور “أثنار” في غزو العراق وقد كان رئيساً للوزراء في حينه في غزو العراق .
ماقصة هذا الحجاب الذي هو الشغل الشاغل لكل البشرية “المتمدنة ” ، “المتحضرة” ، صاحبة “حقوق الانسان والحيوان والنبات والميكروبات والجرائيم والجماد ” ؟! ماقصة هذا الحجاب الذي كنت قبل ثلاثين عاما أمنع من التزامه في بلدي الأصلي في مدرستي بضغط من الدولة والحزب الحاكم وفي الشارع بضغط من قوى المجتمع المدني التقدمية الثورية المتحضرة!! عندما كنا طالبات على مقاعد الدراسة … كنا “نحن المحجبات” نلزم بوضع شيء قبيح من قماش “الخيش ” على رؤوسنا ، تعجيزا ً وإكراها . وعندما كنت حديثة عهد بقدومي إلى اسبانيا مازلت أذكر ذلك اليوم الفظيع الذي صعدت فيه جارتي الاسبانية وكنت أسكن مدينة غرناطة يومها ، وصارت تطرق باب بيتي كالمجنونة ، وتصيح بأعلى صوتها :تعالي وانظري –حيث لم يكن عندنا جهاز تلفاز يومها- تعالي وانظري كيف يخلعون أغطية الرأس في مدينتك في الشوارع للنساء ويقتلون رمياً بالرصاص كل من لاترضى بخلعه !! ، مازلت أذكر أياما سوداء عشتها شخصيا في بلادي “الحبيبة” ، وأياما سوداء عشتها من خلال نشرات الأخبار عن بعد وعن قرب بسبب أزمات الحجاب المتكررة.. في تركية ، في دمشق [قبل أكثر من ربع قرن]، في مصر ، في تونس ، في مدريد ، في فرنسة ، في قناة الجزيرة بسبب “خديجة بن قنة” التي أصبحت علمًا من أعلام الكرة الأرضية بسبب التزامها الحجاب ، والآن ومن جديد أزمة حجاب خطيرة في مدريد ! لكنها جاءت بعد تعبئة الشعب الاسباني خلال سنوات طويلة عجاف ومن خلال عشرات من وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمقروءة ضد المهاجرين والمسلمين منهم بشكل خاص .
أغرب مافي هذه الحكاية أننا نُستَعمل ويُعاد استعمالُنا وكأننا موادٌ بلاستيكية أو ورقية لأهداف سياسية هنا وهناك ، وأطرف مافي الأمر أننا وعلى الرغم من كل هذه الأزمات المتكررة لم نتعلم الدرس ولم يعرف العالم العربي ولا الإسلامي ولا السفارات العربية والإسلامية ولا الحركات ولا المراكز الإسلامية في مختلف أنحاء أوربة الإعداد لمثل هذه الأزمات التي تنذر ببلاء لايعلم مداه إلا الله بسبب وجود الكثيرين من “الحمقى المهووسين بلغة العنف” من الذين لا يعرفون الصبر بالتي أحسن على مثل هذه المحن ، ولا يتركون أي مجال للتحاور والمجادلة مع هذا الآخر الذي هو أقل “قلة ذوق” منا نحن أنفسنا !.
“مريم” باحثة في العلاقات الدولية في جامعة الأوتونوما في مدريد ، “ساجدة” باحثة في علوم التربية في جامعة الكومبليتنسة في مدريد ، “سلاف” باحثة في العلوم السياسية ، “بارعة” طبيبة تختص في جراحة التجميل ، “زينة ” مختصة في علوم الاقتصاد ، “نهى ” صيدلانية تخرجت وهي تعمل في اختصاصها ، “هاجر” طبيبة أسنان تزاول مهنتها ، “لارا” دارسة في كلية العلوم الطبيعية ، “مها” مختصة في علوم الفيزياء ، “إيمان” تحضر الماستر في تطبيقات التصميم الالكتروني في الإعلام ، “مروة” تحمل درجة الدكتوراه في الدراسات الدولية ، “سلوى” تحمل درجة الدكتوراه في الترجمات المقارنة في إعجاز القرآن الكريم ، “سارة ” مختصة في الكيمياء ، و”تمارا” تدرس الطب في السنة النهائية …وكلهن محجبات في مدريد ، يذهبن ومئات مثلهن من الفتيات الاسبانيات المسلمات المولودات في مدريد وغير مدريد من أصول سورية ومغربية وجزائرية وفلسطينية ومصرية إلى الجامعات رافعات رؤوسهن بحجاباتهن ، يعانين الأمرين كلما دخلن وخرجن ، يصبرن ويحتملن الأذى من بعض الأساتذة ومن بعض الطلبة ومن الموظفين وحتى من بعض موظفي النظافة!! ، لكنهن يجدن ودائما الدعم المناسب من بعض الزملاء وبعض الأساتذة وبعض الموظفين ، ويصبرن ويصابرن ويرابطن ويمضين في هذا الطريق الذي مضت قبلهن ومثلهن فيه أجيال وأجيال بقيت شامخة بحجابها ، بقيت ثابتة على حجابها في بلادنا البعيدة أم في أوربة هذه التي يسكنونها وهي بلادهم ولايعرفون بلاداً سواها ، أوربة أرض الحريات والديمقراطيات وحقوق الإنسان التي هاجرنا إليها نحن آباؤهم طلباً للحرية ولشيء من الكرامة المفقودة في بلادنا ، وطلبا للحرية الدينية التي اضطهدنا بسببها في أرض الإسلام ، الأرض التي حكمتها ذات يوم أغوال تفرعنت وتسرطنت ولم تحسن –مسكينة- إلا محاربة حجاب النساء المسلمات !!، لكن تلك الأنظمة ولّت وانتهت وذهبت وأصبحت أحاديث ، وبقيت النساء المسلمات وبقي الحجاب ، وجاءت “مروة القاوقجي” ذات يوم إلى البرلمان التركي لتعلن من هناك للعالم : أنه مامن قوة في العالم يمكنها أن تقف في وجه امرأة تريد أن تعبر عن قناعتها وتريد أن تلقن هذا العالم درسا بأن المرأة العربية والمسلمة ليست مضطهدة إلى الدرجة التي تتخلى فيها عن مبادئها حتى لو وقف العالم كل العالم في وجهها ، وحتى لو …كان ذلك باسم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

