بل هو خير لكم …. ستتحدون … فتنصرون – 2006-08-01

هذه الكلمات مهداة إلى الأجساد الممزقة وأشلاء الأطفال المبعثرة في غزة وقانا.

إلى أرواح شهدائنا الأطهار .

إلى مساجدنا ومنازلنا وجسورنا المدمرة ، وبلادنا المحترقة بقنابل اليهود والإدارة الأميركية البلهاء.

إلى دموع أمهاتنا الثكلى وزوجاتنا المترملات وأخواتنا الطاهرات الصابرات.

وإلى كل مجاهدي أمة الإسلام .
سيناء والجولان والضفة الغربية سقطت عام 1967 خلال أيام ، ولكن نفس الجيش الذي لا يقهر تكسرت أنيابه المتوحشة عند أقدام أول قرية في الجنوب الصامد.

فهنيئاً لكم ياحكام العرب بفضيحتكم وذلكم وجبنكم ، يامن محقتم شعوبكم وأخرستموها ، فلما طاش بعض الشباب الغيارى (لفرط ظلمكم) أمنتم لكل مخلص تهمة ، وملأتم السجون بأهل العزائم والجهاد .

هنيئاً لكم يامن نهبتم الشعوب وأبحتم أعراضها لذراريكم الفاجرة حتى ضجت من مخازيكم الأرض والسماء.

هنيئاً لكم مؤتمراتكم الوقحة وأحاديثكم الكاذبة وكل هراء الشجب والاستنكار وإدانة العدوان!

هنيئاً لكم تنعل أسيادكم لكم فعشتم عبيداً وستصيرون إلى ما هو أذل وأخزى يوم يأتي يوم الحساب.

هنيئاً لكم تكديس السلاح والعتاد ، وأيديكم أيدي الخونة التي ما كان لها إلا أن ترتعش يوم اللقاء.

هنيئاً لكم ألفُ ألفِ لعنة تنزل عليكم من عيون الأطفال التي جف فيها ماء الحياة ، وعلى كل من يطوف بقصوركم الدنسة في كل صباح ومساء.

هنيئاً لكم أصحاب العمائم المنافقة تسقون بعضكم كؤوس الكذب والرياء. وملايين الأيدي مرفوعة إلى السماء تدعو عليكم وعليهم بفناء عاجل ، دعوة مظلوم لايخيب له عند الله الرجاء.
آمل من الإخوة والأخوات الكرام قراءة مابين السطور ببصائرهم ، والتفكير الدقيق ، وبعدها فجزى الله خيراً كل من يهدي إليّ عيوبي !
وبعد : فإنني أكره أن أتكلم نصف ما اعتقده من الحق ، وقد سئلت مئات المرات عن موضوع شديد الحساسية ، ولست ممن يتتبع مدارس الهروب ، لذا كتبت ما أعتقده الصواب والله أعلم.
أولاً : إن من الخطير جداً أن يصبح التفسير الصهيوني للأمور هو المنطلق في التحليل ، وكثيرون رغم كل مافعلته إسرائيل لم يدركوا روح الظلم السارية في أعماقها ، ويمكن لأي مثقف عادي أن يراجع أي كتاب عن فلسفة إسرائيل للحياة ونظرتها إلى باقي الأمم والشعوب ليعلم أنه مهما طالت الزمان معها فإن سياستها في الهيمنة لايمكن أن تقف بها عند حد ، وأنه مهما تشدقت عن السلام فإنها تعني (وفقط تعني) أمنها الخاص وتمتعها بالسلم هي مهما اغتالت ودمرت وكادت لمن حولها وخربت كل شيء.

ثانياً : لقد تواطأ العالم كله على إبادة شعب فلسطين ، وكل الناس رأت كيف أن حكومة حماس التي اختارها الشعب قد تم تقديم غطاء دولي لمحقها بتدمير البنية التحتية بشكل شرس ثم اعتقال وزرائها ونوابها ، وذلك بعد التدمير والقصف والنسف والاعتقال والاغتيال ومصادرة الأراضي وتجريف المزارع وهدم الآبار .

ثالثاً : ليس الموضوع موضوع حركة مسلحة تقف في وجه إسرائيل ، بل المشكلة أن تلك الحركة إسلامية الراية ، وهناك قرار دولي بعدم السماح لأي طرف إسلامي بالوصول إلى الحكم مهما كلف الثمن ، وخصوصاً في دول الطوق ، لأن أي طرف إسلامي مهما كان مرناً وقدم تنازلات فإنه لن يكون على مستوى العمالة التي تطلبها إسرائيل .

رابعاً : هناك خشية دولية من أي انبعاث إسلامي ، لذا فإن هناك مخططات لم تعد خافية على أحد يراد منها تجزئة أي كيان قوي ، لأن تلك الكيانات ولو كانت مرتبطة بالسياسات العالمية ، فإنه يخشى من تحولها بطريقة ما إلى الإسلام ، وعندها فستصعب السيطرة عليها ، ومن الأفضل تجزئتها من الآن لإضعافها ، ثم إنهاكها بمشاكل لا تنتهي ، وبالتالي فهناك تقسيم فعلي للعراق ، وخطة لإنشاء كردستان الكبرى ، وقضم جزء من الباكستان وإيران لإنشاء دولة بلوشستان ، وهناك خطة لتقسيم السعودية وقضم أطرافها ، كما أن ما يجري في دارفور ومحاولة حشر قوات دولية بأية طريقة هو نموذج عملي ، لمخطط تفعله الدول الكبرى بالراحة لشطر السودان في النهاية إلى ثلاث دول ، مع إبقاء مناطق نزاع دائمة في كل مكان .

خامساً : لم يعد خافياً ولا سرياً أن الولايات المتحدة أعلنت نفسها رباً للعالم (أستغفر الله) وهي تتصرف على هذا الأساس ، وهي تريد احتلال العالم والهيمنة عليه إن لم يكن جغرافياً فاقتصاداً وسياسة ونفطاً وماء ، وثقافة وحضارة ومجتمعاً ، والكل سمع كونزاليسا رايس تتحدث مسرورة عن آلام لبنان وأنها آلام المخاض لولادة شرق أوسط جديد!

سادساً : إن اتفاق الدول على أمر ما لا يعني عدم وجود أهداف فرعية خاصة ، وعلى سبيل المثال ، فمن مصلحة الولايات المتحدة في العراق أن يحصل استقرار سياسي لتتمكن من إتمام النهب الذي جاءت من أجله ، بينما من المهم جداً لإسرائيل أن تبقي العراق في فتنة داخلية لا تنتهي ، لتكون هي المستشار ، واللاعب الأساسي ، رغم اتفاق الطرفين على تقسيم العراق ، وليس سراً أن المخابرات الإسرائيلية تعمل بجد لحرق الأخضر واليابس وإشعال الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة ، بطريق مباشر أو إيحائي ،وهناك من يجزم أن كثيراً من المذابح والتفجيرات التي تحصل يتم بعضها بتنفيذ مباشر من العملاء أو بالدعم الخلفي والاختراق التخطيطي والأمني.

سابعاً : رغم كل الانتقادات التي توجه إلى النظام السوري ، ورغم كل الأخطاء التي ارتكبها في لبنان ، فإنه كان عائقاً في وجه التغول الطائفي الذي تحاول إسرائيل تفعيله بكل الطرق ، والذي لم ينجح لحد الآن وفق ما تريد فقررت الدولة العبرية أن تتدخل في لبنان بشكل عسكري ومباشر لتحقيق ما تريد. .

ثامناً : ربما كان هناك قصور مخابراتي عند حزب الله جعله لا يدرك أن إسرائيل ستنتهز أول فرصة لتقوم بهجوم صاعق ومدمر ، متخذة من أية حركة يقوم بها الحزب ذريعة لتبرير ماتفعل أمام المجتمع الدولي ، ولكن هذا لا يلقي اللوم على حزب الله لعدة أسباب منها : أن هناك مأساة الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين والعرب والمسلمين في السجون الإسرائيلية وهذه مشكلة سياسية واجتماعية وإنسانية يجب أن تحل ، ثم إن ردة الفعل الإسرائيلية العنيفة توضح بجلاء أنها كانت تنتظر تلك الفرصة ولم تقم بها رداً على اختطاف الجنديين ، كما إن حزب الله قدم خدمة شرعية إلى حماس عندما خفف الضغط الماحق الذي كانت تقوم به الدولة العبرية في قطاع غزة والذي كان معرضاً لدمار مشابه لدمار الضاحية الجنوبية الآن ومقدمة لمحق حماس وأجهزتها الحكومية والتنظيمية.

تاسعاً : لقد قال الأمين العام لحزب الله إن إسرائيل كانت تعد لذلك الهجوم الماحق حوالي شهر تشرين الأول القادم ، وأكد الأمر القائد العام لحماس الأخ خالد مشعل، ومعنى هذا أن قصد حزب الله باختطاف الجنديين قد حقق أمراً آخر (وإن لم يكن بتخطيط حزب الله) وهو أنه أربك إسرائيل فجعلها تبدأ مشروعها دون استعداد كافٍ ، وهذا يوضحه تماماً مايجري حيث أن القصف العنيف هو تدمير أرعن ، ولم تستطع إسرائيل من خلال انقضاضها لا تدمير حزب الله ، ولا قتل روح المقاومة ، ولا إقناع أحد (بعدالة قضيتها) ، بل حركت طوفاناً في العالم العربي والإسلامي ضدها وضد الحكام العرب وضد الإدارة الأميركية وهو شيء ستظهر له آثار مستقبلية خطيرة قد نتكلم عنها لاحقاً.

عاشراً: لقد نجحت إسرائيل بالتدمير فقط ، ولكنها خسرت سياسياً ، وعسكرياً وإعلامياً ، وقد انهزمت بشكل مذل ، وخصوصاً أنها لا تقاتل جيشاً نظامياً ، بل مجموعات مسلحة مهما بلغت جاهزيتها فإنها محرومة تماماً من الغطاء الجوي ، والدعم اللوجستي ، ورغم ذلك فبعد ثلاثة أسابيع من الهجوم المتوحش والتواطئ الأميركي الإنكليزي على تقديم القنابل الذكية لم تستطع القوات الإسرائيلية أن تتقدم ولو بضعة كيلو مترات في الجنوب.

حادي عشر: لقد صرح المحللون أن مايقارب الأربعين بالمائة من طاقة حزب الله وإمكانياته سببها التدريب الفني والاستعداد العسكري ، ولكن ستين بالمائة يعود إلى المستوى الإيماني والروحي.

ثاني عشر: إن انكسار حزب الله هو مقدمة للإجهاز على حماس وبقية الفصائل الفلسطينية ، وبالتالي إضعاف أي كيان مقاوم ولو بالحدود الدنيا ، ونتيجة ذلك هو الاجتياح الكامل للمنطقة ، والذي أبسط آثاره هو الاحتلال العسكري ، أما مايتلوه من اجتياح ثقافي واجتماعي وحضاري فهو أخطر بكثير.

إن تقدير المصالح والمفاسد ليس سهلاً ، واختيار أقل المفسدتين قد يكون شاقاً وعسيراً ، وعلى سبيل المثال ( وبكل صراحة) فأهل العلم وكثير من المتدينين في سورية يعيشون تحت وطأة ليست بالقليلة ، وهناك جهات هوايتها التصنيف للمتدينين من أجل حد نشاطهم ، فمن كان من الإخوان المسلمين فيواجهه القانون 49 الذي يقضي بالإعدام (وحالياً تخفف إلى السجن) ، وحزب التحرير محظور ، أما جماعة الدعوة والتلبيغ التي تمنع كوادرها من الاشتغال بالسياسة فممنوعة ومضيق عليها ، ومن كانت لحيته طويلة قليلاً أو يلبس )كلابية( قصيرة فهناك خطورة أن يحشر في زمرة الوهابيين ، فإن كان لا يحضر الموالد أو يقاوم البدع فيشك في أنه موالٍ لتنظيم القاعدة .. والمسالمون من مجموعة داريا قضوا من أسابيع إلى سنوات في السجن لأنهم كنسوا الشارع وخرجوا بمظاهرة سلمية ترفع الآية الكريمة : إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، وحتى موقع إسلام أون لاين فمن رابع المستحيلات الدخول إليه ، ولم يفهم أحد سبب الإصرار الشديد على حظره ، أما قناة الجزيرة فمشبوهة وعميلة رغم كل الهم الإسلامي الذي تحمله ، وذلك لأن فلاناً ( ..) .. قال لأحد العلماء ذلك فصار ذلك العالم يؤكد ويقرر ذلك سراً وجهراً ، كما أن هناك تفريغاً للدين وتدميراً لمرجعياته ، ومن أبسط أمثلته أن الجامع الأموي الذي كان لا يعين خطيبه إلا بأمر من السلطان العثماني ، أصبح ميداناً رحباً للوسائط ونهبة لأصحاب النفوذ حتى بلغ عدد خطبائه اليوم أربعة عشر خطيباً!!! (أي والله العظيم) بعضهم من العلماء الكبار ، وبعضهم ليس في العير ولا النفير إلا أن فلاناً من المسؤولين قد اصطفاه ، وإن كان على حساب المسجد وعراقته ومرجعيته ، ولكن يشترك الكل في أنه ليس لأحدهم صلاحية (إن اضطر للغياب) لتوكيل أحد زملائه الأربعة عشر الآخرين إلا أن يتصل بموظف صغير!!! هو الذي يقرر اسم الخطيب ! أفبعد هذا ذل واحتقار! وهل هذا الأمر إلا تحطيم للمرجعية الشرعية وتغييب لها.

ومنذ أشهر صدر قرار عن أحد الوزراء بمنع التسجيل في المعاهد الشرعية للمرحلة الإعدادية ، ولم يفهم أحد لماذا يسمح للسفارات أن تدرس مناهجها الخاصة ، ولماذا يسمح لمدارس أبناء المسؤولين أن تقرر ماتريد ، ولا يسمح للمعاهد الشرعية بالبقاء ، وقد وعدني أحد العلماء أن تحل الأمور خلال أسبوع واحد ، واليوم قد مضى شهر كامل ويومين ، ولا زلت أنتظر قبل أن أبق حصاة في فمي!

هناك أمور كثيرة ، ولن نسكت عنها ولكننا سنتابع حلها ضمن طرق مناسبة من الضغط الداخلي ، وتحريك الرأي العام وما يتيحه لنا القانون ، ولكننا (ومهما كانت الظروف) لن نسمح أبداً أن يكون ذلك على حساب وحدة البلاد وسلامتها ، ونرفض تماماً أن نستعين بقوة خارجية مهما كانت الأسباب.

ومن أجل ذلك لم نجد مناسباً أن يتحالف بعض الإسلاميين مع الأستاذ خدام رغم شعورنا الشديد بما يحملون من آلام وهموم ، ومعاناتهم مما مرت به الحركة الإسلامية في سورية من حيف ، وما فتح لشبابها من السجون وما شرد من خيرة الكفاءات ، إضافة إلى الإعدامات التي جرت في تدمر ، ومجازر حماة وغيرها! ولكن يبقى كل ذلك مؤجلاً ، والأستاذ خدام ليس له أي رصيد عملي تحتي ، وسوف يعتمد على دعم الولايات المتحدة والقوى الخارجية ، ورغم كل الملاحظات حول الحكم في سورية (ومهما كانت نية النظام) فيكفيه أنه حجر عثرة متعب في وجه الاجتياح الأميركي القادم ، وهو معيق لمخططات العولمة ، واستبداله الآن عن طريق الرضى بالتعامل مع النظام العالمي الجديد بداية احتلال ، وعلينا جميعاً أن لانسمح به ، وأن نقف مع النظام السوري في وجهه مهما كانت الظروف ، ولقد كانت قولتنا دائماً : رعي جمال ابن تاشفين ولا خنازير الأذفونش.

كما يستطيع النظام في سورية بآليات بسيطة أن يعيد كسب شعبه ، وأن يتجاوز الكثير من المآزق ، ويستطيع أن يفشل المخططات الأميركية والتوراتية في المنطقة ، وذلك بمزيد من الحريات والانفتاح على الشعب وإقصاء بعض العقليات الاستبدادية الستالينية التي تسيء إلى الجميع.

ومن تقدير المصالح والمفاسد أيضاً رفضنا القاطع للهجوم على برجي نيويورك ، رغم كل عسف الولايات المتحدة ، لأن في ذلك قتلاً للأبرياء وتشويهاً لصورة الإسلام وتنفيراً لشعوب الأرض منه!

وكما رفضنا ذلك رفضنا نقل الحرب إلى غير مكان الحرب ، وأعلنا أن الأنظمة غير الشعوب ، ولا يجوز إيذاء الشعوب (والتي هي مستضعفة وجاهلة بالإسلام) فرفضنا تفجيرات قطارات إسبانية ، وأنفاق المترو في لندن ، وكل مايشابهها ، لما يؤدي إليه ذلك من قتل للأبرياء ، وصد عن الدعوة إلى الله ، وإساءة إلى الأقليات المسلمة ، وزيادة الضغط عليها.

ولكن بمقابل ذلك قلنا ومازلنا نقول : إن كل جيش احتلال في بلاد المسلمين يجب أن يدمر أويزول.

ماسبق سقناه لشرح ما اعتقدناه من صواب في تفسير المفاسد والمصالح .

ونأتي الآن إلى مشكلة مستعصية : فهناك جسم شيعي ضخم وجسم سني كذلك يقادون بالغرائز الطائفية ، بحيث تختنق أي فرصة لحوار عاقل بعيد عن التشنج ويبتغي مد الجسور والبحث عن جذور المعضلات ، وإصلاح ذات البين! وقد كتب العلامة المودودي يوماً كتابه : الخلافة والملك ، كمدخل لبداية فهم مشترك ، وخط أستاذنا العلامة محمد الغزالي كتابه : دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين ، كما أن المفكر الكبير الدكتور علي شريعتي قد غاص إلى الأعماق محاولاً البحث عن علل النزاع … وكان لسماحة الشيخ مهدي شمس الدين رؤية شديدة الاتساع.

وبالمقابل فإن هناك خطراً مقبلاً علينا أن نخطط لنتجاوزه ، ويجب الحذر الشديد من إثارة الغرائز الطائفية تجاهه ، وهو مايراد من فتنة سنية شيعية ، والتركيز على موضوع الهلال الشيعي! وسنسأل الحكام الذين صرحوا به : لماذا بدأتم الكلام عن الهلال الشيعي؟ هل صدرت إليكم أوامر أميركية وإسرائيلية الآن ، وإذا كان الشيعة يعملون بحق لإنشاء هلال شيعي بالتعاون بين إيران وامتدادها العراقي ثم حلفها السوري ثم حزب الله في لبنان! فأين عملكم أنتم في بلادكم لإنشاء هلال وقمر وشمس سنية تملأ الدنيا هدى! أين عملكم وأنتم تحكمون البلاد والعباد ، لنقل إنكم تتاجرون ، وفقط تتاجرون بنا وبغرائزنا الطائفية ، وإلا فقد كان يجب عليكم من الناحية السياسية (وليس الشرعية فقط) أن تدعموا أبا مصعب الزرقاوي لأنه كان يريد الإجهاز على أي جسم شيعي يتواطأ مع المحتلين! (ملاحظة: استثنى الزرقاوي مدرسة الخالصي الشيعية من التهديد لأنها ضد الاحتلال الأميركي – ونحن نرفض طريقة تفكير الزرقاوي ، ولكننا ذكرناه كحجة على الحكام) وقد تم اعتقال أربعة نواب ذهبوا إلى عزاءه (ومهما كان تأييدهم له فقد لقي الرجل وجه ربه ولا شماتة في الموت) ولماذا يعفى جواسيس إسرائيل من العقوبات القانونية أو يطلق سراحهم ضمن فترات قصيرة ، وآلاف الدعاة والمجاهدين والمحترقين على بلادهم ملأتم بهم السجون ، وعلقتم لهم المشانق .

وقلت لأخ يغلي بالغيظ ضد الشيعة وإيران : لست أحب أن أعيش تحت وصاية إيرانية ولا هلال شيعي ، وعندي ملاحظات كثيرة على تصرف الدولة الإيرانية تجاه أهل السنة ، ومن ذلك أن طهران على جلالة قدرها ليس فيها لأهل السنة مسجد واحد (ذكر لنا ذلك كثير من الإخوة الذين زاروا طهران) وهناك مجموعات متعصبة تغتال كل فترة كل من يعارضها من أئمة السنة ، و عند البعض قومية فارسية اتخذت من الإسلام غطاء تتحرك به كما اتخذ بعض البعثيين الإسلام مطية يركبونها لمصالحهم ثم يحرقونه وأهله عندما لا يلين لهم ، إضافة إلى أنني لا أحب الطريقة المهينة التي عومل بها صديق والدي (آية الله المنتظري من عزله وإقصائه وإهانته وهو المنظر الأول للثورة الإسلامية في إيران) ….وغير ذلك كثير ..ولكني سأسألك بالله ، وأرجوك أن تجبني إجابة مخلص صادق : إن لم يكن هناك إلا خياران لا ثالث لهما : هلال شيعي تعيش في ظله أم نسر صليبي توراتي (أميركي – صهيوني) يظلل حياتك! فأيهما تختار؟ …

لايعني هذا الرضى بما تفعله بعض الميليشيات الحاقدة في أرض العراق من التصفية لأهل السنة ، بسبب أنها نشأت على ربط أهل السنة بصدام ، وصدام بكل آلام الشيعة المعاصرة ، وكما لايعني أن الرد يكون بمثل ذلك لأنها فتنة مخيفة إذا اشتعلت لايعلم إلا الله كيف تنطفئ! وإن الأخطاء التي ترتكب هنا وهناك لا يجوز جرها إلى كل مكان لتحرقه ، بل ينبغي أن نعمم التجربة الناجحة لتكون عامل إنهاء لكل التجارب السلبية.

وبالمناسبة فكل من يجاهد في وجه أعداء حقيقيين للأمة فإنه يكون أرحب أفقاً وأوسع صدراً ، ولا يستطيع أحد أن يذكر أن حزب الله اللبناني قد أيد مثل ذلك، بل إن الأمين العام قد طلب عدة مرات من السنة والشيعة الكف عن ذبح بعضهم لأن هذا عين ماتريده إسرائيل!

وفوق كل ذلك هناك تحويل ماكر أشغل به الحكام الناس عن حقيقة الوضع ، وسنقلب الأمور في وجههم و نسأل الحكام العرب : هل كل تلك الأسلحة التي تشترونها هي فقط لقمعنا (خلال الأيام الماضية عقدت دولة خليجية صفقة أسلحة مع الولايات المتحدة بما يزيد عن أربعة مليارات دولار!) أم هي لتعتدوا على بعضكم؟ حبذا لو أنكم تركتمونا بوجه اليهود في العراء إذاً لوفرتم على الأقل أموال الأمة المسلمة!

وإذا كان السلام هو خياركم الاستراتيجي ! فسنقول لكم : وماذا أعددتم لذلك الخيار، بلاداً منهوبة وشعوباً ذليلة محكومة بالحديد والنار ، ماذا أعددتم للخيار الإستراتيجي؟ والذي إن قبلنا به جدلاً (واعتبرنا أنه من العار الحضاري أن نتحدث عن المقاومة والجهاد والتحرير لأنها أدوات متخلفة عفا عليها الزمان ، ونحن في مرحلة الحوار و إثبات الوجود الحضاري ، وضمن منظومات راقية!) فسنجد أنكم لم تبنوا في بلادنا شيئاً ، وحكام إسرائيل يستحقون أن توضع لهم الأوسمة لأنهم مخلصون لبلادهم ، مازالوا بها حتى جعلوها قوة مركزية في المنطقة ، وبنوا فيها زراعة وصناعة واقتصاداً يضاهي أرقى ماتصنعه الدول الكبرى بل إن صناعاتهم الحربية بلغت من التطور مالا يمكنكم ياحكامنا أن تصنعوه ولوبقيتم فوق رؤوسنا ألف عام ، لأنكم مجرد دمى تحركها حبال ما صنعتها في ربوع بلادي يدان!

ومن أعجب ماسمعناه أن البعض قال بأن التوقيت غير مناسب ، ومتى التوقيت المناسب ، وقد حكمتم الأمة عقوداً بعد عقود ولم تنته نهمتكم للمناصب ، فلم تفعلوا شيئاً ، ومن أخبركم أنه قد بقيت لكم في نفوس الشعوب ذرة احترام ، ومن أخبركم أن لكم مرجعية أو شرعية في نفوس الناس ، ومامنكم أحد أتى إلى الحكم إلا بقوة الجيوش والدبابات والقرارات الدولية.
لقد قلب حزب الله الطاولة على الأنظمة العربية ، وسببت الحركة التي قام بها إيجابيات منها مايلي:

1- فضيحة الأنظمة بشكل لم يعد معه مكان للرتق أو الالتفاف (ستتآكل)

2- بعث الأمل بالتحرير والنصر بعد الهزائم الطويلة

3- تقريب الفصائل الإسلامية من بعضها

4- إشعار الأمة بالخطر الغائب وأنه يشملها جميعاً

5- إبراز أهمية البناء الإيماني في الثبات (وهو الأمر الذي عافى الله منه الأنظمة العربية)

6- توضيح أهمية الإعداد المسبق ، والبناء والعمل الطويل

7- تحطيم أسطورة البعبع الإسرائيلي والجيش الذي لا يقهر

8- تستطيع الأمة أن تحقق النصر السياسي والعسكري

9- الإعلام أداة أساسية في صراع الحياة

10- رفع معنويات الشعوب العربية والإسلامية

11- وضع الأمة أمام المكر العالمي والتواطئ الدولي.

12- كشف تقاطع الولاءات والمصالح بشكل ممتاز

وهناك أمور أخرى لا مجال للإفاضة فيها …. وحاشا لحزب الله وحاشا لحماس ، وحاشا لأي جسم جهادي مخلص أن يرضى بالآلام والعناء لأهل الأرض ، ولكنها ضريبة للحرية ، وباب للخلاص.

إن حزب الله في النهاية حزب إسلامي جهادي تقتضي المصلحة الشرعية مؤازرته (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) الأنفال 72.

وقد قرر كبار العلماء ذلك ومنهم على سبيل المثال : العلامة الدكتور يوسف القرضاوي ، والعلامة القاضي فيصل المولوي ، وسماحة مفتي مصر الدكتور علي جمعة ، واتحاد علماء المسلمين ، وكثير من الهيئات الشرعية … ولقد شهد التاريخ مواقف مؤلمة ظن البعض فيها أنه ينتصر للحق فترك أخاه في وجه العدو فخسر الجميع ، ومادول الطوائف في الأندلس عنا ببعيدة : (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَاوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ..) الأنفال 72.

وينبغي العلم أن هناك ضغوطاً شديدة ستمارس على حزب الله ثم حماس ، وتقدير المصلحة فيها ليس بالأمر الهين ، وليس من أحد إلا ويبحث عن الاستقرار المستقل ، والسلم الذي ليس معه ذل ، والتعامل الحر الذي لا يفرض من الدول الكبرى بل يحقق المصالح الشرعية والوطنية.

لذا فإن دعم الإخوة الذين يسدون الثغور (سنة كانوا أم شيعة) ليس مباحاً فقط بل واجباً ، سواء كان دعماً بشرياً أم مادياً أم معنوياً ، كما أن الدعاء لهم بالنصر من أوجب الواجبات ، ولا أحد يقول أن دعمك أيها المسلم السني لأخ لك مجاهد شيعي سيغير عقيدتك وينسف مذهبك ، وأخوك الشيعي إن نصرك فكذلك ، ولو أن كافراً ظالما عدا على كافر مظلوم لوجبت عليك نصرة المظلوم ، فكيف بمن يقول لا إله إلا الله ..وحلف الفضول الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام أنه لودعي له في الإسلام لأجاب ، لم يكن لنصرة مسلم على غير مسلم ، بل هو لنصرة المظلوم ولو كان مشركاً … فكيف بمن يقول لا إله إلا الله ، محمد رسول الله … وفوقها هو مظلوم.

وهناك أربعة أسئلة أخرى: الأول : نقل عن بعض العلماء قوله أنه إذا قال له الله يوم القيامة : لماذا لم تجاهد؟ فإنه سيقول له إن السيد حسن نصر الله قد جاهد عنه! فما القول في هذا الكلام؟

– إن هذا الكلام مرفوض ويوحي بالضعف والفكر الجبري ، ولوطالب هذا العالم بالحرية للشعوب المسلمة وعمل لإقصاء الظالمين في الأرض ، لقدمت الأمة نماذج رفيعة من القادة والمجاهدين .. بل إنها أقدر في جو الحرية على إخراج القادة الفكريين وصناع الحياة القادرين على هزيمة أعتى دول الأرض لا بالسلاح وحده (إذا صار عاراً حمله للمستضعفين) بل بالقوة الحضارية والفعل المدني ، والتقدم المعرفي ، الذي عوفيت منه أمة العرب بفضل قادتها الأجلاء ، وأخشى أن يفهم البعض أنه إذا كان ذلك العالم على جلالة قدره لا يستطيع الجهاد فكلكم أيها التلاميذ الضعفاء عاجزون فلا تفكروا في الجهاد! …. ولا فيما أقل منه بكثير.

السؤال الثاني : نقل عن بعض العلماء قوله : أنه كان يقول للناس من قبل أن لايخرجوا على الحكام إلا أن يروا كفراً بواحاً! والآن حصل ماهو أعظم من الكفر البواح لذا فإنه يطلب من الشعوب أن تخرج على حكامها! فما الموقف من ذلك!

الجواب : هذه فتوى عجولة وخطيرة وغير منضبطة ، فهل يقصد جميع بلاد العرب والمسلمين أم بعضها ، فليحدد لنا البلاد التي يطلب فيها من الشعوب أن تثور على حكامها ، والبلاد التي يجب فيها على الشعوب أن تُقبِّل يد حكامها … كنت أود لو أن هذا العالم لم يطلق مثل تلك الفتاوى غير المنضبطة ، ووددت لو أنه طالب الحكام جميعاً بفتح أبواب الحرية في بلادهم ، وإعطاء البشر حقوقهم في الاجتماع والكلام والتعبير ورفع حالات الاعتقال التعسفي والمحاكم الاستثنائية ، وإلغاء قوانين الطوارئ وغيرها لكان أجدى .

