دراسة عالمية على 114 دولة: سورية وعدد من الدول العربية يصرفون نصف دخلهم تقريباً على الطعام

بقلم: الدكتور: نادر الشيخ الغنيمي
منشور في العدد (98) من مجلة الإقتصادي

يطلّ علينا بشكل مستمر مسؤولون اقتصاديون عرب، وهم يعتبرون أنهم حقّقوا إنجازاً في سعيهم لدخول بلادهم المجالات التجارية التي فرضتها العولمة الحديثة كمنظمة التجارة العالمية أو الشراكة الأوروبية. لقد غفل هؤلاء المسؤولون كغيرهم من الاقتصاديين المنبهرين بالعولمة الجديدة أن حسناءهم بالرغم من قامتها الممشوقة إلا أنها عوراء. هذه الاتفاقيات كلها سمحت بانتقال الأموال والسلع والخدمات دون حواجز، ولكنها غفلت عن أمر مهم وهو حرية انتقال الإنسان أو العمل الذي يشكّل القيمة الأساسية لأي سلعة أو خدمات. فالدول الغنية تصرّ على حرية انتقال السلع والخدمات والأموال، وترفع قضايا أمام منظمة التجارة العالمية على كل من ينصب حواجز أمام السلع والخدمات، ولكن هذه الدول الغنية تنصب الحواجز وتضع العوائق على انتقال العاملين إليها.

ماذا نتج عن ذلك؟ لقد نتج عنه أمر خطير أضرّ بالدول الفقيرة بشكل كبير، وهو أن العامل فيها يتقاضى أجراً متدنياً، ولكن عليه أن يشتري السلع بسعر يقارب السعر الذي يشتري به المواطن في الدول الغنية والذي يتقاضى أضعاف راتبه. لماذا لم ينتبه المسؤولون عن السياسة الاقتصادية في البلدان العربية إلى هذا الأمر؟ لأن كثيرين منهم ببساطة يعيشون بعيداً عن مستوى دخل المواطن، والأخطر من ذلك أن الكثير منهم لا يقرؤون صحفهم المحلية ويعتبرون أنفسهم فوق مستوى تلقّي الانتقادات من قبل إعلامهم المحلي، ويشكّكون دوماً في إمكانية أن يكون الإعلاميون في بلادهم على دراية في تلك الملفات.

مع سائق تاكسي

استقليت في أحد الأيام سيارة أجرة، وأثناء الدردشة مع السائق تبيّن لي أن عنده من الوعي لما يحصل في العولمة الحديثة أكثر من كثير من الخبراء, لقد طرح مشكلته بشكل واضح، فسألني: ما الفرق ما بين العمل الذي أؤديه والعمل الذي يؤديه أي سائق سيارة أجرة في دولة أوروبية، علماً أنني أعمل لأكثر من 14 ساعة يومياً، ولا أكاد أجني ما يكفيني لكفاية رمق عائلتي. قبل أن أغادر السيارة نصحته بأن يعمل سائقاً لدى مجلس الوزراء فسألني مستغرباً: وهل المعاشات هناك مجزية؟ أجبته لا، ولكن قد يسمعك أحد من الفريق الاقتصادي لعلك تكون سبباً في نزوله إلى الشارع.

ما دفعني لكتابة هذه المقالة أن مجلة الاقتصادي قرّرت إجراء استبيان تسأل فيه عمّا ينفقه المواطن على طعامه وعلى نفقاته الأخرى، فأحببت أن أرجع إلى إحصائيات عالمية فوقعت على إحصائية مهمة أجراها مركز الدراسات الاقتصادية التابع لوزارة الزراعة الأميركية Economic Researches Service ERS، وهو أجرى دراسة في عام 1996 شملت 114 دولة تبين فيه الفارق الكبير مابين النسبة التي يصرفها العرب وغيرهم من الدول على طعامهم مقارنة بمصروفهم الإجمالي. فمثلاً يصرف المصري 48.1% من مصروفه الإجمالي على طعامه، أما السوري فيصرف 47.92% من مجمل مصاريفه على الطعام، واليمني 61.13%، واللبناني 39.33%، والأردني 37.66%، والتونسي 35.94%، والتركي 32.6%، أما الدول الغنية فيصرف الأميركي الأقل في العالم 9.7%، أما ألمانيا فيصرف المواطن فيها 13.1% من مجمل مصاريفه على الطعام، والسويدي 13.3%، والسويسري 14.6%.

قبل أن ينبري بعض المنظّرين للدعوة إلى أن يقلّل العربي من كمية طعامه، أرفق خريطة عن العالم تبيّن فيها أن مجمل العرب يأكلون مثل الشعب الكندي أي 2800 سعرة حرارية في اليوم، بينما الأميركي الذي يدفع الأقل على طعامه فهو مثله مثل دول الخليج، حيث يستهلك المواطن 3300 سعرة حرارية يومياً.

رقابة فعلية

شكّل الغذاء نصف ما ينفقه المواطن العربي على غذائه، ولكن هذا كان في عام 1996 قبل أن تحدث تطوّرات اقتصادية في الكثير من الدول العربية تم فيها تحرير الأسعار دون رقابة فعلية من الجهات المختصة، ما أدّى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير تزامناً مع ارتفاع الأسعار العالمي، ولكن كما هي الحال في معظم الأسواق العربية يرفع التجار الأسعار حين ارتفاعها عالمياً ثم لا تهبط مع هبوطها عالمياً. ماذا يعني ذلك؟ يعني ذلك أن إرهاق كاهل المواطن بسعر الغذاء جعل جلّ دخله يذهب على مصاريف الغذاء، وبالتالي لا تبقى لديه سيولة كافية للإنفاق على سلع وخدمات أخرى ما يؤدي إلى حرمان الاقتصاد المحلي من النمو. وبما أن نهاية الطعام هي طرحه كفضلات، لذا فإن أكثر من نصف ما ينفقه المواطن العربي يذهب إلى المجارير، فنصف ثروات هذه الدول تنتهي في المجاري.

لقد شكّل ثمن الغذاء عبئاً حقيقياً وعائقاً أمام مسيرة التنمية في المجتمعات العربية، ونحن نجزم أنه لا تنمية حقيقية ما لم يتم التعامل مع هذه المشكلة بحزم وإيجاد الحلول الجذرية لرفع هذا العبء الثقيل عن المواطن العربي. ولنرجع إلى الإحصائيات مجدّداً فإنه حسب مركز ERS الأميركي كان ما يصرفه الشعب الأميركي في عام 1939 على طعامه 25% من مصاريفه الإجمالية، ثم وصل في الستينيات من القرن الماضي إلى20%، وفي الثمانينيات 15%، وفي التسعينيات 11.7% والآن 9.7%. بينما نجد أن الأرقام في ارتفاع في العالم العربي مع مرور الأيام .

وأخيراً في عام 2009 شكّل الإنفاق على الغذاء 6.1% من دخل المواطن الأميركي و10.9% من دخل المواطن الألماني، و21.7% من دخل المواطن المكسيكي، و28.2% من دخل المواطن الصيني، و36.7% من دخل المواطن الروسي، و39.4% من دخل المواطن الهندي، أما نسبة ما ينفقه المواطن السوري على طعامه فنترك لاستبيان الاقتصادي أن يطلعنا عليه.

كُتب في المناهج | التعليقات على دراسة عالمية على 114 دولة: سورية وعدد من الدول العربية يصرفون نصف دخلهم تقريباً على الطعام مغلقة

علاء الأسواني: الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين بلا أخلاق

تعليق من مدير الموقع: بغض النظر عن الأسباب فنحن في أزمة

أول الخطوات هو معرفة المشكلة، والمقال التالي يتحدث عنها بصراحة وصدق، بغض النظر عمن هو الكاتب، وقد حدثني العلامة الدكتور هيثم الخياط أنه حضريوماً محاضرة لإمام الدعوة المعاصر الشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وقد قرر فيها أن الأخلاق قبل العبادات [وكليهما مطلوب] فلم يعجب ذلك بعض الناس! فقال الغزالي: ليس الأمر كلامي! بل هو تقرير النبي صلى الله عليه وسلم، إذ يقول في الحديث الصحيح: آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان! وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم

التدين السطحي يزداد انتشاراً ويدعمه سدنة وحكومات مستبدة وعصابات تتقوت على عواطف المؤمنين الدراويش، ومن أبسط الأمثلة ماذكره أخ لي من دورة للإسعافات الأولية أقامها الهلال الأحمر لرفع الكفاءات في حال حصول كوارث أو زلال، واستطاع الأخ بعد جهد إقناع خمسة عشر أختاً لاتباع الدورة، ومن أول يوم لم يحضر إلا أختين فقط! ابنته وابنة أخيه، وتعللت باقي البنات بأنهن يردن حفظ القرآن!

وثلل من المشعوذين الدينيين وفيهم عدة أطباء يزعمون أن شيخهم يحيي الموتى

وداعية في بلاد الغربة تضع صورتها لتطوف حولها المربدات المسكينات

في المقال إيجابيات مهما كانت الملاحظات عليه وإذا لم ننتبه فلن تكون العاقبة أن تمشي الأمة على العكاكيز بل ستدسها الحياة في التراب

‘هل نحن فعلاً متدينون’
علاء الأسواني

على مدى سنوات، عملت طبيباً للأسنان في هيئة حكومية كبرى تضم آلاف العاملين. وفي اليوم الأول بينما كنت أعالج أحد المرضى، انفتح باب العيادة وظهر شخص، قدم نفسه باسم الدكتور حسين الصيدلي، ثم دعاني لأداء صلاة الظهر جماعة، فاعتذرت حتى أنتهي من عملي ثم أؤدي الصلاة… ودخلنا في مناقشة كادت تتحول إلى مشادة، لأنه أصر على أن أترك المريض لألحق بالصلاة، وأصررت على استئناف العمل.

اكتشفت بعد ذلك أن أفكار الدكتور حسين شائعة بين كل العاملين في الهيئة. كانت حالة التدين على أشدها بينهم والعاملات كلهن محجبات، وقبل أذان الظهر بنصف ساعة على الأقل ينقطع العاملون جميعاً تماماً عن العمل، ويشرعون فى الوضوء وفرش الحصير في الطرقات، استعداداً لأداء صلاة الجماعة. بالإضافة طبعاً إلى اشتراكهم في رحلات الحج والعمرة التي تنظمها الهيئة سنوياً.

كل هذا لم أكن لأعترض عليه، فما أجمل أن يكون الإنسان متديناً، على أنني سرعان ما اكتشفت أن كثيراً من العاملين بالرغم من التزامهم الصارم بأداء الفرائض، يرتكبون انحرافات جسيمة كثيرة بدءاً من إساءة معاملة الناس والكذب والنفاق وظلم المرؤوسين وحتى الرشوة ونهب المال العام. بل إن الدكتور حسين
الصيدلي الذي ألح في دعوتي للصلاة، تبين فيما بعد أنه يتلاعب في الفواتير ويبيع أدوية لحسابه، إن ما حدث في تلك الهيئة يحدث الآن في مصر كلها… مظاهر التدين تنتشر في كل مكان، لدرجة جعلت معهد جالوب الأمريكى، في دراسة حديثة له، يعتبر المصريين أكثر الشعوب تديناً على وجه الأرض… وفي نفس الوقت، فإن مصر تحتل مركزاً متقدماً في الفساد والرشوة والتحرش الجنسي والغش والنصب والتزوير..

لا بد هنا أن نسأل: كيف يمكن أن نكون الأكثر تديناً والأكثر انحرافاً في نفس الوقت؟؟ في عام 1664 كتب الكاتب الفرنسي الكبير موليير مسرحية اسمها تارتوف، رسم فيها شخصية رجل دين فاسد يسمى تارتوف، يسعى إلى إشباع شهواته الخسيسة وهو يتظاهر بالتقوى.. وقد ثارت الكنيسة الكاثوليكية آنذاك بشدة ضد موليير ومنعت المسرحية من العرض خمسة أعوام كاملة… وبرغم المنع، فقد تحولت تارتوف إلى واحدة من كلاسيكيات المسرح، حتى صارت كلمة تارتوف في اللغتين الإنجليزية والفرنسية، تستعمل للإشارة إلى رجل الدين المنافق. والسؤال هنا: هل تحول ملايين المصريين إلى نماذج من تارتوف؟

أعتقد أن المشكلة في مصر أعمق من ذلك.. فالمصريون متدينون فعلاً عن إيمان صادق…لكن كثيراً منهم يمارسون انحرافات بغير أن يؤلمهم ضميرهم الديني. لايجب التعميم بالطبع، ففى مصر متدينون كثيرون يراقبون ضمائرهم فى كل ما يفعلونه. القضاة العظام الذين يخوضون معركة استقلال القضاء دفاعاً عن كرامة المصريين وحريتهم، والمستشارة نهى الزيني التى فضحت تزوير الحكومة للانتخابات، والمهندس يحيى حسين الذي خاض معركة ضارية ليحمي المال العام من النهب في صفقة عمر أفندي. وغيرهم كثيرون. كل هؤلاء متدينون بالمعنى الصحيح..

ولكن بالمقابل، فإن مئات الشبان الذين يتحرشون بالسيدات في الشوارع صباح يوم العيد، قد صاموا وصلوا في رمضان…ضباط الشرطة الذين يعذبون الأبرياء… الأطباء والممرضات الذين يسيئون معاملة المرضى الفقراء في المستشفيات العامة… والموظفون الذين يزورون بأيديهم نتائج الانتخابات لصالح الحكومة، والطلبة الذين يمارسون الغش الجماعي، معظم هؤلاء متدينون وحريصون على أداء الفرائض.

إن المجتمعات تمرض كما يمرض الإنسان. ومجتمعنا يعاني الآن من انفصال العقيدة عن السلوك… انفصال التدين عن الأخلاق…وهذا المرض له أسباب متعددة :أولها النظام الاستبدادي الذي يؤدي بالضرورة إلى شيوع الكذب والغش والنفاق، وثانياً إن قراءة الدين المنتشرة الآن في مصر إجرائية أكثر منها سلوكية بمعنى أنها لا تقدم الدين باعتباره مرادفا للأخلاق وإنما تختصره في مجموعة إجراءات إذا ما أتمها الإنسان صار متدينا. سيقول البعض إن الشكل والعبادات أركان مهمة في الدين تماماً مثل الأخلاق… الحق أن الأديان جميعاً قد وجدت أساساً للدفاع عن القيم الإنسانية: الحق والعدل والحرية… وكل ما عدا ذلك أقل أهمية…المحزن أن التراث الإسلامي حافل بما يؤكد أن الأخلاق أهم عناصر الدين لكننا لا نفهم ذلك أو لا نريد أن نفهمه.

هناك قصة شهيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قابل رجلاً ناسكاً منقطعاً للعبادة ليل نهار… فسأله: من ينفق عليك.؟
قال الرجل: أخي يعمل وينفق عليّ
عندئذ قال صلى الله عليه وسلم: أخوك أعبد منك
والمعنى هنا قاطع وعظيم، فالذي يعمل وينفق على أهله أفضل عند الله من الناسك المنقطع للعبادة لكنه لا يعمل. إن الفهم القاصر للدين سبب رئيسي في تردي الأوضاع في مصر. على مدى عشرين عاماً، امتلأت شوارع مصر ومساجدها بملايين الملصقات تدعو المسلمات إلى الحجاب، لو أننا تخيلنا أن هذه الملصقات كانت تدعو، بالإضافة للحجاب، إلى رفض الظلم الواقع على المصريين من الحاكم أو الدفاع عن حقوق المعتقلين أو منع تزوير الانتخابات، لو حدث ذلك لكانت الديمقراطية تحققت في مصر ولأنتزع المصريون حقوقهم من الاستبداد.

إن الفضيلة تتحقق بطريقتين لا ثالث لهما: إما تدين حقيقي مرادف تماماً للأخلاق. وإما عن طريق الأخلاق وحدها حتى ولو لم تستند إلى الدين.