الأستاذة: نوال السباعي – مدريد
نقلاً عن العرب القطرية:العدد 7280 – الأحد 18 مايو 2008 م ـ الموافق 12 جمادى الأولى 1429 هـ

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على أزمة حجاب خطيرة …ولكن في مدريد..هذه المرة!! مغلقة

مقتطفات من غياث الأمم للجويني – 6

765 – فإن قيل : أطلقتم تصويرَ عموم التحريم ، فأبينوا ما أبهمتموه وأوضحوا ما أجملتموه .
قلنا إذا استولى الظلَمة ، وتهجَّم على أموال الناس الغاشمون ، ومدّوا أيديهم اعتداءً إلى أملاكهم ، ثم فرقوها في الخلق وبثوها ، وفسدت مع ذلك الساعات ، وحادت عن سَنَنِ الشرع المعاملات ، وتعدى ذلك إلى ندور الأقوات ، وتمادى على ذلك الأوقات وامتدت الفترات ، ولا خفاءَ بتصوير ما نحاوله .
ثم إذا ظهر ما ذكرناه ، ترتبت عليه الشبهات ، فإذا جاز أخذُ الكفايةِ من المحرمات ، لم يخفَ جوازُه في مظان الشبهات .

766 – ثم تختص هذه الحالةُ بحكمٍ : وهو أن من صادفَ شيئاً في يد إنسان ، وهو يدّعيه لنفسه ملكاً ، وما عمّ التحريمُ في الزمان ، فيجوزُ للناظر إلى ما في يده الأَخذُ بكونه ملكاً له ، وإن غلب على الظن تحريمه ، وكيف لا والقاضي يُجريه على ملكه عند فرض النزاع ، حتى تقوم بيّنة لمن يدّعيه ، ويزعم كونَ صاحب اليد مبطلا فيه ، وهذا حكم الجواز .
ولا يخفى مأخذ الورع على من ينتحيه .
فهذا الفصلُ العظيمُ القدر الذي رأينا تقديمه على الخوض في غرضنا من العصر الذي يدرُس فيه العلمُ بتفاصيل الشريعة ، وقد عاد بنا الكلام إليه .

