الذين يتوبونَ ويَذَّكَّرون – 2007-11-29

يحكى أن حلاقاً طلب من أحد مساعِدَيه إتمام حلاقة زبون، وحالما وضع المساعد الشفرة انزلقت لتقطع أذن الزبون فقال المساعد الثاني: ارمها بسرعة في القمامة قبل أن يراها المعلم.

في مجتمعاتنا من يريد التخلص من ثقل التاريخ وأزمات الحاضر بمثل هذه الطريقة، غاضاً النظر عن مستلزمات النهوض، وعوائق المرحلة، وقد تحصل غفلة مخيفة عن قوله تعالى: (أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يَذَّكَّرون) التوبة 126…

هناك من يعكس ضعفه على من حوله ناسياً قولة الشاعر:

خلق الله للمعالي أناساً        وأناساً لقصعة وثريدٍ

وهناك من يرتجف قلبه إذا سمع بموقف لشجاع، ويؤرقه الحديث عن الظلم إذ هو جزء من نسيجه، ولبنة من لبناته، فلا يكتفي بالصمت (والساكت عن الحق شيطان أخرس)، بل يُخذِّلُ ويُنشبُ سهامه في الظهور، ويمنعه الجبن عن الجهر بالحق … وما أرى له عذراً إذ يحب توزيع الصفات وتصنيف الناس (مشاركاً الظالمين في ذلك) إلا أن توجد له صفة تناسبه، وألطف مايقال له:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها                  واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فدونك الهبش من الطعام أو البقول، وإن شئت من لحومنا فكل منها هنيئاً مريئاً وكفى بك على نفسك شاهداً ومصنفاً وحسيباً.

وكلا الصنفين مما لم يعد يستحق أن يبذل له الوقت، وإنما يذكر من باب الطرائف الجارية في الأمة، أما الغيورون عليها فلهم حديث آخر، مقدمته إعادة استنبات الأمل في قلوبهم، إذ كلنا بشر والوقائع المحيطة تكاد تنهد لها الجبال وأهل العمل والمواقف قلة، وأهل الكلام يستعصون على العد ورغم ذلك فإن البشائر كثيرة، ومن أهمها الممانعات التي تجدها سياسات الدول الكبرى في بلاد المسلمين، إذ رغم نجاحاتها الجزئية لكنها تخفق في جوانب أخرى بحيث يبدو (والله أعلم) أنها لن تتمكن من الأرض حتى تكون قد أفنت من جهودها ورجالها ومواردها ماهو كفيل بدفعها إلى نهاية قريبة هي التي زرعت مقدماتها.

كما أن من البشائر الوعي المتنامي في صفوف عامة المسلمين وخصوصاً الشباب والشابات منهم، ممن لم يعد مرتبطاً بالتوابيت المحنطة الخشبية التي تفرضها السلطات في كثير من البلدان نموذجاً إجبارياً للدين، بل انطلقوا بحرية يحسدون عليها، وبفطرة زاخرة يبحثون عن الحق، ويبسطون الإيمان هوية نقية وفقهاً مبسطاً ونية صافية، بعيدة عن عقد التاريخ، وأصفاد القوى المتحالفة (حكام الظلم، شيوخ الدجل، أصحاب الأموال الحرام)، وأولئك الفتيان والصبايا، هم بصراحة أعظم من يمد بساط الإيمان في كل أرض إذ “جعلت لي كل أرض طيبة مسجداً وطهوراً” كما يقول النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم، بعد أن حصر الظالمون الإيمان في المساجد، وأعانهم بعض الغافلين ذوي النظر القصير والمنطق البدائي، فلم تقو الأسوار على الفطرة فبدأت قطرات منها تتسرب هاربة لتتجمع سواقي صغيرة ستصبح بحراً من الخير قد لا يأتي بين يوم وليلة، لكن مده بدأ يعلو ولو ببطئ شديد.

