المسلمون في الولايات المتحدة الأمريكية – 3

الفصل الثالث

السكان المسلمون

تاريخ دخول الإسلام إلى أمريكا هناك من يرى أن المسلمين وصلوا إلى أمريكا قبل أن يكتشفها (كولومبوس) بعدة قرون (انظر: الكتاني، 1396 هـ الداري،1403هـ Ansari,1996? Numan1992 Rashad,1991 ويستدلون على ذلك بعدد من المؤشرات منها أن سبعة من الشبان أطلق عليهم المغامرون السبعة، غادروا أسبانيا غربأ عندما كان المسلمون يحكمونها، ولم يعودوا، وسمي أحد شوارع (لشبونة) عاصمة البرتغال باسمهم، ولا يزال ذلك الشارع يحمل اسم (المغامرون السبعة) إلى اليوم. ومنها وجود بعض الكلمات العربية في لهجات بعض قبائل الهنود الحمر. كما أنه وجد قبيلة من بين قبائل الهنود الحمر اسمها (عرباهو) يعتقد أن أصولها عربية، ويوجد شارع في مدينة (بولدر) وكلية في مدينة (دينفر) في ولاية (كولورادو) باسم تلك القبيلة. كما وجد تشابه بين الفن المعماري في البلاد العربية والفن المعماري لدى بعض السكان في أمريكا الوسطى، مثل الأهرامات والمحاريب. وتذكر بعض كتب التاريخ أن وفدا ذكر لأحد الملوك المسلمين على الساحل الغربي لأفريقيا أن هناك في الجانب الغربي من الأطلسي، والذي كان يسمى بحر الظلمات، مناطق غنية بثرواتها الطبيعية، وبجمال طبيعتها، فما كان من ذلك الملك إلا أن جهز أسطولاً كبيرا وقاده بنفسه واتجه غربأ مع عدد كبير من الناس، ويقال أنه وصل إلى أمريكا الوسطى، وكون مملكة هناك من ذوي البشرة الغامقة، وعندما وصل كولومبوس كان معه ملاح عربي، واستطاع ذلك الملاح أن يتفاهم بالعربية مع السكان المحليين، وعندما سأله كولومبوس عن لغتهم ذكر له انهم يتكلمون العربية، فما كان من كولومبوس إلا أن أعمل السيف فيهم وعمل على إبادتهم، حتى لا يقال إن هناك من سبقه لاكتشاف أمريكا. ويذكر مصطفى وايت وهو من المسلمين السود النشطين في العمل الإسلامي ويقيم في مدينة (بولدر) في مقابلة للباحث معه أن هناك رسالة دكتوراه ستقدم إلى إحدى الجامعات الكندية حول هذا الموضوع، وأن من ضمن الأدلة التي قدمها الدارس بعض النقود الإسلامية التي وجدت في بعض الحفريات.

مسلمو ما قبل الحرب الأهلية :
جاءت حركة الرقيق في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بأعداد كثيرة من مسلمي غرب إفريقيا، وفي الغالب أن ما لا يقل عن خمس المستعبدين الذين اخذوا إلى أمريكا قبل الحرب الأهلية كانوا من المسلمين، وفي هذا السياق يقول ويليامز: ( وجاءت تجارة الرقيق بالكثير من المسلمين من غرب القارة الأفريقية إلى أمريكا. إلا أن الظروف الرهيبة التي عاشوها وارتفاع معدل الوفيات بينهم وتشتت عائلاتــهم والاضطهاد الوحشي الذي تعرضوا له جعـــل بقاءهم في إطار جــماعة إســــلامية مستحيلا. ومع ذلك كانت لبعض الأفراد الغلبة على الاضطهاد والتعذيب. إذ أن أحدهم كتب القرآن الكريم الذي كان يحفظه عن ظهر قلب ونشر ترجمة له بالإنجليزية في فيلادلفيا عام 1853 وبعد عشر سنين كان هذا المصحف المترجم الكتاب الوحيد الذي نجا من حريق جامعة ألاباما في أثناء الحرب الأهلية الأمريكية) (ويليامز، 1994: 14.
وحول مسلمي ما قبل الحرب الأهلية حرر (أوستن، Austin) كتاباً مرجعياً يقع في أكثر من سبعمائة صفحة، من الحجم الكبير وبخط دقيق جدا، قال في بدايته: (إن تجربة هؤلاء الرجال توضح أكثر من قرن من المتاجرة بحياة الأفريقيين وعملهم. ويقدم هؤلاء الرجال إضاءات عن الأثر العميق للإسلام في غرب إفريقيا. وكان من أوائل من وصل إلى أمريكا يارو محمود وأيوب بن سليمان والأمين جي وقد وصلوا بين عام 1730 و 1740 م، ووصل خمسة فيما بعد في القرن نفسه وهم عبدالرحمن، محمد كابا، بلالي، صالح بلالي، وبنيامين كوتشرين، ووصل أربعة خلال عقد 1800 م وهم عمر بن سعيد، كيب، أبو بكر، ورابع لم يعرف اسمه، وجاء اثنان إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن نالا حريتهما في أماكن أخرى وكان ذلك في حوالي عام 1850م وهما محمد باقيوقا، ومحمد على بن سعيد ( Austin,1984:9).

