وإسلاماه …. صرخة حرة أبية تهتف بها رابطة علماء سورية المستقلة

في آذان حكام العرب والمسلمين، وشعوبهم، والأحرار في كل مكان
يا أيها المسلمون الموحدون في كل مكان!! ماذا أنتم فاعلون؟ أين غضبتكم الله ؟ أين أخوتكم في الإسلام؟ أين حميتكم؟ أين الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ـ كما يقول الرسول الكريم e ـ؟
هاهي العنصرية الإسرائيلية تلتقي مع العنصرية الصليبية في وقت واحد، تستفز مشاعر المسلمين، تتحدى وجودهم، تهزأ بمقدساتهم، تسخر من ثوابتهم، يجهرون بأحقادهم [هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ] {آل عمران:119}.
أما إسرائيل الدولة المسخ فإنها تستعين بقوى الصليبية العالمية في أوروبا وأمريكا وغيرهما، تراهن على تمزق عالمنا العربي والإسلامي، واختلاف حكوماته، وصمت قادته المخجل، تنفرد بشعبنا في فلسطين، تقتل العزل والمدنيين، تقتل النساء والأطفال، تدمر الأبنية والمصانع، تحرق الأخضر واليابس، تعربد بآلتها العسكرية الضخمة في شوارع فلسطين، تهدد شعبنا الحر الأبي في فلسطين بالمحرقة (الهولوكست)، لتجتث جذوره، وتدمر كيانه، وتطرده خارج أرضه، وتحوله إلى لاجئين من جديد، مشردين في الآفاق.
ومن أسف أنها تبرر جرائمها المتوحشة بتصريحات بعض رجال السلطة الفلسطينية حيث يقول كبيرهم ـ بكل وقاحة ـ: لقد تسرب إلى غزة عناصر القاعدة، وإذن.. فلتمارس إسرائيل الجرائم كيفما تشاء، وتقتل من تشاء، ولتدمر ما تشاء، ثم فلتنتصر أوروبا وأمريكا لإسرائيل، طالما أنها تواجه إرهاب القاعدة، هكذا تُعطى إسرائيل الذرائع والمبررات لعدوانها الأثيم وقتلها المتوحش، وقد تعامى هؤلاء أن في فلسطين المجاهدة، شعباً يرفض الاحتلال، يقاوم العدوان، يريد أن يعيش حراً كريماً مستقلاً.
ونقول لهؤلاء الأفاكين : هل ترون في هذه الصواريخ العبثية ـكما تزعمون ـ وهي محدودة المدى، والتي تمثل جهد المقاومة، وما استطاعت أن تعده في مواجهة الآلة العسكرية الضخمة التي تخيف الدول العربية مجتمعة، والتي تشكل القوة العظمى في المنطقة، والتي تستطيع أن تحمي نفسها بقوى الدول الكبرى، والتي تقاتل شعبنا الأعزل براً وبحراً وجواً، هل تبررون وحشية إسرائيل وعدوانها الأثيم بإطلاق هذه الصواريخ التي تحقق شيئاً من توازن الرعب؟! ثم إنكم تعلمون أن الهدنة سبق أن أُعلنت، والصواريخ سبق أن أُوقفت، فهل أوقفت إسرائيل عدوانها؟! ثم ها هي الضفة الغربية ـ وهي تحت حكم السلطة الفلسطينية المسالمة المفاوضة ـ هل أوقفت إسرائيل عدوانها الأثيم عليها، وهل أمسكت آلة الحرب عنها؟!
هل الخيار عندكم أن يستسلم الشعب الفلسطيني؟!، أو أن يرفع الرايات البيضاء؟! أو أن يقبل بالظلم والاحتلال والحصار والبرد والجوع؟؟!! هل الخيار عندكم أن ينتظر الشعب الفلسطيني مفاوضاتكم العبثية التي تعطي العدو الإسرائيلي مزيداً من الأرض ومزيداً من العدوان ومزيداً من التنازلات؟!… لقد أتيحت لكم الفرص تلو الفرص، لتصلوا إلى تفاهمات مع إسرائيل والسلام معها، فماذا جنيتم ؟ وماذا حققتم؟.
ومع هذه الهجمة الإسرائيلية الوحشية التي تستهدف وجود الشعب الفلسطيني حاضراً ومستقبلاً، أرضاً وكياناً…، تهب نزعة الصليبية في الدانمارك وألمانيا وكثير من صحف أوروبا، لتنشر الصور الساخرة الكاريكاتورية عن سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا، إمام النبيين وسيد المرسلين محمد رسول الله ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، تنشرها دون مبرر، ولا سبب موجب، في الوقت الذي يُعظِّم المسلمون المسيح عليه الصلاة والسلام ـ وكافة إخوانه من الأنبياء المرسلين… وفي الوقت الذي يؤمن المسلمون بكافة الأديان والكتب المرسلة، يتعرض الإسلام ونبيه وكتابه اليوم في أوروبا إلى هجمة صليبية شرسة، إلى الدرجة التي يشبهون فيها القرآن الكريم ـ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ بكتاب (كفاحي) لمؤلفه الطاغية النازي هتلر. الذي يبرر فيه حربه على أوروبا، واستعماره لها، وسيطرته عليها، يزعم تفوق القومية الجرمانية على كافة القوميات، وتفوق الشعب الألماني على كافة الشعوب، وحقه في السيطرة وحكم العالم.
ونقول لهؤلاء العنصريين : أبهذا الأسلوب الأرعن والاستفزازي يكون حوار الحضارات، وحوار الأفكار، وحوار الثقافات؟!، لقد عجزتم أن تواجهوا الإسلام عقيدة بعقيدة، وفكراً بفكر، وثقافة بثقافة، ومنهجاً بمنهج، وحضارة بحضارة… فغطيتم عجزكم بهذه الأساليب الرخيصة، وحركتم الإعلام التافه، ودبجتم المقالات الحاقدة!!. أتظنون أن هذا ينفعكم في مواجهة المد الإسلامي، وانتشار الصحوة الإسلامية، وإقبال الأوربيين على اعتناق الإسلام، تأكدوا أن أسلوبكم هذا سيُعطي النتائج العكسية ـ بإذن الله ـ وصدق الله القائل: [يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ] {الصَّف:8} .
ونقول للمتظاهرين غضباً لرسولهم الأمين، وانتصاراً لدينه القويم ـ وعلى مستوى العالم الإسلامي ـ : التعبير عن الغضب والاستنكار شيء.. والقيام بأعمال العنف والتخريب شيء آخر…!! فإن هذا مما يسيء إلى دينكم ورسولكم وقضيتكم، فلا تعطوهم الذرائع والمبررات.
ونقول لهم أيضاً: الانتصار لرسولنا الكريم e يكون بالمزيد من محبته، وحسن التأسي بسيرته، والالتزام بكتابه وسنته، والتمسك بشعائره، والجهاد لإعزاز دينه وإقامة شريعته، وأن نُري العالم من أخلاقنا ومبادئنا ومن قيمنا و ثوابتنا، وانضباطنا مع أحكام ديننا، ما يَرُدُّ على دعاوى المفترين وكذب الدجالين، وتفاهة الساخرين.
واعلموا أنها حقيقة…عبَّر عنها القرآن الكريم ـ قبل أربعة عشر قرناً ـ: [وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا] {البقرة:217}
ثم يزعمون كذباً، أننا الإرهابيون، وأننا المتعصبون :[ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ] {التوبة:30}!!.

رابطة علماء سورية المستقلة
24/2/1429
2/3/2008

ملاحظة من إدارة الموقع : تلقينا هذا البيان من رابطة علماء سورية المستقلة ونعيد نشره كما ورد.

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على وإسلاماه …. صرخة حرة أبية تهتف بها رابطة علماء سورية المستقلة مغلقة

لا يزال “عجل” ما، في قلوبهم

للدكتور : أحمد خيري العمري

عندما أشرِب “العجل” في قلوب بني إسرائيل، كان ذلك يعني أن “العجل” قد تماهى معهم – صار في قلوبهم، حتى لو لم يعد هناك تجسيم مادي للعجل بشكل فيزيائي ومباشر على واقعهم. العجل عندما أشرب في قلوبهم، كان ذلك يعني أنه سكن رؤيتهم للحياة، دخل في كل تفصيلاتها، سكن “فيهم” ولم يعد مهماً كثيراً هنا، إن كانوا يؤدون طقساً معيناً للعجل أو لا، فالرؤية الوثنية هي التي سيطرت عليهم ، تشربت فيهم ، و صار من غير الممكن “الفصل” حقاً بينها وبين غيرها.. لقد تسربت إلى كل شيء، وتشرب كل شيء فيها..
هذه الرؤية المادية – الممثلة بالعجل – ربما لم تعبر عن نفسها لاحقاً بسجود مباشر للعجل، لكنها تمظهرت في قراءة شديدة المادية، شديدة الحرفية، للنصوص الدينية وللشعائر الدينية، أي إنها كانت بمثابة التفسير التجسيمي المباشر لنصوص يفترض أن تكون أوسع من أفق العجل والمتعبدين للعجل..
أشرب العجل رؤية بني إسرائيل – وانعكس ذلك على رؤيتهم للحياة، وصاروا لا ينظرون للحياة إلا من خلال ذلك العجل – فصارت رؤيتهم رؤية مادية شديدة التجسيم.. في كل جزء من أجزائها ثمة عجل ما، رابض.. وإن لم يبدو ذلك واضحاً للوهلة الأولى..

* * *

لكن النص القرآني لم يورد قصة العجل ودخوله في قلوب بني إسرائيل – أي في جوهر رؤيتهم للحياة، من أجل أن السرد التاريخي المحض. فحكاية العجل تتكرر دوماً بخطوطها العامة دون تفاصيلها.. واليوم ثمة في حياتنا الثقافية و الفكرية و حتى الاجتماعة عجل كبير جدا..
وهو عجل، لنا معه حكاية، لم تنته فصولها بعد..

* * *

هذا العجل، كما عجل السامري، يمثل رؤية حضارية مختلفة، إنه في حالة بني إسرائيل أكثر من عجل، إنه نموذج مصغر لقيم مختلفة ولتجربة حضارية مختلفة، وهو كذلك في حالتنا يمثل منظومة قيم حضارية متكاملة، يمثل حزمة كاملة تضم تجربة حضارية أخرى، أشربت قلوب “بعضهم” بها.. (حتى لا أقول قلوب الجميع).
عن أي عجل معاصر أتحدث؟ عن العجل كرمز للحضارة الغربية – عن ذلك المرض بالغرب الذي تجاوز الانبهار إلى الاستلاب الكامل. عن ذلك الاستلاب الذي تجاوز تفضيل “نمط الحياة الغربي” وتصوره كنمط الحياة الوحيد الممكن تصوره، ونمط التفكير الغربي الذي صار نمط التفكير الوحيد الذي يمكن التفكير من خلاله..
لقد أشرب “الغرب” في قلوب البعض منهم، دخل كل تفصيل وكل جزء، تماهى معهم وصار لا يمكن الفصل بينه وبينهم. سار فيهم مسرى الدم منهم. بالضبط “أُشرب” هي الكلمة التي تعبر عن حالتهم..
وهذا العجل الغربي، السمين الشهي، يفسر بعض ما يدور، وبعض ما يطرح من تفسيرات ومن طروحات، بطريقة أرى أنها أكثر صواباً، من نظرية المؤامرة الجاهزة دوماً لتغير كل ما لا يروق لنا..
فلأسباب عديدة، لا تزال نظرية المؤامرة، هي الأكثر رواجاً والأكثر استخداماً في تفسير ما يطرحه بعض أدعياء التجديد من آراء تلبس النص رداءً دينياً لتقسره على تفسير يصعب في صالح رؤية العجل الغربي للأمور..
وللإنصاف، تبدو نظرية المؤامرة مبررة تماماً هنا، فجل جهود أدعياء التجديد هؤلاء، كان يكمن في لَيّ عنق المفردة القرآنية، وإقسارها داخل قالب معدّ سلفاً، هو قالب الرؤية الغربية للحياة.. ولذلك فمن الطبيعي جداً، أن تستدعى نظرية المؤامرة، وأن نفترض أن هؤلاء مدفوعين بدعم غربي معين.. مادي ومعنوي..
والحقيقة أن الدعم الغربي موجود فعلاً، على الأقل لبعض هؤلاء، وهو دعم قد يتمثل في تمويل مراكز الأبحاث التي يشرف عليها هؤلاء، واستضافتهم في الجامعات كأساتذة زائرين، و تضخيم إعلامي لحجم فاعليتهم وأعمالهم (المتواضعة أصلاً..).. وربما لا يخلو الأمر من فائدة مادية مباشرة أو غير مباشرة من خلال ذلك كله..
لكن المؤامرة، وإن كانت موجودة، إلا أنها لا تكفي لتفسير ما يحدث. فالأمر أكثر تعقيداً – وهؤلاء، وإن تلقوا الدعم من الغرب، إلا أنهم ليسوا جواسيس أو عملاء بالمعنى المباشر السطحي للكلمة، إنهم أصحاب قضية أيضاً، وهم مقتنعون بها حتى وإن لم يحصلوا على الدعم، وهم يتصورون أنهم يحسنون صنعاً.. لقد أشرب الغرب في قلوبهم – تمكن من الدخول إلى تلافيف أدمغتهم، بل لقد شكل عقولهم – وصار هو المرجع والمقياس والبوصلة.. كل الأمور صارت تمر من خلال عدسة الغرب – وبذلك صار الغرب هو مرشح (الفلتر) الذي تمر من خلاله أبصارهم.. وبالتالي رؤيتهم للحياة..
يجب أن لا يكون هناك إشكال كبير أو أزمة في ذلك.. فالمرض بالغرب صار وباءأ عالمياً، ومن حق كل شخص أن يعتنق ما يشاء من أفكار (وأن يتحمل نتيجة خياره لاحقاً).. المشكلة بالنسبة إلينا هي أنهم لا يكتفون بتبني الخيار الغربي، وإنما يقسرون النص القرآني على تبنيه أيضاً، من خلال تجديدهم المزعوم، وتفسيراتهم للقرآن، المحكومة سلفاً بالنتائج الغربية.. مشكلة هذه التفسيرات، أنها تضع النص القرآني (الذي يفترض أن يكون هو المنتج للقيم، إذا كانوا يعترفون به كنص ديني أصلاً) في قالب القيم الغربية التي تنتمي لتجربة حضارية مختلفة ولها نسيجها القيمي الخاص بها – وعندما يحدث هذا، فإنه سيؤدي غالباً إلى تناقضات حتمية ستؤدي لاحقاً إلى رفض مناعي، أي كما يرفض جسم الإنسان أحياناً، زراعة عضو غريب في داخله، أو كما يحدث عندما يزود إنسان ما من فصيلة دم مختلفة عن دمه..
الوضع الطبي لهذه الحالة، يتطلب “تقليل المناعة” من أجل تسهيل قبول الجسم العضو الغريب.. وهذا هو بالضبط ما يفعله أدعياء التجديد، إنهم يقللون “مناعة” الجسم، عن طريق تمرير العجل إياه، أي الرؤية الليبرالية الغربية مرتدية ثوب تفسيرهم للنص الديني..
ولو أنهم أنصفوا، وكانوا منسجمين مع طروحاتهم، ومع العجل الذي تشرب في قلوبهم، لقالوا: “إننا ليبراليون وكفى..”، ولما حاولوا أن يقسروا النص القرآني على رؤاهم..
سيكون ذلك أكثر مصداقية، وأقل زيفاً..
وسيكون “التجديد” بمنأى عن “العجل الغربي”..
8-2-2008 نقلاً عن جريدة العرب القطرية