السؤال الثالث : هل يجوز أن نقول عمن يموت من حزب الله أنهم شهداء (بالمعنى الشرعي)

الجواب : عقيدة أهل السنة والجماعة أننا لا نحكم لأحد بجنة أونار إلا من شهد له الله ورسوله بذلك ، ولكن الإنسان يشهد بما يعرف ، وقد قال الهادي عليه الصلاة والسلام أن الجنة قد وجبت لمن أثنى الناس عليه خيراً ، وقال: إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ، وظننا فيمن يموت من حزب الله أنهم من الشهداء (بإذن الله) والله أعلم بهم ولا نزكي على الله أحداً ، ومن قتل دون دينه أو دون نفسه أودون ماله فهو شهيد .

السؤال الرابع : هناك من منع من الدعاء لحزب الله بالنصر لا نحرافهم ، فما الرأي في ذلك؟

الجواب : الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاه به وأمثاله … والذي لم يجعل مفاتيح الجنان بين يديه.

ولونطق أحد أولئك المجاهدين لقال له تأدباً :

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب جيده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب .

وقليل الكلام يغني عن كثيره.

 
اللهم نصرك الذي وعدت لعبادك المؤمنين ، ممن سمعت منهم أنات الليل وتسابيح النهار وقعقعة الحديد في سبيلك .

اللهم نصرك لمن أحب أن يموت من أجلك … إعزازاً لراية لا إله إلا الله وإرغاماً لمن كفر بك..

اللهم آمين
وظيفة لكل الإخوة والأخوات : القنوت في الصلوات والدعاء للمجاهدين وخصوصاً في صلاة الفجر

إضافة إلى توزيع خمس نسخ على الأقل من دعاء لأهل الثغور (انظروا : منائر في الدرب : تذكرة)

 

من المواد الجديدة في موقعنا

منائر على الدرب : تذكرة :دعاء لأهل الثغور

ركن الدعوة : مقتطفات من غياث الأمم للجويني (2)

حديث الصور : نعمة النظام العالمي الجديد

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على بل هو خير لكم …. ستتحدون … فتنصرون – 2006-08-01 مغلقة

مقتطفات من غياث الأمم للجويني – 2

المرتبة الثانية

(الباب الثاني)

{فيما إذا خلا الزمان عن المجتهدين وبقي نقله مذهب الأئمة}

611 – فأَما المرتبةُ الثانيةُ, فهي فيه إِذا خلا الزمانُ عن المفتين البالغين مبلغَ المجتهدين, ولكن لم يَعْرَ الدهرُ عن نقلَةِ المذاهب الصحيحة عن الأَئمة الماضين, وتكاد هذه الصورةُ توافق هذا الزمانَ وأَهلَه. والوجهُ تقديمُ ما يتعلقُ بالناقل وصفته ثم الخوض في ذكر ما يتعلق به المستفتون فأَقول:
612 – لا يستقل بنقل مسائل الفقه من يعتمد الحفظَ, ولا يرجع إِلى كَيْسٍ وفطنة وفقهِ طبع؛ فإِن تصوير مسائلها أَوَّلا, وإِيرادَ صورها على وجوهها لا يقومُ بها إِلا فقيه. ثم نقلُ المذاهبِ بعد استتمام التصوير لا يتأَتى إِلا من مرموق في الفقه خبيرٍ, فلا ينزلُ نقلُ مسائل الفقه منزلةَ نقلِ الأَخبار والأقاصيص والآثار. وإِن فُرض النقلُ في الجليات من واثقٍ بحفظه موثوقٍ به في أَمانته, لم يمكن فرضُ نقل الخفيات من غيرِ استقلالٍ بالدراية.
613 – فإذا وضح ما حاولناه من صفة الناقل, فالقول بعد ذلك فيما على المستفتين. فإذا وقعت واقعةٌ, فلا يخلو إِما أَن يصادِف النقلةُ فيها جواباً من الأئمة الماضيين, وإِما أَن لا يجدوا فيها بعينها جواباً. فإِن وجدوا فيها مذهب الأَئمةِ منصوصاً عليه, نقلوه واتبعه المستفتون.

ولا بُّد من إِزالة استبهامٍ في هذا المقام.
614 – فإِذا نَقَلَ الناقلون مذهبَ الشافعي رحمه الله ، ونقلوا مذاهبَ عن المجتهدين المتأَخرين عن عصره, فالمستفتي يتَّبعُ أَيَّ المذاهب؟ مع اعتقاده أَن مَنْ بعد الشافعي رضي الله عنه لا يوازيه ولا يدانيه؟
615 – هذا ينبني على ما أَجريتُه في أَثناءِ الكلام في المرتبة الأولى من هذا الركن, وهو أَن من عاصر مفتياًً وصادف مذهبَه مخالفاُ لمذهب الإمام الذي اعتقده أَفضلَ الأَئمة الباحثين والممهدين لأَبواب الأَحكام قبل وقوع الوقائع, فإِنه يتبعُ مذهبَ المفتي أَو مذهبَ الإِمام المقدَّمِ المتقادمِ ؟؟ وقد تقدمَ فيه تردّدٌ, ووضَحَ أَن الاختيارَ اتباعُ مفتي الزمان, من حيث إِنه بتأَخره سبَر مذهبَ من كان قبله, ونظرُه في التفاصيل أَسدُّ من نظر المقلِّد على الجملة.
616 – فإِذا تجدّد العهدُ بهذا, فقد يظن الظان على موجَب ذلك؛ أَن اتباعَ مذاهب الأَئمة المتأَخرين عن الشافعي أَولى, وإِن فاقهم الشافعي رحمه الله فضلا, فإِنهم باستئخارهم اختصوا بمزيد بحث وسبر.
617 – والذي أَراه في ذلك القطع باتباعِ الإِمام المقدَّمِ, والإِضرابُ عن مذاهب المتأَخرين عنه قدراً وعصراً.

وإِن كنت أَرى تقليدَ مفتي الزمان لو صودف؛ لأَن الذي يُوجَد لا يعسُر تقليدُه, وتطويقُه أَحكامَ الوقائع.

فأَما تكليفُ المستفتين الإِحاطةَ بمراتب العلماءِ المتأَخرين عن الشافعي – مثلا – على كثرتهم, وتفاوُت مناصبهم ومراتبهم, فعَسِرٌ لا يستقلُّ به إٍلا من وفرت حظوظُه من علومٍ.
618 – وإِنما رأَيت هذا مقطوعاً به من حيث لم يَرَ أَحدٌ من العلماءِ إِحالةَ المقلِّدين المستفتين على مذاهبِ مَن دون الإِمام المقدَّم, ولكن من كان من العلماءِ مفتياً, جزم فتواه, ولم يذكر مذهبَ مَن سواه, ومن قدَّر نفسه ناقلا, أَحال المراجعين على مذاهب الحَبْر المتقدم.

وهذا لائحٌ لا يجحده محصِّلِ.

فقد تقرر أَن الواقعةَ إِذا نقلَ فيها من هو من أَهل النقل مذهبَ إِمام مُقدَّمٍ, قد ظهرَ للمستفتي بما كُلِّفَه من النظر أَنه أَفضل الأَئمة الباحثين, فالمستفتي يتبعُ ما صحَّ النقلُ فيه.
619 – وإِن وقعت واقعةٌ لم يصادِف النقلةُ فيها مذهباً منصوصاً عليه للإمام المتقدم وقد عَرِيَ الزمانُ عن المجتهدين, فهذا مقامٌ يتعينُ صرفُ الاهتمام إِلى الوقوف على المغزى منه والمرام, وهو سرّ الكلام في هذه المرتبة. فأَقول :
620 – قد تقدم أَن نقلَ الفقه يستدعي كيْساً وفِطْنةً وحُظْوةً بالغةً في الفقه.

ثم الفقيه الناقل يُفرَضُ على وجهين:

أحدهما – أن يكون في الفقه على مبلغٍ يتأتى منه بسببه نقلُ المذاهب في الجليات, والخفايا تصويراً, وتحريراً، وتقريراً, ولا يكون في فن الفقه بحيث يستدُّ له قياسُ غيرِ المنصوص عليه على المنصوص. فإن كان كذلك, اعتُمِدَ فيما نَقَل.
621 – وإِن وقعت واقعاتٌ لا نصوص لصاحب المذهب في أَعيانها, فما يَعْرَى عن النص ينقسم قسمين:

أَحدهما – أَن يكون في معنى المنصوص عليه, ولا يحتاجُ في درك ذلك إِلى فضلِ نظَر وسبْر عِبَر, وإِنعام فِكرَ, فلا يُتصوّر أَن يخلو عن الإحاطة بمدارك هذه المسالك من يستقلّ بنقل الفقه, فليْلحَق في هذا القسم غيرُ المنصوص عليه بالمنصوص عليه.
622 – وبيان ذلك بالمثال من أَلفاظ الشارع أَن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ من أَعتق شِرْكاً له في عبدٍ قُوِّم عليه نصيبُ صاحبه ] فالمنصوص عليه العبدُ, ولكنا نعلمُ قطعاً أَن الأَمَةَ المشتركةَ في معنى العبد الذي اتَّفقَ النصُّ عليه, ولا حاجةَ في ذلك إِلى الفحص والتنقير عن مباحث الأَقيسة.

فإِذا جرى لصاحبِ المذهبِ مثلُ ذلك, لم يشُكّ المستقلُّ بنقل مذهبِه في هذا الضرب في إِلحاق ما في معنى المنصوص عليه بالمنصوص عليه.
623 – وإِذا احتوى الفقيهُ على مذهب إِمامٍ مقدَّمٍ حفظاً ودرايةً, واستبان أن غيرَ المذكور ملتحقٌ بالمذكور فيما لا يُحتاج فيه إِلى استشارة معانٍ, واستنباط علل, فلا يكاد يَشِذُّ عن محفوظ هذا الناقل حكمُ واقعةٍ في مطرد العادات.

والسببُ فيه أَن مذاهبَ الأَئمة لا تخلو في كل كتابٍ, بل في كل باب عن جوامعَ وضوابطَ, وتقاسيمَ, تحوي طرائقَ الكلام في الممكنات, ما وقع منها وما لم يقع, ولو أَوضحتُ ما نحاوله بضرب الأَمثلة, لاحتجْتُ إِلى ذكر صدرٍ صالحٍ من فن الفقه, من غير مسيس الحاجة في هذا المجموع إِليه, فإِن الناس في هذا الذي أَفضى الكلام إِليه طائفتان : فقهاءُ ناقلون معتَمَدون فيما ينقلون, ومستفتون راجعون إِلى المستقلّين بنقل مذاهب الماضين.
624 – فأَما الفقهاءُ فلا يخفى عليهم مضمونُ ما ذكرتهُ قطعاً, وأَما المستفتون, فلا يُحيطون بسر الغرض فيه, وإِن بُسط لهم المقال, وأُكثرت لهم الأَمثالُ, فنصيبهم من هذا الفصل مراجعةُ الفقهاءِ, والنزولُ على ما يُنهون إِليهم من الأَحكام.

وقد فَهم عنا من ناجيناه من الفقهاءِ ما أَردناه, واتضح المقصدُ فيما أَوردناه.
625 – ثم لسنا مع ما قرّبناه اشتمالَ الحفظ على قضايا جميع ما يُتوقع وقوعُه من الوقائع. فإِن فرضت واقعةٌ لا تحويها نصوصٌ, ولا تضبطها حدودٌ روابط, وجوامعُ ضوابط. ولم تكن في معنى ما انطوت النصوص عليه. فالقولُ فيها يلتحق بالكلام فيما إذا خلا الزمان عن نقلة المذاهب, سيأتي ذلك في المرتبة الثالثة على الترتيب, وهي المقصودة من الركن الثالث؛ وما عداها كالمقدمات والتسبيب.
626 – وما ذكرناه الآن فيما إذا لم يكن ناقلُ المذاهب بحيث يقوى على مسالك الأَقيسة, ويستمكن من الاستداد في استنباط المعاني.
627 – فأَما من كان فقيهَ النفسِ متوقِّدَ القريحة بصيراً بأَساليب الظنون, خبيراً بطرق المعاني في هذه الفنون, ولكنه لم يبلغ مبلغَ المجتهدين لقصوره عن المبلغ المقصود في الآداب, أَو لعدم تبحُّرِه في الفن المترجَم بأُصول الفقه – على أَنه لا يخلو عن أُصول الفقه الفقيهُ المرموق والفطنُ في أََدراج الفقه – وإِن كان لا يستقلُّ بنظم أَبوابه وتهذيب أَسبابه, فمثل هذا الفقيه إذا أَحاط بمذهبِ إِمام من الأَئمة الماضين، وذلك الإِمامُ هو الذي ظهر في ظن المستفتين أَنه أَفضل المقدَّمين الباحثين, فما يجده منصوصاً من مذهه نُنهيه ويُؤديه، ويُلحِقُ بالمنصوص عليه ما في معناه, كما سبق الكلام فيه.
628 – وإِذا عنَّت واقعةٌ لا بد من إِعمال القياس فيها, فقد خَبرَ الفقيهُ المستقلُّ بمذهب إِمامه مسالكَ أَقيسته وطرقَ تصرفاته في إِلحاقاته غيرَ المنصوص عليه للشارع بالمنصوص عليه, فلا يعسرُ عليه أَن يُبَيّن في كل واقعةٍ قياسَ مذهبِ إِمامه.
629 – ثم الذي أَقطع به أَنه يتعيّن على المستفتي اتباعُ اجتهادِ مثلِ هذا الفقيه في إلحاقه – بطرقِ القياس التي أَلِفَها وعرفَها – ما لا نص فيه لصاحب المذهب بقواعدِ المذهب.

والدليلُ عليه أَن المجتهد البالغَ مبلغَ أئمةِ الدين صفتُه أَنه أَنِسَ بأُصول الشريعة، واحتوى على الفنون التي لا بُدّ منها في الإحاطة بأُصول المسأَلة ، والاستمكانِ من التصرف فيها.

فإذا استجمعها العالمُ كان على ظنٍّ غالب في إصابةِ ما كُلِّف في مسالكِ الاجتهاد.
630 – فالذي أَحاط بقواعد مذهب الشافعي مثلا ، وتدَّرب في مقاييسه ، وتهذَّب في أَنحاءِ نظرِه وسبيلِ تصرفاتِه ينزلُ في الإلحاق بمنصوصاتِ الشافعي منزلةَ المجتهد الذي يتمكن بطُرقِ الظنون إلحاقَ غيرِ المنصوص عليه في الشرع بما هو منصوص عليه.
631 – ولعل الفقيهَ المستقلَّ بمذهب إِمامٍ أَقدرُ على الإلحاق بأُصول المذهب الذي حواه – من المجتهد في محاولتهِ الإِلحاقَ بأُصول الشريعة، فإن الإِمامَ المقَّلدَ المقدَّمَ بذَلَ كُنْهَ مجهوده في الضبط، ووضع الكتابَ بتبويب الأبواب وتمهيد مسالك القياس والأَسباب، والمجتهدُ الذي يبغي ردَّ الأمرِ إلى أَصل الشرع لا يصادِفُ فيه من التمهيد والتقعيد ما يجده ناقلُ المذهب في أَصل المذهب المهذّب المفرّع المرتَّب.
632 – والذي يحققُ الغرضَ في ذلك أَنا إذا عدمنا مجتهداً، ووجدنا فقيها دَرِباً قَيَّاساً، وحصلنا عل ظنٍّ غالبٍ في التحاق مالا نصَّ فيه في المذهب الذي ينتحله بالمنصوصات، فإحالةُ المستفتين على ذلك أَولى من تعرية وقائعَ عن التكاليف، وإِحالة المسترشدين على عمايات وأُمور كلية، كما سيأتي شرحنا عليه في المرتبة التالية إن شاءَ الله عز اسمُه.

وهذا فتحٌ عظيمٌ في الشرع لائقٌ بحاجات أَهل الزمان، قد وفق الله شرحَه.
633 – وتنخَّل من محصّل الكلام أَن الفقيه الذي وصفناه يحُل في حق المستفتي محلَّ الإِمام المجتهدِ الراقي إلى الرتبة العليا في الخلال المرعية ناقلا، وملحِقا، وقايساً. ثم يقلدُ المستفتي ذلك الإِمامَ المقدّمَ المنقلبَ إلى رحمة الله تعالى ورضوانِه، لا الفقيهَ الناقلَ القيَّاسَ.
634 – فإِن فَرضَ فارضٌ من مثل الفقيه الذي ذكرناه تردداً وتبلُّداً في بعض الوقائع على ندورٍ، فقد يُتَصورّ توقف المجتهد في بعض الوقائع.
635 – وأَنا بعون الله وتوفيقه أَذكر في آخر المرتبة الثالثة تفصيل القول في آحاد الوقائع، إذا توقف فيها المفتون أو تردد فيها الناقلون، ونوضح ما على المستفتين فيها، ِإن شَاء الله عز وجل.

فهذا منتهى المطلوب في هذه المرتبة.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على مقتطفات من غياث الأمم للجويني – 2 مغلقة

دعاء لأهل الثغور

اللهم صل على قائدنا محمد وعلى آله الأطهار وصحبهِ الأخيار وكل مُتبع لهم إلى يوم الدين.

اللهم حصِّن ثغور المسلمينَ بعزتك وأيد حماتها بقوتك ، وأسبغ عطاياهم من جِدَتِك ، وكثر عِدَّتهم واشحذ أسلحتهم واحرُس حوزتهم وامنع حومتهم ، وألِّف جمعهم ودبر أمرهم وتوحد بكفاية مؤنهم ؛ اللهم أعنهم بالصبر والطف بهم في المكر وعرفهم مايجهلون وعلمهم مالا يعلمون وبصرهم مالا يبصرون ؛ اللهم وأنسِهِم عند لقائهم العدو ذِكر دُنياهم الخداعة الغَرورِ ، وامح عن قلوبهم خطراتِ المالِ الفتونِ ، واجعل الجنة نَصب أعينهم ، ولوِّح مِنها لأبصارهم ما أعددتَ فيها من مساكنِ الخُلدِ ومنازل الكرامة حتى لا يَهُمَّ أحدٌ منهم بالإدبار ولا يحدث نفسه بفرار.

اللهم افُلل عزائم الكفرة المجرمين وفرق بينهم وبين أسلحتهم ، واخلع وثائق أفئدتهم ، وباعد بينهم وبين أزودتهم ، وحيرهم في سُبُلهم ، واقطع عنهم المددَ وانقص منهم العددَ واملأ أفئدتهم الرعبَ ، واقبض أيديهم عن البسط ، واخزِم ألسنتهم عن النطق ، وشرد بهم من خَلفهم ، ونكل بهم مَن وَرائهم ، واقطع بخزيك أطماع من بَعدهم ، حتى لا يُعبد في بقاعِ الأرض غيرك.

اللهم أشغل الكافرين بأنفسهم عن تناولِ أطراف المسلمين ، وخذهم بالنقص عن تنقصهم ، وثبطهم بالفُرقة عن الاحتشاد عليهم ، وأخلِ قلوبهم عن الأمَنَة ، وأبدانهم عن القوة ، وأذهل قلوبهم عن النزال ، وجبنهم عن مقارعة الرجال ، وابعث عليهم جنداً من ملائكتك ببأس كبأسك يوم بدرٍ تقطع به دابرهم ، وتحصد به شوكتهم ، وتفرق به عددهم .

اللهم وأيما مُجاهدٍ قارعهم من أهل ملتكَ أو مقتحمٍ لكَ نازلهم من أتباع سنتك ليكون دينك الأعلى وحزبكَ الأقوى ، وحظكَ الأوفى فلقهِ اليُسرَ وهيئ له الأمرَ وتوله بالنُّجحِ وتخير لهُ الأصحابَ واستقو له الظهر ومتعه بالقوة وأجرهُ من غَمِّ الوَحشةِ وأنسهِ ذكرَ الأهلِ والولدِ وعظِّم له النيةَ ، وتولهُ بالعافية وأَصحِبهُ السلامةَ وأعفهِ من الجُبنِ ، وارزقه الشدة ، واعزل عنه الرياءَ وخلصهُ من السُّمعةِ واجعل فكرهُ وذكرهُ وإقامته وظعنه لك وإليكَ وفيكَ ومنكَ ، فإذا صافَّ أعدائك فقللهم في عينه وصغِّر شأنهم في قلبهِ فإن ختمتَ له بالسعادة وقضيتَ له بالشهادة فبعد أن يجتاح عدوك نكايةً وقتلاً وإرعاباً وأسراً.

اللهم وأيما مسلم خَلف غازياً أو مرابطاً في أهله وولدهِ ودارهِ بخيرٍ ، أو أعانه بماله أو أمده بعتادٍ أو حثهُ على جهادٍ أو ثبته على حقٍ ، أورعى من ورائه حُرمةً فأجرِ له مثلَ أجرهِ وعوضهُ من سابغِ خزائنِ جُودك ورحمتك ياكريم .

اللهم وأيما مسلم أهمهُ أمرُ الإسلامِ والمسلمينَ وأحزنه تحزُّبُ أهلِ الكفرِ عليهم فنوى جهاداً فقعدَ به ضَعفٌ أو أبطأت به دنيا ، أو أشغلهُ مالٌ أوأهلٌ أو ولدٌ ، أو فاضَ ضعفهُ فجبُنَ عن صدِّ أعدائكَ وهم في عبادك المؤمنين يصولون قتلاً وحرقاً وتدميراً ، أومالت به نفسه عما خلقته له ، فجعل نعمكَ سلماً إلى شهواته ، حتى أذهله ذلك عن عتابك وحسابك وعقابك يوم لا مُلك إلا لك ، أو ألهته مهازيل أعماله عن خطير سيئاته ، وسَكِرَ لعجبه بنفسه عن تدارك ماقصَّرّ في جنابكَ ، فاجعل دعائنا هذا باب توبة لنا وله من خطير فعالنا ، وعظيم تقصيرنا ، وردنا إليك رد من أحببت وأكرمت وسترت وعفوت عنهم من عبادك ، وأنعم علينا بمغفرتك حتى نطيعك كما تحب لا كما نهوى ، أخرجنا من ذل نفوسنا إلى عز طاعتك ، لا إله إلا أنت سبحانك إنا كنا من الظالمين.

كُتب في تذكرة, منائر | التعليقات على دعاء لأهل الثغور مغلقة

مقتطفات من غياث الأمم للجويني – 1

الغياثي

غياث الأمم في التياث الظلم

لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني

419 – 478هـ

تحقيق * دراسة * فهارس

الدكتور عبد العظيم الديب

كلية الشريعة – جامعة قطر

 

الركن الثالث

(الكتاب الثالث)
في خلو الزمان عن المجتهدين ونقلة المذاهب وأصول الشريعة وفيه مراتب:
المرتبة الأولى (الباب الأول) : في اشتمال الزمان على المفتيين المجتهدين.
المرتبة الثانية (الباب الثاني) : فيما إذا خلا الزمان عن المجتهدين وبقي نقلة مذاهب الأئِمة.المرتبة الثالثة (الباب الثالث) : في خلو الزَمانِ عَن المفتين وَنقلة المذاهبْ.
المرتبة الرابعة (الباب الرابع) :في خلوّ الزَمان عَن أصُول الشريعة.

 

القول في الركن الثالث

(الكتاب الثالث)

(مقدمة الركن)

 

567 – مضمون هذا الاركن يستدعي نخلَ الشريعة من مطلَعِها إلى مقْطَعِها, وتَتَبُّعَ مصادرِها ومواردِها (209), واختصاص معاقدها وقواعدِها, وإِنعامَ النظر في أُصولِها وفصولِها, ومعرفةَ فروعها ويَنْبُوعِها, والاحتواءَ على مداركها ومسالكها, واستبانةَ كُلِّياتِها وجزئياتها, والاطلاعَ على معالمها ومناظِمها, والإحاطةَ بمبدئها ومنشئِها, وطرقِ تشعُّبها وترتُّبها, ومساقِها ومذاقِها, وسببِ اتفاق العلماءِ وإطباقِها, وعلةِ اختلافها وافتراقها.
ولو ضمَّنت هذا المجموع ما أّشرتُ إليه, ونصصت عليه, لم يقصُر عن أَسفار, ثم لا يحوي منتهى الأَوطار, وإِنما ذكرتُ هذه المقدمة ليعتقدَ الناظرُ في هذا الفنّ أَنه نتيجةُ بحورٍ من العلوم لا (يعبُرها) العوًّام, ولا تفي ببدائعها الأَيام والأَعوام, وقلَّما تسمحُ بجمعها لطالبٍ واحدٍ الأَقدار والأَقسام. ولولا حذار انتهاءِ الأَمر إِلى حد التصلُّف والإِعجاب, لاآثرت في التنبيه على (عُلوِّ) قدْر هذا الركن التناهيَ في الإِطناب.
568 – وأَنا الآن بعون الله وتأييده, وتوفيقه وتسديده, أرتِّبُ القولَ في هذا الركن على مراتب, وأوضِّح في كل مرتبة ما يليق بها من التحقيق.
فنذكر أَولاً اشتمالَ الزمان على المفتين.
ثم نذكر خلوَّ الدهر عن المجتهدين المستقلِّين بمنصب الاجتهاد، مع انطواءِ الزمان على نقلةِ مذاهب الماضين.
ثم نذكر شغورَ العصر عن الأَثبات والثقات, رواةِ الآراء والمذاهبِ, مع بقاءِ مجامعِ الشرعِ , وشيوعِ أَركان الدين على الجملة بين المسلمين.
ثم نذكر تفصيلَ القولِ في دروسِ الشريعة, وانطماس قواعدِها, وحكمِ التكيف – لو فرض ذلك – على العقلاءِ.
فالمراتب التي نرومها في غرض هذا الركن أَربع.

المرتبة الأولى

(الباب الأول)

(في اشتمال الزمَان عَلى المفتيين المجتهدين)

569 – فأَما المرتبة الأُولى, فنقول فيها مستعينين بالله تعالى : حملةُ الشريعةِ, والمستقلون بها هم المفتون المستجمعون لشرائط الاجتهاد من العلوم, (والضامّون) إليها التقوى والسداد.
570 – وإذ دُفعنا إلى ذلك, فلا بُدَّ من ذكر ما يقع به الاستقلال في ذكر الخصال المرعية في الاجتهاد, مع إِيضاح ما على المستفتين من تخيرّ المفتين, فنقول:

قد ذكرنا في مصنفاتِ في أُصول الفقه استيعابَ القول في صفات المفتين, وآدابَ المستفتين, وتفاصيلَ حالاتهم ودرجاتهم؛ ونحن نذكر الآن منها جُملاً مُقنعة يفهمها الشادي المبتدئ, ويحيط بفوائدها المنتهي مع الإضراب عن الإِطناب وتوقي الإِسهاب.
فتقع البدايةُ بأَوصاف المجتهدين, والوجه أَن أَجمع ما ذكره المتقدمون.

صفات المفتي:

571 – إن الصفاتِ المعتبرةَ في المفتي ستٌ:

أَحدها – الاستقلالُ باللغة العربية؛ فإِن شريعة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) متلقاها ومستقاها الكتابُ والسننُ وآثارُ الصحابة ووقائعهُم، وأَقضيتهم في الأَحكام, وكلها بأَفصح اللغات وأَشرف العبارات, ولا بد من الارتواء من العربية, فهي الذريعة إلى مدارك الشريعة.
572 – والثانية – معرفةُ ما يتعلق بأَحكام الشريعة من آيات الكتاب, والإحاطةُ بناسخها ومنسوخها, عامِّها وخاصِّها. وتفسيرِ مجملاتِها, فإِن مرجعَ الشرع وقطبَه الكتابُ.
573 – والثالثةُ – معرفةُ السنن؛ فهي القاعدة الكبرى؛ فإن معظم أُصول التكاليف متلقى من أَقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأَفعاله, وفنونِ أَحواله, ومعظمُ آي الكتابِ لا يستقلُّ دون بيان الرسول.

ثم لا يتقرر الاستقلالُ بالسنن إلا بالتبحرّ في معرفة الرجال, والعلمِ بالصحيح من الأخبار والسقيمِ, وأَسبابِ الجرح والتعديل, وما عليه التعويلُ في صفات الأَثْبات من الرواة والثقات, والمُسنَدِ والمرسَلِ, والتواريخ التي يترتب عليها استبانةُ الناسخ والمنسوخ.

وإنما يجب ما وصفناه في الأَخبار المتعلقة بأَحكام الشريعة وقضايا التكليف, دون ما يتعلق منها بالوعْد والوعيد, والأَقاصيص والمواعظ.
574 – والرابعةُ : معرفةُ مذاهب العلماء المتقدمين الماضين في العصُر الخالية, ووجه اشتراط ذلك أَن المفتي لو لم يكن محيطاً بمذاهب المتقّدمين, فربّما يَهجُم فيما يجرّئُه على خرق الإِجماع والانسلال عن ربقة الوفاق.
575 – والخامسة – الإحاطة بطرق القياس ومراتبِ الأَدلة؛ فإِن المنصوصاتِ متناهيةٌ, والوقائعُ المتوقَّعةُ لا نهاية لها.
576 – والسادسة – الورع والتقوى؛ فإِن الفاسقَ لا يوثق بأَقواله ولا يُعتَمد في شيءٍ من أَحواله.
577 – وقد جمع الإمام المطَّلبي الشافعيُّ رضي الله عنه هذه الصفات في كلمة وجيزة, فقال:

[ من عرف كتابَ الله نصاً واستنباطاً استحق الإمامة في الدين ]
578 – والتفاصيل التي قدمناها مندرجةً تحت هذه الكلم؛ فإن معرفة الكتاب تستدعي لا محالةَ العلمَ باللغة؛ فإِن من اقتصر على اتباع أَقوال المفسرين وتحفَّظَها, كان مقلدا, ولم يكن عارفا.