ويواصل (أوستن Austin) حديثه فيقول: (أيوب وجي جاءا من أراضي السنغال الداخلية، وكانا يتاجران مع غامبيا عندما اختطفا من قبل (الماندينقو، Mandingoes وعمر كان كذلك تاجرا في أراضي السنغال الداخلية.. وعبدالرحمن كان طالب علم في (تمبكتو) في أعلى النيجر، وقبض عليه بخدعة على سواحل المحيط الأطلسي وبيع لتجار الرقيق.. صالح بلالي كان عمره أربعة عشر عاماً عندما اختطف وحمل في سفينة مع بضائع أخرى،.. أما باقيوقا ومحمد على فلهما قصة تختلف، باقيوقا انضم إلى قافلة من موطنه في شمال (بنين) إلى أرض التجارة (سلاقا Salaga) في (غانا) وكانت تشهد بعض الحروب، ولكنه عاد إلى بلدته واستقر فيها، إلا أنه أعطي مادة مخدره وأخذ بعدها إلى الساحل ليباع لسفينة لتجارة العبيد متجهة إلى البرازيل. أما محمد على فقد نقل بين قارات ثلاث، حيث اختطف وهو بقرب بحيرة في تشاد وبيع لتجار كانوا يعبرون الصحراء، أرسل عن طريق البحر إلى الإسكندرية، ومنها أخذ إلى مكة، ومن ثم أرسل إلى تركيا وبيع إلى اثنين من الروس وتم أخذه إلى (بترسبرغ) (ص: 9-10).

وعن معارفهم ومهاراتهم يقول (اوستن): (كان أكثر هؤلاء متعلمين أو طلبة علم، ولهم خبرة في الحياة والسفر والاحتكاك بالآخرين، وكان بعضهم إلى جانب ذلك جنوداً محاربين شاركوا في المعارك والقتال، بعضهم تلقى تدريباً في مهن وحرف معينة، ومن ذلك أن (جي) كان مترجماً، و (كوتشرين) كان طبيباً، و (بلالي) كان يدرس القانون، ويبدو أن هؤلاء جميعاً جاؤا من أسر عريقة ومحترمة، وكانوا يعدون فيما يبدو لأدوار قيادية في مجتمعاتهم… وبعضهم تعلم العربية في إفريقيا، فأيوب كتب القرآن ثلاث مرات من الذاكرة، وكتب رسائل إلى أصدقائه بالعربية تم العثور على بعضها، وساعد في الترجمة عند السيد (هانز سلوين Hans Sloane) مؤسس المتحف البريطاني، وعبدالرحمن كتب مقطوعات صغيرة لبعض الأعيان في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصلت إحدى رسائله إلى المغرب، وكانت فيما بعد من أسباب تحريره) (ص: 10 و 16 .

ولقد ظهرت تلك المهارات وبرزت حتى أثناء وجودهم في العالم الجديد، وتحت ظروف صارمة وقاسية جدا، ( ولأنهم متعلمون ولديهم بعض المهارات ولخبرتهم السابقة فقد عملوا في أعمال شبه إدارية وشبه قيادية ثبت من خلالها كفاءاتهم وقدراتهم، فعبدالرحمن مثلا شارك مع الجيش البريطاني قائداً لمجموعة من الرجال، أما كيب وعمر وربما بلالي فقد عملوا مراقبين في المدارس. وبلالي وصالح بلالي أصبحا مشهورين بمجهودهما أثناء حرب 1812 م. وقد اقترح الأول على المسيحيين تسليح المسلمين على الجزيرة وقال بأنه يمكن الاعتماد عليهم، إلا أن المسيحيين لم يطيعوه، ربما خوفاً من أن يستخدم ذلك ضدهم (Ibid.,15).

وعن معاناتهم في العالم الجديد، وما لاقوه من عنت وضيق يواصل (أوستن Austin) حديثه فيقول: ( ولقد تسبب أسرهم في انقطاعهم عن ممارسة مهامهم وأحلامهم ولقاء عائلاتهم إلى الأبد، باستثناء (أيوب) و (جي) حيث عادا إلى إفريقيا بعد مرور عقد من الزمن على أخذهما. ويبدوا أنهم أرسلوا للعمل في الحقول بعد وصولهم إلى أمريكا، ثلاثة كانوا في ولاية (ميريلاند، Maryland) وهم أيوب، وجي، ويارو محمد. أما بلالي وصالح بلالي فقد جيء بهما إلى (جورجيا، Georgia) من جزر البهاما، وعبدالرحمن كان في (الميسيسيبي) وعمر في ( جنوب كارولاينا S.Carolina ) ثم جرى بيعه لشخص من (شمال كارولايناN.Carolina ) ولقد حاولوا الهروب مرارا، فأيوب وعمر قبض عليهما وأودعا السجن، وأعيد أيوب بعد أن وعد بعمل خفيف نظرا لأنه كان متعلماً يحفظ القرآن، ويجيد العربية قراءة وكتابة، وعمر كذلك قدمت له وعود بمعاملة طيبة، وتحريره إذا استطاع أن يفتدي نفسه. أما عبدالرحمن فقد اختفى مدة من الزمن ثم قرر العودة إلى مالكه باختياره هو ولأسباب لم يوضحها في مذكراته) (ص: 12 .