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على لا يزال “عجل” ما، في قلوبهم مغلقة

إنا لله وإنا إليه راجعون – إن لله ما أخذ ولله ما أعطى

أيها الإخوة السلام عليكم
اليوم في جامع سيدنا الحسن رضي الله عنه ، في الميدان كانت خطبة الجمعة
وكان الشيخ كريّم راجح يقرأ من رياض الصالحين ويشرح حديث أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرةً حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسةٌ، فقال: ((ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟)) قالت: نعم: فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لقد قلت بعدك أربع كلماتٍ ثلاث مراتٍ، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)) رواه مسلم.
ثم توقف الشيخ عند كلمة “مسجدها” وقال أرى أن تُقرأ بفتح الجيم لا بكسرها، وتردد في ذلك ثم قال ليت أستاذنا الخَن يضبطها لنا . (معنى كلامه)
والدكتور مصطفى الخن ، يواظب على حضور خطبة الجمعة عند الشيخ كريّم ويجلس على كرسي (أول المسجد يمين الداخل إليه) وبعد أربع دقائق تقريبًا من كلمة الشيخ كريّم تلك ؛ سمعنا شهقة (شهقها الدكتور الخن) فالتفت بعضنا
وإذا بالشيخ أنس ابن الدكتور مصطفى يدلك له صدره وبعد قليل مدده على الأرض ،
كل ذلك والشيخ كريّم مسترسل في خطبته ، إلى أن أرسلوا إليه أحد الإخوة ليخبره ، فلما صعد الأخ المنبر ، وأخبر الشيخ كان وقع الخبر كالصاعقة فقال له الشيخ الآن؟ في المسجد؟ إنا لله وإنا إليه راجعون
وصار يتمتم بكلمات (عالم البلد عالم الأمة مات في المسجد …) وأنهى الخطبة وطلب من الناس أن يمكثوا في أماكنهم وأن لا يزدحموا على الدكتور الخن ،
ثمّ صلى بنا الشيخ كريّم وهو يبكي ,
وبعد السلام أسرع ليرى صديقه وأستاذه وحبيبه الخن .
لقد أسلم روحه لبارئها بعد تسع وثمانين سنة أمضاها في طلب العلم والتعليم والتأليف والنصح للمسلمين
فأسأل الله تعالى أن يرحمه وأن يكرم نزله وأن يبدله دارًا خيرًا من داره وأهلاً خيرًا من أهله وأن يصبّر أحبابه
ثم مشيت مع شيخنا كريّم راجح فقال لي :”هذا العالم الذي لم يتلوّث لا بحاكم ولا بغني”
فقلتُ له : ولذلك قبضه الله في بيته!!
إنا لله وإنا إليه راجعون
وسيصلى عليه غدًا السبت في جامع الحسن بالميدان
أخوكم
أبو إدريس
دمشق بعد صلاة الجمعة ‏24‏/01‏/1429
ا شباط 2008

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على إنا لله وإنا إليه راجعون – إن لله ما أخذ ولله ما أعطى مغلقة

باسم دماء أهل غزة … نسألكم الرحيلا .. وسوف لن ننسى لكم هذا الجميلا

للشاعر أحمد مطر
ارفعوا أقلامكم عنها قليلاً
واملأوا أفواهكم صمتا طويلاً
لا تجيبوا دعوة القدس..[وغزة] ولو بالهمس
كي لا تسلبوا أطفالها الموت النبيلا
دونكم هذي الفضائيات فاستوفوا بها “غادر أو عاد”
وبوسوا بعضكم.. وارتشفوا قالاً وقيلا
ثم عودوا..
واتركوا القدس [وغزة] لمولاها..
فما أعظم بلواها
إذا فرت من الباغي.. لكي تلقى الوكيلا!
طفح الكيل.. وقد آن لكم أن تسمعوا قولاً ثقيلاً
نحن لا نجهل من أنتم.. غسلناكم جميعاً
وعصرناكم.. وجففنا الغسيلا
إننا لسنا نرى مغتصب القدس [وغزة].. يهودياً دخيلاً
فهو لم يقطع لنا شبراً من الأوطان
لو لم تقطعوا من دونه عنا السبيلا
أنتم الأعداء
يا من قد نزعتم صفة الإنسان.. من أعماقنا جيلاً.. فجيلا
واغتصبتم أرضنا منا
وكنتم نصف قرن.. لبلاد العرب محتلاً أصيلاً
أنتم الأعداء
يا شجعان سلم.. زوجوا الظلم بظلم
وابنوا للوطن المحتل عشرين مثيلا!
أتعدون لنا مؤتمراً!
كلا
كفى
شكراً جزيلاً
لا البيانات ستبني بيننا جسراً
ولا فتل الإدانات سيجديكم فتيلاً
نحن لا نشري صراخاً بالصواريخ
ولا نبتاع بالسيف صليلاً
نحن لا نبدل بالفرسان أقناناً
ولا نبدل بالخيل الصهيلا
نحن نرجو كل من فيه بقايا خجل.. أن يستقيلا
نحن لا نسألكم إلا الرحيلا
وعلى رغم القباحات التي خلفتموها
سوف لن ننسى لكم هذا الجميلا
ارحلوا
أم تحسبون الله لم يخلق لنا عنكم بديلا؟!
أي إعجاز لديكم؟
هل من الصعب على أي امرئ..أن يلبس العار
وأن يصبح للغرب عميلا؟!
أي إنجاز لديكم؟
هل من الصعب على القرد إذا ملك المدفع .. أن يقتل فيلا؟!
ما افتخار اللص بالسلب
وما ميزة من يلبد بالدرب.. ليغتال القتيلا؟!
احملوا أسلحة الذل وولوا.. لتروا
كيف نُحيلُ الذلّ بالأحجار عزاً.. ونذلّ المستحيلا
الشاعر: أحمد مطر

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على باسم دماء أهل غزة … نسألكم الرحيلا .. وسوف لن ننسى لكم هذا الجميلا مغلقة

عندما يئدون حتى الحلم! …. رسامة الكاريكاتير الفلسطينية المبدعة أمية جحا

قالوا لي: أسرعي فقد فتحوا المعبر للحجاج العالقين منذ أسبوع في العريش عساك تعودين معهم، وبسرعة البرق لملمت حقائبي بعدما كانت حقيبة.. إنها سبعة شهور قضيتها بعيدا عن غزة.
واستقليت أنا وزوجي السيارة من العريش حتى المعبر، وطوال الطريق كنت أنظر للبلد التي احتضنتني بحنان شعبها وكنت أتمنى أن أبكي مودعةً إياها .. ولكن كلما حاولت دمعة ان تسيل شدها خوف العودة من جديد إليها فحنيني لوطني أكبر.
كنت ألتقط في مخيلتي مشاهد ما سأفعله أول ما اجتاز المعبر إلى غزة ,كنت سأسجد على الأرض و اقبل ترابها ثم أهرول احتضن صغيرتي نور و آه ثم آه يا نور ..نور كنت انتظره بعد عتمة الغربة القسرية بلا ذنب سوى أني فلسطينية الجنسية.!
كنت سأوزع القبلات على ذرات الهواء وسأحمل بيدي راية فلسطين اخرجها من شباك السيارة ليبقى يرفرف خفاقا ,كنت سأسلم على المارة و أحيي الدكاكين و الباعة , كنت سأحتضن كل اطفال غزة و اوزع عليهم حلوى اشتريتها من مصر فغزة محاصرة و شح فيها الطعام والدواء.
كنت سأغفر لكل من ظلمنا من حكام العرب وقد كنا لا نبيت نحن العالقون من نساء و رجال و شيوخ و مرضى الا ونحن ندعو على من ظلمنا و غربنا عن اهلينا و سرق الفرحة من عيوننا و راحة البال من قلوبنا.
وتذكرت ابن أخي الذي مات جنيناً قبل ان يُولد بأسبوع , كنت أول من حمل هذا الطفل الجميل,وكانت اول مرة احمل فيها طفلا ميتا, كنا ننتظر ميلاد هذا الطفل بفارغ الصبر عساه يدخل الفرحة الى قلوبنا التي أدماها الحزن طويلا ..مات الطفل و دفن في العريش و مات و دفن معه الحلم بعودة قريبة للوطن.
وتذكرت شاطئ العريش الجميل,كنا نسهر طويلاً على الشاطئ الذي كان يعج بالمصطافين في الصيف, وأتذكر كيف كان كل واحد منّا يتحدث عن شوقه للأهل و الاولاد و كيف كان يصارع كل واحد الاخر ليثبت ان همه اكبر من هم الآخر ,كنا نضحك احيانا و كنا نبكي احيانا و احيانا و أحيانا.
وتذكرت كيف كانت عيناي تتابعان حركة الأطفال المصريين على الشاطئ فأتلهف بقلب الأم إن وقع طفل في الماء ,وكيف أني كنت ارغب باحتضان طفلة تشبه طفلتي فأخالها تهرول نحوي و اذ بها تسرع بعيداً ناحية أمها.

وتذكرت كيف انتهى فصل الصيف بعودة كل المصطافين المصريين الى مناطق سكناهم …وبعدما عادت دفعة من العالقين الفلسطينيين الى غزة, فبقيت وحدي على الشاطئ أكاد اسمع صوت صدى أنفاسي لولا صوت أمواج البحر, و لعب أطفال مبعثرة و بقايا طعام هنا و هناك…هي أطلال أناس كانوا هنا كل يوم ..!!
أصواتهم..ضحكاتهم.. كلها رحلت معهم ..!!!
تذكرت كيف كنت ابكي ولا ازال عندما اجد الكل قد عاد الى وطنه الا نحن!!!
كنت اتمنى لو أتحول الى سمكة تسبح في أعماق البحر الى ان اصل الى شاطئ غزة
كنت أحسد الطيور التي كنت اراها اسرابا اسرابا تهاجر من مكان إلى آخر لأن لها جناحين تستطيع بهما أن تطير فلا تحتاج إلى جواز سفر ولا توقفها حدود و لا رجال أمن و لا نقاط تفتيش..
وتذكرت كيف قضينا شهر رمضان..صائمين عن الطعام و صائمين عن الفرحة , و كيف كان املنا كبيرا ان نقضي عيد الفطر بين اهلينا فاشتريت فستان العيد لنور وحذاء و حقيبة و صرت أتخيلها تتراقص فرحة بهديتي إليها وترتمي في حضني وتقبلني..جاء العيد السعيد على قلبي الحزين و انا انظر للفستان الذي ربما سيصبح صغيرا عليها لو طال البعد أشهراً قادمة..
وتذكرت كيف كنا نموت في اليوم ألف مرة و نحن نجد إعلاما عربيا ميتا لا يتناول قضيتنا و امة ميتة لا تحرك ساكنا مما زاد شعورنا بأننا منسيون و سنبقى عالقين خارج الوطن.
وتذكرت كيف حل الخريف فتساقطت معه أوراق الشجر و تساقط معه الأمل بعود قريب !
وتذكرت كيف حل الشتاء و ما أقسى أن لا يشعر المرء بدفء الوطن في الشتاء…
وتذكرت كيف جاء عيد ثان هو عيد الأضحى المبارك..وكيف ساهمت الاغاثة الطبية الاسلامية و اتحاد الأطباء العرب في رسم البهجة في عيون الأطفال الفلسطينيين العالقين فاشترت لهم الألعاب و ذبحت أمامهم العجول و وزعت على الأسر الأضاحي بسخاء..كان موقفاً نبيلاً لمسناه و لا نزال من الشعب المصري الكريم الغني بنخوته وأصالته رغم فقره المادي و الذي كان يتمنى أن يفرش لنا رموشه لنمشي عليها… ثم تذكرت كيف اتقن اطفالنا اللهجة المصرية و كيف جعلوا اقرانهم المصريين يتحدثون باللهجة الفلسطينية ..وكم كنت اضحك و انا اسمع حديث الطرفين و هما يلعبان سوية.
ثم تذكرت اني لا ازال في السيارة…آه ما أحلاك يا وطني حتى لو كنا نتجرع لحبك علقما ..و ما أغلى ترابك حتى لو كان طريقنا إليك شوكاً..
اقتربنا من بوابة المعبر في الجانب المصري و في مقدمتها عبارة ترحيب و تمنيات برحلة سعيدة..قلت في نفسي بحسرة”هه رحلة سعيدة!!!”

