دراسة ظاهرة الارتداد عن الإسلام

إن التبسيط الذي يعيش فيه العديد من المتكلمين باسم الإسلام قد أدى إلى عدم النظر في المآلات المحزنة لبعض المسلمين ، والانتصارات الهامشية مهما كبرت فلن تغطي شيئاً من الواقع الذي يجب أن نحسه ونعيشه ، وقد اعتاد الوعاظ الأفاضل أن يلهوا الساحة دائماً بنبأ إسلام فلان من الناس (مما بعضه حق وكثير منه كذب صراح) مغرقين الأمة في نشوة كاذبة ، بدءاً من نيل أرمستروغ مروراً بالقبطان كوستو وانتهاء بالشريط السمج عن الحفر في طبقات الأرض والذي أدى إلى سماع أصوات عواء أهل النار! وفرحنا فرح الأطفال الغافلين عندما لم يبق أي كتاب في المكتبات حول الإسلام بعد أحداث أيلول ، ولم يسأل أحد نفسه! من الذين كتبوا تلك الكتب وكم شخصاً أسلم وكم ممن دخل قد ارتد! كما لم يسأل أحد نفسه عن مئات الآلاف من أبناء وبنات المسلمين ممن نخسرهم سنوياً مستبدلين بهم نشوة الفرح ببضع أشخاص ، ونقدم هذا البحث الهام للدعاة نقلاً عن مجلة الرشاد (مركز أبحاث الحضارة الإسلامية) أجل نظر أدق فيما نتحرك به ….

الـتـحـول عـن الإســلام

ظهرت في الآونة الأخيرة و في أعقاب أحداث أيلول عام 2001، بعض المواقع على شبكة الإنترنت و بعض الكتب تتحدث عن ظاهرة التحول عن الإسلام و تستعرض شهادات و تجربة بعض الذين تركوا الإسلام و تبين الأسباب التي حملتهم على اتخاذ هذا القـرار . و قد يكون من أسهل الأمور تجاهل هذه الكتابات و اعتبارها من جملة حملات الفتنة و التضليل و التهويش ضد الإسلام و المسلمين، و ذلك بقرينة استعمال الأسماء المستعارة من قبل أصحاب الشهادات و التي يصعب معها التحقق من هوية الكاتبين أو التحقق من صدق ما زعموا التعرض له . و لكن الأستاذ محمد حسان خليل اتخذ منحى آخر في التعامل مع هذه الظاهرة، و ذلك في ورقته التي قدمها ضمن أعمال المؤتمر السنوي الثالث و الثلاثين لجمعية علماء الإجتماع المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تميز بحثه بالجدّة و الجرأة لبحث موضوع شائك يتهيب من الخوض فيه كثيرون . فرغم القول الشائع أن الإسلام هو من أسرع و أكثر الأديان انتشاراً، و لكن الظروف التي أعقبت أحداث الهجمات الإرهابية في إيلول عام 2001 فرضت ضغوطاً على المسلمين و مهدت لحالات من التصريح بمفارقة الإسلام . و قد حاول الباحث أن يتحرى في ما نشر في هذا الموضوع، و الظروف التي صاحبت و مهدت مفارقة أصحاب هذه الحالات، و حاول أن يكتشف نماذج التحول و قواسمها المشتركة . فهل يميل المفارقون للإسلام إلى ترك الدين بالكلية أم أنهم يتحولون إلى دين آخر ؟ و هل تأخذ القضايا الإعتقادية الدور الرئيسي في التحول، أم أن هناك عوامل اجتماعية و تجارب و خبرات شخصية لعبت دوراً هاما ً في التحول ؟ و قد حدد الباحث هدفه في محاولة استقصاء نقدي للأبعاد المعاصرة لظاهرة التحول عن الإسلام، و عرض أهم الموضوعات التي تتكرر بوضوح في شهادات مسلمين سابقين و ذلك باستعراض ما نشر في الكتب أو على مواقع الإنترنت، و خاصة موقع (Answering Islam) و موقع (Nonie Darwish) و موقع (Apostates of Islam) و أعمال ابن الورّاق (Apostates Speak Out). وقد أشار الباحث إلى نقطة مهمة و هي أن أكثر الشهادات جاءت على لسان أشخاص بأسماء مستعارة فضـَّل أصحابها كتم شخصياتهم خوف التعرض للأذى . و لا شك أن هذا يفتح الباب للإنتحال و الإختلاق . و من ناحية أخرى هناك ما يدعو للإعتقاد أن بعض الشهادات حقيقية بقرينة احتوائها على تفاصيل معاناة شخصية . و على كل حال فهدف الدراسة ليس التقييم و التحقق مما يقال، بل المسح لما يتداوله الناس و ما يعرض في المجال الثقافي العام بشأن قضية التحول عن الإسلام .