منذ أعوام مرضت والدتي رحمها الله بالسرطان، فاستدعينا لعلاجها واحداً من أهم أطباء الأورام في العالم، الدكتور جارسيا جيرالت من معهد كوري فى باريس، جاء هذا العالم الكبير إلى مصر عدة مرات لعلاج والدتي ثم رفض بشدة أن يتقاضى أي أتعاب ولما ألححت عليه قال: إن ضميرى المهني لا يسمح بأن أتقاضى أتعاباً مقابل علاج والدة طبيب زميلي.
هذا الرجل لم يكن يعتقد كثيراً فى الأديان، لكن تصرفه النبيل الشريف يضعه في أعلى درجة من التدين الحقيقي، وأتساءل: كم واحد من كبار أطبائنا المتدينين اليوم سيرد على ذهنه أصلاً أن يمتنع عن تقاضي أجره من زميل له..؟
مثال آخر، في عام 2007… بغرض تجميل وجه النظام الليبي أمام العالم… تم تنظيم جائزة أدبية عالمية سنوية، بقيمة حوالي مليون جنيه مصري، باسم جائزة القذافي لحقوق الإنسان، وتم تشكيل لجنة من مثقفين عرب كبار لاختيار كل عام كاتباً عالمياً لمنحه الجائزة، هذا العام قررت اللجنة منح الجائزة للكاتب الإسباني الكبير خوان جويتيسولو البالغ من العمر 78عاماً، ثم كانت المفاجأة: فقد أرسل جويتيسولو خطاباً إلى أعضاء اللجنة يشكرهم فيه على اختياره للفوز بالجائزة، لكنه أكد في نفس الوقت أنه لا يستطيع، أخلاقياً، أن يتسلم جائزة لحقوق الإنسان من نظام القذافي الذى استولى على الحكم في بلاده بانقلاب عسكري ونكل، اعتقالاً وتعذيباً، بالآلاف من معارضيه .رفض الكاتب جويتيسولو جائزة بحوالي مليون جنيه مصري لأنها لا تتفق مع ضميره الأخلاقي.

هل نسأل هنا: كم مثقف أو حتى عالم دين في مصر كان سيرفض الجائزة ؟ ومن هو الأقرب إلى ربنا سبحانه وتعالى؟! هذا الكاتب الشريف الذي أثق في أن الدين لم يخطر على باله وهو يتخذ موقفه الشجاع النبيل، أم عشرات المتدينين المصريين، مسلمين ومسيحيين، الذين يتعاملون مع الأنظمة الاستبدادية ويضعون أنفسهم في خدمتها متجاهلين تماماً الجرائم التي ترتكبها تلك الأنظمة في حق شعوبها.

إن التدين الحقيقي يجب أن يتطابق مع الأخلاق، وإلا… فإن الأخلاق بلا تدين أفضل بكثير من التدين بلا أخلاق

شكر خاص للأخ غياث.

كُتب في المناهج | التعليقات على علاء الأسواني: الأخلاق بلا تدين أفضل من التدين بلا أخلاق مغلقة

إسماعيل الفاروقي.. حامل همِّ الشرق في الغرب

مقال للأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي

إسماعيل الفاروقي.. حامل همِّ الشرق في الغرب

سيرة حياته

ولد الدكتور إسماعيل راجي الفاروقي في مدينة يافا الفلسطينية عام 1921، وبدأ دراسته الإسلامية بالمسجد وفي البيت على يد والده الذي كان قاضيا شرعيا. وتابع دراسته الابتدائية والثانوية في مدارس الدومينيكان الفرنسية، ثم حصل على الباكالوريوس في الفلسفة من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1941. عمل في ظل الانتداب البريطاني محافظا لمنطقة الجليل إلى حين ميلاد الدولة الصهيونية، فالتحق بالمقاومة برهة، ثم هاجر إلى أميركا حيث حصل على شهادتيْ الماجستير في فلسفة الأديان: الأولى من جامعة إنديانا عام 1949، والثانية من جامعة هارفارد عام 1951. وفي عام 1952 حصل على الدكتوراه من جامعة إنديانا، وكانت أطروحته بعنوان: “نظرية الخير: الجوانب الميتافيزيقية والإبستومولوجية للقيم”.

بعد تضلعه بالفلسفة الغربية وبتاريخ وتعاليم الديانتين اليهودية والمسيحية في دراسته بأميركا، أحس الفاروقي بالحاجة إلى تعميق معرفته بدينه الإسلامي، فرحل إلى مصر، ودرس في الأزهر أربع سنوات (1954-1958) بنى فيها ثقافة إسلامية رصينة، ثم عاد إلى الغرب وبدأ التدريس بجامعة ماكجيل الكندية، وباحثا في كلية اللاهوت بالجامعة ذاتها، حيث أسفرت أبحاثه هناك عن كتابه القيم: (الأخلاق المسيحية: تحليل تاريخي ومنهجي لأفكارها المهيمنة). انتقل الفاروقي إلى باكستان عام 1961، ليساهم في تأسيس (معهد البحوث الإسلامية) في كراتشي، ثم عاد إلى أميركا أستاذا بجامعة شيكاغو 1963-1964، وفي جامعة سيراكيوز 1964-1968. ثم استقر قراره بجامعة تمبل التي مكث فيها حوالي ثمانية عشر عاما من العام 1968 إلى عام استشهاده 1986.

السفير المغدور

من عادة الملوك الأقدمين أن لا يقتلوا السفراء الذين يحملون الرسائل بينهم، وهم يعتبرون هذا العرف السياسي من أمارات المروءة والشهامة. لكن سفير الشرق الإسلامي إلى الغرب المسيحي إسماعيل الفاروقي قتل غدرا وغيلة. جاء الفاروقي إلى الغرب حاملا معه مظلمته من الشرق، فوجد الظلم في انتظاره في غرب أحلَّ عبادة إسرائيل محل ديانته المسيحية. ففي ليلة 18 رمضان 1406 هـ، 27 مايو 1986 م، قُتل إسماعيل الفاروقي وزوجته الدكتورة لمياء الفاروقي- وهي عالمة متمرسة بالفن والعمارة الإسلامية- بسبب مواقفه الصلبة في الدفاع عن قضيته وقضية شعبه الفلسطيني، وتعريته الأديولوجية الصهوينية وجذورها العنصرية في الثقافة اليهودية، وبسبب عمله الدعوي الدؤوب لنشر الإسلام وثقافته، وتصحيح صورة الإسلام في المجتمع الأميركي. بيد أن فكر الفاروقي لم يمت، بل شكل زادا على الطريق الشائك الذي اختطه، طريق كلمة الحق في وجه الجبروت.

العالم الموسوعي

كان الفاروقي مثالا للعالم المسلم الموسوعي، فهو متضلع في الفلسفة، والأديان، والتاريخ، وفي مختلف العلوم الإنسانية الأخرى، وهو يتقن العربية والفرنسية والإنكليزية ويكتب باللغات الثلاث وكأن كلا منها لغته الأم. يحكي الدكتور جمال البرزنجي أنه استدعى الفاروقي لعشاء في بيته عام 1972، وتحدث الضيف أمام جمع من أتباع ديانات شتى لمدة ساعة. وفي ختام الحديث، رفع قسيس يده طالبا التعقيب، فقال: “لقد تعلمتُ عن المسيحية هذه الليلة وحدها أكثر مما تعلمته في دراستي لها خلال الثلاثين سنة الماضية”. خلف الفاروقي ثروة فكرية متميزة، منها خمسة وعشرون كتابا، وأكثر من مائة بحث ومقال أكاديمي. ولا تزال جل كتبه في أصلها الإنكليزي، وهي بحق مساهمة نوعية في تحرير العقل المسلم وتجديد الفكر الإسلامي. وقد ترجمت له بضعة كتب إلى العربية، منها “أطلس الحضارة الإسلامية”. كما تخرج على يديه عدد وافر من العلماء المتخصصين في الأديان، منهم الأستاذ الدكتور محمد خليفة حسن، مدير مركز القرضاوي للوسطية الإسلامية والتجديد في الدوحة. ويمكن إجمال المساهمة التجديدية التي قدمها الفاروقي في أربعة محاور: الحضارة الإسلامية، ومقارنة الأديان، وأسلمة المعرفة، والظاهرة الصهيونية.

الحضارة الإسلامية

ففي مجال الحضارة الإسلامية ألف الفاروقي وزوجته لمياء سفرا ضخما وقيما جدا، هو “أطلس الحضارة الإسلامية”، الكتاب الذي “ولد يتيم الأبوين” كما كتب مقدمُه الدكتور هشام الطالب، لأن الدكتور إسماعيل وزوجته استشهدا والكتاب لا يزال في المطبعة. فكان من نعم الله أن خرج الكتاب شاهدا لهما، وحافظا لجهدهما وجهادهما. وهو عصارة فكرهما في مرحلة النضج والتمكن. ولعل بقاء هذا الكتاب دليل على ما ذهب إليه برويز منصور إذ كتب في نعي الفاروقي: “إن حبر العالِم أقوى من سكين الغادر”. ويمتاز هذا الكتاب برحابة النظرة وامتدادها في الزمان والمكان، فالمعرفة الواسعة التي بناها الفاروقي في تاريخ الأديان، خصوصا اليهودية والمسيحية، والخبرة العميقة التي اكتسبتها لمياء في الفن والعمارة الإسلامية، جعلتهما يضعان الحضارة الإسلامية في إطار رحب لا مثيل له في الكتابات الشائعة في هذا المضمار، وقد تبنى المؤلفان منهجا مبتكرا، بيَّنا فيه “السياق” الذي ولدت فيه هذه الحضارة، و”الجوهر” التوحيدي الذي تمحورت حوله، و”الشكل” الذي عبرت به عن نفسها، و”التجليات” التي ظهرت بها (وهذه هي المحاور الأربعة للكتاب).

مقارنة الأديان

وفي مجال الدراسة المقارنة للأديان حرر الفاروقي “الأطلس التاريخي لأديان العالم” وكتب الفصل الخاص بالإسلام في ذلك الأطلس، كما قدم له بمدخل ضافٍ بين فيه جلال الرسالة الإسلامية وتفوقها على كل الأديان، واحتواءها جميع الفضائل التي جاءت بها الرسالات السماوية السابقة، واعتمادها على العقل والمنطق. كما ألف كتاب “الأخلاق المسيحية” الذي نقض فيه الأساس النظري والتاريخي لهذه الديانة من خلال مصادرها الأولى. وقد حاول عدد من القسس في جامعة ماكجيل التي كتب الفاروقي الكتاب في رحابها أن يمنعوا نشره، قائلين إنه يزلزل الإيمان المسيحي في قلوب قرائه. وللفاروقي كتب أخرى في الأديان، منها “الإسلام والديانات الأخرى” و”ثلاثية الحوار اليهودي-المسيحي-الإسلامي”، كما اشترك في تأليف كتاب “الديانات الآسيوية الكبرى”، هذا إلى جانب كتبه الخاصة بالإسلام، ومنها كتاب “التوحيد ومقتضياته في الفكر والحياة”.

أسلمة المعرفة

وفي مجال أسلمة المعرفة وضع الفاروقي الأسس النظرية لإعادة صياغة العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة صياغة إسلامية، بحيث تصبح هذه العلوم رافدا إيجابيا لثقافة المسلمين، لا سيلا جارفا يسلبهم هويتهم ودينهم وثقتهم في الذات. وقد شخص الفاروقي داء المسلمين المعاصرين في نظامهم الفكري والتعليمي السائد، وانعدام الدافع القوي والفكرة المحركة في ثقافتهم. وندد بازدواجية التعليم بين ديني تقليدي ومدني معاصر، مما أنتج ذاتا منشطرة مهزوزة، لا تحسن غير التقليد: تقليد الأجداد الذين رحلوا، أو الغربيين المختلفين دينيا وثقافيا. بينما المطلوب هو تعليم واحد تسري فيه الروح الإسلامية من خلال تدريس مادة الحضارة الإسلامية في كل الجامعات والأقسام بغض النظر عن التخصص. أما المتخصصون في الدراسات الإسلامية فلا بد أن يتضلعوا بالعلوم الإنسانية الحديثة لإثراء ذواتهم وبناء قدراتهم النظرية لتكون على مستوى الثقافة العقلية المعاصرة. وقد أسس الفاروقي مع الدكتور عبد الحميد أبو سليمان المعهد العالمي للفكر الإسلامي ليكون مركز تنظير وتخطيط للثقافة التركيبية التي يحتاجها المسلمون اليوم.

الظاهرة الصهيونية

وفي مجال التعريف بالظاهرة الصهيونية كتب الفاروقي ثلاثة كتب هي: “الإسلام ومشكلة إسرائيل”، و”أصول الصهيونية في الدين اليهودي”، و”الملل المعاصرة في الدين اليهودي”. وكان طرحه متميزا بالعمق والرحابة، وإن لم تخل نبرته من مرارة الظلم. كان الفاروقي متضلعا بتاريخ الديانة اليهودية وبتطور الحضارة الغربية، وقد وضع الصهيونية في ذلك السياق التاريخي، وتوصل إلى أن المسلمين يسيئون فهم أهم عدو لهم اليوم وهو إسرائيل، بالنظر إليها على أنها مجرد ظاهرة استعمارية غربية أو مجرد تكرار للحروب الصليبية، وهي كل ذلك وأكثر بكثير. ثم وضع ميلاد إسرائيل في سياق ثلاثة أفكار مهمة هي: عقيدة “الانتقال الوجودي للخطيئة” ontological passage of guilt في المسيحية، وتراجع وعود عصر الأنوار الأوربية عن تحقيق المساواة لليهود، ثم المركزية العرقية في الديانة اليهودية. وهكذا اقتلع اليهودي جذوره من أوربا وزرعها في فلسطين وهو محمَّل بكل هذه الأثقال. لكن الحقيقة أنه فعل ذلك متأخرا جدا، وأن عمله هذا مجرد حل مؤقت ويائس لن يكون هو الحل النهائي للمعضلة اليهودية. فتلك معضلة مسيحية غربية لا يمكن حلها على حساب أمة عظيمة تتقدم اليوم إلى مسرح التاريخ من جديد.