ومن البشائر أيضاً المراجعات التي كانت تطل خجولة فبدأت تصبح مواقف معلنة من قبل قيادات إسلامية شتى، متأسية بالمنهج النبوي: “كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون” ومعيدة سمت الإمام الشافعي رحمه الله إذ أفتى في مسألة فلما تبين له عدم الصواب فيها استأجر من يطوف في الطرقات ينادي: أن من كان أفتاه محمد بن إدريس بكذا فقد غلط عليه، والجواب في المسألة كذا…

لم يكن معتاداً أن تعترف أية جهة إسلامية بأن منهجها كان فيه قصور أو خطأ، وربما يكون من أوائل من قرر ذلك بشكل صريح في الزمان القريب هو بديع الزمان سعيد النورسي رحمه الله فقد ترك شخصية سعيد الأول إلى سعيد الثاني (ومهما كان هناك من ملاحظات على ذلك) ولكنها خطوة شجاعة جداً، ربما يكون دفقها هو الذي ولد في الحركة الإسلامية  التركية فكر البحث عن الأصوب وعدم التحنط في الهياكل التاريخية، وفي مصر ملكت الجماعة الإسلامية الشجاعة لتقول للناس أن منهج التكفير واستباحة أموال الناس ودمائهم، والذي كانت تتبناه هو منهج منحرف، وأعلنت الجماعة توبتها منه وأصدرت مراجعات فكرية وشرعية قيمة مؤصلة حول ذلك، وقد ذكر العلامة الشيخ محمد الغزالي رحمه الله أن الإمام حسن البنا رحمه الله عندما رأى الآثار المدمرة للشباب الذي اتجه نحو التفكير العنفي قال عبارته الشهيرة: لو استقبلت من أيامي ما استدبرت لرجعت إلى أيام المأثورات، وهو مفترق طريق لم يتح للبنا الوقت الكافي لإعادة بلورته فاستشهد، وأصيبت جماعته بعدها بسلسلة محن لم تستفق معها لفقه ماقال، فدفعت تنظيمات الإخوان المسلمين في العديد من الدول العربية ثمناً باهظاً لتبنيها خط العنف والصدام العسكري مع الحكام، واليوم انتبه أكثرها لذلك، وبدأت مراجعات متفرقة، لعل من أبرزها مايطرحه الأستاذ راشد الغنوشي، ثم بعض القيادات الإسلامية المصرية والسورية، ولكنها لم تصل إلى حد التبلور الصريح لخط جديد والاعتراف الصريح بخطأ طروحات المرحلة الماضية، ولكنها تبقى على كل خطوة إيجابية.

أما التحول الملفت للنظر فهما موقفان لعالمين جليلين أولهما العلامة الدكتور يوسف القرضاوي إذ وجه رسالة صريحة إلى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب إثر التفجيرات الرعناء والوحشية التي قام بها في الجزائر، وطالبه بالكف عن تلك الأعمال المرفوضة بكل ميزان، وأما الموقف الثاني   فهو الكلام الذي وجهه الداعية الشيخ سلمان العودة إلى الشيخ أسامة بن لادن وبالاسم الصريح جهاراً نهاراً يستدعي فيه غيرته على الإسلام لمراجعة المنهج الذي انخرط فيه تنظيم القاعدة[1] مما كان له أفدح الأثر على الإسلام والمسلمين في الأرض كلها، ثم كان التحول الأكبر هو أخر خطاب للشيخ أسامة بن لادن [2] نفسه عندما تحدث عن وجوب تدارك أخطاء وقع فيها العمل الجهادي خصوصاً في العراق. [من الضروري القول أنه منذ عدة قرون لم يظهر تيار انحرف بمعنى أصيل من معاني الإسلام وهو الجهاد إلى موقع في غاية التفجير للإسلام نفسه مثلما فعل تنظيم القاعدة، والذي قد لا يغيب الإخلاص عن العديد من كبار وصغار أعضائه، ولكن وبعيداً عن أية مجاملة فإن الفكر الدموي والتكفيري والعنفي والصدامي الذي يحمله تنظيم القاعدة هو فكر مرفوض شرعاً وعقلاً وآثاره الماحقة في تشظية المسلمين وسفك دمائهم مما لا يخفى على أحد، وقد تحدث الشيخ أسامة بصيغة عامة لكنها ليست كافية مالم يكن هناك تغيير جذري في أفكار التنظيم ومنها توبته عن سفك دماء الناس، ثم براءته من فكر التكفير، وهو ربما ماجعل الشيخ يتحدث عن الأخطاء بعد أن صار واضحاً وثابتاً أن الفكر الدموي والتكفيري قد استباح من دماء العراقيين وخصوصاً المسلمين وبالتحديد أهل السنة والجماعة مالم يستبحه من دماء الأميركان أنفسهم .. حتى أن معظم الفصائل الإسلامية الجهادية (السنية) تبحث عن التحالف في بينها لرد غارة إخوانها عليها.. ولكن يبقى تصريح ابن لادن إيجابياً مؤداه: أيها العاملون للإسلام والغيورون لستم بمعصومين فتداركوا أخطاءكم، ونرجو أن يعقب تلك المبادرة تفعيل أعظم بحيث تتجه طاقات كافة الفصائل الإسلامية إلى إخراج المحتل وليس إلى تصفية بعضها … فإن دماء الناس معصومة إلا بحقها ودماء المسلمين مهما اختلفت مشاربهم عزيزة نفيسة …. وما من حفظ لها إلا بمراجعات دائمة تعيدها إلى الصواب في الجهاد والفقه والحركة.