و هناك قضية أخرى مهمة و هي أن استعراض ما يقوله التاركون للإسلام هو عرض آرائهم و قناعاتهم و ليس الإعتراف و القبول لأقوالهم، فكثير من أقوال هؤلاء تتعارض مع ما يقرره كثير من العلماء قديماً و حديثاً . و قد نقل الباحث على سبيل المثال ما قرره الإمام أبو حامد الغزالي في كتابه \\\” فيصل التفرقة بين الإسلام و الزندقة \\\” بشأن قضية تعذيب غير المسلمين في جهنم، و كذلك ما يقرره أكثر العلماء المسلمين في قضية إكراه المرأة على الزواج بمن لا ترضاه . فليس الهدف هو فتح باب الحوار و الجدال بقدر ما هو فهم وجهات نظرهم بتقرير ما قالوه وكأنه حقيقة ما يشعرون به للحصول على مسح علمي لما يقال في هذا الموضوع . و هذا لا شك يخدم أهدافاً علمية و اجتماعية، و خاصة إذا أراد المسلمون الذين يعيشون بين أغلبية من غير المسلمين أن يتفهموا عناصر استمرارهم و امتدادهم . و نظراً لصعوبة الإلتزام بالموضوعية التامة في أمور تتعلق بالتقدير الشخصي مثل درجة التدين أو ترتيب المؤثرات و الأمور التي أدت إلى اتخاذ القرار بترك الإسلام، فقد عمدت الدراسة إلى تصنيف المؤثرات و الدوافع إلى مجموعتين أحدهما تتعلق بالقضايا الفكرية و الإعتقادية، و الأخرى تتعلق بالأمور الشخصية و الإجتماعية والإنطباعات عن التفاعل مع مسلمين و غير مسلمين . و بعد استعراض شهادات التاركين للإسلام كما وردت في مصادرها، عمد الباحث إلى تحليل المعلومات و تصنيفها و استخلاص بعض التوجهات الرئيسية في العينة المدروسة . و قد ظهر أن الأغلبية العظمى من الذين تركوا الإسلام انتهوا إلى الإلحاد أو اللاأدرية أو النصرانية . و كانت أغلبية الحالات هم من الرجال، و قد يكون هذا مستغرباً حيث تسجل معظم الشهادات وضع المرأة في الإسلام كسبب لترك الدين .

و تنحصر حالات الإنتقال من الإسلام إلى الهندوسية في إندونيسيا و الهند . أما الإنتقال إلى الإلحاد أو الاأدرية فكانت أغلبية الحالات من أفغانستان و الهند و بنغلادش و باكستان و المنطقة العربية . و يلاحظ من تحليل الشهادات المذكورة في المصادر التي جرى مسحها أن هناك عدد من النماذج المتكررة و خاصة فيما يتعلق بالبواعث الفكرية و الإعتقادية .

• فوضع المرأة في الإسلام كان من الأمور التي ذكرت في كثير من الشهادات .

