كلمة أحمد معاذ الخطيب بمناسبة عيد الفطر: بحثاً عن حل لإنقاذ سورية

رسالة في عيد الفطر
بحثاً عن حل لإنقاذ سورية

السلام عليكم ورحمة الله..
إخواننا الكرام أخواتنا الفاضلات، أتمنى أن تكونوا جميعاً بخير وعافية.
صِرنا في السنة الرابعة وشعبنا تحت وطأة ثقيلة من الدم والخراب، وهناك أشياء خطيرة جداً حصلت والناس تسأل: لماذا، وكيف؟
باختصار سنقول: شعبنا بعد خمسين سنة من القهر والظلم تحرك بمبادرات ونشاطات سلمية، وقابل النظام هذا الموضوع بتوحش شديد جميعكم يعرفه، وورّط الثورة كلها بالصراع العسكري، وأدى هذا الأمر لنتائح غير محسوبة لأحد، فقد كان النظام يتوقع أن ينتهي هذا الأمر لصالحه، وكذلك الثورة، لكن للأسف الشديد دفع شعبنا ثمن هذا الأمر باهظاً من دمه وبنيته وأهله وأولاده ونسائه وأطفاله وسبّب خسائر غير مسبوقة، أخطرها ستة ملايين طفل من دون تعليم، وآلاف المعوقين والمصابين صحياً، ومشاكل اجتماعية لا تعدّ ولا تحصى، إضافة إلى خراب البنية التحتية.
هذا الأمر خطير جداً ، وقد حاول النظام بكل الطرق قمع الثورة فما استطاع، لم تكن حساباته دقيقة، وكان للثورة أن تتابع طريقها وتصل لنتيجة خلال أشهر، لكن توحش النظام أولاً، ثم دخول ثلاثة خطوط على القضية خربت كل شيء.
وسأتكلم بكل صراحة شديدة.. هناك ثلاثة مشاريع إقليمية – دولية تدخلت بشكل مباشر إضافة إلى مشاريع صغيرة أخرى.
أولا المشروع الإيراني، وثانياً مشروع بعض الدول الخليجية ، وثالثاً مشروع القاعدة.

1 – إيران لديها أحلام إمبراطورية وتظن أن سوريا جزء لا يمكن الاستغناء عنه، ستقاتل حتى النهاية، وقد أدخلت حزب الله، وورّطته وخربت المقاومة بهذا الموضوع.
2 – في المقابل فإن بعض الدول الخليجية خائفة من إيران وتريد صدّ تغولها ولكن للأسف الشديد اشتبكت معها بأرضنا، ودفع الثمن شعبنا من أولاده وعرقه ودمه.
3 – أما المشروع الثالث فهو مشروع رأى روح الصبايا والشباب الذين أشعلوا روح الحرية في الأمة.. واستغل المناسبة للدخول على هذا وتحريك مشاعر الناس، وأقصد بهذا المشروع خط القاعدة.
تصارعت هذه المشاريع الثلاثة في سوريا، وهي بصراحة أدت إلى النتيجة التي نراها اليوم..

إن الأمر حقيقة يحتاج إلى إعادة نظر ونحن كسوريين نعرف أن هذا بلدنا ولا نريد إلا إعادته كما كان بعافيته وعهده وقوته.
إن هذه القوى تحرك غرائز الناس للاقتتال وللدم، ومن أخطر المشاريع التي تحركها موضوع (الصراع السني الشيعي)، فالكثير من الناس لا يعرف أبعاده، وهم يتقدمون له وهم يظنون أنهم يستشهدون في سبيل الله من غير إحساس ومعرفة.
يقول بعض الناس: لماذا تتقدم بعض الدول وتتحرك بهذه الطريقة، والإجابة أنه بالسياسة تغرق بعض الدول كما يغرق مدمنو المخدرات، لا يشعر أحدهم بنفسه إلا وقد أصبح في أزمة كبيرة، وتكبر الأزمة ويزداد غرقاً ويظل يظن أن جرعة إضافية من الأعمال التي أقوم بها تنقذني، تماماً كما فعل النظام بموضوع العنف، إن هذا الأمر بصراحة يخرب أوطاناً ودولاً، ولابد من أن يكون هناك مخرج منه في النهاية.