والشافعي رضي الله عنه اعتبر المعرفةَ والاستقلالَ بالأَخبار الشرعية مندرجٌ تحت معرفة الكتاب, وكذلك العلمُ بمواقع الإِجماع من أَقوال العلماءِ المنقرضين, والاستنباطُ الذي ذكره مشعر بالقياس ومعرفةِ ترتيب الأَدلة.

ثم لم يتعرض للورع, فإنه قال : استحق الإمامةَ. والأَمرُ على ما ذكره؛ فإِن أَراد أَن يُقبَل قولُه استمسك بالورع والتقوى, واحترز عن الإِمامة العظمى لما قال : استحق الإمامة في الدين.
579 – فهذا ما رأَينا نقلَه من قول الأَئمة في صفات المفتين. ونحن نذكرُ ما هو المختارُ عندنا في ذلك. والله المستعان.
580 – فالقول الوجيز في ذلك :

أَن المفتي هو المتمكنُ من دَرْك أَحكامِ الوقائع على يسير من غير معاناة تعلم.
وهذه الصفة تستدعي ثلاثةَ أَصناف من العلوم:

581 – أحدها – اللغةُ والعربية, ولا يُشتَرطُ التعمقُّ والتبحرُ فيها حتى يصيرَ الرجلُ علامَة العرب, ولا يقع الاكتفاءُ بالاستطراف وتحصيلِ المبادئ والأَطراف, بل القولُ الضابط في ذلك أَن يحصّلَ من اللغةِ العربيةِ, ما يترقى به عن رتبةِ المقلِّدين في معرفة معنى الكتاب والسنة, وهذا يستدعي منصباً وسطاً في علم اللغة والعربية.
582 – والصنف الثاني – من العلوم الفنُّ المترجمُ بالفقه, ولا بدَّ من التبحّر فيه, والاحتواءِ على قواعده, ومآخذه ومعانيه.
ثم هذا الفن يشتمل على ما تَمَسُّ الحاجةُ إليه من نقل مذاهب الماضيين وينطوي على ذكر وجوه الاستدلال بالنصوص والظواهر من الكتاب, ويحتوي على الأَخبار المتعلقة بأَحكام التكاليف مع الاعتناءِ بذكر الرواة والصفات المعتبرة في الجرح والتعديل. فإن اقتضت الحالة مزيدَ نظرٍ في خبرٍ, فالكتبُ الحاويةُ على ذكر الصحيح والسقيم عتيدةٌ, ومراجعتها مع الارتواءِ من العربية يسيرةٌ غيرُ عسيرة, وأَهم المطالب في الفقه التدرّب في مآخذ الظنون في مجال الأَحكام, وهذا هو الذي يسمى فقه النفس. وهو أَنفس صفات علماءِ الشريعة.
583 – والصنف الثالث من العلوم – العلم المشهور بأُصول الفقه؛ ومنه يستبان مراتبُ الأَدلة وما يُقدَّمُ منها وما يؤخر, ولا يَرق المرءُ إِلى منصب الاستقلال دون الإِحاطة بهذا الفن.

فمن استجمع هذه الفنونَ, فقد علا إِلى رتبةِ المفتين.
584 – والورع ليس شرطاً في حصولِ منصبِ الاجتهاد؛ فأِن من رسخ في العلوم المعتبرة, فاجتهادُه يلزمُه في نفسِه أَن يَقْتَفي فيما يخصه من الأَحكام موجَبَ النَّظرِ. ولكم الغيرَ لا يثق بقوله لفسقه.
585 – والدليلُ على وجوب الاكتفاءِ بما ذكرناه من الخصال شيئان:

أحدهما – أَن اشتراط المصيرِ إِلى مبلغٍ لا يحتاج معه إِلى طلبٍ وتفكر في الوقائع محالٌ؛ إِذ الوقائع لا نهايةَ لها, والقوةُ البشريةُ لا تفي بتحصيل كل ما يتوقع, سيما مع قصر الأَعمار؛ فيكفي الاقتدارُ على الوصول إلى الغرض على يسير من غير احتياجٍ إِلى معاناة تعلُّمٍ.

وهذا الذي ذكرناه يقتضي استعدادا واستمدادا من العلوم التي ذكرناها, لا محالة.
586 – والثاني – أَنا سبرنا أَحوال المفتين من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأَكرمين, فأَلفيناهم مُقْتدرين على الوصول إلى مداركِ الأَحكام, ومسالك الحلال والحرام, ولكنهم كانوا مستقلّين بالعربيةّ؛ فإِن الكتاب نزل بلسانهم, وما كان يخفى عليهم من فحوى خطاب الكتاب والسنة خافيةٌ, وقد عاصروا صاحبَ الشريعة وعلموا أَن معظمَ أَفعاله وأَقوالهِ مناطُ الشرع, واعتنَوا على اهتمامٍ صادق بمراجعته صلى الله عليه وسلم فيما كان يَسنحُ لهم من المشكلات, فَنُزِّلَ ذلك منهم منزلةَ تدرّب الفقيه منَّا في مسالك الفقه.
587 – وأَما الفنُّ المترجمُ بأُصول الفقه, فحاصله نظمُ ما وجدنا من سِيَرِهم, وضمُّ ما بلغنا من خبرهم, وجمعُ ما انتهى إِلينا من نظرهم, وتَتبُّعُ ما سمعنا من عِبَرهم, ولو كانوا عكسوا الترتيبَ, لا تبّعناهم.

نعم. ما كان يعتني الكثيرُ منهم بجمع ما بلغ الكافةَ من أَخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل كانت الواقعةُ تقع, فيُبحث عن كتاب الله, وكان معظمُ الصحابةِ لا يستقلُّ بحفظِ القرآن, ثم كانوا يبحثون عن الأَخبار, فإن لم يجدوها, اعتبروا, ونظروا وقاسوا.
588 – فاتضح أَن المفتي منهم كان مستعدا لإِمكان الطلب عارفاً بمسالك النظر, مقتدرا على مأخذ الحكم مهما عنَّت واقعة.
589 – فقد تحقق لمن أَنصف أَن ما ذكرناه في صفات المفتين هو المقطوع به الذي لا مزيد عليه.
590 – وإِنما بلائي كلُّه – حرس الله مدة مولانا – من ناشئةٍ في الزمان شَدَوْا طرفاً من مقالاتِ الأَولين, وركنوا إِلى التقليد المحض ولم يتشوفوا إِلى انتحاءِ درك اليقين, وابتغاءِ ثَلَجِ الصدور, فضلاً عن أَن يُشَمِّرُوا للطلبِ, ثم يبحثوا أَو يُحقِّقُوا, ثم إذا رأَوْا من لا يرى التعريجَ على التقليد ويشرئبُّ إِلى مدارك العلوم, ويحاول الانتفاض من وَضَر الجهل, نفروا نفار الأَوابد, ونخروا نخير الحُمُر المستنفَرة, وأَضربوا عن إِجالة الفكرِ والنظرِ, وارْجَحَنُّوا إِلى المطاعن على من يحاول الحقائق, ويلابس المضايق, وقنَعوا من منصب العلماء بالرد على من يبغي العلمَ, والترقِّيَ عن الجهالات, والبحث عن حقائق المقالات.
591 – ولم أَجمع فصولَ هذا الكتاب مضمنةً بمباحثي واختياراتي, إِلا ومُعَوَّلِي ثقابةُ رأيِ سيدِنا ومولانا, كهفِ الورى, وسيد الدّين والدنيا, واتقاد قريحتِه المتطلعةِ على حُجب المُغْمَضَاتِ ومَسْتُور المُعْوِصَات. فهذا مبلغٌ في صفات المفتين مُقنعٌ إن شاءَ الله عز وجل.
592 – ولا يتم المقصدُ في هذا الفصل, ما لم أمهد في أَحكامِ الفتوى قاعدةً يتعينُ الاعتناء بفهمها والاهتمامُ بعلمها. وهو أَن المستفتي يتعين عليه ضربٌ من النظر في تعيين المفتي الذي يقلدهُ ويعتمدهُ, وليس له أَن يراجع في مسائله كلَّ مُتَلقِّب بالعلم.

وقد ذكرتُ طرفاً صالحاً من ذلك في الكتاب ( النظامي), ولستُ أعيدُ ما ذكرته في ذلك الكتاب, ولكني آخذ في فنٍ آخرَ لائقٍ بهذا الكتاب, فأقول:
593 – اختلفت مذاهبُ الأُصوليين فيما على المستفتي من النظر فذهب القاضي أَبو بكر الباقلاني رحمه الله في طائفة من المحققين إلى أَن على المستفني أَن يمتحن من يريدُ تقليدَه, وسبيلُ امتحانه أَن يتلقن مسائلَ متفرقةً تليق بالعلوم التي يُشترطُ استجماعُ المفتي لها, ويراجعُه فيها, فإن أَصاب فيها غَلبَ على ظنِّه كونُه مجتهداً ويقلِّدُه حينئذ.

وإِن تعثر فيها تعثّراً مشعراً بخلوِّه عن قواعدها, لم يتخذه قدوته وأُسوتَه.
594 – وذهب بعضُ أَئمتنا إِلى أَن ما ذكره القاضي لا يجب, ولكن يكفي أنَ يشتهرَ في الناس استجماعُ الرجلِ صفاتِ المجتهدين ويشيعُ ذلك شيوعاً مُغلِّباً على الظن.

وهؤلاء يقولون: ليس للمستفتي اعتمادُ قول المفتي, فإِنَّ وصفَه نفسَه بذلك في حكم الإطراءِ والثناءِ. وقولُ المرءِ في ذكرِ مناقبِ نفسه غيرُ مقبول.
595 – والذي أَختاره أَن ما ذكره القاضي لا يتحتم, والدليل عليه أَن الذين كانوا يرفعون وقائعَهم, ويُنهون مسائلَهم إِلى أَئمةِ الصحابة كانوا لا يُقَدِّمون على استفتائهم إِلقاءَ المسائِل, والامتحانَ بها, وكان علماءُ الصحابةِ لا يأمرون عوامَّهم ومستفتيهم بأَن يقدموا امتحانَ المقلَّدين.
596 – والذي أَراه أَن من ظهر ورعُه من العلماءِ وبعُد عن مظانِّ التهم, فيجوز للمستفتين اعتماد قولِه إِذا ذكر أَنه من أَهل الفتوى؛ فإنا نعلم أَن الغريبَ كان يردُ ويسأَلُ من يراه من علماءِ الصحابة, فكان ذلك مُشتهِراً مستفيضاً من دأب الوافدين والواردين, ولم يَبْدُ نكير من جلِّة الصحابة وكبرائهم.

فإِذا كان الغرض حصولُ غلبةِ ظنِّ المستفتي, فهي تحصل باعتماد قول من ظهر ورعُه, كما تحصل باستفاضةِ الأَخبار عنه. وليس للمستفتي سبيلٌ إلى الإحاطة بحقيقة رتبة المفتي مع عُرُوِّه عن موارد العلوم, سيّما إِذا فرض القول في غبيٍّ عريٍّ عن مبادئ العلوم والاستئناس بأَطرافها.
597 – ومما يتعينّ ذكرُه أَن من وجَد في زمانه مفتياً تعيّن عليه تقليدُه, وليس له أَن يرقَى إلى مذاهب الصحابة.

وبيان ذلك أَنه إِذا ثبت مذهبُ أَبي بكر الصديق رضي الله عنه في واقعةٍ, وفتوى مفتي الزمان خالفت مذهبَه فليس للعامِّي المقلِّد أَن يُؤْثر تقديمَ مذهبِ أَبي بكر الصدّيق من حيث إنه في عقده أفضلُ الخليقة بعد المرسلين عليهم السلام, فإن الصحابةَ وإن كانوا صدورَ الدين, وأَعلامَ المسلمين, ومفاتيحَ الهدى, ومصابيحَ الدجى, فما كانوا يقدّمون تمهيدَ الأبواب وتقديم الأَسباب للوقائع قبل وقوعها. وقد كفانا البحثَ عن مذاهبهم الباحثون, والأَئمة المعتنون بنخل مذاهب الماضين، فمن ظهر له وجوبُ اتباع مذهب الشافعي رضي الله عنه لم يكن له أَن يُؤْثرَ مذهبَ أَبي بكر رضي الله عنه على مذهب الشافعي, وهذا مُتَّفّقٌ عليه؛ إذ لولا ذلك لتعين تقديمُ مذهبِ أَبي بكرٍ على مذهبه في كل مسأَلة نُقل مذهبُه فيها, ثم مذهبُ عمرَ, ثم هكذا على حسب ترتيبهم في المناقب والمراتب.
598 – فإِذا وضح ذلك, بنينا عليه معضلةً من أَحكام الفتوى وقلنا : من نظر من المستفتين نظراً يليق به – كما سبقت الإشارةُ إِليه – فأَداه نظرُه إِلى تقليد إِمامِ المسلمين الشافعيِّ رحمةُ الله عليه؛ ولكن كان في زمانه مفتٍ مستجمعٌ للشرائط المرعية, وكانت فتواه قد تخالف مذهبَ الشافعي في بعض الوقائع, فالمستفتي الذي اعتقد على الجملة اتباعَ الشافعي رحمه الله, يقلّدُ مفتي زمانه, أَم يتبعُ مذهبَ الشافعي رضي الله عنه ويتلقفُه على حسب مسيس الحاجة من ناقليه ؟
599 – فنقول : أَولاً من ترقَّى إِلى رتبة الفتوى واستقلَّ بمنصب الاستبداد في الاجتهاد, فلا يُتصور في مطَّرَدِ الاعتياد انطباق فتاوية واختياراته في جميع مسائل الشريعة على مذهب إِمامٍ من الأَئمة؛ فإِن مسالكَ الاجتهاد وأَساليبَ الظنون كثيرةٌ, وجهاتُ النظر لا يحويها حصرٌ.
600 – نعم يجوز أَن يُؤثْر مُفتٍ قواعدَ الشافعي رضي الله عنه مثلا في وضع الأَدلة والمآخذ الكلية, ثم لا بُدّ من اختلافٍ في تفاصيلِ النظر.

فالمستفتي إِذاً يعتمدُ مذهبَ الحَبْر الذي اعتقد تقدُّمه على من عداه, أَم يرجع إِلى مفتي زمانه ؟
601 – فقد يتجه في ذلك أَن يرجع إِلى مفتي دهره, فإِنّ الإِمامَ الماضي, وإِن عظم قدرُه وعلا منصبُه, فهو من حيث تقدَّمَ وسبقَ, ولم يلحقه هذا المستفتي ينزل منزلةَ أَئمة الصحابة رضي الله عنهم بالإِضافة إِلى من بعدهم.

وقد ذكرنا أَنه ليس للمستفتي أَن يتبع مذاهبَ الصحابة والسببُ فيه أَن الأَئمة المتأَخرين أَولى بالبحث عن مذاهب المتقدّمين من المستفتين. كذلك مفتي الزمان في تفاصيل المسائل أَحقُّ بالبحث من المستفتي.
602 – ولئن كان ينقدح للمستفتي وجهٌ من النظر في تقديم مذهب الشافعي, فهو نظرٌ كلّيٌ لا يلوحُ في تفاصيل المسائل, ونظرُ المفتي في البحث والتنقيرِ, وتعيينِ جهاتِ النظر في آحاد المسائل أَصحُّ وأَوثقُ من ظنٍ على الجملة عَنَّ لمستفت, لا اختصاصَ له بالتفصيل.

فهذا وجه ٌ.
603 – ويجوزُ أَن يقول قائل : مذاهب الأَئمةِ لا تنقطعُ بموتهم, فكأَن الشافعيَّ رضي الله عنه وإِن انقلب إِلى رحمة الله تعالى حيٌّ ذابٌّ عن مذهبه, ولو فرضنا معاصرةَ هذا المستفتي الشافعيَّ, وقد خالَفه المفتي, الذي هو موجودٌ في الزمان, لكان المستفتي يتتبَّع مذهبَ الشافعي لا محالة.
604 – وليس ما ذكرناه خارماً لما مهدناه من أَن المستفتي لا يتَّبع مذهبَ الصحابة, فإِنهم رضي الله عنهم ما كانوا يضعون المسائلَ لتمهيد القواعدِ وتبويبِ الأَبواب, والمستفتي مأمورٌ باتباع مسالك الباحثين الفاحصين عن أَقاصيص المتقدمين وطرق الماضين.
605 – والشافعيُّ من المتناهين في البحث عن المطالب ونخْلِ المذاهب, والاهتمام بالنظرِ في المناصبِ والمراتب, ونظرُه في التأصيل والتفصيل والتنويع والتفريع – أَغوصُ من نظرِ علماءِ الزمان, ومجردُ تاريخ التقدّم والتأَخر – مع القطعِ بأَن المذاهبَ لا تزول بزوال منتحليها – لا أَثر له.

فهذان وجهان متعارضان واحتمالان متقابلان, ولا يبلغ القول في ذلك مبلغ القطع.

606 – والأَوجهُ عندي أَن يُقلِّدَ المستفتي متفي زمانهِ. ثم تحقيق القولِ في ذلك أَن يقال : حق على المستفتي أَن يستفتي مفتي زمانِه في هذه الواقعة التي فيها مخاضنا الآن؛ فإنها مسأَلة لا يتضح فيها للشافعي رضي الله عنه تنصيصٌ على مذهبٍ فليَقُلْ لمُفْتي الزمان : معتقَدي تقديمُ الشافعيِّ, وقد خالف مذهبُك في المسأَلة التي دُفعتُ إِلى السؤال عنها مذهبَ الشافعي رضي الله عنه فما ترى لي في طريق الاستفتاء؟ أَأَنزل على مذهب الشافعي؟ أَم أَتبعك في فتواك؟؟
607 – فإِن أَدى اجتهادُ المفتي إِلى تكليفه اتباعَه، اتبعه وقلّده، وإِن أَدى اجتهاده إلى تكليفه تقليدَ إِمامه, أَلزمه ذلك, ونقل له مذهبَ إِمامه.

وهذا من الأَسرار فليتأَمله المنتهي إليه.
608- وهذا فيه إذا كان للإِمام المقدم مذهبٌ منصوصٌ عليه في المسأًلة. فأَما إِذا لم يصح له مذهبٌ, فليس إلا تقليد مفتي الزمان. والله المستعان.
609 – ولو أَخذتًُ في تفصيل أَحكام الفتوى, لأَطلتُ أَنفاسي, وفيها مجموعاتٌ معلّقةٌ عنِّي, ومصنفةٌ لي, فليطلبها من تتشوف همتُه إِليها.
610 – وغرضي من هذا المجموعِ استقصاءُ القول في خلوِّ الزمان عن المفتين, وإنما ذكرتُ طرفاً من صفاتِ المفتين وأحكامهم ليتبين للناظر خلوُّ الدهر عن المفتين عند خوضنا فيه. والله ولي التوفيق وهو بإِسعاف راجيه حقيق.

وقد نجز مقصدنا في المرتبة الأولى.

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على مقتطفات من غياث الأمم للجويني – 1 مغلقة

سأخبرك : متى سيرحلون – 2006-07-02

اعتاد أكثرنا على النظر إلى الأمور من خلال ظواهرها ، وقلة تنظر إلى الجذور العميقة لما يحيط بنا!

أمة الألف مليون نائمة رغم ألف جرح غائر فيها! والعربان ملئوا شوارعنا بمواكب الفرح انتصاراً لإبداعات أقدام فرق الكرة ، والتي – بتوفيق من الله- حُرمنا التوفيق حتى فيها خشية أن نظن أن سبق الأرجل يقوم مقام سبق العقول والأدمغة.

في كل ناحية من أرض الإسلام مناحة ومأتم ومحتل وغاصب ومعتد ، وثقافات غازية ونهب لخيرات الأمة ، وطحن لأي برعم إسلام يريد أن يتفتح! واختطاف بالجملة لوزراء ونواب في حكومة تتحدث عن منهج إسلامي ، والابتسامة العذبة البلهاء لا تغيب عن وجوه بعضنا فهي صدقة (حتى في وجه باغ ولص وظالم كما أظن أن البعض يعتقدون).

الأنظمة العربية الظافرة رغم عريها المرعب مازالت تقدم نفسها حامية وراعية وبانية للنهضة العصماء ، والحاكم المؤله نفسه في كل زمان ومكان تتجدد حياته بلا انتهاء! فمتى الخلاص؟

ليست هذه الكلمة الشهرية مقالة سياسية وإن بدت افتتاحيتها كذلك! بل هي دعوة إلى خنق السياسة الظالمة ، وترك الساحة للحكام الأماجد كي يتابعوا المسيرة الخضراء بعد أن مشوا على ألف طريق أحمر روته دمائنا ، وارتصت فيه جماجمنا ، وما تركوا فيه شيئاً له حرمة إلا ولغوا فيه ولوغاً لايطهره سبعة آلاف ألف غسلة كلهن بالتراب!

لاتهمنا التفصيلات بل الجذور والأسباب العميقة لكل بلاء ومصيبة أحاطت وتحيط بالأمة!

لقد محا الحكام الظالمون التاريخ فلم يجعلوا الأجيال الجديدة ترى إلا تاريخهم الهزيل ، بل محوا تاريخ العالم كله عندما أوهموا شعوبهم المسكينة أن ما خطوه من درب هو النصر المبين (بعد ثلاثة أيام من دمار هيروشيما عاد الترام ليؤدي عمله في المدينة ، ومحطة المترويات في موسكو لم تنقطع فيها الكهرباء قط منذ افتتحت ، حتى أن سكان موسكو كانوا يحتمون بها أثناء الحرب العالمية الثانية ، وطاغوت العالم بوش أوقفته المحكمة العليا عن إنشاء محاكم عسكرية استثنائية لمعتقلي غوانتنامو … قارن أمثال ذلك مع ماتبثه بعض الفضائيات من زهو عظيم بنفق متواضع افتتحه مولانا ، وبركة ماء تطهر بها ، ودريهمات تافهة مَنَّ بها على الرعية ، وهي ممتصة من دمائهم وجوعهم وعرقهم ودموع أطفالهم ، وقد نهب مقابلها أضعاف أضعافها …. وعن المحاكم الاستثنائية في بلاد العرب …. وغير ذلك كثير).

محو التاريخ من أكبر الجرائم ، وقد شاركت فيه أجهزة إعلام وتربية وثقافة بل ويا للأسف عمائم منافقة سيخزيها الله في الدنيا قبل الآخرة ، عندما قبلت تطويع منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمآرب الحكام وجعلته تسبيحاً بحمدهم وتمريراً لباطلهم ، وتدليساً وكذباً على الله ، وعلى الناس (ومن باب الطرفة فقد نقل أن أحد العامة قد نبه خطيباً دجالاً ألقى كلمة مليئة بالنفاق من فوق المنبر، إلى أن الكعبة المشرفة قد بناها سيدنا إبراهيم عليه السلام ، وليست من منجزات مولانا السلطان رغم هباته السنية للمواطنين المساكين).

ولكن من قال أن التاريخ يمكن دفنه ، ومن قال أنه لا تمكن استعادته ووعيه … ومن قال أن الحق يمكن أن يخنق؟

إن المنهج الحق يحمل عوامل التجدد من داخله ، وتكفيك وقفة واحدة عند ما ورد في سورة الزخرف- الآية 54: من قوله تعالى : (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ).

والمعنى كما جاء في القرطبي: فاستجهل قومه ، فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم! وفي ابن كثير: أي استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له.

إن الأمة الراشدة لايستخف طاغوت بعقول أبنائها ، وبسهوله يمكن لها استرجاع محددات طريقها ، وتلك الآية معلم في ذلك ، فإن أردنا الزيادة من الاتعاظ ، فاستدعاء التاريخ يسير ، ومن ذلك ماكتبه الدكتور أسعد حومد رحمه الله عن محنة العرب في الأندلس (مما سقناه في مناسبات عديدة لأهميته) ؛ فأوجز في سطور آخر كتابه سبب المأساة ، وتركها كلمات حقٍ لطلاب الفقه والوعي في الزمن الذين يراد للأمة فيه أن تتبلد ، ويجب أن نعي بعمق ماكتبه ، كي لايكرر الظالمون قصة الأندلس الحزينة.

يقول الدكتور حومد موضحاً أسباب الهزائم المرة والسقوط الفاجع المريع : (وتولى الحكام المسلمون مباشرة الاضطهاد لمنع استيقاظ روح الإسلام في الصدور ، وقد فضلوا الاستخذاء أمام الإسبان ، والتنازل لهم عن الحصون والقلاع ، وتسليمهم الأرض الإسلامية قطعة قطعة ، ليحولوها إلى النصرانية ، وليقضوا على الإسلام والمسلمين فيها قضاءً تاماً ، على أن يتنازلوا هم عن شيء من أنانياتهم ، وأن يتناسوا أحقادهم على إخوانهم ، وأن يوحدوا كلمتهم مع الحكام الآخرين لمواجهة المخاطر التي يمثلها الإسبان في الشمال ، فقد كان ضياع الأندلس وأهلها أهون عليهم من أن يتخلوا عن كراسي الحكم ، أو يقللوا من بذخهم وإنفاقهم على ملاذهم ومباذلهم ، وهكذا استمر هؤلاء الحكام في غيهم وطغيانهم على الشعوب ، حتى دهمتهم الأحداث فتركوا كل شيء للأسبان ، وانسحبوا إلى أرض بعيدة يتابعون عيشهم الرغيد بما نهبوه من أموال الشعوب ، وتركوا شعوبهم لمصيرها أمام الاحتلال الاسباني ، وهكذا تسارع بنيان الأندلس العظيمة إلى الانهيار!

لقد أقام الإسلام دولة العرب حينما وحد الإسلام كلمتهم ، وهذب نفوسهم ، ونفاها من أدران الفرقة والضلالة والجهالة ، وجعل لهم هدفاً سامياً يسعون إلى تحقيقه ، ويموتون في سبيله . ألا وهو نشر دين الله في الأرض ، وإقامة دولة العدالة في والمساواة وسيادة القانون والإخاء الإنساني.

وعد الحكام المسلمون في الأندلس في الأندلس في أواخر أيامهم الإسلام عدواً خطيراً لهم يهدد وجودهم بالفناء ، ويقضي على مباذلهم ومفاسدهم ، فحاربوه وأهله وضيقوا على أهله ، وأخرسوا ألسنة المؤمنين التي كانت تطالب بتصحيح المسار ، وتقويم الاعوجاج ، وانهارت دولتهم ، ولم يجدوا حولهم من يمد إليهم يد العون في محنتهم ، فقد كان أهل النجدة والشهامة والإيمان المخلص غائبين عن هذه النهاية المؤلمة ، ولم يكن للمغامرين والمنتفعين وزعانف الناس الذين استند إليهم الحكام قضية يدافعون عنها ، فقد كانوا طلاب منافع ، وأرباب مصالح خسيسة ، حصلوا عليها فلم يعد لهم مايموتون من أجله وفي سبيل الدفاع عنه.

لقد نسي حكام الأندلس في أواخر أيامهم الله فأنساهم أنفسهم ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) ا.هـ

لقد شبعت الأرض من دماء حماة الإسلام ، وضجت سجون بلاد العرب والمسلمين من أنينهم ، كفى الطمس والتشويه والظلم والاعتداء ، وكفى التغييب للأمة وتزوير هويتها ومحق رايتها!

(فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ) . وإذا فسرها القرطبي بأن فرعون استجهل قومه ، فأطاعوه لخفة أحلامهم وقلة عقولهم! وابن كثير: بأنه استخف عقولهم فدعاهم إلى الضلالة فاستجابوا له.

فالمؤدى من وراء ذلك أن الأمر عند الأمة ، وليس عند الحكام! فالأمة الراشدة لا تعطي قيادها لظالم ، ولا تستجيب إلى ضلالة يطرحها ….

من أكبر الضلالات التي نعطيها نفيس أوقاتنا التفاعل مع مايطرحه أي فرعون ، وعندما تلجئ سنة ربانية طاغوتاً على الانحناء تأتي خفة العقول لتعيد برمجة أدمغتنا ليس لصالح فرعون الأول ، فقد انتهى ، ولكن لصالح فرعون القادم بعده.

عديدون يشعرون بالحزن لما آل إليه مصير الأمة في العراق ، وحق لهم أن يحزنوا ، وظهر في سورية عالم فاضل قال للناس قبل سقوط بغداد أن النظام اليوم غير النظام بالأمس ، وحزب البعث اليوم غير حزب البعث بالأمس ، وأن كل منتسب إلى ذلك الحزب فمن شروط قبوله أن يكون حافظاً لثلاثة أجزاء من القرآن الكريم! ، ودارساً لمتن في الفقه!! بهذه البساطة وتلك السذاجة! وسقطت بغداد بعد أن خيَّم الظلمُ على أهل العراق ، وانفرد طاغوتها بالحكم ، وأخرس ألسنة الناس سنة وشيعة وعرباً وأكراداً …. ثم حصلت النتيجة الحتمية لكل نظام مستبد!

وتضخمت الوطنية عند البعض ، ورأوا ماحصل من دخول المحتلين الفجرة ، وحصول الفوضى والاضطراب ، فحاولوا إيهام الناس أن زوال النظام السابق هو سبب الاحتلال والفوضى والقتل والدماء! وهذا كذب صراح ، فكل نظام طاغوتي يعمد إلى تفريغ الأمة ، وإزاحة رجالاتها الصادقين ، ومحوهم من الوجود ، مثلما فعل الأمراء الأندلسيون الفجرة ، وبعدها يقدم الطغيان نفسه لا عبر شخص معين ، بل عبر فكرة مؤداها : لا يمكن لكم أن تعيشوا دون طغيان ، وتحت ظالم يرعاكم ، واستبداد يغشاكم! فبصدقون ذلك المنطق لما يرونه من بعد زوال الطاغوت الأول من استباحة للحرمات والأموال والدماء والأوطان ، وماعلموا أن الأول هو الذي أحضر الثاني من دون خلاف!