767 – فنقول إذا عسر مدرك التفاصيل في التحريم والتحليل فنتكلم فيما يحل ويحرم من الأجناس ، ثم نتكلم فيما يتعلق بالتصرّف في الأملاك ، وحقوق الناس .

768 – فأما القول فيما يحرم ويحل من أجناس الموجودات ، فليس يخفى على أهل الإسلام ـ ما بقيت أصول الأحكام ـ أن مرجع الأدلة السمعيّة كلِّها كتابُ الله تعالى . وأبين آية في القرآن في التحريم والتحليل ، قول الله العزيز : ( قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِليِّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِّلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِير ) سورة الأنعام / الآية 145
وهذه الآيةُ من المحكمات التي لا يتطرق إليها تعارض الاحتمالات ؛ وطرق التأويلات ، وليست من المتشابهات ، وهي من آخر ما نزل على المصطفى ، وقد انطبق مذهبُ مالكٍ إمامِ دار الهجرة على ظاهر الآية ، ولو قلت : إن هذه الآية ليست مُعضلةً علَّى في محاولة الذَّبِّ عن مذهب الشافعي رضي الله عنه ، لكنتُ مظهراً ما لا أضمره .

769 – فإذا نُسيت المذاهبُ فما لا يُعلم فيه تحريمٌ يجري على حكم الحلِ ، والسبب فيه أنه لا يثبت لله حكمٌ على المكلفين غيرُ مستندٍ إلى دليل ، فإذا انتفى دليل التحريم ثَمَّ ، استحال الحكم به .
فإن قيل : كما انتفى الدليلُ على التحريم ، انتفى الدليلُ على التحليل .
قلنا : إذا انحسمت مسالك الأدلة في النفي والإثبات ، فموجَب انتفائها انتفاءُ الحكم ، وإذا انتفى الحكم ، التحق المكلفون في الحكم الذي تحقّق انتفاؤه بالعقلاءِ قبل ورود الشرائع ، ولو لم يرد شرعٌ ، لما كان على الناس من جهة الله تعالى حجرٌ وحرج ، ثم إقدامهم وإحجامهم مع انتفاءِ الحجر عنهم يستويان ، ومقصودُ الإِباحة في الشرع ، انتفاءُ الحرج ، واستواءُ الفعل والترك .
وهذا في التحقيق بمثابة انتفاءِ الأحكام قبل ورود الشرائع .

770 – فإن قيل : من الأُصول أن الأعيان لله تعالى ، فلتبق على الحظر إلى أن يرد من مالك الأعيان إطلاق .
قلنا : هذا قول من يرى المصيرَ إلى الحظر قبل ورود الشرائع . وهذا المذهب باطل قطعاً ، وقد رددنا على منتحليه في أُصول الفقه ، فليطلبه من يحاوله في ذلك الفن .

771 – وإن زعم السائل أن من أُصول شريعتنا ألا تُنسى ، وإن نُسيت التفاصيل تغلظ الحظر ، فليس الأمر كذلك ؛ فإن المذاهب في ذلك متعارضة ، فالذي يقتضيه مذهبُ الإمام أبي حنيفة رحمه الله في تفصيل الأحكام إجراءُ الأعيان على الحظر إلا أن تقوم دِلالة في الحل .

772 – والذي يقتضيه مذهبُ الشافعي رحمه الله إجراء الأحكام على التحليل إلى أن يقوم دليل على الحظر والتحريم .

773 – ومذهب مالك رحمه الله حصرُ المحرمات فيما اشتمل عليه قولُه تعالى : ( قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوْحِيَ إِليِّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ ) سورة الأنعام / الآية 145

774 – فكيف يكون ما قدّره السائل أصلا مع تعارض هذه المذاهب ؟ والأصل هو المتفق عليه المقطوع به ؟

775 – فإذا دَرَست المذاهب ، فليس ادعاءُ الحظر أولى من ادعاء الإباحة ، وإذا تعارضت الظنون ، انتفى الحكم كما سبق تقريره ، وقد قدّمنا في العبادات أن ما انتفى دليلُ وجوبه ، لم نوجبه ، والتحريم إذا انتفى دليله كالوجوب إذا عُدم دليله .