• و مصير الطيّبين من غير المسلمين و الذين يتفوقون على كثير من المسلمين بالإلتزام الأخلاقي و محبة الخير و المساعدة، فقد كان من المشكل عند الكثير من أصحاب الشهادات الإعتقاد أن مصير هؤلاء إلى جهنم بغض النظر عما قدموه أو فعلوه .

• و أشارت بعض الشهادات إلى القرآن الكريم و أن كثير من الأفراد ينشأون و يدرسون القرآن دون أن يعلموا أو يفهموا ماذا يعني، و عندما يقرأون بعض الترجمات أو ما يكتبه بعض العلماء الغربيين عن القرآن يسبب ذلك شيئاً من الإضطراب و الشك .

• و أشارت بعض الشهادات إلى شخصية النبي محمد (صلى الله عليه و سلم) و غيره من قادة المسلمين و أنها تبدوا غير مثالية .

• و أشارت بعض الشهادات إلى التوثيق التاريخي للمصادر الإسلامية ( القرآن و الحديث ).

• و أشارت بعض الشهادات إلى ما تعتبره تناقضاً واضحاً بين الشريعة و حقوق الإنسان و خاصة مفهوم الجهاد و ما يعتبره الإسلام عنفاً أو عقوبة مشروعة .

• و أشارت بعض الشهادات إلى ما تعتبره تناقضاً بين العدل الإلهي و وجود الألم و الشر و المصائب و خاصة عندما تعرض بعض هؤلاء لأدبيات الملحدين و مناقشاتهم في هذا الموضوع .

• و أشارت بعض الشهادات إلى عدم معقولية الدين بشكل عام . و التناقض بين الإسلام و العلم و خاصة نظرية التطور كمثال مشهور .

• و أشارت بعض الشهادات إلى صرامة الأحكام الشرعية و التي تبدو غير ضرورية .

• و أشارت بعض الشهادات إلى الضيق بعربية القرآن و لذلك يقولون أن الإسلام هو دين مختص بالعرب و ليس ديناً عالمياً .

• و أخيراً فإن معظم الشهادات تشير إلى الإعجاب بقيم الحضارة الغربية . أما ما يتعلق بالدوافع الإجتماعية و الشخصية الناتجة عن التفاعل و العلاقات مع المسلمين، فقد أشارت الشهادات إلى الأمور التالية :

• التعامل مع شخصيات فظة و سيئة ذوي مستوى أخلاقي و إنساني متدني عن كثير من غير المسلمين .

• إزدواجية المعيار الأخلاقي عندما يتعلق الأمر بالمرأة في أمور يتسامح فيها مع الرجال عادة

• الطبيعة القسرية و الإستبدادية للمسلمين عبر التاريخ و قد ذكرت بعض الشهادات مثالاً عن ذلك الحوادث التي صاحبت أزمة عام 1971 و التي أدت إلى انفصال بنغلادش عن باكستان.

• تخلف مجتمعات المسلمين و خاصة عن المجتمعات الغربية المعاصرة.

• الكراهية و سوء المعاملة لغير المسلمين .

• سلبية المسلمين في مواجهة المصائب أو مواجهة الظلم و الإستبداد.

وفي ختام الورقة أشار الأستاذ الباحث إلى أمله في أن تطرح هذه الورقة و تنبه إلى القضايا التي أثارها الذين تركوا الإسلام . و لا شك أن هذا التوجه في التعامل الصريح مع القضايا المطروحة سيعين الجالية المسلمة في الولايات المتحدة – و في غيرها بالطبع – على امتلاك عناصر البقاء و الإستمرار في عالم طغت فيه القيم المادية و الثقافية الغربية . و لا شك أن مثل هذا الكلام ضروري و حيوي لأن يتنبه إليه الناشطون المسلمون في الجمعيات و المؤسسات و المراكز الإسلامية ليهتموا بالمشكلات الإجتماعية و الشخصية التي عبر عنها التاركون و بذلك يكون المسلمون أقدر على امتلاك مقومات الإستمرار و الإنتشار .

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.