الشرعية قبل الشريعة… المفكر الأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي

من أغرب الظواهر في دنيا العرب والمسلمين اليوم، أن العديد من ضحايا الاستبداد –وما أكثرهم فينا- هم أشد الناس تسويغا له من الناحية الفكرية والأخلاقية. وهذه الازدواجية المتمثلة في مقاومة الاستبداد عمليا وتسويغه فكريا، بادية لدى الحركات الإسلامية أكثر من غيرها من القوى السياسية العربية.

ومن أسباب هذا القصور، الخضوع لطوق فكرنا السياسي التاريخي، الذي لم يكن بكل أسف انعكاسا لمبادئ الإسلام، بقدر ما كان تكييفا لهذه المبادئ مع سلطان القوة.

وقد كان الفيلسوف الجزائري مالك بن نبي شخص داء التكيف هذا، فأكد أن “الحضارة الإسلامية لم تنشأ عن مبادئ الإسلام، ولكن المبادئ هي التي تكيفت مع سلطة زمنية قاهرة”. وهو تشخيص دقيق، بالنسبة للشق السياسي على الأقل من الحضارة الإسلامية.

لكن السبب الرئيس لهذه الازدواجية يرجع إلى تاريخنا الحديث أكثر من القديم، فقد تجاوزت أمم كثيرة قديم تجاربها، وكسرت قيود تاريخها السحيق. هذا السبب هو الاستعمار، وما نتج عنه من ردود فعل مغالية على كل ما هو آت من الغرب، ولو كان حقا، ومن تمحور حول الذات بكل مساوئها دون نقد أو مراجعة.

لقد خلف الاستعمار الكثير من الآثار السيئة على المجتمعات التي استعمرها، نهبا لثروتها، وتمزيقا للُحمتها، وتشويها لهويتها… لكن أسوأ آثار الاستعمار الغربي لبلاد الإسلام –من وجهة نظري الشخصية- هي تشويشه على روابط التواصل الإنساني التي بدأت بين الحضارتين في قرون النهضة الأوربية.

إن دارس العلاقات التاريخية بين الغرب والعالم الإسلامي، يدرك بسهولة أن إعجابا متبادلا كان موجودا خلال الحقبة التي سبقت الاستعمار، وهو أمر نجده في كتابات بعض مفكري الغرب مثل الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو الذي عبر في كتابه الشهير “في العقد الاجتماعي” عن إعجابه بما دعاه “قانون ابن إسماعيل ونظامه السياسي” وهو يقصد بقانون ابن إسماعيل الشريعة الإسلامية. كما نجد لدى أشهر الأدباء الألمان في هذه الفترة إعجابهم الشديد بالأدب العربي والفارسي، وهو أمر يمكن تلمسه بسهولة في “الديوان الشرقي” للشاعر الألماني غوته، خصوصا قصيدته “أغنية محمد”، حتى أن أحد الأدباء الألمان في تلك الحقبة سمى نفسه “شهيد الأدب العربي”!.

وفي الجانب الآخر نجد قادة الفكر والعلم المسلمين أمثال محمد عبده ورفاعة الطهطاوي وخير الدين التونسي وعبد الرحمن الكواكبي وعلال الفاسي… كلهم معجبين بالحضارة الغربية والنظام السياسي الغربي، حتى كتب الطهطاوي في ذلك كتابه الطريف “تخليص الإبريز إلى تلخيص باريس”، وتحدث الشيخ محمد عبده عن أنه وجد في الغرب إسلاما من غير مسلمين، وفي الشرق مسلمين من غير إسلام.

لكن هذا الإعجاب المتبادل ما بين العالم الإسلامي والغرب تلاشى بكل أسف مع بداية الاستعمار، فسادت ذرائع المواجهة ولغتها بعد ذلك فالغرب يسوغ لنفسه إذلال المسلمين وإخضاعهم، ويصوغ خطابا فكريا وإعلاميا لهذه الغاية، والمسلمون يسوغون لأنفسهم مواجهة الغرب وصده، ورفض كل ما هو آت منه من خير وشر على حد السواء. وفي أجواء الحرب يتمحور كل طرف حول ذاته، وينفي عن الطرف الآخر كل فضيلة.

لقد كانت خسارة كبرى للغرب وللمسلمين أن يتحول الإعجاب إلى حراب، والتواصل إلى قطيعة. وكان المسلمون أكبر خسارة، لأنهم أحوج ما يكونون إلى التعلم من الغرب، دون عقد ثقافية أو تعقيدات سياسية، في هذه اللحظة الحرجة من تاريخهم.

لكن الغرب خسر أيضا أن يتعلم من ثقافة الإسلام ما يخرجه من ذاته المتضخمة، ويرطب قلبه المتحجر. فالاستعمار الذي جعل لغة القوة بكثافتها وجفائها هي اللغة السائدة، حرم الطرفين من حسن التواصل. وكان الإسلاميون بحكم حرصهم على الهوية وذودهم عنها أكثر تأثرا بهذه القطيعة.

وقد تجلت هذه القطيعة أكثر ما تجلت في موقف الإسلاميين من الديمقراطية وشرعية السلطة. فلم تحتل هذه الموضوعات حيزا كافيا في أولويات الإسلاميين الفكرية أو خططهم العملية، بل لم تتحول إلى جزء أصيل من تفكيرهم الفقهي وتأصيلهم الشرعي. ولا يزال “التفكير الموازي” هو السائد.

ولذلك تجد كتبا إسلامية كثيرة تتحدث عن “الإسلام والديمقراطية” أو “الديمقراطية والإسلام”، وكأنهما خطان متوازيان، مما يدل على عجز عن تفكيك المبدإ الديمقراطي في مظهره القيمي وصيغه الإجرائية، والحكم على مفرداته حكما عمليا غايته التعلم لا الجدال.

وظل السؤال “هل الإسلام منسجم مع الديمقراطية”؟ يتردد صداه عقودا من الزمان، وضاعت جهود علمية وطاقات ذهنية كثيرة في نقاشات لفظية لا تقدم ولا تؤخر، مثل الإلحاح على استعمال مصطلح “الشورى” الإسلامي بدلا من مصطلح الديمقراطية، وكأن أمتنا في ظروف الطوارئ الحالية تملك ترف الخلافات اللفظية والمجادلات الكلامية.

وفي هذه الأجواء المشحونة بلغة المواجهة ضاعت الأسئلة الجدية الهادئة مثل: ما هو مصدر الشرعية السياسية في الإسلام؟ وأين حدود الخلُق وحدود القانون في الشريعة الإسلامية؟ وهل هوى الحاكم الفرد خير من القانون ولو كان قانونا أرضيا منبتا عن هداية السماء؟ وهل “تطبيق الشريعة” قرار فوقي تؤمم السلطة الدين بموجبه وتستخدمه بدلا من أن تخدمه؟ أم هو مشروع مجتمع يحميه المجتمع ويرعاه؟

وبتعمق هواجس الخصوصية في العقل المسلم جراء المواجهة الهوجاء مع الغرب ضاعت فرصة الاستفادة من القيم والإجراءات الموجودة في النظام السياسي الغربي، وتمثلها ضمن نظام القيم الإسلامي، وتحول الفكر الإسلامي من مرحلة الانفتاح والإيجابية والإقدام التي كانت سائدة نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إلى مرحلة الانغلاق والدفاع والتمحور حول الذات وسوء الظن بالغير وبكل ما تحت يده.

وقد أدى ذلك إلى خروج مسألة الشرعية السياسية من أولويات الفكر الإسلامي، بعد أن كانت أولويته الأولى في تلك الفترة، وتشوه مفهوم “تطبيق الشريعة” فأصبح مفهوما جنائيا، وكأن قطع يد سارق سرق دريهمات على يد سارق سرق مليارات هو الشرع ذاته!! أو كأن رد بيت من مغتصبه إلى صاحبه على يد من اغتصب وطنا بأكمله هو العدل عينه!! أو كأن تحرير فرد واحد من السجن على يد من تحكم في رقاب ملايين البشر أمرا ذا بال!!…

إن أساس الشريعة العدل، ولا عدل إذا ظل بين المواطنين من هو فوق القانون ومن هو تحت القانون. ومهما يكن جمال القانون – سماويا كان أو أرضيا- فلن يكون له أثر عملي إذا لم يتصف بصفة العموم والإطلاق.