776 – وأنا الآن بعد نجاز هذا أقول : فاضِلُ هذا الزمان من يفهم مداخلَ هذه الفصول ومخارجَها ، ويستبين مسالكها ومناهجَها ؛ والمرموق الذي تُثنى عليه الخناصر في الدهر من يحيط بشرف هذا الكلام ، وتميزه عن كلام بني الزمان ، ولا حاجة إلى تكلف التصلف في مصاولة العلماء ، ومطاولتهم ؛ فإن هذا مما كفانيه الله تعالى ، ولكني قد أرى في أَثناء ما أُجريه التنبيهَ على علوّ قدر ما يجري ، حتى يتثبت عنده مطالعهُ المطلعُ عليه ، ولا يستمر عليه فتنفلت عنه مزايا الفوائدِ . والله ولي التأييد والتسديد ، بمَنِّه ولطفه .
فهذا بيان ما أردناه في تحليل الأجناس وتحريمها .

777 – فأما تفصيلُ القول في الأملاك : فالأملاك محترمة كحرمة ِ ملاكها ، والقول فيها في مقصود هذا الكتاب يتعلّق بفصلين .
أحدهما ـ في المعاملات التي يتعاطاها الملاك .
والثاني ـ في الحقوق التي تتعلق بالأملاك .

778 – فأما القول في المعاملات : فالأصل المقطوعُ به فيها اتباعُ تراضي الملاك ، والشاهد من نص القرآن في ذلك ، قوله تعالى : (لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِّلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) سورة النساء / الآية 29
فالقاعدةُ المعتبرةُ أن الملاكَ مختصُّون بأملاكهم ، لا يزاحمُ أحدٌّ مالكاً في ملكه من غير حقٍّ مستحق ، ثم الضرورةُ تُحوجُ ملاكَ الأموال إلى التبادل فيها ؛ فإن أصحاب الأطعمة قد يحتاجون إلى النقود ، وأصحابُ النقود يحتاجون إلى الأطعمة . وكذلك القول في سائر صنوف الأموال .

779 – فالأمر الذي لا شك فيه تحريمُ التسالب والتغالبِ ومدِّ الأيدي إلى أموال الناس من غير استحقاق ، فإذا تراضوا بالتبادل ، فالشرع قد يضرب على المتعبِّدين ضروباً من الحجر في كيفية المعاملات استصلاحاً لهم ، وطلباً لما هو الأحوط والأغبط ، ثم قد يُعقلُ معاني بعضها ، وقد لا يعقل عِللُ بعضِها ، والله الخبير بخفايا لطفه فيها .

780 – ثم لو تراضى الملاك على تعدِّي الحدودِ في العقد ، لم يصح منهم مع التواطي والتراضي إذا بقيت تفاصيلُ الشريعة .
فإذا دَرَسَت وقد عرف بنو الزمان أنه كان في الشرع تعبّداتٌ مرعية في العقود ، وقد فاتتهم بانقراضِ العلماءِ ، وهم لا يأمنون أن يوقعوا العقودَ مع الإخلال بعقود الشرع وتعبداته ، على وجوه لو أدركها المفتون ؛ لحكموا بفسادها . وليس لهم من العقود بـدّ . ووضوح الحاجةِ إليها يغني عن تكلف بسطٍ فيها ، فليُصدروا العقود عن التراضي ، فهو الأصل الذي لا يغمض ما بقي من الشرع أصل ، وليجروا العقود على حكم الصحة .