وقفت السيارة و انزلنا الحقائب الي حيث البوابة التي تجمع عندها العشرات من العالقين المتلهفين للعودة , كان عددنا لا يتجاوز المائة شخص من رجال و نساء و أطفال، الكل يزاحم الكل و الكل يسابق الكل و بوابة مغلقة تفتح كل نصف ساعة لتدخل نفرا قليلا ..استوقفني صحفي مصري يعرفني كنت قبل يوم رفضت الحديث معه لأن نفسيتي كانت متعبة و صار يسألني عن مشاعري و انا سأدخل المعبر اخيرا .. أجبته بابتسامة و أمل حذرين …و التقط لي صورا قلت في نفسي عساها تكون آخر صور تذكرني بتجربة مريرة عشتها مع غيري من العالقين!!
فتحت البوابة..ودخلت أنا وزوجي ..ربما لم تكن قدماي اللتين تمضيان بي…كنت أشعر بأني أطير….و بأني بت أمتلك جناحين كبيرين …لأول مرة من سبعة شهور أتذوق حلاوة الضحكة من القلب …كنت مستعدة ان احمل حقائبي دفعة واحدة فالآن يهون كل تعب ..انا الآن على بعد أمتار من الوطن..
وصلنا صالة السفر المصرية حيث يتم ختم الجوازات ومن ثم الدخول للجانب الفلسطيني ..ربما هو ختم على كتاب يقولون لي فيه انت الان حرة طليقة…ما هي إلا خطوات و أصل الضابط المصري ليختم لي على جواز السفر حتى توقف كل شي…وقف الضابط وقال: أغلق المعبر!!!
آآآآآآآآآآآآآآه يا أخي في العروبة و الإسلام , لو كنت تدرك مرارة كل حرف من جملتك هذه…لما استطعت أن تنطقها!!!!!!!!!!!!!!
آآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أخي في العروبة و الاسلام, لو كنت تدرك أن جملتك هذه هي اشد ثقلا علينا من حمل أمتعتنا ….لما استطاع لسانك حمل تلك الحروف!!!!!!!
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أخي في العروبة و الإسلام , لو تدرك حلاوة الحلم بالعودة للوطن عندما يتحول لحقيقة لما هان عليك أن توقظنا !!!!!!!!!!!
آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه يا أخي في العروبة و الاسلام….كيف تشتت العائلة من جديد فأولاد دخلوا و آباء منعوا !!! و نساء يبكين…….و عجائز يتوسلون……..و مرضى يبكون …….و انا أنظر إلى كل الوجوه ..ربما لأخفف من شعوري بالقهر أو أزيد!!!
كيف تصل اللقمة إلى فم الجائع و يسحبونها منه!!!!!!!!!!!!
كيف تبكي الحرائر و لا تجد لدمعتها وزناً لنخوة عربي !!!!!!!!!!

طوال وجودي في صالة الجوازات لم يهتز لي جفن و لم اذرف دمعة واحدة حتى و انا ارى رجال الأمن يقذفون حقائب المسافرين يجبرونهم على العودة الى الجانب المصري…ربما كنت ابكي بصمت ..و ربما كنت أحاول التجلد في موقف يستحق من الرجال قبل النساء البكاء فيه !!!
كنت آخر من خرج من الصالة ..ربما كان تمسكاً بالأمل حتى آخر لحظة!!
وخرجت فقط قبل أن تُهان كرامتي كامرأة عربية مسلمة قبل أن أكون الرسامة المشهورة ….أغلقوا بوابة المعبر…حينها فقط بكيت …وبكيت بحرقة ..كنت دوماً أداري دمعتي …ولكني بكيت أمام الجميع..فالجميع يا إخوتي في العروبة والإسلام… كان يبكي!!!!
أمية جحا
http://www.omayya.com/new/index.htm

كُتب في مختلفة, منائر | التعليقات على عندما يئدون حتى الحلم! …. رسامة الكاريكاتير الفلسطينية المبدعة أمية جحا مغلقة

رســالة غـيرة وغيــظ مـن تركيـــا …الاستاذ فهمي هويدي

كلما زرت تركيا عدت مسكونا بمشاعر الغيرة والغيظ‏,‏ وهو ما انضافت إليه هذه المرة مسحة حزن لا أستطيع كتمانها‏.‏

(1)‏ كانت مناسبة زيارة الأسبوع الماضي أنني دعيت للمشاركة في مؤتمر للحوار المصري التركي‏,‏ نظمه برنامج الدراسات الحضارية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بالتعاون مع منتدي‏’‏ ابانت‏’‏ التركي المختص بإدارة الحوار مع الثقافات الأخري في الشرق والغرب‏.‏ وكان المؤتمر بمثابة حلقة في سلسلة الحوارات المستمرة بين المصريين والأتراك منذ الفتح العثماني لمصر في عام‏1517‏ م‏,‏ والتي تخللتها مراحل من الفتور النسبي‏(‏ إبان عهد محمد علي باشا وما بعده‏),‏ ومراحل أخري من الجمود خصوصا في عقب ثورة يوليو عام‏1952.‏ إلا أنه من الثابت أن الصلات الاجتماعية لم تنقطع طوال الوقت‏,‏ حيث ظلت استانبول مقصدا للطبقة الأرستقراطية المصرية‏,‏ حيث يذكر صاحب كتاب‏’‏ الأتراك في مصر‏’_‏ الدكتور أحمد البحيري‏_‏ في دراسته التي كانت أطروحته لنيل الدكتوراه‏,‏ أن المصريين الذين زاروا المدينة في عام‏1910‏ وصل عددهم إلي خمسة آلاف شخص‏.‏

خلال السنوات الأخيرة نشطت السياحة بين مصر وتركيا‏.‏ لكن التجار المصريين أصبحوا ينافسون السياح في العدد‏,‏ بعدما حققت الصناعة التركية قفزات بعيدة أهلتها لدخول السوق الأوروبية والتوغل في جمهوريات آسيا الوسطي‏.‏ وغزو العالم العربي من أقصاه إلي أقصاه‏.‏ وهي الطفرة التي تستثمرها منظمات رجال الأعمال الأتراك وعلي رأسها منظمة‏’‏ الموصياد‏’‏ التي وجهت نشاطها للعالم الإسلامي وحققت نجاحات كبيرة في أرجائه‏.‏

لا يقصر الأتراك في التعبير عن الزهو بما حققوه في المجال الاقتصادي‏,‏ الأمر الذي أهل بلادهم لأن تصبح من أهم‏15‏ دولة صناعية في العالم‏,‏ إلي جانب أنها تحتل المرتبة السادسة بين أفضل الدول المنتجة والمصدرة للمنسوجات‏.‏ إلي غير ذلك في المعلومات التي تبهر الزائرين‏,‏ في حين أنها تشعر أمثالي من المصريين بالخجل‏,‏ لأن السلطان سليم حين فتح مصر في أوائل القرن السادس عشر انتابه ذات الشعور بالانبهار إزاء ما وجده بها من حيوية وتقدم في الفنون والعلوم‏,‏ فاستقدم إلي الأستانة عاصمة الدولة العلية‏.‏ أعدادا كبيرة من الحرفيين والمهنيين المهرة كما جلب معهم بعضا من أهل العلم‏,‏ علي ما يذكر المؤرخ المصري‏’‏ ابن إياس‏’,‏ وبقي هؤلاء هناك عدة سنوات نقلوا خلالها خبراتهم ومهاراتهم إلي الأتراك ثم أعادهم السلطان سليمان الأول إلي مصر بعد ذلك‏,‏ في حين فضل بعضهم البقاء هناك‏.‏

تضاعف شعوري بالخجل واختلط بفيض من الحزن والانكسار‏,‏ حين قرأت في الصحف التركية ذات صباح أن سفينة محملة بالمصريين الفارين من البطالة والفقر حاولوا التسلل إلي تركيا‏.‏ لكنها لم تصمد أمام شدة الأمواج‏,‏ فغرقت بهم علي سواحلها‏,‏ وأغرقت معها أحلام‏90‏ شابا مصريا‏.‏ وهي فاجعة دفعتني إلي المقارنة بين زمن ذهب فيه المصريين إلي تركيا لينقلوا إليها فنون الصناعات والحرف والعلوم‏,‏ وزمن آخر قصدها فيه المصريون عاطلين ليغرقوا علي سواحلها‏.‏ وكان وفد الباحثين المصريين المشاركين في مؤتمر الحوار من أبناء ذلك الزمن الثاني‏.‏

(2)‏ ضمت المجموعة ثلاثة عشر شخصا‏,‏ كانوا خليطا من أساتذة العلوم السياسية والمتخصصين في الشأن التركي والمهتمين به‏,‏ تقدمتهم الدكتورة نادية مصطفي أستاذة العلاقات الدولية ومديرة برنامج حوار الحضارات‏.‏ أما الفريق التركي فقد كان أغلبه من الأكاديميين وقلة منهم جاءوا من عالم السياسة‏,‏ وفي المقدمة من هؤلاء السيد يشار ياكيش‏,‏ السفير الأسبق في مصر‏,‏ الذي عين لاحقا وزيرا للخارجية‏,‏ وهو الآن عضو في البرلمان عن حزب العدالة والتنمية‏.‏

شأن كل نجاح يأسر الناظرين ويجعلهم يصرفون النظر عن كل ماعداه‏,‏ فإن إنجازات التجربة التركية ظلت مخيمة علي الحوار طوال الوقت‏.‏ وهي هيمنة مستحقة‏,‏ ترشح الواقفين وراءها لنيل مختلف جوائز التقدير والإعجاب‏.‏ إذ في عالم السياسة فإن الجائزة الكبري التي ينالها أهل الحكم في أي بلد هي رضا الناس‏,‏ واقتناعهم بأن استمرار الحاكمين في مواقعهم يضيف إلي حياتهم ويقلل من معاناتهم ويعطيهم أملا في مستقبل أفضل‏.‏ وهذا بالضبط ما فعله حزب العدالة والتنمية‏,‏ حين خاطب المجتمع بلغة الإنجاز‏,‏ التي تردد صداها في بيوت الناس وجيوبهم‏.‏ من ثم فإنهم لمسوا ذلك الإنجاز ولم يقرأوا عنه في الصحف فقط‏.‏ وهو ما حدث حين تضاعف متوسط دخل الفرد في أربع سنوات من‏2500‏ دولار في الشهر إلي خمسة آلاف دولار‏,‏ وحين انخفضت نسبة التضخم في الفترة ذاتها من‏37%‏ إلي‏9%,‏ وحين استقر سعر الليرة التركية

وتجاوزت مرحلة التقلبات المفاجئة‏,‏ وحين وزعت الكتب والكراريس بالمجان علي عشرة ملاين تلميذ بالمدارس الحكومية في المرحلة قبل الجامعية‏,‏ وحين تم بناء‏300‏ ألف مسكن للعائلات الفقيرة‏.‏ وحين تم توزيع مليون ونصف المليون طن من الفحم علي المعوزين في شتاء كل عام‏.‏ ذلك غير زيادة قيمة الصادرات من‏36‏ مليار دولار إلي‏95‏ مليارا‏,‏ وتخفيض ديون تركيا لدي صندوق النقد الدولي من‏23‏ مليار دولار إلي‏9‏ مليارات فقط‏(‏ رئيس البنك المركزي في أنقرة صرح بأن بلاده لم تعد بحاجة إلي صندوق النقد‏),‏ وشق طرق في أربع سنوات بطول‏6500‏ كيلو متر في حين أن كل ما تم شقه منذ قيام الجمهورية قبل‏80‏ عاما لم يتجاوز‏4500‏ كيلو متر‏…‏ إلخ‏.‏

حين يكون الإنجاز بهذه الصورة فإن أي قادم إلي تركيا وأي متحدث عنها لا يملك سوي أن يحني رأسه تقديرا لتجربتها‏,‏ ولابد أن يعذر إذا ظل بصره مشددا إلي الوجه الإيجابي في التجربة‏,‏ ويصبح النظر إلي ما هو سلبي فيها من قبيل التصيد والتنطع غير المستساغين‏.‏ بوجه أخص فإنه حين يكون الزائر قادما من مصر فإن تعامله مع التجربة ينبغي أن ينطلق من منظور التدبر والتعلم قبل اي شئ آخر‏.‏

(‏ 3)‏ تطرقت المناقشات إلي ملفات عديدة في التجربة التركية‏,‏ التي استأثر ملف‏’‏ العلمانية‏’‏ بالقسط الأكبر منها‏.‏ وللعلم فإن العلمانية في تركيا ولدت دينا له قداسته وكهنته‏,‏ وله معتنقوه المتطرفون والأصوليون ومنهم‏’‏ الوسطيون‏’‏ والمعتدلون‏.‏ إلا أن مفهومها تطور بمضي الوقت‏.‏ وكان أهم ما في ذلك التطور أنها تحولت من مخاصمة الدين إلي مصالحته‏.‏ وهو ما دعا السيد يشار ياكيش إلي اعتبارها علمانية‏’‏ إيجابية‏’‏ في موقفها من الدين وليست سلبية‏.‏ فهي لا تعزل الدين عن المجال العام‏,‏ وإنما تحدث تمييزا بينه وبين السياسة‏.‏ وهذا الحضور للدين في المجال العام تمثل في الدور الكبير الذي يقوم به الوقف في المجتمع التركي‏,‏ علي ما سنري بعد قليل‏,‏ الأمر الذي حوله إلي رافعة مهمة في تنمية المجتمع والنهوض به‏.‏

والمقصود بالتمييز بين ما هو سياسي وما هو ديني‏,‏ أن القرار السياسي لا يعتمد علي المرجعية الدينية‏,‏ لكنه لا يتصادم معها‏.‏ وبهذا التطور في مفهوم العلمانية‏,‏ الذي في ظله تم عبور مرحلة الخصومة مع الدين ومحاربة المتدينين‏,‏ فإنه تم فض الاشتباك بين العلمانيين والمتدينين‏,‏ الأمر الذي مكن حزب العدالة من أن يعبر عن التزامه بالعلمانية في صيغتها المعدلة‏.‏

في استجلاء هذه النقطة‏,‏ ذكر بعض المتحدثين الأتراك أنه حين تكون نسبة المسلمين في البلد‏99.6%,‏ وحين تبين استطلاعات الرأي أن ثلثي الشعب التركي من المتدينين‏,‏ وأن الثلث فقط قريب من العلمانية بتنويعاتها المختلفة‏,‏ فإنه يتعذر علي العلمانية المخاصمة للدين أن تستمر فيه‏.‏