كان أبراهام لنكولون يقول: “لا أحد فوق القانون ولا أحد تحت القانون”، وكان جان جاك روسو يقول: “هذه هي المشكلة الكبرى في السياسة: إيجاد شكل من الحكم يضع القانون فوق الإنسان”.

وبهذا التفكير استطاع الإنسان الغربي أن يحقق العدل لنفسه في وطنه، رغم قصور قوانينه الأرضية عن شريعة الإسلام السماوية، ورغم جوره في تعامله مع الآخرين خارج حدود أرضه.

أما في دنيا العرب والمسلمين فلايزال الحاكم فوق القانون لا يُسأل عما يُفعل، ولايزال أغلب الشعب تحت القانون لا يجد إنصافا ولا عدلا، ولايزال هوى الفرد المتأله هو المرجع الأخير، فإن أحسن الحاكم منع مواطنيه من بعض التظالم فيما بينهم، مع ولغه هو في ظلمهم جميعا. بل هو لا يعدل في شيء مثل العدل في توزيع الظلم على رعيته. فمثله مثل الإقطاعي القديم، الذي يمنع عبيده من اعتداء بعضهم على بعض، لكنه يمارس الاسترقاق والظلم عليهم جميعا.

وهذا اختلال خطير في الأولويات الشرعية، أدى إلى اختلال في التطبيق. فكم يدا تم بترها في باكستان ضياء الحق، أو سودان النميري، أو سعودية آل سعود، ويد الحاكم الذي بترها أولى بالبتر، وجرمه أكبر، وسجل مظالمه أعرض. وكم سجينا عانى ولايزال يعاني في سوريا ومصر والمغرب وتونس وموريتانيا، وامتهنت كرامته الإنسانية في أرض يدين أهلها بشريعة العدل الإسلامية.

لقد ذرفتُ الدموع وأنا أرى سجينا خرج مؤخرا من السجون [….] ، ليكتشف أن والديه ماتا منذ عشرين سنة دون أن يدري!! وقلت في نفسي: “والله لا تفلح أمة يعامل بعضها بعضا بهذه الهمجية”. فهل بلغت بنا الفظاظة حد التعامل مع البشر بهذه الطريقة؟! وهل إخبار السجين بموت أمه أو أبيه جرم يجب التكتم عليه عقدين من الزمان؟! وهل نأمل في سد الثغرات في واقع أمتنا التي اخترقها عدوها من كل جانب ونحن نعامل بعضنا بعضا هكذا؟!

ومهما يكن من أمر، فإن قضية الشرعية السياسية من القضايا التي ضيعها المسلمون في واقعهم التاريخي، وهم اليوم يضيعونها في تفكيرهم أيضا، ويحتاج العقل المسلم اليوم إلى إعادة ترتيب أولوياته، وإبراز هذا الجانب الضامر في ثقافتنا ونظامنا القيمي.

فأغلب الكتابات الإسلامية المعاصرة في هذا المضمار لا يعدو تلخيصا لما كتب قديما دون تعميق في التأصيل، أو تجديد في الوعي، أو مواجهة تحديات اليوم بفكر وثاب غير هياب.

ولذلك يسود في هذه الكتابات الحديث عن “السياسة الشرعية” لا عن “الشرعية السياسية”، وشتان بين الأمرين: فالسياسة الشرعية مصطلح تاريخي، وهو وليد فقه التكيف، تكيف المبادئ مع واقع القوة القاهرة، ومحاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد اليأس من تأسيس السلطة على أسس شرعية.

أما “الشرعية السياسية” فهي مصطلح شرعي همه تكييف الواقع مع متطلبات المبدإ، وهو ينطلق من أمل في الإصلاح وإيمان بضرورته وإمكانيته.. وما من ريب أن لهذا الاختلال الفكري أثره السيئ على الحركات الإسلامية في طرحها الفقهي وفي ممارستها السياسية داخل صفها الخاص وفي مجتمعها العام.

إن اتخاذ قضية الشرعية السياسية أولوية الأولويات مدخل شرعي وعملي مهم غاب عن بال الإسلاميين عهودا من الزمن، فنسوا أن الشرعية هي الطريق إلى الشريعة، بمعنى أن إقامة حكم ديمقراطي يحترم إرادة الأمة وحرية الفرد هو السبيل إلى تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، بل هو أهم جزء من هذا التطبيق في أخطر مناحي الحياة وأكثرها إثارة للخلاف، موضوع سالت فيه الدماء والدموع مدرارة، وهو موضوع: من يحكم من؟ ومن يخضع لمن؟

وأعتقد أن هذا الأمر هو الذي ينبغي أن يلح عليه الإسلاميون في المستقبل: الشرعية أولا، ثم الشريعة بعد ذلك، وبذلك يجعلون مشروعهم مشروع أمة لا مشروع طائفة أو حركة.

فلن تقام أحكام الشريعة إلا إذا احتضنتها الغالبية من أبناء الشعب، وأصبحت تعبيرا إجرائيا عن إرادة أمة حرة، يلتزم بها جميع السياسين طوعا وكرها، كما هو شأن الأحكام الدستورية في دول الغرب اليوم. ولن ينجح مشروع سياسي لا يجعل حرية الإنسان وكرامته همه الأهم.

ولا ينبغي أن يزهدنا في الديمقراطية –وهي الطريق إلى بناء الشرعية السياسية اليوم- كونها آتية من أرض استعبَدَنا أهلُها، وشحوا علينا بما عندهم.

فالغرب ظاهرة مزدوجة: “الغرب في ذاته” و”الغرب في صلته بنا”. أما الغرب في ذاته فلديه بعض القيم التي تستحق الثناء، وبالذات القيم السياسية التي ضيعها المسلمون فضاعوا. وأما الغرب في صلته بنا فالاستعمار عنوانه والاستغلال هدفه، حتى وهو يرفع شعار التحرير والحرية.

وليس مما يُستغرب أن يكون موقفنا من الغرب مزدوجا كذلك: مزيجا من المقاومة والاقتباس، البغض والإعجاب.. بل إن هذا هو الموقف المنطقي في ظل ازدواجية الظاهرة الغربية. وما ليس طبيعيا أن يتحول الاقتباس إلى خضوع كما يريد بعض الليبراليين، أو تتحول المقاومة إلى انغلاق كما يريد بعض الإسلاميين. فما نحتاجه من الغرب هو بالتحديد ما لا يريد الغرب منحنا إياه: الحرية. ولا حرية دون إعادة بناء السلطة في أوطاننا على أساس من الشرعية والاختيار الحر.

وأخيرا فإن من اللبس الفكري التفريق بين “الشرعية” و”الشريعة” أو وضعهما في تقابل، أو تقديم إحداهما على الأخرى.. والحال أن الشريعة هي مصدر الشرعية لدى كل مسلم.

وهذا التفريق المضلل الشائع اليوم هو الذي جعل الشريعة في أذهان البعض منا مجرد نظام قيود من العقوبات الرادعة المبتورة من سياقها، بدلا من وضعها في موضعها الصحيح: نظاما شاملا للحياة يحقق الخير والعدل والحرية. ولكننا نفرق هنا بين الشريعة والشرعية مجاراة للاصطلاح السائد، ولغاية الإبلاغ لا غير.. فعسى أن نكون أبلغنا.

محمد بن المختار الشنقيطي

نقلاً عن موقع الجزيرة

كُتب في المناهج | التعليقات على الشرعية قبل الشريعة… المفكر الأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي مغلقة

حلمُ الزعيم .. للأستاذ أغيد الطباع

حَلُمَ الزعيمُ ……

بأن ضيفاً …. زارهُ

فأَهمَّهُ ما قد رأى

و أخافهُ …………

فَاستنفرَ الفُهامَ من

أتباعهِ ………….

فأتوا يسيرُ …. بإثرهم

عرافُهُ …………..

 

قالَ الزعيمُ ……….

و قد تبدَّا شاحباً …..

فَزِعاً ……………

تَنوءُ بحملها ……..

أقدامُهُ …………..

 

من فَسرَ الحُلُمَ ….

سيصبحُ نائبي …..

و أزيدهُ قرباً …….

و أُصلحُ حالهُ …..

 

فأجابَ بعضُ القومِ

ضَيفُكَ سيدي ……

مُلكٌ عظيمٌ ………

لا تُرى أطرافهُ ….