قال لي أحد الأفاضل: كان ميشيل عفلق يحمل راية ضلال طوال حياته فلما مات زعم الرفاق أنه مات مسلماً! ، فكيف يجوز أن يحمل الإنسان طيلة حياته راية ضلال يقاتل من أجلها ، ويتحمل الأذى والسجون والنفي ، حتى إذا صار مسلماً دب إلى درب الإسلام دبيب صرصار جبان جاهز للمحق بأي حذاء يعترضه.

إن توبة السر بالسر ، والعلن بالعلن ، ومن كان جباراً في الجاهلية فلا نقبل منه الخور في الإسلام! وهل ذلك الكلام يخاطب به العوام المساكين الذين يتحملون من الوعاظ الأثقال ، ويعفى منها ذوي السلطان والطغيان.

ماذا بقي لفلان من مكانة أو أنفاس حتى يتوارى بالإسلام الذي يزعم بعضهم أنه يعمل من أجله ، ولماذا لايقول في المحكمة مخاطباً من عبدوه ربع قرن : لقد كنت على خطأ في المنهج ولا ملاذ للأمة إلا في الإسلام. إننا لا نريده أن يسب الرفاق البعثيين ، ولا ينبش ما أجرمت أنظمته (من باب تأليف القلوب لا أقل ولا أكثر ، لعلهم يرجعون!) ولكن كفى ضحكاً على الأمة وتغييراً لفيروسات الاستبداد والظلم ، لتبقى في مورثاتنا مهما حاولنا إيقافها ، وذلك لشدة مكرها وقابليتها على إعادة التشكل والاختراق!

نرفض الاحتلال أميركياً أم غيره ، ومقاومة أي احتلال لأرض مسلمة فريضة في عنق كل مسلم ، وليس من وراء الاحتلال خير ولا نهوض ولا استقرار لا في قريب ولا بعيد ، وما يأتي بالاحتلال من الشر فشيء لا تحيط به الكلمات ، ولكن بين كل طاغوتين ارتباط عجيب محكم ، لابراءة فيه لأحدهما .

نريد إسلاماً صافياً لا تشوبه أمركة ولا تبعيث .

نريد إسلاماً بريئاً من ضعف القرون ، وفتاوى علماء السلاطين ، وقوانين الحكم الفردي الجائر .

نريد إسلاماً لا استعانة فيه بطرف خارجي ، ولا بفرنجة هذا الزمان لأنه ما من شيء دون ثمن ، وثمن الاستعانة باهظ جداً ! ولا بد أن يدفع اضعافاً مضاعفة.
والله إننا نتوق إلى الحرية ، ونعاف الظلم ، ومانعيشه من إجحاف وظلم وفساد وسيطرة جائرة على مساجدنا ومؤسساتنا الدينية لا يعلمه إلا الله! وما حصل من تخريب النفوس ، وقتل الأرواح ، وتعطيل الطاقات ، فضلاً عمن قتل أو سجن أوشرد شيء لاتقوم بحمله السطور ، وبعد كل ذلك فإننا لن نمد أيدينا لنقول لأي ظالم يطرح نفسه منقذاً : أنت المنقذ والأمل! حاشا لله وإلا شككنا بسلامة اعتقادنا …إلا أن يعلن ذلك الظالم على الملأ أنه كان على منهج ضلال ، وقد تاب وأناب ، وتبرأ من سابق منهجه ، ويدخل البيوت من أبوابها ، وقد صبرنا على الظلم الطويل من أجل هذه الأمة وقد اقترب الفجر … ولن نضيعه بالهرب من الظلم إلى أحضان ظالم ماكر ، أومحتل خبيث حاقد يرى الناس كل يوم أفعاله .. فمزيداً من الصبر …

لعل بعض أفاضل الإسلاميين يقولون أن هناك قوى كبرى ولا بد من إدخالها في الحساب ، وهذا حق ، ولكن من قال أن إدخالها في الحساب يكون كما تريد هي لا كما تريد الأمة! ومن قال أن بعض الأوراق السهلة لا يمكن أن تجعل حسابات الظالمين من كل المقاييس ، تتداخل في اضطراب شديد!

بعد كل ذلك سيسألني القراء الأفاضل : ألم تتعهد بأن تكون كلمتك دعوية؟ بلى ، وماكتبتهُ إنما هو مقدمة طويلة من أجل سطور قليلة ، أردت بتلك المقدمة أن أبعث في القلوب بقية الغيرة على الأمة، وأن أوقظ في أعماقكم الإحساس بمأساة الظلم ، كي لانكون نحن جسوراً لأي ظلم!

منذ سنوات ألقى مرجع ديني كبير خطبة في أحد الفنادق الكبرى في دمشق ، ومما قاله للحضور : لقد عودتم نسائكم على الذل ، فأخرجن لكم جيلاً ذليلاً لا يستطيع أن يقول للطغاة : لا!

تلك بداية لا نفطن لها ، فإما أن يكون البيت مدرسة تمهيدية للظلم ، تعيش فيه الزوجة عبداً ذليلاً ، والأبناء أسرى تربية مزاجية معوجة ، أو يكون هو مدرج الطيران نحو الحرية ، التي لا يمكن لمن ذاقها أن يقبل الذل بحال.

لقد جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الستة عن النبي الهادي صلى الله عليه وآله وسلم : (إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ تَرَكُوهُ. وإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الحَدّ. وأيْمُ الله لَوْ أنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَها ( .

كثيرون يفعلون مانهى عنه الحديث الشريف : يتركون صاحب المكانة والنفوذ ويعمدون إلى الضعيف فيقيمون عليه الحد ، وكثيرون الذين هم مع الظالمين مثل الأرانب ، فإذا رجعوا إلى بيوتهم أدبوا زوجاتهم ، بل وضربوهن ضرباً تنهد به الإبل العظام! وأمَةٌ ذليلة ماكانت لتصنع في البيت إلا جيل الأرانب الذي يتقن الفرار من كل موقف ، ويتقن العدوان على كل ضعيف ، تملؤه العقد ، ويستسهل الخضوع لكل قوي ، أما يلقى من أمه الضرب الظالم دوماً ، وأمه تتلقى الضرب من أبيه الظالم ، إذاً فليخضع الكل إلى ظالم أكبر ، وقمعه أشد ، وتفننه في العقوبة مخيف ، ولن يشق ذلك الجدار إلا رجل على منهج عمر بن الخطاب رضي الله عنه : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ، أو رجل مثل الحسين الشهيد رضي الله عنه : (إن كان دين محمد لا يستقيم إلا بقتلي فياسيوف خذيني!

( وسنتكلم في حلقة قادمة عن موضوع الضرب والانحراف الشديد في فهمه)

أما الحديث الصحيح الآخر المتفق عليه : (لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضِ) ، فنراه كل يوم ، حتى لتضيق صدورنا من كثرة مانرى من خصومات بين الناس ، وواحدهم لوقيل له إن (الأميركان والإسرائيليين) قد هجموا على الدار لكان بهم رؤوفاً ، أما أخاه الذي خاصمه، فيكاد يخرج بروحه ، ويزهق أنفاسه ، ويمص دمه ، ويقطع عنقه لو استطاع … وتراه ترك الظالمين وصب غضبه على أخيه ، ولو علم أن أكثر الخصومات إنما سببها قانون جائر ، وحكم باطل ، ونظام أعوج … وأن تلك الأمور إنما تقصدت إفساد أخلاقيات الناس ليتوهوا فيها ، وأنه لو صبر وتحاكم إلى شرع الله لكان خيراً له ولفقدت تلك القوانين قوتها ، وزالت هيبتها ، وبان عوارها ، وانفض الناس عنها.

شهدت منذ أيام محاولة إصلاح بين طرفين اختلفا في إرث صار إليهما ، وقال عالم فاضل لهما : هل بدأتما أموركما على شرع الله ، فأجابا بالنفي! فقال : ماكان لطريق أوله باطل أن ينتهي إلى حق.

وقد ذكر فخري البارودي في مذكراته أن الدولة العثمانية قد فتحت في أواخر أيامها محكمة تجارية لفض المنازعات بين التجار (في دمشق) وبقيت تلك المحكمة (ثلاث سنوات لم تطاهأ قدم إنسان واحد) ، بل ذكر بعض كبار السن أن العشب قد نبت بين فواصل أحجارها لعدم من يمر بها!

لنتحاكم إلى شرع الله ، ولنترك مايفرضه الظالمين ، ويزجوننا إليه ، لنجعل من بيوتنا دار الإيمان والسكينة ، ومدارج العزة والحرية ، ولينصر أحدنا أخاه ، ولو أؤذي هو فإن يد الله مع الجماعة ، ولنبتعد عن صاحب عمامة ينافق ، ولنوجه غضبنا إلى الظلم في الأرض ، ولنكف عن الناس أيدينا وألسنتنا ، ولنتكلم بالحق ووجوب نصرته أينما ذهبنا.

ليكن عشق الحرية في كل كلمة نقولها ، وفي كل سلوك نتحرك به ، ولنهز صمت الناس بشجاعتنا ، ولنكسر قيود جبنهم بعدم خوفنا من الظالمين مهما كانوا …ولننشر كل مايوقظ في النفوس حب الحرية والكرامة ..

وثقوا أيها الناس أنه إذا كثر فينا من يفعل ذلك … فإن الظالمين … وببساطة … سيرحلون
أحمد معاذ الخطيب الحسني

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على سأخبرك : متى سيرحلون – 2006-07-02 مغلقة

وهم الحقيقة وجوائز الترضية الجزء 2… – 2006-06-27

وهم الحقيقة وجوائز الترضية 2
(القسم الثاني)
من الطرائف أن رجلاً استخدم بنَّاءً لعمارة جدار ، ولما انتهى سأله الرجل : هل جعلته متيناً؟ فقال البناء: هو كما تحب ، ولكن من الأفضل أن لاتقف العصافير عليه!
مامن شك أن كل من تخرج من شفتيه كلمة التوحيد بصدق وإخلاص يكاد يذوب حسرة وأسى على واقع الأمة ، ولكن التحرق (الإخلاص) لا يكفي ، ويظهر لنا مع الأيام أن تتبع الصواب أيضاً لايكفي! فقد صار ضرورياً الدندنة على محور مهم وهو الإتقان (أي متانة البناء) كي لاتكون منظوماتنا الشرعية والأخلاقية مثل الجدار الركيك الذي أقامه بنَّاء غشاش.
حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فيه بعد ذو مغزى عميق إذ يقول :كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في الجاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: (نعم). قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دَخَن). قلت وما دخنه؟ قال: (قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر). قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: (نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها). قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: (هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا). قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك.).
) أخرجه مسلم في الإمارة، باب: وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، رقم: 1847).
إن إتقان العض على الجذع هو سبب للنجاة! وهذا العض (التمسك) تخلف عنه بعضنا وأصبح الإسلام قابلاً للتذويب السهل في نفوسنا ، وفي حين أننا ندعو إلى أوسع مايمكن لصدر الإسلام أن ينفتح له فإننا ندعو إخواننا وأخواتنا إلى الاستنفار في وجه منهج التذويب والحت والتلاعب الذي صار سارياً بشكل ماكر وهادر في جنبات مجتمعاتنا المسلمة.
نريد بناء متيناً لا يقلقله وقوف العصافير عليه ، وديناً راسخاً لا يهتز لترغيب وترهيب ، ولا يطيش أصحابه في فتنة ولا يبيعه أصحابه عند أول جائزة ترضية وما أكثرها في هذا الزمان!
منذ أيام اتصلت بي امرأة لتخبرني كيف أن صهرها يضرب زوجته ضرباً لا ينبغي أن يضرب لبعير شرود ، فدمعت عيني وقلت : سبحان الله! كيف أن مئات الدروس لم تغن ذلك الرجل ليعلم أن نبيه صلى الله عليه وآله وسلم ما مد يده ليضرب امرأة قط رغم أن ذلك كان طبيعياً في مثل البيئة الجاهلية.
وكل فترة يأتينا إخوة كرام بخصومات شديدة يفرق فيها المال ما يجتمع لهم من هم الدعوة ، وترى لدى بعضهم من اللحن من القول ماتضيع به الحقائق والكل يزعم وصلاً بليلى!
وسمعت ممثلاً سورياً شهيراً جداً يتحدث في فضائية عن نكسة أو نكبة أو زلة حزيران بفم ملآن ، ويقول أن أحد كبار المسؤولين أتاهم قبل سقوط الجولان بساعات ليخبرهم أن يجهزوا أنفسهم لغداء في تل أبيب ، وقال ذلك الممثل (وعلى ذمته) أن مجلس الشعب لا يمثل الشعب وأنه لو دخل فيه لذهب إلى السجن بعد ساعة واحدة!
عجبت لما يذكر الممثل ، وللوم شديد يواجهنا به بعض إخواننا وأساتذتنا من العلماء يعتبون فيه أن فلاناً خطيب الجامع الأموي في دمشق قد عزل يوماً ( وقبل أن يصبح الخطباء فيه خمسة عشر خطيباً – أي والله العظيم – خمسة عشر ) لأنه تكلم عن سقوط سيناء ( وليس الجولان) .
لماذا يكون الحق والإيمان في نفوسنا قشرة رقيقة جداً ، بحيث تضيع المعالم ، ونتوهم الحقائق في غيرها ، ولماذا لا يملك البعض أنفسهم فتخرج نزوات الغضب ضرباً لزوجاتهم ، وآخرون يصدعون في لحظات مابني خلال سنوات لحاقاً لفتنة مال يدعون البراءة منها ، وبريق حب المال يلمع في عيونهم ، ولماذا يكون ممثل أشد وعياً وشعوراً بخطر الديكتاتورية والظلم وكم أنفاس الناس أكثر من بعض أصحاب العمائم!
كل الأمثلة السابقة تشترك في شيء واحد قلة الإتقان في الالتزام! وتوهم الحقيقة في الباطل ، وقبول جوائز ترضية قليلة الثمن مقابل ضياع حق أصيل!
إن العمل الصالح يحتاج إلى حرقة (إخلاص) ، وصواب ، وإتقان ، وإحدى جبهات النصر للأمة الإتقان في كل ميدان ، ويقرر الإسلام أن العمل المتقن تمتد آثاره ، ثم تأتي ثماره من كل جهة ، ويبين ذلك حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ” ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا ، فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة”[1]. بل إن حديث الشيخين وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة الثلاثة الذين حُبسوا في الغار ، ليقرر أن أحد أسباب دفع البلاء واستجابة الدعاء ، هو الإخلاص لله والأمانة في أداءِ الحق ، لما تصنعه الأمانة في النفوس من التوازن ، واليقين بأن جهد العامل لا يضيع مع مرور الوقت : “…وقال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء وأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب ، فثمَّرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال ، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله أدِّ إليَّ أجري ، فقلت: كل ما ترى من أجرك : من الإبل والبقر والغنم والرقيق. فقال: يا عبد الله لا تستهزئ بي! فقلت: لا أستهزئ بك ، فأخذه كله فاستاقه فلم يترك منه شيئا ، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة ، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون”[2].
تصورت بعض إخواننا ممن يماطلون العامل في أمور تافهة وتطلع روحه بين أيديهم وهم يزعمون الإدارة ، ويدعون الإقتصاد ، وماعلموا أن الأنظمة الظالمة التي حكمتهم قد أشربتهم روح الظلم فمشت في دماء بعضهم فصار ظالماً وهو لايدري.
إن الإسلام ينفرد بفكرة لا يشاركه غيره فيها ، وهي “أن البناء على المقاصد الأصلية يصير تصرفات المكلف كلها عبادات ، كانت من قبيل العبادات أو العادات ؛ لأن المكلف إذا فهم مراد الشارع من قيام أحوال الدنيا ، وأخذ في العمل على مقتضى ما فهم ، فهو إنما يعمل من حيث طلب منه العمل ، ويترك إذا طلب منه الترك. فهو أبدا في إعانة الخلق على ما هم عليه من إقامة المصالح باليد واللسان والقلب”[3] ؛ لذا فإن أي عمل نافع لا تنهى عنه الشريعة فهو عبادة ، وواجب كفائي “يطلب من مجموع المكلفين ؛ وذلك كتعلم الصنائع المختلفة … وأنه إذا فعله أحد المكلفين سقط الطلب عن الباقين ، وارتفع الإثم عنهم جميعا ، وإذا أهمله الجميع أثموا جميعا”[4] ، ولا يسقط فرض الكفاية إلا عند قيام الكفاية.
من وجهة نظر إسلامية فإن هدف السعي في الأرض ليس كسب المال فقط ، أو التماهي مع الأوضاع التي يفرضها الظالمون أو يزجون الأمة فيها نتيجة الخلل البنيوي الذي يحملونه في عقائدهم وأفكارهم ، لأن المال أو الجاه أو الموقع الذي يكون لإقامة الحق ، ومد الصواب ، له فضلا عن معانيه التعبدية ، غايات تحقيق الأمن الاجتماعي بين الناس ، وهذا يؤدي إلى التوازن النفسي على مستوى الفرد والجماعة ، وكم من مجتمعات بلغت الغاية في الكسب المادي ، ولكن أفرادها ظلت حياتهم مملوءة بالقلق والخوف والوحدة والشعور الحاد بالغربة القاتلة ، بل الجشع والتكالب وحب الاستئثار والانتهازية ، وهي كلها أمراض رسختها الأنظمة الظالمة ، حتى كأن الناس تعيش في غابة مملوءة بالوحوش الكاسرة ، لذا نجد علاقات طردية بين العمل الصالح -والذي من بعض ثماره بسط الرزق- والتوازن الاجتماعي ، وهذا المفهوم يتضح من خلال الحديث الصحيح: “من سره أن يبسط له فيرزقه أو يُنسأ له في أثره فليصل رحمه”[5].
كثيرة هي النواقص التي مازلنا بحاجة لاستدراكها ، ومن ذلك الانتباه إلى عدم الخلط بين الإرادة الكونية والإرادة الشرعية ، و إلا حصلت نتائج خطيرة ،وقد وضح القرآن الكريم أهمية المسؤولية الذاتية التي هي مناط التكليف ؛ حيث يقول تعالى:)فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره([6] ؛ )من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها([7] ؛ )وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند الله([8]؛ )وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون([9]. وكان التوجه النبوي الكريم تجاوز كل المعوقات التي قد تشل طاقة الإنسان الفعالة في العمل ، وفي حديث أنس أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول كثيرا: “اللهم إني أعوذ بك من الهم ، والحَزَن ، والعجز ، والكسل ، والبخل ، والجبن ، وضَلَعِ الدين[10] ، وغلبة الرجال”[11]، وتمت ترجمة التوجيهات النبوية في المواقف العملية للصحابة الكرام ، فقد “كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمال أنفسهم…”[12]، وعندما كان بعض الصحابة يعرض على أخيه أن يشاطره نصف ماله ، كان يدعو له بالبركة ، ثم يقول: “دلوني على السوق”[13] ، فلا يرضى إلا أن يكون العمل الجاد المشرف هو المقابل للإيثار العظيم الذي بادره به أخوه ، ولقد ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على مبدأ عظيم: “اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول”[14] ؛ حتى أنه كان يشجع صبيان المسلمين على العمل ، وقد ترجم في الإصابة لعبد الله بن جعفر ، فنقل عن البغوي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر ، وهو يبيع بيع الصبيان ، فقال: “اللهم بارك له في بيعه ، أو صفقته”[15]، ومن أهمية العمل في الإسلام أنه أحد معايير التقييم ؛ لدرجة أن عمر بن الخطاب كان “إذا رأى غلاما فأعجبه سأل: هل له حرفة؟ فإن قيل:لا ، قال: سقط من عيني”[16] ، وبلغ من حرص الأصحاب رضي الله عنهم أن “(صنع القفاف ونحوها من الخوص وهو ورق النخيل) كانت حرفه سلمان الفارسي ، حتى وهو أمير في المدائن ؛ فيعيش بها ، وكان يقول: أحب أن أعيش من عمل يدي …”[17]، وسار على ذلك فقهاء الإسلام الكبار يحثون الأمة على الإتقان والعمل الصالح ، “وفي عمدة الطالب: طلب التكسب واجب ، فريضة ، ثم التكسب أنواع: كسب مفروض ، وهو الكسب بقدر الكفاية لنفسه ولعياله وقضائه دينه ، وكسب مستحب ، وهو كسب الزيادة على أدنى الكفاية ؛ ليواسي به فقيرا أو يجازي به قريبا ، ثم قال: إنه أفضل حتى من التخلي لنفل العبادة …”[18]، بل إن العمل في خدمة الكلاب خير من البطالة والبقاء عالة على الناس ، ويقول الإمام السبكي أن على (الكلابزي) ، وهو الذي يخدم الكلاب “…أن يعلم أن في كل كبد حرى أجر ، وإذا كان له على خدمتها جُعلٌ فهذه نعمة ثانية ، عليه أن يوفيها حق شكرها…”[19].
من هنا ندرك ماتفعله الأنظمة الظالمة في النفوس وكيف أنها ترحب بكل فكر ليس وراءه عمل ، وبكل متحدث يشجع الناس على الروحانيات ، والبعض على الخرافات ( وتفتح له الأبواب العريضة) وتضيق على كل من يقود الناس إلى العمل ، كي يبقى الدين أسيراً للظالمين يوجهونه حيثما يشاؤون! ويرضون بعض حملته بجوائز ترضية فهذا همه إقامة حفلة مولد فلتعط له ، وهذا يستجير بفروع الأمن ليبقى خطيباً لمسجد ، وذلك يستعين بمسؤول كبير لفك قيد تجارة حبسها رجال الجمارك ، وذلك يستغيث بصاحب نفوذ لإزهاق روح جاره الذي قلل الأدب معه ، ويكاد الحق يضيع بين أيدي أصحاب الهمم الخسيسة.
من أعجب العجب أن الأئمة الأربعة رضي الله عنهم اضطهدوا لثباتهم على الحق وأكثر أتباعهم لايعلمون ذلك لأن سيرهم في هذا الجانب مغيبة ، فيكفي أن نحدث الناس أن الشافعي كان يقرأ في رمضان ستين ختمة من القرآن! (وهو أمر ينكر أمثاله ابن حزم في الرسالة الباهرة) ،ولانحدثهم أنه جُرَّ بالسلاسل لحبه لآل بيت محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ويكفي أن نحدثهم عن أبي حنيفة وذكائه في إيجاد لُقية ضائعة ولا نوضح لهم كيف أنه مات في السجن مؤثراً أن لايتولى القضاء لحاكم لا يعتقد بصواب حكمه ، أما مالك فلا يقال للناس أنه تحمل الضرب الشديد من أجل فتيا أبطل بها مكر الحاكم وبيعته الظالمة ، أما الإمام أحمد فلعله أكثر من نتداول قصته (نكاية بالمعتزلة) ولكننا لا نوضح للناس أن مذهب المعتزلة كان مذهب دولة ، وأن عظمة موقف الإمام أحمد ليست في التصدي لمذهب مهما كانت له شذوذه فإنه في النهاية مذهب إسلامي ، بل العظمة أنه تحدى الإكراه في الدين الذي حاولت الدولة فرضه مستغلة قوتها المادية والمعنوية الهائلة ، فما خشع الإمام العظيم لها ، واستطاع بمنهج سلمي صرف أن يكسر شوكة الظلم ويفشل سياسة الدولة في فرض مذهبها الديني بالقسر والإكراه.
لسنا بحمد الله دعاة تفكيك للدولة ، بل نرى أن الحرص عليها أوجب في هذه الظروف ولكن على أي دولة أن تحرص هي على عدم تفككها بنشر العدل ، وإلغاء كل قانون انتهى لزومه ، أو حصل الجور والظلم فيه ، وإعطاء المواطنين حقهم كاملاً دون تلاعب ولا محاولة كسب للوقت ، والدول تتغير إما بقوة كاسرة من الخارج كما سقط عراق صدام الذي باعه ابن عمه (قائد الحرس الجمهوري العظيم) لأن المناهج التي تفتقر إلى الأخلاق ماكانت لتصمد في وجه الطوفان لأنها بنيت على الظلم والرشوة والفساد ، وإما أن تتغير الدولة بقوة داخلية هائلة ، ومثال ذلك ثورة الخميني ، وقريباً تجربة لم تظهر بعد آثارها وأعني بها تجربة حركة المقاومة الإسلامية حماس ، أما الطريقة الثالثة ، وهي الأخطر فهو أن يقرر الناس رفض أي تدخل خارجي ، ولا يقوون على تغيير داخلي ، فتنتشر بينهم سلوكيات اللامبالاة والانتهازية والتظالم وانعدام الحس ، وقلة الأمانة ، وعندها تصبح أي دولة تصاب بذلك ؛ تماماً مثل خشب يهترئ والقوارض والحشرات تعمل فيه ، حتى إذا آن الأوان تحققت سنة الله وهذا له في التاريخ أمثلة كثيرة ، من أوضحها سقوط بغداد على يدي التتار ، فليس التتار المتوحشون هم من أسقطوها بل الفساد ، إذ أصبح جيش الخلافة العظيم لا يزيد عدداً عن عشرة آلاف جندي يتسولون رواتبهم من الناس!! لكثرة السرقات والنهب ، مما تحدثنا عنه في كلمة سابقة.وكذلك فرنسة عندما انهارت في وجه ألمانية ، وتفكك الاتحاد السوفيتي ، ومهما قيل عن التخطيط الخارجي وهو حاصل ، فإن الفساد الداخلي هو المعتمد والنواة للسقوط!
لا نريد لأي بلد مسلم أن ينخر فيه السوس ولا أن تحصل فيه فتنة ولا تمتد إليه يد غريب علمت الدنيا كلها حقده ومكره! ومن أجل ذلك فإننا نطالب بالحريات العامة لكل الناس وخصوصاً الإسلاميين (لا صدقة من الحكام بل حقاً لن نتركه مهما طالت بنا وبهم الأيام) .
نعود إلى الإتقان الذي يلزمنا اليوم وتشتد الحاجة إليه ، فلسنا نريد نصف مسلم ، ولا شبيه ملتزم ، ولا صاحب توهم ولا حاملاً للإسلام قشرة رقيقة تتكسر ، ولا مشغوفاً بالجوائز ،
رأيت بعض الناس في فرح شديد لظهور مايسمى بالقنوات الإسلامية! وعمل لها بعض العلماء من الدعاية الكثير ، ولكن مهلاً .. نحن في حالة ضعف ، والسهام تنهال علينا من كل جانب واختيار أقل المفسدتين واجب ، والبحث عن منفذ في الظلام فريضة ، ولكن هل نعتبر الضرورة ضرورة ، وتبقى الأمة تعمل وتعد لما هو الأصل ، أم أنها تغرق في الحلول الجزئية ، وتنسى الإعداد لحل جذري بعيد؟ سررت من شاب في مقتبل عمره قال لأحد الناطقين الإسلاميين الذي يهلل لقناة صاحبها ذو مال تحفه الشبهات : أنا أعلم أن كفار مكة عندما أرادوا بناء الكعبة تعاهدوا أن لا يقدم واحد منهم مالاً فيه شبهة رِبا توقيراً وتعظيماً لرب البيت الذي حرمه! فنظر ذلك الناطق إلى الشاب بوجل وقلق ولم يعقب!
في الأمة ملايين من المسلمين الصالحين يملكون الأموال الحلال ، فلماذا لا ينشئون قناة إسلامية واسعة الطيف سليمة الأهداف ، تسع كل المسلمين ، وتتبع منهجاً وسطاً ، وبحيث تبقى إسلامية فلا تستدعى فيها ممثلة لتقدم للناس كخبير اجتماعي ، ولا يطلب رأي ممثل في تربية جيل الأمة ، ولا يزين للفتيات فيها حجاب ترحم الناس فيه على تبرج الجاهلية الأولى!
ألا تحسون أيها الإخوة والأخوات أنه عندما تنشأ قناة إسلامية تحف أصحابها الشبهات في أموالهم ، ويلقون في وجوه الشباب والشابات كل يوم بمفاسد هائلة في قنوات أخرى يملكونها ، وهم الصالحون! المصلحون أن كل ذلك نوع من احتلال الساحة ، وأن المسلمين لن تكون بين أيديهم مع الوقت أي وسيلة إعلامية فعالة لأنهم لم يبنوها بعد ، وتوهموا أن أصحاب تلك القنوات هم حملة الحق في الأرض ، وفي اللحظات الحرجة للأمة أو تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها التجار بالأمة فيمكن ببساطة حرمان المسلمين من أية وسيلة بل خنقهم تماماً.
لنستفد من المتاح الآن مع الانتباه والإعداد لما هو يناسبنا حقاً مع بقاء خطوط حمراء لانقبل بتجاوزها ، ولتكن لنا مواقف واضحة ، ومفاصلة في الأمور الجذرية ، وليس مناورات ضعيف في قبضة جبار لا يرحم.
ونختم الكلام بقصة الإمام القرافي وقد كان إماما متبحرا في علوم الشريعة وفنونها ؛ ومن نوادر زمانه في صناعة الآلات (الميكانيكية) والفلكية!، وقصته حقيقة قمة في الإتقان والمعرفة والإحاطة التي نفتقر إليها من أبسط مستوى إلى أكثره تشابكاً : “حكى ابن طولون في رسالته: قطرات الدمع فيما ورد في الشمع ، عن الشيخ شهاب الدين أحمد بن إدريس القَرَافي المالكي أنه قال في (شرح المحصول): بلغني أن الملك الكامل وُضِع له شمعدان … كلما مضى من الليل ساعة انفتح باب منه ، وخرج منه شخص يقف على خدمة الملك ، فإذا انقضت عشر ساعات طلع الشخص على أعلى الشمعدان وقال: صبح الله السلطان بالسعادة فيعلم أن الفجر قد طلع. قال [أي القرافي]:
وعملت أنا هذا الشمعدان ، وزدت فيه أن الشمعة يتغير لونها في كل ساعة ، وفيه أسد تتغير عيناه من السواد الشديد إلى البياض الشديد إلى الحمرة الشديدة ، في كل ساعة لها لون فإذا طلع شخص على أعلى الشمعدان ، وإصبعه في أذنه يشير إلى الأذان ، غير أني عجزت عن صنعة الكلام”[20].
أما إخواننا في بلاد الغربة فيتعللون بضيق الوقت وكثرة المشاغل وتباعد المسافات وضياع المرجعية وكثرة الاجتهادات ، والعيون المفتوحة على المسلمين ونشاطاتهم ، يتعللون بكل ذلك لتبرير عدم إتقان حملهم للإسلام ، لذا فأكثرهم يجد سبباً مقنعاً له يغطي العطالة الهائلة التي يقع فيها وهذا ماسنحاول جلائه في كلمة الشهر القادمة ، وهي عن توهم الحقيقة في ديار الاغتراب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أحمد معاذ الخطيب الحسني
لأسباب مرضية قاهرة تأخرنا أياماً في كلمة الشهر فيرجى المعذرة.
-اطلع في هذا الشهر على حياة العلامة المفكر أحمد مظهر العظمة أحد مؤسسي الحركة الإسلامية في سورية ، ومن أهم رجال جمعية التمدن الإسلامي. (منائر في الدرب – أعلام)
في قسم ركن الدعوة- اطلع على مسودة اتحاد العلماء والأئمة والدعاة.
[1 ] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، كتاب الحرث و المزارعة (41) ، باب فضل الزرع والغرس (1) ، الحديث (2320) ، 5 ، 5.
[2] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، المرجع نفسه ، كتاب الإجارة (37) ، باب من استأجر أجيرا فترك أجره (12) ، الحديث (2272) ، 4 ، 525.
[3] – أبو إسحاق ، إبراهيم بن موسى ، الشاطبي (790هـ/1388م) ، الموافقات في أصول الشريعة ، شرحه وخرج أحاديثه: عبد الله دراز ، وضع تراجمه: محمد عبد الله دراز ، خرج آياته وفهرس موضوعاته: عبد السلام عبد الشافي محمد ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، د.ت ، 1، 155.
[4] – وهبة الزحيلي ، أصول الفقه الإسلامي ، إعادة (ط1) ، دمشق ، دار الفكر المعاصرـ بيروت/ دارالفكر ـ دمشق 1417/1996 ، 62.
[5] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، كتاب البيوع (34) ، باب من أحب البسط في الرزق (13) ، الحديث (2067) ، 4 ، 353.
[6] – الزلزلة ، 7 ، 8.
[7] – الجاثية ، 15.
[8] – المزمل ، 20.
[9] – التوبة ، 105.
[10] – ضلع الدين: ثقله وشدته.
[11] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، كتاب الجهاد والسير (56) ، باب من غزا بصبي للخدمة (74) ، الحديث (2893) ، 6 ، 102.
[12] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، المرجع نفسه ، كتاب البيوع (34) ، باب كسب الرجل وعمله بيده (15) ، الحديث (2070) ، 4، 355
[13] – أكرم ضياء العمري ، السيرة النبوية الصحيحة (محاولة لتطبيق قواعد المحدثين في نقد روايات السيرة النبوية) ، ط6 ، المدينة المنورة ، مكتبة العلوم والحكم ، 1415/1994 ، 1، 244.
[14] – ابن حجر العسقلاني ، فتح الباري ، مرجع سابق ، كتاب الزكاة (24) ، باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى (18) ، الحديث (1427) ، 3 ، 345.
[15] – أحمد بن حجر، العسقلاني (852هـ/ 1449م ) ، الإصابة في تمييز الصحابة ، مصر ، المكتبة التجارية الكبرى ، 1358/1939 ، 2 ،281. و سند البغوي متصل ، ورجال السند ثقات ؛ عدا خليفة فهو لين الحديث.
[16] – عبد الحي الكتاني ، نظام الحكومة النبوية (التراتيب الإدارية) ، بيروت ، الناشر: حسن جعنا ، دت ،2 ،23.
[17] – عبد الحي الكتاني ، التراتيب الإدارية ، مرجع سابق ، 2 ،93.
[18] – عبد الحي الكتاني ، التراتيب الإدارية ، المرجع نفسه ، 2، 3.
[19] – عبد الوهاب السبكي ، تاج الدين (771هـ/1370م) ، معيد النعم ومبيد النقم ، حققه وضبطه وعلق عليه: محمد علي النجار – أبو زيد شلبي ، محمد أبو العيون ، القاهرة ، دار الكتاب العربي 1367/1948، 145.
[20] – أحمد بن إدريس المصري المالكي ، شهاب الدين القرافي (684هـ/ 1285م ) ، الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام ، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: عبد الفتاح أبو غدة ، حلب ، مكتب المطبوعات الإسلامي ، 1387/1967 ، 15.