استطرادا من هذه النقطة قال متحدثون آخرون إن التطوير أو التعديل لم يكن مقصورا علي مفهوم العلمانية‏,‏ ولكنه أيضا طال أفكار الناشطين الإسلاميين‏,‏ كما كان له صداه في موقف الجيش‏.‏ وهو ما يشهد به مسار الحركة الإسلامية التي قادها نجم الدين أربكان في السبعينيات وحققت نجاحات محدودة‏,‏ لا تقارن بالنجاح الكبير الذي حققه حزب العدالة والتنمية‏,‏ الذي خرج قادته من عباءة أربكان ومشروعه‏,‏ الامر الذي مكن الحزب من الحصول علي أغلبية كبيرة في الانتخابات‏,‏ ومن ثم الوصول إلي رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة‏.‏ والفرق الجوهري بين مشروعي أربكان وأردوغان‏,‏ أن الأول خاطب المجتمع بلغة الداعية الذي يتطلع إلي إصلاحه‏,‏ في حين أن أردوغان وجماعته خاطبوا المجتمع بلغة الفاعلين المنجزين الذين يتطلعون إلي خدمته والنهوض به‏.‏ وكانت النتيجة أن الناس انحازوا إلي الفاعلين المنجزين وليس إلي الدعاة القوالين‏.‏

الجيش كانت له لغته التي اعتاد أن يتعامل بها مع الأنظمة التي يشك في صفاء علمانيتها‏,‏ وله ثلاثة انقلابات شهيرة في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات‏,‏ أطاح فيها بثلاثة أنظمة وأعدم واحدا من رؤسائها‏(‏ عدنان مندريس‏).‏ وانقلابه الرابع الذي تم في التسعينيات ضد نجم الدين أربكان أعتبر أبيض‏,‏ لأنه اضطرهم للاستقالة وأسقط حكومته مستخدما في ذلك عضلاته دون سلاحه‏.‏

هذه المرة لم يكن الجيش سعيدا بحكومة حزب العدالة‏,‏ حتي قاطع رئيس أركانه حفل تنصيب رئيس الجمهورية عبد الله جول‏,‏ لكنه لم يذهب إلي أبعد من التعبير عن الامتعاض لا أكثر‏.‏ وهذا موقف غير مألوف من جانب قادتهم‏,‏ ربما كان يمثل استجابة لضغوط الاتحاد الأوروبي الذي تتطلع تركيا للإنضمام إليه‏,‏ لكن أحدا لا ينكر أن المناخ الجديد الذي حل بالبلاد له دوره الأكبر في تغير موقفه‏.‏

المناقشة المهمة جرت حول تفسير ذلك التحول‏,‏ ففي حين قال أحد الأتراك إن تطبيق النظام العلماني هو الذي أدي إلي تهذيب مختلف الأطراف‏,‏ فإن أكثر من متحدث اعتبروا أن الديمقراطية هي صاحبة الفضل فيما جري متحفظين علي الربط التلقائي بين العلمانية والديمقراطية‏,‏ ومذكرين بأن الاستبداد في العالم العربي‏_‏ ماضيه وحاضره‏-‏ مرتبط بالنظم العلمانية‏.‏

(4)‏ لا يتسع المجال لاستعراض المناقشات التي جرت حول بقية الملفات‏,‏ لكنني لا استطيع أن اختم دون أن أتوقف عند موضوعين اثنين حظيا بقدر غير قليل من الاهتمام أثناء المؤتمر‏.‏ الأول يخص وضع المجتمع المدني في تركيا‏,‏ والثاني يتعلق بمسألة الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي‏.‏ ذلك أن قوة المجتمع المدني في تركيا أصبحت احد أهم مميزات تجربتها‏.‏ وهذه القوة لا ترجع فقط إلي تعدد الأحزاب والمنظمات الحقوقية‏,‏ ولكنها مستمدة بالدرجة الأولي من الحضور الكبير لمؤسسات الوقف الأهلي‏,‏ التي أصبحت عصب التنمية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في البلد‏.‏ ذلك أنه ما من مجال لحركة المجتمع إلا وله وقف يموله و يدعمه‏.‏ حتي بلغ مجموعها‏780‏ ألف وقف أهلي وخيري‏,‏ اغلبها يغطي الأنشطة الاجتماعية والخيرية‏,‏ والبعض الآخر يختص بأنشطة مغايرة‏,‏ مثل وقف التصحر وتعزيز القوات المسلحة والبحث العلمي والنشاط الثقافي والمتحفي ومعالجة الأطفال المصابين بالسرطان و العمل الصحفي‏…‏ الخ‏.‏

وهذه الأنشطة المتغلغلة في مختلف نواحي الحياة‏,‏ جعلت المجتمع شريكا وفاعلا في صياغة حاضره ومستقبله‏,‏ فضلا عن أنها وفرت له قدرا من العافية والمناعة جعلته في موقف الند من السلطة‏,‏ وليس التابع لها‏.‏

موضوع الانضمام إلي الاتحاد الأوروبي الذي أفاض فيه المتحدثون الأتراك باعتباره إحدي ركائز السياسة الخارجية‏.‏ و قد كان واضحا من كلماتهم أن الأمل في تحقيق الانضمام يتضاءل بمضي الوقت‏.‏ ليس فقط بسبب التسويف الأوروبي المستمر منذ عام‏1959(‏ الذي انضمت فيه تركيا إلي المجمع الاقتصادي الأوروبي‏),‏ ولكن أيضا بسبب تزايد الاعتراض من جانب الحكومات الأوروبية ـ الرئيس الفرنسي ساركوزي احدث المعترضين ـ التي يتحفظ بعضها علي انضمام دولة تضم‏72‏ مليون مسلم إلي الاتحاد‏.‏ حتي أن احد المتحدثين قال أن بعض المتعصبين الأوروبيين يعلنون أن أوروبا لم تسمح لتركيا في الماضي بأن تدخل إلي أوروبا بقوة السلاح‏,‏ وأولي بها أن ترفض دخولها الآن وهي مسالمة وبغير حرب‏.‏

في هذا السياق فان احد الأتراك لفت النظر إلي أن رؤساء دول الاتحاد الأوروبي الـ‏27‏ حين وقعوا في لشبونة أخيرا معاهدتهم الإصلاحية‏_‏ التي حلت محل الدستور‏-‏ فان احتفالهم بالمناسبة أقيم في دير‏’‏ جيروتيموس‏’‏ بما يشير ضمنا إلي الطابع المسيحي للاتحاد‏,‏ الامر الذي قد يراد به توصيل رسالة تعلن انه لا مكان لتركيا في المنظومة الأوروبية‏.‏ يشار ياكيش وزير الخارجية السابق حين تحدث في الموضوع قال إن حسم مسألة الانضمام للاتحاد الأوروبي سوف يستغرق عشر سنوات‏.‏ ونقل عن رئيس الوزراء طيب اردوغان في هذا السياق قوله أنه خلال هذه الفترة ستستمر تركيا في إصلاح أوضاعها الداخلية‏.‏ وقد لا يكون الرؤساء الأوروبيون المعترضون الآن موجودين في السلطة وقتذاك‏,‏ وربما تكون تركيا في وضع يسمح لها بالعزوف عن الانضمام للاتحاد‏.‏

إن ما فعلته تركيا ليس فيه سر‏,‏ لان التقدم له أسباب من اخذ بها فاز‏,‏ ومن تخلي عنها خاب وانتكس‏.‏ ولا يقف الأمر فيه عند حدود الرغبة‏,‏ وإنما لابد لتلك الرغبة من عزيمة قوية وإرادة مستقلة‏.‏ وذلك سبب إضافي لما عانيته في الرحلة الأخيرة من غيرة وغيظ وحزن‏.‏

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على رســالة غـيرة وغيــظ مـن تركيـــا …الاستاذ فهمي هويدي مغلقة

الأقليات المسلمة في العالم

الأقليات المسلمة في العالم

2007-12-16

مفكرة الإسلام: ما زالت الدراسات الإحصائية عن الأقليات في العالم بحاجة إلى مزيد من الجهد وتضافر الجهود، لما لهذا الموضوع من أهمية بالغة وحتى نخرج بتقديرات أقرب إلى الواقع نسترشد بها في تتبع أحوال هذه الأقليات، ونعتمد عليها كمؤشر ذي دلالة بالغة لدراسة تطور أعداد المسلمين إليها.
ولعل من أفضل الوسائل التي يمكن أن نعول عليها في هذا المجال، توثيق الصلات بالأقليات المسلمة والاستعانة بالمراكز الإسلامية والجمعيات والاتحادات الإسلامية المختلفة وأن نبسط لها يد العون والتأييد.
كما يجب ألا نتغافل عما تتعرض له الأقليات المسلمة في أوربا وآسيا من تضييق للخناق، فحري بنا نحن المسلمين أن نولي هذا الموضوع ما يستحقه من الدراسات العلمية، واتخاذ كافة السبل لتوثيق الصلات بهذه الأقليات ودعمها حتى يقوى كيانها وتقف في وجه التيارات التي تتعرض لها.
يختلف تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم بين الباحثين؛ فمنهم من يقدر أعداد هذه الأقليات بأقل من 220مليونًا، ومنهم من يقدر أعداد الأقليات المسلمة بأكثر من ذلك، ويشمل ذلك الاختلاف كذلك عدد الدول الإسلامية؛ إذ إن بعض الباحثين يقدر عدد الدول الإسلامية بسبع وخمسين وحدة إسلامية[1]، وبعضهم الآخر يقدر عدد الدول الإسلامية بخمسين دولة (اثنتين وعشرين دولة آسيوية، وسبع وعشرين دولة إفريقية، ودولة أوروبية)[2].
وفي دراسة أجراها فريق من الباحثين بمجلة Time قدر عدد الدول الإسلامية بسبع وثلاثين دولة على النحو التالي: (عشرون دولة إسلامية في آسيا، ست عشرة دولة في إفريقيا، دولة واحدة في أوروبا هي ألبانيا)[3].
إذا كان هذا هو الاختلاف في تقدير عدد الأقطار الإسلامية، فليس من المستغرب أن يكون هناك اختلاف كبير في تقدير أعداد الأقليات المسلمة في العالم.
وهناك مجموعة أخرى من العوامل التي لا يمكن تغافلها تحول دون تقديرات صحيحة للأقليات المسلمة في العالم منها:
1. عدم اهتمام كثير من الدول بإحصاء الأقليات الدينية بحجة أن مثل هذه التعداد يؤدي إلى مشكلات طائفية، والحقيقة لا يمكن إنكارها، هي أن بعض هذه الدول تخشى أن يدرك المسلمون أحجام أعدادهم الحقيقية والأثر الذي يمكن أن يؤدي إليه ذلك.
2. يلجأ كثير من المسلمين في بعض الدول التي يكثر فيها اضطهاد الأقليات خاصة المسلمة إلى إخفاء عقائدهم وشعائرهم الدينية، والتظاهر باعتناق المعتقدات التي تساير الاتجاه العام للدولة حتى يكونوا بمنأى عن ذلك.
3. يعيش معظم المسلمين في أقطار نامية لا تجري إحصاءات حيوية خاصة بعدد المواليد والوفيات والزواج والطلاق وعدد أفراد الأقليات الدينية المختلفة.
4. بينما يسود اتجاه عام بين الشيوعيين والمستعمرين الأوربيين يميل إلى تقدير عدد المسلمين بأقل من عددهم الحقيقي، فإن هناك من جهة أخرى بعض الباحثين المسلمين الذين يميلون إلى المبالغة في تقدير عدد المسلمين.
5. تتباين التعدادات التي تجريها الأقطار التي تضم المسلمين من حيث مواعيدها، ودقتها وشمولية معلوماتها، وكل هذه أمور لا تساعد على التقديرات الصحيحة لأعداد المسلمين، كما أن هناك أقطارًا إفريقية لم تعرف التعدادات وكل ما هنالك من أرقام عن المسلمين ليس إلا تقديرات أجرتها الحملات التنصيرية وفق ما يخدم أغراضها.
6. يدرس بعض الباحثين جمهوريات الاتحاد السوفيتي الإسلامية كوحدات مستقلة، كما يدخل نفر من الباحثين فلسطين المحتلة في أعداد الأقطار الإسلامية، بينما يرى بعض الباحثين غير ذلك.
7. لعل من أهم الأسباب التي ينتج عنها اختلاف في تقدير أعداد الأقليات المسلمة بين الباحثين، هو اختلافهم حول تحديد مفهوم الدولة الإسلامية، هل الدولة الإسلامية هي الدولة التي تزيد فيها نسبة المسلمين على نصف سكانها؟ أم أن الدولة تعد إسلامية إذا كانت نسبة المسلمين فيها تزيد على أي من نسب أتباع الديانات الأخرى وإن لم تتجاوز هذه النسبة 50% من جملة السكان.
وفي رأيي أن الدولة تعد إسلامية إذا كان المسلمون فيها يمثلون أكبر نسبة بين أيٍّ من الديانات المختلفة التي تسود هذه الدولة.
على ضوء التقديرات والإحصائيات المتاحة عدد السكان المسلمين والأقليات المسلمة سنة 1985م على النحو التالي:
ملاحظة: التعداد بالمليون.

القارة

عدد السكان المسلمين

الأقليات

المجموع

آسيا

470

282

752

إفريقيا

223

70

293

أوروبا

2

15

17

الأمريكتان

ـ

4

4

أستراليا

ـ

0.3

0.3

لمجموع

695

371.3

1066.3

النسبة

65%

35%

100%

إن معرفة عدد الأقليات المسلمة في أقطار العالم المختلفة هو أمر بالغ الأهمية؛ لأنها مؤشر ذو دلالة في مجال تطور أعداد المسلمين وزيادتهم ، سواء أكانت هذه الزيادة وليدة النمو السكاني، أو نتيجة للتحول إلى الديانة الإسلامية، وتحول الكثير من الناس خاصة الأوروبيين وسكان أمريكا الشمالية إلى الإسلام مصدر مهم ينبغي تتبعه ودراسة كافة الوسائل التي يمكن أن تُسهم في تنميته.