 

و أَجابَ بَعضٌ ….

ضَيفُكُم يا سيدي ..

مالٌ وفيرٌ ……..

ليسَ يَنفدُ ………

بعضُهُ ……….

 

و أجابَ بعضٌ …..

إن ضيفَ زعيمنا ..

شعبٌ ذليلٌ ………

في يديهِ …………

قِيادهُ ……………

 

و تبارزَ الأتباعُ …

في إرضاءهِ …….

و الكلُ …………

في قُربِ الزعيمِ ..

رجاؤهُ ………….

و استبشر المسكينُ

بعدَ ترددٍ ………

و تَغَيرَت مِن بعدِ

همٍّ حالُهُ ……….

 

لكنَّ ………….

شيخاً مطرقاً …

لَم يُفتِهِ ……….

فيما رآهُ ……..

أطارَ مِنهُ …….

صوابَهُ ……..

فرنا إليهِ …….

مُسائلاً مُستَفسِراً

فتبسمَ الشيخُ …

و أشرقَ ثَغرُهُ …

 

كم قَبلكم ……..

يا سيدي …….

مِن ظالمٍ ……..

آذى الوجودَ ….

غرورهُ و ضلالهُ

 

و مضى يذيقُ …

الناسَ ………..

ألوانَ الأذى ….

و يَسوقهم …….

نحو الردى ….

جلادهُ ……….

 

قد غَرَهم …….

في الأرضِ …..

طولُ بقاءهم …..

و نَسوا ……….

بأن الله يُمهِلُ …..

عَبدهُ …………..

 

حتَّى إذا ناموا ….

و أقبَلَ ضيفهم ….

فَزعوا لضيفٍ ..

لا يَحُط رحالهُ ..

 

إن كان يسألُ ..

سيدي عن ضَيفِهِ

ما الضيفُ ….

إلا ………….

موتُهُ و هَلاكُهُ ..

 

أغيد الطباع

كُتب في مقالات القراء, منائر | التعليقات على حلمُ الزعيم .. للأستاذ أغيد الطباع مغلقة

في أيام الحج

لبيك يا رب الحجيج جموعه وفدت عليك
ترجو المثابة في حماك وتبتغي الزلفى لديك
لبيك والآمال والأفضال من نعمى يديك
لبى لك العبد المطيع وجاء مبتهلا لديك

هذي الجموع تدفقت منها المسالك والبطاح
قطعوا لك الغبراء والدأماء واجتازوا الرياح
متضرعين إليك مستهدين يرجون السماح
لبيك في البهيم وفي الغدو وفي الرواح

هذا الصباح يعج بالتهليل يتبعه الدعاء
هذا المساء يضج بالتكبير يبعثه الرجاء
في الأرض تلبية تفيض بها القلوب إلى السماء
لبيك في حر الهجير وفي الصباح وفي المساء

بين المضارب في البطاح وفي حمى البيت الحرام
عند المحصب أو بأرجاء الحطيم أو المقام
مهج وأرواح تطوف بها كما طاف الحمام
لبيك تسألك الهداية والعناية والسلام

لاذت بساحتك الخلائق واستقرت في حماك
وشدت بنجواك السرائر واستهامت في هداك
الوحش والإنسان والأطيار تستجدي رضاك
لبيك مبدؤها ومرجعها إليك وفي ثراك

سبحانك اللهم يا حامي حمى البيت الأمين
يا مسبل الرحمات تغسل من خطايا المذنبين
إياك نعبد مخلصين وما بغيرك نستعين
لبيك سبحنا بحمدك فاهدنا نهج اليقين

إنشاد : أبو الجود الأستاذ منذر سرميني

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على في أيام الحج مغلقة

إيمان بلا أوصياء

المبادئ تقوم أساساً على الأخلاقيات ، التي  تتبلور في أنظمة وأحكام للحفاظ عليها ، وبعدها تأتي التفاصيل ثم التفريعات ، والتي قد يضخمها البعض لتصبح أقرب إلى التفاهات ، وقد يتشكل المزاج الاجتماعي ضمنها ليقود إلى التعصب ، فالعدوانية التي لا نتيجة لها إلا التوحش.

يبقى الدين من أعظم المبادئ التي يحملها البشر ، ولكنه يمتد أو ينكمش بمقدار نباهة أو غباء حملته.

هناك سؤال ملح : هل أرسل الله الأنبياء لإصلاح البشر؟ أم خلق الله الناس لخدمة الدين.

أكمل قراءة التدوينة

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على إيمان بلا أوصياء مغلقة

قصيدة للشاعر أحمد مطر بعنوان : من أوباما

مِن أوباما..
لِجَميعِ الأعرابِ شُعوباً أو حُكّاما:
قَرْعُ طَناجِرِكُمْ في بابي
أرهَقَني وَأطارَ صَوابي..
(افعَل هذا يا أوباما..
اترُك هذا يا أوباما
أمطِرْنا بَرْداً وسَلاما
يا أوباما.
وَفِّرْ للِعُريانِ حِزاما!
يا أوباما.
خَصِّصْ للِطّاسَةِ حَمّاما!
يا أوباما.
فَصِّلْ للِنَملَةِ بيجاما !
يا أوباما..)
قَرقَعَة تَعلِكُ أحلاماً
وَتَقيء صَداها أوهَامَا
وَسُعارُ الضَّجّةِ مِن حَوْلي
لا يَخبو حتّى يتنامى.
وَأنا رَجْلُ عِندي شُغْلٌ
أكثَرُ مِن وَقتِ بَطالَتكُمْ
أطوَلُ مِن حُكْمِ جَلالَتِكُمْ
فَدَعوني أُنذركُمْ بَدءاً
كَي أحظى بالعُذْر ختاما:
لَستُ بِخادمِ مَن خَلَّفَكُمْ
لأُسِاطَ قُعوداً وَقياما.
لَستُ أخاكُمْ حَتّى أُهْجى
إن أنَا لَمْ أصِلِ الأرحاما.
لَستُ أباكُمْ حَتّى أُرجى
لأكِونَ عَلَيْكُمْ قَوّاما.
وَعُروبَتُكُمْ لَمْ تَختَرْني
وَأنا ما اختَرتُ الإسلاما!
فَدَعوا غَيري يَتَبَنّاكُمْ
أو ظَلُّوا أبَداً أيتاما!
أنَا أُمثولَةُ شَعْبٍ يأبى
أن يَحكُمَهُ أحَدّ غَصبْا..
و نِظامٍ يَحتَرِمُ الشَّعبا.
وَأنا لَهُما لا غَيرِهِما
سأُقَطِّرُ قَلبي أنغاما
حَتّى لَو نَزَلَتْ أنغامي
فَوقَ مَسامِعِكُمْ.. ألغاما!
فامتَثِلوا.. نُظُماً وَشُعوباً
وَاتَّخِذوا مَثَلي إلهاما.
أمّا إن شِئتُمْ أن تَبقوا
في هذي الدُّنيا أنعاما
تَتَسوَّلُ أمْنَاً وَطَعاما
فَأُصارِحُكُمْ.. أنّي رَجُلُ
في كُلِّ مَحَطّاتِ حَياتي
لَمْ أُدخِلْ ضِمْنَ حِساباتي
أن أرعى، يوماً، أغناما!

أحمد مطر

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على قصيدة للشاعر أحمد مطر بعنوان : من أوباما مغلقة

إحذر.. كرتونة البيض ..فيها سم قاتل ..!

مقالة للأستاذ المهندس هيثم أبو خليل بتاريخ 31/10/2008

يحكي أن أحباب ومريدي الشيخ الجليل الراحل عبد الحميد كشك تجمهروا عقب الإفراج عنه عام 1982 مطالبين بعودته لمسجد عين الحياة في منطقة دير الملاك بالعباسية حيث كان يخطب الشيخ لسنوات …

وكان ذلك أمام المسجد عقب صلاة الجمعة وظل المصلون يهتفون مطالبين بعودة الشيخ للخطابة …

وفجأة ظهرت سيارة نقل كبيرة محملة بالبيض ووقفت علي مقربة من المسجد ونادي منادي بيض طازج بنصف السعر الذي يباع به البيض بالمجمعات الإستهلاكية …

وقف المتظاهرون قليلاً ..ثم بدأوا يتسللون ناحية السيارة للحاق بالفرصة ..

