الله أكبر

الأمة المسلمة تجعل روحها كلها في كلمة واحدة : الله أكبر، وعندما يأتي العيد وتتدفق أمواج التكبير مثل البحر الزاخر ، فإن آلاف المعاني تتولد من جديد وركام الضعف لا يستقر مهما طمع أهل الباطل بذلك.

الله أكبر حروف ومعان وروح ومنهج ، وعندما تصبح هي الراية الحق فإن مدها كفيل بإعادة التوازن إلى الحياة المضطربة عندما يحصل إدراك عميق لمعانيها.

أكمل قراءة التدوينة

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على الله أكبر مغلقة

رمضان

قصيدة جديدة في وداع رمضان الذي نرجو الله تعالى أن لا تنقضي لحظاته إلا وقد بدل حالنا إلى أحسن الأحوال إذ في القلب رهبة من عدم القبول كما فيه عظيم أمل برحمة الله وكرمه ومنّه .

للأستاذ هشام صافي :

هاقد رحلت فهل يكون تلاقي
وتعود تطفئ لوعة المشتاق

أحييت فينا الحب يا شهر التقى
و رويتنا من جدول رقراق

ورسمت دربا للعلا وأنرتها
كيما نغادر وهدة الإخفاق

لله يا رمضان نورك كم سما
في القلب فوق مراتب الإشراق

ولكم تقاطر من غمامك بلسم
ولكم سللت سخيمة الأخلاق

رمضان قد أزف المسير و أوشكت
ساعات أُنسك أن تعيد فراقي

فوقفت أرفع للكريم شكايتي
قبل انقضائك لحظة الإغلاق
يا رب يا حنان يا منان يا
ملك الملوك وقاسم الأرزاق

أمطر سحائب جودك الدفاق
و أغث فقد ألف العذاب عناقي

شدت على قلبي الهموم حبالها
واستعذبت خنقي بكل وثاق

سلت علي سيوفها وسهامها
وسعت لغرز الرمح في أعماقي

و رمتني الأيام غصنا ذابلاً
وبدا صفار الموت في أوراقي

و اليأس يربض فوق صدري جاثما
ويدق عظمي يبتغي إرهاقي

آه من الدنيا ومن أهوائها
أجرت دمائي أنهراً وسواقي

بالأمس أرخت لي الظلال رطيبة
واليوم طاب لنارها إحراقي

بالأمس بانت لي كبدر باسم
واليوم قد عبست بوجه محاق

واليوم ساقتني الكروب مكبلا
ربطت قيودا في يديّ وساقي

[فطرقت أبواباً لـ] فضلك هارباً
وجِلَ الفؤاد وجاحظ الأحداق

قد أدمن العصيان حتى ساقه
لمفازة الخسران شر مساق

عقد اللسان حياءه و حروفه
فرت فرار الآثم الأبّاق

لا يدري كيف يقول عذرا سيدي
إلا بدمع العين والإطراق

يا رب ذكر النار يطلق زفرتي
فامنن علي بمنة الإعتاق

والعمر في أسر الذنوب مهانة
أرجوك من إذلالها إطلاقي

انفق علي بمحو ذنبي واهدني
يا من أمرت الناس بالإنفاق

شطر الحياة مضى كئيبا محزنا
فاجعل إلهي في رضاك الباقي

واقبل قليل الزاد إني مدرك
أني المقلّ ولست بالسباق

لكن بحر الجود عندك ماله
من ساحل أبداً على الإطلاق

أدم الوصال أيا كريم فإنني
لا صبر لي و تعاظمت أشواقي

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على رمضان مغلقة

ماهي أزمة الاقتصاد الأميركي : شرح مبسط وطريف للموضوع

فهم الكثيرون أن هناك أزمة تعصف بالاقتصاد الأميركي .. ولكنهم لم يدركوا بالضبط ماذا حصل ، وقد أرسل إلينا أحد الإخوة مقالة طريفة تشرح الأمر بشكل مبسط فجزاه الله كل خير.

يعيش ‘سعيد أبو الحزن’ مع عائلته في شقة مستأجرة وراتبه ينتهي دائما قبل نهاية الشهر. حلم سعيد أن يمتلك بيتاً في ‘أمرستان’، ويتخلص من الشقة التي يستأجرها بمبلغ 700 دولار شهرياً. ذات يوم فوجئ سعيد بأن زميله في العمل، نبهان السَهيان، اشترى بيتاً بالتقسيط. ما فاجأ سعيد هو أن راتبه الشهري هو راتب نبهان نفسه، وكلاهما لا يمكنهما بأي شكل من الأشكال شراء سيارة مستعملة بالتقسيط، فكيف ببيت؟ لم يستطع سعيد أن يكتم مفاجأته فصارح نبهان بالأمر، فأخبره نبهان أنه يمكنه هو أيضاً أن يشتري بيتا مثله، وأعطاه رقم تلفون المكتب العقاري الذي اشترى البيت عن طريقه.
لم يصدق سعيد كلام نبهان، لكن رغبته في تملك بيت حرمته النوم تلك الليلة، وكان أول ما قام به في اليوم التالي هو الاتصال بالمكتب العقاري للتأكد من كلام نبهان، ففوجئ بالاهتمام الشديد، وبإصرار الموظفة ‘سهام نصابين’ على أن يقوم هو وزوجته بزيارة المكتب بأسرع وقت ممكن. وشرحت سهام لسعيد أنه لا يمكنه الحصول على أي قرض من أي بنك بسبب انخفاض راتبه من جهة، ولأنه لا يملك من متاع الدنيا شيئا ليرهنه من جهة أخرى. ولكنها ستساعده على الحصول على قرض، ولكن بمعدلات فائدة عالية. ولأن سهام تحب مساعدة ‘العمال والكادحين’ أمثال سعيد فإنها ستساعده أكثر عن طريق تخفيض أسعار الفائدة في الفترة الأولى حتى ‘يقف سعيد على رجليه’. كل هذه التفاصيل لم تكن مهمة لسعيد. المهم ألا تتجاوز الدفعات 700 دولار شهريا.
باختصار، اشترى سعيد بيتاً في شارع ‘البؤساء’ دفعاته الشهرية تساوي ما كان يدفعه إيجاراً للشقة. كان سعيد يرقص فرحاً عندما يتحدث عن هذا الحدث العظيم في حياته: فكل دفعة شهرية تعني أنه يتملك جزءا من البيت، وهذه الدفعة هي التي كان يدفعها إيجارا في الماضي. أما البنك، ‘بنك التسليف الشعبي’، فقد وافق على إعطائه أسعار فائدة منخفضة، دعما منه ‘لحصول كل مواطن على بيت’، وهي العبارة التي ذكرها رئيس البلد، نايم بن صاحي، في خطابه السنوي في مجلس رؤساء العشائر.
مع استمرار أسعار البيوت في الارتفاع، ازدادت فرحة سعيد، فسعر بيته الآن أعلى من الثمن الذي دفعه، ويمكنه الآن بيع البيت وتحقيق أرباح مجزية. وتأكد سعيد من هذا عندما اتصل ابن عمه سحلول ليخبره بأنه نظرا لارتفاع قيمة بيته بمقدار عشرة آلاف دولار فقد استطاع الحصول على قرض قدره 30 ألف دولار من البنك مقابل رهن جزء من البيت. وأخبره أنه سينفق المبلغ على الإجازة التي كان يحلم بها في جزر الواق واق، وسيجري بعض التصليحات في البيت. أما الباقي فإنه سيستخدمه كدفعة أولية لشراء سيارة جديدة.

القانون لا يحمي المغفلين
إلا أن صاحبنا سعيد أبو الحزن وزميله نبهان السهيان لم يقرآ العقد والكلام الصغير المطبوع في أسفل الصفحات. فهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة متغيرة وليست ثابتة. هذه الأسعار تكون منخفضة في البداية ثم ترتفع مع الزمن. وهناك فقرة تقول إن أسعار الفائدة سترتفع كلما رفع البنك المركزي أسعار الفائدة. وهناك فقرة أخرى تقول إنه إذا تأخر عن دفع أي دفعة فإن أسعار الفائدة تتضاعف بنحو ثلاث مرات. والأهم من ذلك فقرة أخرى تقول إن المدفوعات الشهرية خلال السنوات الثلاث الأولى تذهب كلها لسداد الفوائد. هذا يعني أن المدفوعات لا تذهب إلى ملكية جزء من البيت، إلا بعد مرور ثلاث سنوات.
بعد أشهر رفع البنك المركزي أسعار الفائدة فارتفعت الدفعات الشهرية ثم ارتفعت مرة أخرى بعد مرور عام كما نص العقد. وعندما وصل المبلغ إلى 950 دولاراً تأخر سعيد في دفع الدفعة الشهرية، فارتفعت الدفعات مباشرة إلى 1200 دولار شهريا. ولأنه لا يستطيع دفعها تراكمت عقوبات إضافية وفوائد على التأخير وأصبح سعيد بين خيارين، إما إطعام عائلته وإما دفع الدفعات الشهرية، فاختار الأول، وتوقف عن الدفع. في العمل اكتشف سعيد أن زميله نبهان قد طرد من بيته وعاد ليعيش مع أمه مؤقتا، واكتشف أيضاً أن قصته هي قصة عديد من زملائه فقرر أن يبقى في البيت حتى تأتي الشرطة بأمر الإخلاء. مئات الألوف من ‘أمرستان’ عانوا المشكلة نفسها، التي أدت في النهاية إلى انهيار أسواق العقار.
أرباح البنك الذي قدم قرضا لسعيد يجب أن تقتصر على صافي الفوائد التي يحققها من هذا القرض، ولكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد. قام البنك ببيع القرض على شكل سندات لمستثمرين، بعضهم من دول الخليج، وأخذ عمولة ورسوم خدمات منهم. هذا يعني أن البنك كسب كل ما يمكن أن يحصل عليه من عمولات وحول المخاطرة إلى المستثمرين. المستثمرون الآن يملكون سندات مدعومة بعقارات، ويحصلون على عوائد مصدرها مدفوعات سعيد ونبهان الشهرية. هذا يعني أنه لو أفلس سعيد أو نبهان فإنه يمكن أخذ البيت وبيعه لدعم السندات. ولكن هؤلاء المستثمرين رهنوا هذه السندات، على اعتبار أنها أصول، مقابل ديون جديدة للاستثمار في شراء مزيد من السندات. نعم، استخدموا ديونا للحصول على مزيد من الديون! المشكلة أن البنوك تساهلت كثيرا في الأمر لدرجة أنه يمكن استدانة 30 ضعف كمية الرهن. باختصار، سعيد يعتقد أن البيت بيته، والبنك يرى أن البيت ملكه أيضاً. المستثمرون يرون أن البيت نفسه ملكهم هم لأنهم يملكون السندات. وبما أنهم رهنوا السندات، فإن البنك الذي قدم لهم القروض، بنك ‘عمايرجبل الجن’، يعتقد أن هناك بيتا في مكان ما يغطي قيمة هذه السندات، إلا أن كمية الديون تبلغ نحو 30 ضعف قيمة البيت!
أما سحلول، ابن عم سعيد، فقد أنفق جزءا من القرض على إجازته وإصلاح بيته، ثم حصل على سيارة جديدة عن طريق وضع دفعة أولية قدرها ألفا دولار، وقام بنك ‘فار سيتي’ بتمويل الباقي. قام البنك بتحويل الدين إلى سندات وباعها إلى بنك استثماري اسمه ‘لا لي ولا لغيري’، الذي احتفظ بجزء منها، وقام ببيع الباقي إلى صناديق تحوط وصناديق سيادية في أنحاء العالم كافة. سحلول يعتقد أنه يمتلك السيارة، وبنك ‘فار سيتي’ يعتقد أنه يملك السيارة، وبنك ‘لالي ولا لغيري’ يعتقد أنه يمتلك السيارة، والمستثمرون يعتقدون أنهم يملكون سندات لها قيمة لأن هناك سيارة في مكان ما تدعمها. المشكلة أن كل هذا حصل بسبب ارتفاع قيمة بيت سحلول، وللقارئ أن يتصور ما يمكن أن يحصل عندما تنخفض قيمة البيت، ويطرد سحلول من عمله!

القصة لم تنته بعد!
بما أن قيمة السندات السوقية وعوائدها تعتمد على تقييم شركات التقييم هذه السندات بناء على قدرة المديون على الوفاء، وبما أنه ليس كل من اشترى البيوت له القدرة نفسها على الوفاء، فإنه ليست كل السندات سواسية. فالسندات التي تم التأكد من أن قدرة الوفاء فيها ستكون فيها أكيدة ستكسب تقدير ‘أأأ’، وهناك سندات أخرى ستحصل على ‘ب’ وبعضها سيصنف على أنه لا قيمة له بسبب العجز عن الوفاء. لتلافي هذه المشكلة قامت البنوك بتعزيز مراكز السندات عن طريق اختراع طرق جديدة للتأمين بحيث يقوم حامل السند بدفع رسوم تأمين شهرية كي تضمن له شركة التأمين سداد قيمة السند إذا أفلس البنك أو صاحب البيت، الأمر الذي شجع المستثمرين في أنحاء العالم كافة على اقتناء مزيد من هذه السندات. وهكذا أصبح سعيد ونبهان وسحلول أبطال الاقتصاد العالمي الذي تغنى به الكاتب ‘توماس فريدمان’.
في النهاية، توقف سعيد عن سداد الأقساط، وكذلك فعل نبهان وسحلول وغيرهم، ففقدت السندات قيمتها، وأفلست البنوك الاستثمارية وصناديق الاستثمار المختلفة. أما الذين اشتروا تأمينا على سنداتهم فإنهم حصلوا على قيمتها كاملة، فنتج عن ذلك إفلاس شركة التأمين ‘أي آي جي’. عمليات الإفلاس أجبرت البنوك على تخفيف المخاطر عن طريق التخفيض من عمليات الإقراض، الأمر الذي أثر في كثير من الشركات الصناعية وغيرها التي تحتاج إلى سيولة لإتمام عملياتها اليومية، وبدأت بوادر الكساد الكبير بالظهور، الأمر الذي أجبر حكومة أمرستان على زيادة السيولة عن طريق ضخ كميات هائلة لإنعاش الاقتصاد الذي بدأ يترنح تحت ضغط الديون للاستثمار في الديون! أما ‘توماس فريدمان’ فقد قرر أن يكسب مزيدا من الملايين حيث سينتهي من كتابة قصة سعيد أبو الحزن عما قريب.