رحم الله الشهيد إسماعيل الفاروقي.. حامل همِّ الشرق في الغرب

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على إسماعيل الفاروقي.. حامل همِّ الشرق في الغرب مغلقة

حلقة من الاتجاه المعاكس

نظرية اللاعنف بين الواقع والمأمول

مقدم الحلقة: فيصل القاسم
ضيفا الحلقة:
– جودت سعيد/ أحد أشهر دعاة اللاعنف في العالم الإسلامي
– نادر التميمي/ داعية إسلامي
تاريخ الحلقة: 24/8/2010

فيصل القاسم: أهلا بكم مشاهدينا الكرام، لماذا مطلوب من العرب أن يصبحوا حملانا وديعة تنشد السلم وتنبذ العنف بينما تلجأ أميركا مثلا إلى استخدام القوة الوحشية بمناسبة ومن دون مناسبة؟ لماذا يوجد بين ظهرانينا مفكرون ودعاة يدينون الجهاد وينشرون أفكار الرضوخ والاستسلام في عقول مهزومين مستسلمين أصلا؟ كيف يدعون إلى النضال السلمي والأعداء يدوسون أرضنا وأعراضنا بقوتهم العسكرية والمستعمرون يجوبون أقطارنا؟ ألا نذوق مرارة ذلنا لا حربنا ونذوق عواقب جبننا لا شجاعتنا؟ يصيح كاتب عربي، كيف ندين العنف وكأن مشكلتنا من القوة وأسلحتنا النووية وليست مشكلة الهوان والخمول؟ أليس السلام الدائم شعارا يصلح لأبواب المقابر؟ لكن في المقابل ماذا استفاد العالم العربي من حروبه وعنترياته غير الخراب والدمار؟ ماذا استفادت الجزائر من التضحية بأكثر من مليون شهيد؟ يتساءل ضيفنا، أليس النضال السلمي الخالي من العنف الوسيلة الأنجع لحل كل مشاكلنا؟ أليس العنف من صفات الوحوش لا الإنسان؟ ألم يحث القرآن الكريم على نبذ العنف حتى في الدفاع عن النفس؟ أسئلة أطرحها على الهواء مباشرة على المفكر جودت سعيد أحد أشهر دعاة اللاعنف في العالم الإسلامي وعبر الأقمار الصناعية من عمان على الداعية الإسلامي الدكتور نادر التميمي، نبدأ النقاش بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]
مواجهة العدوان بين العقل والعنف

فيصل قاسم

أهلا بكم مرة أخرى مشاهدي الكرام نحن معكم على الهواء مباشرة في برنامج الاتجاه المعاكس بإمكانكم التصويت على موضوع هذه الحلقة: هل تعتقد أن نبذ العنف نظرية عبثية عقيمة؟ 64.5% نعم، 35.5% لا. شيخ لو بدأت معك بهذه النتيجة الشارع يرى أو يعني نسبة كبيرة من الشارع 64.5% أن الداعين إلى نبذ العنف والدخول في النضال السلمي وإلى ما هنالك من هذا الكلام عبث في عبث، كيف ترد عليه؟
جودت سعيد

بسم الله الرحمن الرحيم، ترى ينبغي أن نفهم الإنسان قبل أن نبحث هذا الموضوع، الإنسان هو حامل الأمانة العظمى التي لم تحملها السماوات والأرض ولا الجبال {..فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ..}[الأحزاب:72]، ما هذا الذي يوجد في الإنسان ولا يوجد في الحيوانات في الفيل والجمل والأسد وما أشبه ذلك؟ الدماغ وحتى كان الناس يظنون أن القلب أيضا لكنه ظهر أن القلب ليس هو الذي لأنهم أخرجوه من صدره ووضعوه في مكان آخر في إنسان آخر لم تتغير لا لغته ولا دينه، إذاً دماغ الإنسان هو ما يخصه أن قوة الإنسان فلهذا يقول هذا أمانة عظمى إذا ضيعها ضاع الإنسان لهذا لهم أعين يصفه القرآن. أنا منطلقاتي الفكرية تأتي من القرآن ومن التاريخ من تاريخ الإنسان، تاريخ الإنسان لم يكن معروفا من قبل لكن القرآن يقول لنا سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق، من الذي كان يستطيع أن يتصور كيف بدأ الخلق؟ ولما يتحدث أيضا عن {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}[النحل:8] من الذي كان يتصور وسائل النقل التي نراها نحن الآن؟ ما كان أحد يستطيع أن يتصور هذه الوسائل العجيبة التي حدثت وهذه الأشياء لم تنته بعد ونحن بالنسبة لمن سيأتي بعدنا مثل من كان قبلنا..

فيصل القاسم

(مقاطعا): جميل جدا، ندخل في الموضوع، ماذا تريد أن تقول؟

جودت سعيد

أريد أن أقول الإنسان بعقله وليس بعضلاته وليس بأسلحته النووية ولا بعضلات يده فلهذا الإنسان وينبغي أن نرجع إلى التاريخ، مثلا هذا اليابان البلد الصغير الذي في طرف الأرض لم تلق قنبلة نووية على أحد غير هؤلاء ولكن هؤلاء لم يصيروا مستعمرين مثل البلاد الإسلامية ولكنهم لم يقتل منهم أيضا واحد ولم يقتلوا من الأميركان واحدا وصاروا قوة عظمى ولكن هم لا يحملون الرسالة أيضا بمعنى أننا نحن المسلمين نحمل رسالة، رسالة الأنبياء والآمرين بالقسط من الناس..

فيصل القاسم

(مقاطعا): يعني اليابان تريد أن تقول تقدمت بماذا؟ بالسلم، بالخنوع بالاستسلام؟

جودت سعيد

لا، لا، ليس.. أرجوك، اليابان بالعقل حل المشكلة من غير قتل ولهذا كان يشتري الدبابات الأميركية ويحولها إلى سيارات ويبيعها للأميركان أيضا، هذا ليس هذا فقط هذا من الناحية الإيجابية ولكن من الناحية السلبية الاتحاد السوفياتي المتخم بالأسلحة النووية، يا ناس يا عالم اسمعوا وفكروا سقط من غير أن يأتي عدو، والله إن القرآن ليتحدث إلينا عن عاد وثمود وأصحاب الأخدود وفرعون ذي الأوتاد لكن ما نراه بأعيننا أكبر من عاد وثمود وأصحاب الأخدود أيضا..

فيصل القاسم

(مقاطعا): باختصار بجملة واحدة؟

جودت سعيد

بجملة واحدة أن عقل الإنسان هو المرجع هو.. ولهذا الذي يعتمد على القوة لا يعترف بالعقل وأميركا الآن لا تطمئن إلى نفسها أنها تستطيع أن تقنع العالم وإنما يخوفهم أو يطمعهم في المشاركة بالغنيمة، هذه أشياء كبيرة..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وصلت الفكرة. دكتور نادر التميمي سمعت هذا الكلام تفضل يا سيدي.

نادر التميمي

الحمد لله الذي أعزنا بالجهاد وجعله ذروة سنام الإسلام الحمد لله الذي أذلنا بالقعود عنه الحمد لله الذي فتح بلادنا في الشام وفي العراق وفي شمال أفريقيا وفي مصر حتى الأندلس بالجهاد وكان نصرة للمستضعفين، والجهاد فرض على ضربين، نصرة للمستضعفين ولحماية الأوطان ولذلك أهل الشام لما دخل عليهم جيش الإسلام دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه إلى حمص فلما انسحب من أجل اليرموك وأرجع إليهم الأموال التي أخذها من أجل حمايتهم بكى الناس قالوا هل تتركونا للروم؟ وكذلك أهل مصر خاطبوا جيش الإسلام للإتيان لإنقاذهم من الروم، حتى أهل إسبانيا طلبوا من طارق بن زياد وموسى بن نصير أن ينقذوهم من القوط الهمج، هذه الحركة التحررية التي بدأت من محمد صلى الله عليه وسلم عندما طهر الجزيرة من طواغيت الجزيرة واستمر صحابته من بعده في الفتوحات وخلصوا الشام هذه مثلا التي نحن فيها من عشرة قرون من حكم قياصرة الروم وخلصوا العراق وفارس من حكم كياسرة الفرس وخلصوا إسبانيا من القوط ثم انتشروا في العالم، هذا فرض كما قال الله. يقول الأخ إنه ينطلق من القرآن وأنا أقول له القرآن يقول {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}[البقرة:216] بل إن الله سبحانه وتعالى قد حرم الجنة على الذين لا يجاهدون إن كان الجهاد فرض عين فقال {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران:142] يعني لو حجيت لو زكيت لو صمت وأنت لم تجاهد في حالة ما يكون الجهاد فرض عين كما هو الآن لن تدخل الجنة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول “الجهاد ماض إلى يوم القيامة لا يمنعه عدل عادل ولا جور جائر” و”إذا استنفرتم فانفروا” فهذه دعوة لإنقاذ المستضعفين في الأرض هذه دعوة للتخليص على الظالمين في الأرض ولذلك أقول تحية لأبطال العراق المجاهدين الذين أبطلوا مشروع أميركا في المنطقة، بوش ماذا يقول الابن؟ قال سآتي بحملة تمتد من طنجة إلى البحرين وسأمر عبر مصر والأردن لتغيير الخارطة، يعني تقسيم المقسم وقالوها، قال رئيس الأركان الأميركي بعد العراق سوريا وبعد سوريا السعودية وبعد السعودية مصر، ولذلك الذي أبطل هذا هم المجاهدون وهم الآن يهربون تحت ضربات المجاهدين. وكذلك في الأفغان حملة عالمية هؤلاء المجاهدون جعلوهم يفكرون بالرحيل الآن وهم في حيرة من أمرهم. إذاً أيها الإخوة هذا قانون الدفع و {..وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ..}[البقرة:251] هذا قانون في جسم الإنسان أيها الإخوة هنالك على جسم الإنسان جراثيم لا حصر لها مليارات ولكن هنالك جهاز المناعة هذا الجهاز يوقف هذا الاعتداء باستمرار فإذا ضعف ماذا يحصل؟ يحصل هجوم من الجراثيم على الجسد فيقضي عليه ولذلك يسمونه نقص المناعة، نقص المناعة، وللأسف أن هنالك في الأمة فكر الإيدز فكر نقص المناعة موجود في الأمة يدعو إليه كثير من الناس، الإنجليز لما احتلوا الهند بدأت الحركات الجهادية لإنقاذهم فخرج القاديانيون ليقولوا بقيادة أحمد القادياني يقولون الجهاد فكرة عبثية، أنا المسيح المنتظر وألغي هذه الفكرة، ولذلك هذه نبتت في الهند وهنالك حركات تحول الجهاد في سبيل الله إلى دعوة، الدعوة لها مجالها والجهاد له مجاله. أسأل الأخ وأسأل كل من يفكر تفكيره..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وصلت الفكرة..

نادر التميمي

(متابعا): فالطب أيها الإخوة هنالك عمليات جراحية ولكنها ليست أول شيء، هنالك العلاج بالأدوية هنالك العلاج بالامتناع عن الأكل والشرب في بعض الحالات..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وصلت الفكرة دكتور التميمي كي نعطي المجال..

نادر التميمي

(متابعا): أما الجراحة فتكون ضرورية لأنه إذا لم تبتر الأعضاء التي أصابها هذا فسيصبح الجسم كله قد انتهى. تفضل.

فيصل القاسم

أشكرك وصلت الفكرة. دكتور يعني كيف ترد على هذا الكلام يعني باختصار حتى يصف كلامك والداعين إلى اللاعنف والنضال السلمي بأنهم يعني خطر على هذه الأمة وهم أداة في أيدي أميركا والغرب وبشكل عام يعني كيف تريد من العرب أن يستخدموا اللاعنف والسلام والكذا في وقت يداسون فيه بأعتى أنواع الأسلحة؟ يعني شو هالنظرية هذه؟

جودت سعيد

الحمد لله. الجهاد نحن نسينا معنى الجهاد، الجهاد الكبير {..وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً}[الفرقان:52] الجهاد بالقرآن بالأفكار والإنسان بإقناعه يعطيك روحه وماله ولكن بإكراهه والتغلب عليه لا يعطيك إلا النفاق..

فيصل القاسم

(مقاطعا): يعني تجاهد إسرائيل بالقرآن؟ تجاهد إسرائيل بالأفكار؟ تجاهد أميركا التي تدوس المنطقة بأعتى ما عندها بالأفكار؟ يا رجل! كيف يعني؟

جودت سعيد

إيه، إيه، أنا مسرور أيضا أن تقول هذا الشيء لكن أنا أريد أن أحلل التاريخ الإسلامي..

فيصل القاسم

بس ما عنا وقت كثير جاوبني على سؤالي.

جودت سعيد

لا، التاريخ الإسلامي الرسول وهو في مكة لم يقل لعمار خذ بثأر أبيك وأمك لما قتلوا تحت التعذيب وإنما قال “صبرا آل ياسر إن موعدكم الجنة” لم تقبلون الذل من هؤلاء، هذا المنطلق الفكري ضاع من عندنا لما.. أرجوك..

فيصل القاسم

(مقاطعا): يعني صبرا على أميركا صبرا على إسرائيل صبرا على الذين يدوسوننا وكل هذا الكلام!

جودت سعيد

إيه سأقول هذا لأننا الآن نحن بالسلاح، بالسلاح لا يعطيك الإنسان إلا الكذب والنفاق لما تتغلب عليه نحن لا نعطي إلا الكذب والنفاق لأميركا لكننا لأننا نؤمن بالسلاح نخضع له وهو يستغل جهلنا ويخوفنا بذلك وإلا أرجع إلى أصل الإسلام، أصل الإسلام ماذا؟ أصل الإسلام لما كان في مكة لا يدافع عن نفسه لكن لما صار في المدينة صار في {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا..}[الحج:39] كان ليس مسموحا أن يقاتلوا ولكن لما صار في المدينة الحكم ينبغي أن تحكموا بين الناس بالعدل لأن الحاكم لا يقعد وينظر إذا كان يتقاتلون الناس لأجل أن لا ينفذ العدل بل ينفذ العدل بين الناس لا يميز، والشيء العجيب أيضا إذا حكمتم بين الناس مو بين المؤمنين، الآن ينبغي أن يكون الحكم في العالم بين الناس بالعدل..

فيصل القاسم

(مقاطعا): ومن يفعل ذلك؟

جودت سعيد

الذي يؤمن بالعدل..

فيصل القاسم

هذه صرخات في البرية يا شيخ صرخات في البرية لا تلقى آذانا صاغية من أحد، أنتم تعيشون في أبراج عاجية في عالم آخر في عالم طوباوي لا علاقة له بالواقع ولا بالتاريخ، كيف ترد؟

جودت سعيد

المسلمون يقولون الآن عن المذاهب الإسلامية المعتزلة أو الماظهر وبعد ذلك الشيعة وبعد ذلك ظهرت السنة ولكن هناك مذهب آخر وهو مذهب الخوارج، مذهب الخوارج هؤلاء مجاهدون ليسوا كفارا وهؤلاء أتقياء يصلون الليل، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم ولكن ماذا؟ يقتلون علي بن أبي طالب تقربا إلى الله..

فيصل القاسم

(مقاطعا): ونحن الآن نفعل الشيء نفسه؟

جودت سعيد

والعالم الإسلامي لما فقد الرشد وقتل علي بن أبي طالب وجاء الأمويون أخذوا بالسيف قالوا هذا الخليفة وإن هلك فهذا ابنه وإن هلك فهذا السيف، إذاً نحن رجعنا إلى الجاهلية وإلى القتال من أجل القوة وليس من أجل هداية الناس. أرجوك في هذا إلى الآن إذا كان الناس أمة واحدة لكن أنا أقدر أن غيرنا.. لما قال {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } من الذي خلق وسائل النقل الجديدة؟ هل المسلمون هم الذين نقلوا هذا؟ هل بجهادهم بهذا خلقوا هذه الأشياء؟ هل خلقوا هذه المدافع هم؟ لو انتظر العالم هذه الأشياء ما كانوا لا يزالون يمشون على الخيل والبغال والحمير، ولكن أريد أن أقول إن ليس هذا فقط الذي ابتكره الأوروبيون، ابتكروا وسائل نقل غير الخيل والبغال والحمير ابتكروا وسائل لنقل السلطة، أرجوك اسمعني، ابتكروا وسيلة لنقل السلطة غير القتل وهو..

فيصل القاسم

الديمقراطية.

جودت سعيد

الديمقراطية وأخذوا منه البندقية والسيف وأعطوه حق الانتخاب..

فيصل القاسم

ونحن العرب والمسلمين؟

جودت سعيد

ونحن لا نزال نمسك بسيف الحكم ولا يوجد بلد عربي ولا بلد إسلامي إلا جاء إلى الحكم بالقوة والآن نحن نرى الأتراك نستثني أيضا أنهم قالوا نستشير الشعب، هذه ظاهرة جديدة، لا يوجد بلد أحد يستشير شعبه.

فيصل القاسم

جميل جدا، دكتور تميمي، “صبرا آل ياسر”.