كل تلك المواقف من البشائر التي لا تظهر آثارها سريعاً، ولكن لها إيجابيات هائلة، وقد سبق عدة مرات ذكر أن محاور الخطر الأساسية التي تواجهنا هي ثلاثة: الهيمنة الخارجية، والتي لا يمكنها في بلادنا إلا العامل الثاني وهوالاستبداد السياسي الذي صادر حرية الأمة فشل معظمها ودفع بباقي شبابها تحت ضغط الحاجة والغيرة عليها إلى الفكر الدموي والتكفيري، والمحور الثالث هو النخر أو النزيف الداخلي، وهو أخطرها على الإطلاق، ومن البشائر أن يبدأ الوعي بخطره بين أبناء وبنات الإسلام ، ودعاته وحملته من الجماعة الإسلامية إلى الشيخ أسامة … وعندما سنحدد الأخطاء ونعترف بها فستتوقف النزوفات وكلما تعمقنا في معرفة الأخطاء أكثر أغلقنا أبوابها واتجهنا إلى العمل الإيجابي أكثر، وعندها فستضيق الساحة بين أيدي الظالمين، وستتآكل الألوهية المزعومة التي أوهمونا إياها بسبب ضعفنا وسيظهر تماماً بيت العنكبوت الذي هو بيتهم الحقيقي، وعندما يجردون من تلك الحيل الفارغة فسيرجعون بشراً عاديين وإلى أحجامهم الطبيعية وسنكون أول من يعينهم على الخروج من الفرعونية والعودة إلى آدميتهم التي أضاعوها بالطغيان، وإنسانيتهم التي فقدوها بالتكبر والقهر والغرور.

وعندما ستزول تلك الأنظمة الظالمة فلن يستطيع أحد أن يهيمن على الأمة، وستتكسر   طلاسم الفراعين الأكبر أصحاب الهيمنة الدولية وسيشرق فجر جديد.

ليس الاعتراف بالخطأ سهلاً كما قد يتصور البعض، بل هو عملية جذرية في التفكير والتصورات والمبادئ والأصول الشرعية وتقدير المصالح، والموازنة بين الهدف القريب والبعيد.

لنأخذ مثالاً عن ذلك ملف إيران النووي، والحشد الغربي الدولي ضدها.

لقد عانى المسلمون تاريخياً من شرخ حاد بسبب الخلاف المذهبي بين السنة والشيعة، ولكنني أزعم أن الاحتقان الموجود الآن لم يسبق قط ، وكان الصراع يعمل على المحور السياسي ثم العلمي والفقهي، وقد تتفاقم الأمور فتتسرب إلى العامة فتحصل اشتباكات واعتداءات لا تلبث أن تنطفئ ويعود الناس إلى حياة طبيعية فطرية، ويتجاورون ويتزوجون من بعضهم ويتبايعون رغم كل الخلافات، لأن الحامل الشرعي الفطري ثم الاجتماعي الذي يضمهم يبقى مهما حصل أكثر زخماً من التفعيل السياسي أو السجال العلمي أو التناوش والصدام العملي، الذي قد يحصل في أماكن تبقى محدودة ولا تنتقل لتصبح فتنة عارمة.

لماذا لم ينتبه أحد إلى أن إذكاء الفتنة الطائفية يتجه إلى مستويات مخيفة بسبب الحقن من كل الأطراف، ولماذا لم ننتبه إلى أن الأسباب التي نختلف عليها كانت موجودة ولكن ساحتها لم تكن أبداً بالاتساع والحجم الذي تحتله اليوم!

بل إن مافي بطون الكتب من الصراعات المذهبية شيء مذهل حقيقة، ولكنه بقي في الكتب وقد يطل برأسه في صراعات محدودة ولكنها لا تغير لون كافة المجتمعات.