ولم يستسلم أولئك المسلمون الأكفاء الذين اخذوا بالقوة إلى العالم الجديد للوضع القائم، فقد استمرت محاولاتهم لتحرير أنفسهم والعودة إلى إفريقيا، أو البقاء هناك ولكن بحرية، فمحمود بعد أن افتدى نفسه، نجح في أن يمتلك قطعة أرض ويصبح من الملاك الصغار في (جورج تاون، Georgetown) وعمر أقنع سيده بأنه غير سليم صحياً فأراحه من كثير من الأعمال، وذهب محمد علي إلى (ديترويت) وعمل في إحدى المدارس، وأثناء الحرب الأهلية عمل في مؤسسة طبية، وبعد الحرب تزوج وشارك في تعمير (كارولاينا الجنوبية). ورغم إعطائه أعمالاً خفيفة والسماح له بالتفاعل مع الطبقة المثقفة، فإن أيوب بن سليمان أصر على الاستمرار في محاولات العودة إلى إفريقيا وإلى أسرته (Ibid,15).

وافتدى أبو بكر نفسه في عام 1835 م وانضم إلى معرض متجه إلى (تمبكتو) تحت إشراف البريطانيين، ويبدوا أنه وصل إلى هناك ثم انقطعت أخباره، وحرر عبدالرحمن نفسه بعد أربعين سنة وهو في السادسة والستين من عمره، وفي عام 1828 م بهر السود والبيض من (سنسناتي) إلى (بوسطن) إلى (واشنطن) العاصمة بكرامته وإصراره على جمع المال ليفتدي به بقية أفراد عائلته في (المسيسيبي). وعاد هو وزوجته إلى (لايبيريا) ومات قبل أن يتمكن من العودة إلى مسقط رأسه، وبعد سنه استطاع ثمانية من أفراد عائلته اللحاق بزوجته مستعينين بالمال الذي جمعه (Ibid,16).

وفي الكتاب تفصيلات كثيره عن هولاء وغيرهم من المسلمين الذين وصلوا إلى أمريكا فيما قبل الحرب الأهلية، وكان كثير منهم على درجة من العلم والمكانة الاجتماعية، فأيوب بن سليمان كان أميرا في قومه، وكان حافظاً للقرآن، واستطاع كتابته من الذاكرة عندما وصل إلى أمريكا، كما وجد في الكتاب بعض الصور لأوراق كتبت بالعربية، ومعظمها كان لآيات أو سور قصيرة من القرآن الكريم.

ولعل رواية (الجذور) للكاتب الأمريكي الأسود (ألكس هيلي) من اكبر وأشهر المؤشرات على ما عاناه المستعبدون السود في أمريكا، وهي رواية تاريخية، جمع فيها المؤلف كل ما يستطيع عن أجداده، وسافر إلى إفريقيا في سبيل ذلك، وكان جده الأعلى (كونتا كونتي) بطل الرواية مسلماً، وقد تم اصطياده مع أعداد كبيرة من السود في غرب إفريقيا، وتم شحنهم على إحدى السفن، وقيد بعضهم بالسلاسل، ومات عدد منهم في الطريق، وكان يتم إلقاء من يموت في المحيط لتكله الأسماك، وتواصل الرواية الحديث عن معاناة (كونتا كونتي) ورفاقه منذ أن وطئت أقدامهم العالم الجديد، والرواية ترجمت إلى كثير من اللغات منها العربية، وتم إخراجها في عمل سينمائي.

وفي حديثها عن الاسترقاق وتجارة الرقيق، وما عاناه السود في رحلة العذاب من بلادهم في إفريقيا إلى المعتقل الكبير في أمريكا، تقول (مريم جميلة) الأمريكية اليهودية التي أسلمت، وكان اسمها (مارجريت ماركوس): (وعند وصولهم لأمريكا امتد استعبادهم إلى جعلهم يتركون هويتهم الأفريقية وأسماءهم الشخصية ويتركوا دينهم ويعتنقوا المسيحية، ديانة سادتهم. وفي المستعمرات الأمريكية كان تعليم الزنجي القراءة والكتابة بمثابة جريمة قانونية… وكان نسلهم يباع فتتم التفرقة بين الزنجي الطفل وأخيه وأخته إلى الأبد… ولا ترى الأم بعد ذلك أولادها حيث يؤخذون منها عنوة دون رجعة. ومن المؤسف حتى الآن أن تحرير العبيد في أمريكا لم يمنحهم شيئاً سوى الحرية فقط. فبالرغم من تمكن فئة قليلة من الزنوج من تحسين أحوالها المعيشية وتحقيق بعض كرامة العيش بشق الأنفس.. مازال أغلبية السود في أمريكا يعيشون الفاقة والبؤس في أحياء الزنوج اللاإنسانية القابعة تقريباً في كل مدينة من المدن الأمريكية، (جميلة، ب، ت، ن: 36-37).