د. أنس بن فيصل الحجي – أكاديمي وخبير في شؤون النفط 23/09/1429هـ
نقلاً عن :

http://www.aleqtisadiah.com/article.php?do=show&id=10563

كُتب في مقالات القراء, منائر | التعليقات على ماهي أزمة الاقتصاد الأميركي : شرح مبسط وطريف للموضوع مغلقة

كتاب لؤي صافي بذرة جديدة لعلم أصول فقه معاصر: ولكن ‘إعمال العقل’ لا بواكي له!

مقالة للدكتور أحمد خيري العمري
بعض الكتب، تكون مثل منجم مطمور في جبل، يمر الناس أمامه، دون أن يلتفتوا إليه، ثم يحدث لاحقاً، وربما بعد قرون، وبعد مرور أجيال كانت تمر أمامه دون اهتمام، أن يكتشف هذا المنجم، ويستثمر، وإذا ما فيه من معادن، تصير ركناً من أركان النهوض بأمة، كانت قبل غير ذلك غير مدركة لما يحتويه الجبل.
بعض الكتب تنتظر دورها ليحدث ذلك. يكتبها مؤلفها، بل ينزفها نزفاً من أعصابه ورؤيته المغايرة (والرؤية المغايرة باهظة الثمن دوما، لأن الخروج عن القطيع له ضريبته)، بعضها يظل مهملاً في أدراج الناشرين ومشاغلهم وانشغالهم بنشر كل ما هو سائد ورائج ابتداءً من كتب التراث بغثها وسمينها إلى كتب التنجيم والطبخ مروراً بكتب الجن.
بعضها يتمكن من أن يجد ناشراً واعياً يحتضنه، لكن الخروج من المطبعة ليس نهاية المطاف، إذ بعدها سيصطدم هذا الكتاب بكل شروط الانحطاط التي جاء الكتاب ليغيرها أصلا.

سيصطدم هذا الكتاب باللامبالاة، بالصمت، الذي هو أشد من أسوأ نقد، سيصطدم أولاً بقارئ لا يقرأ، وإذا قرأ فإنه لا يحاول إعمال عقله كثيراً، وإذا فعل، ووجد أن ما قرأه يختلف عن السائد، فإنه إما سيرفضه جملة وتفصيلاً، أو سيضعه موضع الشك باعتبار أن كل ما هو جديد يجب أن يكون مشكوكاً بأمره، وبعد هذا أو ذاك، سيصطدم الكتاب أيضاً بحواجز (الشللية) التي هي ظاهرة أساسية من ظواهر (مواتنا الثقافي) ـ المسمى خطأ بحياتنا الثقافية- وهكذا فإذا لم يكن الكاتب وكتابه محسوبين على تيار معين، إذا كان ينادي بما هو خارج كل هذه التيارات، باتجاه تيار آخر، فإن أحداً لن يلتفت إليه، أو سيلتفت باستخفاف وبلا مبالاة.

الإهمال جائزة الكتاب الجاد

بسبب من كل هذا، كان لا بد أن تمر عشر سنوات، على صدور كتاب (إعمال العقل) للؤي صافي، دون أن ينال عشر ما يستحق من اهتمام..
عشر سنوات، بطبعتين، لم تنفد الثانية منهما، كان رجع الصدى هو الرد الأكثر رواجاً له. سمعت، شخصياً، الكثير من الثناء الشفاهي عن الكتاب، سمعت حتى تفسيرات لعدم نجاحه ((تتراوح بين سوء الحظ وصعوبة اللغة ومسائل فنية أخرى))، لكني أعتقد شخصياً أن عدم نجاح الكتاب (تجارياً) وحتى عدم حصوله على اهتمام نقدي كافٍ من النخب، هو الشيء الوحيد المتوقع والطبيعي في كل الظروف السائدة. ألن يكون غريباً جداً، أن يتصدر كتاب جاد مثل هذا قائمة المبيعات، ألن يكون غريباً لو أنه صدر بعشر طبعات مثلاً؟ أليس مستحيلا أن نراه-مثلا- على الرصيف بطبعة مزورة؟
مع سيادة العقل اللاعقلاني، والعقل الخرافي، والعقل الآبائي التمجيدي والعقل العاطل عن العمل، لا يمكن لكتاب يتحدث عن (إعمال العقل) إلا أن يلاقي ما لاقى، وإلا كان ذلك قدحا في مصداقية الكتاب. بعبارة أخرى، إن من أسباب عدم رواج الكتاب، كل ما ذكره الكاتب وشخصه من أمراض في العقل المسلم، أي أن عدم رواجه ـ حالياً على الأقل ـ يمنحه المصداقية.
كتاب لؤي صافي هذا، يمثل ـ برأيي ـ إضافة جديدة ومميزة لكل ما كتب عن العقل المسلم، لدينا في الغالب ثلاثة مواقف من العقل في أدبياتنا؛ الأول تمجــــيدي إنشائي يبدأ بإحصاء مشتقات الفعل ‘عقــــــل’ في القرآن الكريم وينتهي بذكر فضل علماء المسلمين على العالم، ولا يذكر من قريب أو بعيد لم توقـــــف الاستمرار بهذا الفضل، والثاني موقف مـــــتوجس من العقل يضعه في موضع المشتبه به الدائم كنوع من ارث لذلك الـــــنزاع بين الفلاسفة والمتكلــــمين حول أولوية العقل والنقل، والثالث موقف يتجه إلى إقامة مجلس عزاء للعقل المسلم باعتباره قد مات وانتهى أمره، ويجب أن نستورد العقل الغربي الوضعي بدلاً منه.

الغزالي وتراجع العلوم الطبيعية

لؤي صافي يتجه إلى تأسيس مختلف عن كل هذا، بعيداً عن الثناء والتوجس والندب، يضع يده على عمق التناقض الموجود في الخطاب التقليدي والذي يجعل من الامام الغزالي- مثلا- في كتابه ‘المستصفى من علم الاصول ‘يؤكد على أهمية العقل
واعتباره (الحاكم الذي لا يعزل ولا يبدل، شاهد الشرع المزكى المعدل) لكنه مع ذلك يقول لاحقا عندما يقسم العلوم، في نفس الكتاب (ومنها عقلي محض لا يحث الشرع عليه ولا يندب اليه كالحساب والهندسة والنجوم وأمثاله من العلوم فهي بين ظنون كاذبة لائقة وان بعض الظن اثم وبين علوم صادقة لا منفعة لها ونعوذ بالله من علم لا ينفع)- ص85- وبين هذا وذاك يأتي نقض الضرورة السببية ونفي وجود خواص للمادة ـ على يد الغزالي ايضا – في خضم نزاعه مع الفلاسفة (تضييعا للعقل وتمييعا لثوابته وبالتالي تضييع للعلوم الطبيعية والاجتماعية فلا قوام لهذه العلوم بعد انكار ملازمة الاشياء لخواصها ولزوم الاسباب لمسبباتها ص 228)، ويقدم رؤية نقدية قرآنية لما يقول الغزالي ص 226- ص227، معتبرا أنه (سواء اعتبرنا الغزالي رائدا في رفض الضرورة السببية أو ناقلا لموقف المتكلمين في هذه المسألة، فقد ساهم هذا الموقف في تراجع العلوم الطبيعية عند المسلمين ص 220).

ولكن لؤي صافي يمضي أعمق من الوقوف المجرد عند التشخيص، الى وضع أسس جديدة لنظرية جديدة في (عقل) يستمد منطلقاته وضوابطه ومحدداته من القرآن الكريم. إنه ينزع عن العقل مطلقاته الميتافيزيقية ومحدداته الوضعية ـ فالعقل ((ليس سوى نسق من المبادئ المنطقية-مثل مبدأ الاتساق والسببية- والعمليات الإجرائية -مثل التحليل والتركيب والتجريد والتجسيد، وهو لذلك يستمد مضامينه المعيارية ومحتواه المعرفي من خلال تمثله الثقافي والتربوي وخبرته المعرفية والميدانية (ص 96 ـ 97)).. ولذلك فالعقل الذي يستند على معايير قرآنية، و((يستند على التصور الكلي للقرآن ص 93)) في آلياته ونسقه سيتكامل مع الوحي ـ أو النقل ـ بدلاً من أسطورة التناقض المزعوم، وحتى ((سؤال أيهما يأتي اولا، العقل أم النقل؟)) سيكون سؤالاً افتراضياً لا محل له من الاعراب، لأن العقل هنا سيتشكل حسب محددات الوحي وضوابطه، ولن يكون عقلاً افتراضياً (قد تشكله، مثلاً، محددات الحداثة الغربية) لذا فإن إمكانية التعارض، أو أمر الأولوية برمته، غير وارد في هذه النظرية. طبعاً صنع العقل بمحددات الوحي، يضع لؤي صافي فوراً ونظريته، في مواجهة (النصوص) ـ وتعارضاتها وتناقضاتها المزعومة، ولؤي هنا واضح، فهو يعتمد على ما يسميه ‘الرؤية القرآنية’ ((التي تتحدد في القواعد العامة والمقاصد الكلية المستمدة من الكتاب، والمنتظمة وفق أنساق تحقق ترابطها الداخلي وترتبها ضمن هرم قيمي يميز أوليها من ثانويها ص 127..)).

ورؤية لؤي صافي القرآنية هذه لا تهدف أبداً الى عزل السنة أو إقصائها، كما يستهدف أدعياء التجديد الديني ممن يسمون أنفسهم القرآنيين (الذين وفروا الكثير على منتقديهم عندما قاموا بتسمية مؤتمر لهم عقد مؤخرا في امريكا بمؤتمر الهراطقة المسلمين!!) ـ بل تهدف إلى تفعيل السنة عبر وضعها في موضعها الذي يجب أن تكون فيه (تبعاً للقرآن).

القرآن أحوج الى السنة؟

يقول المؤلف: ((على الرغم من إصرار منهجيات الفقه الأصولية على إعطـــــــــاء الكتاب اليد العليا (جعل السنة تبعاً له)، إلا أن الممارسة العمــــــلية خلال القرون المتأخرة قد قلبت سلم الأولويات رأساً على عقـب، فجعلت الرأي السائد المقبول عــــــــــند الجمهور حَكَماً على اختيار نصوص السنة وتحديد دلالاتها والسنة المخيرة حَكَماً على عملية اختيار نصوص الكتاب وتحديد حكمها، حتى إننا نجد من الفقهاء من يقول صراحة: (الكتاب أحوج إلى السنة من السنة إلى الكتاب، والسنة قاضية على الكتاب ص 127))،
يوضح لؤي صافي، كيف تغيرت الآلية الفقهية من اعتبار السنة تبعاً للقرآن في عهد الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وحتى عهد مالك بن أنس، إلى ان اعتبار السنة مثيلا للكتاب، معتبراً (أن البدايات الأولى لهذه العملية كانت في الجهد الذي بذله الإمام الشافعي في التصدي لأصحاب الرأي الذين رفضوا تخصيص آيات الكتاب وتقييدها بأحاديث الآحاد ص 132..) .
يعتبر الكاتب أن منهجية الشافعي استندت على أركان ثلاثة لا تزال قائمة في آليات التفكير واصول الفقه السائدة:
1- التأكيد على أن الحديث المرفوع إلى رسول الله هو ‘الحكمة’ التي ذكرها القرآن الكريم.
2- منع نسخ السنة بالقرآن.
3- التسوية بين حجية الكتاب وحجية السنة .. (ص 132)، وهي الأركان التي مهدت لما يسميه المؤلف المنهجية النصوصية التي أعادت تعريف العلاقة بين الكتاب والسنة.. (ص 133)..

في قراءته لهذه الأركان، يقدم الكتاب تعريفاً جديداً للحكمة ((هي مجموعة المبادئ المحددة للرؤية القرآنية التي تجلت في ممارسات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومواقفه العملية،ص 133)) ((ونرى لذلك امتناع تحديد الحكمة بآحاد النصوص المروية عن الرسول الكريم،ص 133)) ـ أي إنه لا يلغي ربط الحكمة بالسنة النبوية، ولكنه يلغي ارتباطها بآحاد النصوص المتفرقة المجتزأة من سياقها الذي لم ينقل مع النص، ويقوي، من جهة أخرى، ارتباطها بالرؤية القرآنية.
المساواة بين الكتاب والسنة

أما بالنسبة لمنع نسخ السنة بالقرآن، فيقدم الكتاب رؤية شديدة التماسك، أخـــــذاً بنظر الاعتبـــــار اتفاق العلماء على أن الحــــديث هو’ كلام رسول الله المنقول إلينا بالمعنى ( = ليس بالحرف الدقيـق المباشر، الامر الذي يرتهن بفهم ناقل الخبر دون ان يكون ذلك قدحا في مصداقية نقله للخبر)….وإن منع نســـخ النص النبوي بالقرآن إنكار لهيمنة الكتاب عليه وتجاهل لأولوية مرجعية الكتاب ص 136 ‘. كما أنه يقدم نقداً متميزاً لرؤية ابن حزم الظاهري التي تساوي بين الكتاب والسنة اعتماداً على آية {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم 3 ـ 4). فالقرآن الكريم وحده يحتمل الوصف بأنه وحي يوحى لأنه كلام الله تنزل به جبريل الأمين لفظاً ومعنى، وهو هنا لا يقدم على محاولة نسف السنة كما يفعل الهراطقة إياهم، ((أما حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام فيحتمل أوصافاً ثلاثة:
1- وحي معنوي ألقي في روعه فأداه كما وعاه.
2- إلهام من الله إلى الحق والصواب.
3- اجتهاد في النوازل والأحداث تأويلاً لكتاب الله، وتطبيقاً لأحكامه ص 137..))