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على وهم الحقيقة وجوائز الترضية الجزء 2… – 2006-06-27 مغلقة

حتى تورق الأشجار (كي لا يضيع الحق في بلاد الغربة) – 2006-06-02

حدثني ناويد (اسم مستعار لقصة حقيقية) المقيم في أميركة ، قال: كانت المذابح في البوسنة عام 1992م ؛ تصك سمع العالم عندما قال لنا الخطيب يوم الجمعة: هناك إخوة وأخوات فارون من الحرب المتوحشة ، وسيصلون إلى المطار بعد العصر ، فمن كان عنده وقت ليساعدنا في استقبالهم وإحضارهم فجزاه الله خيراً.

ذهب ناويد مع مجموعة من الإخوة إلى المطار، وعند نزول الركاب أصابته صدمة ، فلم يكن فيمن حوله مسلمون بهذه الطريقة : أشكال أقرب إلى الهيبييين ، ونساء تطير شعورهن الذهبية في الهواء ، وثياب ضيقة لم يمزقها الفقر بل اتباع صرعات الأزياء ، وعازفو غيتار تمتزج صيحاتهم بمشية راقصة.

لم يكن الموقف مناسباً لأي عتاب أونصيحة ، وعاد الإخوة بضيوفهم لتضمهم الجالية المسلمة بحنان.

بعد مرور أشهر بدأت براعم الخير تتفتح ، وصار بعض الإخوة والأخوات يترددون على المسجد ، واستطاعت جلسات الإيمان أن تجعل الماء ينفجر من الصخر الأصم ..

تغيرت معظم الأشكال والقلوب ، وبدأ الإيمان يفعل فعله بصدق الدعاة ، وفطرة الأهل الجدد.

في يوم من الأيام قال الخطيب : أيها الإخوة … لاحياء في الدين ، وإن أخواتنا ليس لهن بعد الله سواكم ، فمن كان يرغب بالزواج فعليه بواحدة من هؤلاء الأخوات ، وهن أفضل قطعاً وبكثير من غير المسلمات!! ولكن … بشرط واحد: أن تخلصوا النية لله في الأمر ، وأن تجعلوه لله!!

فكر (ناويد) بالأمر ، فهو عزب وبحاجة إلى زوجة ، واختار فتاة وفق ماطلبه الخطيب تماماً … فتاة يتزوجها لله … فيها صفة لايمكن أن يقبلها إلا من كانت نيته لله تماماً … لقد اختار فتاة مشلولة شللاً رباعياً !!!

بكى ناويد أكثر من مرة وهو يحدثني قائلاً: لست أدري كيف أشكر الله على نعمة تلك الفتاة الصالحة!

كانت زوجة ناويد في البداية غير ملتزمة ، ثم التزمت بشكل عميق مظهراً ومخبراً ، وأخبرت ناويد أنها تشكر الله الذي هيأ لها من يعينها في طريق الإيمان.

لست أظن أنه يوجد في أكثر بلاد المسلمين أخت في مثل التزامها وتدينها ، وخلال أسبوعين بقيتُ فيهما في تلك المدينة لم تغب مرة واحدة عن درس النساء الذي كنت أقيمه بعد صلاة الظهر في المسجد ، وكان يؤتى بها محمولة كل يوم على الكرسي الخاص بالمعاقين ، بل إنها طلبت مع أخوات أخريات المزيد من الجلسات الإيمانية والشرعية ، لأنهن يردن زيادة العلم بالعديد من الأمور!

بيت ناويد مؤلف من غرفتين فقط ومطبخ ، والغرفة الأولى للنوم ، وليس فيها إلا سجاد (موكيت) يغطي الأرض وفراش فوقه وخزانة جدارية ، وثاني الغرفتين ممدودة بالسجاد كذلك وهناك وسادتان أوثلاثة وطاولة صغيرة ، وحدثني بعض الإخوة أنهم يقطعون أحياناً مئات الأميال طمعاً في أن يستضيفهم ناويد ليلة في بيته ، يجددون بها إيمانياتهم ويكسرون بها جليد الحياة المادية الجافة التي ضلت طريقها عن الله!

رزق ناويد وزرجه طفلاً صغيراً كان عمره حوالي ثلاث سنوات عندما رأيته ، ووحده الله تعالى يعلم كيف أتى هذا الطفل إلى هذه الحياة من أم مشلولة! وكان أبوه هو الذي يطعمه وينظفه ويعتني به ، فضلاً عن أن الأب هو الذي يغسل ويطبخ ويعتني بالبيت ، فقد كان دور الأم فقط مد ذلك البيت الصالح بالسكينة والرحمة ، وهو مافعلته تلك الأم بصفاء نادر وبذل عجيب.

يعمل الأب في صيانة بعض الأجهزة الكهربائية ، ولم تكن تفوته صلاة من الصلوات الخمس في المسجد ، وعندما يأتيه زبون فقد كان يقول له : سأذهب في الوقت الفلاني نصف ساعة ، (وهو الوقت الذي يلزمه للذهاب إلى المسجد بالسيارة ، والصلاة فيه ثم العودة منه) ، فإن كان الوقت مناسباً لك بدأت العمل!

لم أصل في ذلك المسجد مرة إلا ورأيت ناويد هناك وهو يصلي بطريقة تجعل الخشوع يدب في القلوب ، فقد كان يقبل على عبادته وكأنه يصلي أول مرة!

ناويد يتكلم الأوردية والإنكليزية ، والأم تتكلم البوسنية والإنكليزية ، فماذا ستكون لغة الطفل الأولى؟ ظننت لسذاجتي أنها الإنكليزية ، فكلمت الطفل بها فوجم الأب ، ولم يرد الطفل! فقلت ألا يعرف الإنكليزية؟ فأجاب الأب وكأن أفعى لدغته: حاشا أن يتعلم لغة الكفار قبل لغة القرآن!
لقد هزتني كلماته من أعماقي ، وخصوصاً عندما قارنت التزامه وهو الأعجمي مع إخوة دعاة عرب وزوجاتهم عربيات ، فقدوا في داخل بيوتهم اللغة والدين ، فلا يفهم أولادهم العربية ، ويضيع الدين في ثنايا الانبهار في أعماق اللاشعور بمجتمعات المادة ومتع الحياة!
كان ناويد وزوجه لايعرفان من لغة القرآن إلا مايقيمان به صلاتهما ، أما ابنهما فكان أبوه يبقيه دوماً في المسجد مع ثلة من خيرة الإخوة الدعاة العرب ، وعلى أيديهم تعلم العربية بشكل جيد ، وبدأ صدره يحوي القرآن جزءاً بعد جزء!
هذه قصة حقيقية عاينتها ، واعتبرت بها وأقامت الحجة في نفسي على الضعف الذي صار إليه بعض المسلمين ممن يذوب ولايعترف ، ويتلاشى ولا يقر!
هناك علة أصابت الكثيرين من الإخوة والأخوات في ديار الغرب ، وهي عدم القدرة العملية على الجمع بين الإيمان والحياة ، فاسترخت مفاصلهم للرغد الذي يحفهم واعتبروه قدراً لايمكن الخروج منه ولا المساس بقدسيته!
هناك خطوط حمراء على المسلم أن لايفرط فيها مهما كان الثمن ، ومن أعجب الحيل التي رأيت بعض الإخوة يقعون فيها ، الصراع الداخلي في أنفسهم حول البقاء في تلك الديار الغريبة أو الرجوع ، والمحاكمة عند البعض تتم كما يلي : إن هذه البلاد غريبة عني وفيها تيار هائل لا يمكن الوقوف في وجهه من طرق الحياة والعادات ، ومن الأفضل لي أن أتكيف مع الأمور كي أستطيع الاستمرار (وتبدأ من هنا نقطة الذوبان ، وهي تختلف من شخص لآخر) ، وفي نفس الوقت فإنني لا أستطيع الرجوع قبل تكوين نفسي علمياً أو مادياً (وأنا مضطر إلى ذلك) ، والنتيجة الوحيدة لهذه المحاكمة المغرقة في الخطأ المزيد ثم المزيد من التلاشي والذوبان.

كما يساعد على تلك المحاكمة بعض الفتاوى الدينية التي لا تستطيع أن تلزم المسلمين بالخروج من تلك الديار ، ولكنها تساهم بشكل مباشر في شل كل فعالية من خلال التركيز على السلبيات ، واستثمار نقاط الضعف التي يرويها المقيمون لبعض المشايخ والدعاة ، ممن يعيد توظيفها في زيادة كراهية المقيمين للمجتمعات التي يقيمون فيها ، وفي نفس الوقت فإن الجواذب المادية الشديدة تمنع المقيمين من ترك الحياة التي ألفوها ، فنبقى ندور في دوامة.
لقد كان فقه المسلمين الراشدين هو فقه الاقتحام ، وعلى أسوار مدينة دربند (باب الأبواب) عاصمة داغستان القديمة قبور سبعة من أولاد سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهم ، إضافة إلى قبور العشرات من صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنثورة في رحاب الأرض المتعطشة للهداية ، فقد كانوا يقتحمون ، ومنذ القرن الأول الهجري وصل بعض المسلمين إلى غرب الصين ، وهناك ثبتوا وزرعوا ولم يذوبوا ، ولم تأكلهم الحضارات المحيطة ، ومايزال أحفادهم إلى اليوم رغم حملات الإبادة للملايين التي قام بها الماويون الشيوعيون ، والتضييق حتى الساعة ، مازالوا يرفعون راية التوحيد ، ترفرف على بيوتهم كما تزهر فوق مآذنهم.
ماهو السر في ثبات أقوام وذوبان آخرين إلا فقه الانسحاب الذي نزرعه كيفما توجهنا ، وقد

تألمت مرة وبشدة من كلام داعية سافر مرة إلى الولايات المتحدة ، ومن الطبيعي أن يحفه تلامذة له ربوا على فقه الانسحاب ، فحدثه أولهم عن ضياع ابن فلان والثاني عن فرار ابنة فلان مع عشيق لها ، والثالث عن تعاطي ابن فلان للمخدرات ، وتلك خلعت حجابها ، وفلان لم يعد يصلي …. وأصدر الشيخ فتواه الصارمة بأنه لا يجوز أن يبقى أحد من المسلمين في تلك البلاد! (مع العلم أن أحداً من تلامذته لم يطبق تلك التعاليم).
قلت لأحد تلامذة الشيخ: وإلى أين يذهب المسلمون؟ قال : إلى البلاد الإسلامية! فقلت : إنك لا تتحدث عن بضع مئات من الناس بل ملايين! فقال : عليهم أن يخرجوا ويعودوا إلى البلاد التي أتوا منها! فقلت : وأبناء البلاد الأصليين الذين أصبحوا مسلمين إلى أين يذهبون؟ و بالله عليك خبرني من هي الدول الإسلامية التي ستفتح صدرها لاستقبال كل أولئك؟ ومن هي الدولة العربية العصماء التي ستدق صدرها لتعلن أنها ستوفر للمهاجرين بدينهم عُشرَ الحرية الدينية التي ينعمون بها اليوم في بلاد الكفار!
إن الخير الموجود في بلاد المسلمين لم تصنعه الأنظمة الظالمة (كما يدندن فقهاء السلاطين) ، وإنما هو تراكم طويل ، ونحت عنيد ، وتاريخ ممتد ، وبركة يمدها الله بالتأييد والتوفيق.

وفي كل مكان يتواجد فيه المسلم فعليه أن يعمل لتثبيت الخير ومده ، وعندها يبدأ التحول في النفس والعائلة والجالية بل المجتمع المحيط كله! وكم هو محزن ذلك السؤال الذي يصادفنا أينما ذهبنا: بما تنصحنا؟ هل الأفضل أن نبقى أم نعود؟ وللإجابة ينبغي على المسلم أن يقرر أولاً ماهو الأصلح لدينه ثم لعائلته وأولاده ، وبعدها عليه أن يبني ويعمل ، فمن كان الأفضل لدينه أن يبقى فعليه أن يعمل عمل من سيبقى ، ومن أراد الرجوع فعليه أن يعمل عمل من سيعود.

والمقصود من ذلك أن لانبقى معلقين ، لانعمل لبقاء ولا لرجوع ، وبالتالي فإنا سنصبح مجرد برغي صغير جداً في آلة طحن عملاقة توجهنا كيفما تريد ، أو نتصرف بشكل انتهازي مفضوح! وإننا لا ندعو الناس إلى البقاء في بلاد غير المسلمين ولا ندعوهم إلى الخروج منها ، فإن الظروف التي يمر بها المسلمون أضحت على درجة من التشابك ، بحيث لايمكن أن يصدر فيها حكم عام يستغرق الجميع! ولكننا ندعو كافة أهل الإيمان إلى العمل الصالح إن بقوا والعمل الصالح إن أرادوا الرجوع ، مع الظن أن بلادهم أولى بهم إن لم يدفع ذلك مانع قوي ، أوظرف قاهر.
ونضرب مثالاً بالمعلقين مايحصل عندما يصل بعض الشباب إلى بلاد الغربة ، ولا يجدون حولهم من يعتني بهم فيلومون جميع من حولهم ويتهمونهم بالتقصير ، ثم يتجاوز الشباب الظروف الأولى ، ويمر أكثرهم بمصاعب مالية ، فيعود الاتهام بسبب تقصير الجالية في دعم الطلاب (النابهين ، أمل الأمة) ، وتنتهي فترات الضغط المادي ، ويحصل الشاب على عمل مريح ، فيبدأ بالبحث عن زوجة ، ومن يعيشون ظروف الاغتراب يدركون صعوبة الأمر بل جنون قسوته وصعوبته ، فيبدأ الاتهام واللوم مرة أخرى : لماذا ليس لدى الجالية مشاريع لتزويج الشباب وتسهيل التعارف الشرعي! ويتزوج الأخ أخيراً ويرزقه الله بمولود فيبدأ يتحدث عن ضرورة مدرسة الحضانة (لأنها الأساس) فإذا انتهت الحضانة تكلم عن الابتدائية ، وصب كل عتبه على الجالية التي لا تؤمن مدرسة مناسبة ، ثم يحدثك عن الثانوية التي هي مفترق خطير! والملاحظ أن الكثيرين يرمون وراء ظهرهم كل المطالب عندما يتجاوزونها هم ، أي أن الأمر هو فقط بحث مشروع ، ولكن عن المصلحة الشخصية ، والشخصية فقط ، وهم لا يبنون شيئاً للجالية ، لأن من يكتوي بظروف الأمة فلا بد أن يكون حرصه (وقد قارب السبعين من العمر) على بناء مدرسة إسلامية ، وقد انتهى كل أبناءه من الدراسة وتزوجوا، مثل حرصه تماماً عندما كان لديه ابن مراهق يخشى تفلته في مجتمع تضطرب في الأفكار والسلوك ، والهم الذي يصاحب رجلاً حريصاً على أبناء وبنات الجالية (وهو على شفا قبره) هو نفس همه عندما كان عزباً يخشى على نفسه من حيصة مجنونة تخرج به عن الصراط المستقيم.
إن من يرى المصلحة في البقاء ، ويتغنى بالإسلام فعليه أن يبني المؤسسات التي تقتحم الأبنية الاجتماعية القائمة ، ومالم يصنع المسلمون بيئة اجتماعية قوية وفعالة ، فلن يكون لهم وجود ولا تأثير ولو طال بهم الزمان.
وهناك آخرون يزعمون حب الرجوع ، ويتغنون بالوطن الحبيب ، ولا يطيقون البقاء ينتظرون يوم الخروج ، ولكنهم يرجعون بأجسادهم ، ونصف عقولهم أو ربعها ، وعقول وقلوب زوجاتهم وأبنائهم تطوف هناك ، وقصة الرجل الذي بنى قصراً لأبنائه في الوطن ، ثم بشر أهله وولده بقرب الرجوع ، فقالوا: عد يا هذا إلى حيث تحب وتريد ! ولكننا هنا باقون!! قصة مؤلمة … ولقد فات الرجل أن الأشجار لها جذور لا يمكن أن تعيش في أية تربة ، ولو كان يريد الرجوع حقًا لزرع في نفوسهم ما يحببهم بتلك البلاد منذ نعومة أظفارهم ، أو بناهم ليكونوا حملة حق وهداية في تلك المجتمعات .. ومن أكثر مارأيناه يعتصر القلب ألماً أولئك الإخوة الذين يريدون تعويض أبنائهم وزوجاتهم عن الرفاهية المادية التي كانوا يعيشونها ، فظنوا ذلك بالمزيد ثم المزيد من المال والترف ، فخرجت بعض أسر (ونقول بعض ولا نعمم) لا تعرف نعمة الله عليها فهي في رفاهية مجنونة ، ونفسيات معلولة ، وأبناء وبنات بطرين ، وأم جهول.
ليس كل أب أو أم بقادرين على التربية الفعالة ، والحل هو تربية بديلة يقدمها المجتمع أو الجالية ، والتي كلما كانت قوية قوي الجميع بها ، وكلما ضعفت ضعف الجميع بها! لذا فإن على الجميع أن يعضدها ويمدها بدل أن يمتصها ، أو يحول وجودها إلى موقع نهب خاص!
سألتني بعض المدرسات الفاضلات عن أسباب الضعف التربوي الذي تعاني منه العديد من المدارس الإسلامية في الغرب ، مقارنة مع مثيلاتها الأميركية! فقلت : والله لا أعرف! دعوني أياماً حتى أبحث عن السبب! وعثرت على أول مفتاح في ملعب إحدى المدارس الإسلامية ، عندما أتيح لي أن أشهد شيئاً في غاية الطرافة ، مما لم أكن أتصوره يحصل إلا في أفلام الكرتون! فطيرة بيتزا كبيرة حملها طفل ورماها على وجه طفل آخر فامتلأ وجهه بالخضار والبندورة ، وتقاطر الجبن من الجبهة إلى الذقن في مشهد يليق بتوم وجيري!

لم أتصرف تأدباً مع أستاذ الحلقة الموجود ، وحيث أنه لا يؤم الرجل في داره ، وانتظرت اتخاذ موقف ما مهما كان بسيطاً انتصاراً للطفل المظلوم وحرصاً على النعمة ، وسداً لهذه الميوعة ، ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل! ثم علمت أن الرشوة! نعم الرشوة لها دور كبير في ذلك وكأن النسيج المهلهل لبعض أبناء جلدتنا جعل المبادئ الثورية التي ربى بعض الحكام العرب الناس عليها تنطبع بسهولة في أخلاقهم ، لينقلوها جراثيم فتاكة إلى كل من حولهم.

فلان نخشى من توجيه ملاحظة له لأن أباه يدفع للمركز الإسلامي بضعة دولارات تافهة يظن بها أنه اشترى الإسلام! وفلان لا يُتخذ أي إجراء بحق ابنه الطائش لأن الأب الفاضل عضو في مجلس إدارة المدرسة الإسلامية ، وفلان رجل صاحب نفوذ في الجالية حتى أنه طرد رجلاً من خيرة الدعاة من الخطابة والإمامة من أحد المراكز الإسلامية بسبب أنه أصر على أن تجارة المسلم بالخمور حرام ، وصاحب النفوذ تصدر الجالية بمال السحت الحرام! ولم يوجد في الجالية الكريمة من يتضامن مع الإمام المظلوم لأن وهج الدولارات أسكت العزائم!
لماذا تتميع المبادئ عند البعض ، ولماذا لا ينهض الإسلام بقوة في نفوسنا مرة أخرى فنعطيه حقه أولاً ، ونبذل له من عصارات المهج والقلوب والأوقات مايبقيه منيعاً قوياً ، ثم نستظل جميعاً تحت أفياء دوحته الغناء ….
الروح الفردية مدمرة ، والعمل الجماعي الإسلامي مازال يحبو ، ونحن على خير ولكننا نكذب على أنفسنا عندما نزعم قلة الوقت ، وضغط الظروف ، وقلة الإمكانيات!
المجاملة اليوم لم تعد تنفع ، وعندما ذكر العلماء أن المسلم كان يحتاج إلى شيخ في العلم لأن النفوس كانت زكية ، ثم صار بحاجة إلى شيخ علم وشيخ تربية بمقدار قوته وضعفه ، فقد أصابوا ، ورغم أن الإمام الغزالي ذكر أن شيخ التربية (في زمانه) أندر من الكبريت الأحمر، إلا أن الأيام تعلم الاستدراك والحاجة أم الابتكار ، ويمكن لجماعة متوادة مترابطة أن توجد بترابطها الحد الأدنى من مهمة التعليم والتربية بأن تختار لها أميراً صالحاً (بل لنقل منسقاً إن وجدوا أن ثوب الإمارة أكبر من صاحبهم) يعطونه من أنفسهم العهد والصدق ، ويعطيهم الود والإخلاص ، ويتدثرون جميعاً بالشورى والنصيحة ، فإن أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لاتجتمع على ضلالة ، ويمكن بتركيبة بسيطة أن تتخطى في البناء ، مافترت عنه همم الكسالى عشرات السنين!
في إحدى بلاد الغرب مجموعة إخوة تألفوا على الخير منذ ربع قرن ، ولديهم موعد شهري لا يتخلفون عنه إلا بأسباب جد قاهرة ، وعندما باعدت بينهم الجغرافية ، اختصروا هم المسافات بالطائرات ، يركبونها للقدوم إلى الموعد ولا يتخلفون … وماهو بمثال بل واقع فافهموا رحمكم الله …

 

لنعد إلى ناويد ، ذلك المسلم الذي نبت شجرة زكية خرجت من شقوق الصخر الأصم ، لماذا لا تكون في قلوب بعض الإخوة والأخوات أجزاء من إيمانه العنيد هو وزوجته بعظمة الإسلام وتفوقه ، بل بأولويته في الحياة ، قد تختلف ظروف الكثيرين عنه ولكن همته وأمثاله مثال عظيم عن تعايش القوي لا الضعيف ، والمتمكن لا المقهور ، والغالب لا المفتون .
ناويد رجل يعيش في قلب الحضارة المادية ، لكنها لايأذن لها أن تخترق قلبه وروحه ، بل لا يسمح لها أن تمر إلا حيث يرى أن مصلحة الإسلام تمررها.
ونقول لكل الإخوة تلك النصيحة القديمة الجديدة أبداً : لقد انتهى عهد النوم ياخديجة (وهي كلمات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لزوجه رضي الله عنها) ، وحلاوة الإيمان لا تأتي إلا بالتضحية التي تقتلها مجتمعات المادة قتلاً ، ويجب أن نحيي سنتها مهما كان الثمن ، ولا بد من الدندنة على بعض معاقد الإيمان المرة بعد المرة ، ولا بد من إعطائها أولوية خاصة مهما كانت الصعوبات ، وإلا فإن مشاغل الحياة ستزحف لتحتل كل ثانية في وقتنا!
ليس من الصعب أن يلتزم الأخ والأخت في ديار الاغتراب بحد أدنى من العبادات التي تجدد الإيمان في القلوب ، ومن ذلك :

صلاة الفجر في المسجد ( مرة في الأسبوع على الأقل )

صلاة الجماعة مرة في اليوم (ومن المهم جداً أن يكون للبيت نصيب وافر منها)

مشروع الأخ الواحد (حيث نضع جهدنا في هداية إنسان إلى الله … فلأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمر النَّعَم)

مشروع الكتاب الشهري (لابد من قراءة كتاب كل شهر)

مشروع الزيارة الشهرية (زيارة عائلة مسلمة أو تجمع أخوي)

مشروع الصدقة الأسبوعية (طهرة للنفس والمال)

مشروع الهدية (بإهداء شيء بسيط كل فترة إلى أحد حولنا : زوجة ، جار ، أخ .. صديق)

مشروع المعروف (كل معروف صدقة ، وهو عمل يومي نستطيع القيام به)

مشروع الحلقة النصف شهرية (اجتماع للإخوة أو الأخوات لتدارس أمور دينهم )

مشروع الحلقة اليومية (جلسة لا تقل عن ربع ساعة مهما كان الأخ مشغولاً مع زوجته وأولاده تخفف الفتور وتملأ النفس بالسكينة ، وترمم ماتعكره الدنيا)
وغير ذلك كثير فدروب الخير لا تحد ، وضعيف الهمة يمده إخوانه وهو يمدهم فيتدفق الإيمان ألواناً .
روى الإمام ابن حجر العسقلاني عن الماوردي قال : “إذا قدر المسلم على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام ، فالإقامة فيها أفضل من الرحلة منها ، لما يترجى من دخول غيره في الإسلام) (فتح الباري 7/230)
ليجدد إخواننا وأخواتنا الكرام صلتهم مع الله ، وليبذلوا من كرائم وقتهم لله ، وعندها ستعود الساقية الصغيرة تحمل إلى قلوبهم الري المرة بعد المرة ، وبذلك وحده تورق الأشجار من جديد.

كُتب في كلمة الشهر | التعليقات على حتى تورق الأشجار (كي لا يضيع الحق في بلاد الغربة) – 2006-06-02 مغلقة

مسودة إتحاد العلماء والأئمة والدعاة

إتحاد العلماء والأئمة والدعاة

هذا المشروع قديم وقد أطلعنا عليه بعض العلماء ، ثم علمنا بمحاولات يبذلها غيورون لإيجاد مرجعية شرعية فآثرنا طي ماعندنا كي ندع الفرصة لإخواننا الأفاضل لا ثم عقد منذ فترة وجيزة لقاء حول هذا الموضوع وبعد الاطلاع عليه وجدنا أن مانفكر فيه له أبعاد أخرى نذكرها هنا ونرجو من إخواننا الأفاضل تداول وتدارس هذه المسودة من أجل إنضاج كل مشروع مرجعي للأمة.