واليوم يشكل المسلمون السود في الولايات المتحدة الأمريكية أكبر المجموعات الإسلامية هناك، والغالبية العظمى منهم من أحفاد الذين جيء بهم إلى أمريكا كرقيق، فالذين هاجروا من إفريقيا في القرن العشرين بإرادتهم من المسلمين يبلغ عددهم 000، 260 نسمه، أما أحفاد من أخذوا إلى هناك قبل الحرب الأهلية فيبلغ عددهم ما بين اثنين إلى ثلاثة ملايين نسمة، (أنظر، Numan,1992) وهم من أكثر الفئات اعتناقاً للإسلام وتحمساً لنشرة، ولديهم جمعياتهم وجماعاتهم الخاصة، بعضها ينضوي تحت مظلة (الاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية، ISNA) وبعضها خاص، وتنتشر بين بعض فئات السود كثير من الانحرافات، والأخطاء في تطبيق الإسلام والتي ترجع بعضها إلى مصدر التلقي، والبعض الآخر يرجع إلى الجهل بتعاليم الإسلام الصحيحة، ولكن الصورة بدأت تتغير في العقود الأخيرة، حيث عمل الطلاب المبتعثون من الدول الإسلامية على تصحيح كثير من المفاهيم والأخطاء، بالإضافة تزايد أعداد القادمين من السود إلى البلاد الإسلامية للحج، والدراسة، والعمل.

الهجرات الأولى : يرى علماء الاجتماع أن عوامل الهجرة تتمثل في مجموعتين هما:
عوامل الدفع، وعوامل الجذب، وهذه العوامل تختلف من شخص لآخر، ومن وقت إلى وقت، ومن منطقة لأخرى. هذا وقد هاجر أعداد كبيرة من المسلمين إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال القرن العشرين، وخاصة خلال النصف الثاني منه، ولعل أهم عوامل الدفع للهجرة تتمثل في الآتي:
1ـ ضعف الفرص الاقتصادية في كثير من البلاد الإسلامية.
2- الهروب من الاضطهاد الشيوعي للذين كانوا يعيشون في الصين والاتحاد السوفيتي سابقاً، وأوربا الشرقية.
3- الهروب من التسلط والدكتاتورية في بعض البلدان الإسلامية.
4- الهروب من الاحتلال، وخاصة بالنسبة للفلسطينيين، والأفغان بعيد الاحتلال الشيوعي لأفغانستان.
5- ضعف الفرص الدراسية في كثير من البلدان الإسلامية، وخاصة الدراسات العليا، وبالأخص في العلوم البحتة مثل الطب والهندسة والكيمياء و الفيزياء.
6- الهروب من العنصرية، وخاصة في البلدان التي فيها أقليات إسلامية مثل الهند والفلبين، وسيريلانكا.

أما عوامل الجذب إلى أمريكا فتتمثل في وجود ما هاجر وسافر المهاجر من أجله، مثل توفر الفرص الاقتصادية، وتوفر الحريات، وتوفر الفرص التعليمية وغير ذلك من عوامل الجذب التي تختلف من شخص إلى آخر، ويبدوا أن العامل الاقتصادي كان أهم عوامل الجذب في النصف الأول من القرن العشرين، ويبدو كذلك أن العامل التعليمي كان أهم عامل في النصف الثاني منه، ففي السبعينات قدر عدد الطلاب الذين قدموا من البلدان الإسلامية للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي نصف مليون طالب، بعضهم آثر البقاء هناك بعد إكمال دراسته، وكان لؤلئك الطلبة دور كبير في نشرا الإسلام، وتأسيس المراكز والمنظمات الإسلامية.

وهناك دوافع نفسية للهجرة، تتمثل في الملل من البقاء في مكان واحد، والرغبة في التغيير، والتقليد، والاطمئنان لوجود بعض المعارف في المكان المهاجر إليه، فالناس يشجع بعضهم بعضاً، وعن هذا لجانب يقول (جارنير،Garni) لوحظ أن المهاجرين من قرية أو مدينة أو إقليم أو دولة، غالباً ما يشجع بعضهم البعض الآخر على الهجرة، وأنهم يتجمعون من جديد في نهاية المطاف ومثال ذلك تلك التجمعات أو الأحياء الخاصة بالصينيين، والزنوج والإيرلنديين، والإيطاليين، التي توجد بشكل خاص في المدن الأمريكية الكبرى، فعندما تكون الأخبار من الإبن أو الصديق المهاجر سارة، تنشط حركة الهجرة، فيهب الكثير من الأفراد سعياً وراء الهجرة، لا لشيء إلا لدافع الشعور بالصداقة أو القرابة الذي يجمع بين الأصدقاء والأقرباء) (الخامري، 10:1979 ومن الأحداث المهمة في تاريخ علاقة المسلمين بالولايات المتحدة الأمريكية، ودخول الإسلام إلى تلك الديار، وترسيخ دعائم الجالية الإسلامية في أمريكا مشاركة الحكومة العثمانية بوفد في معرض ( فيلادلفيا) الدولي للصناعات الذي أقيم في عام 1876 م حيث أدرك الحرفيون- وكان معظمهم من بلاد الشام- الفرص الكبيرة المتاحة في العالم الجديد، وربما كان ذلك سبباً في هجرة بعضهم فيما بعد، وإغراء غيرهم بتلك الفرص، وتجدر الإشارة إلى أن هناك معرضاً في العاصمة (واشنطن) لا يزال إلى الآن يعرض بعض المنتجات التي عرضت في معرض عام 1876.