الموجود اليوم هو تجييش سياسي ماكر، وليس فقط عداءً عقدياً أومذهبياً فالعقيدة والمذهب والطائفة موجودة كلها سابقاً ولم تؤد إلى مانحن فيه.

ابحث عن النخر الداخلي الذي جعل الدول الكبرى قادرة على ضخ الفتنة في مجتمعاتنا، وابحث عن السبب في أن التهيئة لعمل عسكري ضد إيران صار الحديث عنه عادياً، وقد يحصل، ولكن الأخطر هو موقف الدول الإسلامية المتخاذل، وأكثر منه خطراً الموقف النفسي للحركات الإسلامية! والتي قد تعطي انطباعاً للساحة الشعبية بعدم أهمية الأمر وأنه لا يخصنا!

إن الحسرة السنية بسبب الغزو الشيعي المدعوم من الدولة الإيرانية ليس سبباً كافياً للصمت حيال احتمال الاعتداء على إيران، ولنفترض أننا نختلف عن الشيعة في العقيدة خمسين بالمائة وفي الفقه عشرين بالمائة (مجرد افتراض) فإن اختلافنا مع الغرب الحاقد في العقيدة تسعين بالمائة …

إن امتلاك إيران للقوة النووية لا يؤذي أي سني لكنه رادع مرعب للقوى المتكالبة على العالم الإسلامي، والعدوان على إيران زيادة في الهيمنة على المنطقة والتكالب على ثرواتها وتعميق لغزو ثقافي واجتماعي يزداد تجذراً في العالم الإسلامي.

بصراحة من المنطقي والشرعي أن نرفض أي مس بإيران ونعتبر ذلك عدواناً على الأمة المسلمة كلها.

هذا الرفض إنما هو للعدوان، ولكن هناك مسألة أخطر قد لا ننتبه لها، وهي أن السلاح النووي كله إنما هو لعنة على البشرية، وأعتقد من الناحية الشرعية أنه لا يدخل فيما أمرنا بإعداده من القوة، فإن التوحش وإفناء البشر ليس من مقاصد الشريعة بل من مصادماتها.وما امتلكته الدول الإسلامية حتى الآن من سلاح وعتاد وجيوش لم يُجد نقيراً ولا قطميراً في وجه الغزاة، ويظهر أن أغلب الأنظمة العربية والإسلامية لم تكن صادقةً يوماً في صدها للغزاة والمحتلين وإنما كانت خنجراً في ظهر شعوبها ومتاجرة بالشعارات وهي تنظر بدم بارد إلى الشعوب تذبح بين أيدي المحتلين، من يقاوم الاحتلال دائماً هم أبناء الأمة الضعفاء والمهمشين والمصادرين ، وخصوصاً الإسلاميين الذين لا يستطيعون بيع مبادئهم وتبقى بلادهم وأهلوهم عزيزين عليهم فيفدونهم بأرواحهم وهم الذين لم يلقوا منهم إلا الأذى والمشانق والسجون والتنكيل.  

ومسألة أخرى: إن من الخطأ الجسيم للأمة المسلمة أن تحاول مجاراة عدوها فيما هو من خصائصه من الهمجية والتوحش، بل عليها تعميق خصائصها الإنسانية وتفعيل دورها الحضاري كرائد في عالم القوى اليوم.

يجب أن ندرك أن مازلنا نملكه من خصائص لا يزال يشكل فتنة وسحراً لعالم اليوم وللمجتمعات البشرية التي يزيد تخبط أنظمتها، وأن ما نحن فيه من عطالة، وما يسيطر على بلاد المسلمين من غرق في التاريخ وخضوع للأنظمة المتخلفة السياسية والدينية ومفرزاتها الاجتماعية هو أكبر الصادات وعوامل الشلل التي تمنع الأمة من الانطلاق.

يجب أن نعطي اللحظة الحاضرة حقها فنرفض العدوان على أي بلد مسلم، بل أي بلد مظلوم، ويجب أن نعطي المستقبل حقه فلا نجري في المنظومات التي تستهلكنا ولا نظن أن امتلاك السلاح النووي هو مفتاح القوة … هذه الدولة الباغية (إسرائيل) يقال أنها تمتلك أكثر من مائة قنبلة ذرية! ولكنها لا تستطيع أن تستخدمها عندما يكون السلاح هو الحجر! والجنود هم الناس … هي فقط تستطيع ردع الأنظمة!