[1] – غلاب محمد السيد، حسن عبد القادر، محمود شاكر (البلدان الإسلامية والأقليات الإسلامية في العالم المعاصر ) من مطبوعات المؤتمر الجغرافي الإسلامي الأول، صفر سنة 1399هـ/يناير سنة 1979م.
[2] – محمد محمود،(خريطة العالم الإسلامي)، دراسات مجلة كلية التربية، جامعة الملك سعود،م 4سنة1982م، ص 210.
[3] – The Weekly Newsmagazine Time، April 16، 1979، PP.6-16. The، World of Islam
* حسبت الزيادة حسب معدلات متوسط النمو السنوي للسكان في كل دولة من الدول التي تضم المسلمين اعتمادًا على معدلات النمو السنوي في تقارير الأمم المتحدة عن التنمية في العالم سنة 1984م.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على الأقليات المسلمة في العالم مغلقة

الذين يتوبونَ ويَذَّكَّرون – 2007-11-29

يحكى أن حلاقاً طلب من أحد مساعِدَيه إتمام حلاقة زبون، وحالما وضع المساعد الشفرة انزلقت لتقطع أذن الزبون فقال المساعد الثاني: ارمها بسرعة في القمامة قبل أن يراها المعلم.

في مجتمعاتنا من يريد التخلص من ثقل التاريخ وأزمات الحاضر بمثل هذه الطريقة، غاضاً النظر عن مستلزمات النهوض، وعوائق المرحلة، وقد تحصل غفلة مخيفة عن قوله تعالى: (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يَذَّكَّرون) التوبة 126…

هناك من يعكس ضعفه على من حوله ناسياً قولة الشاعر:

خلق الله للمعالي أناساً        وأناساً لقصعة وثريدٍ

وهناك من يرتجف قلبه إذا سمع بموقف لشجاع، ويؤرقه الحديث عن الظلم إذ هو جزء من نسيجه، ولبنة من لبناته، فلا يكتفي بالصمت (والساكت عن الحق شيطان أخرس)، بل يُخذِّلُ ويُنشبُ سهامه في الظهور، ويمنعه الجبن عن الجهر بالحق … وما أرى له عذراً إذ يحب توزيع الصفات وتصنيف الناس (مشاركاً الظالمين في ذلك) إلا أن توجد له صفة تناسبه، وألطف مايقال له:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها                  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فدونك الهبش من الطعام أو البقول، وإن شئت من لحومنا فكل منها هنيئاً مريئاً وكفى بك على نفسك شاهداً ومصنفاً وحسيباً.

وكلا الصنفين مما لم يعد يستحق أن يبذل له الوقت، وإنما يذكر من باب الطرائف الجارية في الأمة، أما الغيورون عليها فلهم حديث آخر، مقدمته إعادة استنبات الأمل في قلوبهم، إذ كلنا بشر والوقائع المحيطة تكاد تنهد لها الجبال وأهل العمل والمواقف قلة، وأهل الكلام يستعصون على العد ورغم ذلك فإن البشائر كثيرة، ومن أهمها الممانعات التي تجدها سياسات الدول الكبرى في بلاد المسلمين، إذ رغم نجاحاتها الجزئية لكنها تخفق في جوانب أخرى بحيث يبدو (والله أعلم) أنها لن تتمكن من الأرض حتى تكون قد أفنت من جهودها ورجالها ومواردها ماهو كفيل بدفعها إلى نهاية قريبة هي التي زرعت مقدماتها.

كما أن من البشائر الوعي المتنامي في صفوف عامة المسلمين وخصوصاً الشباب والشابات منهم، ممن لم يعد مرتبطاً بالتوابيت المحنطة الخشبية التي تفرضها السلطات في كثير من البلدان نموذجاً إجبارياً للدين، بل انطلقوا بحرية يحسدون عليها، وبفطرة زاخرة يبحثون عن الحق، ويبسطون الإيمان هوية نقية وفقهاً مبسطاً ونية صافية، بعيدة عن عقد التاريخ، وأصفاد القوى المتحالفة (حكام الظلم، شيوخ الدجل، أصحاب الأموال الحرام)، وأولئك الفتيان والصبايا، هم بصراحة أعظم من يمد بساط الإيمان في كل أرض إذ “جعلت لي كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً” كما يقول النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم، بعد أن حصر الظالمون الإيمان في المساجد، وأعانهم بعض الغافلين ذوي النظر القصير والمنطق البدائي، فلم تقو الأسوار على الفطرة فبدأت قطرات منها تتسرب هاربة لتتجمع سواقي صغيرة ستصبح بحراً من الخير قد لا يأتي بين يوم وليلة، لكن مده بدأ يعلو ولو ببطئ شديد.

ومن البشائر أيضاً المراجعات التي كانت تطل خجولة فبدأت تصبح مواقف معلنة من قبل قيادات إسلامية شتى، متأسية بالمنهج النبوي: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” ومعيدة سمت الإمام الشافعي رحمه الله إذ أفتى في مسألة فلما تبين له عدم الصواب فيها استأجر من يطوف في الطرقات ينادي: أن من كان أفتاه محمد بن إدريس بكذا فقد غلط عليه، والجواب في المسألة كذا…

لم يكن معتاداً أن تعترف أية جهة إسلامية بأن منهجها كان فيه قصور أو خطأ، وربما يكون من أوائل من قرر ذلك بشكل صريح في الزمان القريب هو بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله فقد ترك شخصية سعيد الأول إلى سعيد الثاني (ومهما كان هناك من ملاحظات على ذلك) ولكنها خطوة شجاعة جداً، ربما يكون دفقها هو الذي ولد في الحركة الإسلامية  التركية فكر البحث عن الأصوب وعدم التحنط في الهياكل التاريخية، وفي مصر ملكت الجماعة الإسلامية الشجاعة لتقول للناس أن منهج التكفير واستباحة أموال الناس ودمائهم، والذي كانت تتبناه هو منهج منحرف، وأعلنت الجماعة توبتها منه وأصدرت مراجعات فكرية وشرعية قيمة مؤصلة حول ذلك، وقد ذكر العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله أن الإمام حسن البنا رحمه الله عندما رأى الآثار المدمرة للشباب الذي اتجه نحو التفكير العنفي قال عبارته الشهيرة: لو استقبلت من أيامي ما استدبرت لرجعت إلى أيام المأثورات، وهو مفترق طريق لم يتح للبنا الوقت الكافي لإعادة بلورته فاستشهد، وأصيبت جماعته بعدها بسلسلة محن لم تستفق معها لفقه ماقال، فدفعت تنظيمات الإخوان المسلمين في العديد من الدول العربية ثمناً باهظاً لتبنيها خط العنف والصدام العسكري مع الحكام، واليوم انتبه أكثرها لذلك، وبدأت مراجعات متفرقة، لعل من أبرزها مايطرحه الأستاذ راشد الغنوشي، ثم بعض القيادات الإسلامية المصرية والسورية، ولكنها لم تصل إلى حد التبلور الصريح لخط جديد والاعتراف الصريح بخطأ طروحات المرحلة الماضية، ولكنها تبقى على كل خطوة إيجابية.

أما التحول الملفت للنظر فهما موقفان لعالمين جليلين أولهما العلامة الدكتور يوسف القرضاوي إذ وجه رسالة صريحة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب إثر التفجيرات الرعناء والوحشية التي قام بها في الجزائر، وطالبه بالكف عن تلك الأعمال المرفوضة بكل ميزان، وأما الموقف الثاني   فهو الكلام الذي وجهه الداعية الشيخ سلمان العودة إلى الشيخ أسامة بن لادن وبالاسم الصريح جهاراً نهاراً يستدعي فيه غيرته على الإسلام لمراجعة المنهج الذي انخرط فيه تنظيم القاعدة[1] مما كان له أفدح الأثر على الإسلام والمسلمين في الأرض كلها، ثم كان التحول الأكبر هو أخر خطاب للشيخ أسامة بن لادن [2] نفسه عندما تحدث عن وجوب تدارك أخطاء وقع فيها العمل الجهادي خصوصاً في العراق. [من الضروري القول أنه منذ عدة قرون لم يظهر تيار انحرف بمعنى أصيل من معاني الإسلام وهو الجهاد إلى موقع في غاية التفجير للإسلام نفسه مثلما فعل تنظيم القاعدة، والذي قد لا يغيب الإخلاص عن العديد من كبار وصغار أعضائه، ولكن وبعيداً عن أية مجاملة فإن الفكر الدموي والتكفيري والعنفي والصدامي الذي يحمله تنظيم القاعدة هو فكر مرفوض شرعاً وعقلاً وآثاره الماحقة في تشظية المسلمين وسفك دمائهم مما لا يخفى على أحد، وقد تحدث الشيخ أسامة بصيغة عامة لكنها ليست كافية مالم يكن هناك تغيير جذري في أفكار التنظيم ومنها توبته عن سفك دماء الناس، ثم براءته من فكر التكفير، وهو ربما ماجعل الشيخ يتحدث عن الأخطاء بعد أن صار واضحاً وثابتاً أن الفكر الدموي والتكفيري قد استباح من دماء العراقيين وخصوصاً المسلمين وبالتحديد أهل السنة والجماعة مالم يستبحه من دماء الأميركان أنفسهم .. حتى أن معظم الفصائل الإسلامية الجهادية (السنية) تبحث عن التحالف في بينها لرد غارة إخوانها عليها.. ولكن يبقى تصريح ابن لادن إيجابياً مؤداه: أيها العاملون للإسلام والغيورون لستم بمعصومين فتداركوا أخطاءكم، ونرجو أن يعقب تلك المبادرة تفعيل أعظم بحيث تتجه طاقات كافة الفصائل الإسلامية إلى إخراج المحتل وليس إلى تصفية بعضها … فإن دماء الناس معصومة إلا بحقها ودماء المسلمين مهما اختلفت مشاربهم عزيزة نفيسة …. وما من حفظ لها إلا بمراجعات دائمة تعيدها إلى الصواب في الجهاد والفقه والحركة.

كل تلك المواقف من البشائر التي لا تظهر آثارها سريعاً، ولكن لها إيجابيات هائلة، وقد سبق عدة مرات ذكر أن محاور الخطر الأساسية التي تواجهنا هي ثلاثة: الهيمنة الخارجية، والتي لا يمكنها في بلادنا إلا العامل الثاني وهوالاستبداد السياسي الذي صادر حرية الأمة فشل معظمها ودفع بباقي شبابها تحت ضغط الحاجة والغيرة عليها إلى الفكر الدموي والتكفيري، والمحور الثالث هو النخر أو النزيف الداخلي، وهو أخطرها على الإطلاق، ومن البشائر أن يبدأ الوعي بخطره بين أبناء وبنات الإسلام ، ودعاته وحملته من الجماعة الإسلامية إلى الشيخ أسامة … وعندما سنحدد الأخطاء ونعترف بها فستتوقف النزوفات وكلما تعمقنا في معرفة الأخطاء أكثر أغلقنا أبوابها واتجهنا إلى العمل الإيجابي أكثر، وعندها فستضيق الساحة بين أيدي الظالمين، وستتآكل الألوهية المزعومة التي أوهمونا إياها بسبب ضعفنا وسيظهر تماماً بيت العنكبوت الذي هو بيتهم الحقيقي، وعندما يجردون من تلك الحيل الفارغة فسيرجعون بشراً عاديين وإلى أحجامهم الطبيعية وسنكون أول من يعينهم على الخروج من الفرعونية والعودة إلى آدميتهم التي أضاعوها بالطغيان، وإنسانيتهم التي فقدوها بالتكبر والقهر والغرور.

وعندما ستزول تلك الأنظمة الظالمة فلن يستطيع أحد أن يهيمن على الأمة، وستتكسر   طلاسم الفراعين الأكبر أصحاب الهيمنة الدولية وسيشرق فجر جديد.

ليس الاعتراف بالخطأ سهلاً كما قد يتصور البعض، بل هو عملية جذرية في التفكير والتصورات والمبادئ والأصول الشرعية وتقدير المصالح، والموازنة بين الهدف القريب والبعيد.

لنأخذ مثالاً عن ذلك ملف إيران النووي، والحشد الغربي الدولي ضدها.

لقد عانى المسلمون تاريخياً من شرخ حاد بسبب الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، ولكنني أزعم أن الاحتقان الموجود الآن لم يسبق قط ، وكان الصراع يعمل على المحور السياسي ثم العلمي والفقهي، وقد تتفاقم الأمور فتتسرب إلى العامة فتحصل اشتباكات واعتداءات لا تلبث أن تنطفئ ويعود الناس إلى حياة طبيعية فطرية، ويتجاورون ويتزوجون من بعضهم ويتبايعون رغم كل الخلافات، لأن الحامل الشرعي الفطري ثم الاجتماعي الذي يضمهم يبقى مهما حصل أكثر زخماً من التفعيل السياسي أو السجال العلمي أو التناوش والصدام العملي، الذي قد يحصل في أماكن تبقى محدودة ولا تنتقل لتصبح فتنة عارمة.

لماذا لم ينتبه أحد إلى أن إذكاء الفتنة الطائفية يتجه إلى مستويات مخيفة بسبب الحقن من كل الأطراف، ولماذا لم ننتبه إلى أن الأسباب التي نختلف عليها كانت موجودة ولكن ساحتها لم تكن أبداً بالاتساع والحجم الذي تحتله اليوم!

بل إن مافي بطون الكتب من الصراعات المذهبية شيء مذهل حقيقة، ولكنه بقي في الكتب وقد يطل برأسه في صراعات محدودة ولكنها لا تغير لون كافة المجتمعات.

الموجود اليوم هو تجييش سياسي ماكر، وليس فقط عداءً عقدياً أومذهبياً فالعقيدة والمذهب والطائفة موجودة كلها سابقاً ولم تؤد إلى مانحن فيه.

ابحث عن النخر الداخلي الذي جعل الدول الكبرى قادرة على ضخ الفتنة في مجتمعاتنا، وابحث عن السبب في أن التهيئة لعمل عسكري ضد إيران صار الحديث عنه عادياً، وقد يحصل، ولكن الأخطر هو موقف الدول الإسلامية المتخاذل، وأكثر منه خطراً الموقف النفسي للحركات الإسلامية! والتي قد تعطي انطباعاً للساحة الشعبية بعدم أهمية الأمر وأنه لا يخصنا!