هذا وقد سُجّـل المهاجرون في تلك الفترة تحت مسمى (أتراك)، وبعدما طبقت الحكومة العثمانية قانون التجنيد الإجباري عام 1908 م بدأت أعداد من المسلمين تولي وجهها نحو أمريكا، وبدأ كثير منهم بيع السلع على عربات متنقلة، أما الناجحون فأصبحوا أصحاب متاجر ومصانع مشهورة، مثل عائلة فرح التي تصنع بنطلونات من أفضل أنواع البنطلونات في العالم، وقد أخفى كثير من المسلمين إسلامهم لكي يتمكنوا من دخول الولايات المتحدة الأمريكية، (انظر: ويليامز، 1994 م).

وكما يذكر ( ويليامز) ( كانت قوانين الهجرة في أمريكا تتضمن تمييزاً ضد العرب، إذ نصت على أن الهجرة غير مسموحة إلا للبيض والسود، وعلى سبيل المثال حوكم عربي أمريكي في العشرينات من القرن العشرين لتقرير هل يحق له الحصول على الجنسية بسبب لونه القمحي، لكنه كسب القضية حين أعلن القاضي أنه أبيض، ولا يزال كثيرون يروون قصصاً عن تستر آبائهم وأجدادهم على إسلامهم لكي يفلتوا من موظفي الهجرة وتحاملهم) (ويليامز، 14:1994 ).

ومن أجل تلك الظروف قام المهاجرون منذ أواخر القرن التاسع عشر بعزل أنفسهم في مستوطنات خاصة، وكان مجتمعاً مكوناً من الذكور في أغلبه، وتكونت جماعات قومية وشبه قومية في المراكز الحضرية في الشمال، وخاصة في مدينة (ديترويت) وقد استقر المهاجرون العرب على الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية (Rashad,1991). ومن جهة أخرى، كانت أعداد المسلمين في بداية القرن قليلة، وكانوا عموماً محدودي الثقافة والتعليم، وكان الهدف من الهجرة في معظمه هدف اقتصادي، ولذلك لم يكونوا مهيأين لحمل الدعوة إلى الآخرين، وكان تأثيرهم محدودا فيمن حولهم، وخاصة السود، للأسباب التالية:
1- ضعف الثقافة والتعليم، كما أسلفنا. فمعظمهم لم يكن متعلماً تعليماً جيدا.
2- الوقع النفسي للغربة، وما تسببه من ضغوط على المهاجر، الذي لم يكن يجد حوله عددا كافياً من قومه يشاركونه غربته.
3- حاجز اللغة، فلم يكن المهاجرون الأوائل يجيدون اللغة الإنجليزية، حيث لم يكن هناك معاهد لتعليمها، ولم يكن هناك جاليات تتكلم الإنجليزية في البلدان العربية كما هو الحال اليوم.

ويعتقد (أديب رشاد) أن المهاجرين الأوائل من المسلمين لم يحاولوا تعريف الأمريكيين السود على الإسلام، رغم أن بعضهم أسس تجارته الصغيرة في أحياء يسكنها جماعات من الأمريكيين الأفارقة، وعندما يدور الحوار حول التربية الدينية، فإنهم يتجاهلون تماماً مجموعات السود. ويضيف أن بعض المسلمين في تلك الفترة كان يخالف تعاليم الإسلام في كثير من تجارته وسلوكه من أجل رجاء الحصول على الحلم الأمريكي في الثروة. وكان ذلك سبباً في أن بعض الأمريكيين الأفارقة كان يتساءل عن الأسباب التي دعت العرب والهنود وغيرهم من الـمــســلمـيـن، حـتـى الذين جـاؤا من إفـريقـيا إلى عـدم تقـديم الإســلام إلى الأمريكـيـيــن الأفــارقة ( Rashad,1991:15).

ولعل من أوائل الهجرات إلى أمريكا ما أشار إليه (الداري) عندما ذكر أنه في السنوات الأولى من القرن العشرين نزح إلى القارة الأمريكية عدد كبير من مسلمي شبه القارة الهندية، ومن جزر الهند الشرقية، وفي سنة 1906م هاجرت من البنجاب مجموعة من مسلمي الهند استوطنوا ولاية كاليفورنيا، كما هاجرت إلى هذه الولاية جاليات عربية (الداري، 1403: 21).
وعن أسباب هجرة البنجابيين يقول (رشاد، Rashad) انهم فعلوا ذلك هروباً من الاستعمار البريطاني، وتقليدا لبعض جيرانهم، وهروباً من المجاعة التي اجتاحت الهند في تلك الفترة، ويقول أنهم استقروا على الساحل الغربي وعملوا في الزراعة، وكانت (ولوز، Willows) في كاليفورنيا واحدة من المناطق التي استقروا فيها، وينتشر أحفاد أولئك المهاجرين في غرب الولايات المتحدة، كما استقر بعض الأوائل من الهند وباكستان في الموانئ الشرقية، كانوا طلاباً وتجارا بحريين، وكان معظمهم من الرجال الذين ظنوا أنهم يستطيعون أن يجمعوا ثروة من أمريكا في وقت قصير ثم يعودون بما جمعوه من ثروة إلى بلدانهم، ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن، فأحياناً تتأخر الثروة، وأحياناً لا تأتي، ولذلك قرر بعضهم الاستقرار في أمريكا لعلمه بسوء الأحوال التي تنتظره لو عاد. واستقر معظمهم في المناطق الحضرية، أما المناطق الزراعية فقد جذبت إليها المهاجرين ذوي الأصول الريفية الذين ارتبطوا نفسياً ومهنياً بالزراعة (انظر:Rashad,1991).