أي إن لؤي صافي ليس بصدد التشكيك بحجية السنة وإمكان اعتماد الحديث لتقييد مطلق القرآن وتخصيص عامه..(( فأهمية السنة لتوضح معاني الكتاب وبيان تطبيقاته وتقييد مطلقه أمر نقره ولا نشكك فيه بل نعتقد ضلال من أراد فصل الكتاب عن السنة ص 142)) ـ ولكن ((جهدنا يتعلق بوضع العلاقة بين الكتاب والسنة موضعها الطبيعي بحيث يكون الكتاب هو الأصل الثابت وتكون السنة تابعة في مقاصدها وأحكامها لمقاصد القرآن وأحكامه)) (ص 142). ويقدم الكتاب، مثالاً على ما يمكن أن ينتج عن تخصيص آية قرآنية كريمة (آية القصاص) بحديث آحاد (له سياقه الخاص ولا نعرف تحديدا توقيت حدوثه كي نعلم ترتيب هذا الحدوث بالنسبة للآية الكريمة) مما قد يتعارض مع المبادئ القرآنية.

منهجية القواعد القياسية

الأمر المهم والمميز في كل ما سبق، إن لؤي صافي يتجاوز توجيه الانتقادات إلى المنهجية النصوصية التقليدية، إلى تقديم بديل حيوي وفاعل قادر على إنتاج منهجية علمية ترمي إلى (الانتقال من النظر الجزئي إلى النصوص المنفردة، إلى النظر الكلي من خلال اعتبار كافة النصوص المتعلقة بالموضوع المدروس) (ص 195)، وهذه المنهجية هي ما أسماها المؤلف (منهجية القواعد القياسية)، التي أفرد لها فصلاً من كتابه، والتي تنطلق من مقدمة تعتمد على أن ((النتيجة المتحصلة من مقدمات جزئية محتملة (= من نصوص منفردة ) هي نتيجة ظنية محتملة لا محالة، والنصوص المفردة، سواء أكانت آيات من كتاب الله تعالى أم أحاديث من سنة رسول الله تفيد الظن، وبالتالي فإن الاستدلال الذي ينبني على نظر في نص منفرد أو استدلال ضعيف ص 192)).

منهجية القواعد القياسية هذه، التي تعتمد على رؤية النصوص القرآنية مجموعة وإيجاد قواعد مستخرجة منها، ومن ثم عرض هذه القواعد على نصوص الحديث النبوية، والتي سيتم فهمها بشكل قرآني يجعلها أكثر تماسكاً دون الانزلاق إلى مطب رفض حديثٍ ما لمجرد عدم موافقته لحكم قرآني ((نظراً لجهل السياق الكلي لكثير من الأحاديث واستحالة الجزم بكون الحديث معلوم الدلالة أو مرتبطاً بظرف أو فرد، فإذا توافقت دلالات الحديث ومعانيه مع دلالات الكتاب وأمكن حمله على البيان أو التقييد أو التخصيص، قبل الحديث بنصه. أما إذا تعارض نص الحديث ونص الكتاب وتناقضت دلالاتهما، وجب تأويل الحديث أو تخصيصه وتقييد دلالته بنص الكتاب، وأمكن في كلا الحالين القطع بأن المعنى المستنبط من نصوص الكتاب والسنة متوافقة مع مقاصد الوحي وتوجيهات الشارع (ص 204). أي إن ‘منهجية القواعد القياسية’ لا تعمد إلى رفض حديثٍ ما، كما يستسهل أدعياء التجديد لغرض نسف السنة كلها، ولكنها تضعها ضمن ضوابط تزيد من فاعليتها.

آيات القتال

الكتاب لا يكتفي بالتنظير لذلك، بل يقدم أمثلة عملية في موضوع في غاية الأهمية والحساسية، وهو موضوع القتال، يجمع كل آيات القتال، وكل أحاديث القتال (التي ستبدو متعارضة للوهلة الأولى)، ثم يطبق منهجية القواعد الأساسية، ليصل إلى مجموعة من القواعد والأحكام القرآنية التي يمكن من خلالها إعادة قراءة التعارض الظاهر مع بعض الأحاديث ـ والوصول إلى حكم متوازن ومتكامل لا يتعارض مع مجموع النصوص، بعيداً عن الانتقائية التي يمارسها كل من شاء أن يستبدل بدليل منفرد (سواء كان هؤلاء دعاة العنف الذين لا يرون غير آية القتال، أو دعاة اللاعنف الذين لا يرون غير آية اللا إكراه)..
والحق أن (منهجية القواعد القياسية) ـ بأركانها الستة التي لا مجال للخوض فيها والتي قد تحتاج إلى المزيد من التأصيل والتمكين والتمحيص ـ هي بذرة جديدة لعلم أصول فقه معاصر وهي تحتاج حتماً إلى المزيد من الأمثلة والمقارنات لكي تنمو وتتأصل وتبرهن على مصداقيتها وتكاملها مع الرؤية القرآنية التي تشكل البنية الأساسية للعقل المسلم.
في الوقت نفسه، فإن وجود هذه الضوابط في (منهجية القواعد القياسية) هي بمثابة الفيصل الحاد بين هذه الرؤية التجديدية، وبين رؤية أدعياء التجديد الديني الذين يمررون رؤيتهم الليبرالية تارة تحت ستار (المقاصد) المطاطة، وطوراً تحت شعار (تاريخية النص)، وتارة أخرى تحت (قراءة ألسنية ) تعيد نسف كل شيء من أجل تركيبه من جديد على حسب النموذج الغربي.
ولو أن لؤي صافي كان من هؤلاء، لو أن كتابه كان يندرج ضمن هذه المحاولات لتنادى هؤلاء من كل مكان لإسناده والترويج له، ولجاءه الدعم من تلك المؤسسات الغربية التي لم تعد تخفي دعمها لهذه التيارات ولم تعد تكترث أصلا لأخفاء الامــر او تحديد الاشخاص الذين تدعمهم ‘بالإسم’.
لكن هذا التجــــــــديد الحقيقي، المنضبـــــط، الملتزم برؤية قرآنـــية، لا يجد من يروج له، ولا يبكي عليه.. ولذا تجده بعد عشر سنوات من صدوره، شبه مهمل، شبه منسي.. لكن هذا كله، يجب أن لا يستمر…وعسى ان يكون هذه المقال قرعا على جدار الصمت .. الصمت الاسوأ من اسوأ نقد.

د .أحمد خيري العمري
26/09/2008

كُتب في المناهج | التعليقات على كتاب لؤي صافي بذرة جديدة لعلم أصول فقه معاصر: ولكن ‘إعمال العقل’ لا بواكي له! مغلقة

نص البيان الذي أصدره العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حول تهجم إحدى وكالات الأنباء “مهر” عليه

نص بيان القرضاوي حول موقفه من الشيعة

في ما يلي نص بيان العلامة الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين حول موقفه من الشيعة والذي يتضمن ردا على انتقادات وجهتها له وكالة أنباء “مهر” الإيرانية شبه الرسمية، وتعليقات للشيخين فضل الله والتسخيري.

“بسم الله الرحمن الرحيم

بيان للناس حول موقفي من الشيعة وما قالته وكالة أنباء مهر الإيرانية والرد على الشيخين فضل الله والتسخيري بقلم – يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

شنَّت وكالة أنباء (مهر) الإيرانية شبه الرسمية في 13 من رمضان 1429هـ الموافق 13 سبتمبر 2008م، هجوما عنيفا على شخصي، تجاوزت فيه كلَّ حدٍّ، وأسفَّت إسفافا بالغا لا يليق بها، بسبب ما نشرته صحيفة (المصري اليوم) من حوار معي تطرَّق إلى الشيعة ومذهبهم، قلتُ فيه: أنا لا أكفرهم، كما فعل بعض الغلاة، وأرى أنهم مسلمون، ولكنهم مبتدعون. كما حذَّرت من أمرين خطيرين يقع فيهما كثير من الشيعة، أولهما: سبُّ الصحابة، والآخر: غزو المجتمع السني بنشر المذهب الشيعي فيه. ولا سيما أن لديهم ثروة ضخمة يرصدون منها الملايين بل البلايين، وكوادر مدرَّبة على نشر المذهب، وليس لدى السنة أيَّ حصانة ثقافية ضدَّ هذا الغزو. فنحن علماء السنة لم نسلِّحهم بأيِّ ثقافة واقية، لأننا نهرب عادة من الكلام في هذه القضايا، مع وعينا بها، خوفا من إثارة الفتنة، وسعيا إلى وحدة الأمة.

هذا الكلام أثار الوكالة، فجنَّ جنونها، وخرجت عن رشدها، وطفقت تقذفني بحجارتها عن يمين وشمال.

وقد علَّق على موقفي العلامة آية الله محمد حسين فضل الله، فقال كلاما غريبا دهشتُ له، واستغربتُ أن يصدر من مثله.

كما علَّق آية الله محمد علي تسخيري، نائبي في رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وقال كلاما أعجب من كلام فضل الله.

موقفي من الشيعة ومذهبهم:

وأودُّ هنا قبل أن أردَّ على ما قاله هؤلاء جميعا، أن أبيِّن موقفي من قضية الشيعة الإمامية ومذهبهم ومواقفهم، متحرِّيا الحق، ومبتغيا وجه الله، مؤمنا بأن الله أخذ الميثاق على العلماء ليبيِّنن للناس الحقَّ ولا يكتمونه. وقد بينته من قبل في كتابي (مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية)، وأصله بحث قدمته لمؤتمر التقريب الذي عُقد في (مملكة البحرين). وما أقوله اليوم تأكيد له.

أولا:

أنا أؤمن أولا بوحدة الأمة الإسلامية بكلِّ فِرَقها وطوائفها ومذاهبها، فهي تؤمن بكتاب واحد، وبرسول واحد، وتتَّجه إلى قِبلة واحدة. وما بين فِرَقها من خلاف لا يُخرِج فرقة منها عن كونها جزءا من الأمة، والحديث الذي يُعتمد عليه في تقسيم الفرق يجعل الجميع من الأمة، “ستفترق أمتي …”. إلا مَن انشقَّ من هذه الفرق عن الإسلام تماما، وبصورة قطعية.

ثانيا:

هناك فرقة واحدة من الفرق الثلاث والسبعين التي جاء بها الحديث هي وحدها (الناجية)، وكلُّ الفرق هالكة أو ضالة، وكلُّ فرقة تعتقد في نفسها أنها هي الناجية، والباقي على ضلال. ونحن أهل السنة نوقن بأننا وحدنا الفرقة الناجية، وكلُّ الفرق الأخرى وقعت في البدع والضلالات، وعلى هذا الأساس قلتُ عن الشيعة: إنهم مبتدعون لا كفارا، وهذا مُجمَع عليه بين أهل السنة، ولو لم أقل هذا لكنتُ متناقضا، لأن الحقَّ لا يتعدَّد، والحمد لله، فحوالي تسعة أعشار الأمة الإسلامية من أهل السنة، ومن حقهم أن يقولوا عنا ما يعتقدون فينا.

ثالثا:

إن موقفي هذا هو موقف كلِّ عالم سنيٍّ معتدل بالنسبة إلى الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، أما غير المعتدلين فهم يصرِّحون بتكفيرهم؛ لموقفهم من القرآن، ومن السنة، ومن الصحابة، ومن تقديس الأئمة، والقول بعصمتهم، وأنهم يعلمون من الغيب ما لا يعلمه الأنبياء. وقد رددت على الذين كفروهم، في كتابي (مبادئ في الحوار والتقريب).

ولكني أخالفهم في أصل مذهبهم وأرى أنه غير صحيح، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى لعلي بالخلافة من بعده، وأن الصحابة كتموا هذا، وخانوا رسولهم، وجحدوا عليا حقَّه، وأنهم تآمروا جميعا على ذلك. والعجب أن عليًّا لم يعلن ذلك على الملأ ويقاتل عن حقِّه. بل بايع أبا بكر وعمر وعثمان، وكان لهم معينا ومشيرا. فكيف لم يواجههم بالحقيقة؟ وكيف لم يجاهر بحقه؟ وكيف تنازل ابنه الحسن عن خلافته المنصوص عليها لمعاوية؟ وكيف يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم بفعله ذلك، وأن الله أصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين؟

وللشيعة بدع عملية مثل: تجديد مأساة الحسين كل عام بلطم الوجوه، وضرب الصدور إلى حدِّ سفك الدم، وقد مضى على المصيبة أكثر من ثلاثة عشر قرنا؟ ولماذا لم يعمل ذلك في قتل والده، وهو أفضل منه؟

ومن ذلك الشركيات عند المزارات والمقابر التي دُفن فيها آل البيت، والاستعانة بهم ودعاؤهم من دون الله. وهو ما قد يوجد لدى بعض أهل السنة، ولكن علماءهم ينكرون عليهم ويشددون النكير.

من أجل ذلك نصفهم بالابتداع، ولا نحكم عليهم بالكفر البواح، أو الكفر الأكبر، المُخرِج من الملَّة.

وأنا من الذين يقاومون موجة التكفير من قديم، وقد نشرتُ رسالتي (ظاهرة الغلو في التكفير)، مشدِّدا النكير على هذا الغلو، ونؤكِّد أن كلَّ مَن نطق بالشهادتين والتزم بمقتضاهما: دخل في الإسلام بيقين، ولا يخرج منه إلا بيقين. أي بما يقطع بأنه كفر لا شك فيه.

رابعاً:

أن الاختلاف في فروع الدين، ومسائل العمل، وأحكام العبادات والمعاملات، لا حرج فيه، وأصول الدين هنا تسع الجميع، وما بيننا وبين الشيعة من الخلاف هنا ليس أكبر مما بين المذاهب السنية بعضها وبعض. ولهذا نقلوا عن شيخنا الشيخ شلتوت شيخ الأزهر رحمه الله: أنه أفتى بجواز التعبُّد بالمذهب الجعفري؛ لأن التعبُّد يتعلَّق بالفروع والأحكام العملية، وما يخالفوننا فيه في الصلاة والصيام وغيرهما يمكن تحمُّله والتسامح فيه.