إن الحسرة السنية بسبب الغزو الشيعي المدعوم من الدولة الإيرانية ليس سبباً كافياً للصمت حيال احتمال الاعتداء على إيران، ولنفترض أننا نختلف عن الشيعة في العقيدة خمسين بالمائة وفي الفقه عشرين بالمائة (مجرد افتراض) فإن اختلافنا مع الغرب الحاقد في العقيدة تسعين بالمائة …

إن امتلاك إيران للقوة النووية لا يؤذي أي سني لكنه رادع مرعب للقوى المتكالبة على العالم الإسلامي، والعدوان على إيران زيادة في الهيمنة على المنطقة والتكالب على ثرواتها وتعميق لغزو ثقافي واجتماعي يزداد تجذراً في العالم الإسلامي.

بصراحة من المنطقي والشرعي أن نرفض أي مس بإيران ونعتبر ذلك عدواناً على الأمة المسلمة كلها.

هذا الرفض إنما هو للعدوان، ولكن هناك مسألة أخطر قد لا ننتبه لها، وهي أن السلاح النووي كله إنما هو لعنة على البشرية، وأعتقد من الناحية الشرعية أنه لا يدخل فيما أمرنا بإعداده من القوة، فإن التوحش وإفناء البشر ليس من مقاصد الشريعة بل من مصادماتها.وما امتلكته الدول الإسلامية حتى الآن من سلاح وعتاد وجيوش لم يُجد نقيراً ولا قطميراً في وجه الغزاة، ويظهر أن أغلب الأنظمة العربية والإسلامية لم تكن صادقةً يوماً في صدها للغزاة والمحتلين وإنما كانت خنجراً في ظهر شعوبها ومتاجرة بالشعارات وهي تنظر بدم بارد إلى الشعوب تذبح بين أيدي المحتلين، من يقاوم الاحتلال دائماً هم أبناء الأمة الضعفاء والمهمشين والمصادرين ، وخصوصاً الإسلاميين الذين لا يستطيعون بيع مبادئهم وتبقى بلادهم وأهلوهم عزيزين عليهم فيفدونهم بأرواحهم وهم الذين لم يلقوا منهم إلا الأذى والمشانق والسجون والتنكيل.  

ومسألة أخرى: إن من الخطأ الجسيم للأمة المسلمة أن تحاول مجاراة عدوها فيما هو من خصائصه من الهمجية والتوحش، بل عليها تعميق خصائصها الإنسانية وتفعيل دورها الحضاري كرائد في عالم القوى اليوم.

يجب أن ندرك أن مازلنا نملكه من خصائص لا يزال يشكل فتنة وسحراً لعالم اليوم وللمجتمعات البشرية التي يزيد تخبط أنظمتها، وأن ما نحن فيه من عطالة، وما يسيطر على بلاد المسلمين من غرق في التاريخ وخضوع للأنظمة المتخلفة السياسية والدينية ومفرزاتها الاجتماعية هو أكبر الصادات وعوامل الشلل التي تمنع الأمة من الانطلاق.

يجب أن نعطي اللحظة الحاضرة حقها فنرفض العدوان على أي بلد مسلم، بل أي بلد مظلوم، ويجب أن نعطي المستقبل حقه فلا نجري في المنظومات التي تستهلكنا ولا نظن أن امتلاك السلاح النووي هو مفتاح القوة … هذه الدولة الباغية (إسرائيل) يقال أنها تمتلك أكثر من مائة قنبلة ذرية! ولكنها لا تستطيع أن تستخدمها عندما يكون السلاح هو الحجر! والجنود هم الناس … هي فقط تستطيع ردع الأنظمة!

يكفي أن ينظر البشر إلى ما استهلكته الحروب المعاصرة من الأموال وأفنته من البشر وحملته من الرعب والدمار والفتن ليعلم أن تكديس السلاح من أعظم الذنوب، وكلما غرقت الأمة في الجهل أنفقت على السلاح، ونست التعليم والصحة والمعرفة والبحث والتطوير، والاستقرار النفسي والاجتماعي، ولا ينبئك مثل بلاد العرب المتخلفة عن أمثال ذلك.

يحتار الإخوة والأخوات وتأتي عشرات الأسئلة تسأل ما الطريق؟

يقول المفكر الإسلامي الدكتور عبد الكريم بكار أن التفكير هو من أشق العمال التي يقوم بها البشر لذا فإن قلة من الناس تقوم به! وهذا صحيح ولكن ليس الحل بالفرار منه بل بالتمكن منه حتى يسلس بين أيدينا، وإذا جمعنا معه قول الإمام الجيلاني رحمه الله من أن المنافق يقيم على حال واحدة أربعين عاماً (تعجبه نفسه) والعارف يتقلب في اليوم أربعين مرة (يرتحل من حال إلى حال أفضل منها) فإنه يمكن لنا أن نكتشف بعض الآليات البسيطة والتي هي بدايات في سلم النهوض، وهي تماماً شرط ضروري وليس كافياً ولكن لا مناص منها ونذكر منها اليوم ما يلي:

1- لقد تم تدمير الكثير من آليات التوصل إلى المعرفة، لذا أعد الاتصال بها، ومن أهمها القراءة (ليكن لك حصة من القراءة الجادة يومياً).

2- أدت تعقيدات الحياة إلى تباعد الناس، ولذلك(أعد التواصل مع الناس بزيارة أسبوعية لشخص مناسب من رحم أو صديق ).

3- سبب التخلف تعمق الأنانية لذا (ابحث عن الأفراد الذين يشاركونك أفكارك وتبادل معهم الخبرات والأفكار).

4- أدى القمع إلى خوف الناس من أي عمل وعالج ذلك (بتشكيل فريق عمل لأمور بسيطة ومفيدة).

5- ولَّد اليأس انتكاسات في الفكر والحركة، لذا ففكر في السلبيات للعبرة وابحث عن الإيجابيات لتعلم أن الخير موجود دائماً.

6- الثقافة التلقينية أخمدت الروح والعقل، لذا أبق عقلك وقلبك حياً ولا تقبل الأمور دون تفكير، ولا تكن مستمعاً متلقياً، بل مشاركاً فعالاً أو مصغياً بوعي تبتغي التعلم.

7- يصنع الغرور هالة مزيفة حول الإنسان وعليك أن تعلم أنك بشر تخطئ وتصيب واكتسابك صفة التواضع والاعتراف بالغلط تفتح لك أبواب الإصلاح وتدارك الأخطاء.

8- في الدنيا آلاف المشاكل فاحذر الغرق فيها، ولا تنظر إلى إطفاء حريق في قارة ثانية والنار تشتعل في بيتك (حدد لك هدفاً وفعِّل كل طاقتك من أجله).  

9- ليس المهم حجم ماتفعله بل صوابه، لذا اختر لك مشروعاً بسيطاً وتابع العمل فيه وإن أحب العمل إلى الله ماداوم عليه صاحبه.

10- لا تكثر الجلوس مع الثرثارين، ومع الناقدين من دون عمل ومع بلداء الفعل أو الشعور أو التفكير فالصاحب ساحب.

11- لا تستقل ما تعمله من الخير فجهد النملة المتواصل يزيح أقسى الصخور ويفتتها.

12- كن شجاعاً ودرِّب نفسك وحدثها دائماً أن الشجاعة والتضحية لابد منهما ليقوم الحق، وأنك لن تتوانى عن البذل عند اللزوم.

13- الحياة حركة، والسكون موت لذا تابع المشروع الذي تعتمده وتضلع فيه.

14- تعلم ممن هو فوقك وممن هو دونك وممن هو مثلك. والمعرفة فضيلة.

15- لا تحرق أعصابك بما يجري حولك، فقد يسبب ذلك الإحباط والشلل، وللوقت دوره، وعندما تبذل جهداً في اتجاه سليم فاعلم أنك بدأت تضع لبنة في البناء الصحيح.

16- وكما تتلاقى حبات المطر فتصنع السواقي ثم تتجمع السواقي فتجري الأنهار والأودية كذلك الحياة فكن قطرة راوية.

17- قسوة القلب من أكبر موانع القوة، فاستمد القوة والعزيمة والهمة من صلتك مع الله.

18- زد من افتقارك وارق بأحوالك وتدارك ترقيع صلواتك.

أمثلة عن مشاريع صغيرة: (الالتزام ببرنامج قراءة، تلخيص كتب نافعة، توزيع رسائل مفيدة، زيارة أصدقاء قدامى، التعرف إلى من يشاركك أفكارك، إنشاء حلقة فكرية أوعلمية، كتابة رسائل تناصح، التطوع لحل الخلافات العائلية والمهنية، مساعدة طالب علم، كفالة فقير (مادياً وأهم منه بكثير تربوياً) ، تشجيع أصحاب الفعالية، بث الأمل بين أصدقائك، إنشاء جلسات حوارية للبحث عن أنجح المشاريع، الريادة المعرفية بالبحث عن مواضيع مهمة ثم تعميم المعرفة بها بالتدريج : مثل: حقوق الإنسان، تربية الأطفال، إدارة الأزمات، الأعمال المدنية) ، إقامة دورات لأصدقائك في العلوم الشرعية (فقه الصلاة.. الزكاة .. علوم القرآن ..الحديث .. أصول فقه) .. ، اللقاء في رياضة صباحية أو جلسة أدبية أو قيام ساعة من ليل.. أو تحلق في جلسة ذكر مأثور، إعطاء محاضرات لمعارفك ضمن اختصاصك (أصول الإدارة الصحيحة، الإسعافات الأولية، التمريض، مهارات البيع والشراء، الاقتصاد والتوفير… ) ، تعليم من حولك ماتتقنه أنت (قيادة سيارة ، استخدام الحاسب ، ركوب دراجة ، السباحة، لغة أجنبية ..) …

لا تنتهي المشاريع الصغيرة، ومن المعاناة ينطلق التطوير والتحسين (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .. وإن حركة التاريخ إنما تصنعها آلاف الجهود التي لا نلقي لها بالاًَ … فإن سألت عن الأهداف التي نقوم بهذه المشاريع الصغيرة من أجلها أوصيتك بالرجوع إلى مقالة بعنوان : خطوات في الطريق إلى البناء فهناك محاور نظن أنها جمعت من الصواب الكثير وكل نصيحة تزيدها صواباً…

أما إخواننا وأخواتنا في الغربة فمجالهم أرحب وقدرتهم على التفعيل أكبر ولكن عليهم أن لا يفتنوا ببريق الكهرباء (كما سماه أحد إخوتنا) وأن يحافظوا على سلامة اللغة العربية وأن يُحرموا استخدام غيرها في بيوتهم، وينبذوا تلك الرطانة السمجة التي تسللت إليهم من ذوبان لغة القرآن على ألسنتهم .. كي لاتصبح عقولهم تفكر وأبناؤهم يطوفون حول أوثان الفرنجة .. ولنتعظ جميعاً بمن قد مضى وبما يجري وبما سيأتي .. وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كالمطر لا يدري الغيث في أوله أم في آخره كما جاء في الحديث.. فليكن فيه كل ابن للإسلام وكل ابنة له، قطرة مباركة .. أينما وقعت نفعت.

كتبه: أحمد معاذ الخطيب الحسني

21 شوال 1428هـ/ 2 تشرين الثاني 2007م


[1] – كان ابن لادن من مجموعة الدكتور عبد الله عزام وكان الهدف هو تحرير أفغانستان من الغزو الروسي، وبعد استشهاد عزام، جرَّت بعض المجموعات المعروفة العمل الجهادي كله إلى فكر دموي تكفيري، وهي تتحمل مسؤولية الأمر أمام الله وأمام الأمة.

[2] – لا أعتقد شخصياً أن الصوت الذي كان في الشريط هو صوت ابن لادن نفسه، فصوته عادة أدفأ وأعمق، ويلاحظ الفرق بشكل أوضح في المقطع الأخير إذ أن وتيرة الكلام كانت أسرع من أي خطاب سابق، والله أعلم.

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على الذين يتوبونَ ويَذَّكَّرون – 2007-11-29 مغلقة

بين نموذج الإسلاميين الأتراك وتجارب الإسلاميين العرب

نعاني نحن الإسلاميين من عدم فهم الآخرين أحياناً وتملؤنا النشوة بانتصار جهة إسلامية ما دون إدراك المقدمات الطويلة التي كانت تعمل عليها (سلباً وإيجاباً) والمقالة التالية رغم أن العديد من الإخوة لن تعجبه، وهناك ملاحظات عليها ، ولسنا نقر بكل ماورد فيها ، ولكن نرى أنه من الضروري قراءتها والوقوف عند أفكارها، لأن نهوض المجتمعات البشرية لا يكفي فيه التنظير ولا الحماسة ، و لا نتيجة عند القفز فوق الواقع … وهو ما تعانيه العديد من الحركات الإسلامية اليوم ، خصوصاً التي تدور منها وتلف مع السياسة وتعلن شيئاً وتضمر أشياء ، وليست عندها الشجاعة لنقد البنية العميقة لها والاعتراف بأنها قد أخطأت … نشرت المقالة التالية في صحيفة الحياة بتاريخ 12 أيلول 2007 وهي للباحث الأردني خالد الحروب – جامعة كامبردج.

هناك شبه أمنية عند كثيرين، وتفكير رغائبي عند آخرين، بأن تستفيد تجارب الإسلام السياسي الحركي في البلدان العربية من مسار الإسلاميين الأتراك ونموذجهم وتندرج فيه. ينسحب هذا التمني والتفكير على مثقفين إسلاميين، وعلى علمانيين معتدلين، وحركات سياسية، ومنظمات غير حكومية عربية وغير عربية، وكثيرين من الناشطين في دعواتهم الى الديموقراطية في المنطقة العربية، بل ويلف أيضاً بعضا غير قليل من المسؤولين الحكوميين هنا وهناك. الإسلاميون العرب، بطبيعة الحال، أكثر الناس حماساً للنجاحات المتلاحقة لتجربة الإسلاميين الأتراك، ويشيرون اليها بعلامات النصر، وبكونها تجربة شقيقة لهم. ويُستخدم النموذج التركي في خطابات الإسلاميين الساخنة التي تساجل الآخرين بحتمية ونجاعة «الحل الإسلامي» الذي تطرحه التنظيمات الإسلامية.