ومما لا شك فيه أن انهيار الإمبراطورية العثمانية كان له دور كبير في هجرة أعداد كبيرة من التتار والألبان والبوسنيين، ( ففي عام 1915 م أقام الألبان مسجداً في (مين) وأقاموا مسجدا آخر عام 1919 م في كونيكتكات، ومنذ الستينات بدأ الأتراك يستغلون الفرص الاقتصادية المتاحة لهم في الولايات المتحدة الأمريكية، مثلما فعل مسلمو إفريقيا وإندونيسيا وماليزيا. وربما كان أكثر المهاجرين . تحمساً لدينهم الوافدون من الهند وباكستان وبنجلادش، فبعدما بدأت بريطانيا تسد الباب في وجوههم بسبب قوانين الهجرة العنصرية فيها، أخذوا يتجهون إلى الولايات المتحدة التي فتحت أبوابها أمام المهاجرين من العالم الثالث. وكان هؤلاء ( قدا شحذوا إيمانهم ورسخوا عقيدتهم نتيجة للحرب الدينية التي شهدتها شبه القارة الهندية. لذلك هم أنشط الجاليات في أمريكا لجهة تنظيم أنفسهم وتشكيل المنظمات الإسلامية) (ويليامز، 1994: 15 -16).
ولعل من أقدم المجموعات الإسلامية التي نزحت إلى القارة الأمريكية مجموعة من المهاجرين استوطنوا مدينة (سيدر رابيدز) بولاية (أيوا) من بينهم خمس عشرة أسرة عربية مسلمة هاجرت من سوريا ولبنان عام 1895 م واستوطنت فيها (الداري، 21:1403). وانظر كذلك مجلة قافلة الزيت، ربيع الأول 1396 هـ). وعلى العموم هناك مهاجرون لأمريكا من جميع الدول الإسلامية وغير الإسلامية بعضهم وصل في فترات مبكرة، والبعض لم يهاجر إلا في النصف الثاني من القرن العشرين.

الجالية العربية : ليس هناك بلد إسلامي لا يوجد منه مهاجرون إلى أمريكا، وربما كانت دول الخليج العربي من أقل الدول التي يوجد منها مهاجرون في أمريكا، وذلك لترفر الفرص الوظيفية فيها، وارتفاع مستوى المعيشة بالنسبة لغالبية السكان، وتوفر الأمن والاستقرار الاجتماعي والسياسي، وقوة الروابط الأسرية والاجتماعية، يضاف إلى ذلك أن بعض مجتمعات تلك الأقطار لم تنفتح على العالم الخارجي وتحتك به إلا في فترات متأخرة نسبياً، فالمملكة العربية السعودية لم تقع تحت الاستعمار وكانت شبه مغلقة إلى أن وحدها الملك عبد العزيز رحمه- الله وأسكنه فسيح جناته، وبدأ في بناء المؤسسات التي تتطلبها الدولة الحديثة، وكان أول احتكاك مباشر وملموس بالثقافات الغربية يتمثل في التنقيب عن النفط من قبل الشركات الأمريكية، والتي مثلت أولى نوافذ الاحتكاك الاجتماعي بالعالم الخارجي.
وقد شكل المهاجرون العرب على مختلف موجات هجرتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية جالية من الجاليات العديدة التي اشتمل عليها المجتمع الأمريكي. وإذا صح ما ذكره الأديب الأمريكي (والت ويتمان) من أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست أمة واحدة، بل أمة تعج بالأمم، فإن الجالية العربية ليست جالية واحدة، وإنما هي الأخرى جالية تعج بجاليات متعددة، فهناك اللبنانيون والسوريون والفلسطينيون والسودانيون والمصريون واليمنيون والعراقيون والمغاربة والتونسيون والجزائريون وغيرهم وكل هؤلاء يشكلون عناصر الجالية العربية في الولايات المتحدة الأمريكية (جزين، 1987 م).