وتساءل البعض ما المشكلة أن نبتاع البيض ونكمل المظاهرة …؟

دقائق قليلة وألتف المئات حول السيارة ..ونفذ البيض في أقل من ربع ساعة …

بعدها بدقائق حضرت قوات مكافحة الشغب والتي كان من المتوقع أن تخوض معركة حامية الوطيس في صرف المظاهرة…

لكن حدث ما هو غير متوقع فلقد وقف كل متظاهر يحمل البيض في يده ينظر للجنود وهم ينزلون من سيارات الشرطة وينظر للبيض الذي في يده والذي حصل عليه بسعر (لقطة) وتنبه لمصير هذا البيض في حالة الاستمرار في هذه المظاهرة …وبدأ المتظاهرون في الإنصراف بدون صدام .. فالجميع عنده قناعة أنه يمكن أن تتكرر الوقفات والمظاهرات لكن البيض لن يعوض …. !!

وقفت عند هذه الحادثة فلها مغزي ودلالة واضحان …

فكما تصرفت الشرطة أيامها بحكمة في الدفع بالبيض قبل الأمن المركزي فإن النظام المصري يسير معنا علي نهج هذه الواقعة …؟

فالنظام المصري يحمل كل منا كرتونة بيض تعيقه عن الحركة خوفا من وقوع البيض ..!

قد تختلف أشكال كرتونة البيض ولكن النتيجة واحدة وهي وقوفنا محلك سر نتحرك داخل أحذيتنا خوفاً من وقوع البيض …قد تكون كرتونة بيض علي شكل إرتفاع الأسعار الجنوني ورفع أسعار الخدمات وعمل المواطن المصري في أكثر من وظيفة لكي يستطيع أن يعيش …فلا ينتظر منه أن يفيق وقد إنحني ظهره من كثرة العمل والأعباء وانشغل تفكيره بتدبير ضروريات الحياة فهل ينتظرمنه أن ينظر لأحوال الوطن وقد استشري فيه الفساد ..؟

هذا المواطن يحمل كرتونة مليئة بالأعباء والمشاكل والهموم تجعله لا يفكر في إصلاح ولا تغيير ولا توريث ولا تحديث كل همه هو تأمين الخبز والطعام والدواءوالمدارس والملبس والمسكن لأسرته …

 

وقد تكون كرتونة البيض علي شكل نظام تعليمي متخلف يشغله طوال العام بالإمتحانات و يرهق الأسرة المصرية بالدروس الخصوصية ويرسل أبناءها جثث لمنازلهم بعد ضربهم بالشلاليت في المدرسة

وقد تكون كرتونة البيض إعلام مضلل لا يعطي للشعب لحظة للتفكير أو التقاط الأنفاس فلقد وزعت الأدوار بإتقان فهذا مؤيد وهذا معرض وهذه برامج توك شو تلعن سلسفيل الحكومة لتنفيث الضيق الذي يعتري بعض المنتبهين لما يحدث داخل الوطن …

وقد تكون كرتونة البيض إنفاق بلاحدود علي فئة من الشعب يهتم النظام بإرضائهم أوقد تكون منحة لبعض الشرفاء والمعارضين في ترقية أو في بعثة لجهة رسمية بمرتبات خيالية أو منصب في هيئة وهمية ..وعندها لا يستطيع أحد أن يتحرك خوفاً من وقوع البيض أقصد من ضياع المنصب أو الوظيفة ….

وقد تكون كرتونة البيض حصانة أو نفوذ تفتح الأبواب المغلقة ويطير صاحبها في عالم المليارات حيث تباع له أراضي الوطن بسعر جنيه واحد للفدان …!!

وقد تكون كرتونة البيض خوف ورعب من الآلة الجهنمية للنظام متمثلة في الشرطة فيستبد الخوف بالناس ويبعد الأمل في التغيير والذي لا يحدث إلا بنفوس تملؤها الشجاعة والجسارة …

عموماً … تعددت كراتين البيض والنتيجة واحده … لا حركة … لا كلمة ….لا نفس …

لن أقول لكم كل واحد يخلي باله من كرتونته…

ولكن ألقوها … فكرتونة البيض هذه أذلتنا …. وقهرتنا …. وضيعتنا ….

والله …لن تتقدم بلادنا ونعيش فيها في عزة وكرامة إلا بعد أن يضحي كل منا بكرتونة البيض التي

يحملها ….

م/هيثم ابوخليل
مدير مركز ضحايا لحقوق الإنسان

http://www.almesryoon.com/ShowDetailsC.asp?NewID=55815&Page=1&Part=6

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على إحذر.. كرتونة البيض ..فيها سم قاتل ..! مغلقة

منى أبو الفضل ومعالم رؤية نسوية بديلة

منى أبو الفضل عالمة مسلمة ومفكرة نادرة في هذا الزمن الأعجف وهي زوجة الدكتور طه جابر العلواني وقد توفيت مساء الثلاثاء 23/9/2008 الموافق لـ 23 رمضان 1429. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمدها برحمته الواسعة ويسكنها فسيح جناته.
وهي من مواليد القاهرة 1945، وقد حصلت على الدكتوراه في العلوم السياسية، جامعة لندن عام 1975، وعملت أستاذة للعلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، وكذلك أستاذة بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في فرجينيا، وأستاذة زائرة بالمعهد العالمي للفكر الإسلامي في هرندن، فرجينيا.
وللدكتورة منى رحمها الله إسهامات معرفية متميزة، يأتي في مقدمتها تأسيس فكرة المنظور الحضاري الإسلامي مقارنة بالمنظورات العلمانية الوضعية السائدة في مجالات العلوم الاجتماعية، وبخاصة حقل العلوم السياسية الذي تخصصت فيه، وذلك بطرح المنظور الحضاري كاقتراب منهجي في دراسة العلوم السياسية، فتلتقي كتاباتها عن التجدد الحضاري في مجموعها حول أطروحة محددة قوامها التجاوز والاستيعاب، نفيًا للثنائية بين الأصالة والمعاصرة، أو الفصام بين العلوم الشرعية والعلوم الاجتماعية، وذلك عبر النموذج المعرفي التوحيدي، الذي طرحته كنموذج بديل في إعادة بناء صرح الأكاديمية المعاصرة.

كما اهتمت أيضاً بتطوير حقل دراسات المرأة من منظور حضاري، فكانت تدافع عن موقع المرأة في التاريخ الإسلامي في وجه الادعاءات التي تروج حول عدم فاعليتها طوال هذا التاريخ، طامحة إلى إرساء تراكم معرفي حضاري يضمن تخطيط مناهج كفيلة عن طريق إعادة قراءة التراث وبوضع قواعد إسهام حضاري عبر مراجعة الأدبيات النسوية عمومًا، وبالذات الدراسات والأبحاث المتعلقة بالمرأة المسلمة وتقديم قراءة مغايرة لما يطرحه المنظور النسوي الغربي.
وفي هذا الصدد قامت بتأسيس جمعية “دراسات المرأة والحضارة” في القاهرة عام 2001 والتي تصدر في مجلة “المرأة والحضارة”، ومن قبل أسست “كرسي زهيرة عابدين للدراسات النسوية” في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1998.
وقد تركت الدكتورة منى تراثاً علمياً هاماً من بينه: كتاب “الأمة القطب: نحو تأصيل منهاجي لمفهوم الأمة في الإسلام” والذي ترجم إلى اللغة الفرنسية مؤخراً، و”نحو منهاجية علمية لتدريس النظم السياسية العربية”، و”نحو منهاجية للتعامل مع مصادر التنظير”.
إضافة إلى مجموعة كبيرة من المساهمات العلمية في كثير من المجلات العلمية الموثقة، فإن لها بعض المؤلفات بالإنجليزية منها:(المصدر: www.boubkraoui.conablog.com)

Alternative Perspectives: Islamic from Within
Contrasting Epistemic: Tawhid, Social Science, and the Vocationist
Paradigms in Political Science Revisited
Islam and the Middle East
Cultural Parodies and Parodizing Cultures
Where East Meets West: The west on the Agenda of the Islamic Revival

وفيما يلي بعض المعلومات عن منهج الراحلة الفاضلة وهي منقولة عن موقع إسلام أون لاين.