خامساً:

أن ما قلتُه لصحيفة (المصري اليوم) هو ما قلتُه بكلِّ صراحة وأكَّدتُه بكلِّ قوَّة، في كلِّ مؤتمرات التقريب التي حضرتُها: في الرباط، وفي البحرين، وفي دمشق، وفي الدوحة، وسمعه مني علماء الشيعة، وعلقوا عليه، وصارحتُ به آيات الله حينما زرتُ إيران منذ نحو عشر سنوات: أن هناك خطوطا حمراء يجب أن ترعى ولا تتجاوز، منها: سب الصحابة، ومنها: نشر المذهب في البلاد السنية الخالصة. وقد وافقني علماء الشيعة جميعا على ذلك.

سادساً:

إنني رغم تحفُّظي على موقف الشيعة من اختراق المجتمعات السنية، وقفتُ مع إيران بقوَّة في حقِّها في امتلاك الطاقة النووية السلمية، وأنكرتُ بشدَّة التهديدات الأمريكية لها، وقلتُ: إننا سنقف ضد أمريكا إذا اعتدت على إيران، وإن إيران جزء من دار الإسلام، لا يجوز التفريط فيها، وشريعتنا توجب علينا أن ندافع عنها إذا دخلها أو هدَّدها أجنبي. وقد نوَّهَتْ بموقفي كلُّ أجهزة الإعلام الإيرانية، واتصل بي عدد من المسئولين شاكرين ومقدِّرين. وأنا لم أقف هذا الموقف مجاملة، ولكني قلتُ ما يجب أن يقوله المسلم في نصرة أخيه المسلم.

الرد على وكالة أنباء (مهر) الإيرانية:

1. زعمت وكالة الأنباء: أني أردِّد ما يقوله حاخامات اليهود، وأني أتحدَّث نيابة عنهم، وقالت: إن كلامي يصبُّ في مصلحة الصهاينة والحاخامات! وجهلت الوكالة التائهة ما أعلنه اليهود أنفسهم أن أخطر الناس عليهم في قضية فلسطين هم علماء الدين، وأن أخطر علماء الدين هو القرضاوي! وطالما حرَّضوا عليَّ، وعلى اغتيالي، وما زال اللوبي الصهيوني في كلِّ مكان يقف ضدِّي، ويؤلِّب علي الحكومات المختلفة، لتمنعني من دخول أرضها، فلا غرو أن مُنعت من أمريكا وبريطانيا وعدد من البلاد الأوربية؛ لأني عدو إسرائيل، ومفتي العمليات الاستشهادية.

إنني أحارب اليهود والصهاينة منذ الخامسة عشرة من عمري، أي من حوالي سبعين سنة، قبل أن يُولد هؤلاء الذين يهاجمونني. ولقد انتسبت منذ شبابي المبكِّر إلى جماعة يعتبرها الصهاينة العدو الأول لهم، هي جماعة الإخوان المسلمين التي قدَّمت الشهداء، ولا زالت من أجل فلسطين.

أما الماسونية فكتاباتي ضدَّها في غاية الوضوح، ولا سيما فتواي عن (الماسونية) في كتابي (فتاوى معاصرة).

2. وزعمت الوكالة: أن المذهب الشيعي يلقى تجاوبا لدى الشباب العربي الذي بهره انتصار حزب الله على اليهود في لبنان، وكذلك الشعوب المسلمة الواقعة تحت الظلم والاضطهاد، واعتبرت الوكالة ذلك معجزة من معجزات آل البيت؛ لأن الشعوب وجدت ضالَّتها في هذا المذهب حيث قدَّم الشيعة نموذجا رائعا للحكم الإسلامي، لم يكن متوافرا بعد حكم النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم الإمام علي رضي الله عنه.

وهذا الكلام مردود عليها، فالفرد الإيراني كغيره في بلادنا الإسلامية، لم يطعم من جوع، ولم يأمن من خوف. ولا سيما أهل السنة الذين لا يزالوان يعانون التضييق عليهم. وكلام الوكالة فيه طعن في عهد أبي بكر وعمر، وقد قدَّما نموذجا رائعا للحكم العادل والشورى، بخلاف حكم علي الذي شُغل بالحروب الداخلية، ولم يتمكَّن من تحقيق منهجه في العدالة والتنمية، كما كان يحب.

3. المهم أن الوكالة اعترفت بتنامي المد الشيعي الذي اعتبرته (معجزة) لآل البيت! وهو ردٌّ على الشيخ فضل الله والتسخيري وغيرهما الذين ينكرون ذلك.

4. زعمت الوكالة أني لم أتحدَّث عن بطولات أبناء الشيعة في جنوب لبنان (2006م). وهو زعم كاذب أو جاهل، فقد ناصرت حزب الله، ودافعت عنه، ورددت على فتوى العالم السعودي الكبير الشيخ بن جبرين، في حلقة كاملة من حلقات برنامجي (الشريعة والحياة) في قناة الجزيرة، وقد نُقلت الحلقة من القاهرة حيث كنتُ في الإجازة.

5. تحدَّثت الوكالة بشماتة عن هزائم العرب، ولا سيما هزيمة 1967م، وعن حكام العرب، وجنرالات العرب، وكأني مسئول عنهم! وقد قاومتُ استبداد الحكام وطغيانهم، ودخلتُ من أجل ذلك السجون والمعتقلات، وحوكمتُ أمام المحاكم العسكرية، وحُرمتُ من الوظائف الحكومية، وأنا أول دفعتي.

ونسيت الوكالة أن مصر دخلت أربع حروب من أجل فلسطين، وأنها في إحداها قد حقَّقت نصرا معروفا على دولة الصهاينة، برغم ما كان يساندها من المدد الأمريكي. وذلك في حرب العاشر من رمضان سنة 1393هـ (6 أكتوبر 1973م)، وكذلك بطولات الإخوة في فلسطين في حماس والجهاد وكتائب الأقصى وغيرهم.

6. أسوأ ما انحدرت إليه الوكالة: زعمها أني أتحدَّث بلغة تتَّسم بالنفاق والدجل، وهو إسفاف يليق بمَن صدر عنه، وقد قال شاعرنا العربي:

وحسبكمو هذا التفاوت بيننا     وكل إناء بالذي فيه ينضح!

والذين عرفوني بالمعاشرة أو بقراءة تاريخي، عرفوني منذ مقتبل شبابي شاهرا سيف الحقِّ في وجه كلِّ باطل، وأني لم أنافق ملكا ولا رئيسا ولا أميرا، وأني أقول الحقَّ ولا أخاف في الله لومة لائم. ولو كنتُ أبيع في سوق النفاق، لنافقتُ إيران التي تقدر أن تُعطي الملايين، والتي تشتري ولاء الكثيرين بمالها، ولكني لا أُشترى بكنوز الأرض، فقد اشتراني الله سبحانه وبعتُ له. وقد اقترحوا علي منذ سنوات أن يعطوني جائزة لبعض علماء السنة، فاعتذرت إليهم.

وقالت الوكالة الكاذبة المزيِّفة: كان الأحرى بالشيخ القرضاوي أن يتحدَّث عن خطر المدِّ الصهيوني، الذي أوشك أن يقترب من بيت القرضاوي نفسه، حيث إن أبناءه الذين يقطنون في أحياء لندن، انصهروا تماما بالثقافة الأنجلوسكسونية، وابتعدوا عن الثقافة الإسلامية!

ولا أدري كيف يجترئ هؤلاء الناس على الكذب الصُراح، فليس أحد من أولادي يسكن في لندن، بل يعملون بالتدريس في جامعة قطر، أو في سفارة قطر بالقاهرة، ومن بناتي ثلاث حصلن على الدكتوراه من إنجلترا، وكلهن في قطر منذ سنين. وهن متمسكات بثقافتهن الإسلامية، وهُويَّتهن الإسلامية، إلا إذا كانت الوكالة تعتبر تخصُّصاتهن العلمية خروجا عن الدين، وعن الثقافة الإسلامية.

أما خطر المد الصهيوني فلستُ في حاجه إلى أن أتعلَّمه من السيد حسن زاده -خبير الشئون الدولية بالوكالة- فمنذ الخامسة عشرة من عمري، وأنا أقاوم هذا الخطر بشعري ونثري، وخطبي وكتبي، ولي كتابان في ذلك هما: (درس النكبة الثانية)، و(القدس قضية كل مسلم). غير فتاوى ومحاضرات وخطب شتَّى.

ولو فتح الراديو يوم الجمعة في الأيام التي أخطب فيها، واستمع إلى فضائية قطر، لعرف حقيقة موقفي من المدِّ الصهيوني. فلستُ ممن يزايد عليه في هذا المجال.

موقف الشيخ فضل الله:

1. عقَّب آية الله الشيخ محمد حسين فضل الله على حديثي في صحيفة (المصري اليوم) تعقيبا استغربتُ أن يصدر من مثله، وأنا اعتبره من العلماء المعتدلين في الشيعة، وليس بيني وبينه إلا المودة، فقد كان أول ما قاله: إنني لم أسمع عن الشيخ القرضاوي أيَّ موقف ضدَّ التبشير (المسيحي) الذي يراد منه إخراج المسلمين عن دينهم… وهذا عجيب حقًّا، فموقفي ضد (التنصير) الذي يسمُّونه التبشير واضح للخاص والعام، في كتبي وخطبي ومحاضراتي ومواقفي، وقد طفتُ كثيرا من البلاد الإسلامية بعد مؤتمر كلورادو 1978م، الذي اجتمع لتنصير العالم الإسلامي، ورصد لذلك ألف مليون دولار، وانتهيتُ إلى السعي لإنشاء الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية في الكويت. الذي كان الهدف الأول منها: المقاومة العملية للموجة التنصيرية المسعورة الطامعة في تنصير الأمة الإسلامية.

وكلُّ الناس يعرفون أني واقف بالمرصاد لكلِّ مَن يتطاول على مقدسات الإسلام: الرسول والقرآن والسنة الشريفة. وقد كان موقفي في أزمة الرسوم المسيئة معروفا على مستوى العالم، وموقفي في الردِّ على البابا، بأكثر من وجه، ومنه كتابي (البابا والإسلام).

2. ويقول الشيخ فضل الله أيضا: لم نسمع من القرضاوي أيَّ حديث عن اختراق العلمانيين أو الملحدين للواقع الإسلامي.

وأنا أقول: يا عجبا! لقد وقفتُ للعلمانيين والملحدين في كتبي ومحاضراتي وخطبي وهي منشورة ومشهورة، مثل:

· الإسلام والعلمانية وجها لوجه.

· التطرف العلماني في مواجهة الإسلام.

· بيِّنات الحل الإسلامي وشبهات العلمانيين والمتغربين.

· الدين والسياسة.

· من فقه الدولة في الإسلام.

وغيرها من الكتب التي شرَّقت وغرَّبت، وتُرجمت إلى عدد من اللغات.

وقد شاركتُ في مناظرات مع العلمانيين، أظهر الله فيها حجَّة الإسلاميين، وتهافت خصومهم. وظهرت في أشرطة سمعها الكثيرون في أنحاء العالم.

3. أنكر الشيخ فضل الله اعتباري الشيعة (مبتدعة). ونسي الشيخ أني قلت هذا في مواجهة مَن يقول: إنهم كفَّار. ونحن أهل السنة نقول عن سائر الفرق الإسلامية: إنهم مبتدعون، ولكن بدعة غير مكفِّرة. وهذا مقتضى أن الفرقة الناجية فرقة واحدة، وسائر الفرق وقعت في البدع والضلالات بنِسَب متفاوتة.

والشيعة عندهم بدع نظرية وبدع عملية. من البدع النظرية: القول بالوصية لعلي، وعصمة الأئمة والمبالغة في تعظيمهم، وإضفاء القداسة عليهم، وأن السنة عندهم ليست سنة محمد، بل سنَّته وسنة المعصومين من بعده.

ومن البدع العملية: تجديد مأساة الحسين كلَّ عام، وما يحدث عند مزارات آل البيت من شركيات، وزيادة الشهادة الثالثة في الأذان وغيرها.

وما ذكره عن تحريف الشيعة للقرآن، فأنا ممَّن يؤمنون بأن الأكثرية الساحقة من الشيعة لا يعرفون قرآنا غير قرآننا، وأن هذا المصحف الذي يطبع في إيران هو نفسه الذي يطبع في المدينة، وفي القاهرة، وأنه هو الذي يفسِّره علماؤهم، ويحتجُّ به فقهاؤهم، ويستدلُّ به متكلموهم، ويحفظه صبيانهم.

وهذا ما ذكرتُه في أكثر من كتاب من كتبي. كل ما قلتُه: إن بعضا من الشيعة ترى أن هذا القرآن ناقص، وأن المهدي حين يخرج سيأتي بالقرآن الكامل، وأن هناك مَن ألَّف كتابا في ذلك مثل كتاب (فصل الخطاب) وأن أكثرية الشيعة تنكر ذلك، ولكنها لا تكفره كما نفعل نحن أهل السنة، وهذا هو الفرق بيننا وبينهم.

4. سأل الشيخ فضل الله في حواره: ما رأيي فيما يصدره بعض السنة الآن من كتب تكفِّر الشيعة، وتعتبرهم مشركين ومرتدين؟

وأنا أجيبه: إني أرفض ذلك، ولا أرضى أن أكفِّر أحدا من أهل القبلة إلا بأمر قطعي يخرجه من دائرة الإسلام. أما كلُّ ما يحتمل التأويل، فالأصل إبقاء المسلم على إسلامه، وإحسان الظنِّ به، وتفسير أيِّ شك لصالحه.

5. أنكر الشيخ ما ذكرتُه من الغزو الشيعي للمجتمعات السنية، وذكر أنه أرسل إليَّ مع بعض الأصدقاء أن أعطيه إحصائية عما يحدث في البلاد التي تتعرَّض للاختراق الشيعي كمصر والجزائر وسوريا، وغير ذلك. وأنا أقول: إن أحدا لم يبلغني بذلك.