كل هذه الدول تقع تحت تأثير رغبة السيطرة أو الهيمنة أو المواجهة ، وأذكِّركم جميعاً بما حصل في الأندلس عندما كان كل أمير مسكين يظن أن بتعاونه مع الفرنجة نجاتَه ونجاةَ إمارته الصغيرة التي يحكمها.. كان يقول للفرنجة: تعالوا فاقتلوا أخي ودمِّروا الإمارة الصغيرة التي بجانبي.. ظاناً أن في ذلك عافية له، ولكن كانوا بعد إنهاء أخيه يقضون عليه وعلى من قبله وبعده.. وهذه حال الأمة العربية اليوم، يشتغل بعضها ببعض، ومشاريعها الجزئية التي لم تكن ترتقي لتكون مشروعاً حضارياً يلم الأمة كلها نحن ندفع ثمن آثارها اليوم.. وللأسف فإن أكثر بلد دفع ثمن ذلك على الإطلاق هو سوريا وشعبها العظيم الذي بقي منذ أربعة أعوام حتى الآن يتصدى لتوحش النظام ولهذه المنظومات الثلاث التي لم تُبقِ أي شيء إلا وفعلته لإزاحة الآخرين ودفّعت شعبنا الثمن الغالي.
الآن وضمن هذه المعطيات والاشتباكات، ماذا علينا أن نفعل نحن كسوريين؟ هل يجب أن نستسلم؟ هل هذا قدر؟
طبعاً هناك إضافات كثيرة فهناك مصالح جزئية ومعارضة مرتهنة.

لقد دفع شعبنا الكثير من دمه وأهله وأولاده، لكن ثقتنا بالله سبحانه وتعالى، ثم ثقتنا بهذا الشعب الذي أمام كل هذه العوائق ما زال صامداً بل مبدعاً.. لدينا ثقة أنه سيتجاوز هذه العوائق ويعود فيبني بلده يدا واحدة ويعيدها كما كانت إن شاء الله.
الفكرة الأساسية هي التفاهم .. بصراحة سوريا أغلى من النظام وأغلى من المعارضة بكثير، أليس لباقي السوريين رأي؟ بلى. رأي باقي السوريين يجب ألا يكون مكتوماً، يجب أن يظهر إلى العلن، ويجب أن نعمل كلنا له.. الناس الذين مع النظام أو مع المعارضة، ومع الثورة أليس هناك شيء يتقاطعون فيه؟ ألا يجمعنا شيء نحن كسوريين؟
لدي اقتراحات ولن أُكثر منها اليوم وسنلتقي إن شاء الله في مرات قادمة.
دعونا جميعاً كسوريين نتفق على بعض النقاط.. لنحمِ بلدنا. وأكرر مرة أخرى: سوريا أغلى من النظام وأغلى من المعارضة وأغلى من كل شيء فيها.

النقطة الأولى: سأسألكم، ما رأيكم بتقسيم سوريا؟ هل توافقون على هذا؟ لم أسمع حتى الآن أحداً من المعارضة أو من النظام يتكلم بهذا الموضوع.
دعونا نتفق أننا جميعاً نقف يداً واحدة في وجه أي محاولة لتقسيم سوريا، وكما أفشلنا هذا المشروع الذي أتى به الاستعمار الفرنسي، يمكن لنا أن نُفشله مرة أخرى، لنكن يداً واحدة بهذا الموضوع. وأنا أشكر الإخوة الأكراد لأنهم، ورغم دفعهم من جهات دولية، صدرت منهم تصريحات واضحة أنهم لن يكونوا أبداً نواة لتقسيم سوريا.

النقطة الثانية: من منكم يرضى أن تكون سوريا رهينة لأي مشروع إقليمي أو أممي. إن غالبية الشعب السوري يتفق على هذا الأمر. إذاً دعونا نتفق على استقلال القرار السوري، والقتال عنه ورفض كل مشروع إقليمي أو أممي، وهذا الأمر لا يتعلق بالقاعدة ولا يتعلق بدول الخليج، ولا يتعلق بإيران فقط، ولكنه يتعلق بهم جميعهم، وبكل طرف آخر يريد أن ينهي صراعه على أرضنا.
نحترم الكل ولكن بنوع من الندية ولا نرضى بهيمنة أحد.. فهذه النقطة استقلال القرار السياسي السوري.