 مسودة المشروع :

– اتحاد العلماء والأئمة والدعاة رابطة إسلامية علمية شرعية ناظمة للجسم الديني من أهل السنة والجماعة.

– المرجعية العليا للاتحاد هي القرار الشرعي الصادر عن مجلس الأمناء من خلال فقه الموازنات والمصالح الشرعية المعتمدة على الكتاب والسنة والمصادر الشرعية الأخرى ، ويتخذ مجلس الأمناء قراراته ضمن قناعاته الشرعية بعيداً عن أي وصاية سياسية أو اجتماعية أواقتصادية.

– أعضاء الرابطة هم علماء الدين الإسلامي ، كما يشمل ذلك السادة المفتين وأساتذة ومدرسي العلوم الشرعية في الكليات والمعاهد الشرعية والمساجد ، وخطباء وأئمة المساجد ، وخريجي الكليات والمعاهد الشرعية (ممن اجتازالمرحلة الثانوية وما فوقها) من الإخوة والأخوات ، ولمجلس الأمناء ضم الشخصيات المناسبة الأخرى (مثل أصحاب الأهلية العلمية الشرعية والدعوية ممن لايحققون الصفات السابقة) بقرار منه ، ولاتتوقف العضوية بسبب التقاعد أو السن أو المنع الحكومي أو السفر.

– دمشق الشام هي مقر الرابطة ولها فروع في سائر المحافظات والدول الأخرى بحسب قرار مجلس الأمناء.

 

العضوية في الاتحاد :

– 1- أعضاء مؤسسون : هم الأعضاء الذين يقومون بالعمل في مراحله الأولى ريثما تكتمل الهيئات الشرعية والإدارية (حتى نهاية عام 1426 هـ ) كما يقومون بالإجراءات الرسمية ، ولهم الاستعانة وقبول من يرونه معهم في المرحلة التأسيسية لدعم الاتحاد .

– 2- أعضاء عاملون : هم الأعضاء الذين مضى على انتسابهم عام هجري وقررمجلس الأمناء قبولهم .

– 3- أعضاء مؤازرون : هم الأعضاء الذين لم يمض على انتسابهم عام هجري ،وطلاب الكليات الشرعية الذين لم يجتازوا المرحلة الثانوية الشرعية.

– 4- أعضاء شرف : يختارهم مجلس الأمناء لقيامهم بخدمات عظيمة للقضايا الإسلامية والشرعية.

– 5- أعضاء استشاريون : هم الأعضاء الذين يتولون مناصب أومواقع قد تعرضهم لضغوط وقرارات تتعارض مع توجه الاتحاد ، فعندها يحتفظون بعضويتهم وحقهم في التصويت على المسائل العلمية الشرعية ، دون أن يكون لهم حق التصويت على الأمور الإجرائية والإدارية والتنفيذية ، بل تكون آرائهم في هذه الحال استشارية محضة.

يقبل عضواً كل من أتم ثمانية عشر عاماً هجرياً من الإخوة والأخوات الذين تنطبق عليهم الصفات السابقة وأبدوا استعدادهم للالتزام بقانون الاتحاد.

– يتم إلغاء العضوية في حال طلب العضو أو اتفاق ثلثي مجلس الأمناء على فصله .

 

المنطلقات :

– إن الإسلام أوسع من أية راية حملت من أجله ، وليس الزمان زمان حفظ الطريقة ، بل الزمان زمان حفظ الإيمان ؛ وكثيرون يدخلون الجنة من دون طريقة ، ولكن لا أحد يدخل الجنة من دون إيمان ، وكل عالم مخلص هو قلعة من قلاع الإسلام ؛ نذود عنها ونحتمي بها.

– لا إيمان من دون تضحية وإذا كان العالم يجيب تَقِيَّةً والجاهل يجهل فمتى يتبين الحق؟ وإن التلطف في دعوة الناس إلى الحق، ينبغي أن يكون في الأسلوب الذي يبلِّغ به الداعية، لا في الحقيقة التي يبلّغها.

– من قال هلك الناس فهو أهلكهم ، وفي الأمة خير كثير وفطرة عميقة ، ونرفض الفكر التكفيري الغضوب ، ونعتقد أن الإسلام رسالة هداية للبشرية جميعاً ، كما نرفض الحملات الشرسة على الإسلام حضارة وشريعة وثقافة ، وندعو العلماء إلى إعلان الاستنفار لمواجهة الخطر.

– احترام أصحاب الاختصاص مقصد شرعي ، ولا نهوض للأمة عند تجاوزه .

– المرأة والرجل متساويان في الكرامة الإنسانية ومتكاملان في دروب الحياة وأي إهانة لأحدهما فهي عدوان على تكريم الله لهما.

– لا نرضى الفتنة وحمل السلاح في الأمة الواحدة مهما يكن السبب ، وننبذ الطائفية والعصبية وضيق الأفق ، كما نرفض تحجيم الإسلام وفق أهواء العوام أو الحكام.

– السياسة وسيلة لا غاية ، وعمل الأنبياء هو الهداية ، ونفضل أن يصل الإيمان إلى أصحاب الكراسي ، على أن يصل أصحاب الإيمان إلى الكراسي.

– المطالبة بالحريات العامة في كل بلاد المسلمين ، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ، وإلغاء قوانين الطوارئ والأحكام العرفية والاعتقال التعسفي ، وإلغاء سيطرة الحزب الواحد ، ومحاربة الرشوة والفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي ، وإيقاف نهب أموال الأمة المسلمة ؛ وتذكير الناس بحقوقها ومنها الرعاية الاجتماعية وضمان الشيخوخة والعلاج الطبي ، كل ذلك من صميم الإسلام ، وتجاوزه هو زراية بالدين واستغباء للناس وتلاعب بهم.

– تحرير الأمة المسلمة من كل أنواع الهيمنة فريضة لازمة ، وكل جيش احتلال في بلاد المسلمين فيجب أن يدمر أو يزول.

– محاربة جنون التسلح والتجارب النووية ، وإيقاف التلوث والحفاظ على البيئة وتوازنها ، ومنع انتشار المخدرات ، وضبط الجشع الاستهلاكي ، وأمثالها فروض حضارية ، ومحور أساس في عالمية الإسلام وشموله .

– فقدان المرجعية والتأزمات الأخلاقية وضياع الهوية وزيادة الجفاف الروحي ، أمراض قاتلة للفرد والجماعة ، ولايمكن للعلماء والدعاة تقديم إسهام فيها من دون فكر تغييري شامل ، يتجاوز المحلية والنظرة الجزئية.

15- الرسالة الخاتمة تسع الزمان والمكان ، ولا تضيق عن شعوب الأرض ، والأصل في العلاقة مع مختلف الأمم والشعوب ينطلق من فكر الهداية والبحث عن الحق ، لا فكر الحرب والإلغاء والتدمير، وإن التواصل مع البشر جميعاً لمن أعظم مهمات العالم (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

16- لا يمكن للعالم أن يعطي الحرية لأحد ، قبل أن يكون هو حراً وناجياً من الأسر والوصاية والاحتواء.

الأهداف :

1- رفع كفاءة حملة الإسلام علماً وخلقاً وفكراً وثقافة بما يليق بمستوى الرسالة الخاتمة ، وتأسيس الروابط والجمعيات والمدارس التي تقوم بذلك ، والقيام بدورات مكثفة في العلوم الشرعية والإنسانية التي ترفع سوية العلماء والدعاة.

2- تمتين الإيمان في النفوس والحث على العبادة الشاملة وإعطاء قدوة صالحة للمجتمع وإمداده بعوامل التوازن والترابط ،والإصلاح بين الناس وبث كل خلق كريم بينهم.

3- إجراء الدراسات ، والتنسيق حول أوضاع الدعوة الإسلامية ومقتضيات القيام بها ، وتنشيط الخطاب الديني الإيجابي عبر وسائل الاتصال.

4- التواصل والتآخي والتحاور بين العلماء المسلمين من كافة المدارس الفقهية والفكرية .

5- إقامة مرجعية فقهية تعيش واقع الناس وتقدم الفتاوى الشرعية المحكمة وإعلان الموقف الشرعي الدقيق والجماعي حول المستجدات الهامة.

6- التفعيل الإيجابي لدور المرجعيات الدينية في الحياة الاجتماعية ، والمشاركة في عمليات التنمية والنهوض الحضاري للأمة.

7- الدخول في الحوار البناء والإيجابي مع كافة الأطراف الاجتماعية والعرقية والسياسية لمنع الخطر المحتمل على البلاد والمنطقة ، وزرع المحاكمات السليمة والوعي الشامل لدرء الفتن الطائفية والعرقية ، ونشر السلم الأهلي وفقه التسامح بين كافة أطراف المجتمع.

8- تقديم المشورة إلى الجهات العامة حول مايخص الجسم الديني في سورية ، وحل أي إشكال بين الجهات الرسمية وأي طرف ينتسب إلى الإسلام ، ومعالجة التطرف والتعصب عبر قنوات الحوار والإقناع بعيداً عن الإكراه والضغط.

9- التوصل مع الجاليات السورية في كل العالم وإرسال العلماء والدعاة لتفقدهم وتلبية حاجاتهم الدينية ، والحرص على تمتين اللغة العربية وزيادة ربطهم بوطنهم الأم.

10- المشاركة الفعالة في المؤتمرات الدولية وتقديم الخطاب الحضاري الإسلامي ، وشرح المواقف الوطنية ، وتمتين الصلة مع كافة الجهات الإسلامية في العالم.

11- المشاركة في الحوار العالمي حول الدين والثقافة والحضارة وطرح وجهة النظر الإسلامية ومد الجسور مع كافة الأفراد والمؤسسات المتوخية لصلاح الإنسان.

12- إنشاء مراكز دراسات متطورة وتقديم الأبحاث حول الواقع الإسلامي المعاصرأو الإشكاليات التاريخية والحضارية .

14- بناء وتمتين الفقه الاجتماعي لحقوق الإنسان وكرامته ، والدفاع عن العلماء والدعاة الذين يتعرضون للغبن والظلم.

15- تشجيع النابهين من العلماء والدعاة وتوفير المنح اللازمة وتكريم المستحقين منهم.

 

– يؤسس وقف إسلامي خاص للإنفاق على الاتحاد ، ويقبل مشاركة أي فرد أو جهة إسلامية فيه ، ويعتذر الاتحاد عن قبول أي مشاركة مالية من كافة الحكومات والسفارات والجهات الرسمية.

– تقام انتخابات يشارك فيها كافة الأعضاء لاختيار مجلس للشورى ، والذي يتكون من ثلاثين عضواً من العلماء.

– ينتخب مجلس الشورى منه سبع أعضاء كأعضاء تنفيذيين (مجلس الأمناء).

– يختار مجلس الأمناء أمينا عاماً له (أمين العلماء).

– مجلس الأمناء هو أعلى هيئة في الاتحاد ، ويتخذ قراراته الشرعية بناء على قناعات أعضائه بعد البحث والتشاور مع مجلس الشورى ، ويعتبر إجماع مجلس الشورى ملزماً لمجلس الأمناء ، أما في حال عدم الإجماع فلا يكون القرار ملزماً ، وتصدر الفتاوى مرفقة برأي كل عضو من أعضاء مجلس الأمناء في حال تباين الآراء ، أما القرارات الإدارية فتتخذ اعتماداً على الأغلبية المطلقة لمجلس الأمناء.

كتب هذه المسودة : أحمد معاذ الخطيب الحسني / خطيب جامع بني أمية الكبير سابقاً

دمشق 1425 هـ

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على مسودة إتحاد العلماء والأئمة والدعاة مغلقة

العلامة المفكر الإسلامي أحمد مظهر العظمة

العلامة المفكر الإسلامي أحمد مظهر العظمة

الوزير الراحل

العلامة والأديب

أحمد مظهر العظمة

1909-1982

بقلم: الأستاذ الموسوعي حسّان الكاتب

 

نشر هذا المقال في مجلة العرفان عام 1977م إثر لقاء الأستاذ حسان الكاتب مع العلاّمة أحمد مظهر العظمة قبل رحيله عن هذه الدنيا الفانية في أواخر عام 1982 رحمه الله تعالى، وقد قررت مجلة جمعية التمدن الإسلامي نشر ذلك المقال في كتاب كانت ستصدره عن حياة الأستاذ العظمة منذ ربع قرن ( ولم يصدر الكتاب حتى الآن!) ويقول الأستاذ الكاتب أن المقال حصلت فيه تعديلات طفيفة وتم إعداده باطلاع الأستاذ العظمة حرصاً على الأمانة في الرواية التاريخية والأدبية.

وقد تم فيه الحديث عن (أسرة آل العظمة – حياة الأستاذ العظمة – نثره – شعره – فنُّه – أعماله ومناصبه – مؤلفاته).

 

أسرة آل العظمة:

ينتمي الأستاذ أحمد مظهر العظمة إلى أسرة دمشقية عريقة، استوطنتها واستعربت منذ أربعة قرون، شأن معظم الأسر العريقة فيها. يرجع نسبها إلى التركمان، وهم فرع من الترك. وأول من عرف منها (حسن بك تركمان) المتوفى عام 1040 هـ وقد اشتهر بلقبه التركي كميكلي أي العظمي، قدم دمشق من (قونية) التركية في أوائل القرن الحادي عشر الهجري معيناً بوظيفة (كتخذا) أي زعيم الجند الوطني، وبنى في موقع باب المصلى بدمشق داراً له كانت حينئذ أكبر دورها، ثم بنى دوراً لأولاده وأنسبائه حتى كان من ذلك حي واسع عرف بحارة التركمان، وقد احترقت خلال فتنة الوالي ابراهيم باشا الدالاتي الكردي سنة (1202)هجري وأنشئ محلها زقاق الموصلي.

 

رزق حسن بك بمحمد بك الكبير، وموسى باشا، وقد ولي محمد بك الكبير كأبيه زعامة الجند، وولي موسى باشا زعامة الجند أيضاً كأخيه و أبيه. ونبغ من أولاده حسين بك المتوفى سنة 1132 هـ الموافقة لسنة 1719م وكان أميراً سخياً ذا فضل وشعر وكتابة.

 

وقد حصلت نكبة أصابت هذه الأسرة فقتل من قتل من رجالها، وآثرت البقية الباقية العزلة حيناً إلى أن نشأ منها اسماعيل باشا المتوفى سنة 1210هـ الموافقة لسنة 1795م وهو ابن محمد بن حمدان التركماني، الشهير بالعظمة، وصار نائب (كتخذا) ايالة الشام، وأعقب ولدين هما ابراهيم ومحمد بك .. (انتهى ما ذكره لي الأستاذ العظمة عن أصل أسرة آل العظمة).

 

نبذة عن حياة الأستاذ العظمة:

كانت ولادته في حي ساروجا بدمشق صباح 6/4/1327 هـ الموافق 17/5/1909م، توفي والده أحمد بك سنة 1336 هـ الموافقة لسنة 1917م وكان في نحو الثامنة من العمر، حافظاً للقرآن الكريم ومزارعاً ووجيهاً ومتحدثاً فاضلاً، فذاق بوفاته اليتم المبكر، وعاش في كنف والدته الحسيبة الحنون السيدة زينب السفرجلاني بنت السيد أحمد السفرجلاني مؤلف ( السفينة الموسيقية) وبرعاية أخ له وفي هو عبد القادر بك.

 

أدرك عهد الكتَّاب وختم فيه تلاوة القرآن الكريم الأولى، وأنهى الدراسة الابتدائية في مدرسة حي البحصة ( المدرسة الرشدية سابقاً) ثم الدراسة الثانوية في مدرسة التجهيز ( مكتب عنبر) وحصل على شهادة التحصيل الثانوي (البكالوريا الثانية، شعبة فلسفة) عام 1932 م ثم انتسب إلى معهد الحقوق وإلى مدرسة الأدب العليا (كلية الآداب) في الجامعة السورية وتخرج فيها عام 1935م.

 

تزوج من السيدة مؤمنة ابنة التاجر الدمشقي السيد محمد صالح عودة بتاريخ 15/12/1940 ورزق منها خمسة أولاد هم: نائلة ولميس وأحمد غياث وهو حالياً مهندس نسيج ومحمد إياد وهو حالياً طبيب بدمشق ونهى.

 

تأثرت ثقافته الأدبية والعلمية والاجتماعية بدراسة الأدب الفرنسي خلال الدراسة الثانوية، كما تأثرت برحلاته شرقاً وغرباً.

 

دعا إلى تأسيس جمعية التمدن الإسلامي بدمشق عام 1350هـ ـ 1932م، وألقى باسمها عام 1351هجري أولى محاضراته في قاعة المجتع العلمي العربي بمناسبة ذكرى المولد النبوي، وبقي أميناً لسرها حتى توفي آخر رؤسائها العالم القاضي الجليل الشيخ محمد حسن الشطي عام 1383 هـ ـ 1962م فانتخب الأستاذ العظمة رئيساً لها، وقد كان ينهض في الحالتين بمعظم أعمالها، ومنها رئاسة تحرير مجلتها التي تطوع لها منذ اصدارها في ربيع الأول من عام 1354هـ ـ نيسان 1935م حتى وفاته.

 

وتعاون وبعض العاملين في جمعيات أخرى، ومن ذلك عمله في المؤتمر الكبير لنصرة الجزائر الذي دعت إليه جمعية أنصار المغرب العربي بالاتفاق مع رابطة العلماء، وقد انتخب أميناً عاماً للمؤتمر في دورته عام 1370هـ ـ 1960م وقد صدرت عن المؤتمر مقررات هامة في حينه منها الدعوة إلى تأليف حكومة جزائرية.

 

سافر إلى لبنان للنزهة، وإلى العراق مدرساً، وإلى مكة المكرَّمة والمدينة المنورة حاجاً عام 1363هـ ـ 1943م وإلى بلجيكا موفداً من وزارة التربية والتعليم عام 1950 للاشتراك في دورة تدريبية دعت إليها منظمة الأونيسكو العالمية للعمل المشترك في سبيل السلام بواسطة الكتب المدرسية وغيرها وللتفاهم بين الدول بالقدر المستطاع، وسافر إلى فرنسا وهولندا وانكلترا سائحاً، وإلى مصر عام 1957م عضواً في وفد الوحدة الثقافية.

دعي في عام 1950م إلى عضوية المجمع الاسلامي الدولي للعلوم والآداب في بولونيا.

كما دعي عام 1951م لعضوية المجمع العلمي لحوض البحر الأبيض المتوسط في (بالرمو).

 

نثر الأستاذ العظمة:

الأستاذ العظمة كاتب كبير سخّر أدبه للعلم والاصلاح منذ أول عهده بالتأليف وكتابة المقالات في مجلة التمدن الإسلامي التي رئس تحريرها لمدة نيف وأربعين عاماً وفي غيرها من المجلات والصحف العديدة.

كتب في التفسير والسنة والعقيدة والعبادة والمعاملة والأخلاق والتشريع والتربية والحضارة والمدنية والعلم والثقافة والمجتمع والتراجم والخطابة.

وهو يرى أن الأمة بحاجة إلى أدب الإصلاح، وكان يحمل على أدب المتعة واللهو ومن قوله رداً لزعم أدباء اللهو والمتعة: (المطلوب من الأديب إن ذهب هذا المذهب أو ذاك أن يثبت أن الأدب صدى الجمال بألفاظه المختارة وجمله الفنية وأسلوبه الأخاذ يوحي ذلك كله ذوق رفيع وطبع متمكن، فيعمل في النفوس عمله، فإذا بالآذان والقلوب تسموه ـ ولو كان في موضوع اجتماعي ـ فتهتز له أو قل به كما تطرب بتغريد البلبل، وتسر بخرير الجدول، وتأنس بساعة الفجر، ونشوة النصر، وفرحة اللقاء.. إن الأدب لا يحرص كل الحرص على موضوع دون موضوع ـ وإن كان ألصق ببعض الموضوعات… ولكنه يحرص على الفن البياني الجميل ذي القوة الأخاذة التي لا يملك مثلها الكلام العادي، لأن هذا الكلام للتفاهم الضروري، والكلام الأدبي وسيلة تعبير رفيع إن كان أدباً صرفاً، أو وسيلة تأثير قوي إن كان أدباً تطبيقياً..)

ويتميز أسلوبه بالجزالة والإيجاز مع صناعة محمودة لا إسراف فيها ولا تكلف، ويبدو ذلك في كثير مما يصفه مجملاً في مقدمات مجلة التمدن الإسلامي. ففي مقالة نشرها إثر وفاة الأمير خالد الجزائري بتاريخ 11/10/1354هـ ـ 1935م وهو حفيد المجاهد عبد القادر الجزائري الحسني يقول: … لم أكن للأمير قريباً أو حميماً فاكتب عنه ملياً، وإنما كنت له على بعد وانقطاع صديقاً وفياً. منذ كتب في إحدى الصحف عن أحد الأعاجم من ذوي الدخلة الخبيثة للشريعة السمحة، مقالاً أصاب به عن غير علم ولا هدي، كرامة الرسول العربي صلى الله عليه وسلم فإذا الأمير يضج ضجيج ذي دنف من ألمه، ويهب هبوب الأسد بوغت في عرينه، ويلسنه قولها البراز البراز، بالسلاح الذي تختاره، أو اعتذرت واستغفرت..؟ فكانت صيحة بطل تناقلتها الصحف والجماعات الغضبى، أعقبها غسل العار، واعتذار واستغفار.

وكتبت – وكتب الناس – إلى الأمير أشكره على الغيرة والمروءة، فأجابني : (لم أفعل إلاّ واجبي الديني، أشكركم على مؤازرتكم وحميتكم).

وقد زاد عن الإسلام في مواقف يستحق بها أن يكون في التاريخ من الخالدين. وساعده في جهاده أن كان لسناً باللغة الفرنسية، تحسبه وهو يخطب (ميرابو) خطيب الثورة الفرنسية.

وللأستاذ العظمة أسلوب علمي رقيق دقيق، رشيق الألفاظ، لين الجمل، سهل العبارات، مشرق المعاني، بعيد عن المحسنات اللفظية، إلا ما سقط منها عفواً في مواضعه. وهو يعتمد على هذا الأسلوب في معرض البحث والتفصيل والتحقيق.

فما قاله في أهم مزايا الحضارة الإسلامية:

(شمولها نواحي الحضارة جميعاً، خلافاً لما هي عليه حضارات الأمم، فحضارة اليونانيين الأثليين فلسفية فنية، والأسبارطيين مدنية جندية والرومان اشتراكية وحربية، والفرس صناعية وفنية، والهند فلسفية روحية. أما الحضارة الإسلامية فهي روحية وخلقية واشتراكية وأدبية وفلسفية وعلمية وعملية..)

وأكثر مؤلفات الأستاذ العظمة ومقالاته في المجلات والصحف كتبها بأسلوبه العلمي اغتناماً للوقت، ومراعاة للبحث وزيادة في السهولة. أما خطبه، فقد قواها التدريس، والعمل في التمدن الإسلامي والتنقل من بعد الترشيح للنيابة في أحياء دمشق وغوطتها عام 1947م وارتجاله الخطب السياسية والاجتماعية التوجيهية التي وصلت بينه وبين الجماهير، فجاءت خطبه سهلة واضحة قصيرة الجمل والعبارات قوية الفواصل، عميقة الأثر، وكثيراً ما أطال فيها مراعاة لمقتضى الحال مع فصاحة قول وتدفق بيان وقوة استشهاد.

ومن خطبه التي ارتجلها كانت بمناسبة افتتاح مدرسة التمدن الإسلامي الثانوية بصفته مديرها آنذاك عام 1364 هجري 1944م قوله:

(… هذا اليوم من أيام الله له ما بعد، إنه يوم مدرسة الوطن وليدة الضرورة المبرمة التي كان بعض الناس في شك منها، ثم آمنوا بها جميعاً حين وقعت الواقعة، فشارك أساتذة المدارس الفرنسية زبانية العدوان الأثيم فأصلونا حميماً وباروداً، أزهق النفوس البريئة، وهدم المساكن الآمنة، حتى اهتز الثقلان على ما أصابنا من ظلم لا يرحم، واستعباد لا يألم، ووحشية لا تستغني عن قرونها، وأنيابها وأظافرها…) إلخ.

 

شعر الأستاذ العظمة:

شعره يتميز بصدق عاطفته، وينم عن سموٍّ في نفسه ورهافة في حسّه، ونبل في غايته. نظم الشعر الكثير في أغراض شتى كما سنبين فيما يلي، ولم يقل ولو بيتاً واحداً فيما لا يؤمن به، ولا فيما لا غناء للمجتمع به.

ونلاحظ في شعره أسلوباً عربياً أصيلاً .. أصالة في الكلمة الفصيحة، وأصالة في النسج العربي، فهو جزل الألفاظ محكم بالبناء، مشرق الديباجة، لا لغو فيه ولا قلق، ولا اغراق في خيال يجعله كالأساطير، ولا إسراف في تزيينه، كدمى الأطفال.

وشاعرنا ليس شاعر المناسبات وحوليات يقتصر عليها، كلا، فهو كالمرآة تتجلى فيها المرئيات، تثبت فيها المروميات.. فهو يعلم أن الشعر من الشعور، وليس لهذا خيار، إذا كان مرهفاً في تقبل الإلهام أو تركه، إلاَّ إذا كان وسوسة تخالف سيرته وإباءه.

قال في مقدمة ديوانه دعوة المجد (..لكن الإجارة في القريض لا تكون إلاّ بعد معاناة من اللسان والجنان والوجدان، حتى يحسن صاحبها التعبير عن خفقة القلب، وجولة الفكر، وهمسة الخاطر، ورجفة الأنين، وحرارة الحنين، وألوان النظرة، ونجوى الزهرة، ورقصة الفنن ، وبسمة الشعاع، وزينة السماء، وبكاء الطلل، وغضب العاصفة، ووحي الهداية..).

هذا الإحساس الشامل ذلك له عقبات التعبير عن المعاني الصعبة، من عالم النفس والفكر والقلب، انظر إليه كيف عبَّر بدقة عن معنى الشعور بما لا يراه الناس وهم عنه غافلون:

 

أرى لعينــي عيناً فهي تبصر ما ينكر الناس في الأشـكال والسير

إـني أرى أكثر الأشياء تدهشني والناس من حولها كالغافل الحجر

وكم أرى الحسن فـي شيء يمر به أهل العقول مرور الصخر بالبشر

وقد أمــرّ بـنفسي وهي في دعة فالحـــظ العالم الموّار بالصور

هــذي تروح وذي تغدو مسـيرة بقدرة تعــجز العالين في العصر

 

 

وهكذا يعيش مع العالم الملئء بالصور والناس يمروّن عليها تصحبهم الغفلة، وبعض ذلك في الماضي الذي يبعثه الشاعر ويعيش فيه:

 

في رجعة من رحاب الدهر مـضية ومـرتع في ربا الأحداث والأثر

كـان أمس حـياة الدهر مـجتمع في ساحة العمر بالتاريخ والعبر

 

وبهذه الدقة والإبداع يمضي الشاعر الكبير حتى يستكمل وصفه لما يشعر به، فيكون من قوله لنفسه:

 

فأنـت فـي جسد والكـون يسكنه كـأنك البحــر والأيـام كالدرر

 

وقد تكون الصورة (لقطة) سريعة، ولكنها لا يفلتها، بل يدعو الخيال لوصفها وأخذ العبرة منها، كما نجد ذلك في قصيدته (نجدة الحمائم) وهي قصة شعرية رائعة في سبعة وعشرين بيتاً، والقصة هي رؤية الشاعر حمامة وقفت على قفص عصفورة، فتخيل حواراً بين سجينة، وحرّة من الطيّر ذهبت لتنجدها الحمائم، فأبطات، فماتت العصفورة التي تركت أثراً دامياً وهي تحاول كسر الحديد بمنقارها. قال شاعرنا العظمة في آخر قصيدته هذه:

هبّ الطيور لنجـدة ودنوا من السجـن اللعين

فــإذا السجينة ميتة من حولها دمــها المبين

قد حاولت ليَّا لقفص بأن فما أجــدت ظنون

ورمـى الحديد ببأسه منقارهــا الدامي المتين

أين الحمائم؟ لم أجد هــا منجدات، أين، أين

من رام إنـجاداً فلا يبطئ، فقد يقضي الحزين

 

في ديواني الشاعر العظمة ابتهالات إلهية ومدائح نبوية أجمل من العرائس الحسان، كأنهن حور الجنان، في الصفحات (5 ـ 29) من ديوانه الأول دعوة المجد وفي الصفحات (5 ـ 29) من ديوانه الثاني نفحات يصحب ذلك وعي ومعرفة، ومن ذلك قوله في قصيدة (تسبيح الخلائق) إذ يقول فيها:

ومن عجب أن الطبيعة كلها ذواكــر الله الـعظيم خـواشع

وقد زادنا هذا الفضاء وما به عجـائب تقـدير لـرب يـطلع

وقد أمسك الرحمن كلا بقدرة لها الحمم والتمجيد والعلم يسطع

فسبحانك اللهم مجدك جامع وكل قلوب الكون نشوى تضرع

ومن ذلك أيضاً قوله بعنوان صلوات :

وكل خلية مني صــلاة لرب الناس رب العالمينا

فجسمي مسجد وتعج فيه مـلايين العباد الذاكرينا

وقوله في قصيدة ذكرى المولد النبوي مفتخراً بعروبته ومعتزاً بهدايته:

قلت للبيد في الحجيج وصدري خـافـق الوجـد منشـد بـسام

والصحارى وما أعز الصحارى من ظلال الأمجاد وهـي تـرام

إن هـذا الثـرى لينبت شيـماً وخـزامى طـابت بـه الأيـام

وأقام البـيـان والقـمر الوسـ ـنان والـريـم والمها والنعام

كيف أضحى للنور يمـرح فيه كيف أمسـى ومـجده الأعظام

ما الذي هـز تـربه فـأذاها تـنبت الفـاتحين وهـي عقام

خـالد مـنهم وسعد وعمـرو وعـبـيد وعـامـر وأسـام

وقوله في قصيدة بعنوان حجيج البيت يبعث فيها الماضي وشعوره ببراعة وجمال:

هنا الخيل، هنا الهادي الرسول، هنا صديقه، وهنا الأبطال والعظم

أني سريت أرى ذكـرى أسامـرها أرى نضالاً وثغر المجد يبتسم

يا قلـب كـم كنت تزجيني وتنهلني وأنت نشزان والتاريخ مرتسم

يا عين كم كنت في الماضي ونشوته جوالة في رحاب فضلها عمم

تزيني من عــلا الأمجـاد أمـكنة تشع نوراً وأقـطار الدنا ظلم

قـد كنت أسمعها أم كنـت ألمسـها كــأنني شاهد لو أنني القدم

أن ضقت ذرعاً رجعت القهقرى أملاً فسرني النيران: البيت والحرم

وجلت في مـهبط الأنـوار ساطعة وعـدت مبتسماً بالحق أأتم

 

وفي ديواني الشاعر حكم كثيرة وعظات غزيرة انتشرت بين قصائد شتى من ذلك قوله في آخر قصيدة العلم:

يا زمان الكهوف كنت صـبياً آثـرانا قتد اخـتلفنا مآلاً

قد ننال النجوم يوماً وتفـضي عن نجوم في ذاتنا تتلالا

شغلتـنا لـذائذ العصر عنها أترانا تبقى الزمان كسالى

 

وللأستاذ الشاعر قصائد روائع غرَّ في الوطن والمجتمع وتاريخ الأبطال في ديوانيه الشعريين.