على أن هذا الطلب ليس جديًّا، فهذه الأمور تتمُّ في الخفاء، ولا يُعلن عنها، ولاسيما في المجتمعات السنية الخالصة، مثل مصر والسودان وتونس والجزائر وغيرها. وما الضرورة إلى هذه الإحصائيات، وأمامنا من الشواهد ما يكفي؟!

وأعتقد أنه قد كفاني الرد على الشيخ ما أعلنته وكالة أنباء (مهر) الإيرانية من انتشار المذهب الشيعي في البلاد العربية والإسلامية، واعتبارها ذلك من معجزات آل البيت.

مع الشيخ تسخيري:

أما صديقنا الشيخ تسخيري، فقد كان تعليقه أعجب! وهو يعرفني جيدا، منذ نحو ربع قرن أو يزيد. وقد اخترتُه نائبا لي في الاتحاد العالمي، ونلتقي باستمرار في مجلس الأمناء، والمكتب التنفيذي، غير اللقاءات في المؤتمرات والمجمع الفقهي.

1. فقد اعتبر الشيخ تصريحاتي مثيرة للفتنة، وأنها ناجمة عن ضغوط الجماعات التكفيرية والمتطرِّفة التي تقدِّم معلومات مفتراة، فأقع تحت تأثيرها! ونسي الشيخ تسخيري: أني لم أكن في يوم ما مثيرا للفتنة، بل داعيا للوحدة والألفة، كما أني وقفتُ ضد هذه الجماعات المتطرفة، وحذَّرت من خطرها، وألَّفتُ الكتب، وألقيتُ الخطب والمحاضرات، وكتبتُ المقالات في الدعوة إلى الوسطية والاعتدال. بل أصبحت بين الدعاة والمفكرين والفقهاء رمزا للوسطية.

وكتبي في ترشيد الصحوة الإسلامية معروفة ومنشورة ومترجمة إلى اللغات الإسلامية والعالمية.

2. ويقول التسخيري: إن القرضاوي يشبِّه التبليغ الشيعي بالتبشير، في حين أن الكلمة تستخدم فقط في التبليغ المسيحي.

وأقول: إنني استخدمت نفس التعبير الذي استخدمه الإمام محمد مهدي شمس الدين رحمه الله، وقد كنتُ استخدم عبارة (نشر المذهب).

أما التبشير المسيحي فأنا أسمِّيه باسمه الحقيقي، وهو التنصير. على أنه لا مشاحَّة في الاصطلاح.

وكأن الشيخ يؤيِّد التبليغ الشيعي في البلاد السنية، ولكن لا يسمِّيه تبشيرا. وأنا أرفضه بأيِّ اسم كان؛ لأن العبرة بالمسميات والمضامين، لا بالأسماء والعناوين.

3. وأكد تسخيري أن القرضاوي من خلال هذه الممارسات لا يعمل من أجل انسجام الأمة الإسلامية ومصالحها، وأن هذا يتنافى مع أهداف الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي بذل فيه جهودا واسعة لتأسيسه، للقضاء على التعصُّب والتفرقة، والقيام بالدعوة إلى الاعتدال، حسبما جاء في الميثاق الإسلامي للاتحاد.

والشيخ التسخيري لا يغيب عنه: أني عشتُ حياتي كلَّها أدعو إلى توحيد الأمة الإسلامية، فإن لم يمكن توحيدها فعلى الأقل تأكيد التضامن فيما بينها، وأني أيَّدت دعوة التقريب، وشهدت مؤتمراتها، وقدَّمت إليها بحوثا مهمَّة.

ولكن هذا لا يعني أن أرى الخطر أمام عيني وأغضُّ الطرف عنه، مجاملة لهذا وإرضاء لذلك، فوالله ما أبيع ديني بملك المشرق والمغرب.

وأنا في كلِّ المؤتمرات التقريبية التي شاركتُ فيها حذَّرت بقوة ووضوح من محاولة تصدير المذهب في البلاد الخالصة للمذهب الآخر.

ويذكر التسخيري أني عندما زرتُ إيران، قلتُ لهم: ماذا ستكسبون من محاولة نشر المذهب في البلاد السنية؟ مائة أو مائتين، أو ألفا أو ألفين، أو أكثر أو أقل. لكنكم بعد ذلك حين يكتشف الشعب الأمر، سيعاديكم عن بكرة أبيه، ويقف ضدكم. وهذا ما لا نحب أن يحدث. وهنا قال الشيخ تسخيري: صدقتَ. وأيَّد كلامي بما حدث لمكتبهم في الخرطوم. قال: وقد كانت صلتنا بالقيادة السودانية بعد ثورة الإنقاذ جيدة، وسمحت لنا بفتح مكاتب هناك.

ولكن مدير المكتب رأى أن يوزِّع كتابا عنوانه (ثم اهتديتُ) يهاجم المذهب السني، ويدعو إلى المذهب الشيعي، فما كان من حكومة السودان إلا أن أغلقت هذه المكاتب وردَّت موظفيها إلى طهران.

4. وعلَّق التسخيري على قولي للصحيفة المصرية: إن الشيعة مسلمون، ولكنهم مبتدعون. فقال: إن القرضاوي اتهم مرة أخرى الشيعة بتحريف القرآن، في حين أن هذا خطأ فاحش… وهو يعلم أن علماء الشيعة في مختلف العصور أكَّدوا على عدم تحريف القرآن.

وأنا أعترف أن صحيفة (المصري اليوم) لم تنقل كلامي هنا حرفيًّا، بل تصرَّفت فيه، فلم يكن قولها دقيقا ومستوعبا، كما جاء في جوابي الأصلي. ومع هذا، فإن الصحيفة لم تنقل عني: أن الشيعة جميعا يؤمنون بتحريف القرآن، ولكنها قالت: كثير منهم يقول: إن القرآن الموجود كلام الله، ولكن ينقصه بعض الأشياء، مثل سورة الولاية اهـ.

ومن هؤلاء العالم الشيعي المعروف، أحد كبار علماء النجف، وهو الحاج ميرزا حسين محمد تقي النوري الطبرسي، الذي ألَّف – وهو في النجف – كتابه المعروف (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب). وقيمة الكتاب في جمعه لمئات النصوص من مصادر الشيعية وكتبهم المعتمدة، ومن أقوال علمائهم ومجتهديهم في مختلف الأزمنة، وهي تقرِّر أن القرآن قد زِيد فيه ونقص منه.

وقد أحدث كتابه ضجَّة عند ظهوره في إيران، وردَّ عليه الكثيرون، وردَّ عليهم هو بكتاب آخر، يدفع فيه الشبهات التي أُثيرت حول كتابه.

وقد سجَّلت رأيي كتابة عن موقف الشيعة من القرآن في بحثي الذي قدَّمته لمؤتمر التقريب في مملكة البحرين، ونشرتُه في رسالة سمَّيتها (مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية)، جعلتُها من رسائل ترشيد الصحوة، التي تنشرها مكتبة وهبة في مصر، ومؤسسة الرسالة في لبنان. وفيها رددتُ على الذين يتَّهمون الشيعة بالقول بتحريف القرآن، وبهذا يحقُّ أن نحكم بكفرهم. فكتبتُ في الردِّ على هؤلاء:

(فقد بيَّنا أن الشيعة جميعا يؤمنون بأن ما بين دفتي المصحف كلام الله المحفوظ المعجز الملزم للأمة، ولهذا يحفظون هذا القرآن، ويتعبَّدون بتلاوته، ويحتجُّون به في مسائل العقيدة، وفروع الأحكام، وهذا مُجمع عليه عندهم. ولم نجد مصحفا يخالف مصحفنا، والمصحف الذي يطبع في إيران هو نفسه الذي يطبع في مصر والسعودية، وأما دعوى أن هناك أجزاء ناقصة من القرآن، فليسوا متَّفقين عليها، بل يُنكرها محقِّقوهم. على أن هذه الزيادات المزعومة، لا يترتَّب عليها أمر عملي).

وقد نقلتُ من أقوال الشيعة المعتدلين – التي نقلها عنهم بعض علماء السنة – ما يؤكِّد حفظ القرآن من كل زيادة أو نقصان، ومن هذا ما نقله الشيخ رحمة الله الكيرانوي الهندي في كتابه الشهير (إظهار الحق):

‌أ- (قال الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه، الذي هو من أعظم علماء الإمامية الاثنا عشرية في رسالته الاعتقادية: (اعتقادنا في القرآن: أن القرآن الذي أنزل الله على نبيه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، ومبلغ سوره عند الناس مائة وأربع عشرة سورة، وعندنا الضحى وألم نشرح سورة واحدة، ولإيلاف وألم تر كيف سورة واحدة، ومن نسب إلينا أنا نقول: إنه أكثر من ذلك فهو كاذب) انتهى.

‌ب- وفي تفسير (مجمع البيان) الذي هو تفسير معتبر عند الشيعة: (ذكر السيد الأجل المرتضى، علم الهدى ذو المجد، أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي: أن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعا مؤلَّفا على ما هو الآن، واستدلَّ على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى إن جماعة من الصحابة، كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات، وكلُّ ذلك بأدنى تأمُّل يدلُّ على أنه كان مجموعا مرتَّبا غير منشور ولا مبثوث، وذكر أن مَن خالف من الإمامية والحشوية لا يعتدُّ بخلافهم، فإن الخلاف مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنُّوا صحَّتها، لا يُرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحَّته) انتهى.

‌ج- وقال السيد المرتضى أيضا: (إن العلم بصحَّة القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار، والوقائع العظام المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، فإن العناية اشتدَّت، والدواعي توفَّرت على نقله، وبلغت حدًّا لم تبلغ إليه فيما ذكرناه؛ لأن القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية والأحكام الدينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وعنايته الغاية، حتى عرفوا كلَّ شيء فيه، من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيَّرًا أو منقوصا مع العناية الصادقة والضبط الشديد؟) انتهى.

‌د- وقال القاضي نور الله الشوستري، الذي هو من علمائهم المشهورين، في كتابه المسمَّى بمصائب النواصب: (ما نُسب إليه الشيعة الإمامية بوقوع التغير في القرآن ليس مما قال به جمهور الإمامية، إنما قال به شرذمة قليلة منهم لا اعتداد بهم فيما بينهم) انتهى.

‌ه- وقال الملا صادق في شرح الكليني: (يظهر القرآن بهذا الترتيب -المعروف الآن- عند ظهور الإمام الثاني عشر ويشهر به) انتهى.

فظهر أن المذهب المحقَّق عند علماء الفرقة الإمامية الاثنا عشرية: أن القرآن الذي أنزله الله على نبيه هو ما بين الدفتين، وهو ما في أيدي الناس، ليس بأكثر من ذلك، وأنه كان مجموعا مؤلَّفا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحفظه ونقله ألوف من الصحابة. وجماعة من الصحابة، كعبد الله بن مسعود وأُبي ابن كعب وغيرهما، ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات، ويظهر القرآن ويشهر بهذا الترتيب عند ظهور الإمام الثاني عشر رضي الله عنه، والشرذمة القليلة التي قالت بوقوع التغير، فقولهم مردود، ولا اعتداد بهم فيما بينهم، وبعض الأخبار الضعيفة التي رُويت في مذهبهم لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحَّته، وهو حقٌّ، لأن خبر الواحد إذا اقتضى علما، ولم يوجد في الأدلَّة القاطعة ما يدلُّ عليه وجب ردُّه، وعلى ما صرح ابن المطهر الحلي في كتابه المسمى بـ(مبادئ الوصول إلى علم الأصول)، وقد قال الله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:9]، في (تفسير الصراط المستقيم) الذي هو تفسير معتبر عند علماء الشيعة: (أي: إنا لحافظون له من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان) انتهى.

هذا ما ذكرته في كتابي (مبادئ في الحوار والتقريب) وهو يبين حقيقة موقفي من القرآن عند الشيعة، وهو معلوم عند علمائهم. فلا يجوز تصيد كلمة من هنا أو هناك، لاتخاذها ذريعة للهجوم علي.

أما ما قلته من محاولات الغزو الشيعي للمجتمعات السنية، فأنا مصر عليه، ولا بد من التصدي له، وإلا خنا الأمانة، وفرطنا في حق الأمة علينا، وتحذيري من هذا الغزو، هو تبصير للأمة بالمخاطر التي تتهدَّدها نتيجة لهذا التهوُّر، وهو حماية لها من الفتنة التي يُخشى أن يتطاير شررها، وتندلع نارها، فتأكل الأخضر واليابس. والعاقل مَن يتفادى الشرَّ قبل وقوعه.

والله من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

الفقير إليه تعالى يوسف القرضاوي

كُتب في المناهج | التعليقات على نص البيان الذي أصدره العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حول تهجم إحدى وكالات الأنباء “مهر” عليه مغلقة

عودة إلى الشابة الملتزمة المعاصرة

كانت رسالة الأخت الملتزمة المعاصرة سبباً للبحث الأعمق عند بعض إخواننا وأخواتنا ، وهذه رسالة من أخت كريمة فاضلة وصاحبة همة ولها تجربة ما ، اجتهدت ونظرت وأخرجت بعض ما لديها في الرسالة التالية ، ورغم ما قد يكون من ملاحظات إلا أن عرض الأفكار هو المقدمة الصحيحة للبحث عن الحق والصواب ، أترك الرسالة التي بدأت لكنها لم تنته …بين أيدي القراء دون تعليق ، ولهم كامل الحق في إبداء وجهات نظرهم . مع الشكر والدعاء للجميع.