781 – وفي تفاصيل الشرع ما يعضد هذا ، فإن رجلين لو تبايعا ، ثم تنازعا في مجلس القاضي ، فادّعى أحدهما جريانَ شرطٍ مفسدٍ للعقد ، فأَنكره الثاني ، فالذي صار إليه معظمُ الفقهاءِ أن القول قولُ من ينفي المفسدَ ، والعقدُ محمول على حكم الصحة .
وهذا إنما ذكرته إيناساً وتوطئة لمساق الكلام
وإلا فلا معتضد في مثل ما ذكرناه لأهل زمانٍ دَرَسَت فيه تفاصيلُ الشريعة ، غيرَ أن الكلام يجرّ الكلام ، وما ذكرناه في الزمان العريّ عن التفاصيل مقطوع به ؛ فإن الخلق مضطرون إلى التعامل لا يجدون لهم بدًّا .
وقد ذكرنا أن الحرام إذا طبق طبقَ الأرض ، أخذ الناسُ منه أقدارَ حاجاتهم ، لما حققناه من نزول الحاجة في حق العامة منزلة الضرورة في حق الآحاد . وهذا مع بقاء الشريعة بتمامها وجملتها ، فكيف إذا مست الحاجة إلى التعامل ، ولم يجد الخلق مرجعاً في الشرع يلوذون به ؟

782 – ثم إذا ساغت المعاملات ، فلا تخصيص لبعضها بالجواز ؛ فإن منها ما هو وصيلة إلى الأقوات والملابس ونحوها . ومنها ما هو تجائِر ، وهي مكاسب لا سبيلَ إلى حسمها .

783 – والقولُ الضابطُ في ذلك أن مالا يعلمُ تحريمهُ من المعاملات ، فلا حجر فيه عند خلو الزمان عن علم التفاصيل . فالقول فيه كالقول في إباحة الأجناس ، وقد تقدم موضحاً مفصلاً .
وهذا بيان العقود الصادرة عن التراضي . فأما التغالب ، فلا يخفى تحريمُه ، ما بقيت أُصول الشريعة .

784 – وقد تقع صورةٌ عويصة ، لا تدرك إلا بعلم التفصيل ، مثل أن يغصِب رجلٌ ساجةً ، فيُدْرِجُها في أثناءِ بناءٍ له ، ولو انتزع لتهدّم البناءُ .
فقد يخطر لبعض الناس أن الساجةَ تنزع ، وترد إلى مالكها ؛ لأنه ظالم لما غَصَبَ منه ملكَه . وقد يخطر للآخرين أن في هدم بناءِ الغاصب تخسيرهُ ، وإحباط ملكه ، وذو الساجة يجد بثمنها مثلَها ؛ فيتعارض في مثل هذا إمكان النزع وتحريمه ، ولا سبيل لأهل الزمان إلى الحكم بالظن . وترك الخصومة ناشبة بينهما ، يجر ضرراً عظيماً .
ولو قلنا : يُتوقف في الواقعة ، ففي التوقّف اتباع الحيلولة بين مالك الساجة وبينها ، وهو تنجيز مراد الغاصب الباني .

785 – فالذي تقتضيه الحالة أن يغرَمَ صاحبُ البناءِ لصاحب الساجة قيمتَها ؛ فإن مما يُقطع به من غير تعريج على ظن أن الحيلولة بين المالك وملكه من غير عوض محال ، مع إمكان بذل العوض ، وردّ عين الساجة مظنون ، ولا سبيل إلى بناء الأمر على الظنون مع عدم المفتين ، وانحسام الطرق إلى درك مذاهبهم .
فليتخذ الفطن ما ذكرناه معتبراً في أمثال ما نصصنا عليه .

786 – وإن أشكلت على أهل الزمان أن ما في أيديهم محرّم أَم لا ؟ فقد ذكرنا أن أخذ الحاجة من المشتبهات إذا عمت سائغٌ مع استقلال العلماء بالتفاصيل ، فما الظن والزمان خالٍ عن معرفة التفاصيل ؟ ؟ .

787 – ويجوز الازدياد على قدر الحاجة في خلو الزمان عن المشتبهات ؛ فإن أهل الزمان لم يستيقنوا تحريماً في الزائد على مقدار الحاجة . وقد تمهد أن ما لم يقم عليه دليلُ التحريم ، فلا حرج فيه في الزمان الشاغر عن حملة العلوم بتفاصيل الشريعة فهذا منتهى المقصد فيما يتعلق بالمعاملات .