نادر التميمي

إيه نعم، الأخ يخلط بين الأمور يخلط خلطا كبيرا، أولا مجاهدة الكفار باللسان هذا واجب في كل المواقع ولكن هنالك نوعان من الجهاد، جهاد الطلب وجهاد الدفع جهاد الطلب أن تنصر المستضعفين في الأرض لتزيل الطواغيت هذا الذي حصل في زمن الصحابة وجهاد الدفع أن يهجم عليك العدو فواجبك كما أجمع الفقهاء قالوا إذا غزا العدو أرضا إسلامية وأخذ شبرا أو أسر فردا يصبح الجهاد فرض عين على أهل تلك البلاد فإن لم يقدروا فعلى الذين من بعدهم فإن لم يقدروا فعلى الذين من بعدهم حتى يعم كل المسلمين في الأرض يصبح فرض عين على الذكر والأنثى والطفل والكبير والصغير، لم يبق أحد حتى قال العلماء تخرج المرأة من بيتها بدون إذن زوجها والولد بدون إذن أبيه كلهم يلتحقون بالمعركة فلذلك لما يخلط بين الأمرين يريد منا أن نستسلم. ثم أقول له أوروبا تقدمت بناء على تقدمنا الأصلي عندما أخذت هذا من الأندلس ولكن لماذا لا نصنع الآن لا تجعل علينا هذا نحن يحكمنا العملاء من الحكام المسلمين منعوا علينا الصناعة منعوا علينا التقدم إذاً يجب أن نجاهد هؤلاء جهادا كبيرا حتى نغير الوضع. أنا دعيت في حلقة سابقة معك يا أخي عندما قلت أيها الإخوة لا تسموهم الحكومات العربية إنما سموهم المزارع العربية الخاصة فهي مزرعة للحاكم ولذريته ولأعوانه وقلت فليبدأ العصيان، العصيان المدني أنا لا أدعو إلى القتال في الشوارع العصيان أن الناس لا تطيع الحكام حتى تغيير الواقع، وأقول الآن يا ليت لشعوب العرب والمسلمين حقوق الحيوانات لأن الذي عنده مزرعة بقر أو غنم أو طير يطعمها ويسقيها ويمنعها من العوادي ثم يمنعها من الحر والبرد، هل لنا هذه الحقوق؟ نحن مستعمرون لا زلنا في ديار العالم الإسلامي ولذلك عدم تصنيعنا ليس منا إنما من الغرب الذي وضع هؤلاء ويتعاونون معه فنحن نريد حركة تحرر جديدة أما الصناعة فاندلعت من عندنا..

فيصل القاسم

(مقاطعا): طيب كي لا نبتعد كثيرا عن الموضوع، كيف ترد شيخ؟ باختصار.

جودت سعيد

أقول شكرا له بارك الله فيه أن المشكلة ليست من أعدائنا المشكلة نحن فينا نحن في داخلنا المشكلة التي في داخلنا..

فيصل القاسم

(مقاطعا): كي لا نبتعد عن الموضوع، نحن لسنا في.. نحن في صدد موضوع نظرية اللاعنف نظرية النضال السلمي واستشراء القوة في العالم العربي وإلى ما هنالك، كيف ترد عليه؟ أنت تخلط أنت تدعو إلى الاستسلام.

جودت سعيد

أنا أدعو إلى الاستسلام لكن الحمد لله هو فرق بين حرب الأعداء وبين الحرب الداخلية التي صارت بين المسلمين، معركة صفين كانت بين من ومن؟ هل كان الروم هم الذين يقاتلون المسلمين أم المسلمون هم يقتل بعضهم بعضا؟ والقرآن سجل {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ..}[الحجرات:9]، أرجوك، لما يكون شريعة الغاب: القوي هو الحاكم أنت لا تدخل بالحرب إلى شريعة الغاب ولكن تدخل لأجل أن تقول تدعو الناس لأجل أن يخضعوا للعقل ولأجل أن يفهموا ويكون الحكم بالعدل، “إنما أهلك من كان قبلكم أنه إذا سرق شريف تركوه وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد” المجتمع الذي فيه ناس يسرقون ويقتلون ولا يؤاخذون ولا يحكم عليهم فهذا مجتمع سيهلك..
نظرية اللاعنف بين وسائل القوى العظمى وحركات المقاومة

فيصل القاسم

(مقاطعا): طيب بس شيخنا دقيقة واحدة يعني أنت ما الذي يدعوك إلى الضغط على أو إرشاد الجماهير العربية إلى الأخذ باللاعنف باللين بكل ذلك عندما ترى العالم كل الحضارات القوية التي سادت وتسود الآن قامت على العنف؟ ذكرت لي اليابان قبل قليل يعني يجب أن تدرك أن ألمانيا تمتد بعمر الحروب أكثر مما امتدت أمة أخرى في أوروبا ولم تهدأ إلا بجيوش جاثمة عليها بعد عام 1944 وهي يعني مسالمة مكرهة كاليابان، إنها استراحة المحارب. أميركا تسود بالعضل وبالقوة، أوروبا، تتحدث لي عن ديمقراطية في أوروبا؟ الأوروبيون طيب كل القتل الأوروبي الآن كل القتل الغربي بحقنا، كيف تسود أوروبا؟ كيف تسود أميركا؟ بالقوة بالنضال وأنت تدعونا.. يعني عم تتحدث عنا كما لو كنا يعني أمة عظيمة ولديها أساطيل ولديها قوة نووية ونحن مستكينون أصلا وعايفين سمانا!

جودت سعيد

حتى لما نصير قوة عظمى لا نريد لا قنبلة نووية ولا أساطيل، أرجوك فلنفهم لأن الأوربيين لما ابتكروا الديمقراطية هذا شيء جديد في تاريخ الإنسانية، منذ خلق الله الكون ما حدث تجمع بشري بكلمة السواء أنه يعني كل الناس لهم حق أن يرشحوا أنفسهم وكل الناس لهم حق أن يختاروا وأدنى سلطة أيضا يساوي أعلى سلطة أيضا، هذا شيء لا يشم رائحته الذين ينادون بالإسلام وبالأذان!..

فيصل القاسم

جميل جدا..

جودت سعيد

أرجوكم يا إخواني..

فيصل القاسم

دكتور كيف ترد؟ يعني أنتم لم تشتموا هذه الرائحة رائحة الديمقراطية رائحة الحضارة رائحة التحضر، يعني سؤال آخر، ماذا استفدنا نحن من العنتريات ومن الدعوة إلى البطش والقوة وإلى ما هنالك من هذا الكلام؟ ماذا استفادت الجزائر من التضحية بحوالي مليوني شهيد كما يقول الشيخ هنا، ماذا استفدنا نحن؟ كيف ترد؟

نادر التميمي

بل نقول ماذا استفدنا من سلامه ومن لا عنفه؟ ألم نستفد الذل والهوان واحتلال الأوطان والدوس على الكرامة؟ نحن لولا الذين يجاهدون الآن لإخراج الغرب من ديارنا ويقاومون اليهود في أرضنا لأصبحنا أضحوكة الأمم، لا يوجد شعب مهما كان إلا قاوم محتليه قاومهم وأخرجهم والأخ يريد منا أن نستسلم له، وأتعجب، هنالك من يدعو إلى هذا وهنالك من يرحب بالاستعمار ولهم عمائم على رؤوسهم مثل الذين في العراق! عجيب هذا! عجيب، حتى أرادوا أن يغيروا المناهج فبدؤوا بشتيمة خالد وعمر، الآن في العراق المنهاج يتغير اللي فتحوا تلك الديار، إذاً نحن بين استسلامه وبين من يتعاون مع العدو واللي بده يقاوم في النص هؤلاء أصبحوا من المجرمين الذين لا يريدون التقدم لا يريدون للأمة أن تسير بركب الحضارة ونحن نعلم أن بلادنا لا زالت محتلة من قبل هذه الدول الكبرى ومن يتعاون معها، فهؤلاء الذين يجاهدون يدافعون عنا يقاتلون عن مصلحتنا يريدون أن نثبت في أوطاننا يريدون أن يمنعوا أخذ ثرواتنا، ثرواتنا الآن تؤخذ للغرب أميركا تأخذها ولذلك ماذا يريد؟ الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ماذا يقول؟ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ..} يعني الملائكة تفرجت على كتب هؤلاء، في صلاة في صوم في حج في زكاة ولكن شو جواب هؤلاء؟ يعني بيستغربوا الملائكة أنتم قائمين بأعمال كثيرة {..قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ..} فتجيبهم الملائكة {..أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا..} شو مصير هؤلاء؟ {..فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً}[النساء:97]، الجنة محرمة على الأذلاء يا أخي محرمة على الذليل، من يرضى بهذا الوضع فهو ذليل لن يدخل الجنة ولذلك تحية لأبطالنا تحية لمجاهدينا..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وصلت الفكرة. شيخ هذا الكلام موجه لك يعني الجنة محرمة على الأذلاء والذين يدعون إلى الاستسلام من أمثالك طبعا.

جودت سعيد

إيه لا حرج، فليقل هذا الشيء ما يقوله لكنني أومن تماما أننا نحن حين يصير عندنا عقل لا يختلط علينا جهاد الخوارج بجهاد الرسول عليه الصلاة والسلام..

فيصل القاسم

(مقاطعا): يعني الجهاد الآن حركات المقاومة جهاد خوارج يا رجل؟!

جودت سعيد

أرجوك..

فيصل القاسم

حركات المقاومة جهاد خوارج؟!

جودت سعيد

إيه إيه أريد أن أقول..

فيصل القاسم

المقاومة جهاد خوارج؟!

جودت سعيد

أرجوك اسمعني، الخوارج هؤلاء أسامة بن لادن وأتباعه قبل أن يذهبوا إلى تورا بورا هجموا على الكعبة ولكن المسلمين لا يتحدثون عن هذا ومن قبل أيضا لما فقدوا الرشد عرفوا أنهم فقدوا شيئا كبيرا قالوا وتعيدونها هرقلية إذا ذهب هرقل جاء هرقل؟ ولكن هؤلاء الذين جاؤوا قالوا أنا الذي لي الملك أحيي وأميت، كما قالها في قوله تعالى النمرود قال {..رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ..}[البقرة:258] سلاطين المسلمين يقولون أنا أحيي وأميت، هؤلاء الذين هجموا على الكعبة شباب أتقياء يصلون الليل ويصومون النهار وبعد ذلك حتى لم يستطيعوا أن يتغلبوا عليهم، هذا مضى عليه ثلاثون سنة وحتى الناس لم يسمعوا به ولا يتحدثون عنه، هذه المخازي التي تحدث وقطع رؤوس هؤلاء الناس والذي كتب عن هذا التاريخ واحد إيطالي، كم شابا كان..

فيصل القاسم

(مقاطعا): طيب بس يعني وماذا عن يعني خلينا نأخذ بس بما أنه أنت تؤصل الموضوع إسلاميا، وماذا إذاً أنت تنسف كل حركات المقاومة حركات الجهاد من الخوارج وحماس من الخارج وحزب الله من الخوارج، هل يعقل هذا الكلام؟!

جودت سعيد

هؤلاء لو وصلوا إلى الحكم سيصيرون أسوأ من..

فيصل القاسم

من الخوارج.

جودت سعيد

يعيدون مرة أخرى، الذي يأتي بالقوة لا يمكن أن يكون حكما راشدا، أرجوك، راشد لهذا لم يسموا بعد الراشدين الأربعة حاكما راشدا لأنهم كلهم جاؤوا بالقوة وكل أسرة تزول بزوال الأسرة، الأمويون حكموا حتى أنهم يقولون العباسيين، العباسيون باسم علي بن أبي طالب ذهبوا إلى خراسان لأنهم كانوا انضموا إلى شيعة علي وهؤلاء على طريقة علم الاجتماع ضروري أن يكون هكذا..

فيصل القاسم

جميل جدا.

جودت سعيد

إيه ينبغي أن نفهم أننا نحن.. الخوارج لا يحلون المشكلة الخوارج..

فيصل القاسم

(مقاطعا): الخوارج لا يحلون المشكلة دكتور نادر..

جودت سعيد

(متابعا): هؤلاء كلنا نحن خوارج العالم الإسلامي جاؤوا بالخروج جاؤوا بالانقلاب وأعدموا الذين قبلهم وصاروا هم الحكم ولم يتغير 14 قرنا من الزمان لم يتغير وضعنا، لما نقول الآن نجاهد الكفار لما نجاهد الكفار ينبغي أن يرجع إلينا الرشد والرشد يعرفه القرآن عن اليتامى لأجل أن أقول اليتامى {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ..}[النساء:6] إذا ترون لا يبيعون سلعة غالية بثمن رخيص ولا سلعة رخيصة يشترونها بثمن غال أرجعوا إليهم أموالهم. نحن العالم العربي سفهاء أموالنا ليست لنا البترول ليس لنا لأميركا لهذا يفاوضون الصين بترول العرب لي وجاء إلى العراق لأجل أن يصير له هذا لكن ليست المشكلة أنه نطردهم أيضا ونصير..

فيصل القاسم

(مقاطعا): لكان شو المشكلة؟

جودت سعيد

أرجوك..

فيصل القاسم

شو المشكلة؟

جودت سعيد

المشكلة لا نريد أن نصير مثل الاتحاد السوفياتي، الاتحاد السوفياتي كان مليئا بالقنابل النووية وسقط وتهاوى من الداخل {..وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ..}[المدثر:31]، نحن بهذه العقلية..

فيصل القاسم

(مقاطعا): لكن أميركا لم تتهاو من الداخل، عندها أكبر..

جودت سعيد

(مقاطعا): ستتهاوى، أميركا بدأت تتهاوى.

فيصل القاسم

تتهاوى، يعني وأنت يعني كداعية إلى اللاعنف والسلم ستصعد يعني؟

جودت سعيد

إيه إيه، لكنه بقدر ما أعظم الديمقراطية أدين حق الفيتو وأنه ميراث روماني ولهذا أقول أميركا الآن هي رأس المستكبرين في الأرض ولو حذفنا اسم أميركا ووضعنا في القرآن اسم أميركا بدل فرعون لم يتغير المعنى {فَحَشَرَ فَنَادَى، فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}[النازعات:23، 24] وقال {..مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي..}[القصص:38]، {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}[الشعراء:29]، {قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ..}[الشعراء:49] يعني لا يجوز أن تفعل شيئا، أنا ربك، لا يجوز أن تؤمن بشيء من غير إذني، هكذا نحن، من غير إذننا، حتى لما قالوا عن المبادرة العربية نريد أن نسحبها غضبوا قالوا كيف تسحبونها؟ خافوا من هذا الشيء.

فيصل القاسم

طيب، دكتور نادر كيف ترد؟

نادر التميمي

الحمد لله. العجيب في أخينا أنه يخلط المواضيع بشكل كبير، أولا..

فيصل القاسم

(مقاطعا): كيف يخلط المواضيع؟ يقول لك، كيف يخلط؟ الخوارج، نعم كيف ترد على موضوع الخوارج؟

نادر التميمي

الخوارج، أنا أخلط.. أنا أوضح، أوضح..

فيصل القاسم

يقول لك هذه مقاومة الخوارج.

نادر التميمي

الخوارج، تعريف الخوارج، خرجوا على الإمام المنتخب المبايع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهل هؤلاء المجاهدون خرجوا على أميركا خرجوا على علي أو على الخلفاء الراشدين؟ خرجوا على أميركا على أوروبا على المستكبرين في الأرض على المحتلين للأرض وللعرض، هؤلاء بخروجهم أصبحوا خوارج؟! كيف؟ ما لكم كيف تحكمون؟ هل هذا ينطبق على هذا؟ أشرف الخلق الآن عندنا هم الذين يضحون بأنفسهم وأموالهم في سبيل الدفاع عنا أما خوارج علي فهؤلاء خرجوا عليه وهو مبايع، هذه تربطها بهؤلاء؟ كيف تحكم أيها الرجل؟! ثم ترجع لتقول أميركا لو وضعنا مكان فرعون وأنت تقول يجب أن نقابلها بالسلام! فرعون خسف الله به لما أعرض عن ذكر الله وعن المعجزات وجعله عبرة لمن يعتبر وأميركا يخسف بها الآن أقول لك تحت ضربات المجاهدين دخلت أميركا وكانت تريد أن تحتل المنطقة وهي الآن ضربت ماليا وأمنيا واقتصاديا، لا يعرف الناس أن الذي حصل بأميركا والعالم انهيار مالي كان نتيجة أنها أنفقت على الحرب العراقية الأفغانية خمسة تريليونات فالبنوك أصبحت في أزمة فقالت بالارتهان العقاري قالت للشعب الأميركي تعال اشتر عقارا ونحن نأخذ منك 1% فلما أقبل الشعب الأميركي رفعتها إلى 5 إلى 10 إلى 15 إلى 20% فأصبح الشعب لا يقدر على سداد هذه الفاتورة وعلى هذه الفوائد فسحبت منه أراضيه وبيوته وأصبح في الشوارع وانهارت البنوك..

