الله أكبر

الأمة المسلمة تجعل روحها كلها في كلمة واحدة : الله أكبر، وعندما يأتي العيد وتتدفق أمواج التكبير مثل البحر الزاخر ، فإن آلاف المعاني تتولد من جديد وركام الضعف لا يستقر مهما طمع أهل الباطل بذلك.

الله أكبر حروف ومعان وروح ومنهج ، وعندما تصبح هي الراية الحق فإن مدها كفيل بإعادة التوازن إلى الحياة المضطربة عندما يحصل إدراك عميق لمعانيها.


ولكن الإدراك له أدب معروف وإن قل سالكوه ، وقد قرأت في الأنوار القدسية للشعراني أن عبد الرحمن بن القاسم أعظم تلامذة مالك رحمهم الله جميعاً قال: صحبت مالكاً عشرين سنة ثماني عشرة سنة في تعلم الأدب وسنتين في تعلم العلم ، فليتني جعلت العشرين كلها أدباً!  وهذا الأدب رأسه التواضع فإن من تواضع لله رفعه كما جاء في الحديث .

وقد قال الإمام الذهبي أن الرجل لا ينبل قدره حتى يطلب العلم ممن هو فوقه وممن هو مثله  وممن هو دونه … وقد رأيت في هذا الزمان عجباً .. فاحترت فيه ثم أتت: الله أكبر فصححت الطريق كله.

أول موجبات التواضع الاعتبار بمصائر المتكبرين ، فقد أله الغرب نفسه وتكبر وبغى وطغى وعاث في الأرض فساداً ، وهرولت أذناب الدول وبقية فراعين الأرض بين يديه ظانة أن الأمر والمرجع إليه فأراها الله من صغاره وقرب مصرعه ما هو لأهل الحق تثبيت ولأهل الباطل خذلان.

إن ما جمعه الغرب من الأموال الحرام من عرق الأمم وشعوبها وخيراتها وثرواتها قد لا يطول به الأمر وإن طال حتى يصبح هباء منثوراً ، وأزمة الاقتصاد العالمي لم تأت من هفوة بل من مناهج نست الله فأنساها أنفسها ولو عشنا فسنرى كيف ستتفكك أعتى الدول وتبدأ بالاقتصاد ثم ترتخي قبضتها السياسية ثم تتراجع هيمنتها الفكرية والإعلامية والثقافية ثم تتفكك بنيتها الاجتماعية ثم تتقوض من رأسها إلى أدنى أجزائها وتتبدد ثروتها، ومن ألطف نواتجها كنس الأنظمة الذنبية التي تحتمي بها وتتكبر في الأرض باسمها، وخراب ما بناه عشرات المتكبرين الأذناب الصغار من ديكتاتوريات وضياع ما نهبوه من أموال وفضيحة ما ارتكبوه وهم يلعبون على الحبال ويذبحون أممهم الضعيفة من الوريد إلى الوريد.

وهذا الاتحاد السوفيتي لما حان وقته تطايرت الدول من منظومته مثل الفراش التائه ، ثم انقلب أكثرها عليه وليس الصراع مع جورجية نهاية المطاف.

الله أكبر منهج مقدماته واضحة في الآية الكريمة: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس-24).

ولو تواضعت الأمم لله وتركت التكبر المذموم والعلو والتكذيب لبقيت في عافية.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف- 96) .

التكبر في الأرض ليس مرضاً يصيب الكفار فقط ، بل هي آفة خطيرة تحجز عن الحق : (سَأَصْرِفُ عَنْ ءَايَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ ءَايَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف-146).

ولعلنا عندما نرى مصارع المتكبرين نظن أنفسنا في نجاة والعاقبة واحدة، وأساس التكبر الاعتقاد بالعصمة فإن الكامل ليس بحاجة إلى الزيادة ، وعندها يؤله المتكبر نفسه ويظن ما يصدرعنه غير قابل للمراجعة ؛ فوقتها يبدأ التداعي:

(ولاتُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف-28).

(أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا) (الفرقان-43) .

(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (القصص-50).

(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية-23).

لعلنا نحن المؤمنين بحاجة إلى التواضع وأخلاقياته أكثر من غيرنا، و كون منهجنا هو الحق لا يعني أبداً أننا نحن على الحق ، إلا بمقدار ما نحمله من ذلك المنهج. وكون الإسلام عظيماً لا يعني أننا عظماء مثله …وقد يصيبنا العجب والتكبر والغرور ، ولقد كان من أوائل الكتب التي استفدت منها: مختصر منهاج القاصدين لابن قدامة (وهو مختصر تهذيب الإحياء للإمام الغزالي) ومن أكثر ماخط أثراً في نفسي العبارة التالية: “وآفة الكبر عظيمة وفيه يهلك الخواص ، وقلما ينفك عنه العباد والزهاد والأمراء .. وكيف لا تعظم آفته وقد أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كِبر” [حديث صحيح رواه مسلم].

عقيدتنا أنه لا عصمة لغير الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه،  وهو منهج نعتقد صوابه شرعاً وعقلاً ، وهو يضمن للأمة أن تبقى عصية على الاحتواء ، وذات منهج واسع للبشرية كلها، ولكن ما الذي حصل عملياً وما الذي يجب أن نسعى إليه؟

نظرياً : نحن نقول بعدم العصمة إلا للأنبياء، ولكن عملياً يكاد التعصب يفسد علينا مذهبنا! لأننا نعتقد بعصمة ما يصدر منا، وعلينا أن نتكلم بصراحة فنسد بعض الجروح النازفة خلاف ما يتصور البعض من أن الصراحة هي التي تؤدي إلى النزوف.

عالم اليوم ملئ بالتعصب الأعمي ، وهو ما يخالف الحق : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف-108) فحتى إتباع الرسول الهادي صلى الله عليه وآله وسلم لا يكون إلا على بصيرة ، وهذه البصيرة قد تخبو حتى ليظن أنها ستضيع ثم تنبلج كفلق الصبح القريب.

ترى من الذي يجرؤ على انتقاد (إيجابي وودي وأخوي) لجماعة أو منهج أوعالم من العلماء… [فضلاً عن الحكام أو الأمراء] جرب إن شئت .. واخسر نصف من تعرف إن كنت على الحق! ورحم الله عمر فلم يترك له الحق صاحباً.

أخلاق الجاهليين الأُوَل تتبدد ثم تتجمع عاصفة تقوض جهوداً طائلة بناها أهل الحق بالتعب الشديد ، والإخفاق الذي يتراكم ولا نكاد نخرج منه ، من أسبابه الرئيسة اعتقاد العصمة .. وقد قابلت أخاً ساخطاً منذ أيام على معايدة حضرها في مسجد وألقيت فيه كلمات ذُكر فيها اسم الشيخ المؤسس حتى ليكاد يظن السامع أنه رسول الله!!! ولم يذكر اسم النبي الهادي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه إلا مرتين نوعاً من العادة التي لابد منها في أي خطاب شرعي!!

إن لم يكن التعصب بل التكبر بل ضيق الأفق إلا هذا فماذا يكون؟

التاريخ معصوم والحاضر معصوم ، وليس في الإمكان أبدع مما كان ، والسابقون معصومون واللاحقون والأحياء والأموات والعلماء والحكام العظماء كلهم معصومون!  فأخبرني بربك كيف صارت الأمة مثل الكرة تتقاذفها أنظمة الأرض وتتراجع لا في الريادة الحضارية بل في أقل مقومات الحياة الصالحة مع أن فيها كل أولئك المعصومين.