منى أبو الفضل ومعالم رؤية نسوية بديلة

تمثل منى أبو الفضل قيمة معرفية كبرى ليس في العلوم السياسية وهو المجال الذي انتسبت إليه، وإنما في الدراسات الحضارية المقارنة ودراسات المرأة كذلك، ويُنظر إليها باعتبارها إحدى أركان مدرسة المنظور الحضاري التي تشكلت نواتها الأولى على يد حامد ربيع الذي اتخذ من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالقاهرة منطلقا لإعادة إحياء المفاهيم والقيم الإسلامية وتضمينها ضمن حقل العلوم السياسية، واتخاذها أداة لنقد المنظورات الغربية الوضعية، ولا تزال هذه المدرسة ترفد المجال المعرفي ببعض الرموز والأفكار عبر موجة ثالثة ورابعة من الباحثين الشباب.

استجلاء المفاهيم: المنظور الحضاري والمعرفة التوحيدية : يتعذر علينا أن نلج إلى فكر منى أبو الفضل وأن نبحث عن موقع المسألة النسوية خلاله قبل أن نتوقف لاستجلاء بعض المفاهيم التي قامت بنحتها في سبيل تعاملها مع الظواهر الفكرية، وفي القلب منها يقع مفهوما: المنظور الحضاري، والرؤية التوحيدية، اللذان قامت بتفعيلهما واتخذت منهما أداة للاقتراب في إطار دراساتها النسوية.

وكانت منى أبو الفضل قد شرعت في بلورة مفهوم “المنظور الحضاري” في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي بعدما لاحظت قصور الأدوات والمناهج الغربية عن الإحاطة ببعض الظواهر بسبب عدم إدراكها لطبيعة التباينات بين الأقاليم الحضارية المختلفة وتغافلها عن واقع الخصوصية التي يتمتع بها إقليم دون آخر.

وحول ذكرياتها مع تأسيس المنظور تذكر د. منى أن إدماج مفهوم “حضاري” ضمن المجال الأكاديمي لم يكن يعني لديها أن تقوم بتدريس مادة النظم السياسية العربية في الجامعة على خلفية “لوحة جدارية” هي الحضارة العربية، وإنما كان يعني تفعيل فكرة الحضارة في مفاهيم وأطر واقترابات منهجية، وإدخالها إلى حيز البحث العلمي المتعارف عليه.

وطيلة عقدين من الزمان عملت منى أبو الفضل على صقل المفهوم وبلورته واستخدامه في حقول معرفية متعددة حتى بات نسقا معرفيا متكاملا قابلا لأن يوظف ويطبق لدراسة وتشخيص سائر أبعاد الظاهرة الاجتماعية، ولم يعد قاصرا على ظاهرة السلطة أو حقل العلوم السياسية، وكان من نتيجة ذلك أن شاع استخدام المنظور الحضاري في عدد من الأدبيات المعرفية من قبل باحثين ينتمون لحقول معرفية متعددة حتى أضحى مدرسة تتعدد فيها المفاهيم والمداخل.[1 ]

والمنظور الحضاري لا يتطابق مع مفهوم المنظور الإسلامي، ولا يعني كذلك صلاحيته للتطبيق على الظواهر والمجتمعات الإسلامية وحسب؛ ذلك أنه رغم استمداده مفاهيم وقيم ومعاني إسلامية إلا أن توظيفها وتفعيلها يتم ضمن الإطار المعرفي وخدمة لأهداف بحثية؛ فهو نسق معرفي مفتوح متجاوز ومستوعب يمكن توظيفه في قراءة التاريخ الإنساني والثقافات المتباينة كما تؤكد صاحبته، وعليه لا يمكن إدراج المنظور ضمن دائرة التوظيف الأيديولوجي للدين في نطاق البحث العلمي[2 ].

ويستبطن المنظور الحضاري منظومة معرفية توحيدية ذات خصائص مميزة تجد مركزها في الإله الخالق المطلق، وهي تتميز بقيامها على إطار مرجعي جامع هو التوحيد الذي ينفتح على عالم الغيب والشهادة انفتاحا مزدوجا؛ إذ ينفتح انفتاحا رأسيا حين تأخذ مصادره المعرفية بالوحي ممثلا في القرآن الكريم الذي يعد اللحمة التي تربط عالم الغيب وعالم الشهادة. والوحي هنا ليس أمرا تاريخيا بل هو مصدر أساسي تلتقي حوله الأبعاد القيمية الغيبية بالأبعاد المادية الحاضرة، وكذا ينفتح أفقيا على الشعوب والحضارات المتباينة “الآخر”، وبهذا المعنى فهو نسق معرفي يتجاوز الخصوصية والذاتية ليأخذ بسنة التعارف القرآنية كما تجسدها الآية الكريمة {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13][3 ].

وانطلاقا من دراستها للأنساق المعرفية المتقابلة تقارن منى أبو الفضل المنظومة المعرفية التوحيدية بالمنظومة الحداثية، وبينما تجد الخالق الإله هو ركيزة المنظومة المعرفية التوحيدية فإن منظومة الحداثة قد أقصت الإله كلية وأحلت العقل/الإنسان محله باعتباره مركزا ومرجعية، وأضفت عليه صفة الإطلاق، وصبغت بقية العناصر بالطابع النسبي، وقد ولدت هذه المرجعية النسبية حسبما ذهبت منى أبو الفضل نوعا من التأرجح في الثقافة؛ حيث تتأرجح الأفكار كبندول الساعة بين طرف ونقيضه، بين المثالية القحة من جهة والمادية المفرطة من جهة أخرى وبينهما مستمر.

“النسوية” في فكر منى أبو الفضل : في خضم انشغالها بدراسة الفكر الغربي ونقد أطروحاته المعرفية بدأ اهتمام منى أبو الفضل بملف المرأة المسلمة مصادفة بعد أن استرعى انتباهها الأهمية التي يحظى بها هذا الملف في دوائر الفكر بشكل عام والنسوي بشكل خاص والتي تزايدت في الربع الأخير من القرن الماضي الذي حمل متغيرين أساسيين في التعاطي مع قضايا المرأة:

الأول: حين تم التأسيس للدراسات النسوية باعتبارها حقلا معرفيا في إطار الأكاديميات الغربية.

والثاني: تحول قضايا حقوق الإنسان وضمنها قضايا المرأة إلى أداة تم توظيفها بيد القوى الكبرى المهيمنة لإحداث التغيير في المجتمعات التي بدت عصية على الحداثة.

ولعل هذين المتغيرين هما اللذان دفعا منى أبو الفضل أن تضع نصب عينيها ضرورة التأصيل لخطاب عالمي يتعامل مع قضايا المرأة من منظور حضاري، وذلك تجاوزا للخطاب الرسمي الذي يقر الوضع القائم تمسكا بمقولة أن الإسلام أعطى المرأة حقوقها، وتجاوزا كذلك للخطاب الفقهي الذي تستغرقه التفاصيل والجزئيات ولا يقدم رؤى كلية لقضايا المرأة.

وللخروج بتلك الرؤية إلى حيز التنفيذ قامت بتأسيس كرسي زهيرة عابدين للدراسات النسوية في الولايات المتحدة عام (1998)، وأشهرت جمعية دراسات المرأة والحضارة بالقاهرة في العام التالي مباشرة، وقد حملت أدبياتهما صورة للخطاب الذي ارتأته أبو الفضل حول المرأة.

المنظومة التوحيدية وإعادة صياغة المفاهيم : آمنت منى أبو الفضل بأن تجاوز المنظور النسوي الوضعي السائد لا يتم إلا عبر إسقاط المفاهيم الغربية السائدة وإحلال مفاهيم أخرى محلها مستقاة من الخبرة الحضارية، ومستندة إلى الهدي القرآني، وفي هذا الصدد توصلت إلى أن مفهوم “النفس الواحدة” مفهوم محوري في صلب المنظومة المفهومية الإسلامية بما يؤكد عليه من الوشائج التي تربط النساء بالرجال في إطار العبودية لله، وتوقفت أمام مفهوم “التكليف” للإنسان والتقوى كمعيار تمايزه عند الله، وغيرها من المفاهيم التي تحمل مضامين لها دلالاتها العميقة والتي تناقض مفهوم “السلطة” المركزي في الفكر النسوي الذي يتمحور حول القوة وعلاقاتها.