فيصل القاسم

(مقاطعا): طيب بس شيخ نادر كيف ترد على..

نادر التميمي

(متابعا): ثم انهاروا عسكريا ثم انهاروا أمنيا.
جدوى الجهاد بين شهداء السيف وشهداء الكلمة

فيصل القاسم

ماشي طيب على موضوع العنف يعني كيف ترد على الذين يقولون يعني من الجميل أن يموت المرء من أجل وطنه لكن الأجمل أن يحيا من أجل وطنه وأنتم دعاة موت ودعاة عنف ودعاة هلاك كما يقول لك.

نادر التميمي

أقول للأخ إن الجهاد في سبيل الله استشهاد حياة {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ}[البقرة:154] ويقول {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:169] ويقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ..}[الأنفال:24] الجهاد حياة به حيينا به انتصرنا به توحدنا به عززنا وبغيره أنت تعلم وهو يعلم ونحن نعيش في هذا الذل، كيف المقارنة؟ الله أكبر! هذه تريد من أبطالنا أن يستسلموا حتى نستسلم مثل الإيدز، الإيدز للجسد، ربنا خلق جيشا للدفاع عن الجسد مقابل الأعداء فهؤلاء الأعداء من لهم غير الأبطال هؤلاء؟ هذا المطلوب من الحكام أن يقاوموهم..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وصلت الفكرة، بس دقيقة وصلت الفكرة. أنت تنشر يعني يشبهك بالذين ينشرون مرض الإيدز في أوطاننا بهذا الفكر.

جودت سعيد

إيه لا حرج فليقولوا هكذا، أنا أتحدى التاريخ، اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون، هؤلاء الذين يريدون أن ينصروا الدين بالخروج عليه هؤلاء لن يفلحوا في المستقبل ولم يفلحوا في الماضي أيضا. لكن أريد أن أقول..

فيصل القاسم

(مقاطعا): بس يا شيخ..

جودت سعيد

أرجوك، أنا..

فيصل القاسم

بس خليني أسألك، طيب الرجل يتكلم من القرآن ومن السنة، طيب {..وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ..}..

جودت سعيد

إيه ليش أنا..

فيصل القاسم

طيب، طيب هذا الكلام، بعدين أنت الآية التي تعتمد عليها دائما في كتاباتك نسختها آيات أخرى، آية السيف يا أخي آية التوبة نسختها تماما يعني كيف طيب؟ أنت عندك آية واحدة نسختها كلها منسوخة.

جودت سعيد

الله يكرمك، السيف هو الذي نسخ وليس العقل، أرجوك، السيف نسخ بالبندقية والبندقية نسخت بالمدفع والمدفع نسخته القنبلة النووية والقنبلة النووية غير قابلة للاستعمال، هذا الذي نجهله نحن لا نعرف أنه لهذا يبيعوننا الأصنام الأسلحة التي لا تنصر أحدا، أرجوك، سفهاء نحن..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وماذا عن الشهداء الذين قدمناهم مثلا؟

جودت سعيد

هؤلاء أريد أن أقول..

فيصل القاسم

مليون جزائري أكثر من مليون.

جودت سعيد

إيه أريد أن أقول لك، علي بن أبي طالب نفسه هو الذي قالوا له عن الخوارج قالوا أكفار هم؟ قال لا من الكفر فروا، اسمع علي جيدا، قال أهم منافقون؟ قال لا ليسوا منافقين إنهم يذكرون الله كثيرا والمنافقون لا يذكرون الله إلا قليلا، قالوا فمن إذاً هؤلاء؟ قال ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه. أرجوك افهم هذا الكلام الذي قاله، هذا شيء كبير فمن طلب الحق فأخطأه هذا أخذ الباطل وهو محاولة صنع الحكم بالقوة، صنع الحكم بالقوة الذي يأتي لا يكون راشدا وإنما يكون طاغيا وفرعونا، فرعون الذي طغى ذو الأوتاد وفرعون.. كل هؤلاء الطغاة لهذا {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ..}[البقرة:256] فمن يكفر بالطاغوت الذي يؤمن بالقوة، ويؤمن بالله الذي لا إكراه في دينه فقد استمسك بالعروة الوثقى..

فيصل القاسم

(مقاطعا): يعني الدكتور نادر يؤمن بالطاغوت؟ هل يعقل هذا الكلام يعني؟!

جودت سعيد

إيه، أرجوك..

فيصل القاسم

يعني الدكتور نادر التميمي الذي يسمعنا الآن يؤمن بالطاغوت، من المؤمنين بالطاغوت؟

جودت سعيد

أنا أقول السبب في ذلك، سيد الشهداء ليس شهيد المعركة وإنما سيد الشهداء الذي قال لطاغوت أنت طاغوت، الذي قال الحق أمام سلطان جائر هذا سيد الشهداء، نحن ألغينا هذا وقلنا إن الحكم الذي جاء بالقوة حكم ضرورة نحن نطيعه، لا، نظهر الحق لكن لا نرفع السلاح، إذا رفعنا..

فيصل القاسم

(مقاطعا): بس يا شيخ، يرفع السلاح، يا شيخ أنت تعلم يعني لو زرت فقط أنا أريدك أن تزور منطقة ويست مينستر في بريطانيا لتجد أن كل التماثيل العظيمة الكبيرة هي لجنرالات وضباط سفكوا من الدماء أو سفكوا دماء الملايين إذا صح التعبير، أطول تمثال في ساحة الطرف الأغر في لندن هو للبطل نلسون للمقاتل الإنجليزي الشهير نلسون، أعلى تمثال تمجيد القوة حتى إنهم أرادوا أن يقيموا تمثالا مقابل تمثال نلسون فلم يجدوا أحدا لأنهم يمجدون القوة، القوة صنعتهم السلام الدائم الذي تدعو إليه يا شيخ لا يصلح إلا لأبواب المقابر.

جودت سعيد

والسلام لن يأتي بالسلاح، حتى أرنولد توينبي يقول تستطيع أن تصنع بسلاحك كل شيء إلا أن تقعد عليه، ولهذا السلاح لا يصنع سلاما لكن العلم والعقل هو الذي يصنع السلام وكلمة السواء، لهذا ينبغي أن نفكر في هذا الموضوع.

فيصل القاسم

جميل جدا بس لم تجبني باختصار، أريد أن أنتقل إلى الدكتور، وماذا عن ملايين الشهداء الذين خسرناهم في حروبنا وفي كذا؟ وماذا عن التماثيل، تريد أن تلغي التماثيل الموجودة الآن في ساحاتنا العربية والإسلامية لأبطالنا فقط هيك بجرة قلم؟!

جودت سعيد

القرآن يقول أيضا كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين، النبيين قالوا جميعا على لسان واحد {..وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا..}[إبراهيم:12]..

فيصل القاسم

يعني واحد بيضربك على خدك اليمين أعطه اليسار..

جودت سعيد

إيه، إيه، قتل الأنبياء..

فيصل القاسم

هذا مش منطق إسلامي أصلا هذا منطق مسيحي..

جودت سعيد

هذا المنطق..

فيصل القاسم

هذا منطق مسيحي مش إسلامي، ولا لا؟

جودت سعيد

لا، {..ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ..}[فصلت:34] هذا المنطق الذي من ضربك على خدك فأدر له.. ما قال.. الله يعطيك العافية قل له كمان..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وصلت الفكرة، يا دكتور نادر..

جودت سعيد

(متابعا): إيه إيه لكن..

فيصل القاسم

(متابعا): دكتور نادر إذا ضربك أحد إذا ضربتك إسرائيل على خدك الأيمن عطيها الأيسر وقل لها يعطيك العافية، شو رأيك؟

نادر التميمي

ولذلك أرد عليه بقوله تعالى..

جودت سعيد

(مقاطعا): لا تخلط أنت أيضا.

نادر التميمي

(متابعا): أرد عليه بقوله تعالى {..فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ..}[البقرة:194] يعني ضربنا بالمدفعية نضربه بالمدفعية، صاروخ بصاروخ، قنبلة نووية بقنبلة نووية. وقال {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ..}[النحل:126] ولذلك هذا الرد عليه. ثانيا أقول له إن الغرب الذي تقول قد صنع وقد تطور هو الذي شن الحروب علينا من بداية أو بعد الإسلام جاءت الحملات الصليبية المتواصلة والحرب العالمية والاحتلالات الجديدة وآخرها العراق وقبلها فلسطين والآن في أفغانستان كمسلمين حرب مستمرة، ثانيا أقول أيضا بالنسبة لكلامه هو يقول عن نفسه داعية، معذرة لك يا رسول الله لقد خضت المعارك معذرة لك يا أبا بكر لقد خضت حرب المرتدين معذرة لك يا عمر لقد فتحت الشام وفارس والعراق ومصر معذرة لك يا خالد معذرة لك يا صلاح الدين معذرة لك يا قطز معذرة لكم أيها الأبطال في العراق وفي جبال الأفغان وأنتم تقاتلون الكفار لتعلنوها راية إسلامية نتيجتها أن الغرب بدأ يسلم بشكل كبير، لماذا؟ قال من هم هؤلاء؟ من 11 سبتمبر حتى الآن الإسلام متواصل، قالوا من هؤلاء؟ من الذي يدفعهم للاستشهاد؟ إذاً هم يحملون عقيدة، لما درسوا الإسلام عرفوا أن كل ما قاله المستشرقون كان دجلا وكذبا على الإسلام فبدؤوا يسلمون لذلك صارت مظاهرات في أميركا في الغرب يقولون أوقفوا أسلمة الغرب، أوقفوا أسلمة الغرب، أما ما ينطق به الأخ فهو عجيب غريب لا يمت للإسلام بصلة، نحن أمة..

فيصل القاسم

(مقاطعا): لا يمت للإسلام بصلة..

نادر التميمي

(متابعا): نحن أمة لسنا ذليلة، لا يمت للإسلام بصلة.

فيصل القاسم

بس يا دكتور نادر بس إن مبدأ العين بالعين الذي تدعو إليه أنت يعني يجعل العالم بأكمله أعمى كما قال غاندي يعني والسيد جودت هنا من المتحمسين جدا لفكر غاندي.

نادر التميمي

أنا أقول إن غاندي ليس رسول الله صلى الله عليه.. ليس رسول الله، وليس هو الصحابة، غاندي له مبدأ وعنده شعب يسير على طريقه ونحن لنا طريق، نحن حكمنا الهند وأسلم كثير من أهل الهند وعلى فكرة لو كان الإسلام والجهاد استعمارا وانتقاما كما قال لما أسلم أهل الشام 98% وأهل العراق 98% وأهل مصر 98% وأهل شمال إفريقيا كل منطقة دخلها المسلمون بجيوشهم لم يكرهوا أحدا بعد فترة أسلموا نتيجة لتطبيق الإسلام لأن لا إكراه في الدين ولكن عرفوا الإسلام أنه عادل أنه منصف أنه الذي يفكر به يعرف أن له مستقبلا بعد الموت..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وصلت الفكرة. دكتور يعني السؤال المطروح يعني أنت من خلال هذا المنطق منطق السلام منطق السلم منطق اللي ضربك حدا على خدك اليمين عطيه اليسار وإلى ما هنالك من هذا الكلام يعني أنت تصورنا نحن العرب الآن كما لو أننا يعني من أعنف شعوب العالم ولا هم لنا إلا ممارسة العنف والبطش والقتل وكذا، ونحن في واقع الأمر عبارة عن أمة ذليلة عن أمة مستكينة عن أمة بتأكل الضربة وبتنام وكل هذا الكلام يعني هذا الكلام كان بإمكانك تقوله لأميركا لبريطانيا للدول التي تصنع القنابل تبطش بالناس تستخدم القنبلة النووية كما فعلت أميركا وكل هذا الكلام، لا تقوله لأمة مستضعفة مثل الأمة العربية، أنت تعلم يا شيخ أن الحرب العالمية الثانية قتل الغربيون من بعضهم البعض أكثر من ستين مليون شخصا الغربيون المسيحيون يعني وحتى تولستوي يقول إن أكثر الذين يتبجحون بالحضارة هم أكبر سفاكي دماء عبر التاريخ وهم الغربيون هم العنف وهم الذين يسودون ونحن عايفين سمانا يعني وجاي تقول لنا ناموا زيادة يعني! ناموا ولا تستيقظوا فما فاز إلا النوّم!

جودت سعيد

شكرا يا أخي، الله يحييك. ينبغي أن نقرأ التاريخ..

فيصل القاسم

ما قرأنا التاريخ يا شيخ!

جودت سعيد

إيه التاريخ، حرب العراق وإيران كم سنة دامت؟

فيصل القاسم

ثمان سنوات.

جودت سعيد

إيه وكم مليون قتل؟

فيصل القاسم

وماذا كانت النتيجة؟

جودت سعيد

وماذا كانت النتيجة؟ ألا نعيدها مرة أخرى ويريدون أن نعيدها مرة أخرى..

فيصل القاسم

جميل.

جودت سعيد

هذا لا نستطيع أن نقول لا تفعلوا هذا بل إنه الأخ الذي كان يتحدث..

فيصل القاسم

(مقاطعا): وما الذي تقوله للمقاومين في العراق الذين يقاتلون الأميركان كما ناموا يعني؟

جودت سعيد

أرجوك.

فيصل القاسم

طيب شو تقول لهم؟

جودت سعيد

الآن صاروا يتحننون على صدام، صدام الذي قتل أصهاره والذي نجح 100% في الانتخابات، من الذي يستطيع أن يقاومه؟ هذا هو حكمنا الذي نعيش فيه هذا لا يقاوم بالقوة..

فيصل القاسم

كيف تقاوم في العراق؟

جودت سعيد

إيه إيه..

فيصل القاسم

كيف تقاوم في فلسطين في لبنان؟

جودت سعيد

تقاوم في العراق بسيد الشهداء، بسيد الشهداء تقيم لهذا..

فيصل القاسم

كيف يعني بسيد الشهداء؟ بس يعني اللي ما بيعرف يعرفها.

جودت سعيد

سيد الشهداء هو الذي يقول الحق ويقتل لأنه يقول الحق لا لأنه ذهب ليغتال، أولاء الحكام الذين ذكرهم..

فيصل القاسم

(مقاطعا): يعني أنت عندما تقول لأميركا أنت ظالمة، أنت ظالمة يا أميركا ها، أنت ظالمة..

جودت سعيد

إيه إيه نعم..

فيصل القاسم

يعني خلص بيتحرر وطنك؟

جودت سعيد

إيه إيه..

فيصل القاسم

يا رجل!

جودت سعيد

لما نفهم معنى العدل وعندنا استعداد أن نموت لأننا ندعو.. بلال في مكة، أرجوك، هذا الإنسان المستضعف الذي لا قيمة له ما هو الذي دفعه لأن يقول أحد أحد؟ هذا لا نستطيع أن نفكر فيه أو أن نفهم القوة الموجودة في بلال لما يقول أحد، هذا لما تقتله تضع ثمنه فقط وتمشي، لا يأبه له أحد، ولكن فهم على محمد عليه الصلاة والسلام ما يدعو إليه فقال ما يقوله محمد صح وأنتم غلط يا قريش اقتلوني إن شئتم، هذا سيد الشهداء، عرفتها؟ إذا قتل والذين قتلوا سادة الشهداء..

فيصل القاسم

والذين يقتلون ويحملون السلاح ليسوا شهداء؟

جودت سعيد

أرجوكم، أرجوكم..

فيصل القاسم

عفوا، والذين..

جودت سعيد

إيه إيه، المسلمان إذا التقيا بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، لا أحد يفكر في هذا.

فيصل القاسم

جميل، كيف ترد شيخ؟

نادر التميمي

الحمد لله. أولا هو لا يفرق بين العصر المكي والعصر المدني..

فيصل القاسم

باختصار.