وقد مرت بعض الأقطار العربية بظروف دفعت بالكثير من سكانها إلى الاتجاه إلى الغرب هرباً من الأوضاع السيئة التي وقعوا فيها وبحثاً عن الحرية من جهة، وتحسين أوضاعهم الاقتصادية من جهة أخرى، وتعتبر بلاد الشام والتي تشمل سوريا ولبنان وفلسطين من أكثر المناطق في العالم العربي طردا للسكان، وكان السبب في ذلك يعود إلى تسلط الحكومة العثمانية وإرهاق الناس بالإتاوات والضرائب (انظر، صليبا: 1985)، وكان المسلمون والنصارى سواسية في ذلك، إلا أن المهاجرين من النصارى كانوا أكثر لتشابه عقيدتهم مع عقيدة البلاد التي هاجروا إليها. أما المسلمون فقد كانوا يترددون كثيرا في الهجرة إلى بلاد غير بلاد المسلمين خشية على دينهم، ويروي كمال نمر حادثة طريفة روتها له إحدى السيدات المسلمات في مدينة (ديترويت)Detroit في ولاية (ميتشجان)Michigan حيث قالت: الأسباب اقتصادية ملحة، فكر والدي في الهجرة من لبنان إلى أمريكا، وفي سبيل ذلك جد واجتهد إلى أن استطاع أخيرا أن يحصل على تذكرة وإذن بالدخول. وما أن وطئت قدماه المركب الذي سيحمله عبر البحار إلى أمريكا، حتى خطر بباله أمر هام، فاتجه إلى الربان مستفسرا: هل يوجد في أمريكا مساجد؟ وهناك حدثت المفاجأة، إذ ما كاد يعلم أنه لا يوجد فيها مساجد، حتى هرول تاركاً المركب، وهو يقول: إنها إذن بلاد كفر ولن أذهب إلى بلاد كفر أبدا) (النمر، 1407: 15).

وقد أشارت (اليكسانان) إلى سبب إحجام العرب المسلمين عن الهجرة إلى أمريكا عندما قالت: (وقد دفع الخوف من صعوبة المحافظة على التقاليد الإسلامية في قلب مجتمع غربي مسيحي إلى إعاقة عملية هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة) (اليكسانان، 1985: 26).

وبالنسبة لعدد المهاجرين العرب في أمريكا تقول (اليكسانان): (تعتبر الجالية الأمريكية العربية في الولايات المتحدة، وقوامها 2 مليون نسمة، نتاجاً لقرن كامل من الهجرة. وهناك 90% من المهاجرين تقريباً من المسيحيين و10% من المسلمين، وهذه نسبة عكسية لنسبة المسلمين إلى المسيحيين في الشرق الأوسط) (المصدر السابق: 18). أما سمير ابرهام ونبيل ابرهام فيريان أنه ( من الصعب تأكيد العدد الفعلي للأمريكيين العرب وذلك لنقص الإحصاءات الدقيقة. ويتفق المراقبون والخبراء بصفة عامة على أن عدد الأمريكيين العرب يتراوح بين 2 مليون إلى 3 مليون عربي، وذلك بعد مرور ما يزيد على قرن كامل من الهجرة والنمو) (ابرهام وابراهام، 1985: 19). ويقدر ( فريد نعمان ) F.Numan عدد العرب المسلمين في الولايات المتحدة ب 000، 620 نسمة، يمثلون 12.4% من مجموع المسلمين هناك ( Numan,1992:13).

ويمكن النظر إلى الهجرات العربية التي تمت في النصف الثاني من القرن العشرين على أن غالبية أفرادها من المسلمين القادمين من بلاد مستقلة، فبين عامي 1967 و 1976م هاجر من العراق حوالي ثلاثة وعشرين ألفاً، ومن الأردن وفلسطين أكثر من خمسة وعشرين ألـفــاً، ومــن ســوريـا حـوالي عـشــرة آلاف، ومن مصـر أكثر مـن سـتــة وعــشـريــن ألـفــاً ( Gottesman,1980). وليس بالضرورة أن تكون تلك الأعداد كلها من المسلمين، فالسجلات الأمريكية لا تضم معلومات عن الديانة، ولكن من المرجح أن غالبية المسيحيين ممن كان ( يريد الهجرة قد هاجر من قبل، وأن الموانع التي كانت تحول بين المسلمين والهجرة قد ضعفت، وخاصة في العقدين الأخيرين، لتوفر الجماعات والمؤسسات الإسلامية المختلفة.