يكفي أن ينظر البشر إلى ما استهلكته الحروب المعاصرة من الأموال وأفنته من البشر وحملته من الرعب والدمار والفتن ليعلم أن تكديس السلاح من أعظم الذنوب، وكلما غرقت الأمة في الجهل أنفقت على السلاح، ونست التعليم والصحة والمعرفة والبحث والتطوير، والاستقرار النفسي والاجتماعي، ولا ينبئك مثل بلاد العرب المتخلفة عن أمثال ذلك.

يحتار الإخوة والأخوات وتأتي عشرات الأسئلة تسأل ما الطريق؟

يقول المفكر الإسلامي الدكتور عبد الكريم بكار أن التفكير هو من أشق العمال التي يقوم بها البشر لذا فإن قلة من الناس تقوم به! وهذا صحيح ولكن ليس الحل بالفرار منه بل بالتمكن منه حتى يسلس بين أيدينا، وإذا جمعنا معه قول الإمام الجيلاني رحمه الله من أن المنافق يقيم على حال واحدة أربعين عاماً (تعجبه نفسه) والعارف يتقلب في اليوم أربعين مرة (يرتحل من حال إلى حال أفضل منها) فإنه يمكن لنا أن نكتشف بعض الآليات البسيطة والتي هي بدايات في سلم النهوض، وهي تماماً شرط ضروري وليس كافياً ولكن لا مناص منها ونذكر منها اليوم ما يلي:

1- لقد تم تدمير الكثير من آليات التوصل إلى المعرفة، لذا أعد الاتصال بها، ومن أهمها القراءة (ليكن لك حصة من القراءة الجادة يومياً).

2- أدت تعقيدات الحياة إلى تباعد الناس، ولذلك(أعد التواصل مع الناس بزيارة أسبوعية لشخص مناسب من رحم أو صديق ).

3- سبب التخلف تعمق الأنانية لذا (ابحث عن الأفراد الذين يشاركونك أفكارك وتبادل معهم الخبرات والأفكار).

4- أدى القمع إلى خوف الناس من أي عمل وعالج ذلك (بتشكيل فريق عمل لأمور بسيطة ومفيدة).

5- ولَّد اليأس انتكاسات في الفكر والحركة، لذا ففكر في السلبيات للعبرة وابحث عن الإيجابيات لتعلم أن الخير موجود دائماً.

6- الثقافة التلقينية أخمدت الروح والعقل، لذا أبق عقلك وقلبك حياً ولا تقبل الأمور دون تفكير، ولا تكن مستمعاً متلقياً، بل مشاركاً فعالاً أو مصغياً بوعي تبتغي التعلم.

7- يصنع الغرور هالة مزيفة حول الإنسان وعليك أن تعلم أنك بشر تخطئ وتصيب واكتسابك صفة التواضع والاعتراف بالغلط تفتح لك أبواب الإصلاح وتدارك الأخطاء.

8- في الدنيا آلاف المشاكل فاحذر الغرق فيها، ولا تنظر إلى إطفاء حريق في قارة ثانية والنار تشتعل في بيتك (حدد لك هدفاً وفعِّل كل طاقتك من أجله).  

9- ليس المهم حجم ماتفعله بل صوابه، لذا اختر لك مشروعاً بسيطاً وتابع العمل فيه وإن أحب العمل إلى الله ماداوم عليه صاحبه.

10- لا تكثر الجلوس مع الثرثارين، ومع الناقدين من دون عمل ومع بلداء الفعل أو الشعور أو التفكير فالصاحب ساحب.

11- لا تستقل ما تعمله من الخير فجهد النملة المتواصل يزيح أقسى الصخور ويفتتها.

12- كن شجاعاً ودرِّب نفسك وحدثها دائماً أن الشجاعة والتضحية لابد منهما ليقوم الحق، وأنك لن تتوانى عن البذل عند اللزوم.

13- الحياة حركة، والسكون موت لذا تابع المشروع الذي تعتمده وتضلع فيه.

14- تعلم ممن هو فوقك وممن هو دونك وممن هو مثلك. والمعرفة فضيلة.

15- لا تحرق أعصابك بما يجري حولك، فقد يسبب ذلك الإحباط والشلل، وللوقت دوره، وعندما تبذل جهداً في اتجاه سليم فاعلم أنك بدأت تضع لبنة في البناء الصحيح.