نادر التميمي

في العصر (المدني) لم يفرض الجهاد فكان يقول بلال أحد أحد وكان الرسول.. أنقاتلهم يا رسول الله؟ يقول اصبروا. وهو مهاجر إلى المدينة نزل عليه قول الله تعالى {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ..}[الحج:39، 40] فرض الجهاد منذ تلك اللحظة على الأمة وقال الرسول صلى الله عليه وسلم “الجهاد ماض إلى يوم القيامة”. فإذاً هذا الكلام الخلط العجيب والله لو جاءت أميركا الآن بواحد يريد أن يحرك مسار المسلمين من المجاهدة إلى ما يقول الأخ، الأخ سيوضع له تمثال، لماذا؟ لأنه سيثبط..

فيصل القاسم

(مقاطعا): تمثال وين؟

نادر التميمي

(متابعا): هؤلاء سموا بالإسلام بالمثبطين..

فيصل القاسم

تمثال أين يا دكتور نادر؟

نادر التميمي

(متابعا): وإن منكم ليثبطن..

فيصل القاسم

تمثال أين؟

نادر التميمي

إيش؟

فيصل القاسم

تمثال وين يحطوا له تمثالا؟

نادر التميمي

تمثال عندهم في نيويورك أو في، يضعونه في الغرب لأن هذا يخدمهم خدمة كبيرة، خدمة كبيرة هذا يخدمهم بفكره هذا يخلط بين العصر المكي والمدني ويخلط بين جهاد الدفع وجهاد الطلب ويقول للأمة استسلمي ونقول له الرسول صلى الله عليه وسلم له ولأمثال أقول يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “من بات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو فقد مات ميتة جاهلية”.

فيصل القاسم

أشكرك جزيل الشكر وصلت الفكرة، بكلمة واحدة ماذا تقول؟

جودت سعيد

كلمة واحدة، العقل هو الذي سينتصر على السلاح والذي يؤمن بالسلاح مشرك بالعقل وهو يحبط جميع أعماله لهذا العالم الإسلامي جميع أعماله محبطة.

فيصل القاسم

أشكرك جزيل الشكر. مشاهدينا الكرام لاقتراح موضوعات وضيوف لبرنامج الاتجاه المعاكس يرجى التواصل على بريد البرنامج pp@aljazeera.net
لم يبق لنا إلا أن نشكر ضيفينا هنا في الأستوديو المفكر جودت سعيد وعبر الأقمار الصناعية من عمان الدكتور نادر التميمي. نلتقي مساء الثلاثاء المقبل فحتى ذلك الحين ها هو فيصل القاسم يحييكم وإلى اللقاء

كُتب في المناهج | التعليقات على حلقة من الاتجاه المعاكس مغلقة

رقق قلبك …………..

بين الأشواق والأشواك

أ.د. صلاح الدين سلطان

4 رجب 1431 هـ الموافق 16/6/2010م

 

الأشواق تُشدي، والأشواك تُشجي، الأشواق تُرضي، والأشواك تُردي، الأشواق إلى الله تُبكي من فرط الحب والهدي، والأشواك تُدمي من فيض الألم والنوى، الأشواق تجعل النوم غمضا، والطعام قوتا، والنطق ذكرا، والصمت فكرا، والنظر عبرا، والأشواك تُحيل النوم فَرَقا، والنطق شكوى، والصمت ضجرا، الأشواق تنير الليل تبتلا ورقا، والأشواك تظلم الليل سهرا وأرقا، الأشواق تسخي اليد عطاء وبذلا، والأشواك تجعل اليد مغلولة قبضا وبسطا، الأشواق تجعل المسافات نزهة وطربا، والأشواك تجعل السير إدبارا وهربا، الأشواق جعلت النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم للموت ويستعذب سكراته؛ لأنه مَعبر إلى الرفيق الأعلى، والأشواك سحبت الفرعون إلى السحيق الأدنى، الأشواق جعلت بلالا يشدو عند الموت: “عجلوني عجلوني غدا ألقى الأحبة محمدًا وصحبه”، والأشواك تجعل صاحبها ينعى: “أخروني أخروني.. لا تعجلوا بي إلى أبي جهل وحزبه”، الأشواق جعلت حنظلة غسيل الملائكة ينزع نفسه ليلة عرسه من زوجته وحبة قلبه ليجاهد إرضاء لربه، والأشواك عطلت ابن سلول أن يسعى نحو عزه ومجده وارتد على عقبه، الأشواق جعلت زيد بن الدثنة يفرح لمّا طعن غدرا ويقول: “فزت ورب الكعبة”، والأشواك جعلت أبا لهب يهرب من القتال في بدر خشية أن يقتل بيد فارس، فقتل في مكة بيد امرأة من قومه، الأشواق تجعل أرواح المحبين في عناق وتلاق، والأشواك تحيل حياة المتنابذين إلى شقاق وطلاق، الأشواق تحرك نحو المعالي، والأشواك تحرّق كل نفيس وغالي.

واشوقاه للقاء ربي، واشوكاه مما ألقي في طريقي ودربي، واشوقاه إلى صحبة نبيي، واشوكاه من آلام ذنبي.

الأشواق في الدنيا لا تخلو من أشواك “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ” (البلد:4)، والأشواق في الجنة بلا أشواك؛

“بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ” (آل عمران:169- 170) فطوبى لمن آثر الآجلة على العاجلة، ويا بؤس من عاش في أشواك الدنيا والآخرة “خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ” (الحج:11)، ويا نِعم من قادته أشواقه إلى المعالي، ويا بؤس من حاطته أشواكه من المعاصي.

يا قوم رددوا معي أنشودة الأشواق إلى رب العباد:

تكون معي فيزداد اشتياقي وتنساب السكينة في سكوني

فإلى معية دائمة مع الله تعلو فيها الأشواق، لا معية دائبة مع الشيطان تتقاصفنا فيها الأشواك!

واشوقاه إلى خلوة أناجي فيها ربي، وجولة مع أحبابي في دربي إلى مرضاة ربي.

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على رقق قلبك ………….. مغلقة

اللهم أجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيراً منها… وفاة العالم المعمر المربي الشيخ وصفي المسدي

اللهم هؤلاء الصالحون من عبادك يرحلون فارحمنا .. توفي فجر اليوم الأربعاء بقية السلف الصالح الشيخ وصفي المسدي، ونعزي سائر العلماء وطلاب العلم وخصوصا في بلاد الشام به ونسأل الله له الفردوس الأعلى وأن يخلفنا عنه خيرا
وفيما يلي ترجمة للفقيد رحمه الله

العلامة المعمَّر الشيخ وصفي المسدي الحمصي
المولود 1336 والمتوفى 1431

بقلم : فضيلة الشيخ المربي مجد مكي
هو العالم الفاضل العامل المربي الفقيه الشيخ وصفي بن أحمد بن يوسف بن أحمد بن عبد الجليل المسدي الحمصي:

ولادته ونشأته:

وُلِد بحمص في شوال عام 1335 من الهجرة (1917م) لأب من العلماء وأم من آل الجندي العباسيين، ونشأ عند والده الشيخ أحمد، فتعلَّم عليه القراءة والكتابة ومبادئ الحساب، وقرأ عليه القرآن، وكان والده صاحب كتَّاب في حمص، وإمام جامع القاسمي ومدرسه.

دراسته في المدرسة الإسلامية الوقفية وشيوخُه فيها:

وبعد أن تخرج في المدرسة الابتدائية انتسب إلى المدرسة الإسلامية الوقفية التابعة لمديرية الأوقاف (الثانوية الشرعية الآن)، والتي كان يديرها الشيخ زاهد الأتاسي، وطلب العلم فيها مدة ست سنوات، فدرس على: الشيخ زاهد الأتاسي أصول الفقه الحنفي، وقرأ عليه كتاب نور الإيضاح، ومتن القدوري، وكتاب الكامل للمبرد.
وتتلمذ أيضاً على الشيخ محمد الياسين بسمار، كما درس على ابنه الشيخ أبو السعود، وعلى الشيخ أنيس الكلاليب، والشيخ محمد علي عيون السود، والشيخ أحمد صافي، فقرأ عليه تفسير البيضاوي، ودرس الخط على الشيخ سليم صافي، كما أنه تتلمذ على العلامة الفقيه الشيخ عبدالقادر الخجا، وعلى الشيخ توفيق الأتاسي فقرأ عليه حاشية ابن عابدين، وعلى الشيخ نجم الدين الأتاسي فقرأ عليه كتاب (ملتقى الأبحر)، وعلى الشيخ تقي الدين الأتاسي، والشيخ أبي السعود الأتاسي، والشيخ إبراهيم الأتاسي.

ملازمته مفتي حمص الشيخ طاهر الأتاسي:

وبعد أن تخرج في المدرسة الشرعية 1936، تزوَّج في نفس العام،ولازم الشيخ طاهر الأتاسي، مفتي حمص وعالمها الأكبر، فقرأ عليه كتاب (جمع الجوامع) وكتاب (التوضيح والتلويح)، وكتاب (الحكم العطائية)، وصار مبيِّضاً لفتاويه، وظلَّ معه حتى وفاته.

شيوخه بالإجازة:

أما المشايخ والمحدثون الذين أجازوه فهم :
1 ــ العلامة المحدث المؤرخ الشيخ محمد العربي التبَّاني بن الحسين الحسني الإدريسي المكي، وقد أجازه سنة 1381 هـ في مكة المكرمة.
2 ــ العلامة المحدث الشيخ محمد يوسف البنوري رحمه الله تعالى .
3 ــ العلامة الفقيه المعمَّر الشيخ عبد المحسن الأسطواني رحمه الله تعالى.
4 ــ العلامة الشيخ نعيم النعيمي الجزائري رحمه الله تعالى.

إمامته وتدريسه وخطابته في مسجد القاسمي بحمص:

لما تُوفِّي والده عام 1935م تولى عنه الإمامة والتدريس في مسجد القاسمي بحمص، وكان قد تدرَّب على الإمامة والدرس في حياة والده، فكان يقرأ معه على الطلاب تفسير الخازن. ثم تولَّى الخطابة بعد ذلك في ذلك المسجد حتى ثُبِّت فيه دون مقابل احتساباً، ذلك أن القانون كان يقتضي ألا يتولى الشيخ أكثر من وظيفتين في آن واحد، وظل الشيخ المسدي خطيباً في المسجد حتى هجرته من حمص عام 1980.

دروسه:
كان له درس بعد المغرب في مسجد القاسمي يحضره طلبة العلم من الشباب، وله درس بعد العصر لعامة الناس،وله درس في بيته يوم الاثنين، ودرس أسبوعي يوم الجمعة بعد العصر في الجامع الكبير، ودرس كل يوم بعد صلاة الظهر في جامع الدالاتي .
ومما قرأه على الطلاب: تفسير الخازن، وتفسير الجلالين، وكتاب مراقي الفلاح، وحاشية الطحطاوي، وكتاب شرعة الإسلام في الفقه، وكتاب الأنوار المحمدية مختصر المواهب اللدنية للشيخ يوسف النبهاني.

تدريسه في المعهد الشرعي وإدارته له:
كما عُهِد إلى الشيخ وصفي التدريس في المعهد الشرعي بعد تأسيسه بحمص عام 1946م، وتولى إدارته عام 1947م بضع سنين، وانقطع عن التدريس فيه سنوات قليلة ثم عاد إلى التدريس فيه حتى عام 1982م.
وبالإضافة إلى ذلك أُعطي الشيخ وصفي منصب مدرس محافظة في حمص عام 1952م على عهد المفتي توفيق الأتاسي، وكالة عن الشيخ شاكر المصري الذي تُوفِّي ذلك العام، ثم تأصَّل في الوظيفة عام 1957، وبقي فيها حتى عام 1980م.

صفاته الخَلقية والخُلقية:
كان الشيخ ـ رحمه الله تعالى ـ جميلاً وسيماً أبيضاً مشرباً بحمرة، وكان ربعة بين الرجال ليس بالطويل ولا بالقصير، وكان يتميز بلباسه ومظهره ليكون شامة بين الناس، فلا يظهر بمظهر الزاهدين ولا المتواضعين، وهو من الزاهدين المتواضعين، ولا يعرف ذلك إلا من يخالطه ويجالسه . وكان واعظاً مؤثراً، ومدرساً ناجحاً، ومتحدثاً مؤثراً، ذا شخصية جذابة، ووجه منير، وروح فكهة، وكان مجلسه ـ رحمه الله تعالى ـ يجمع بين ألوان الفوائد علماً ووعظاً وإنشاءاً وقصصاً طريفة وحكايات ذات عبرة .

عنايته بالمساجد وإحياؤه لرسالة المسجد:
وللشيخ وصفي المسدي آثار تربوية واجتماعية في حمص وله أياد بيض في ترميم مسجد سيدنا خالد بن الوليد بحمص، وتجديد المعهد التابع له، كما أنه عمل على تجديد بناء مسجد المعدَّس عام 1977، والذي كان ينوي البعض ضمه إليه، فعمل الشيخ وصفي على هدم الجامع القديم، وبناء مسجد جديد بدلاً منه، وقد سُمِّي الجامع بعد تجديده بمسجد محمد بن مَسْلَمة، وفي عام 1978م كان للشيخ الجليل دور أساسي في تجديد بناء مسجد القاسمي كذلك.
وكان لدروسه وتوجيهه أثر كبير في شباب الدعوة الإسلامية بحمص، وكان لهم بمثابة الأب الحنون.

هجرته إلى الحجاز:
وفي عام 1980 هاجر الشيخ وصفي المسدي إلى جدة، فدرَّس القرآن في جامعة الملك عبد العزيز مدَّة ست سنوات، وألقى دروساً في السيرة النبوية كذلك على طلاب الجامعة. وتولَّى الخطابة وكالة في جامع (أبو داود) في مدينة جدة .
وكان له في جدة درس أسبوعي في الفقه والتفسير والحديث للحمصيين، ودرس آخر للدمشقيين من طلبة العلم والأطباء، وله درس عام في رمضان بعد العصر في مسجد أبي داود . وكان بيته مَقْصداً لطلاب العلم ومرجعاً للفتوى، وكانت تربطه صلات علمية مع كثير من علماء الحرمين الشريفين والمقيمين فيهما.

وفاته:
عاد الشيخ إلى حمص بعد غياب طويل عنها، ولقي كلَّ حفاوة وترحيب من علمائها وأهلها، وأقبل علماء سورية من مختلف المحافظات يُسلِّمون عليه ويستفيدون منه . واستمر يتردد بين جدة وحمص، وبقي الشيخ ممتَّعاً بذاكرته وجوارحه يستحضر بكل دقة تفاصيل الحياة العلمية والاجتماعية والسياسية في حمص وبلاد الشام إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى .
توفي في مدينة حمص فجر يوم الأربعاء 15 رمضان المبارك 1431 الموافق 25/آب/2010 .
وقد أصدر الباحث الأخ المسند المؤرخ الأديب الشيخ محمد أبو بكر باذيب البشامي الحضرمي ثبتاً للشيخ سماه”العرف الوردي” .
كما قام الأخ الكريم الداعية الشاعر الأستاذ خالد البيطار بترجمته في سلسلة علماء حمص

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على اللهم أجرنا في مصيبتنا وعوضنا خيراً منها… وفاة العالم المعمر المربي الشيخ وصفي المسدي مغلقة

إنا لله وإنا إليه راجعون.. وفاة العالم المؤرخ الدكتور شوقي أبو خليل

رحل إلى ديار الحق العالم المؤرخ الدكتور شوقي أبو خليل، يوم الثلاثاء 14 رمضان المبارك 1431هـ/ الموافق 24 آب 2010م، وصلي عليه يوم الأربعاء في جامع طارق بن زياد ودفن في مقبرة بئر التوتة في المهاجرين.، والعزاء به في جامع أبي أيوب الأنصاري- طريق الزاهرة.

ولد الكاتب الراحل في مدينة بيسان (فلسطين) عام 1941.