وبالنسبة للمهاجرين اليمنيين، لا يوجد اتفاق بين الباحثين على تاريخ وصولهم طلائعهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولكن هناك من يرى أنهم بدأوا في التدفق والهجرة بعد افتتاح قناة السويس في عام 1869 م، فقد ادعى- فلاح عجوز من كاليفورنيا يبلغ من العمر 90 عاماً أنه قد جاء إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مستهل القرن العشرين، وأن عمه قد وصل إليها قبله بعدة سنوات (Bisharat,1975:24). وفي دراسته الميدانية عن الجالية اليمنية في (ديترويت) يذكر الخامري أن المستجيبين لاستفساراته كانوا يشعرون بالفخر عندما يتحدثون عن تاريخ هجرة أقاربهم إلى الولايات المتحدة، فقد ذكر بعضهم أن أجدادهم وآباءهم وأقاربهم قد وصلوا إلى الولايات المتحدة في الفترة من 1900 إلى 1910 م (الخامري، 1979: 24).
هذا وقد انتشر اليمنيون في مدن كثيرة في أمريكا، وخاصة ما يقع منها على الساحل الشرقي مثل نيويورك وبوسطن، ولكن تعتبر مدينة (ديترويت،Drtroit) في ولاية (ميتشجان)Michigan من أكثر المدن الأمريكية التي يوجد بها جالية يمنية، فقد قابل الباحث في مدينة (دينفر) أحد اليمنيين الذين يعيشون في (ديترويت) وسأله عن تقديره عن عدد الجالية اليمنية هناك، فأفاد بعد التشاور مع زميل آخر بأن عددهم يتجاوز الثلاثين ألفا، أما تاريخ هجرتهم إلى تلك المدينة، فيرى نبيل ابراهام أن مجموعة صغيرة من اليمنيين جاءت إلى (ديترويت) منذ عام 1900 م (ابرهام وابراهام، 1985: 191) ومن هناك بدأت أعدادهم تتزايد، وخاصة في الستينات والسبعينات، فقد وجد الخامري أن 69,5% من عينة دراسته وصلت إلى (ديترويت) خلال الفترة من 1970 إلى 1978م، ومعظم المهاجرين اليمنيين من صغار السن، فالخامري في دراسته المشار إليها وجد أن 80% من عينة بحثه تتراوح أعمارهم بين 17 سنة و 37 سنة، أما الذين بين 37 و 57 سنة فقد بلغت نسبتهم 17%، بينما يمثل الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 57 سنة 2% فقط، (الخامري، 1979).
وأغلب المهاجرين اليمنيين من الذكور الذين يعتبرون أنفسهم مهاجرين مؤقتين جاؤا لهدف اقتصادي ولا ينوون الإقامة الدائمة، وتشير كثير من الدراسات إلى أن اليمنيين يميلون للسكن في مجمعات، وفي مناطق معينة في مدينة (ديترويت) ولذلك أسباب عدة، فدراسة الخامري تشير إلى أن 4، 44% من عينة البحث ترى أن أسباب التركز في تلك المناطق سببه قوة العلاقات والروابط بين أفراد الجماعة، وحاجة أفرادها إلى تبادل الدعم، كما ذكر 38.9% أهمية القرب من مكان العمل، وذكر 8. 7% أن دافعهم كان رخص الإيجار (المصدر السابق: 58). ومن الواضح أن الروابط المختلفة والعلاقات تعتبر من أهم العوامل التي تحدد المنطقة السكنية في تلك المدينة، وهناك ميل من القادمين الجدد للسكن مع أقاربهم أو ذويهم أو معارفهم من الفلاحين حتى يتمكنوا من الحصول على عمل، وعلاوة على ذلك فإن دور العلاقات والروابط الاجتماعية مهم في تكيف المهاجرين الجدد مع البيئة الجديدة لوجود حاجز اللغة، ولتأثير الصدمة الحضارية، وللجهل بالقوانين والأنظمة وطرائق المعيشة. وتعتبر المساجد والمحلات التجارية العربية والإسلامية، والمقاهي من الرموز التي تجذب المهاجرين الجدد للسكن بقربها لما يجدونه فيها من إشباع لاحتياجاتهم المعنوية والمادية، والنفسية والاجتماعية.

وإذا كان معظم المهاجرين اليمنيين من العمالة غير الماهرة والتي تحترف الزراعة، فإن العقدين الأخرين شهدا تزايدا في أعداد المهاجرين العرب من العمالة الماهرة، وحملة الشهادات العليا، فيذكر محمد عبد العليم مرسي أن مصر خسرت نزيفاً بشرياً إلى الولايات المتحدة على شكل دارسين للدكتوراه امتنعوا عن العودة إلى بلادهم بعد انتهائهم من دراساتهم، وقد بلغ عددهم (950) فردا من مختلف التخصصات التي أوفدتهم دولتهم للتعمق فيها. وبحساب أن الواحد منهم يكلف بلاده عشرين ألف دولار في السنة، فإن مصر خسرت خلال تلك الفترة (1970- 1980م) ما يزيد على خمسين مليوناً من الدولارات هي فقط تكلفة تعليمهم على الأرض الأمريكية أثناء دراساتهم العليا فقط، أما ما سبق ذلك من تكاليف فلم يدخل في الحساب (مرسي، 1404: 71-72).
ويفيد المهاجرون العرب بلدانهم بالحوالات المالية التي يرسلونها لأسرهم، فالمهاجر اليمني يمكن أن يعيل أسرة كبيرة في اليمن عندما يحول لها مائة دولار في الشهر، و.هو مبلغ من السهولة الحصول عليه وصرفه في أمريكا، ولكنه مبلغ كبير عندما يحول إلى الريال اليمني، ويصعب الحصول على مثله في داخل اليمن، كما يفيد المهاجرون العرب في نشر الإسلام، وفي خلق شيء من التوازن مع اللوبي الصهيوني، وإن كان العرب إلى الآن لم يصلوا إلى أن يكونوا قوة مؤثرة في السياسة الأمريكية، وإن كانت المؤشرات تدل على أن الوضع يسير من حسن إلى أحسن، وخاصة عندما تنسق الجهود بين جميع الفئات المسلمة وغير المسلمة، والعربية وغير العربية، ومن جهة أخرى يشكل المهاجرون العرب خسارة كبيرة لبلدانهم بنقص العمالة، وخاصة الماهرة منها، ونقص الكفاءات في التخصصات العلمية المختلفة.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف ركن الدعوة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.