لنُعِد السيرَ في دربِ الإخاء

هذه لفتة طيبة وصلتنا بالبريد الالكتروني من أخ لم يذكر لنا اسمه لكنه ترك فينا أثراً عميقاً بكلمته الصادقة ، وهو يصف حالة صار يعاني منها العديد من الإخوة بل قل تيارات إسلامية بكاملها ، وهذه اللفتة تتفق مع منهجنا في موقعنا الصغير بحجمه؛ الكبير بكم إخوتنا الأحبة وأخواتنا الغاليات ، لذا رأينا نشرها دون تصرف فيها وندعو الإخوة إلى نشرها وإعادة فقه الإخاء بيننا ، فبارك الله للأخ فيما كتب وجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

لفتة : لنُعِد السيرَ في دربِ الإخاء

كثيراً ما يتعجب الإنسان؛ ما سر نجاح التيارات الخرافية واستمرارها وتماسكها رغم الوعي الذي انتشر، والنقد العلمي الذي ارتفع صوته هنا وهناك، والصحوة المنهجية التي شاعت في أرجاء الدعوة والدعاة؟ وما سبب فشل أو إخفاق كثير من التيارات الواعية المتبصرة، والمدارس العلمية في إنجاز شيء له وزنه على أرض الواقع رغم كثرة الملتفين حولها والملتقين معها وعليها؟

لعل من أهم أسباب ذلك – إن لم يكن أهمَّها – فَقْدُ الترابط الأخوي بين هذه التيارات الواعية، وشح العنصر الروحي فيها، بينما نجد العكس تماما عند التيارات والجماعات الأخرى، فنرى اهتمامها بهذا الجانب أشد اهتمام، وربما لا يكون لها عمل إلا به، بتقوية الروابط، والتواصل القلبي والروحي – سواء بوجوه موافقة للشرع أو مخالفة له – بين الشيخ ومريديه، وبين المريدين أنفسهم، فيشعرون أنهم يصدرون عن نبع واحد، ويغرفون من عين مشتركة توحد بينهم وتزيدهم تآلفاً وتآزراً وتكاتفاً. هذا الأمر لا أتكلم به تنظيراً وفذلكة؛ ولكنها والله أحاسيس أسطرها ومشاعر أخطها من واقع تجربة، ورصيد ممارسة. فكم يكون الإنسان بحاجة في كثير من الأحيان إلى كلمة إيمانية، أو ربط على قلبه وتفقد لحاله، أو تشجيعاً وتحفيزاً وتثبيتاً ممن حوله، لكنه للأسف يجد أن أقرب الناس إليه – ممن يشاطرونه دربه ويسلكون مسلكه- يجدهم بعيدين عنه كل البعد، فلا أحد لديه الوقت ليشاركك شيئاً من همك أو فكرك أو شؤونك. وإن أكبر خيبة يشعر بها الإنسان عندما يرى رفقاءه وإخوانه القريبين إلى قلبه وكيانه وشعوره، يكاد يتلاشى عندهم هذا الجانب أو يفنى، حتى الرأس أو القدوة فيهم تجد بينك وبينه هوة عظيمة، وودياناً سحيقة. ليس درس العلم كل شيء، وليس التنظير للدعوة والتكتيك لها كل شيء، وليس التحليل والتفسير لما يجري هو عصب الدعوة، إنما هناك أمر أعمق من ذلك وأدق بكثير، ما أكثر ما نغفل عنه. إنه جانب الإخاء، جانب التواد والتكامل والتكافل …

هل من الصواب في ميزان الدعوة والعمل الإيماني أن يكون أخ بين مجموعة إخوة يعاني من أزمات ومشاكل نفسية أو اجتماعية أو اقتصادية ثم لا يهتم به ولا يفطن لحاله ولا ينتبه إليه أحد من إخوانه الذين يحسبهم أنهم أقرب إليه من أهله، وألصق به من نفسه!!! هذا يعني أن هذه المجموعة قد فقدت الإحساس، وتجمدت عواطفها ومشاعرها، وأقصيت وشائج الأرواح فيها، فماذا يبقى بعد ذلك؟؟ مجاملات … ومداهنات … ومناقشات … وجدالات …. وأفكار جامدة … ومبادئ جافة .. أيمكن أن يقوم عمل دعوي أو إصلاحي له جذوره وتأثيره وتأصيله على هذه الشكليات فقط – أفكار وأراء وطروحات – دون استحضار مكامن الإخاء، ومنابع الصفاء والمحبة، واستثارة الترابط الروحي بين القائمين على هذا العمل… وكثيراً ما يشك المرء في صوابية عمله، وصحة مسيرته عندما يجد كل هذا البعد وكل هذا التبلد والجفاء. ولا يَثبتُ – والحال هذه – إلا من كابر عواطفَه، وأهمل أحاسيسه لمصلحة الدعوة والنهضة – وقليلٌ ما هم – ، أما الغالب والأكثر الذين يشعرون بهذا الفراغ ويتعطشون لهذا الجانب فتراهم يميلون يمنة ويسرة، باحثين عن جو إيماني وفضاء روحي يملأ عليهم كيانهم، ويعالج ما خرشته فيهم مخالب الفتن المحيطة بهم. كم رأينا من هؤلاء الإخوة!!! وكم كنا نلومهم لعدم ثباتهم وتأرجحهم، ولم نكن نشعر بهذه الفجوة وهذا الجمود فينا … نريد الناس كلهم أن يسيروا معنا كأحجار الشطرنج، دون أن تكون لهم أرواح أو مشاعر أو قلوب أو عواطف . والله إن ابتسامة في بعض المواقف من بعض الإخوة لأخيه لكفيلة بإسعاده أسبوعاً كاملاً، وإن كلمة طيبة رقيقة لكفيلة ببث الثقة والطمأنينة في نفسه المضطربة شهراً كاملاً. وإن تفقد الأخ لأخيه أو الداعية لمن حوله لكفيل بأن يوقد جذوات طالما خمدت .. جذواتٍ فيها من الطاقات الشيء العظيم … يوقدها بلفتة منه سنوات طويلة

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف مقالات القراء, منائر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.