أستاذنا الكريم:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لم أنس في الحقيقة ما تحدثنا به آخر مرة عن رسالة الأخت وعن الرد عليها ، وفي الحقيقة استثقلت الموضوع بأن أحمل ثقل الرد عليها أنا التي مازلت لم أتبين صحة ما أكتب ، ولكن أستاذي عملت جاهدة وكتبت هذه الصفحات منذ عشرات الأيام وبصراحة لم أحس أنها أعطت الحل ولم تشف ما في صدري مما أريد كتابته ولكن عملت ما بوسعي على الرغم من أنني أحسست أنني ابتعدت عن النقطة المركزية .بدأت منذ البداية من رأس الخيط لأكمل ربما هذه طبيعة الاتقان التي أتعذب بوجودها والآن أرسلها بعد هذا الزمن فأرجو أن أكون قد أسهمت بشيء ما مفيد.
أعترف أنني مقصرة جدا ولكن هذا ما استطعت ولك كل الحق في انتقادها ولك كل الحق في تصحيح أخطائها راجية منك الاستفادة من أخطائي لأتجنبها الآن والمستقبل فاقبل مني هذه المحاولة في علاج مشاكل المجتمع والتي سيلحقها التحدث في نقاط أخرى إن أكرمتني بها أرجو منك إرسالها لي لأبدأ بالتفكير بها ومناقشتها مع نفسي ثم معك ولك الأجر والثواب بإذن الله تعالى وبالنهاية النفع لأمتنا التي غدت تحت التراب علنا ننقذها ممن وأدها.

إليك ما يلي من تحليل قمت به.

تتشبث العقول عادة بما رضعته في أرض الطفولة من تقاليد وبما فطمت عليه من عادات وبما شبت عليه من أعراف، وقلّ من الناس من استودع ماضيه هذا في حجرة غربلة الأفكار وقل من جعلها عرضة لميزان البحث عن الحقيقة خلف جدران زجاجية يواجه عبرها نفسه التي تفصح عن صدق نواياه وصراحة نوازعه الصالحة منها والطالحة.

ولهذا فأغلب الناس يستقلون على دفة سفينة يحركها تيار المجتمع الذي تتراكم في مياهه العكارة من مخلفات السفن المتتالية عبر السنوات والأزمان من الأجيال الغابرة الماضية التي أخذت حصتها من الحياة وخضعت لامتحانها، هذه العكارة تمثل الأخطاء المتراكبة التي لا تورث مع الزمن إلا التعفنات فتعكر صفو المياه. مياه لا يفلترها إلا أناس سبروا أغوار المجتمع فعرفوا أدواءه ليعالجوه بما أنعم الله عليهم من الحكمة والعلم والثراء الباطني والصدق والإخلاص والروح المفعمة بالحب لبلادهم وأناسهم فلا تصفو المياه إلا بوجودهم على قلتهم ولولاهم لأكل الديدان الخشب ثم الناس بعدهم لتزداد وحولة هذه المياه فلا تصلح بعدهم للإبحار ولا حتى السياحة بل لا تصلح حين ذاك إلا للاعتبار.

حين نقوم بالتحقيق للبحث عن الحقيقة ورؤيتها تصطف الأخطاء الواحدة تلو الأخرى وتتزاحم أيها أولا يود الإفصاح عن نفسه ويعتبر نفسه أول الخيط لتنظر إليها أيها المتفحص فترى فيها تشابهات وراثية شديدة وكأن بعضا ولد من بعض فتختلط الأمور عليك في البداية لترى صفوفا من الأجيال المتلاحقة ازداد تشوهها فتفاقمت العاهات التي تخشى بعدها أن تصبح مستديمة بل وتتطور إلى ما هو أعقد منها وتسيطر على الحوض الوراثي في طبيعة البشر الذين يقطنون هذا المجتمع المريض وأي مجتمع في رأيك يخلو من الأمراض…؟!!

واحدة من هذه التشوهات بدأت تظهر مع تعاضد سببين الفهم المنقوص لغايات الوجود في هذه الحياة والفهم المحدود المتناقل بعنعنة وبدون عنعنة والمنبثق عن الكلام النظري المجافي للحياة ومعاملتها من قبل المتكلمين.
إنها علاقة الإنسان بهذا المجتمع وبالحياة ككل.
لن أخصص المرأة لأن الحديث عنها بات علكة نفذت من كثرة علكها كل المحلّيات السكرية وباتت تسأم من موضوعها الأفواه اللائكة.
الإنسان مهما كان جنسه أو نوعه ليس بمخلوق من الدرجة الثانية بل مهما كان يظل إنسانا سواء كان أسودا أو أبيضا معاقا أو سليما طفلا صغيرا أم شابا رشيدا امرأة أو رجلا أو حتى خنثى فكلهم خلق الله والكل له وظيفته عليه أن يحسن استغلالها بما وهبه الله تعالى من قدرات وأول الطريق لهذا معرفتك لنفسك وخصائصها التي تملك من مقومات القوة ما يمكنها من مصارعة أقوى خاصية نزعم أنها الأقوى، فالجامد صحيح أنه أقسى من اللين ولكن الماء أقوى من الصخر لأن لديه القوة الناعمة التي أحسن استخدامها فصرعت البحار جلادة الجبال هكذا من يتمكن من سبر أغوار نفسه ويفهم قاعدة الكون والحياة وقوانينها المستلهمة في جلها من الطبيعة والعلاقات الاجتماعية ومن أحسن الربط بينهما أمكنه التوصل إلى مقاليد إن أمسكها أمسك دفة المسير السببي في هذه الحياة.

لا شك أن كل مجتمع يبدأ من علاقات طبيعية تسيرها الفطرة في البداية ثم لا يلبث أن يضع الناس لأنفسهم أقفاصا تحد حركتهم فيه وتجعل منهم أنماطا تتوارث جيلا بعد جيل حتى يغدو هذا النمط هو المقياس والمعيار الذي تقارن على أساسه كل الأنماط ولا يلبث الناس أن ينسوا الأصل الذي هو الفطرة والطبيعة.
يبزغ من كل مجتمع أناس مفكرون يحاولون تصحيح المسار على أسس مناهج يستلهمونها مما استطاعوا الاستلهام منه في هذه الحياة فيشكلون منهجا يفتح طريقا يعرضوه على عوام مجتمعهم ليتبعه من أراد اتباعه والكثير من الناس قد يعجبون لأنه أمر جديد حاكى في أجزاء منه فطرتهم التي أخمدها المجتمع منذ فترات وأيقظها هذا المفكر الجديد وتنشأ بذلك مدارس تتبع هذه المدارس فيها من الضلال الكثير وفيها من الهداية الكثير يأتي غيرها ليقوم ما ضل فيها فتنشأ مدارس أخرى تكمل بعضها بعضا ولكن تظل تجد في كل منها نواقص تسدها مناهج أخرى وهذا هو خلق البشر وقصة المجتمعات والتوجهات لأن عقل الفرد ينقصه الآخرون.

هنا تأتي الحكمة من المناهج الإلهية التي جلت فيها وتعالت عن النقصان أو الانحراف فأتت الأديان أكمل ما يكون ضمن عصر من العصور التي نزلت فيها ومع استمرار الزمان وتغير المكان والطباع تبعا للمناخ والتضاريس الجغرافية احتاج المنهج أن يتأقلم مع كل ما هو جديد فكانت المناهج الإلهية متجددة لكن العقيدة تبقى واحدة والشرائع تختلف حسب الحكمة التي يرعاها الكمال الإلهي، حتى جاء الإسلام الذي هو خاتم الأديان وغاية الدساتير الذي ومع ما سبق من أحوال جعله حتما دستورا مرنا في غاية اللين والتكيف لأنه عليه أن يناسب أحوالا غير متناهية إلى آخر الزمان وعليه أن يناسب بقاع الأرض المترامية أجزاؤها في أقاصي متباعدة لا يقرب أحدها للآخر وتختلف طباع مجتمعاتها والبشر فيها متلونون بألوان نافست تدرجات الألوان الغير متناهية حتى سبقتها بمرات ناهيك عن المناخات والتضاريس والثقافات التى يختلف فيها كل جماعة عن أخرى.

كل هذا يؤكد لنا عقلا أن الدين لا بد فيه من مرونة عليها أن تشمل أطيافا من البشر لا متناهية فأدى هذا إلى وجوب كون القواعد الأساسية فيه ضئيلة العدد والثوابت فيه محدودة أما الباقي يتساهل فيه حسب الأحوال والمصلحة التي تقصدها حتما الشريعة الإسلامية وكلما أكثرنا من هذه القواعد والثوابت بأيدينا وحددنا خطوطا متكلفة ما هي بالأصل بحدود لكننا سدا للذريعة جعلناها خطوطا حمراء أودرءا لمفسدة أو جلبا لمصلحة فأخذت صفة الخطوط الحمراء المنسوبة زورا إلى الإسلام كلما أكثرنا منها خرجت طائفة وأطياف عديدة من البشر من طائلة الإسلام تتناسب طردا مع عدد هذه القواعد المفتعلة فأضر هذا بالمصلحة الحقيقية التي جاء بها رسول الله عليه الصلاة والسلام وهي هداية البشر إلى ما يصلح دينهم ودنياهم والمشكلة في هذا أن الأمر يتعدى هذه القواعد ليشمل الإسلام بالجملة بإطلاق الحكم عليه أن فيه ثغرات هو في الحقيقة منزه عنها أقحمناها بقصر أفهامنا فيه فحق لمن رفضها رفض الإسلام ورجعت الهداية الحقيقية إلى رب البشر وإلى حقيقة أن الهادي هو الله وأضعنا نحن ثواب الوسيلة لهذه الهداية.
هذه هي وبكل بساطة قصة الإسلام كدين يريد أن يظهر كنوره لا يخالطه أي ظلمة أو شعاع زيف أوشك أن ينطفئ فإذا تنقى حقيقة شع ودخل بنفسه دون إدخال مفتعل إلى الأبصار ثم القلوب وتدين له العقول لأنها الواسطة بين العين والقلب.
العقل مهما حزم بحزام الدين مهما كان هذا الدين ،يظل وباستمرار يحاول التنصل منه فيحله قليلا ليجرب غيره عن عمد أو بدون عمد هذه طبيعة العقول ترى تقارن تقيس تحاكي تعاكس تفاضل ثم تصل تلقائيا إلى النتيجة الحتمية حسب المعطيات ثم تناقش مع العقل الآخر لتتثبت أو تعاند أو تخضع أو تغير او تعيد المعالجة من جديد وهكذا الإنسان الحي. وهنا تكمن الخطورة عند من يضع حزام العادات والتقاليد دينه ويخلع حزام الدين صنو الفطرة والعقل السليم والعلم المجزوم به فالأول أوشك أن يخرج عن دينه لأنه لا يمت للدين ويأبى العقل والفطرة أن تساندانه أما من يحذو حذو معطيات الحياة السليمة والبديهيات المنبثقة عن سلامة الفطرة فلا يخالف الدين بحال.

رجال الدين قولبو الدين حسب الواقع الذي عاشوه وما يستلزمه العصر الذي عاشوا فيه في قالب نمطي أعطاه شكلا أبعده عن أصله فخالط أذهان الناس شك عميق بمعطيات عديدة في الدين هي في الأصل ليست بثوابت وقواعد وقطعيات.
أخذ أتباعهم هذا القالب وقسوه شيئا فشيئا جيلا بعد جيل دون إعادة تفكير بسلامة كل جزئية من جزئياته حسب تطور الزمن أو المكان الذي لا شك بوجوده من جيل إلى جيل حتى بدأ هذا القالب يجمد شيئا فشيئا ليصبح بعد زمن بقساوة الفولاذ وربطت الأذهان الدين به وقل المفكرون وإن وجدوا ففي جزئيات إذ فضلوا الحفاظ على النبع الذي أورث منذ قائد الجماعة الأول, لأنهم خافو الضياع إذ ليس هنا أي ثقة بالنفس أو بذل حقيقي للجهد أو حتى خوف من مواجهة التيار الصارخ الذي عصف بالعديدين وتشكلت عليه الذهنيات فأبت التغيير أو حتى التعديل.

هنا تكمن الحكاية حكاية الاختلاط وحكاية اللباس وحكاية المرأة وعمارة الأرض وحكاية الأعمال وحكايا صغيرة وأخرى كبيرة منبع مشاكلها هو ماسبق… أن ابتعدنا عن منبع الفطرة والطبيعة الكونية والبشرية ولا ننسى طبعا أننا تحت مظلة نظام إلهي لا بد من وجوده جمع كل المتوحدات من الصفات والمخفيات الضروريات وصاغها لنا لأننا لن نتمكن بعمر واحد الوصول لحقيقتها أو حتى أعمار من هذه الحياة فألقمنا إياها بعد إعطاء الأسس اللازمة والمقنعة للتصديق.

لأبدأ الآن الخوض في الموضوع الذي أطلت فيه التقديم.
هما موضوعان ينبثقان من مشكاة واحدة: الاختلاط والمرأة ووظيفتها في عمارة الكون.
لن أعالج المشكلتين اللتين كثر فيهما الحديث واللغط إلا أنني سأمسك بالرأس وأترك بعدها للقارئ تمييز إلام ينتمي هذا الكائن وقبحه وجماله.

ما زج علماء الشريعة بأقوالهم وتمسكهم بها إلا مفارقتهم للحياة ووقوفهم فوق البرج العاجي الذي أقحمهم بداخله الناس إقحاما ورفعوهم حتى اعتلوا قمة هذا البرج الذي فصلهم عن الواقع إلا من الأحداث التي كانت تنقل إليهم بالكلام وما عايشوها فما تمكنوا من تحليلها اللازم وإيجاد الحلول لها تلك الحلول التي تزداد صحة كلما كانت فيها خبرة وكان فيها نظر عميق وممارسة وعلم دراسة ومراقبة وتحليل للنتائج ومسبباتها، العلماء امتلكوا بعضها وتغاضت أبصارهم عن بعضها الأكثر اعتمدوا فيها على العامة فأخطأوا في أحكامهم أخطاءا من ثمراتها ترك العاقلين الممارسين بالحالة المفكرين لآرائهم أو الابتعاد عن جلها وإعمال عقولهم الخاصة ضمن معطياتهم التي قد تكون غثة من جهة العلم الديني وأسسه، وتكون الحالة انفصال علماء الشريعة بجهة والعلماء الكونيين والمتعلمين بجهة أخرى.
يترك الأمر للطبيعة والفطرة دون تكلف أو زج في الأقفاص التي اصطنعتها أيادي المجتمع المتلاحقة مع مراعاة أصول الدين وموقع كل حكم فيه من الحرمة أو الحل وغايته وفهم هذه الأصول فوق كل شيء والتفكير العميق بحركة الحياة والمجتمع.