ليس الأمر نوعاً من الطفرات أو الوقائع الخاصة بل نوع من الامتداد الضارب جذوره في الأرض، وكم رأت الدنيا حكومات وممالك يكاد المرء يحسب أنها خلاصة الدنيا فإذا بها طفرة خائبة ومنهج ضحل أشاده التعصب وقام بوجود الفراغ فإذا أتى ما هو أكثر منه قوة أوحقاً تداعى كهشيم المحتضر.

بلغت ألمانية النازية من البأس والقوة والتمكن بل الفتنة للناس ما لايكاد يوصف لدرجة أن شوارب أكثر من عاصروها حتى في بلادنا كانت تقص على شاكلة شاربي هتلر ، ثم تداعت لأنها قامت على التعصب الأرعن واعتقاد العصمة ، ومن عاصرها لم يكن ليصدق أنها يمكن أن تنهار، وبوش هذا الزمان خليق به حانة للسكارى فإن أردت احترامه قليلاً [كونه رئيس جمهورية] فقل مسرح للمهرجين ، ولم يكن ليخطر بباله أن تولول قواته في بلاد الشم الصيد الأفغان أو تغرق في سباخ العراق ، أو يضطرب نوم زبانيته الاقتصاديين لعلمهم أنه لن يغادر البيت المسمى أبيضاً إلا وقد صار زفتاً أسوداً لأمته وشعبه وبلاده ، بسبب حمقه وجنونه واعتقاده بنفسه العصمة.

ولكن …  رؤية مصارع معتقدي العصمة لا ينبغي أن تجعلنا ننسى أنفسنا :

كنت في مجلس ضم ثلة من أهل العلم فذكرت قناة فضائية خرجت إلى النور حديثاً ، وسأل أحدهم : من هم القائمون عليها؟ فقال أحد أهل الفضل : إخواننا! فسأل أحدهم: من؟ فقال الفاضل: إخواننا [كلمة جامعة مانعة اختصرت الأرض في منهج واحد] .. وعقب أحدهم : نرجو أن يكون فكرها للأمة كلها وليس لجماعة معينة! فقال أحد العلماء الموجودين : إذا كانت لفكر جماعة ما فلا بأس ولكن نرجو أن لا تكون لجناح معين ضمن تلك الجماعة!!

حاولت أن أعد القنوات الإسلامية الدعوية من كل الأطياف والتوجهات فلم أجد!!! نعم لم أجد أية قناة دعوية! لأنها كلها قنوات وعظ تخاطب المؤمنين ابتداءً (ولها الحق في ذلك ، وجزى الله كل مخلص فيها ما هو أهله) ولكن!!!

أين الخطاب الدعوي لأهل الأرض؟  أين المقابل الإسلامي لستة آلاف قناة غزت مهد الوليد وخيمة الأعرابي ….

أين هو الخطاب الإسلامي الذي يجعل العلماني الجاحد يحترم الدين .. والبعيد قريباً ، والمنحرف رجاعاً … وتعيد نظم الإيمان حبة بعد حبة في نسق بديع!

أين القلب الحي والفكر الثاقب والبصيرة الدعوية التي كان يحملها مثل مصطفى السباعي ، وعلي عزت بيكوفيتش ، وصبحي الصالح ، وظافر القاسمي  ، ومحمد علي شريعتي … وأمثالهم .. ومن الأحياء : هيثم الخياط  وطه جابر العلواني وحسان حتحوت و يوسف القرضاوي ومحمد بن المختار الشنقيطي .. وغيرهم (كي لا يظن الناس أن الأمة عقيمة) …

ما نسمعه وعظ أمامه وعظ ووراءه وعظ .. بمستويات متفاوتة في الجودة .. أو قنوات سياسية (ولها الحق في ذلك) أو قنوات صدامية وهجومية (مثل برامج المستقلة التي أظن أنها أذكت الغرائز الطائفية لدى السنة والشيعة ولم ترق بطرف منهما ليكون أكثر إدراكاً لإيجابيات أو سلبيات الطرف الآخر بحوار موضوعي تديره ثلة من أصحاب الأفق البعيد) … حسن فليطرح الكل ماعنده فهذا حقه!! ولكن أين حق الإسلام ..