تخرج من جامعة دمشق، كلية الآداب- قسم التاريخ سنة 1965، دكتوراه في التاريخ من أكاديمية العلوم في أذربيجان، عمل مدرساً لمادة التاريخ في ثانويات الحسكة ودمشق، ومديراً ورئيساً لقسم الامتحانات في مديرية تربية مدينة دمشق، وموجهاً اختصاصياً لمادة التاريخ. ثم نقل إلى الإدارة المركزية عضواً للمناهج والبحوث في وزارة التربية. إضافة إلى أنه أستاذ الحضارة العربية الإسلامية في كلية الدعوة الإسلامية من 1985 وحتى 1988 وفي جامعة دمشق، كلية الشريعة في (التاريخ الإسلامي) 1989 و 1990.

عضو جمعية البحوث والدراسات.

مؤلفاته:

1- القادسية- دمشق- بيروت: دار الفكر 1970.

2- الإسلام في قفص الاتهام (ترجم إلى الفارسية والانكليزية)- دمشق- بيروت: دار الفكر 1970.

3- اليرموك -دمشق- بيروت: دار الفكر 1971.

4- نهاوند -دمشق- بيروت: دار الفكر 1971.

5- الإنسان بين العلم والدين -دمشق- بيروت: دار الفكر 1971.

6- ذات الصواري -دمشق- بيروت: دار الفكر 1971.

7- آراء يهدمها الإسلام -دمشق- بيروت: دار الفكر 1974.

8- غريزة أَمْ تقدير إلهي -دمشق- بيروت: دار الفكر 1975.

9- مَنْ ضيَّع القرآن؟ -دمشق- بيروت: دار الفكر 1975.

10- فتح الأندلس -دمشق- بيروت: دار الفكر 1976.

11- الإسلام وحركات التحرر العربية -دمشق- بيروت: دار الفكر 1977.

12- هارون الرَّشيد -دمشق- بيروت: دار الفكر 1977.

13- بلاط الشهداء -دمشق- بيروت: دار الفكر 1979.

14- الزَّلاَّقة -دمشق- بيروت: دار الفكر 1979.

15- الأَرَك – دمشق- بيروت: دار الفكر 1979.

16- العِقَاب -دمشق- بيروت: دار الفكر 1979.

17- فتح صِقِلَّيَّة -دمشق- بيروت: دار الفكر 1979.

18- عوامل النَّصر والهزيمة -دمشق- بيروت: دار الفكر 1979.

19- مصرع غَرْناطة -دمشق- بيروت: دار الفكر 1980.

20- الهجرة حديث غيَّر مجرى التاريخ -دمشق- بيروت: دار الفكر 1980.

21- بدر الكبرى -دمشق- بيروت: دار الفكر 1982.

23- غزوة أُحُد -دمشق- بيروت: دار الفكر 1982.

24- غزوة الخندق -دمشق- بيروت: دار الفكر 1982.

25- غزوة تبوك -دمشق- بيروت: دار الفكر 1982.

26- صلح الحديبية -دمشق- بيروت: دار الفكر 1983.

27- غزوة خيبر- -دمشق- بيروت: دار الفكر 1983.

28- غزوة مؤتة -دمشق- بيروت: دار الفكر 1983.

29- فتح مكة -دمشق- بيروت: دار الفكر 1983.

30- حُسَيْن والطَّائف-دمشق- بيروت: دار الفكر 1983.

31- حروب الرَّدَّة -دمشق- بيروت: دار الفكر 1984.

32- أطلس التاريخ العربي الإسلامي -دمشق- بيروت: دار الفكر 1994.

33- فيليب حتَّي في الميزان -دمشق- بيروت: دار الفكر 1985.

34- تحرير المرأة ممن؟ وفيم حريتها. دار الفكر دمشق..

35- كارل بروكلمان في الميزان -دمشق- بيروت: دار الفكر 1987.

36- عَمُّورية -دمشق- بيروت: دار الفكر 1988.

37- وادي المخازن -دمشق- بيروت: دار الفكر 1988.

38- أُحب أن أَكون (1) -دمشق- بيروت: دار الفكر 1989.

39- آراء يهدمها الاسلام دار الفكر – دمشق

40- الإسلام في قفص الاتهام دار الفكر – دمشق

41- الانسان بين العلم والدين دار الفكر – دمشق

42- غريزة أم تقدير إلهي دار الفكر – دمشق

43- من ضيع القرآن دار الفكر – دمشق

44- قراء

45- أحب أن أعرف تاريخ أمتي. دار الفكر – دمشق

46- أحب أن أكون. دار الفكر – دمشق

47- الاسلام نهر يبحث عن مجرى دار الفكر – دمشق

48- الاسلام والتفاهم والتعايش بين الشعوب دار الفكر – دمشق

49- الحضارة العربية الإسلامية دار الفكر – دمشق.

اللهم أكرم وفادته عندك وعامله معاملة من أحببت من عبادك وارحمه رحمة تليق بك يا أرحم الراحمين.

واخلف أهله وولده وبلده خيرا وإنا لله وإنا إليه راجعون

في ضيافة الرحمن يا أبا معتز ..

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على إنا لله وإنا إليه راجعون.. وفاة العالم المؤرخ الدكتور شوقي أبو خليل مغلقة

رسالة من روسيا – فهمي هويدي

صحيفة الشرق القطريه الخميس 9 رمضان 1431 – 19 أغسطس 2010

http://fahmyhoweidy.blogspot.com/2010/08/blog-post_19.html

من مفارقات الأقدار وسخرياتها أنه في حين كانت الصحف المصرية تنشر مقالات الهجوم على حضور الدين في مناهج التعليم، فإن روسيا قررت إدخال دروس الثقافة الدينية إلى المدارس المتوسطة، وكذلك السماح لرجال الدين بالعمل بين أفراد القوات المسلحة الروسية.

 

ليست بعيدة عن الأذهان تلك الحملة الشرسة التي نددت في مصر بما سموه «تديين التعليم». وتواصلت حلقاتها في مقالات عدة استهدفت شيئا واحدا هو إقصاء الدين عن مناهج الدراسة، و«تطهير» الكتب المدرسية من الإشارة إلى مرجعية أو حتى مصطلح له علاقة بالدين.

حتى عبارة «السلام عليكم» استنكرها أحدهم في كتب المطالعة، وطلب حذفها بدعوى أنها محملة بإيحاءات موصولة بالانتماء الديني ………………………….

وهي رسالة بالغة الخطورة، ليس فقط لاستحالتها من الناحية العملية ولإضرارها الجسيم ….، ولكن أيضًا لأنها تضرب أساس التعايش وتحول الحساسيات العارضة إلى عاهات دائمة، الأمر الذي يهدد الاستقرار في البلد ويخل بأمنه القومي.

الخبر الروسي ليس جديدًا تمامًا، لأن قرار الرئيس ميدفيديف الخاص بإدخال دروس الثقافة الدينية إلى المدارس صدر في 12 يوليو من العام الماضي، لكن أحدًا لم يسمع به آنذاك.

وقد وقعت عليه في عدد أخير تلقيته من صحيفة «الإسلام في روسيا»، حيث تصدر الخبر الصفحة الأولى مع بعض التعليقات والإيضاحات، التي وصفت القرار بأنه «خطوة ثورية»، هي الأولى من نوعها في التاريخ الروسي، سواء في عهد روسيا القيصرية أو المرحلة السوفييتية.

وكما هو معلوم فإن تلك المرحلة الأخيرة أعلنت الحرب على الأديان جميعها، وقررت «الإلحاد» مادة تدرس في جميع مراحل التعليم، الأمر الذي أحدث فراغًا روحيًا هائلاً في روسيا الاتحادية كانت له سلبياته العديدة التي ظهرت جلية خلال العقدين الأخيرين.

ذكرت الصحيفة التي يصدرها المجلس الإسلامي الروسي أنه حين غاب الدين تعرض المجتمع الروسي لأعراض التفكك والانحراف إضافة إلى الخلل الذي أصاب منظومة القيم السائدة فيه. فشاع التحلل الاجتماعي ، وانتشر بشكل مخيف الإدمان على الخمور والمشروبات الكحولية، وتراجع النمو السكاني على نحو مؤرق، وشاعت الأنانية التي اقتربت بالسلوك الاستهلاكي المنفلت والجشع، كما برزت مظاهر التطرف القومي، التي هددت فكرة التعايش المشترك بين بلد اتسم بتعدد أقوامه.

(في روسيا الاتحادية 182 عرقًا، منهم 57 عرقًا مسلمًا).

وهي الملابسات التي استدعت اتخاذ مجموعة من الإجراءات من جانب السلطة، كان من بينها تشجيع الانبعاث الديني. في هذا الصدد استشهدت الصحيفة بقول أحد أبطال رواية ديستوفيسكى، أديب روسيا الشهير، إنه إن لم يكن هناك إله، فكل شيء يصبح جائزًا.

قرار الرئيس الروسي لم يكن منفصلاً عن أجواء التهدئة والتفاهم التي سادت العلاقات بين الحكومة ومسلمي الاتحاد الروسي (نحو 40 مليونًا).

وهي الأجواء التي فتحت الأبواب لترميم المساجد والتوسع في إنشائها. إضافة إلى السماح بفتح المدارس والجامعات (96 مؤسسة تعليمية دينية و7 جامعات إسلامية).

والاتجاه إلى إنشاء قناة تلفزيونية إسلامية، وقبول روسيا كعضو مراقب في منظمة المؤتمر الإسلامي. وفي سياق هذه العلاقة الإيجابية قام الرئيس ميدفيديف بزيارة جامع موسكو الشهير، لأول مرة في تاريخ مسلمي روسيا.

لقد انتقلت روسيا خلال ربع القرن الأخير مرحلة العداء للدين تحت الحكم الشيوعي إلى طور فصل الدين عن الدولة في ظل «البريسترويكا»، ثم تقدمت خطوة إلى الأمام بحيث أصبحت الصيغة الراهنة كالتالي:

الدين منفصل عن الدولة وليس عن المجتمع.

إن الفرق بين دعاة مناهضة التدين في بلادنا وبين أولئك الذين يستدعونه في روسيا، هو ذاته الفرق بين أناس تحركهم مراراتهم وحساباتهم الخاصة، وآخرين يحركهم الصالح العام، أو قل إنه بين أناس يدافعون عن عُقدهم وأهوائهم وآخرين يدافعون عن أوطانهم.

بتصرف يسير مع الشكر للأخ الفاضل مرسل المقال.

كُتب في المناهج | التعليقات على رسالة من روسيا – فهمي هويدي مغلقة

التطرف .. [علة العلل] للأستاذ أبي الطيب الحلبي

وأصل التطرف اختيار الطرف في الفهم أو السلوك أو الموقف. (هذه الكلمة لا تعني إلا هذا). و(السلوك لا يستقيم إلا على هذه الطريقة). أو أن (الموقف لا يصح إلا عند هذه النقطة). وأول ملامح التطرف: تضييق الواسع، وتوحيد المتعدد، وإلغاء الخيارات.

قال الأعرابي: اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً. أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حجرت واسعاً يا أخا العرب. معذور ذاك الأعرابي، وهو الذي كان قد بال في المسجد، قبل هنيهة من قوله ذاك. كان حينها حديث عهد بالإسلام. ولكن كلمته على ما يبدو ظلت عالقة في أذهان بعض الناس

مازال في أمة الإسلام من يرى أن العلم ما حفظ هو وأن الفهم ما فهم هو. وأن الحكم الشرعي، على سعة الشريعة، ما استنبط هو، وأن السلوك القويم هو الطريقة التي اختار. وأن الموقف في الثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع هو ما هداه إليه نص منزوع من سياقه. أو ما ساقه إليه اجتهاد، لم يقم على أصوله، أو ينازعه في أصله أو فرعه آخرون.

بدايات صغيرة..

ومنشأ التطرف حالة عقلية ونفسية مسيطرة على أصحابها . كان المقدر لها أن تكون حالة (متنحية) حضاريا وشرعيا؛ لأنها تتنافى مع التطور العقلي كما تتنافى مع المقرر الشرعي..

ما أكثر ما جاهد مقرِرُ الشريعة الأول الضيقَ وحض على الرفق والسماحة واليسر؟! خاطبهم في التنزيل: (لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ..) إرشاد أولي لتبقى دائرة العفو واسعة طليقة. وما خيّر صاحب الشريعة بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما. وما سئل في مناسك الحج عن أمر في تقديم أو تأخير إلا قال: افعل ولا حرج. وما اختلف عليه أصحابه في أمر ظنوه ضّيقاً إلا فرّجه بالتوسعة، اختلفوا يوم الخندق في صلاة العصر في بني قريظة فصوب الفريقين.. وجرى رجل ليدرك الركعة في الصلاة، قال له: زادك الله حرصاً، ولا تعد..اختلفوا عليه في قراءة القرآن فقال: أُنزل على سبعة أحرف كلها كاف وشاف..وقال: كتب عليكم الحج فحجوا. قال رجل: أفي كل عام يا رسول الله. فأجابه مستنكراً عليه السؤال: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم..وقال: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم.. وقال: وسكت عن أشياء رحمة بكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها..

ومع كل هذه المعطيات الشرعية المتواترة بالحض على التوسعة والسماحة واليسر، ومع كل القواعد التي استنبطها الفقهاء التي تؤكد الموقف نفسه مثل: الأمور بمقاصدها. والأمور بخواتمها. وأن الأمر إذا ضاق اتسع. وأن المشقة تجلب التيسير. وأنه لا ضرر ولا ضرار؛ سار بعض أبناء الأمة في طريق الحتميات الشرعية المغلقة والصلدة.

بدؤوا بالسؤال عن اسم الذئب الذي (أكل يوسف) فلما تنبهوا أن الذئب لم يأكله بحثوا عن اسم الذئب الذي (لم يأكل يوسف)!! وسألوا: عن اسم زوجة إبليس؟! أجابهم الشعبي أحد أساطين العلم في هذه الأمة. وهو أحد الملقبين بأمير المؤمنين في الحديث، أجابهم متهكما: ذاك عرس لم أشهده!! وجلسوا إلى ابن عباس يسألونه (عن دم البراغيث). فقال لهم: (يا أهل العراق قتلتم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم البراغيث..؟؟) ثم نادى على أبي الخطاب عمر بن أبي ربيعة يستنشده فأنشده غزليته

أمن آل نعم أنت رائح فمبكر غداة غد أو رائح فمهجـر

تحن إلى نعم فلا الشمل جامع ولا نأيها يسلي ولا أنت تصبر

فاستتمها في قرابة تسعين بيتا وأعاد روايتها في مجلسه. فعل كل ذلك تعليماً وتبكيتاً لأهل الحجر والضيق وعلى رأسهم كان نافع بن الأزرق..

وتتقدم المسيرة من عصر إلى عصر، وكلما قعدت الهمم وتسفلت المطالب انشغل الناس بالصغائر عن جلائل الأعمال، حتى تقرأ في مفاضلاتهم بين من يؤم الناس في صلاتهم إلى أمور يستحيي منها العالم، ويأنف من سماعها العاقل. ثم غار بعضهم تضييقاً على أمة رسول الله وأنجد حتى كاد يقول قائلهم: أشهد أن لا مسلم إلا أنا!!

قيل لأحدهم وكان كثيراً ما يستشفع ويستشهد بأقوال شيخ الإسلام ابن تيمية، قيل له: فإن ابن تيمية يقول كذا وكذا، مما يخالف ما يقرره هذا الزميت، وفتحت كتب ابن تيمية: فصرخ على غير هدى منه: يُستتاب ابن تيمية.

مسكين ابن تيمية، رحمه الله تعالى، بل هم المساكين، بعض القوم طلبوه حياً أو ميتاً. وبعضهم أرادوا أن يستتيبوه في قبره؛ فكأنه لا يكفيه ما لقيه من علماء عصره وأمراء زمانه!!

أول التطرف موقف عقلي ونفسي يختصر الوجود في موضع القدمين. ثم ينبذ بسيف الرَّفض والإقصاء أو الاستئصال أو ربما التكفير والتفسيق والتبديع ما خرج عن تلك الدائرة.