النقطة الثالثة: أريد أن أسأل :هل هناك أغلى من سوريا؟ هل هناك أغلى من نسائها وأطفالها ودمها وترابها وهوائها وترابها؟ هل هناك أغلى من حضارتها ودينها وأخلاقها ومدنيتها ونسيجها الاجتماعي؟
دعونا نضع إنقاذ سوريا الأولوية التي يجب علينا جميعاً أن نعمل لأجلها.. ولنقل بصراحة أكثر إنه على النظام والمعارضة أن يتنحيا معاً.. فمن أبناء البلد الكثيرون ممن يستطيعون حمل البلد ويمكن لنا جميعاً إن تعاونّا أن نعيد سوريا إن كنا نحبها حقيقة، أن نعيدها لحالها بل أقوى إن شاء الله.
ولكن إن بقي هذا التناطح بين طرفين، وكل طرف مرتبط بمشروع إقليمي أو أممي فلن نصل إلى نتيجة أبداً. لنقل إن سوريا أغلى من الكل علينا وسنعيدها كما كانت.

النقطة الرابعة: هل يحب أحدكم الدم؟ هل يحب أحدكم القتل؟ لا يهمني الناس الذين لديهم غرائز متوحشة، إنهم قلة في شعبنا. شعبنا بمجموعه ضد القتل وضد الدم. يكفي السوريين ما أصابهم. أصبح لدينا نصف مليون شخص ذهبوا من كل الأطراف.
حرام لسوريا، لنتحرك نحن كناشطين مدنيين وسلميين، كشعب حي يضغط على الكل، كفى للقتل، كفى للدماء، كفى للخراب..

النقطة الخامسة: إن المشاريع الإقليمية والدولية لن تتركنا بخير إن بقينا متفرقين، وستحترمنا وسنتعاون معها عندما نكون يداً واحدة، عندما تكون بلدنا أهم من كل شيء. من أجل هذا دعونا نتفق على حل سياسي تفاوضي، تفاهم بين كل الأطراف.
إن اتفقنا على هذا الحل فسنُلزم به النظام والمعارضة، وسنقول للطرفين: تعالوا، يكفي ما دفعته سوريا من ثمن، نريد أن نتجاوز هذه الأزمة. دعونا نتفق على ضرورة الحل السياسي والتفاوضي، لا لمصلحة طرف أبداً، ويجب أن تكون هناك عدالة انتقالية.. كل الناس تأخذ حقوقها. الناسُ التي قُتلت وقُصفت وشُردت واضطُهدت وعُذبت وسجنت، أين ستذهب حقوقها؟ فلا بد من عدالة انتقالية.
يجب أن نتفق أن نحل أمورنا في محور تفاوضي وسياسي فهذا سيجنب البلد المزيد من الدماء والقتل.

لن نتوسع بهذه النقاط الخمس، لنا عودة قريبة إن شاء الله، وإن اعتمدناها فأرجو أن يكون وراءها خير كثير. ويجب على الشعب أن يفرضها على النظام وعلى المعارضة. ومن وراء ذلك سيكون هناك نجاة لهذا البلد إن شاء الله قبل أن تضيع.

بقي أمر صغير أحب أن أقوله للنظام.. لا تظن أنك انتصرت أو أنك ستنتصر.. فالأمر طويل، وهذا الشعب شعب عنيد، وأنت تزداد تكريهاً للشعب بك. لا يهمني ما تقوله في الإعلام، يهمني الشعب سواء الذي يعيش تحت يدك أو بعيداً عنك. هذا الشعب يريد حريته، وسيتابع طريقه من أجلها.
لذلك هي نصيحة من أجل بلدنا كله، يكفي ما فعلْتَهُ بهذا الشعب، يكفيك.. وإن كنت حقيقة تريد الخيرفلماذا تُضيِّق على الناس؟
لمَ تحاصر الأماكن المدنية؟ هل هي عقوبة للعسكريين؟ هؤلاء لا يهمهم، إنك تعاقب المدنيين!..
لمَ تقصف المدنيين ليلاً ونهاراً؟ تقصف أحياء حلب الفقيرة!! تقصف أهلنا بحوران! هل ترى أثر هذا الأمر؟ إن الناس يزدادون لك كرهاً، ومهما كان مشروعك فلن يؤدي ما تفعله إلى نتيجة.
لماذا تمنع الناس من جوازات السفر؟ أليس ذلك من حقوقهم؟ أتريد أن تحبب الناس بسورية أم تكرِّههم بها وليبقوا بعيداً عنك.
وعشرات ألوف المعتقلين وخصوصاً النساء والأطفال إلى متى؟ هل تظن أنك ستسيطر بتلك الأفعال؟ كلا لم تسيطر.. لم تنجح أبداً في أي شيء حاولتَ فعله.

