(كلمات من أعماق المأساة) للأستاذ محمد وسيم الحسامي

تحلقنا حول مائدة الطعام ثم تجاذبنا أطراف الحديث حول آخرالأخبار و من ثم أمسكت بجهاز التحكم و بدأت أتنقل من محطة إلى أخرى، جلنا بلاد العرب و فجعنا بما رأيناه في كل جزء من أمة المليار ، أمة الإسلام.
بدأنا في العراق و شاهدنا أشلاء الجثث تغوص في برك الدم ، في الطرقات المتقطعة التي قطعتها بغضاء الطائفية و قباحة الاحتلال و شهدنا قتل المسلمين بعضهم لبعض و جنود التحالف تتابع ذلك بسرور و ابتهاج.
حملنا التلفاز بعد ذلك إلى فلسطين المحتلة ، إلى غزة و رفح ، إلى رام الله و نابلس ، إلى جنين و الخليل ، أماكن مختلفة ، لكن المخرج واحد و المشاهد متقاربة ..
حصار و تجويع
قتل و تشريد
عقاب شامل للأرض، للإنسان ، للحيوان و الحجر.. و الشجر.
الإبادة الجماعية مستمرة على مرأى و مسمع من القادة العرب الذين طُمس على قلوبهم و ضُربت عليهم الذلة و المسكنة و علت سمعهم و أبصارهم غشاوة و جهلوا معاني الرجولة و الكرامة و العزة …
و بينما أنا أعاين تلك المآسي تذكرت تلك المرأة التي صرخت (وا معتصماه) تستنجد بذلك الخليفة ، فما إن طرق ذلك النداء مسامعه حتى انتفض انتفاضة الأسد الذي انتقصت كرامته و لبى نداءها بجيش جلب لا يعرف أوله من آخره نصرة لتلك المرأة و استجابة لنداءها و اعزازا لكلمة الله و دينه.
أعادتني صرخة أم ثكلى في التلفاز إلى الواقع المرير ، إلى ذل القرن الواحد و العشرين ، إلى هوان أمة المليار ….
انتقلت في رحلتي التلفزيونية إلى لبنان وذهلت مرة أخرى بالخراب ، و آلمني مشهد البيوت التي سويت بالتراب , و أقض مضجعي تلك المجازر التي ترتكب و المشافي التي تستغيث و النساء التي تولول و العويل الذي يتعالى ..
جثث الأطفال ملقاة على الطرقات و أشلاء الأجساد يعاد تجميعها مع بعضها البعض لعلها تكون جثة لشخص لم يعرف اسمه آثر الشهادة على أن ينسحب من وطنه…
الأمل مفقود و الدم مسفوك ، العزة ضائعة و الجهاد مغيب و لا أحد يبالي..
تنقلنا بين بحيرات الدم المسفوح في الطرقات و سافرنا إلى مقابر جماعية وُزعت على مساحات جغرافية متفرقة من عالمنا الإسلامي و رحلنا إلى أقاصي البلاد و دانيها و نحن نبكي دموعا تختلط بالدم و بآهات القلب المكلوم الذي يود أن يدفن صاحبه في التراب لعل بطن الأرض خير من ظهرها….
قررت بعد فترة أن أرحل إلى مكان آخر حيث تكاد المكائد و تحاك المؤامرات لأرى تلك الأخبار التي تبث هناك فوجدت نفسي أتابع أخبار abc news على قناة MBC 4 و التي تعد من أكثر المحطات التلفزيونية مشاهدة في أميركا و خصوصا في المساء الذي يعد وقت ذروة المشاهدة هناك.
و بينما أسمع و أشاهد تقاريرهم و تحليلاتهم ، ظهر تقرير خاص عن (شخصية هذا الأسبوع) و كانت لفتة رائعة حيث كانت شخصية هذا الأسبوع امرأة أمريكية ذات أخلاق عالية و قلب كبير ملأته الرحمة و الشفقة و الحنان فأضحى ثائرا على نطاق وطنيته الضيقة ليرحل إلى لبنان و ينقذ الضحايا هناك.
لقد رحلت هذه المرأة من نيويورك إلى لبنان لتتفقد المناطق المنكوبة في الجنوب و ضاحية بيروت الجنوبية ، لتسعف الضحايا و تساعد المرضى و تؤمن المأوى لللاجئين و تغيث المنكوبين و تبحث لهم عن مكان آمن بعيد عن القصف الهمجي الوحشي الغاشم..
قطعت ليندا نيلون (Linda Nealon) آلاف الكيلومترات لتحقق هدفها الإنساني السامي و تعبر عن شعورها النبيل ، فهاهي تبكي حزنا على ضحية مقطوعة الأعضاء أو ضحية فقدت عينا أو أبا أو أما ، و كم أسفت على ضحية تشردت و فقدت منزلها و عائلتها و تشردت بسسب القصف ..

لعلكم بعد فترة ستحسبون أن هذه المرأة ملاك نزل من السماء على صورة بشر أمريكي و لكن فخركم بهذه الإنسانة سيتحول شعورا بغيضا حانقا غاضبا عندما تعلمون أن أولئك الضحايا الذين هرعت تلك المرأة لمساعدتهم هم كلاب لبنان؟؟!!
نعم ، كلاب جنوبي لبنان و الضاحية الجنوبية….
التقطت لها الكاميرا الصور العديدة و هي تقترب من الكلاب الحزينة ذات الحظ العاثر ..
يا لإنسانية هذه الأمة …
ماذا حل بهم؟
رأفت بالكلاب و نست البشر ….
جابت بين جماعات الكلاب تبثهم أساها و حزنها على وضعهم الاجتماعي المرير و مرت قبالة أشلاء أجساد الأطفال و سمعت عنهم و لم يتحرك لها جفن..
وجدت الحيوانات الشريدة و تاهت عن مئات الألوف التائهة التي تبحث عن مأوى لها…
ذرفت دموعها على كلاب شريدة و تحجر قلبها عند رؤية الأبرياء الصرعى…
و بعد ذلك اختارتها قناة abc لتكون شخصية الأسبوع بسبب هذا الخلق الرفيع المستوى و الشعور الإنساني السامي و الإحساس العالي بالمسؤولية عن حياة تلك المخلوقات المظلومة…

تركت الغرفة و توجهت إلى غرفة أخرى و أنا لا ألوي على شيء ، تبدل وجهي , و على وجهي سحابة سوداء من الحزن و الأسى على هذا الزمان الذي يصدق فيه الكاذب و يخون فيه الأمين …

فهل برأيكم تستحق ليندا أن تكون شخصية هذا الاسبوع؟؟
ربما نعم و من المحتمل أن نكون – نحن – المخطئين في النظر و التقييم و التحليل فرجاء علمونا ما هو الحق!!!

اللهم إن نسألك فرجا من عندك
اللهم انصرنا على أنفسنا حتى نستحق نصرك الذي و عدتنا
اللهم ردنا إليك ردا جميلا يا أرحم الراحمين
اللهم هذا ضعفنا لا يخفى عليك و هذا ذلنا ظاهر بين يديك و هذا جبروت أعدائنا الذين يحاربون دينك جلي أمامك ، اللهم خذهم أخذ عزيز مقتدر و اجعلهم عبرة لمن يعتبر
آمين ، آمين ، آمين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

كتبه
محمد وسيم الحسامي
مساء السبت 12/8/2006

* ملاحظة: العنوان من اختيار الموقع
لقراءة المقال عن ليندا الرجاء الضغط على الرابط التالي
http://abcnews.go.com/WNT/PersonOfWeek/story?id=2303465&page=1

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف مقالات القراء, منائر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.