ووفقا للمنظومة التوحيدية فإن السلطة والطاعة والخضوع إنما يكون لله في إطار عقيدة جامعة يشترك فيها الخلق جميعا رجالا ونساء؛ فالخضوع داخل شبكة العلاقات الاجتماعية ليس مرتبطا بالمرأة (النوع) ولا بوضع اجتماعي (طبقة) لكنها تنسحب على المؤمنين جميعا الذين يسلمون لله (مالك الملك) طواعية ودون إكراه.

وإلى مفهوم آخر أصيل يمكن أن يشكل منطلقا في التعامل مع المرأة تتوقف منى أبو الفضل أمام مفهوم “الولاية” القرآني كما صاغته الآية الكريمة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [التوبة: 71] والذي من شأنه أن ينقل مركز الثقل من مفهوم القوة والصراع في النسوية الغربية إلى مفهوم آخر مغاير وهو التضامن والتماسك في إطار الجماعة الإسلامية.

واستكمالا لجهدها في تطوير منظومة مفاهيمية متكاملة حول المرأة تعمد منى أبو الفضل إلى مقارنة المفاهيم الغربية بمثيلاتها الإسلامية، وتتخذ من مفهوم “المساواة” منطلقا حين تتساءل: أين نحن من هذه القيمة المعنوية في إطار منظورنا الحضاري؟ وفي معرض إجابتها تشدد أبو الفضل على أن النتائج تختلف باختلاف المقدمات: فإذا كانت قيمة الفرد العليا في المنظومة المادية تبدأ بالمطالبة بتثمين جهده في مجال العمل بغية تحقيق المساواة في توفير فرص العمل والأجور وما إلى ذلك من حقوق مادية؛ فإنها في المقابل تجد أن “التسوية” في الإسلام تبدأ من المستوى الوجودي منذ الخلق من نفس واحدة، ثم تجد ترجمتها بعد ذلك في المستويات العمرانية والاجتماعية المختلفة المبنية على صيغة التكافؤ، وانطلاقا من مفهوم النفس تتأسس جملة من الأحكام الشرعية مفادها تحريم قتل النفس، وتكريم النفس سواء أكانت رجلا أم امرأة دون أي تمييز بينهما[4 ].

سيرة المرأة في التاريخ الإسلامي “السيراتوغرافيا” : يشكل البحث عن موقع المرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي -والذي أفردت له محور العدد الثاني من دورية المرأة والحضارة- ركنا ركينا من أركان مشروع منى أبو الفضل النسوي الذي ينبني على مسلمة أولية قوامها الارتباط العضوي بين المرأة والأمة، وأن دراسة تاريخ المرأة هو أحد مداخل دراسة تاريخ الأمة ككل “فنحن لا ننظر للمرأة بجنسها أو بفردها بل ننظر لدورها العمراني وللفعل الذي قامت به بصفته جزءا من سياق ونسيج وأدوار متداخلة وممتدة في التاريخ”[5 ]، وانطلاقا من هذا المنظور لا تعد منى أبو الفضل قضية المرأة أو مراجعة دورها هدفا في حد ذاته -على ما لها من أهمية- ولكنها مدخل في غاية الأهمية عند استهداف قراءة تاريخ الفعالية الحضارية للأمة.

وفي سياق بحثها عن موضع المرأة في التاريخ الإسلامي تضع منى أبو الفضل بعض الاشتراطات المنهجية اللازم توافرها عند بحث تاريخ المرأة، ومن أهمها عدم الانزلاق وراء المقولات التي تدعم دراسة التاريخ الاجتماعي في مقابل التاريخ السياسي باعتبارها أطروحة مادية تؤطر للاجتماعي في سياق بنى تحتية اقتصادية وطبقية وهي بذلك تتناقض مع منطلقاتنا المعرفية حين تختزل المجتمع وأفراده في أحد أبعاده وهو البعد المادي والاقتصادي.

وتفعيلا لهذا المنظور قامت منى أبو الفضل بتدشين مشروع “الأم أمة” الذي يبحث في سيرة المرأة المسلمة المعاصرة وهو المشروع الذي يؤسس لمنهجية جديدة في كتابة السير تحت باب ” السيراتوغرافيا”، وقد اتخذ من سيرة أم الأطباء الدكتورة زهيرة حافظ عابدين نموذجا تطبيقيا في طرح واختبار هذه المنهجية، وقد صدرت أولى كتابات المشروع تحت عنوان: “أم الأطباء المصريين: مجلد تذكاري” قبيل انتقال الدكتورة منى أبو الفضل إلى رحاب ربها بفترة قصيرة، وكانت تنوي أن تتبعه بآخر عن بنت الشاطئ.

القراءة النسوية البديلة : لقد استطاعت منى أبو الفضل من خلال بحوثها وأدبياتها أن تطرح معالم قراءة نسوية بديلة تميزت بعدة خصائص؛ فهي قراءة واعية بالمنطلقات والغايات التي يستبطنها الخطاب النسوي عن وعي منه أو دون وعي، وهي أيضا قراءة واعية بما يطلق عليه “ما قبل المنهج” والذي يتحكم في الأجندة البحثية ويحدد مسبقا المفاهيم والأطر والتساؤلات المنهجية، الأمر الذي يجعل البحث العلمي لا يبرح أطره المرسومة، ويعيد إنتاج مقولاته دون أن يتجاوزها إلى غيرها، وهذا الوعي بهذه البنية المستبطنة يسمح للقراءة البديلة أن تتحرر من أسر القراءة السائدة وتنطلق من أسئلة أخرى غير معهودة لتصل إلى نتائج جديدة تفتح آفاقا جديدة أمام البحث العلمي.

وتتسم القراءة البديلة كذلك بكونها قراءة نقدية قادرة على نقد الخطاب النسوي السائد وتفكيك مقولاته، وهذا لا يعني أن غايتها هو الهدم والتقويض وإنما غايتها الحقيقية تجاوز ذلك إلى بناء خطاب نسوي جديد يتسم بالتركيبية والشمول وعدم تقطيع الظواهر، ومن ثم قدرته على التعامل مع الظواهر الحضارية المركبة[6 ].

وختاما لهذا الاستعراض السريع لأبرز أطروحات منى أبو الفضل النسوية يمكننا القول إنها سعت لتأسيس خطاب نسوي بديل ينطلق من الأرضية الحضارية ويستند إلى مفاهيمها وقيمها، واستطاعت في هذا الصدد تقديم نَوَيَات أولية، وإطار منهجي مقبول يمكن مواصلة البناء عليهما لإنتاج خطاب نسوي إسلامي يتجاوز خانة رد الفعل، وينفك عن نظرية المؤامرة التي حكمته منذ تأسيسه.

فاطمة حافظ ( كاتبة مصرية متخصصة في شؤون المرأة ). نقلاً عن موقع إسلام أون لاين.

——————————————————————————–

[1] منى أبو الفضل” المنظور الحضاري وخبرة تدريس النظم السياسية العربية” حاضرة منشورة ضمن أعمال دورة المنهجية الإسلامية في دراسة العلوم الاجتماعية.. علم السياسة نموذجا، سيف الدين عبد الفتاح ونادية مصطفى إشراف، (القاهرة، مركز الحضارة للدراسات السياسية، 2000).
[2]منى أبو الفضل، هند مصطفى علي “خطاب النهضة في عصر النهضة: قراءة بديلة” بحث منشور ضمن أعمال ندوة مائة عام على تحرير المرأة (القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، 2000)، ص 291.
[3] انظر نص التقرير العام عن الدورة التدريبية التي عقدت بالرباط عام 1999 لمجموعة “الفهرية للدراسات الحضارية” التي ترأستها منى أبو الفضل على الرابط التالي:
http://muslimwomenstudies.com/fihriya%20report%20-3.htm
[4]منى أبو الفضل: نحو منظور حضاري لقراءة سيرة وتاريخ المرأة المسلمة (المرأة والحضارة، العدد الثاني، ربيع 2001)، ص 162-163.
[5]نفس المرجع السابق، ص 164.
[6]منى أبو الفضل، هند مصطفى علي “خطاب النهضة في عصر النهضة: قراءة بديلة” المرجع السابق، ص 292-293.