لذلك أقولها مرة أخرى: كـــــفـــــى، ودعونا نتخذ قراراً عاقلاً ينقذ سوريا..
وأحب أن أقول لبشار الأسد شخصياً: هل ترى مقاطع الفيديو؟ تأتيني مقاطع من أطباء وليس من اليوتيوب فقط، هل ترى هؤلاء الأطفال الصغار الذين تتقطع أيديهم وأرجلهم؟ هل أرسل لك شريط تلك الطفلة التي تبكي وعمرها أربع سنوات في غرفة العمليات وتقول: “يا ماما يا ماما أعيدي لي رجلَيّ، أعيدوا لي رجلَي”!
إنك لا تتصور الألم الذي يشعر به الناس.. حجمُ الألم بالشعب السوري أكبرُ من أن يستطيع النظام أن يحتويه.. لذلك يجب أن يرحل النظام.
لكننا نقول إننا نريده أن يرحل بتفاهم وتفاوض. وليس لمصلحة أحد، ولا تظنوا أنني أدافع عن المعارضة أو أقول: سلِّموا الحكم للمعارضة.. هذه معارضة مرتهنة ومرتبطة ولا تصلح لقيادة سوريا.

إننا نقول: دعوا سوريا بين أيدي أبنائها، لنتفق كلنا – في النظام والمعارضة – أن نقدم أهل الاختصاص وأهل الكفاءة.. وهؤلاء هم من يمكنهم أن يقودوا البلد، ولنَتنحَّ جميعنا لصالح هذه البلد التي تحتاج لسنوات طوال لتعود بعافيتها إن اتحدنا.
لا يمكن للشعب السوري وبصراحة أن يلتئم إلاعلى مشروع وطني، ولو سيطر النظام على بعض المناطق، أو سيطرت المعارضة على مناطق أخرى، لا يمكن للشعب أن يلتئم ويقف على أقدامه بالحدود الدنيا إلا باجتماع كل السوريين، ولا يمكن أن يحصل هذا الأمر ضمن الظرف الراهن، وضمن هذه القوى التي تتصارع. نريد أن يتنحى الجميع ليخرج أبناء سوريا الأحرار الذين لا يرتبطون بأحد إلا بوطنهم وجذورهم، وسنكون جميعاً في خدمة هؤلاء، وذلك بالتأكيد ما سيعيد البلد لعافيته.
مرة ثانية أقول للنظام، ولا تفوِّت الفرصة هذه المرة كما فوّتها مرات كثيرة ، إن كنت ترغب بمفاوضات حقيقة، فأيدينا مفتوحة.. وطبعاً يقول لي الناس من أنت؟
عندما يكون النظام جاداً فهناك مجموعة من خيرة القيادات السورية مستعدة أن تتفاوض مع النظام من أجل وطن حر وكريم، وهي لا تبحث عن منصب ولا عن موقع .
في النهاية أتمنى من النظام إن كان يرغب بالتفاوض أن يرسل أحدا ذا صلاحية من أجل أن نتناقش بهذا الموضوع قبل أن تقتلنا جميعاً المشاريع الإقليمية والدولية.

هذه الرسالة ليست مبادرة سياسية.. هي اليوم فقط معايدة لأهلنا الذين نحبهم، لكل أهل سوريا.. وخصوصاً الذين وضعوا دمهم على أكفهم، والناس المهجرين والمشردين، والذين في بيوتهم أعزاء رحلوا عنهم، وهي معايدة للأطفال اليتامى والمساكين، وللناس التي لا تدري ماذا تفعل، وللمحرومين والفقراء والمحتارين ، لكل شعبنا الطيب الذي يدفع ثمناً لم يكن أبداً يريد أن يمشي في طريقه.
شعبنا يريد أن يرجع لطريقه الذي اختاره هو.
وأتمنى أن يكون العيد القادم عيد فرح وسرور وبركة على الجميع ووطن حر وكريم.
أتمنى لكم رمضانا مقبولاً وعيداً كله خير لنا جميعاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

29 رمضان 1435
27 تموز 2014
أحمد معاذ الخطيب الحسني

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.