16- وكما تتلاقى حبات المطر فتصنع السواقي ثم تتجمع السواقي فتجري الأنهار والأودية كذلك الحياة فكن قطرة راوية.

17- قسوة القلب من أكبر موانع القوة، فاستمد القوة والعزيمة والهمة من صلتك مع الله.

18- زد من افتقارك وارق بأحوالك وتدارك ترقيع صلواتك.

أمثلة عن مشاريع صغيرة: (الالتزام ببرنامج قراءة، تلخيص كتب نافعة، توزيع رسائل مفيدة، زيارة أصدقاء قدامى، التعرف إلى من يشاركك أفكارك، إنشاء حلقة فكرية أوعلمية، كتابة رسائل تناصح، التطوع لحل الخلافات العائلية والمهنية، مساعدة طالب علم، كفالة فقير (مادياً وأهم منه بكثير تربوياً) ، تشجيع أصحاب الفعالية، بث الأمل بين أصدقائك، إنشاء جلسات حوارية للبحث عن أنجح المشاريع، الريادة المعرفية بالبحث عن مواضيع مهمة ثم تعميم المعرفة بها بالتدريج : مثل: حقوق الإنسان، تربية الأطفال، إدارة الأزمات، الأعمال المدنية) ، إقامة دورات لأصدقائك في العلوم الشرعية (فقه الصلاة.. الزكاة .. علوم القرآن ..الحديث .. أصول فقه) .. ، اللقاء في رياضة صباحية أو جلسة أدبية أو قيام ساعة من ليل.. أو تحلق في جلسة ذكر مأثور، إعطاء محاضرات لمعارفك ضمن اختصاصك (أصول الإدارة الصحيحة، الإسعافات الأولية، التمريض، مهارات البيع والشراء، الاقتصاد والتوفير… ) ، تعليم من حولك ماتتقنه أنت (قيادة سيارة ، استخدام الحاسب ، ركوب دراجة ، السباحة، لغة أجنبية ..) …

لا تنتهي المشاريع الصغيرة، ومن المعاناة ينطلق التطوير والتحسين (فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره) .. وإن حركة التاريخ إنما تصنعها آلاف الجهود التي لا نلقي لها بالاًَ … فإن سألت عن الأهداف التي نقوم بهذه المشاريع الصغيرة من أجلها أوصيتك بالرجوع إلى مقالة بعنوان : خطوات في الطريق إلى البناء فهناك محاور نظن أنها جمعت من الصواب الكثير وكل نصيحة تزيدها صواباً…

أما إخواننا وأخواتنا في الغربة فمجالهم أرحب وقدرتهم على التفعيل أكبر ولكن عليهم أن لا يفتنوا ببريق الكهرباء (كما سماه أحد إخوتنا) وأن يحافظوا على سلامة اللغة العربية وأن يُحرموا استخدام غيرها في بيوتهم، وينبذوا تلك الرطانة السمجة التي تسللت إليهم من ذوبان لغة القرآن على ألسنتهم .. كي لاتصبح عقولهم تفكر وأبناؤهم يطوفون حول أوثان الفرنجة .. ولنتعظ جميعاً بمن قد مضى وبما يجري وبما سيأتي .. وأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كالمطر لا يدري الغيث في أوله أم في آخره كما جاء في الحديث.. فليكن فيه كل ابن للإسلام وكل ابنة له، قطرة مباركة .. أينما وقعت نفعت.

كتبه: أحمد معاذ الخطيب الحسني

21 شوال 1428هـ/ 2 تشرين الثاني 2007م


[1] – كان ابن لادن من مجموعة الدكتور عبد الله عزام وكان الهدف هو تحرير أفغانستان من الغزو الروسي، وبعد استشهاد عزام، جرَّت بعض المجموعات المعروفة العمل الجهادي كله إلى فكر دموي تكفيري، وهي تتحمل مسؤولية الأمر أمام الله وأمام الأمة.

[2] – لا أعتقد شخصياً أن الصوت الذي كان في الشريط هو صوت ابن لادن نفسه، فصوته عادة أدفأ وأعمق، ويلاحظ الفرق بشكل أوضح في المقطع الأخير إذ أن وتيرة الكلام كانت أسرع من أي خطاب سابق، والله أعلم.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف كلمة الشهر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.