لقد فصل أحد الطلاب ظلماً وعدوناً في معهد شرعي واعترضت على الأمر فقيل لي بأنه فصل [مع الإهانة] حفاظاً على هيبة المعهد لأن الطالب قلل الأدب مع المدير المعصوم!! [أستغفر الله] فقال أحد العلماء لهيئة التأديب العظيمة: وأين هيبة الإسلام؟؟

حقاً يجب أن نسأل:

أين حق الإسلام؟

أين هيبة الإسلام؟

أين شمول الإسلام؟

أين آفاق الإسلام؟

إن من البلاء أن يظن أي فرد فينا أنه هو الإسلام ، أو أن جماعته هي الإسلام ، فهذا الاعتقاد بالعصمة هو من أبواب البلاء في الأمة وخصوصاً عندما تبتلى بأصحاب عمائم ذوي مأرب خسيسة يبيعون الإسلام كله كي لا تتعرض هيبتهم أو مكانتهم لأدنى انتقاص، وكلهم يبكي على الدعوة المسكينة وبعضهم يهرول من باب مسؤول إلى مكتب ضابط ليؤذي أخاه أو ليسرق مسجداً أو ليكتب تقريراً دنيئاً بمخالف له أو ليطلب عزله لأنه أفتى مثلاً بمسألة في الطلاق لا تتفق مع تعصبه واعتقاده العصمة في نفسه ومنهجه.

من المضحكات المبكيات أن الطالب في بلادنا يتخرج من كلية الشريعة حاملاً شهادة الدكتوراة ولم يتعلم درساً واحداً في الدعوة!! بل حتى في الخطابة (التي تشغل مساحة بسيطة من خرائط الدعوة) .. ومنذ فترة اقترح أحدهم إلغاء مادة التجويد في كلية شرعية!! … فيا خيبة الحق في الأرض بهذا العرج والعوج !! ويا حزناه على الدعوة التي هي عمل الأنبياء إيماناً وخلقاً وعلماً ..  ولها ضريبة … والكثيرون ينتسبون إليها ولا يدفعون شيئاً من ضريبتها ويزعمون نصر الدين مجاناً ..

تابعت أنباء المعركة الضارية التي شنت على أحد أكبر علمائنا العلامة الشيخ يوسف القرضاوي حفظه الله ، والتعصب الشديد الذي قابله به البعض ، وكدت أكتب شيئاً في الأمر ثم توقفت لكلمة حق ذكرها القرضاوي في تصريح ثانٍ أدلى به عندما قال : نحن أهل السنة ليس لدينا مشروع…

هذا نوع من الإدراك العميق للمسألة! ونوع من التواضع أمام الحق في وجه الخصم .. ليس الحق على إخواننا الشيعة (مهما خالفناهم ، ومهما اعتقدنا بابتعادهم عن الحق والصواب!) فهم لديهم مشروع يسيرون به ! أما نحن فماذا لدينا؟

هل ينقصنا الدعاة؟ أم الأموال؟ أم النفوذ؟ أم العلاقات العامة؟ ماذا ينقصنا؟

ينقصنا المشروع!! نعم بكل تواضع .. وحاجة الإنسان إلى خصم معاند يظهر عيوبه أكثر من حاجته إلى صديق مداهن يعينه على العجب والغرور ويخفي عنه عيوبه.