لكن، وبعيداً عن حماس وعاطفة كثير من الإسلاميين حيال التجربة التركية، فإن الواقع العملي يشير إلى افتراقات ليست بالهينة بين تجربة الاسلاميين الاتراك وواقع وتجربة الإسلاميين العرب، والسياقات العامة المؤثرة في كل منهما. ففيما التجربة التركية، إسلامياً وعلمانياً، تتسم بتدافع وتحد حقيقي داخلي وخارجي، وتتطلع إلى الأمام، حيث ترسيخ بناء الدولة الحديثة على أسس غير دينية، وتعزيز المواطنة التركية على أسس غير إثنية وتفكيك الحساسيات التاريخية ضد الأكراد والأرمن والتركمان والأقليات الأخرى، والتوجه حثيثاً نحو أوروبا، فإن القراءة الإسلاموية العربية للتجربة التركية يغلب عليها التسطيح والرومانسية والتاريخ والأمل بـ «عودة» تركيا إلى ماضيها العثماني. فمن بين سطور معالجات الإسلاميين العرب تبرز بوضوح نزعات التطلع نحو العثمنة والأمل بعودة الأمبرطورية المنقضية على أكتاف أردوغان وغل. وهو ما لا يطرحه هؤلاء الآخرون أنفسهم ولا مناصروهم، بل وربما ما لا يفكر فيه كثير من عتاة أنصار القومية التركية وأمجادها الغابرة.

لكن أهم من التمني والنوستالجيا يبقى السؤال العملي الأهم والأكثر إلحاحا حول إمكانية أو عدم إمكانية استنبات تجربة الأسلاميين الأتراك في التربة السياسية العربية. ولئن كان يصعب تقديم إجابة حاسمة، فإن ما يمكن التأمل فيه هو الاختلافات الكبيرة، وشبه الجذرية، في السياقات التي اشتغلت وما تزال تشتغل فيها التجربتان.

في الحالة التركية تأسست شرعية الدولة الحديثة على العلمانية والقومية التركية المتشددة، اللتين كانتا في جزء كبير منهما رداً على تردي وانحطاط الدولة العثمانية في أواخر عهدها، وهروباً إلى الأمام من خطر إمحاء الوجود التركي أمام التوسع والانتصار الأوروبي. ثم كان لها، أي الأسس العلمانية للدولة التركية، أن ترسخت مع تكرس ونمو دور تركيا الإقليمي وتعزز تحالفاتها الدولية. وكان على الإسلاميين هناك، ومنذ أن بدأ نجم الدين أربكان بنشاطه الإسلامي في بداية سبعينات القرن الماضي عبر تأسيس حزب «الرفاه» ثم «السلامة»، أن يطوروا تجربة سياسية متلائمة مع تلك الشرعية ولا تتصادم معها بشكل مباشر. ومع تواصل التجربة والنضج واستيعاب الإسلاميين لفكرة تركيا الحديثة، ابتعدوا تدريجياً عن طروحات أربكان التأسيسية المتحدية ضمناً للوجهة العلمانية في تركيا. ولولا ذلك الابتعاد المتدرج، ومواصلة تأكيد الإسلاميين على احترام الأسس العلمانية للدولة، لما تحقق لهم التقدم الشعبي والانتخابي بل وإقرار الأطراف السياسية الأخرى في المعادلة التركية بانتصارهم وشرعيته.

صحيح أن هذا التأكيد الذي يتم الإعلان عنه بجلاء عند المنعطفات المفصلية في تسلسل الحدث التركي، قد بدا ويبدو أقرب إلى مجاملة عابرة لايديولوجيا الدولة منه إلى الإقرار الصادر عن قناعة راسخة. لكن من المؤكد والواضح أن استمرار التأكيد على الالتزام بعلمانية الدولة كان كفيلا على مدار سنوات طويلة بأن يحدث تغييرات عميقة في أوساط الإسلاميين أنفسهم، وأن يؤثر في أجيالهم اللاحقة ومنطق تفكيرها ونظرتها للتسيس الإسلامي. كما كان كفيلاً بأن يضعهم أمام التزام أخلاقي وسياسي كبير يصعب عليهم الآن ومستقبلاً التحلل منه. بل في ظله انتقلت برامجهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية للتركيز على القضايا الملحة التي تواجه المجتمع التركي، عوض الغرق في تفاصيل السلوك الفردي والمظهر وسوى ذلك مما يستنزف جهد وتفكير ووقت حركات إسلامية عربية وغير عربية كثيرة هنا وهناك.

وكان من شأن الانعطاف الحقيقي نحو معالجة القضايا الرئيسة تعلمن تدريجي واع أو غير واع للتسيس الإسلاموي التركي، حيث تراجعت إلى المقاعد الخلفية الشعارات الدينية وحلت في المقدمة الشعارات الخدماتية، والتي أبدع ونجح فيها حزب «العدالة والتنمية». إلى جانب ذلك قدم الحزب خطاباً منفتحاً تجاه أوروبا وتمسك بشكل مدهش بفكرة وطموح انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي بما يعنيه ويحمله ذلك من رهانات واشتراطات إضافية تجاه مسألة التعلمن السياسي للإسلاميين الأتراك على مستوى أوروبي.

أما في الحالة العربية، وفي حالة الإسلاميين العرب، فقد تأسست شرعية الدول التي يشتغلون في إطارها – أو ضدها، وفي معظم إن لم يكن اغلب المجتمعات العربية، على توافقات ملتبسة بشأن علاقة الدين بالسياسة. لكن في كل الأحوال لم تكن هناك أسس دستورية تقطع مع الدين وتعلن صراحة علمانية الدستور أو الأسس المكونة للدولة. ففي الكثير من الدساتير العربية تظهر الشريعة الإسلامية إما كمصدر أساسي للتشريع، أو المصدر الأساسي، وفي أقل الحالات تبقى في موقع مركزي وفي قلب الشرعية السياسية المؤسسة للدولة. وهذا الاندماج العضوي بين شرعية الدولة السياسية وشرعيتها الدينية، أو على الأقل عدم تصادم تلك الشرعية مع الشرعيات الدينية التي تمحضها المجتمعات العربية مركزية جوهرية، أنتج مناخاً ملتبساً نمت وترعرعت فيه الحركات الإسلامية العربية.

فهذه الحركات، وعلى المستوى النظري البحت، لم تصادم الشرعية السياسية للأنظمة التي عارضتها بطروحات خارجية، بل استندت مباشرة أو ضمناً الى ما تنص عليه الدساتير من مركزة للإسلام وللشريعة الإسلامية. وبمعنى آخر، وإن لم يكن بالغ الوضوح في وعي هذه الحركات نفسها، فإن الخطاب الإسلاموي الحركي كان يتحرك في فضاء الدستور والتوافقات الاجتماعية، ولم يضطر لأن يصطدم مع القيم المؤسسة لتلك الدساتير، أو أن يعيد إنتاج نفسه كي يتوافق معها كما هو الحال في النموذج التركي. فتلك الأنظمة نفسها تزعم أيضاً بأنها تتبنى الشريعة الإسلامية أو تطبقها بهذه الدرجة أو تلك، وكان ذلك أحد أسباب عدم السماح بشرعنة الأحزاب الإسلامية ابتداء. وهكذا فإن المطالبة بـ «تطبيق الشريعة» أو تأسيس «الدولة الإسلامية» كانت وستبقى بارزة وواضحة في مطالبات الإسلاميين العرب. إسلاميو الأتراك في المقابل، وتحت وطأة ضرورة التناغم مع الدستور ومع التوافقات العلمانية المؤسسة للاجتماع التركي، أعادوا إنتاج أنفسهم وخطابهم وتقديم أنفسهم للناخبين الأتراك وللأطراف المحلية التركية وللعالم. لم يتحولوا إلى علمانيين بالكامل، لكن ممارستهم السياسية تعلمنت، واختفت منها أهداف ومطالب تطبيق الشريعة الإسلامية مثلاً، أو إقامة الدولة الإسلامية، أو حتى «التوجه شرقا» كما كان يحلم ويعلن نجم الدين أربكان أحد أهم الرموز التاريخية للإسلاموية التركية المعاصرة.

ثمة أيضاً، وفي ذات السياق، مسألة مهمة مثيرة للانتباه تتمثل في دفوعات الإسلاميين العرب عن الإعلانات المتكررة من قبل الإسلاميين الأتراك بالتزامهم بالأسس العلمانية للدولة، عبر القول إن ذلك مجرد تكتيك وبراغماتية للهروب من احتمالات الصدام مع المؤسسة العسكرية. فهذه الدفوعات تطرح أسئلة خطيرة أكثر مما تقدم أجوبة. فهي تعني، أولاً، تبرير الانخراط في خطاب سياسي عريض يقوم على فكرة خادعة وهي قبول التوافق العلماني للدولة، بينما يكون الموقف الحقيقي هو العمل على تحطيم ذلك التوافق على المدى البعيد. وهذا، في أقل تقدير، يمثل أقصى مراتب الميكافيلية السياسية المتحللة من أي التزام أخلاقي، وهو ما تأسس التسيس الإسلاموي الحزبي على انتقاده في الأحزاب العلمانية أو غير الإسلامية. وثانياً، يرسل القول بشرعية خداع كل الأطراف السياسية المحلية والدولية عن طريق الإعلان اللفظي بالالتزام بالدستور العلماني، فيما الحقيقة «الباطنية» هي التربص بذلك الدستور والانقضاض عليه عندما تأتي الفرصة المواتية و «التمكين» الكلي، رسالة غير مطمئنة على الإطلاق حول نيات الإسلاميين المعتدلين المستقبلية. وفي الواقع يبدو أن التنظيمات والأحزاب الدينية المتشددة والتي تعلن دون مواربة عن أهدافها ونياتها، سواء أكانت إقامة دولة إسلامية، أو إعادة الخلافة، أو «التخلص من الحكم الجاهلي»، أو «تطبيق الشريعة»، أو سوى ذلك، تتمتع بصدقية أكثر من تلك التي تخفي هذه الأهداف فيما هي مقتنعة بها وتشتغل عليها، لكن تقدم عليها خطابا سياسيا أقل أستفزازاً. من حق الأطراف السياسية والرأي العام المحلي والإقليمي والدولي أن يسأل عن البرنامج السياسي الحقيقي لكل حزب سياسي، وبالتالي يمنحه التأييد أو الشرعية أو الصوت الانتخابي بناء على ذلك، وليس بناء على برنامج سياسي مخادع يعلن غير ما يضمر.

كما أنه من الضروري الإشارة إلى أن ما يغيب عن خطاب كثير من الإسلاميين، خلال حماسهم لتجربة الإسلاميين الأتراك، هو أن علمانيي تركيا، بل وحتى غلاة عسكرييها وأكثرهم تطرفاً، اثبتوا أنهم ديمقراطيون حتى نهاية الشوط، أو على الأقل حتى الآن. فهم التزموا بالمسار الديمقراطي، وأقروا بفوز الإسلاميين، حتى وإن كان على مضض، وهذا مما يُحسب لهم لكن ما يتم تغافله بجلاء. اما في التجارب الإسلاموية التي قامت حتى الآن في إيران والسودان وأفغانستان، فليس هناك أي نموذج ديموقراطي أتاح للعلمانيين أن يمارسوا حياة سياسية طبيعية ناهيك عن أن يُسمح لهم بمشاركة تقودهم إلى فوز في انتخابات.

كُتب في المناهج | التعليقات على بين نموذج الإسلاميين الأتراك وتجارب الإسلاميين العرب مغلقة

حدث في ميانمار – 2007-10-01

الأنظمة الحاكمة في الدول العربية هي مقدمات الانهيار الحضاري والتداعي الاجتماعي، فقد قامت بتهميش الشعوب وإلقاء الكرة في ملعب الاستعمار والهيمنة الخارجية بينما هي تتسابق لعقد الصفقات من أجل استمرار وجودها وبطريقة المقايضة الوحشية واللا إنسانية.

ولما كانت تلك الأنظمة تصفوية ودموية لذا فإنها لم تقصر في حراثة المجتمع مستخدمة كل آليات القمع والصهر والإكراه، وقد نجحت إلى حد بعيد في تحطيم الحياة البشرية، وإيجاد مجتمعات مشوهة ومسكونة بشبح الرعب، ولكن عندما يفقد المجتمع آليات وجوده الفطرية فإنه يتحول إلى كتلة مشلولة، وهي بالضبط بداية الثقل على أكتاف كل نظام استبدادي، حيث يفقد القدرة على الاستمرار لأنه لم يعد هناك شيء للقمع، ويصاب بعمى ألوان تشخيصي تجعل مظالمه نوعاً من العادة التي لا يستطيع الرجوع عنها، وفي نفس الوقت تتخشب مبادئه وتصبح مدعاة للسخرية بل إنها تسير نحو فنائها كلما تردد ذكرها، بسبب ما تدخره في أعماقها وتحمله من ترميزات الفشل والانتهازية وفقدان الاتجاه.

تتحول كافة قوى المجتمع إلى أشياء خاضعة للمصادرة وإعادة التشكيل، وهذا كسب ظاهر وفي نفس الوقت مصرع وخيم، فإن انعدام المعارضة القوية يؤدي إلى السبات بحيث لا تكون القلة الباقية كافية للإقلاع، وبذا تُحرم النخبة المستبدة من إنذارات الاعتراض والتمرد فيزداد اطمئنانها إلى وضعها، وتمارس إدمان التخلف والهيمنة وتفقد قوى التحريك المعارضة التي تجعلها تتنبه إلى حتميات التداعي.

ولما كان شأن الوطن ومن فيه أغلى من السرور بتلك المقدمات السائقة نحو الانهيار رغم الشعور المر بالظلم، وحرصاً على التنبه لعل هناك من يسمع ببصيرته فيصحو لينجو نذكر ببعض الأمثلة المتواضعة جداً بين أمواج الفساد الهائلة التي يعلو مدها يوماً وراء آخر … وقد يكون هناك يوماً إنذار أخير وإقامة للحجة على الكبار النائمين الذين نريدهم أن يستيقظوا ويصلحوا أو يرحلوا …

إن الأمثلة بسيطة للغاية ولكنها تخزن في أعماقها نموذج التعالي على الناس وتنذر ببداية المصرع وبداية التفلت والعجز عن فهم سنن الفناء والتلاشي …

منذ شهر تقريباً نزل رجال أشداء من سيارتهم (في ساحة الجسر الأبيض بدمشق) وقام أحدهم مستخدماً عقب مسدسه! و أمام الناس جميعاً  بضرب شاب في مقتبل العمر حتى أدماه لأنه أبى أن يتجاوز إشارة المرور الحمراء، والتي ظن المتخلفون أن صفتهم الأمنية تسمح لهم بتجاوزها، لا بسبب قانوني بل عن طريق احتقار البشر وتجاوز القانون وإرهاب الناس والإساءة إلى الدولة بسبب العقلية البدائية والمتوحشة التي يحملونها! ولما تدخلت زوجة الشاب انهال عليها الأبطال فأشبعوها ضرباً ولكماً …

أما في مزرعة نصري على طريق جوبر (شرقي دمشق) فقد توفي طفل رضيع بسبب الغازات الخانقة التي استخدمت لإخراج المواطنين المساكين من بيوتهم بالقسر والإكراه، دون أن يؤمن لهم بديل سكني في بلد صارت أسعار المنازل فيه أغلى من شقق حي مانهاتن في نيويورك!