وقد ربط سعادته بسعادة وطنه وهدايته، إذ يقول بعنوان وطني :

وطني سعدت إذا سعدت فهل ترى روحي المحبة قلبها بساماً

قد طال ليلي فـي هوانك باكياً حـتى غـدا حـكم العدا أحلاماً

وعـلت ربـوعك عزة بسامة لعـلاك يا وطـني محالا سقاماً

لـكن آثـام الدخـيل تـمردت وتجـاذبت زمراً تـرى الأوهاماً

فغدا الحكم يراك تجبتنب الهدى بـدل الـهوى، فـتزيد إيـلاماً

فتكاد تذهب نفـسه ألـماً وما تصغي إلى النصح شكا الآثامـاً

ولربما اتهموه عـدوانا ومـا زادوه إلاَّ جـرأة و كـلامــاً

ولربما أضحى غـريباً فـيهم رأيــاً وخـطاً عابساً ومراما

وطني سعدت إذا رأيتك باسماً ترجو الرشاد وتهجر الأصناما

 

ويتغنى الشاعر بوطنه ويذكر بالمجد والبأس فيقول:

بشراك يا وطني فـمجدك شامخ أبـداً ولـيثك داـئماً متقدام

وعناية الرحمــن حولك أعين والحق في حرم البلاد إمـام

نصب الفرنسيس اللئام شراكهم فـرمتهم فـإذا هـم أنـعام

لا تخـدعنك يا جـبان متدافع فعليك جئت شواظها الغـلام

العدل دمَّر ما بنيـت، وربـما هدمت حصون الظالم الأقلام

والحق يهزأ بالحديد ويزدري شـم الحصون وأهلها ظلام

 

وقد وضع الشاعر أول نشيد للطيران السوري في عام 1366 هـ الموافق 1949م إذ يقول فيه:

عشقنا الحياة بأوج العلاء فطرنـا وشـدنا تخوم السمـاء

فغـردت الشـمس بـسّامة لمن عزمهم كاد يغزو الفضـاء

وهز الشام بلوغ الشهب

فهـذي السماء غدت موطناً يحــلق فيـها شباب المضـاء

فيـا جـو بشراك إن الـذي غزاك الهدى وانـهى والوفـاء

فأكرم بصقر العلا و الأدب

فيا حـرم الـوطـن المفتدى سـماء حـينا وأرضـاً ومـاء

ستـلـقى جـنودك ما مثلهم سوى الليث يحمي عرين الرجاء

هداة أباة حماة العرب

 

ويقول في مطلع قصيدة طويلة رصينة بعنوان ذكرى الشهداء :

أبى المجد عونا ما خلا الحق والعضبا فأصبح يهوى مشرق العلم والحربا

كذلك كـان العرب سيـفاً ومشعـلاً فمن لم يكن شبلاً فما عرف العرب

فما همة النور الذي فـضـض الدنا بأرفع شأناً حـينما انتشروا شهبـاً

 

إلى أن يقول مذكراً بإعداد القوة:

ومن ظن أن الشم تندك بالحصـى إذا حصيت، فالحق أفقده اللب[ـا

نهاب الجبال الراسيـات بنظـرة فكيف إذا ثارت براكينها ضربـاً

ويخشى الجبان السيف وهو يغمده فكيف إذا سل الشجاع له غضبـاً

ومن هادن الأبطـال غـدراَ فإنه سيحصد مكراً لا يقم له جنبــاً

فوا شوق نفسـي للرجـال كأنهم جبال فما تنفك تستصغر الحصبا

وواشوق نفـسي للسـيوف كأنها حتوف فما تنفك تستسهل الصعبا

 

ويرحب في حفلة بأشبال الجهاد المتطوعين، ويحمل على وعود الغرب السياسة فيقول من قصيدة بلغت تسعة وثلاثين بيتا.

في الأمس قد خان العهود ومارعى (حسينا) ولا ألفى ضميـراً يعاتبــه

فجـاس (النبي) دار مـجد مـحرد وأعـلن نـصراً ظـفره ومـخالبه

وأعلن (بلـفور) الخديـعة وعـده (فصهيون) منها وهي غضبى تحاسبه

رويدك يا مـجزي اللئـام بـوعده فمن مـاله يعـطي جـواد وكـاتبه

 

إلى أن قال:

قـد ضـج مـنهم كل شـعب وأمـة فألــقتهم ركلأ وصفقاً تجاربه

أمسـكم يا مجـلس الأمـة لــوثة أم الأصفر الرنان تغري كواكبه

فـلسطـين قلـب للعروبـة نـابض وأن الـردى بعد اقتسام لصاحبه

وهيهات أن يحظى العدا بسوى الردى فحظهم مـن القب عرب نوائبه

تهاب سيوف النـصر وهي ضجيعة فكيف إذا ثـارت وسارت كتائبه

 

وقال في قصيدة رائعة صارخة وكانت الحفلة التي أنشدت فيها تحت رعاية وزير المعارف الأستاذ خليل مردم بك مذكراً وموجهاً:

يا وزير العلياء يا شاعر الشـ ـام المرجى يراعه وجـنانه

يا خليلاً رعيــت جيلاً جليلاً يبتغي المجد مشرقاً قـرآنـه

عربياً لا أعجـمياً ولـكـن تـتجلـى أخـلاقـه وبيـانه

يتباهى بـخـالد وبسـعـد وصــلاح مـيزانه مـيزانه

ويقيم الصـلاة شكـراً لمولا ـه ويلـقـاه بـرهـم أخوانه

 

وعرَّض بخيانة الخائنين وإهمال المهملين فقال مخاطباً أمته:

إيه يا أمتي ويا نبض قلبـي كـم ظـلوم مـجرب طغيانه

يدعي ثم يعتلي ثم يـشكـو شعـب هـم أمـضه تأنانـه

يكتفي بادعاء مجد عظيـم ليس يدري ما ركنه ما جمانه

لا ترجى عروبة تتجافـى عن علا رصيـنـة أركـانه

 

ومن قول الأستاذ العظمة إذ ولي وزارة الزراعة:

ضـل يا نفـس جهـول حسب الحــكم تجــارة

إنـما الحـكم جـهـاد وإبــــاء وحــرارة

اذكــري الفــاروق عـــدلاً بـم يهتم نهاره

 

ولشاعرنا الكبير في وصف الأشياء المادية والمعاني المجردة آيات بديعة بعد انعكاس صورها في نفسه الصافية الواعية، فاسمعه وهو يقول في قصيدته (قلبي) وهي واحد وعشرون بيتاً :

عاش فيه الأسى فكان لسانه وقلوب الشباب تهوى لبانه

ليس مثل القلوب يشدو طروباً وزمان الأحزان ليس زمانه

 

ولم هذا الأسى ..؟ لأن الحياة تؤلمه بما يحلُّ فيها وهو يعشق الكمال والمجد :

هازئ بالحياة وهي خضوع ودموع وخـدعة ومجانه

عاشق والكمال خير غوانيــ ـه وغيد الفساد لسن حسانـه

مولع بالمآثر الغــر والسـؤ دد والعلم، والعلا والصيانــة

مغرم بالخيام وهــي بيـان وسخـاء وعـزة وأمـانــة

مغرم بالسيف يلمعن في الفتـ ـح وراء الهدى لتعلي شـأنه

 

وفي خطابه لنفسه يقول:

يــا نـفس يـا لغز الحيـا ة، ومـنبع العـجب الكـبير

اقنعت بالعيش المنغص وكـنت فـي عـيش نـضير

 

وفي وصف خيال يقول :

جاء في مسرح الزمان القديـم جولة الحـاذق اللبيـب الحكيم

ورأى عيشه سعـوداً ونـحساً حول تلك الصوى وقصر سليم

وسعى في مسارح العصر برقاً في الدجى فوق ماجن وظلـوم

ثم راح الخيال يعرج في الجـو إلـى عـالم السمـو العظـيم

مـثله النـسر قـوة ورجـاء في رحاب الفضاء بيـن النجوم

 

وفي قصيدته في وصف البحر يقول :

أيها البحر الذي يهوى الطمـاح وتوازيه الــسموات الفساح

ويسـير الطـرف فـي آلائـه ثم لا ينفك فـي بعض النواح

ويـطير الـقلب مشـفوقاً بـه وهـو حسـن وجلال وكفاح

وصبـاح الشـمس بسـام لـه ومساها خاشـع حتى الرواح

 

وفي وصف سفح جبل قاسيون المشرف على دمشق يقول من قصيدة:

غبــط السـماء ولـيلـها جـبل هـواه جــمالهــا

تـلـك الـنجـوم الساطعا ت كـأنــهــا آمـالهـا

نثــرت عليـها مـثلمـا نـثر الفـضائــل آلـهـا

والـلؤلـؤ الـمنشـــور فــي أفـوافـه أمـثالهـا

 

وفي خضرة الربيع يقول:

ابتسام الربيع فضضت صبا حي وذهبت في الأصيل مسائي

ووهبت الخيال في الفجر آيا كــلما رتـلت أعادت صفائي

داعبتين الصبا وماجت بأطيا ف الطاف من المعاني توضأء

 

(ويشخص) النبات ويقول بعنوان حديث وردة :

ووردة حــدثـتـنــي عــند الصـباح الــجميل

قـالـت ودـمع أسـاهـا فـي جـفن عـين كحــيل

بـعدت عــن ورد داري فيـا لــرزئي الـجـليـل

وهـاج دمــعـي لمــا لـمـست مـعنـى الأفـول

فــقلت يـا ورد صـبراً فـأنـت حـقـاً مـثلـي

قالت فـأنت لـــوصلي وإنـنـي للذبـــــول

 

ويضيق الشاعر ذرعاً بعالم الزور والبهتان، ويأنس بعالم الرياض ويقول فيه من قصيدة بعنوان عالم الرياض :

رفت الأرض في بدائعها الخضـ ـر وغنى الأغصان للأفنان

وشدت كــل زهـرة بنشيــد والنسيم الرقيـق كالزعفران

كل أخـت تحيـس تيهـاً بأخت وتشيع الوفاء فـي كـل آن

 

إلى أن يقول في عظته للناس:

أيهــا الناس خففوا من عناء وعــناد ومــطمع وتفاني

أنـتم إخـوة فكونـوا سلامـاً ووئاماً يـطيب كالريحــان

وعصي الآمال بالرفق يـعطي حين يصفوا الإنسان للإنسـان

 

وفي حكاية وصف آثار مضى في لوحات روائع يقول:

وشيخ جليل القدر ذاك أبو العهـد ومن حوله الأفكار وهي قصائد

يحاكم ظلامــها يهدون أمسـه ومن خبثهـم قامت تحاك مكائد

 

وشبيه قوله هذا بوصف مفن آخر غربي:

إيه (للاحويدن) في إبداعـه ذلك الرسـم بالهـام عجيب

إنه دعــي من الفـن الذي يحبط الناظر في شك مريب

قال لي خلي وقـد أبصـره دلني أي المثالين القـريـب

حسب الألوان في إبداعها .. أفقاً حقاً، وكم من مستريـب

هـكذا الفـن إذا خالطــه ذلك الإلهام و السحر المهيب

 

ومما قاله في التلفاز:

ما أحيـلاه للهمـوم طروبـاً مـا أحيلاه ناصحـاً وشفيعاً

النهـى والمنـى تطوف تباعاً ثم تطوى وكم تعود رجوعـاً

وتجـوب الدنـا وأنـت مقيم وتروم العلا وتلقى الجموعـا

ولو أن المبصار صانوه حقـاً لتسـامى فمـا يكـون خليعاً

وغداً منبراً وأمسى رياضــاً وتغنـى وظـل دومـاً رفيعاً

أبهذا العلم الدؤوب الليالــي والكسول النؤوم يحيا وضيعاً

أنت شمس تنير درب المعالي وتناجي العلا وتزجى القطيعاً

ضل سعي الجناة عاثوا فساداً باسم علم ما كان يوماً فظيعاً

 

وقد استغرق الوصف في ديوان نفحات أربعاً وثلاثين صفحة (37 – 110) وصف فيها دمشق وغوطتها وجملة من مصايفها وبعض الحدائق والبحر وجملة من المخترعات الحديثة. وفيه تسجيلات وتعليقات وصرخات من آلام وآمال بعد وقائع وأحداث في الوطن العربي والإسلامي في الصفحات ( 53 و60 و63 إلخ ) وفي ديوانه الأول دعوة المجد في الصفحات (35 . 62) إشادة بذكر أبطال وعظماء، خالد بن الوليد وطارق بن زياد وعمر بن عبد العزيز وصلاح الدين الأيوبي… وغيرهم قديمأً وحديثاً. ومن ذلك قوله من قصيدة عمر بن عبد العزيز في ديوانه دعوة المجد :

إن السـلام الذي قد كنت تنشده أضـحى مواري فلا ظل ولا أثر

والراجون نجوم الأمس قد بلغوا من الـــمهانة ما لا يبلغ البشر

كل أبي وكل في أرومــته مجد وغـر وآمـــال لها سير

من كل أصيد لو بلغت ذلتــه لقمت تمــنعه معــوانك القدر

كم يستجير وكم تغريه السنــة حمراء من دم مظلومين قد غدروا

لعهدك النور حقاً جل عن شبـه بعصر عدوان أهل الغرب يا عمر

 

وللأستاذ العظمة عبرات واعيات وقصائد دامعات، فقد رثى بعض الأهل والأصدقاء والعلماء والأدباء ودعاة الإصلاح والتوجيه، ويلمس من يقرأ شعره في ذلك صدقه وحبه وتقديره ومن قصائده في ذلك قصيدة في رثاء أمه ومنها :

أمي يرنّ بسمعي صوتها ولها ذكرى يعبَّر عنها صــامت الألم

لم أغشى غرفتها ولهان مكتئبا إلا ولاح محــياها للأحلـــم

كان كل متاع حـين ألمسـه أو حين أبصره قربي من الرحـم

وكم سمعت نداء هزني فـإذا صوت المنى والمنايا واهم الكلـم

وهكذا العيش أعمار وأخيلـة والمرء من بعدها في قبضة الحكم

 

ويقول في رثاء الزعيم المغربي الأستاذ محي الدين القليبي في حفلة تأنيبية في ربيع الأول 1377 تشرين الثاني 1955:

مصابك من عام تـــصرم دامع وعيشك للحق الدؤوب (وقـائع)

محي الدين يا قلباً من الخير نابضاً وسيفاً على مرِّ العصور يقـارع

كأني ألقــاك العشية مــدرها تدافع عن ماض به المجد ذائـع

تحدث عن فتك الفرنسيس بالأولى أرادوا العلا والغرب بالظلم بارى

 

إلى أن يقول:

حسامك ما ذاك الهوان وهوله وقلبك وضاء ورأسك رافع

يلوح لنا في كل أفق كأنه هلال له بين النجوم مطالع

 

وفي تأبين العلامة الأستاذ محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي بدمشق …عند قبره بعد كلمة في مآثره يقول :

محمد كنت الجد والفضل والعلا فبت ضجيعاً شيعتك المدامع

وللشام أحزان وللعرب لوعة فيــا لفقيد قد بكته المجامع

 

وفي رثائه البحَّاثة الأديب الأستاذ عباس محمود العقاد يقول :

يا يراعاً قد كان شمساً وطوراً كان رمحاً على صدور الأعادي

قد حبيت البلاد نوراً مبيناً بشعاع من العلا والرشاد

ومنحت الشباب علماً يقيناً لا ارتياباً وضلة في اعتقاد

فأدلوا على العصور يدين وبمجد محمدي الجهاد

ورميت العدا بتقد جريء رب نقد أشد من أصفاد

نم قريراً فالغمد روض ونور وحبور للراحل العقاد

 

وشعر الأستاذ العظمة مع نفسه وأهله وإخوانه يفيض وداً ورقة وحنيناً ومرحاً، ومن لك قوله في قصيدته (حنان قلب) :

ما له كالضياء بين جنوحي بعد ما غاب عن ظلام المعاني

إن يكن غادر الزمان إباء فلقد عاش في جنوح الحنان

حن للبيد، للفتوح، لعهد سار فيه الإسلام سير البيان

حن للصيد من غطارفة المجد دعاة الهدى، رعاة الزمان

كل شهم منهم رياض المعالي عبق الذكر من شذى الإيمان

 

وفي تقريظ الموسوعة الموجزة لواضعها حسان الكاتب صاحب هذا المقال يقول:

موسوعة دلت على همم العلا تــاقت إليها أعصـر وعـقـول

ماذا أقول وقد تراءى نفعها حسـب المعارف تصطفى وتقول

حسان أنجز ما وعدت مؤلفاً بعض الأصول على الوصول دليل

 

وفي أبيات هنأ فيها صاحب الوسوعة الموجزة بمناسبة عيد الفطر السعيد في 3/10/1395 الموافق لـ 7/10/1975 حيث يقول:

حسان دمت موفقـاً مسروراً ورباك تـــحكي جنة وحريراً

ألَّفت من كتب المعارف زمرة تاهت على زهر الربيع عطوراً

فاهنأ بعيدك بعد جــدِّ دائب تملي على القلم الخطيب سطوراً

 

وقوله مازحاً في رسالة إلى صديق أهدى إلي مكتبة التمدن الإسلامي غثاً وسميناً من كتب وصحف :

أهديتم كتاباً من خير ما سكبت قرائح الفضل من علم ومن أدب

وسوف يغنم منها كل مكتسب نوراً ينال به كنزاً من الحقـب

لكن فيها وقوداً يصطلى فرحاً به التمدن دون الزيت والحطب

أكرم بها حين كانون سيرجفنا ببرده وهي (للكانون) خير أب

فأرسلوا بغية الأطرق ناقلة كبرى بنا هي بها حمالة الحطب

وأرسلوا من مجاني العلم ما ابتهجت به العقول ابتهاج النور بالسبب

 

وأخيراً لا يفوتني أن أقول : إنما يكون المرء شاعراً حقاً بدقة ملاحظته ورقة عاطفته وسلامة ذوقه وروعة بيانه الفصيح الكلمات، الحسن الرصف، الجميل الوصف الذي لم يعلق بأسلوبه ركاكة، ولم يشبه تعقيد. ويجمع الأستاذ العظمة ذلك كله في أكثر شعره السهل الصادق الذي يذكرنا بما رواه ابن سلام الحجمي في كتابه طبقات الشعراء عن ابن عباد قال ، قال لي عمر: أنشدني لأشعر شعرائكم، قلت، من هو يا أمير المؤمنين؟ قال : زهير قلت : وكان كذلك .. قال: كان لا يعاظل بين الكلام، ولا يتبع حوشيه، ولا يمدح الرجل إلا بما فيه .

 

وهكذا نجد الأستاذ العظمة في ديوانه من أصدق الشعر، وأسهله وأعذبه وأنفعه، رحم الله شاعر الإيمان والمجد والعلم والأدب.

 

الأستاذ العظمة والفن:

وللأديب الشعر الأستاذ أحمد مظهر العظمة مواهب فنية ذات آثار في الزخرفة والخط، فقد تأثر بالمفن الراحل الأستاذ عبد الوهاب أبو سعود الذي درس الرسم في التجهيز الأولى بدمشق، كما تأثر بمدرّس الخط (ممدوح شريف) الذي كان يدرّس الخطوط العربية ومنها الكوفية.. والزخرفة والخط الكوفي في كثير من آثارهما في دمشق وحلب والقاهرة وبغداد، وتصفح بعض المراجع مثل كتاب الحمراء الذي صوّر جملة من النقوش والخطوط الأندلسية، حتى أصبح ذا ملكة في هذين الفنين. نقش لوحات عديدة ذوات زخارف وخطوط كوفية، كما زخرف أو خط عناوين كتب ومجلات ومقالات وبطاقات، من ذلك زخرفة كتاب امرئ القيس للعلامة سليم الجندي أستاذ الشاعر الكبير، وكتابه عنوان الاسلام والفن للأستاذ المربي محمود مهدي استانبولي (صديق الشاعر) ومجلة التمدن الإسلامي في حجومها العديدة وكثير من مطبوعاتها ومجلة الرسالة المصرية التي كان يصدرها أحمد حسن الزيات.

اشترك في الصناعات الوطنية الذي أقامته في دمشق وزارة الزراعة والتجارة في تشرين الأول عام 1929م، وكان تلميذاً في التجهيز حينئذ، فحاز شهادة الدرجة الثانية من قسم النقوش و(ميداليتها) واشترك في المعرض الزراعي الصناعي السادس الذي أقامته بالقاهرة الجمعية الزراعية الملكية في تشرين الثاني عام 1949م، وحاز شهادة الدرجة الثانية وميداليتها من قسم (لوحات ونقوش عربية) خارجية.

 

أعماله ومناصبه:

مارس المحاماة فترة قصيرة بعد تخرجه من معهد الحقوق، ثم التدريس في وزارة معارف العراق في 6/10/1936 وعين مدرساَ في تجهيز البنين في حلب في 22/11/1941، ثم عين رئيساً لكتاب الضبط في ديوان المحاسبات بدمشق في 1/11/1943، وفي عام 1360 هـ 31/5/1947 استقال لترشيح نفسه للنيابة، وزعم المسؤولون بعد نجاحه وجود خطأ في جمع الأصوات ..؟ وصرح في مجلس خاص موظف كبير مطلع بل مشرف، أن إيعازاً ورد المحافظة مصحوباً بضبط مزور، فوضع محل الضبط الصحيح، فكان ذلك سبب عدم نجاحه وكان أكثر المرشحين أصواتاً لخوض الدورة الثانية، وجاءت الدورة الثانية فكانت أكثر تزويراً وأظهر عدواناَ، وقاطعت المعارضة الانتخابات في دورتها هذه، وقدمت إلى المجلس النيابي طعونها على غير جدوى، واشتهرت ظلامته بين الناس، وأطلق عليها وقتها ( النائب الشعبي).

 

عين عضواً للجنة التربية بوزارة المعارف في 6/3/1948 وكالة ثم أصبح أصيلاً في 13/8/1949 وأصبح في 18/2/1951 نفتشاً للدولة، وفي 10/2/1959 عين رئيساَ لمكتب تفتيش الدولة.

 

ثم أصبح وزيراً للزراعة في17/9/1962 وقد إضيفت إليه وزارة التموين وكالة في 16/2/1963.

 

عاد إلى رئاسة تفتيش الدولة في 11/3/1963 وبقي رئيساً حتى أحيل على المعاش في 16/9/1969 فقال:

أحلت على التقاعد وهو عجز ولكني سأجعله اقتداراً

ومن يزرع بذور الخير دأباً يجدها تملأ الدنيا ثماراً

 

استمر برئاسة تحرير مجلة التمدن الإسلامي والكتابة فيها شعراً ونثراً حتى وفاته في يوم الاثنين 12 ربيع الأول 1403 هـ 27/12/1982 رحمه الله وأجزل له المثوبة.

 

مؤلفاته:

للأستاذ العظمة مؤلفات عديدة هي:

أ ـ في التفسير:

جزء عمّ، وتبارك، وقد سمع، والذاريات، وسورة لقمان (طبعة مدرسية)، وسورة الحجرات، وسورة لقمان (تأليف جديد مفصل).

ب ـ في شرح الحديث الشريف:

من الهدي النبوي الشريف (استلت الأحاديث الشريفة من بعض أجزاء كتاب من هدي الإسلام) وعشرون حديثاً (استلت من مجلة التمدن الإسلامي).

جـ ـ في الثقافة الإسلامية والتوجيه الإذاعي والمنبري والمدرسي:

مذاعات سبل الإسلام، نحو حياة مثلى، حديث الثلاثاء (خمسة كتب)، ومن هدي الإسلام ( خمسة أجزاء لصفوف الحلقة الثانوية ودور المعلمين والمعلمات) التربية الإسلامية ( جزءان ثانويان) _ من إعجاز القرآن الكريم، الإيمان وآثاره، ديوان الخطب (مع لجنة رسمية).

د ـ في التاريخ والحضارة:

علي بن أبي طالب ( من سلسة عظماؤنا للصغار) ـ شرار بني إسرائيل والصهيونية (محاضرة) ـ الثقافة العربية ـ حضارتنا ـ الإسلام ونهضة الأندلس.

هـ ـ في الأدب والشعر:

خواطر في الأدب ودراسة نصوصه ونقدها ـ مقالات في مجلات التمدن الإسلامي وغيرها.

أصدر ديوانه الشعري الأول دعوة المجد عام 1386 هـ ـ 1948م.

كما أصدر ديوانه الثاني نفحات عام 1392 هـ ـ 1972م.

 

وصفوة القول فإن الأستاذ العظمة متعدد المواهب فهو: قانوني وإداري وفقيه ومفسر للقرآن الكريم وشارح للحديث وخطيب وهو بالإضافة إلى ذلك كله ناثر وشاعر ومفن قدير وقد أبلى بلاء حسناً في كل من هذه المجالات رحمه الله تعالى وجزاه الله أجزل الثواب.

 

 

دمشق ـ حسان بدر الدين الكاتب

صاحب الموسوعة الموجزة ومعجم المؤلفين العرب المعاصرين

كُتب في الأعلام, الراحلون, منائر | التعليقات على العلامة المفكر الإسلامي أحمد مظهر العظمة مغلقة

الإسلام في أفريقية – وضع الأقليات المسلمة

الأقليات المسلمة في العالم- ظروفها المعاصرة-آلامها، وآمالها

حول الأقليات الإسلامية في إفريقيا

العوامل التي ساعدت على محاربة الإسلام في إفريقيا إن وضع المسلمين في أي دولة من دول الجمهوريات الإفريقية التي تعيش بها أقليات إسلامية لا يكاد يختلف كثيراً عن وضعهم في بقية أجزاء القارة الإفريقية .

وتضافرت على محاربة الإسلام فيها عوامل ساعدت على إبعادهم عن المراكز القيادية وسلبهم حقوقهم الشرعية في حكم أوطانهم ووصفهم بالقصور والجهل وعدم صلاحيتهم لغير الأعمال الحقيرة ويرجع ذلك في جوهره إلى الأمور الآتية :

1. كثافة حركة المد المسيحي واستمراريته .

2. الجهل بتعاليم الدين الإسلامي وأنه دين ودنيا .

3. التركيز على بقاء الاستعمار الفكري والاقتصادي مسيطراً على مجريات الأمور والأحداث .

4. التأخر الاجتماعي والثقافي الذي تعيش في ظله القارة وفصل الدين عن حركة تطور الحياة .

5. مواقف الدول المحلية واتجاهاتها غير الواضحة .

وتشابه وضع الأقليات هذه في إفريقيا في مظاهره وفي عوامله مع وضع الأكثريات المسلمة في مختلف الأقطار الإفريقية وذلك تبعاً لما واجهته هذه الأقليات في مجموعها وفي تاريخها من صدمات محلية ونكسات حضارية ومن أبرزها وجود الاستعمار بمختلف أشكاله وصوره والفكر الغربي المناوئ للإسلام ومبادئه عقيدة ودستورا وشريعة وتتجلى خطورة هذا الوضع فيما تقوم به بعض الحكومات من تشديد وطأتها على المسلمين سواء أكانوا أقليات أم أكثريات لتبقى طيلة حياتها في حالة من الذل والاستكانة حتى إذا ما تنبهت إحدى الدول الأخرى من هنا أو هناك لتلك الخطورة بتقديم أي نوع من الإعانات والمساعدات ثارت وغضبت نفوس الحاقدين وعلت أصواتهم وارتفعت أبواقهم واعتبروا ذلك تدخلاً في الشئون الداخلية لهذه الدولة التي هي في حاجة إلى دعم ومساعدة ومساندة الدول الإسلامية الأخرى .

إننا نعرف أن الإسلام دخل إفريقيا عن طريق العديد من المنافذ : فمن الحبشة في أول الأمر عبر البحر الأحمر حين أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته بالخروج إلى الحبشة لأن فيها ملكاً لا يظلم عنده أحد ، وقد زرع الصحابة بذور الإسلام منذ هجرتهم الأولى إليها وأسلم إبان ذلك العهد ملكها النجاشي ودخل الإسلام عن طريق التبابعة الذين كانوا يدخلونها من قبل عبر السواحل الشرقية في أرتيريا ثم أسلموا ودخلوا في الإسلام بعد ذلك ، وربما كان أغلب ذلك عن طريق باب المندب إلى الصومال وشرق إفريقيا وشمالاً إلى سهول أرتيريا . ودخل الإسلام أيضاً عن طريق المحيط الهندي وبدأ من الأطراف الجنوبية والشرقية لبلاد العرب ويعتبر المدخل الشمالي الشرقي أهم هذه المداخل ، إلى جانب المداخل الشرقية البحرية السابقة ، والتي دخل من خلالها المسلمون بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر مروراً بشبه جزيرة سيناء فيعد هذا المدخل من أهم الطرق التي اتبعها الإسلام وانتشر فيها في أفريقيا ، ويسجل التاريخ العديد من صور البطولات لقادة جيوش المسلمين الذين اقتحموا بخيولهم مياه المحيط الأطلسي ( الساحل الغربي لإفريقيا ) كعقبة بن نافع وغيره .