كُتب في المناهج | التعليقات على منى أبو الفضل ومعالم رؤية نسوية بديلة مغلقة

علاقة (الدين) بكل من (الأنا) و(الضمير)…

هذه مقالة قيمة للطبيب والشاعر والمفكر الدكتور ياسر العيتي فيها تحليل عميق للعلاقة بين الدين والأنا والضمير ، وهي منقولة عن موقع مركز دمشق للدراسات النظرية والحقوق المدنية.

قبل أن أتحدث عن علاقة (الدين) بكل من (الأنا) و(الضمير) أريد أن أعرض تعريفاً بسيطاً لكل من هذه المصطلحات الثلاث. (الدين) هو ما يعتقد الإنسان أنها تعليمات إلهية موجهة إلى البشر عبر الوحي. (الضمير) هو ذلك الصوت الهادئ الموجود في داخل كل واحد منا والذي يخبرنا بالصواب والخطأ والجميل والقبيح. (الأنا) هي ذلك الصوت العالي المستبد الموجود في داخل كل واحد منا والذي يثبت نفسه بنفي الآخرين وإقصائهم. بعض المشتغلين بالشأن الديني يفهمون (الدين) من خلال (الأنا) ويتصف هؤلاء بالصفات التالية:

1- يعاملون الناس كأشياء يجب إصلاحها وتهذيبها وليسوا كبشر عاقلين يملكون حرية الاختيار.

2- لا يفرحون لنجاح الآخرين ويعتبرونه تهديداً لهم. هذا النوع من المشتغلين بالشأن الديني يتضايق إذا نجح غيره فحاز عدداً أكبر من الأتباع. هؤلاء يتمنون الفشل لغيرهم ويفرحون به.

3- يتضايقون من التقييم السلبي. إن هؤلاء يثورون عندما يسمعون أيَّ نقد لهم. إنهم فارغون من الداخل ويفتقرون إلى أي قيمة حقيقية يقدمونها للناس سواء على المستوى الفكري أو على مستوى الوقوف في وجه الظالمين وجعل حياة الناس أكثر كرامة وبسبب هذا الفراغ الداخلي والشعور بانعدام القيمة الحقيقية يصبح مدح الناس لهم هو المصدر الوحيد لشعورهم بالأمن فإذا فقدوا هذا المصدر وجاءهم من ينتقدهم شعروا بالفزع الشديد ولربما عاقبوا صاحب هذا النقد وشهّروا به (بدعوى شق عصا الطاعة أو عدم احترام العلم والعلماء!).

4- يتبنون عقلية الندرة. إن الذين يتبنون عقلية الندرة ينظرون إلى الحياة على أنها قالب محدود من الحلوى فإذا أخذ غيرهم حصة أكبر من هذا القالب فقد أخذ من حصتهم لذلك كما قلنا هؤلاء لا يتمنون النجاح لغيرهم ويعتبرون نجاح الآخرين تهديداً لهم.
هؤلاء لا يتورعون عن فعل أي شيء في سبيل الحفاظ على مواقعهم بدءاً من تضليل الناس بشغلهم بكل شيء له علاقة بالدين اللهمَّ إلا بما يحرك في نفوسهم معاني العزة والكرامة ويدفعهم إلى رفض الظلم والظالمين، وانتهاء بالوشاية ببعضهم البعض أمام أجهزة الأمن ليكون الواشي أقرب منزلة وأوفر حظاً عند هذه الأجهزة! هؤلاء لا يوجد في قاموسهم كلمة (تضحية) لأن الذي يعيش وفقاً لما يمليه عليه (الضمير) هو الذي يضحي أما الذي يعيش وفقاً لما تمليه عليه (الأنا) فيضحي بكل شيء في سبيل (أناه).. يضحي بالمبادئ وبمقاصد الدين وبالآخرين شركائه في العلم والدعوة فيكذب وينافق ويضلل ويشي بالآخرين أمام أجهزة الأمن ويبرر كل ذلك بالحفاظ على (موقعه) الذي يدّعي أنه يخدم الدين من خلاله، وما هذا (الموقع) إلا غلافٌ لـِ (أناه) المريضة المنتفخة المتورمة!

بالمقابل هناك مجموعة من المشتغلين بالشأن الديني يفهمون (الدين) من خلال (الضمير) ويتصف هؤلاء بالصفات التالية:
1- هم يعاملون الآخرين كبشر يتمتعون بنعمة العقل والتفكير. هؤلاء لا ينصبون أنفسهم أوصياء على عقول البشر ولا يحاولون إقناع الناس بأفكارهم وجعلهم نسخاً مكررة منهم. بل يعرضون ما لديهم من باب التذكير {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} (الغاشية 21-22) والتبليغ {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ}(الرعد: 40) وزيادة الخيارات أمام الناس تاركين لهؤلاء الناس حرية الاختيار ومتقبلين لهم حتى لو كانوا مختلفين عنهم.

2- هم يفرحون لنجاح الآخرين ويعتبرون أي نجاح لخطيب أو داعية أو جماعة دينية – بل حتى نجاح المؤسسات غير الدينية التي تعمل لخدمة الإنسان – هو نجاح لهم وللقضية التي يعملون من أجلها وهي خدمة الدين وخدمة الإنسان الذي جاء الدين من أجله.

3- يرحبون بالتقييم السلبي ويقبلون الانتقاد لأنهم لا يستمدون شعورهم بالأمن من مديح الناس لهم وتقبيل الناس لأيديهم وإنما يستمدون هذا الشعور من داخلهم؛ من فهمهم لجوهر الدين الذي يكرم الإنسان ويحرره من العبودية لغير الله.

4- يتبنون عقلية الوفرة. إن الذين يتبنون عقلية الوفرة ينظرون إلى الحياة على أنها نبع متدفق يكفي الجميع فإذا غرف غيرهم أكثر من هذا النبع فلا يعني أنه قد أخذ من حصتهم! لذلك كما قلنا هم لا يتضايقون من نجاح الآخرين بل يفرحون به ويعتبرونه نجاحاً لهم.
إن هؤلاء لا يعتقدون أن بقاء الإسلام مرتبط ببقائهم في مواقعهم وبأن الإسلام سيختفي من على وجه الأرض وبأن الأمة ستضيع من بعدهم إذا نالهم الطاغوت أو نال جماعتهم أو مؤسساتهم بسوء أو منعهم من التدريس أو الخطابة، بل يعتقدون أن عزة الأمة مرتبطة بصدقهم وشجاعتهم ودفاعهم عن مصالح الناس وحقوقهم في وجه الظالمين المتكبرين لذلك هم يقولون كلمة الحق بحكمة وشجاعة موقنين بأنهم إذا فقدوا مواقعهم ثمناً لهذه الكلمة فإن هذه المواقع ستتحول إلى مواقع حقيقية في قلوب الناس، مواقع تكسبهم المصداقية وتدفع الناس إلى الثقة بهم، عندها سيصبحون قادة حقيقيين قادرين على قيادة الناس في دروب الحرية والكرامة بدلاً من أن يظلوا مجرد ديكورات يتباهى الناس بجلبها وعرضها في حفلاتهم وأفراحهم ومآتمهم! إن الذين يفهمون الدين من خلال الضمير لا يعتقدون أن الدين سيضيع من بعدهم وبأن الأمة عقمت فلن تلد مثلهم أبداً، بل يعتقدون أنهم إذا دفعوا حريتهم أو حياتهم ثمناً لكلمة الحق فإن الأمة ستُنبت ببركة صدقهم وشجاعتهم وتضحيتهم ألفَ عالم شجاع يلتقط منهم شعلة الحرية ويتابع طريقتهم في الذود عن حقوق الأمة وكرامتها فلا يعود في الأمة مكان لطاغية يؤله نفسه على العباد ويمشي بهم في دروب الاستبداد والفساد ويقودهم إلى الخراب والدمار.