قادنا التطرف والضيق إلى حالة اختصر فيها إسلام المرأة: في نقاب أو خمار، (ونعما هما)، وصلاح الرجل في سواك ولحية وقصر ثوب.. ومن هذه الدائرة التي تختصر الإسلام في شعيرة مهما تكن أهميتها حطت رحال التطرف المعاصر بين ظهرانينا حتى حين.. وأسقط البعض بغرور ظاهري فقه المقاصد. و قاعدة أن الأعمال بمقاصدها وبخواتمها. كما أسقطوا فقه المصالح والمفاسد. وفقه تفسير القرآن بالقرآن. والنص بالنص. والنصوص بسياقها الشرعي العام. وظنوا أنهم قادرون بالتوقف بمنهاج الحصر والقصر عند الوقائع والتطبيقات التي يريدون..

أحكمت حلقة الضيق إغلاقها وأعطت خطاب التطرف في مرحلة سابقة مختَزَلاته الشاغلة، ( اللحية والثوب والسواك وزيارة القبور، والنقاب) فظل فردياً وهامشاً ومتنحياً، حتى إذا انفلت، وجد في الاستبداد والإقصاء والاستئصال مبرراته وذرائعه ومصداقيته، ليتقدم المتنحي على حساب السائد الذي كُمم علماؤه، وطورد رجاله سجناً وتشريداً.

وهكذا انتقل خطاب التطرف من قضية (لا سواك إلا من عود الأراك) إلى نظريات السياسة والاقتصاد والاجتماع. وعادت اليد التي كُفت عبر التاريخ عن دماء المسلمين وأعراضهم إلى حالة نعيشها اليوم تدمي القلوب، وتستفز العقول. وتضعك في حالة تبكي فيها القاتل والمقتول، وتتساءل فيها عن حقيقة الدم الإنساني الذي أهدر مع الأسف باسم شريعة الإنسان..

وحتى لا تختلط الأوراق علينا ألا ننسى التمييز بين جهاد بيّن ومقاومة واضحة تكفلها شريعة السماء ومواثيق الأرض، وبين خبط العشواء التي لا تدري ما تأتي ولا ما تدع.

مجاميع غير قليلة من شباب الأمة يعيشون حالة من انسداد الأفق فلا أمل ولا مرتقى ولا منفذ. مع غياب المرشد أو حتى تكاد تقول: تاه الدليل..أو كذب الرائد، الداعون إلى الخير تحت قوس الوعيد النافذ الشديد، وحالة من الاستفزاز غير المحدود تمارسه قوى غازية ومعادية على أرض فلسطين أو أرض العراق أو أرض أفغانستان.. أمور تقود كلها إلى التمرد وتدفع إليه، فإذا كان هذا التمرد يحتاج إلى مطارف تزينه فما أجمل أن تكون هذه المطارف هي عباءة الجهاد والإسلام.

وهكذا كان هذا الذي نرى ويرصد الجميع..

يتحول شباب الأمة، الغراس الواعد الذي يعد بعالم أفضل يعين الضعيف ويحمل الكل، ويدفع الشر ويجلب الخير، يصبح حطباً جزلاً في مواقد الصراعات الدولية والإقليمية، تحت عنوان اسمه الجهاد. تتجول الشجرة الخضراء الغضة إلى قطعة من الحطب، يحرقها قوم يتخلصون منها ويصطلون بها، دفئاً أو نوراً..

ليس ثمة علماء حقيقيون يوضحون لأبناء الأمة أين تبدأ معركة الأمة وأن تكون معركة الآخرين بكل درجات ترتيبهم. ليس هناك مقام يفصّل بلسان العلم والحكمة والتقوى: أين يبدأ الجهاد وأين ينتهي وأن تبدأ الفتنة والفوضى وأين تنتهي أيضاً. نتابع على ساحتنا العربية شباباً يحترق في غير ما مقصد ولا هدف ولا غاية. في شريعة جديدة سنها أقوام: القتل للقتل. يقتلون لكل سبب. وبلا سبب وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً.

قال: ويكثر الهرج.

قالوا: وما الهرج؟

قال القتل.

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم

مع الشكر الجزيل للأخ المرسل

كُتب في المناهج | التعليقات على التطرف .. [علة العلل] للأستاذ أبي الطيب الحلبي مغلقة

الخلافة الراشدة والمجتمع الراشد

مقال هام : للأستاذ محمد بن المختار الشنقيطي

استقرت مرحلة الخلافة الراشدة في الوعي الجَمْعي الإسلامي في صورة زاهية ملهِمة، لأن تلك العقود الثلاثة من تاريخ الإسلام هي المرحلة الوحيدة -بعد دولة النبوة- التي رأت فيها المبادئ السياسية الإسلامية في مجال شرعية السلطة تطبيقا عمليا على ظهر الأرض.

وربما يشبه الإلهامُ الذي يستمده المسلم من تجربة الخلافة الراشدة، الإلهامَ الذي استمده الأوربيون في عصر النهضة من تجربة الديمقراطيات القديمة في روما وأثينا. فقد وجد فلاسفة السياسة الأوروبيون في عصر النهضة في تلك التجارب التاريخية -على ضيق مجالها في الزمان والمكان- ملهما قويا مكَّنهم من تحدي الأساس الأخلاقي للبُنَى السياسية المستبدة التي بناها أباطرة وباباوات أوروبا العصر الوسيط.

ومِن نبْع ذلك الإلهام استمدَّ جان جاك روسو ومونتسكيو وغيرهما بذرة الفكرة الديمقراطية التي بشروا بها مع فجر العصر الحديث، فغيروا بها تاريخ أوروبا ووجه العالم.

وتدل هذه الظاهرة على أهمية الحلم والإلهام التاريخي للشعوب، فرغم أن الخلافة الراشدة انهارت منذ حرب صفين عام 38 هـ، فإن أثرها الملهِم جعل المسلم يرفض القبول العميق أو التعاطي الصادق مع غيرها من أشكال الحكم السياسي التي شهدها العالم الإسلامي منذ بداية الدولة الأموية حتى اليوم، تماما كما ظل الأوروبي يرفض أن يجد في حكم الأباطرة والباباوات تعبيرا عن المثال السياسي الذي يحلم به، وهو يقرأ عن الجمهوريات اليونانية والرومانية القديمة.

ورغم أن الفقه السياسي الإسلامي -وقد دُوِّن بعد رسوخ ميراث صفّين- قد قبل بالأمر الواقع عمليا، فإنه ظل ولا يزال يرفضه نظريا وأخلاقيا.. وما ذلك إلا لأن حلم الخلافة الراشدة مستقرٌّ في القلوب منذ 14 قرنا، في شكل مناقضة أخلاقية وشعورية للظلم والاستبداد السياسي.

فإبقاء الحلم ملتهبا في النفوس مهمٌّ للانتقال من أزقة الحاضر المعتمة إلى دروب المستقبل الوضاءة.
بيد أن الحلم بصورة تاريخية زاهية لا يكفي وحده لشق الطريق إلى المستقبل، وإنما لا بد من تفكيك تلك الصورة التاريخية وفهم ديناميكيتها الداخلية، وحدودها الإمكانية، وجوانب قوتها وضعفها. وذلك هو الوعي التاريخي الذي ينقصنا اليوم في نظرتنا لمرحلة الخلافة الراشدة.

فمنهج سرد المناقب السائد في كتابتنا التاريخية قد يفيد في استنهاض الهمم الراكدة، لكنه يشتمل على جوانب قصور منهجية مهلِكة، أهمها أنه يسلخ حياة الصحابة من طبيعتها البشرية: طبيعة الصراع بين المثال والواقع، والمعاناة النفسية والاجتماعية في سبيل الارتفاع إلى مستوى المبدأ.

وإذا فقد التحليل التاريخي هذه المعاني استحال الماضي من تاريخ حي نابض إلى تاريخ جامد مقدَّس، يثير الحماس لكنه لا يمنح الخبرة، يحرك الهمة لكنه لا يقدم العبرة، يُظهر تقصير الخلف، لكنه يُقنطهم من اللحاق بالسلف.

ونحن نركز هنا على أمر واحد لم يتم التركيز عليه كثيرا من دارسي الفقه السياسي والتاريخ السياسي الإسلامي، وهو أن الخلافة الراشدة كانت وليدة مجتمع راشد، فلما بدأ المجتمع يفقد رشده فقدت الخلافة الراشدة وقود وجودها فانهارت أركانها.

لقد اعتاد الدارسون المسلمون للخلافة الراشدة تفسير كل المآثر التي تحققت في ظلالها بسلطان التقوى: تقوى الخليفة الحاكم على منهاج النبوة. وليس من ريب في وجود وأثر سلطان التقوى في تلك التجربة الفريدة في تاريخ الإسلام، لكن التركيز على هذا الجانب أغفل جانبا آخر لا يقل أهمية، بل لعله أكثر أهمية من الناحية السياسية، وهو سلطان المجتمع المتأسِّس على سُنَّة المدافعة. وهكذا انبهر المسلم بالخليفة الراشد، ونسي المجتمع الراشد الذي أنتج ذلك الخليفة.

لقد بيَّن القرآن الكريم أن المدافعة هي التي تعصم من الفساد، “ولولا دفْع الله الناسَ بعضهم ببعض لفسدت الأرض”. وتحقيق سنة المدافعة يقتضي تشريع التعدد السياسي والفكري والاجتماعي، والقبول بتفتيت السلطة والثروة على عدد من القوى الاجتماعية التي يضبط بعضها بعضا، ويقوِّم بعضها بعضا بطريق سلمية.

فـ”السلطة تفسد الإنسان، والسلطة المطلقة تفسد إفسادا مطلقا” كما قال الحكيم الإنجليزي لورد آكتون.

ومحافظة المجتمع على يقظته وقدرته على ضبط الميزان السياسي، والأخذِ على يد الظالم، ومحاصرة الخارجين على الإجماع السياسي، أمر لازم لأي بناء سياسي صحي.

ومن أجل تحقيق المدافعة توصل فلاسفة السياسة المعاصرون إلى ضرورة الفصل بين السلطات الثلاث، وحرية الصحافة والحياة الفكرية، والحق في الحياة النقابية.
ويدل تاريخ الخلافة الراشدة على دروس عظيمة من نجاح المجتمع في تحقيق سُنَّة المدافعة السلمية في السياق الاجتماعي الذي وُلدت فيه تلك الخلافة. ومن أبلغ هذه الأمثلة الطريقة التي تعامل بها مجتمع الصحابة بالمدينة مع امتناع علمين من أعلام الصحابة عن بيعة الخليفة الأول أبي بكر الصديق، وهما علي بن أبي طالب وسعد بن عبادة.

فقد روى البخاري ومسلم وابن حبان حديثا طويلا عن امتناع عليٍّ رضي الله عنه عن بيعة الصدِّيق مدة ستة أشهر، ثم التحالقه بالإجماع السياسي بعد ذلك.

ويظهر من هذا الحديث أن عليًّا -على مكانته العظيمة في قلوب المسلمين- عانى من عزلة قوية في مجتمع المدينة، خصوصا بعد وفاة فاطمة رضي الله عنها، بسبب موقفه من خيار البيعة للصديق.

………………………. لقد راجع علي رضي الله عنه موقفه من بيعة الصديق لسببين: أولهما ما في قلبه من تقوى وبرٍّ يجعله يراجع الحق، وثانيهما … [موقف] المجتمع المسلم، وهو يومئذ مجتمع حيٌّ يمارس حقه في إرجاع الخارج على الإجماع إلى الصف.

وهكذا فإن سلطان الجماعة لم يكن أقل شأنا من سلطان التقوى في الخلافة الراشدة، وهذا النوع من السلطان الاجتماعي هو ما ضيَّعه المسلمون بعد ذلك فضاعوا.

أما سعد بن عبادة رضي الله عنه فقد كاد أن يأخذ البيعة لنفسه من الأنصار خليفة للمسلمين، ثم مال الناس إلى أبي بكر الصديق وتخلوا عن مبايعة سعد، فوجد في نفسه من ذلك التحول.

يعلل ابن تيمية موقف سعد بأن الأنصار “كانوا قد عيَّنوه للإمارة، فبقي في نفسه ما يبقى في نفوس البشر” (منهاج السنة 1/536).

ويعللها الذهبي بأن سعدا “كان ملكا شريفا مطاعا، وقد التفّ عليه الأنصار يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعوه… حتى أقبل أبو بكر والجماعة فردوهم عن رأيهم، فما طاب لسعد” (سير أعلام النبلاء 1/276).

وانتقل سعد إلى ربه وهو يرفض البيعة لأبي بكر أو لعمر من بعده، لكنه اضطر تحت وطأة العزلة وسلطان المجتمع إلى مغادرة المدينة والعيش بقية حياته في الشام عيشة منعزلة، دون أي عمل سياسي.
وما كان سعد ليخرج من مدينته وهو سيد الخزرج -القبيلة المسيطرة في المدينة والمعروفة بجَلَدها في الحرب- إلا لأن سلطان المجتمع كان رافضا لمواقفه السياسية.

وهكذا نرى أثر سلطان المجتمع في الخلافة الراشدة، وندرك أنها وليدة مجتمع راشد يمارس سلطانه على حكامه وعلى أفراده، حتى لو كان أولئك الأفراد قادة في المجتمع وهاماتٍ سامقاتٍ في مستوى علي بن أبي طالب وسعد بن عبادة رضي الله عنهما.

وجدير بالتأمل هنا أن كلا من علي وسعد لم يترجم موقفه السياسي إلى عنف أو فوضى -وما أسهل العنف والفوضى في المجتمعات القبلية- وإنما عبر كل منهما عن موقفه بالامتناع السلمي أو المجانبة الهادئة، وهو حقه الشرعي.

كما أن الخليفة أبا بكر لم يمارس أي نوع من الإكراه على أيٍّ منهما ليحمله على البيعة، بل ترك الأمر لسلطان المجتمع. وهكذا تم احترام ضمير الفرد وسلطان المجتمع معا، وتفاعل الاثنان دون عنف من جهة الفرد أو إكراه من جهة الدولة.. وتلك علامة المجتمع الراشد بحق.

ذلك أن أسوأ ما يهدم الاجتماع السياسي هو الاستبداد من جهة الحاكم، أو الفوضى من جهة المحكوم، ونحن نعاني من الاثنين اليوم بكل أسف.

إن حلم الخلافة الراشدة لا يزال يراود العقل المسلم منذ 14 قرنا، وسيظل ملهِما للمسلمين حتى يتخلصوا من الاستبداد والفساد، ويقيموا مجتمعات ديمقراطية تحترم كرامة الفرد وحريته، وتبني أمرها على سُنَّة المدافعة السلمية. لكن حاجتنا اليوم أكبر إلى المجتمع الراشد اليقظ، المتحمل لمسؤولياته في مقارعة الظلم الجاثم على صدره، ومقاومة الفوضى المهددة لكيانه.. لأن المجتمع الراشد شرط لازم للخلافة الراشدة، وسابق عليها.

وتحقيق المجتمع الراشد في سياقنا المعاصر يكون ببناء المؤسسات الفكرية والسياسية والحقوقية والنقابية التي تقوِّي المجتمع في مواجهة السلطة، وترجح كفة الميزان لصالح المجتمع حتى يصبح قادرا على التحكم فيمن يحكمونه، ونبذ من يخرجون على إجماعه.

فهل نسعى بجدٍّ إلى إقامة المجتمع الراشد قبل التفكير في الخلافة الراشدة، أم نظل نضع العربة أمام الحصان ونحن نمضغ أحلامنا الزاهية وأمانينا العريضة؟

المصدر: http://www.aljazeera.net/NR/exeres/187A66AF-F173-4C2A-A4E8-F61B8AF1B45D.htm?GoogleStatID=1

ملاحظة : لضرورات فنية فلقد تم التصرف في بعض السطور .

كُتب في المناهج | التعليقات على الخلافة الراشدة والمجتمع الراشد مغلقة