واستمر جهاد المسلمين في إفريقيا حتى امتد سلطانهم إلى مناطق لم يصل إليها الرومان ، وتتابعت بعد ذلك هجرات المسلمين ليندمجوا مع السكان الأصليين مكونيين نسيج ذلك المجتمع الذي حمل الدعوة عبر الصحراء إلى الداخل البعيد من مجاهل إفريقيا وغاباتها الاستوائية ، وقامت للإسلام في هذه الأصقاع حياة جديدة لها قسماتها الحضارية المتميزة التي أفرزت من بعد خصائص أكبر كتلة متجانسة في إفريقيا .

وقد أورد ياقوت الحموي في ( معجم البلدان ) :

( كان عقبة بن نافع مقيماً في نواحي برقة وزويلة منذ ولاية عمرو بن العاص له فجمع من أسلم من البربر وضمهم إلى الجيش الوارد له من معاوية وسار في إفريقيا ونازل مدنها وأسلم على يده خلق من البربر وفشا فيهم دين الله حتى اتصل ببلاد السودان على مناطق في غرب إفريقيا أو الأجزاء الشمالية من غرب إفريقيا ـ لقد جمع عقبة حيئذ أصحابه وقال : ( إني رأيت أن أبني هاهنا مدينة يسكنها المسلمون فاستصوبوا رأيه وبنى القيروان ) .

ويعود انتشار الإسلام في إفريقيا إلى منتصف القرن الأول الهجري برغم أن معظم المراجع الأوربية تمر مروراً سريعاً على القرون الأربعة الأولى . ويرجع الفضل في انتشار الإسلام في غرب إفريقيا إلى جهود عبد الله بن ياسين مؤسس دولة المرابطين في القرن الثاني عشر الميلادي ثم جاءت بعدها مرحلة التوسع في القرن الثامن عشر الميلادي على يد عثمان بن فوديو الفلاني التي أضافت الكثير إلى الجهود المتصلة التي بذلها المسلمون منذ وطئت أقدامهم أرض القارة ، ولإفريقيا فضل كبير على أوربا فلولا انطلاقة الإسلام وعبوره إلى أوربا قادماً من إفريقيا الشمالية لظلت أوربا ترسف في ظلمات الجهل والتخلف قروناً أخرى حيث ساهمت في تنوير العقول بشتى العلوم والمعارف ، وكان الجزاء على ذلك ممثلاً في أشنع أنواع التعذيب والإبادة والقمع والسيطرة الاستعمارية فلا يمكن لمنصف عادل أن ينكر فضل الإسلام على أوربا ، وعندما بدأت أوربا عصر النهضة انحسر المد الإسلامي عن الأندلس وتراجع إلى السواحل الإفريقية .

ولا يتسع المجال لبيان آثار الاستعمار في إفريقيا فالواقع اليوم بكل أدواته البشعة هو بعض نتائجه التي شاركت أوربا المتمدينة ودول أخرى في صنعه وعلى رأس هذه الدول البرتغال وفرنسا وأسبانيا وإنجلترا وإيطاليا ثم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي والصين وغيرها . لقد نشرت أوربا في إفريقيا مع القمع والقتل والتعذيب والاستنزاف تجارة الرقيق وكانت النخاسة واسترقاق البشر وبيع من سموهم بالعبيد تجارة رابحة ولم يعد هذا الموضوع خافياً على أحد بما في ذلك الإفريقيين أنفسهم وكانوا يعمدون إلى نشر صور للعبيد مقيدين بالسلاسل والحبال يشد طرفها الآخر رجل عربي بملابس عربية تزييفاً للحقائق وتشويهاً لصورة العرب .

وكل ما قاموا به يخالف الواقع بطبيعة الحال ، فالإفريقيون أنفسهم أدركوا من خلال اندماج المسلمين بهم مدى التسامح الإسلامي فلا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى والعمل الصالح .

ويدل على بطلان إفتراءاتهم ما بذله بعض الأوربيين في القرن التاسع عشر في محاربة أنواع الاستغلال سالفة الذكر حتى استصدروا قانوناً يحارب تجارة الرقيق في مارس 1807 م . وقدر عدد الرقيق الذين أمكنهم إنقاذهم من السفن عابرة المحيط بحوالي 1400 سنوياً ، كما تم تحرير حوالي خمسين ألف رقيق فيما بين عامي 1827 و 1878 م وكان الإسلام قد فرغ من مثل هذه القضية منذ 1300 سنة .

ومن المحاولات المستمرة التي بذلها المستعمرون في إفريقيا من أجل السيطرة أنهم وجدوا في بعض أجزاء القارة أرضاً خصبة لزرع أفكارهم ونشر سمومهم مستغلين في ذلك حالات المرض والجوع والجهل وذلك بإنشاء المستشفيات الحديثة ، والمؤسسات الثقافية المتطورة والمزارع الشاسعة والكنائس الفخمة ورياض الأطفال ودور الأيتام وشرعوا كذلك في مساومة بعض الأسر المسلمة في أبنائها بتوقيع عقود يقدمون بموجبها بعض الغذاء لأفراد الأسرة في مقابل اختيارهم لطفل من أطفال هذه الأسرة دون الخامسة من عمره كي ينشئوه نشأة مسيحية ويرسلوه إلى الخارج لإكمال دراسته بإحدى الدول الغربية وإعادته بعد ذلك إلى البلاد لاستخدامه في أغراضهم الدنيئة سواء كانت سياسية أو تنصيرية وبذلك يكتمل العقد وينشأ جيل مثقف بثقافة الغرب ، حاملاً لدينه وعقيدته ومنبهراً بحضارته ، ومنفذاً لتعليماته .

كما أن أعداء الدين الإسلامي الحنيف لم يحاولوا الدخول مع الإسلام في هذه المناطق والبلدان في صراعات بل واستطاع الاستعمار أن ينشأ مؤسسات جديدة في مقابل تلك التي يتردد عليها الوطنيون وأعلن القبول فيها لأبناء الأغنياء الذين يؤهلون لقيادة مجتمعاتهم وبذلك قضى على كل مظاهر العلم والثقافة وتركت هذه المؤسسات التعليمية تموت من تلقاء نفسها بتوجيه الدعم المالي والمساعدات للمؤسسات التابعة لهم واستطاعوا كذلك أن يعرضوا مبادئ الإسلام بطريقة مشوهة وإدخال إضافات لا تمت لها بصلة بطريق الدس في تعاليمه لينالوا من داخل أبنائه بعد أن عجزوا عن قهره والتغلب عليه من الخارج .

جانب من التحديات التي فرضها المستعمرون على إفريقيا :

شملت التحديات التي تواجه إفريقيا والإفريقيين مختلف جوانب الحياة سواء أكانت متعلقة بمشكلات سياسية أو ثقافية أو اجتماعية أو دينية أو مادية ومن أهم هذه المشكلات :

1 – استطاع المستعمرون السيطرة التامة على ثروات هذه البلاد ومواردها واستنزاف كل ما تستطيعه منها وتقويض كل ما فيها من المؤسسات التي اصطنعها لتعينه على تحقيق مآربه وأغراضه ومن ثم ترك البلاد عند رحيله منها بلا رؤوس أموال وبلا كوادر بشرية لتسيير العمل الوطني وما زالت سيطرة هذه الدول على الاقتصاد الإفريقي والثروات الإفريقية قائمة حتى الآن ولكن بدرجات متفاوتة .

2 – من الأمور المسلم بها أن الاستعمار لم يمنح الاستقلال للدول التي كان يستعمرها فخرج من الباب ليعود إليها من النافذة في صور شتى ممثلة في عرضه للخدمات والمساعدات ومحاولة إنقاذ البلاد بطرق مشبوهة متجاهلاً أنه هو صاحب اليد الطولى في هذا التخلف وذاك الضياع ، وهو المسئول عن التردي في هذه الأوضاع السيئة التي تعاني منها البلاد فضلاً عن أن كل عروضه لا تمثل نهضة حقيقة بقدر ما هي محاولة للتبعية والاعتماد عليه اقتصادياً وتعليمياً وفي جميع جوانب التنمية فهو لا يعطي إلا ما يعينه على إحكام السيطرة ودوام استمرارها وضمان ذلك بشكل جديد في صورة امتيازات للأوربيين واليهود لامتصاص هذه الثروات الوطنية .

3 – ورثت إفريقيا أمية متفشية وجهلاً مطبقاً لم تحاول الدول الاستعمارية القضاء عليها لأنها كانت تعتمد عليها ضمن أسلحتها في محاربة هذه البلدان بل وتعتبرها من عوامل استقرارها وسيادتها ويستثنى من ذلك بعض العناصر التي تخطت حواجز الاستعمار أو ساعدها الاستعمار ذاته ليستعين بها في بعض الأحيان . ومن أبرز المشكلات التي زرعها الاستعمار في هذا المضمار ثنائية التعليم وازدواجيته . فالمدارس الحكومية في الدول الإفريقية المسلمة ليس فيها شيء عن الإسلام ومناهجها خالية من تعاليم الدين الحنيف وتؤهل عادة لتولي المناصب المختلفة في الدولة وقليل من الأنشطة الأخرى ، في حين أن المدارس الدينية قاصرة على تعليم اللغة العربية والإسلام وهذه الفجوة التعليمية ثمرة من ثمار الفكر الاستعماري المخطط والمدروس الذي ينبغي علينا معشر المسلمين محاربته والتصدي له ليس فقط في إفريقيا بل وفي غيرها من الدول العربية التي تتأثر بالفكر الغربي وثقافته ، لأن كل المناهج التي يضعها المستعمرون إنما تخدم قضية التبعية الثقافية رغم حرص هذه الدول على التخلص من مثل هذه المناهج والنظم التعليمية .

4 – من المعروف أن إفريقيا تزخر بالعديد من الثقافات والديانات والمذاهب واللغات والعناصر المختلفة التي تتصارع فيما بينها ويجب أخذ هذا في الاعتبار عند التخطيط للمستقبل ومحاولة البناء على أسس سليمة تضمن توحيد الجهود ، ونبذ الفرقة والاختلاف .

5 – منح الدولة اليهودية فرصة بأن يكون لها دور في المصالح الإفريقية وفي عمليات التنمية وذلك عن طريق دعمها بكل مقومات الوجود في هذه المناطق لأن هذه الدولة كما هو معروف تعيش على إعانات الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة والدول الغربية الأخرى بصفة عامة فكيف يتسنى لها أن تساعد غيرها من الدول الإفريقية ؟ إن الاستعمار قد دأب على استخدام دولة العدو رأس جسر مستديم لضرب مستقبل الأمة العربية والإسلامية تأكيداً وتدعيماً لدورها في هذه البلدان الإفريقية .

6 – مع كل المراحل والتطورات التي شهدتها القارة الإفريقية كانت هناك دائماً الحرب الضارية ضد الثقافة العربية والإسلام . وعلى اختلاف الدول الاستعمارية كان العداء للإسلام وللعرب هو القاسم المشترك في كل الظروف بينما تسابقت على نشر ثقافاتها ونظرياتها وكان على الدول المستعَمرة أن تتخير لنفسها أحد المنهجين ، إما أن تتخلص من آثار الاستعمار نهائياً وتضرب عرض الحائط بأفكاره وهذا بالطبع سيوقعها في أحضان العديد من المذاهب الأخرى وإما محاولة التمسك بالعقيدة الإسلامية ومثلها من خلال العلماء والمفكرين ورجال الطرق والمثقفين المسلمين لقد استطاع المستعمر أن يقوم بغزو فكري وهجمة ثقافية غربية بقصد اجتياح الثقافة الإسلامية التي يشكك البعض في عمق جذورها والاستحواذ على أجيال الشباب والمثقفين والقادة . وساعدهم على ذلك عدة أمور منها :

(أ‌) الفقر العقائدي الإسلامي كمحطة للاستعمار الطويل وعدم وجود التعليم الإسلامي الشامل .

(ب‌) السيطرة بالتعليم على عقول الأجيال وزرع الثقافة الغربية فيهم جيلاً بعد جيل .

(ت‌) توجيه البعثات التعليمية إلى البلاد الأوربية واستقطاب العائدين بكل ما لديهم من قوة .

(ث‌) التركيز على ثنائية التعليم ليكون لديهم الفرصة للقضاء على الدين الإسلامي ووقف انتشاره بين أبناء القارة .

(ج‌) آثار الجهل والمرض والشعوذة والخرافة والسحر التي حاول المستعمر بثها في عقول الشباب .

(ح‌) انعدام وسائل الاتصال بين الدول الإسلامية أو المنظمات الشعبية وصعوبة الاتصالات بين الدول الإسلامية وبخاصة بين عاصمتين إفريقيتين .

(خ‌) التبعية الإعلامية الكاملة أو شبه الكاملة للأجهزة الإعلامية الكبرى في العواصم الأوربية وإنشاء إذاعات محلية صغيرة ولا تتجاوز الإستفادة منها نطاقات محدودة جداً .

(د‌) نشر العَلمانية حيثما كانت الأغلبية للمسلمين والغلبة لغير المسلمين وكذلك العمل على نشر الكتب والأفلام والصحف والمجلات التي تفسد القيم الإسلامية وتروج الفكر الغربي والحياة الماجنة من خلال أفكارها ومبادئها .

وعلى ذلك يمكننا القول بأن الغزو الفكري والثقافي في القارة الإفريقية اعتمد على أسس متينة وخطط مشبوهة أتقن الاستعمار نسج خيوطها والسيطرة التامة عن طريقها ونعرض هنا لأهم هذه الأسس ومنها :

1 – تشويه الإسلام وتعويق انتشاره والاستفادة من غيبته في تطوير أفكاره والترويج لمبادئه .

2 – نشر الفكر الإلحادي والماركسي والصهيوني والصليبي .

3 – تشجيع الأفكار والمعتقدات الهدامة في القضاء على الإسلام كمحاولة لنشر الماسونية والبهائية والقاديانية والصهيونية ، الذي يهمنا في هذا المجال هو كيفية نشر الصهيونية ومبادئها الهدامة وخطرها المحقق على أبناء القارة الإفريقية خاصة والأمة العربية والإسلامية عامة حيث إن أفكارها تنطلق من استعلائية الفكر العنصري وتفوق العنصر اليهودي المتمثل في شعب الله المختار وأن ما عداه من البشر ما هم إلا حيوانات مسخرة لخدمتهم ، وتتطلع الصهيونية إلى السيطرة على العالم أجمع وتحاول التسلل إلى كافة المعتقدات والمذاهب السائدة لهدمها ، ولها وسائلها ومخططاتها لإفساد الشباب والأجيال فكرياً وخلقياً باستخدام وسائل الثقافة والإعلام والترفيه والأفلام والنوادي الليلية والفنون الموضوعة وكل ما يشهده العالم من ذلك يدل على أفكارهم الخبيثة في تخطي كل الحواجز التي تقام من أجل وقف انتشارها ومقاطعتها .

لقد استطاعت الصهيونية أن تسيطر على بعض وسائل الإعلام الحديثة في العالم وقد توصلوا إلى توظيف الوسائل لخدمة أهدافهم ونشر أفكارهم الهدامة باستخدام أحدث الأساليب الإعلامية تحت إشراف فرق ومراكز دراسات على مستوى عال من العلم والخبرة فهناك على سبيل المثال نحو مائة وإحدى عشر محطة إذاعية للطائفة المسيحية تتمركز في مناطق مناسبة لتوسعة بث البرامج وتوزيع أشرطة الفيديو والكاسيت ومجلات الأطفال والنساء وملايين النسخ من الكتب الإباحية والمضللة ، كما أنهم أنشأوا النوادي الليلية وساعدوا على انتشار الفساد والسيطرة على غرائز الناس . وفي غمار ذلك كان للشيوعية دورها في تنفيذ مخططاتها الرهيبة التي تهدف إلى القضاء على الأديان والأسرة والأخلاق ، وهي تستغل عواطف الأفارقة الفقراء بنظرياتها الكاذبة والداعية إلى إلغاء الملكية والفردية والطبقية بين الناس .

وضع اللغة العربية في إفريقيا :

من المعروف أن اللغة العربية قد تطورت في إفريقيا من لغة دين إلى لغة تكامل بين كافة الشعوب الإفريقية التي اعتنقت الإسلام ، واللغة العربية في إفريقيا جنوب الصحراء ارتبط وجودها التاريخي بدخول الإسلام وانتشاره في أنحاء القارة باعتبارها لغة القرآن التي ينبغي على كل مسلم أن يعرف منها ما يمكنه من قراءة القرآن والحديث وممارسة الشعائر الدينية وبخاصة الصلاة .

تطورت اللغة العربية بين الشعوب الإفريقية التي اعتنقت الإسلام وأصبحت أساساً من أسس التعليم الإسلامي ومادة من مواد الدراسة في التعليم الحديث ولقد كان للدول الإسلامية والعربية فضل كبير في انتشار هذه اللغة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية بما أنشأته من مراكز ثقافية ومدارس ومساجد في أنحاء القارة .

والمدرسون المنتشرون في مناطق تجمعات المسلمين يمدونهم بالعلم والمعرفة والدعوة إلى الله وما يحملونه من كتب ومراجع ومطبوعات دينية وإسلامية تساعد على التعليم والتفقه في الدين وكذلك المنح العلمية للطلبة الأفارقة كي يدرسوا في الخارج وفي جامعات المملكة . وكلها موجهة لإعلاء كلمة الإسلام وخدمة المسلمين في هذه القارة مما انعكس على اللغة العربية والثقافة الإسلامية التي طالما حرم منها المسلمون الأفارقة على عهد الاستعمار اللعين .

وعرفت اللغة العربية على مستويين رئيسيين مستوى الخاصة ومستوى العامة .

1 – فعلى المستوى الخاص نجد أن كل من يشتغل بأمور الدين والشريعة والتعليم قد وجد نفسه مضطراً لإتقانها وتعلمها بدرجة تسمح له بأداء مهام وظيفته على الوجه الأكمل وفقاً لما تقتضيه هذه المهام من علم وفقه وتبحر في أمور الدين وعلى رأس هؤلاء كان الفقهاء الذين يؤمون في الصلاة ويعظون الناس ويخطبون على المنابر والدعاة الذين يلمون بشئون الدين حتى يتمكنوا من الدعوة والإرشاد ـ كان على أمثال هؤلاء أن يتعلموا العربية إتقاناً وإجادة تمكنهم من الاطلاع على التفسير والحديث والسيرة والشريعة والأصول وكان أولى الناس بتعلم العربية من يتولون القضاء ليمكنهم تعلمها وإتقانها من العلم بأسرار التشريع الإسلامي وقوانينه وأصوله من القرآن والسنة . ولقد اعتاد الكثيرون من هؤلاء الخاصة من أئمة ودعاة وقضاة ومعلمين أن يتجهوا إلى المراكز الثقافية الإسلامية في مكة المكرمة والمدينة المنورة أو المدارس الإسلامية الكبرى في الشمال الإفريقي مثل الزيتونة في تونس والقرويين في المغرب والأزهر في مصر لينهلوا من مناهل العلم بها وحضور مجالس العلماء والفقهاء وأعلام الفكر والثقافة الإسلامية في تلك البقاع . وأنشئت في العصور الحديثة عدة مدارس إسلامية لتخريج خاصة من القوم من أبناء أقطار غرب إفريقيا مثل مدرسة الشريعة الإسلامية ومدرسة العلوم العربية في كانو بنيجيريا ومدرسة المعلمين العربية الفرنسية بمالي وغيرها ، لقد أصبحت مثل هذه المدارس مصدراً للتلاميذ الذين يتمون دراساتهم الجامعية والعليا بجامعات العالم العربي والإسلامي في السعودية ومصر وشمال إفريقيا .

2 – وعلى مستوى العامة فإن على كل مسلم أن يتعلم ثلاثة أمور :

(أ‌) معرفة القراءة والكتابة ليتمكن من قراءة القرآن وأداء الشعائر الدينية .

(ب‌) معرفة بعض القواعد الأساسية للإسلام والمعاملات الإسلامية حتى يسلك الفرد المسلم سلوكاً قويماً يتفق مع تعاليم دينه .

(ت‌) تفهم بعض ما يستمع إليه من آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ليكون دائم الاتصال بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .

وبذلك فقد كان لزاماً على كل من دخل الإسلام أن يتجه إلى مجلس أحد العلماء الذين صحبوا التجار في هجرتهم أو إلى المسجد من أجل تلقي هذه التعليم الأساسي ، وسارع المسلمون في إرسال أبنائهم إلى المدارس القرآنية لتحفيظ القرآن ، وتعلم اللغة والفقه والشريعة والحساب مما يمكنه من ممارسة حياته في ظل الإسلام .

ظاهرة اتساع نطاق استخدام العربية في المجالات الاجتماعية والتجارية والاقتصادية :

لم يقتصر استخدام اللغة العربية على أوساط المتعلمين فقط كلغة أدب ومراسلة بل إنها لغة تخاطب العامة بين جماعات مختلفة اللسان مثل الطوارق والكتوري والهوسا والفولاني والتولي واليوريا .

ويؤكد موري لاست في كتابه : \” تاريخ الخلافة في سوكوتو \” ظاهرة هذا الاتساع في استخدام اللغة العربية فأصحاب اللغة الفلانية الذين انتشروا من المحيط الأطلسي شرقاً إلى سفوح هضبة الحبشة ويمتدون من الكمرون جنوباً إلى الكونغو كانوا وما زالوا يتكلمون العربية إلى جانب لغتهم الأصلية كما تحدث بها الماندي في غينيا ومالي ، والباميارا في مالي والوولوف في السنغال وغيرهم من الجماعات التي دخلت الإسلام ، بل إن بعض أبناء هذه الجماعات ممن هاجروا جنوباً حتى ساحل غانا حملوا معهم العربية كلغة تخاطب عامة يتحدثون بها في مجتمعاتهم الجديدة التي أنشأوها في المدن الساحلية .

كيفية انتشار اللغة العربية :

كان الانتشار أولاً من منطلق ديني تمثل في اعتناق القبائل والشعوب للإسلام وحاجتها إلى اللغة العربية التي هي لغة القرآن وغيره من الشعائر الدينية .

ثم كان الانتشار من منطلق ثقافي واجتماعي حيث إن الإسلام أدى إلى تقارب هذه القبائل والشعوب وتعارفها وعمل على إزالة ما بينها من حواجز ليحل التفاهم والود والإخلاص محل الصراع والشقاق والخلافات ، ودعت الحاجة إلى ضرورة الاتصال والتفاهم والترابط في التعامل السلمي وكانت اللغة العربية هي وسيلة هذا الاتصال والتفاهم ثم تلا ذلك الانتشار الاقتصادي والسياسي الذي يتمثل في أن الشعوب الإفريقية التي تعربت في الشمال الإفريقي والتي ترجع إلى أصول عربية ، وبخاصة في الحجاز انفتحت بينها العلاقات عبر الصحراء تجارياً وسياسياً وامتدت على طرق الحج مما ألزمها باستخدام اللغة العربية كلغة تفاهم .

ولقد استطاعت اللغة العربية أن تثري لغات الشعوب والقبائل التي دخلت الإسلام بما لها من مميزات تفوق غيرها من اللغات كالألفاظ والمترادفات والمعاني والاستعمالات ، واستعارت تلك اللغات المحلية من العربية الكثير من الكلمات والاستخدامات التي استخدمها أهلها في أمور دينهم ودنياهم ، وأكملت العربية ما كان ينقص تلك اللغات المحلية من ألفاظ وكلمات وبخاصة بعد خروج أهل تلك اللغات من بيئتهم المحدودة إلى عالم أوسع انتشاراً .

ونعرض هنا لأهم اللغات الإفريقية بالنسبة لعدد المتكلمين بها وسعة انتشارها وعراقتها في التاريخ الإسلامي والتي تأثرت جميعها باللغة العربية عن طريق الاستعارة من كلماتها وألفاظها :

1. الهوسا : ويتكلم بها أكبر شعوب غرب إفريقيا عددا .

2. الماندي : ويتكلم بها الشعب الذي أنشأ مملكة مالي الإسلامية .

3. الصنغاي : التي أقام أهلها امبراطورية امتدت من ساحل الأطلسي إلى النيجر في الداخل .

4. الفولاني : التي انتشرت في أكبر رقعة في غرب إفريقيا .

5. الولوف : ويتكلم بها أكبر شعوب ساحل غرب إفريقيا .

6. الكاتوري : ويتكلم بها أكبر شعوب غرب إفريقيا وهم من أقدم الشعوب وأسبقها إلى الإسلام .

وتتراوح نسب استعارة الألفاظ العربية فهي تمثل 10% من لغة اليوربا ، 20% في لغة الولوف وما بين 40 – 50 % في لغات الهوسا والكاتوري والفولاني .

بيان توضيحي لنسبة الأقليات المسلمة في إفريقيا (معلومات من بداية التسعينات) :

1. زامبيا وبها 120.000 مائة وعشرون ألف مسلم بنسبة 2.4 % من مجموع السكان بها .

2. أنجولا وبها 900.000 تسعمائة ألف ونسبتهم 15% من مجموع السكان .

3. ناميبيا وبها 2400 ألفان وأربعمئة مسلم ويشكلون 0.4% من مجموع السكان .

4. ليسوتو وبها 50.000 خمسون ألف مسلم ويشكلون 5 % من مجموع السكان .

5. اتحاد جنوبي إفريقيا 400.000 أربعمائة ألف مسلم ونسبتهم 2 % من مجموع السكان .

6. سوازيلاند وبها 25.000 خمس وعشرون ألف مسلم ويشكلون 5 % من مجموع السكان .

7. بتسوانا وبها 30.000 ثلاثون ألف مسلم ويشكلون 5 % من مجموع السكان .

8. جزر سيشل 500 خمسمائة مسلم ويشكلون 1 % من مجموع السكان .

9. جزر ريونيون 80.000 ثمانون ألف مسلم ويشكلون 20 % من مجموع السكان .

10. كابيندا 5.250 خمسة آلاف ومائتان وخمسون مسلماً ويشكلون 3 % من مجموع السكان .

11. ليبيريا وبها 1.086.000 مليون وست وثمانون ألف مسلم ويشكلون 30% من مجموع السكان .

12. غانا وبها 2.808.000 مليونان وثمانمائة وثمانية آلاف مسلم ويشكلون 30% من مجموع السكان .

13. غينيا الإستوائية وبها 105.000 مائة وخمسة آلاف مسلم ويشكلون 35% من مجموع السكان .

14. كينيا وبها 3.850.000 ثلاثة ملايين وثمانمائة وخمسون ألف مسلم ويشكلون 35% من مجموع السكان .

15. موزمبيق وبها 1.750.000 مليون وسبعمائة وخمسون ألف مسلم ويشكلون 35% من مجموع السكان .

16. الكونغو وبها 60.000 ستين ألف مسلم .

17. مالاجاس وبها 1.750.000 مليون وسبعمائة وخمسون ألف مسلم ويشكلون 25% من مجموع السكان .

18. زيمبابوي ( روديسيا ) وبها 20.000 عشرون ألف مسلم .

19. مالاوي وبها 1.750.000 مليون وسبعمائة وخمسون ألف مسلم ويشكلون 35 % من مجموع السكان .

20. أوغندا وبها 4.400.000 أربعة ملايين وأربعمائة ألف مسلم ويشكلون 40 % من مجموع السكان .

21. بورندي وبها 1.000.000 مليون مسلم ويشكلون 25% من مجموع السكان .

22. زائير وبها 2.400.000 مليونان وأربعمائة ألف مسلم ويشكلون 10% من مجموع السكان .

23. رواندا وبها 240.000 مئتان وأربعون ألف مسلم ويشكلون 6% من مجموع السكان .

24. أقليات ضئيلة متناثرة في غرب إفريقيا 1.188.810 مليون ومائة وثمان وثمانون ألفاً وثمانمائة وعشر مسلم موزعة في غرب إفريقيا .

وبذلك يبلغ مجموع الأقليات المسلمة في إفريقيا 24.289.960 أربعة وعشرون مليوناً ومائتان وتسعة وثمانون ألف وتسعمائة وستون مسلماً وهذا العدد موزع على ( 31 ) إحدى وثلاثين وحدة سياسية أكثرها مستقل وأقلها وهو الجزر المتناثرة في المحيطات لا تزال تخضع للسيطرة الأجنبية وهذه الوحدات السياسية قليلة السكان بوجه عام.

بيان بالأقليات المسلمة التي تعيش في جزر المحيط الأطلسي تجاه غربي إفريقيا :

1. جزر الرأس الأخضر وبها 527.000 خمسمائة وسبع وعشرون ألف مسلم يشكلون 11 % من مجموع السكان .

2. جزر الأزور وبها 516.000 خمسمائة وستة عشر ألف مسلم يشكلون 5 % من مجموع السكان .

3. جزر ماديرا وبها 30.000 ثلاثون ألف مسلم ويشكلون 10 % من مجموع السكان .

4. جزر برنسيب وسان تومس وبها 15.750 خمسة عشر ألف وسبعمائة وخمسون مسلما يشكلون 21 % من مجموع السكان .

5. جزر أنوبون وبها 30.000 ثلاثون ألف مسلم يشكلون ما نسبته 25% من مجموع السكان .

6. جزر الخالدات الكناري وبها 70.000 سبعون ألف مسلم يشكلون 7 % من مجموع السكان .

7. جزر القديسة هيلانه 60 ستون مسلما يشكلون 1 % من مجموع السكان .

كُتب في ركن الدعوة | التعليقات على الإسلام في أفريقية – وضع الأقليات المسلمة مغلقة