في كل مجتمع من المجتمعات يوجد هذان النوعان من المشتغلين بالشأن الديني. نوع تضخمت (الأنا) الخاصة به وانتبجت فأصبح (الدين) في خدمة هذه (الأنا) المتورمة، هؤلاء يفهمهم الطغاة جيداً فيقربونهم ويخدعونهم بمعسول الكلام ليجعلوهم في نهاية المطاف جزءاً من منظومة (السحق) التي تسحق الإنسان وتحوله إلى عبد خانع للطواغيت باسم (الدين). وهناك نوع آخر من المشتغلين بالشأن الديني فهموا (الدين) من خلال (الضمير) فأصبحوا هم في خدمة (الدين) وأصبحوا هم و(الدين) في خدمة الإنسان الذي جاء الدين من أجل تكريمه والارتقاء به. إذا أردنا أن نعرف أياً من هذين النوعين من المشتغلين بالشأن الديني هو السائد في مجتمعٍ ما علينا أن ننظر إلى واقع الإنسان في ذلك المجتمع فإذا وجدنا الإنسان معززاً مكرماً يمارس إنسانيته وحقوقه فمعنى ذلك أن المشتغلين بالشأن الديني الذين يفهمون (الدين) من خلال (الضمير) هم أكثرية المشتغلين بالشأن الديني في هذا المجتمع، أما إذا وجدنا الإنسان ذليلاً مسحوقاً مهاناً مستباحاً مظلوماً فمعنى ذلك أن المشتغلين بالشأن الديني الذين يفهمون (الدين) من خلال (الأنا) هم الشريحة الغالبة.

الدكتور ياسر العيتي

كُتب في المناهج | التعليقات على علاقة (الدين) بكل من (الأنا) و(الضمير)… مغلقة

النباهة والاستحمار … من جديد

النباهة والاستعمار كتيب خطه الدكتور علي شريعتي رحمه الله ، يتكلم فيه عن تلك الأمم المستباحة ، وقد أرسل لنا أخ فاضل خاطرة عميقة من نفس الروح ، لا ندري من كاتبها لكنها جسر للوعي وتنبيه من الغفلة في زمن طغيان الاستحمار

دخل حمار مزرعة رجل

وبدأ يأكل من زرعه الذي تعب في حرثه وبذره وسقيه؟

كيف يُـخرج الحمار؟؟

سؤال محير ؟؟؟

أسرع الرجل إلى البيت

جاء بعدَّةِ الشغل

القضية لا تحتمل التأخير

أحضر عصا طويلة ومطرقة ومساميروقطعة كبيرة من الكرتون المقوى

كتب على الكرتون

يا حمار أخرج من مزرعتي

ثبت الكرتون بالعصا الطويلة

بالمطرقة والمسمار

ذهب إلى حيث الحمار يرعى في المزرعة

رفع اللوحة عالياً

وقف رافعًا اللوحة منذ الصباح الباكر

حتى غروب الشمس

ولكن الحمار لم يخرج

حار الرجل

‘ربما لم يفهم الحمار ما كتبتُ على اللوحة’

رجع إلى البيت ونام

في الصباح التالي

صنع عددًا كبيرًا من اللوحات

ونادي أولاده وجيرانه

واستنفر أهل القرية

‘يعنى عمل مؤتمر قمة’

صف الناس في طوابير

يحملون لوحات كثيرة

أخرج يا حمار من المزرعة

الموت للحمير

يا ويلك يا حمار من راعي الداروتحلقوا حول الحقل الذي فيه الحمار

وبدءوا يهتفون

اخرج يا حمار. اخرج أحسن لك

والحمار حمار

يأكل ولا يهتم بما يحدث حوله

غربت شمس اليوم الثاني

وقد تعب الناس من الصراخ والهتاف وبحت أصواتهم

فلما رأوا الحمار غير مبالٍ بهم رجعوا إلى بيوتهم

يفكرون في طريقة أخرى

في صباح اليوم الثالث

جلس الرجل في بيته يصنع شيئاً آخر

خطة جديدة لإخراج الحمار

فالزرع أوشك على النهاية

خرج الرجل باختراعه الجديد

نموذج مجسم لحمار

يشبه إلى حد بعيد الحمار الأصلي

ولما جاء إلى حيث الحمار يأكل في المزرعة

وأمام نظر الحمار

وحشود القرية المنادية بخروج الحمار

سكب البنزين على النموذج

وأحرقه

فكبّر الحشد

نظر الحمار إلى حيث النار

ثم رجع يأكل في المزرعة بلا مبالاة

يا له من حمار عنيد

لا يفهم

أرسلوا وفدًا ليتفاوض مع الحمار

قالوا له: صاحب المزرعة يريدك أن تخرج

وهو صاحب الحق
وعليك أن تخرج

الحمار ينظر إليهم

ثم يعود للأكل

لا يكترث بهم

بعد عدة محاولات

أرسل الرجل وسيطاً آخر

قال للحمار

صاحب المزرعة مستعد

للتنازل لك عن بعض من مساحته

الحمار يأكل ولا يرد

ثلثه

الحمار لا يرد

نصفه

الحمار لا يرد

طيب

حدد المساحة التي تريدها ولكن لا تتجاوزه

رفع الحمار رأسه

وقد شبع من الأكل

ومشى قليلاً إلى طرف الحقل

وهو ينظر إلى الجمع ويفكر

فرح الناس

لقد وافق الحمار أخيراً

أحضر صاحب المزرعة الأخشاب

وسيَّج المزرعة وقسمها نصفين

وترك للحمار النصف الذي هو واقف فيه

في صباح اليوم التالي

كانت المفاجأة لصاحب المزرعة

لقد ترك الحمار نصيبه

ودخل في نصيب صاحب المزرعة

وأخذ يأكل

رجع أخونا مرة أخرى إلى اللوحات

والمظاهرات

يبدو أنه لا فائدة

هذا الحمار لا يفهم

إنه ليس من حمير المنطقة

لقد جاء من قرية أخرى

بدأ الرجل يفكر في ترك المزرعة بكاملها للحمار

والذهاب إلى قرية أخرى لتأسيس مزرعة أخرى

وأمام دهشة جميع الحاضرين وفي مشهد من الحشد العظيم

حيث لم يبقَ أحد من القرية إلا وقد حضر

ليشارك في المحاولات اليائسة

لإخراج الحمار المحتل العنيد المتكبر المتسلط المؤذي

جاء غلام صغير

خرج من بين الصفوف

دخل إلى الحقل

تقدم إلى الحمار

وضرب الحمار بعصا صغيرة على قفاه

فإذا به يركض خارج الحقل ..

‘يا الله’ صاح الجميع ….

لقد فضحَنا هذا الصغير

وسيجعل منا أضحوكة القرى التي حولنا

فما كان منهم إلا أن قـَـتلوا الغلام وأعادوا الحمار إلى المزرعة

ثم أذاعوا أن الطفل شهيد !!

كُتب في مقالات القراء, منائر | التعليقات على النباهة والاستحمار … من جديد مغلقة

أحبك يابلادي (قصيدة للطبيب والشاعر والمفكر ياسر العيتي بعنوان : إلى بلادي.. صبيحة العيد)

تأخرت هذه القصيدة عن صبيحة العيد ولكن معانيها تبقى مرفرفة في القلب جياشة بحب الوطن القتال ، وإن بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام

 

بلادي ولو جُرتِ يوماً عليَّ ………. وطوَّقتِ بالقيد مني يديَّا
وألجمتِ بالقهر آهات صدري …… ستبقين شعراً على شفتيَّ

أحبُّ ترابك في كـل شبرٍ ………دماءُ أبيٍّ ودمعُ أبيَّـــهْ
وأهوى النسائم فوق الروابي ……… تصلّي بفجرٍ صلاة نديهْ

بلادي ولست أخاف بلادي …….. ولو كان حتفيَ بين يديهـا
أيخشى الصغيرُ من الأمِّ يوماً ……… إذا ضمَّت الصدرَ منه إليها

بلادي سأمسح دمعك حتى ………. ولو لم أنل منك إلا النصالا
أمشِّط منك الجدائل حبــاً …… ولو حول عنقي صارت حبالا

أنا ليس لي عندكَ اليومَ ذنبٌ ……… سوى قلبِ حرٍّ قليلِ الهجوعِ
أقاومُ عنك سهامَ الأعادي ……… وسهمُ الأقارب يُدمي ضلوعي

سأكتب فيك قصائد حبي ……… ولو كان جرحُ الفؤاد عميقا
يظلُّ الوفاءُ نديِّاً بقلبـي ……… ولو أنَّ جورَك أظمـا العروقا

الدكتور : ياسر العيتي

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على أحبك يابلادي (قصيدة للطبيب والشاعر والمفكر ياسر العيتي بعنوان : إلى بلادي.. صبيحة العيد) مغلقة