788 – فأما القول في الحقوق المتعلقة بالأموال ، فالمسلك الوجيز فيه أن الحقوق تنقسم إلى ما يُفرضُ لمستحقِّين مختصين ، وإلى ما يتعلق بالجهات العامة :
فأما ما يقدَّرُ لأشخاصٍ معينين ، كالنفقات وغيرها ، فما عُلم في الزمان وجوبه حكم به ، وما لم يعلم بنو الزمان لزومه ، فالأمر يجري على براءة الذمة .

789 – وأنا الآن أضرب من قاعدة الشرع مَثَلينْ يقضي الفطنُ العجبَ منهما ، وغرضي بإِيرادهما تنبيهُ القرائح لدرك المسلك الذي مهدّتُه في الزمان الخالي ، ولست أقصد الاستدلالَ بهما ؛ فإن الزمان إذا فُرضَ خالياً عن التفاريع والتفاصيل ، لم يستند أهلُ الزمان إلا إلى مقطوعٍ به ، فالذي أذكره من أساليب الكلام في تفاصيل الظنون .
فالمثلان أحدهما في الإباحة ، والثاني في براءَة الذمة .

790 – فأما ما أضربه في المباحث مثلاً ، فأقول :
الصيود مباحة ، وليس لها نهاية ، فلو اختلط بها صيودٌ مملوكة ، والتبس الأمر ، فما من صيدٍ يقتنصُه المرءُ إلا ويجوز أن يكون ما احتوت عليه يدُه الصيدَ المملوكَ .
ثم اتفق العلماءُ على أن الاصطياد لا يحرم ، لأن ما يحل من الصيود غيرُ متناهٍ ، والمختلط به محصورٌ متناهٍ .

791 – وقد قدمنا أن ما لا حرج فيه ، ولا حجر لا يتناهى ، وإنما المعدود المحدود ما يحرم ، فإذا التبس على بني الزمان أعيانُ المحرمات وهي مضبوطة لم يحرم عليهم ما لا يتناهى .

792 – وأما الذي أضر به مثلاً في براءة الذمة ، فأقول : لو علم رجلٌ أن لإنسانٍ عليه ديناً ، والتبس عينُ ذلك الرجل عليه التباساً لا يُتوقَّعُ ارتفاعه ، فمن ادّعى من آحاد الناس مع اطراد الالتباس أنه مستحق الدَّين ، لم يجب على المدَّعَي عليه بمجرد دعواه شيء ، ولو حلف لا يلزمه تسليمُ شيءٍ إليه ، كانت يمينه بارّةً ، إذ لو منعناه من اليمين ، وحملناه على النكول وغرّمناه المدَّعَى ، فقد يدعي عليه آخر ذلك الدينَ قائلاً : إن الأول كان مبطلا ، وأنا ذو الحق ، ثم يطّرد ذلك إلى غير نهاية ، فالاستمساك بالبراءةَ أولى من جهة أن الذين لا يستحقون عليه شيئاً لا ينحصرون ، فتغليب ما انتفت النهاية عنه أحرى .

793 – والذي يعضّدُ ذلك أنه إذا كان للرجل أُختٌ محرّمةٌ من الرضاع مثلاً ، وقد اختلطت بنسوة لا ينحصرن عندها ، فللرجل أن ينكح منهن من شاءَ .
وهذا أبدع مما تقدم من جهة أن التحريم مغلب في الأبضاع .

794 – وإذا تقابل في امرأةٍٍ سببا تحريم وتحليل ، من غير ترجيح أحد الوجهين على الثاني ، فالحرمة مغلبةٌ في البُضع على وضع الشرع ، ومع هذا أبحنا للذي خفيت عليه أخته من الرضاع ، واختلطت بنسوة غيرِ منحصراتٍ عندنا أن ينكح منهن من يشاء ، على شرط الشرع .
فوجب بما ذكرناه أن موجب تفاصيل الشريعة النظرُ إلى ما لا يتناهى ، ولا يتغير الحكم فيه بأن يختلط به ما يتناهى .

795 – ومما يستتمُ به هذا الكلام إذ لابسناه ، أنه إذا انتقلت حماماتُ بلدةٍ وهي مملوكة إلى بلدةٍ أخرى ، واختلطت بحمام مباح ، فالذي صار إليه المحققون في علوم الشريعة أنه لا يحرم الاصطياد بسبب هذا الاختلاط .