وفي كفر سوسة (جنوب غرب دمشق) هدمت مئات البيوت وقد وُعد أصحابها بتأمين سكن لهم  حيث تقوم بيوتٌ لم يمدد لها ماء ولا كهرباء أو في مكان آخر  بداية العام القادم! وعلى الوعد ياكمون …

إن من الفساد والظلم العريض أن يرمى الناس في الشوارع قبل تأمين بديل، وبديل مناسب، ولا يجوز أن يخلى مواطن من بيته بهذه الطريقة الهمجية التي يستطيع الإنسان  بسهولة  أن يعرف أثرها السلبي المخيف في قلوب الناس …

أما الباصات الصغيرة، فقد صار من المخجل النظر في جنباتها لأن أكثرها مهترئ  إلى درجة لا تصدق، والضرائب لم تدع لأصحابها أي وفر لإصلاحها، لأن المواطن صار يشعر أنه ممصوص الدم حتى الثمالة وأن هناك من  يسمح له بالأكل والشرب فقط كيلا يموت ويخرج اسمه في المحطات الفضائية … بأنه شهيد الجوع وضحية مصاصي الدماء، وذكر سائق أن الدولة تقيم من نفسها رباً للبشر وأنه قد فُرضت على السيارات ضريبة  تسمى ضريبة البيئة! وكأن من فرض هذه الضريبة هو الذي خلق الهواء! فيعز عليه فساده ، بينما القوانين المزاجية والظالمة والبدائية هي التي تفسد لا البيئة فقط بل تقتل النفوس والأرواح وتدمر الحيوان والنبات والبشر بل حتى الحجر.

أما الطامة الأكبر والصدمة الأخطر فهي حق الرد على الطيران الإسرائيلي، والذي سبب في الشارع من المشاعر ما لا أريد أن أذكره … ومرحى لأبطال ضرب المواطنين بأعقاب المسدسات، وقتل الأطفال الرضع بالغازات الخانقة، وتهديم بيوت الكادحين والفقراء …. فقد وفروا الرد على اختراقات الصهاينة وفتكوا بأبناء الشعب وأطفاله .. وأوسعوا شباب الأمة وبناتها لكماً ورفساً وضرباً.

الظلم يملأ المجتمع، ونداء إلى أصحاب النفوذ أن كفوا عن الظلم (لأجلكم لا لأجل المواطنين فقد قارب أن لا يكون هناك شيء يخسروه) واتركوا عنجهيتكم ، وكفاكم وصاية على البلاد والعباد ، فلقد قارب أن يطفح الكيل ولا تغرنكم قوتكم وإحكامكم قبضاتكم على أنفاس هذا الشعب الطيب المسكين ، فقد مضى قبلكم من كانوا أشد بأساً وقوة ، وثقوا أنكم مهما تفرعنتم فإنكم لن تخرقوا الأرض ولن تبلغوا الجبال طولاً ، وعندما ستقع الواقعة وتحل نهاية الظلم فأنتم أول من سيدفع الثمن، وهو أمر لا نريده لكم ، وأنتم تكتبون في كل يوم وثيقة بالصلح مع الشعب أو بالقطيعة معه، ونحن لا نريد لكم هذا المصير لأنكم إذا أوصلتموه إلى تلك النهاية فستكون نهايتكم نهاية أتباع شاه إيران وصدام وتشاوشيسكو … ولن ينجو ظالم منكم حتى من محاسبته على صفعة لوجه مواطن برئ.

رمضان شهر الرحمة وعند الظالمين شهر تخريب البيوت وسماع أنين المظلومين … والسكر فوق أشلاء وطن يستباح فلا يترك أبناؤه للدفاع عنه ولا يقوم بحقه الأوصياء!

إن سورية بلدنا ومن ليست له الشجاعة الكافية لحمايتها فليرحل مفسحاً الطريق للمخلصين من أبنائها الذين مازال فيهم بقية تنكأ العدو وتسر الصديق.

أما الطامة التي هي أعظم من كل ذلك فهي المنابر الخرساء التي تلهي الناس بل تخدرهم ، وذكر بعض الناس أن خطيب مسجد ….. قد طلب من الناس عدم الممانعة في الخروج من بيوتهم عند هدمها لأن البيوت البديلة مؤمنة! … فقلت : قد يعتاد السياسيون على الكذب بحكم السياسة ، ولكن عندما يكذب خطيب مسجد ويصبح حذاء لمصالح أصحاب النفوذ أو الأموال فمعنى ذلك أنه لا يحمل كثيراً و لا قليلاً  من الدين الذي أنزله الله والذي أساسه القيام بالعدل والسعي في مصالح الناس ونصرة الضعيف!! ترى لماذا لم يطالب ذلك الخطيب بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين بمناسبة رمضان المبارك وقد صدرت أحكام بالعفو عن بعض المجرمين الجنائيين، ولماذا لم يطالب ذلك الخطيب وأمثاله بمحاكمة قتلة الطفل الرضيع في مزرعة نصري من أول السلسلة إلى آخرها، ولماذا لم يطالب بأن ترد سورية الصمود والتصدي على العدوان الإسرائيلي اللئيم، ولماذا لا يطالب بتخفيف الضرائب التي تنهك المواطنين وكثير منها ليس له مستند قانوني ولماذا لم يطالب بمحاكمة علنية لكل مسؤول كبير أو صغير أوقف قانوناً أو أعاق حقاً أو استغل سلطته لمصالحه الخاصة أو أخذ رشوة أو ….

لماذا لا يطالب الخطيب بإلغاء حكم الحزب الواحد، وإطلاق الحريات العامة …

لماذا لا يطالب بمحاسبة المسؤولين عن الاستهتار باللغة العربية والسماح للافتات الأجنبية أن تملأ كل ميدان ومحل ومتجر. ولماذا لا يسأل لماذا يحترق في كل عام جزء كبير من غابات بلادنا الغالية.

لماذا لم يطالب بحصر  أموال المسؤولين جميعاً ثم مصادرة الحرام منها وتوزيعها على الفقراء والكادحين والمعدمين الذين يزداد عددهم يوماً بعد يوم!

لماذا لا يطالب بأن يخرج بعض حملة الخطاب الديني من كهف التخلف والخرافة، فيكفوا عن تحديث الناس في رمضان وغير رمضان بالمبالغات التي لا تثبت في نقل ولا تقر في عقل ، مما كتب عنه ابن حزم قديماً في رسالته الباهرة قبل أن تستولي الخرافة على العقول.

لم أتوقع من أحد أعضاء مجلس الشعب أن يأتي فيضطجع أمام جرافة تريد تخريب البيوت احتجاجاً حتى يعطى أصحاب البيوت بيوتاً بديلة ومناسبة ,( واشدد أن تكون البدائل مناسبة أي تعادل في قيمتها البيت المدمر) … ولكنني ألوم كل صاحب عمامة ليس له هم إلا الولائم فهو يسمن والإسلام ينحف على قولة العلامة محمد الغزالي، وألوم كل صاحب عمامة اشتغل بالطعام في رمضان ومئات الألوف تزداد أحوالهم المعيشية بؤساً وفقراً، وألوم كل صاحب عمامة لم يجد في نفسه ذرة من شجاعة الصبية الأميركية (راشيل كوري) وقد عز عليها أن تدمر الجرافات الإسرائيلية بيوت الآمنين فكانت درعاً بشرياً لم ينسحب وسكبت دمها أمام بيوت الفلسطينيين … (وإذا كان قد غُفر لامرأة بشربة ماء سقتها لكلب ، فيارب اغفر لكل عبد قام يدفع الظلم عن العباد المستضعفين)..

يذكر المفكر نادر الطراز علي شريعتي في كتابه : العودة إلى الذات ص 69 ما خلاصته : أن بطرس الأكبر مصلح روسية كان يدرس في هولندا ، ويقارن بين عمرانها ورقيها والخراب في روسية، وكان يفكر دائماً بعمل ينهض ببلاده! وفجأة اكتشف أن السبب الرئيس في نبض الحياة والعمل والحماس والثروة والتقدم هو أن الرجال الهولنديين رجال منظمون وذو شخصية ومتحضرون، لأنهم يحلقون لحاهم بالموسى كل صباح وللنظافة عندهم أهمية كبرى! وعلى العكس فإن السبب الرئيس في اضطراب الشعب الروسي وتأخره هو تلك اللحى الكثة الطويلة المتدلية إلى الصرة والتي وصلت عند البعض إلى أسفل سافلين … وعاد بطرس الأكبر ليصدر أوامره باجتثاث اللحى من جذورها، وبدأ الجنود المسلحون بالمقصات يطاردون الملتحين الفارين في الأزقة، واشتعلت نيران (ثورة اللحى) بين مختلف الطبقات الاجتماعية ولقيت مقاومة هائلة (بالمناسبة فقد كان الهجوم موجهاً ضد الموظفين الصغار والعمال والفقراء وليس إلى الأغنياء والقادة وأصحاب الأملاك ورجال الدين …) ثم انتصرت عقلية القيصر العظيم الحضارية كي تلحق روسية بفلك الدول الكبرى، واستطاع بطرس الأكبر تغيير سحنة المجتمع الظاهرة … ولكن لم يتغير في الحقيقة شيء …

العقلية الاستبدادية سواء كان صاحبها سياسياً أم رجل دين هو حامل مقص من مقصات بطرس الأكبر … يتاجر بالشعارات ويعيش الأوهام …

ليس رمضان شهر القصص ولا الولائم ولا المجاملات … ليكن رمضان شهر التحرر من الظلم والانقلاب على الفساد في الأرض … ليكن رمضان شهر الشهادة في سبيل الحق ودفع الأذى … وليكن رمضان شهر الصوت الداوي في وجه الظالمين … وشهر الخروج من شهوات الجسد … وشهوات النفس ..

شهر التوبة من الجبن والذل والضعف والخور … شهر التوبة من الانسحاب والخنوع … شهر إعلان العبودية لله ، وأن  في أعيننا وقلوبنا وأرواحنا كل ما فوق التراب تراب.

وليكن شهر رمضان لأهل العلم وأصحاب المنابر الصادقين شهر إحياء لما مات في الأمة من الحقوق.

أما من يتسترون بالدين اليوم فيظهرون مثل الطواويس  ويعملون أحذية في أرجل الظالمين فلهم إن أرادوا العبرة سلف في دجالي الدين في البلقان إذ انهارت الشيوعية وانهارت معها مؤسساتها الأمنية فينشر كتاب بالوثائق عن أسماء بعض من كانوا يضعون العمائم وهم عملاء لفروع الأمن ، فيذكر اسم كل واحد منهم واسم الجهة الذي يرجع إليها ومن هو المسؤول عنه، وماذا قدم من خدمات والأجور التي أخذها والتكاليف التي طلبت منه … ويا لها من فضيحة كانت لها عواقب مرعبة .. ولعذاب الآخرة أشد وأبقى …

أما أهل الصلاح والتقوى فيتوارثون منهج ابن هرمز فيما يرويه عنه مالك بن أنس يقول: كنت آتي ابن هرمز، فيأمر الجارية فتغلق الباب، وترخي الستر، ثم يذكر أول هذه الأمة، ويذكر العدل، ثم يبكي حتى تخضل لحيته.

قال: ثم خرج مع محمد ابن عبد الله (النفس الزكية) رضي الله عنه، فقال: والله مافيك قتال! قال: قد علمتُ ولكن يراني الجاهل فيقتدي بي .( مقاتل الطالبيين 246 نقلاً عن الطبري 9/229).

هذا نموذج سامق من قمم نصرة الحق … أما من صارت تلك النماذج بعيدة عنه فأحوال الدنيا الحاضرة تذكره ، وعار أن يقوم الرهبان البوذيون في ميانمار (بورما سابقاً)  بالتحرك ضد الظلم والخروج بعشرات الألوف في الشوارع وتقديم القرابين البشرية وقوفاً في وجه الظلم الذي يحيق بالشعب،  ثم تجد بعض المنتسبين إلى دوحة الإسلام العظيم يطوفون بين المغانم والأسلاب وفتات موائد الأغنياء وأصحاب النفوذ.

أما أنتم : أيها المسلم الشجاع وأيتها الأخت المباركة فتذكروا أنه في رمضان فتحت مكة وجرت غزوة بدر الكبرى وانتصر المثنى على الفرس ، وفيه بني المسجد النبوي وفيه كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار ، وفيه كان بدء الوحي إلى النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم

لقد اعتاد الناس على كتمان آلامهم في أعماقهم لشدة القمع وحرام اليوم أن يتم هذا، فلنرفع أصواتنا نصرة لكل مظلوم ومضطهد، ولتشتبك أيدينا وقلوبنا ونحن نقف في وجه الفساد، ولنمرن أنفسنا على أن لا نهاب سياط الجلادين ولا سجونهم، ولنملأ الأرض بسير المحرومين.

لا يكن أحدكم أليفاً للظلم ولا صاحباً، وإن ظلم أحد فانشروا قصة ظلمه في كل سبيل وأعلوا الصوت وبثوا أخبار المظلومين في كل سبيل …

ليس رمضان شهر الطعام والموائد والفكر الخرافي…. بل شهر النصر على الظالمين.

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .

 

كتبه أحمد معاذ الخطيب الحسني

الكلمة الشهرية : رمضان المبارك 1428هـ / 1 تشرين الأول 2007م

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على حدث في ميانمار – 2007-10-01 مغلقة