آلاف الدعاة اشتغلوا بتحطيم مناهج بعضهم بدل أن يتعاونوا ومئات الجماعات في العالم الإسلامي عملت لتعميق فكر مؤسسيها دون أن تفطن أنه مرحلة في الطريق وليس نهاية المطاف [وطحن في الطريق ألوف من المخلصين والصامتين] وبذلت أموال هائلة جداً [لا تقدر إيران ولا كل الشيعة في العالم على بذل جزء منها] ليس للقيام بمشروع يناسب حقيقة الإسلام ومنهجه ، بل من أجل سحب البساط من تحت الداعية الفلاني وتجويع الجماعة الفلانية ، وتقويض الثانية وشراء الثالثة!! وتلميع الرابعة … هذا هو الواقع بلا محاباة … وإن كان هناك من عمل بصدق وإخلاص عظيمين في اتجاه إيجابي معاكس ، لكن الخراب كان أسرع من البناء.

عندما تصدر أي جماعة مراجعة لفكرها فهي تسير تجاه الحق، وعندما يعترف أحد ما بخطئه فإن أبواب الاستقامة تفتح له ، وعندما نتواضع للحق يتدفق الإيمان حلواً صافياً فتزهر الأرض كلها ويزهق الباطل وينبلج الصباح.

الإسلام أوسع من أية راية رفعت من أجله .. الإسلام منهج البشرية في اعتقادنا مهما تناوشته الحراب ومهما حاولت العلمانية الممسوخة في بلاد المسلمين قص أجنحته وكم أفواه حملته واستبدال الدينار الجيد بالمزيف، وإحلال رؤوس الدجل والنفاق وتغييب كل حامل حق في سراديب الظلام.

لا أحترم الإنسان ذا الوجهين ولا المغفل فإن الفطنة من صفات الأنبياء ، والعلماء ورثة الأنبياء ، ومن لم يستطع أن يكون أهلاً للعمامة فليدعها بيضاء دون أن يشوب بياضها بضعفه ، ومنذ نصف قرن توفي عالم من أسرة علمية معروفة وكان خطيباً للجامع الأموي الكبير، وعرضت الوظيفة على ابنه (رحمهما الله) فقال بكل صراحة : امرأتي سافرة وأنا أحب الدخول إلى السينما ولا يليق هذا بمن سيقف على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

لقد كان الرجل متواضعاً أمام الحق لم يعتقد أن العصمة فيه أو في أسرته وكانت معاني الله أكبر متدفقة في قلبه رغم هفوات خاصة محصورة فيه لم يؤذ بها أحداً .. فأقام الحق بموقفه ولم يسمح لمنبر المسجد أن ينحدر عما لا يليق به..

ليست الله أكبر عبارات تمر في موسم بل روح تحيي الأمة كلها بعد موات وتجدد فيها معاني التواضع والانكسار والافتقار ومن وراء ذلك تأتي التوبة الصادقة من الذنوب الجماعية والذنوب الفردية ، ويعتصم فيه المؤمنون بحبل الله فتستقيم بين أيديهم العبادات الجماعية والفردية ..

لنقف بثبات في وجه كل كبير وقلوبنا وألسنتنا ناطقة بأن الله أكبر

وليكن توجهنا صالحاً في الحفاظ على بلادنا ومعتصمين بالله أكبر

وليكن خلقانا حسنا مع زوجاتنا وأولادنا وجيراننا وإخواننا وكل من يلوذ بنا .. نفحة من نفحات : الله أكبر

ولندر مع الحق أينما دار ولا نضمر حقداً لأحد ولنتناصح مع الجميع غير وجلين من قولة الحق مهما كانت مستمدين من : الله أكبر

ولندق أبواب التوبة والافتقار مهما أخطأنا أو قصرنا منكسرين أمام : الله أكبر.

الله أكبر منهج للأمة .. ليس إدراكه بالعسير ..

فقط يحتاج إلى القليل من التواضع ..

تقبل الله صالح أعمالكم وكل عام وأنتم بألف نعمة وخير وعافية .. وراية الإسلام خفاقة تجلل الأرض هداية وتمحو عتمة الليل الطويل.

أحمد معاذ الخطيب الحسني

3 شوال 1429هـ/ 3 تشرين الأول 2008م

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف كلمة الشهر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.