796 – وإن فُرض اختلاطُ مالا يتناهى عندنا بما لا يتناهى ، فإن كان ما ذكرته محفوظاً عند أهل الزمان بنَوْا عليه ما سبق من حمل الأمر على براءة الزمة ، عند تخيّل الوجوب من غير استيقان ، وكذلك ينبني الأمر على الحلِّ ورفع الحرج ، فيما لا يستيقنُ فيه تحريمٌ .

797 – وإن عَرِي الزمانُ عن الإحاطة بما ذكرتهُ ، فالذي تقتضيه القاعدة الكليةُ نفيُ الوجوب ، فيما لم يقم دليل على وجوبه ، وارتفاعُ الحرج فيما لم يثبت فيه حظر ، فإذا هذا مستبينٌ على هذه القضية من القاعدة الكلية ، وإن نُسي ما قدمته من الأمثلة في الاختلاط .

798 – فهذا آخر ما حاولناه الآن في تعلّق الحقوق لمعينين بأَموالِ الناس نفياً وإثباتاً .

799 – فأما القول فيما يتعلق بالجهات العامة من الحقوق ، وقد أحلنا على هذا طرفاً من الكلام في الزكاة ، فنقول فيه :
إذا كانت هذه المرتبة مفروضة في بقاءِ أُصول الشريعة في الادّكار فالجهات العامة يبقى العلم بأصلها شائعاً مستفيضاً ذائعاً ، وإن فُرض دروسُ الذِّكر فيه ، فتكون سائرُ الأُصول دارسةً عن الادّكار والأفكار أيضاً ، ويقع الكلام في المرتبة الرابعة حينئذٍ فيما لا يتصور دروسه . والكلام في بقاء الأصول .

800 – فالواجب إنفاذُ المشرفين على الردى من المسلمين .
فإذا فُرض بين ظَهْرانَي المسلمين مضرورٌ في مخمصةٍ ، أو جهةٍ أخرى من جهات الضرورة ، واستمكن المثرون الموسرون من إنقاذه بأموالهم وجب ذلك على الجملة .

801 – ثم يدرك بمقتضى العقل وراء ذلك أمران :
أحدهما ـ أن من سبق إلى القيام بذلك ، فقد أسقط الفرضَ عن الباقين .
والثاني ـ أن الموسرين بأجمعهم لو تواكلوا وتخاذلوا ، وأحال البعض على البعض ، حتى هلك المضطر ، حَرِجوا من عند آخرهم ؛ إذ ليس بعضُهم بالانتساب إلى التضييع أولى من بعض ، وقد عمّهم العلم ، والتمكن من الكفاية .
وهذا الذي فصلناه معنى فرض الكفاية في قاعدة الشريعة .

802 – فإذاً هذا النوع مما يتعلق بالأموال على حكم الكفاية ، فكل ما علم في الزمان المفروضِ ـ كما ذكرناه ـ نُحِيَ به نحو ما ذكرناه ، وكل ما أشكل وجوبُه فالأصل براءَة الذمة فيه كما سبق في حقوق الأشخاص المعينين .

803 – فهذا منتهى المقصود فيما يتعلق بالأملاك من المعاملات والحقوق الخاصة والعامة .
وأنا الآن أذكر فصلاً في المواريث ، حتى يتم الكلام في فنه إن شاء الله عز وجل .

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على مقتطفات من غياث الأمم للجويني – 6 مغلقة

متى تجمعنا الأرض الطيبة

أخونا (أبو الخير) كان في حلقة مسجد انفرط عقدها في أواخر المرحلة الثانوية ، وبعد سنوات صادف أخاً قديماً من الحلقة، فعرض عليه أن يذهبا لزيارة أستاذهم القديم، فرفض الأخ باستنكار هذا العرض! فدهش أبو الخير متسائلاً عن السبب لهذه القلة في الوفاء! فقال الأخ: هل تذكر عندما كان أستاذنا يتحدث عن الذين خارج المسجد بإطلاق وأنهم مثل الحيوانات! والله وجدت أنه يوجد خارج المسجد بشر وناس جيدون، وأشخاص محترمون .. لا أدري من هو الحيوان!!!

أكمل قراءة التدوينة

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على متى تجمعنا الأرض الطيبة مغلقة