كُتب في مقالات القراء, منائر | التعليقات على عودة إلى الشابة الملتزمة المعاصرة مغلقة

دراسة أصولية حول التماثيل في الإسلام

بســــــــــم الله الرحمن الرحيـــــــــم

لم يكن تهديم تماثيل بوذا في أفغانستان غريباً على من يفهم قراءة فكر حركة طالبان، ومنهجها في فهم النّصوص والتّعامل معها. لذلك تركّزت مناقشات من يخالفهم هذا الرّأي على ما قد يؤدّي إليه من زيادة عزلة أفغانستان ومحاصرتها، ومن استثارة مشاعر البوذيّين وما قد يؤدّي إليه من فتن تصيب الأقلّيّات المسلمة في الصّين واليابان والهند وغيرها. ومع اعترافي بأهمّيّة هذه المواضيع، وقناعتي بأنّها تكفي لإثبات خطأ هدم هذه التّماثيل من وجهة النّظر الشّرعيّة، إلاّ أنّني أردت مناقشة هذا الأمر بطريقة أصوليّة بحتة، ومن خلال النّصوص فقط، بهدف توضيح أبعاد المسألة أمام شباب الصّحوة الإسلاميّة الذين يتأثّرون بموقف طالبان انطلاقاً من الاعتزاز بدينهم، أو رفض التّسلّط الأمريكي الذي يهتمّ بحقوق الإنسان- طالما أنّه غير مسلم- فإذا كان مسلماً فالحجر أهمّ منه على الإطلاق، ولا بأس أن ينال كلّ أنواع الظّلم والإذلال والتّجويع. كما أنّ المظالم التي تحيط بالشّعب الأفغاني المسلم ومحاصرته وتجويعه تؤدّي حتماً إلى التّضامن معه.
التّعريف
التّمثال هو الصّورة التي تماثل الشّيء الأصلي. هذه الصّورة حين تكون مجسّمة تسمّى تمثالاً . والتّمثال قد يكون صورة لشيء ذي روح وفيه حياة، وقد يكون صورة لجماد. ولكنّ اسم التّمثال غلب على صورة ذي روح. وقد تكون الصّورة مسطّحة كالصّور الفوتوغرافيّة والمرسومة باليد. أماّ الصّور الفوتوغرافيّة فيكاد الإجماع يتحقّق حول إباحتها، لأنّها انعكاس للصّورة الحقيقيّة وليست رسماً أو نحتاً جديداً. وأمّا الصّور المرسومة باليد والتّماثيل المجسّمة لها فلا يزال الخلاف قائماً
حولها بين الفقهاء والمذاهب. وكلامنا في هذا البحث ينحصر بالتّماثيل، وإن كان أكثر الفقهاء يستعملون مصطلح الصّورة أو التّمثال بمعنى واحد.

التّماثيل في القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم ذكر نوعين من التّماثيل:
الأوّل: تماثيل تعبد من دون الله، وهذه تسمّى تماثيل وتسمّى أصناماً وتسمّى أنصاباً.
قال تعالى: ” ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنّا به عالمين. إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التّماثيل التي أنتم لها عاكفون؟ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين… وتالله لأكيدنّ أصنامكم بعد أن تولّوا مدبرين. فجعلهم جذاذاً إلاّ كبيراً لهم لعلّهم إليه يرجعون.” الأنبياء 57
قال تعالى: ” وجاوزنا ببني إسرائيل البحر، فأتوا على قوم يعكفون على أصنام لهم، قالوا يا موسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، قال إنّكم قوم تجهلون…”الأعراف 138.
قال تعالى:” وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبنيّ أنّ نعبد الأصنام…” إبراهيم 35.
قال تعالى:” يا أيّها الذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنوه لعلّكم تفلحون” المائدة 90.
والأنصاب هي الأصنام المعبودة التي تنصب لتقدّم لها الذّبائح.
ومن البديهي أن نقول: أنّ مثل هذه التّماثيل- التي تعبد من دون الله – يحرم على المسلم صنعها أو بيعها أو تقديم الذّبائح لها، فضلاً عن أنّ عبادتها هي الشّرك الواضح.
الثّاني: تماثيل لا تعبد من دون الله، وهي بالتّالي ليست أصناماً ولا أنصاباً.
مثل هذه التّماثيل كان معروفاً منذ القدم، ولا يزال موجوداً عند أكثر شعوب العالم. وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم أنّ الجنّ كانوا يصنعون مثل هذه التماثيل لسليمان عليه السّلام.
قال تعالى: ” يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجوابّ وقدور راسيات. اعملوا آل داود شكراً، وقليل من عبادي الشّكور.” سبأ 13.
وهذا يعني أنّ التّماثيل كانت مباحة في شريعة سليمان عليه السّلام كما يقول المفسّرون
وقد ذكر الله تعالى في سورة الصّافّات على لسان إبراهيم عليه السّلام قوله لقومه: ” قال: أتعبدون ما تنحتون؟ والله خلقكم وما تعملون.”
فاستنكار إبراهيم لم يوجّه إلى فنّ النّحت، وإنّما كان موجّهاً ضد عبادة ما ينحت،
ممّا يعني إباحة نحت التّماثيل إذا لم تكن للعبادة.
وقد استدلّ بالآيتين من يرى أنّ (صنع التّماثيل مباح إذا لم تكن للعبادة). ورد في الموسوعة الفقهيّة- الصّادرة عن وزارة الأوقاف في الكويت- في مادة تصوير أنّ ( الألّوسي نقل هذا القول في تفسيره للآية 13 من سورة سبأ. وذكر أنّ النّحّاس ومكّي بن أبي طالب وابن الفرس نقلوه عن قوم، ولكنّه لم يذكر أسماء هؤلاء القوم). كما ذكرت مجلّة الوعي الإسلامي (العدد 29 الصّادر عام 1387هـ ص 57-58) هذا القول في مقال للسّيّد محمّد رجب البيلي ونسبته للشّيخ عبد العزيز جاويش.

الأحاديث المتعلّقة بالموضوع
1- حول صنع المسلم للتّماثيل:
وردت أحاديث صحيحة كثيرة وكلّها تؤكّد : أنّ المصوّرين في النّار- وأنّهم أشدّ النّاس عذاباً عند الله . وعلّة ذلك حسب نصّ الأحاديث: أنّهم يضاهون بخلق الله. والمضاهاة هي المشاكلة، أي أنّهم يخلقون تماثيل على شاكلة خلق الله، ولذلك يقال لهم يوم القيامة: أحيوا ما خلقتم.
ولذلك اتّفق جمهور العلماء على تحريم صنع التّماثيل- وبالتّالي بيعها وشرائها- قال النّووي:”وأجمعوا على منع ما كان له ظلّ ووجوب تغييره.” شرح النّووي على صحيح مسلم 14/82. وقال ابن العربي:”إنّ الصّورة إذا كان لها ظلّ حرام بالإجماع سواء كانت ممّا يمتهن أو لا.” واستدرك ابن حجر العسقلاني وقال:”إن هذا الإجماع محلّه غير لعب الأطفال.” فتح الباري للعسقلاني 10/388.
2- حول اقتنائها في البيت:
اختلف العلماء في تفسير الأحاديث التّي تشير إلى أنّ الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة أو كلب. فجعل ابن حبّان ذلك خاصّاً بالنّبيّ ، وجعلهم بعضهم خاصاً بملائكة الوحي، وجعله الكثيرون خاصّاً بملائكة الرّحمة، ذكر ذلك السّيّد محمّد رشيد رضا. الفتاوى 4/1413.
وثبت أنّ رسول الله استعمل وسائد ومرافق فيها صور، ولكنّه كان ينقض التّصاليب ويزيلها. كما ثبت عنه إباحة لعب الأطفال- وهي تماثيل صغيرة- كما روت السّيّدة عائشة رضي الله عنها. وقد نقل القاضي عيّاض عن جمهور الفقهاء أنّهم أجازوا بيع هذه اللعب لتدريب البنات على إدارة شؤون الأطفال، وهذا من الأغراض المعتبرة شرعاً.
وقد أجاز الكثيرون استعمال التّماثيل والصّور في البيوت إذا لم تكن منصوبة معظّمة على السّتائر والحيطان، وكانت ممتهنة أو معرّضة لوطء الأقدام أو غير ذلك.
وورد في الموسوعة الفقهيّة- باب تصوير- ما يلي:” يذهب جمهور العلماء إلى أنّه لا يلزم من تحريم الصّور تحريم اقتنائها أو تحريم استعمالها. فانّ عمليّة التّصوير لذات الأرواح ورد فيها لعن المصوّر وأنّه يعذّب في النّار وأنّه من أشدّ النّاس عذاباً، ولم يرد شيء من ذلك في اقتناء الصّور، ولم تتحقّق في مستعملها علّة تحريم الصّور من المضاهاة لخلق الله تعالى. ومع ذلك فقد ورد ما يدلّ على منع اقتناء الصّور أو استعمالها، إلاّ أنّ الأحاديث الواردة في ذلك ليس فيها ذكر عذاب، أو أي قرينة تدلّ على أنّ اقتنائها من الكبائر. وبهذا يكون حكم مقتني الصّورة التي يحرم اقتناؤها: أنّه قد فعل صغيرة من الصّغائر… وقد نبّه إلى الفرق بين التّصوير وبين اقتناء الصّور في الحكم: النّووي في شرحه لحديث الصّور في صحيح مسلم ونبّه إليه الشّبراملسي من الشّافعيّة أيضاً. وعليه يجري أكثر كلام الفقهاء.”

شرع من قبلنا
ونقصد به الشرائع التي أنزلها الله تعالى على الأنبياء السّابقين لمحمّد عليهم الصّلاة والسّلام. ولا تكون ثابتة النّسبة إليهم إلاّ إذا ورد ذكرها في القرآن الكريم أو السّنّة الصّحيحة. ولا خلاف بين العلماء أنّ ما يتعلّق بالعقائد لم يتغيّر، وهو واحد عند جميع الأنبياء لقوله تعالى:”شرع لكم من الدّين ما وصّى به نوحاً والذي أوحينا إليك، وما وصّينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن أقيموا الدّين ولا تفرّقوا فيه…” الشّورى 13.
أمّا ما يتعلّق بالأحكام الشّرعيّة العمليّة، فالاختلاف بين شرائع الأنبياء أمر واقع. قال تعالى:”…لكلّ جعلنا منكم شرعة ومنهاجا.” المائدة 48.
وفي هذا المجال هناك ثلاثة أنواع من الأحكام.
– الأوّل: يتناول الأحكام التّي كانت مشروعة لدى الأنبياء السّابقين، وأقرّتها شريعتنا، فنحن ملزمون بها لأنّها من شريعتنا كالصّيام والأضحية وغيرها.
– الثّاني: يتناول الأحكام التي كانت مشروعة لدى الأنبياء السّابقين ونسختها شريعتنا، فهي ليست شرعاً لنا بالتّأكيد مثل تحريم أكل كلّ ذي ظفر، وتحريم الشّحوم التّي لا تختلط بعظم، وقتل النّفس في سبيل التّوبة، وغير ذلك.
– الثّالث: وهو أحكام الشّرائع السّابقة التّي لم يأت في شريعتنا ما يؤيّدها أو ينسخها. وهذا النّوع هو الذي اختلف فيه العلماء فقال جمهور الحنفيّة والمالكيّة وبعض الشّافعيّة وأحمد في رواية له رجّحها أكثر أصحابه: ” أنّ ما صحّ من شرع من قبلنا- عن طريق الوحي لا من جهة كتبهم المبدّلة- يعتبر شرعاً لنا يجب علينا العمل به ما لم يرد في شرعنا خلافه.” واستدلّوا بما يلي:
– قوله تعالى عن الأنبياء السّابقين:”أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده.”
– وقوله تعالى:” ثمّ أوحينا إليك أن اتّبع ملّة إبراهيم حنيفاً…”
– أنّ النّبيّ قال: “من نام عن صلاة أو نسيها فليصلّها إذا ذكرها” وقرأ قوله تعالى:” أقم الصّلاة لذكري.” وهذه الآية خطاب لسيّدنا موسى عليه السّلام.
وبما أن اخوتنا في حركة طالبان يلتزمون بمذهب السّادة الأحناف، وبما أنّ مذهب الحنفيّة كان أوسع المذاهب في إعمال مبدأ:”شرع من قبلنا شرع لنا..” لذلك وجدت من المناسب طرح مسألة الحكم الشّرعي في هدم تماثيل بوذا من خلال هذه القاعدة الأصوليّة.

حكم التّماثيل في ضوء شرع من قبلنا
1- ثبت لنا من خلال نصوص القرآن الكريم التّي ذكرناها آنفاً أنّ التّماثيل نوعان:
ما يعبد فعلاً من دون الله، فعبادته شرك وضلال. وبالتّالي فإنّ صنعه واقتناءه لا يجوز وقد أيّدت شريعتنا هذه الأحكام التي كانت موجودة في شريعة إبراهيم بنصوص من القرآن الكريم والسّنّة المطهّرة، وأجمع العلماء أنّ عبادة الأصنام شرك وضلال، وأنه لا يجوز صنعها ولا اقتناؤها.
أمّا تكسير الأصنام فقد فعله سيّدنا إبراهيم عليه السّلام كجزء من الحوار الذي دار بينه وبين قومه، فقد كان يريد إقناعهم أنّ هذه الأصنام لا تستحق العبادة لأنّها لا تستطيع أن تدافع عن نفسها، بل لا يستطيع كبيرها أن يفعل هذا الفعل مع صغارها، وإنّما علّق إبراهيم الفأس عليه ليقنع قومه أنّ هذه الأصنام لا تستطيع أن تفعل شيئاً ولا أن تردّ على ما يفعل بها.
وقد أيّدت شريعتنا تكسير الأصنام المعبودة من دون الله وهذا من قبيل إزالة المنكر، ولكنّه لا يتمّ إلاّ في الوقت المناسب بحيث ينسجم مع مستلزمات الدّعوة إلى الله.
ب‌- ما يصنع لتحقيق مصالح أخرى، ولا علاقة له بالعبادة ولا بالتّعظيم. وقد ثبت جواز ذلك في شريعة سليمان عليه السّلام (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل…) دون ذكر شيء عن الهدف من صنع هذه التّماثيل والمصالح التي تتحقّق منها. ممّا يعني جواز صنع التّماثيل في شريعته بشرط واحد أن لا تكون للعبادة.
ومن خلال استعراض الأحاديث الصّحيحة الواردة في هذا الموضوع نجد أنّ الشريعة الإسلاميّة
– أقرّت استثناء وجود تماثيل غير معبودة – من خلال إقرار رسول الله للعب البنات-
– لكنّها أضافت أمرين:
أولاهما: أنّه لا يشترط لمنع التّماثيل أن تكون معبودة فعلاً، بل إنّ مجرّد تعظيم التّمثال يكفي للتّحريم سدّاً لذريعة الانتقال من التّعظيم إلى العبادة. كما أنّ نيّة صانع التّمثال حين تكون مضاهاة خلق الله تجعل عمله حراماً لأنّها نوع من الشّرك بالله. ولذلك ورد الكثير من الأحاديث الصّحيحة التي تجعل الاحتفاظ بالتّمثال- غير المعبود- جائزاً إذا دخله تشويه أو نقصان أو امتهان يجعل تعظيمه أمراً غير وارد.
ثانيهما: أن الأحاديث لم تنصّ على إباحة شيء من التّماثيل غير المعبودة وغير المعظّمة إلاّ(لعب البنات). والسّؤال المطروح هنا هل الإباحة محصورة بلعب البنات؟ أم هلّ يمكن القياس على ذلك وإلى أيّ مدى وضمن أيّة شروط؟

ونحن نجيب على هذا السّؤال ضمن النّقاط التّالية:
أولاً: إنّ أصل صناعة التّماثيل وبيعها وشراءها واقتناءها يدخل في نطاق الأعمال المباحة بناءً على القاعدة الأصوليّة المعروفة أنّ الأصل في الأشياء الإباحة، وأنّ التّحريم يطرأ عليها إذا دخلها وصف يقتضي التّحريم.
ثانياً: إذا كانت التّماثيل للعبادة فهي نوع من الشّرك بالله. ولذلك يكون صنعها وبيعها وشراؤها واقتناؤها حراماً ويعتبر من الكبائر لأنّ النصوص الواردة في ذلك قرنت التّحريم بالعذاب الشّديد.
ثالثاً: إذا كانت التّماثيل المصنوعة مضاهاة لخلق الله، أو تشبّهاً بخلق الله، فذلك يجعلها حراماً وتعتبر من الكبائر وفق الأحاديث الصّحيحة الواردة. لكنّ التّشبّه بخلق الله ومضاهاته يمكن أن يكون في صنع تماثيل ما لا روح له كالشّمس والقمر والجبال والشّجر، وفي صنع لعب البنات وغير ذلك ممّا ورد النّص بإباحته صراحة، ولذلك قال بعض العلماء أنّ المقصود هنا من يصنع التّمثال أو يرسم الصّورة تحدّياً لقدرة الله، ومن يعتقد أنّه قادر على أن يخلق كخلق الله، فيريه الله تعالى عجزه يوم القيامة بأن يكلّفه أن ينفخ الرّوح في تلك الصّورة. وتأييداً لهذا القول فسّر ابن حجر – في فتح الباري- قول الله عزّ وجلّ في حديثه القدسيّ (ومن أظلم ممّن ذهب يخلق خلقاً كخلقي) فسّر ذهب بمعنى قصد. (ورد ذلك في الموسوعة الفقهيّة مادّة تصوير). وعلى هذا القول فإنّ الحرام هنا يتعلّق بنيّة الصّانع ولو كان المصنوع تمثالاً لجماد أو رسماً يدويّاً لأيّة صورة.
رابعاً: إذا كانت التّماثيل المصنوعة – أو الصّور المسطّحة- وسيلة لتعظيم غير الله والغلو في ذلك بحيث يمكن أن يؤول الأمر إلى نوع من التّقديس والعبادة، فإنّها تصبح حراماً من باب سدّ الذّرائع. وهو أصل متّفق عليه بين العلماء ويؤيّد ذلك في هذه المسألة ما ورد في صحيح البخاري وفي أكثر التّفاسير عن ( ودّ وسواع ويغوث ويعوق ونسر ) أنّها ( أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلمّا هلكوا أوحى الشّيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون إليها أنصاباً، وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد. حتّى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت.)
لكنّ العلماء الذين اعتمدوا مبدأ سد الذّريعة في هذه المسألة اختلفوا بين متشدّد وصل إلى التّحريم المطلق لكلّ تمثال أو صورة ثمّ بدأ يستثني من ذلك ما ورد في النّصوص ويضيقه ما استطاع. وبين متوسّط منع التّماثيل المنصوبة وسمح بغير المنصوب، أو سمح بالصّور المسطّحة التي لا ظلّ لها، أو سمح بالتّماثيل والصّور لما لا روح له.
خامساً: إذا خلت التّماثيل- وكذلك الصّور المسطّحة- من معاني العبادة أو التّعظيم أو المضاهاة لخلق الله. فإنّها تبقى على أصل الإباحة حتى ولو لم يكن من ورائها تحقيق أيّة مصلحة مشروعة. فإذا وجدت بعض المصالح المشروعة، فإنّ الإباحة قد ترتفع إلى شيء من الاستحباب. كما لو تعلّق الأمر بصناعة لعب الأطفال، فقد أجازها العلماء من المذاهب الأربعة – وإن وضع الحنابلة لها شروطاً- ولم يشترط غيرهم أي شرط لذلك. وقد علّل كثير من الفقهاء إباحة لعب البنات بالحاجة لتدريبهنّ على تربية الأولاد، وهو تعليل مستنبط ونصّ الحديث لا يقبله فقد تحدّثت عائشة عن (فرس له جناحان) فما علاقة هذه اللعبة بتربية الأولاد؟ ولذلك علّل الحليمي إباحة لعب الأطفال بما يحصل لهم من (الاستئناس الذي في الصّبيان من معادن النّشوء والنّموّ، فإنّ الصّبيّ إن كان أنعم حالاً وأطيب نفساً وأشرح صدراً كان أقوى وأحسن نموًّا، وذلك لأنّ السّرور بسط للقلب، وفي انبساطه انبساط للرّوح…) الموسوعة الفقهيّة-الكويت-مادّة تصوير.
وواضح أنّ تعليل الفقهاء بالحاجة لتدريب البنات على تربية الأولاد. يجعل رخصة الألعاب خاصّة بالبنات دون الصّبيان، وهو أمر مستغرب. أمّا تعليل الحليمي، وهو فرح الأولاد واستئناسهم وانشراح صدورهم فهو يجعل الرّخصة شاملة للذّكور والإناث، وهو ما رجّحه الدّكتور عبد الكريم زيدان ( المفصل في أحكام المرأة-3/461).
ونحن نرى أنّ إباحة لعب البنات لا تحتاج إلى تعليل لأنّها رجوع إلى الأصل وهو الإباحة، لأنّ التّحريم يكون حين توجد أسبابه وهي العبادة، أو التّعظيم الذي قد يؤدّي للعبادة، أو المضاهاة لخلق الله، فإذا لم يوجد أيّ من هذه الأسباب عاد الأمر إلى الإباحة.
سادساً: إذا كانت التّماثيل المصنوعة تحقّق مصلحة مشروعة كما لو كانت للتّعليم أو التّدريب، وهذه أصبحت اليوم كثيرة كالتّماثيل التي تستخدم كوسائل إيضاح في المدارس، وتساعد الطّالب على فهم علوم الإنسان أو الحيوان أو النّبات، فإنّها أيضاً ترتفع من الإباحة إلى الاستحباب، وربّما كانت واجبة في بعض الحالات إذا أصبحت وسيلة فعّالة لفهم العلوم والتّقدّم فيها. ومعلوم أنّ طلب العلم فريضة، وما لا يتمّ الواجب إلاّ به فهو واجب.
القاضي الشيخ فيصل مولوي
نائب رئيس المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث
الأمين العام للجماعة الإسلامية في لبنان
نقلاً عن موقع سماحة العلامة المولوي

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على دراسة أصولية حول التماثيل في الإسلام مغلقة

قصيدة الشاعر يحيى حسن توفيق في حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم

كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، وكنا قد نشرنا قصيدة منسوبة إلى الشاعر الراحل نزار قباني ثم أرسلت لنا الأخت نورة من جدة والأخ الفاضل أبو اسماعيل تنبيهاً بأن القصيدة ليست له وإنما لشاعر آخر هو الأستاذ يحيى حسن توفيق … وهناك تفصيل عن الموضوع في الرابط التالي:
http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=395019&issueno=10232
فنشكر كل من أعان على السداد ونسأل الله الصواب والرشاد.

عز الورود.. وطال فيك أوام

وأرقت وحدي والأنام نيام

ورد الجميع ومن سناك تزودوا

وطردت عن نبع السنا واقاموا

ومنعت حتى ان أحوم ولم أكد

وتقطعت نفسي عليك وحاموا

قصدوك وامتدحوا ودوني أغلقت

أبواب مدحك فالحروف عقام

أدنو فأذكر ما جنيت فانثني

خجلا تضيق بحملي الأقدام

أمن الحضيض أريد لمساً للذرى

جل المقام فلا يطال مقام

وزري يكبلني ويخرسني الأسى

فيموت في طرف اللسان كلام

يممت نحوك يا حبيب الله في

شوق تقض مضاجعي الآثام

أرجو الوصول فليل عمري غابه

اشواكها الأوزار والآلام

**

يا من ولدت فأشرقت بربوعنا

نفحات نورك وانجلى الإظلام

أأعود ظمآن وغيري يرتوي

أيرد عن حوض النبي هيام

كيف الدخول إلى رحاب المصطفى

والنفس حيرى والذنوب جسام

أو كلما حاولت إلماما به

أزف البلاء فيصعب الإلمام

ماذا أقول وألف ألف قصيدة

عصماء قبلي سطرت أقلام

مدحوك ما بلغوا برغم ولائهم

أسوار مجدك فالدنو لمام

حتى وقفت أمام قبرك باكياً

فتدفق الإحساس والإلهام

وتوالت الصور المضيئة كالرؤى

وطوى الفؤاد سكينة وسلام

يا ملء روحي وهج حبك في دمي

قبس يضيء سريرتي وزمام

أنت الحبيب وأنت من أروى لنا

حتى أضاء قلوبنا الإسلام

حوربت لم تخضع ولم تخشَ العدا

من يحمه الرحمن كيف يضام

وملأت هذا الكون نوراً فاختفت

صور الظلام وقوضت أصنام

**

الحزن يملأ يا حبيب جوارحي

فالمسلمون عن الطريق تعاموا

والذل خيم فالنفوس كئيبة

وعلى الكبار تطاول الأقزام

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على قصيدة الشاعر يحيى حسن توفيق في حب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مغلقة

لا تنسوا رمضان

لم أفهم رمضان في بعض جوانبه إلا منذ أيام قليلة وقبل أن يبدأ، فقد قابلت ناساً كثراً سألتهم عن الله! فقالوا أنهم لايدرون! هل هناك رب لهذا الكون أم أنه فلتة وطفرة وصدفة! فهم لا يجحدون بزعمهم، ولكنهم ليسوا بمؤمنين، بل غافلون جاهلون ..

قالوا أنهم لا يحتاجون إلى الله! لأن عندهم كل شيء! فأدركت معنى العقوبة في حال من عصى ثم استحى، فقال : إلهي كم ذا أعصيك ولم تعاقبني! فنودي: ياعبدي: كم ذا أعاقبك ولا تدري! ألم أسلبك حلاوة مناجاتي! كم ذا نعاقب ولا ندري وقد سلبت من القلوب حلاوة الطاعات ولذة القرب ونعيم الرضى والقبول.

أكمل قراءة التدوينة

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على لا تنسوا رمضان مغلقة

وفاة الحافظ الجامع الشيخ محمد سكر رحمه الله

إن لله ما أخذ ولله ما أعطى .. وكل شيء عنده بمقدار
نعزي قراء وعلماء وحفظة كتاب الله العظيم وسائر أهل العلم وطلبته وآل سكر الكرام وأبناء الشيخ الأفاضل وطلابه بوفاة
العالم الحافظ الجامع فضيلة الشيخ محمد سكر رحمه الله تعالى
ولد الشيخ عام (1341هـ / 1922م) وهو محمد بن طه بن عبد القادر بن مصطفى بن موسى، وينتهي نسب الأسرة إلى آل البيت عليهم السلام عن طريق الإمام الحسين.
الشيخ رحمه الله من شيوخ قراء بلاد الشام وفقيه شافعي، وإمام مسجد الشيخ محي الدين بن عربي في حي الصالحية.
طلب القرآن أولاً على والدته رحمها الله وحفظه غيباً هو صغير جداً ثم على الشيخ ياسين الجويجاتي ثم الشيخ فائز الديرعطاني، وأتقن القراءات العشرة، وأتم الختم الكبير.
انتفع بالشيخ علي التكريتي والشيخ صالح العقاد والشيخ عبد الوهاب دبس وزيت وشيخ القراء الشيخ سعيد الحلواني.
عمل الشيخ بتجارة المنسوجات الشرقية، وكان آية في اللطف والخلق الكريم والتواضع. وقد انتفع به الآلاف من حملة القرآن العظيم.
يصلى على الشيخ في جامع بني أمية الكبير (صلاة العصر) من يوم الأربعاء 11 شعبان 1429هـ/13 آب م ، ويقبل العزاء به في جامع العثمان (الكويتي) .
اللهم ارحم شيخنا واجزه عنا ماهو أهله.
اللهم اجعله مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً
اللهم اخلف أهله وولده بخير وعوض الأمة خيراً.
اللهم آمين.

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على وفاة الحافظ الجامع الشيخ محمد سكر رحمه الله مغلقة