أجرى الحوار فريق التحرير في جريدة الشرق القطرية
– حول المشهد في سوريا العزيزة، والمشهد الإقليمي وارتباطه على أكثر من صعيد بما تشهده سوريا في عامها الرابع للثورة التي قدّمت الكثير. رُبّما لم يشهد التاريخ الحديث ثورةً بهذه البطولة والتضحيات التي قُدّمت خلال السنوات الثلاث.. نستهلُّ هذه الندوة بقراءة المشهد بعد ثلاث سنوات من عمر الثورة السورية، بالسؤال: (سوريا الثورة) إلى أين تتجه؟ وما ملامح المرحلة القادمة؟ وكيف لهذه الثورة أن تمضيَ وفق المسار الصحيح وألا تتعرقل فيعود النظام للتمركز في مواقعه كما كان؟
– الشعب السوري يُدرك كم وقف إخواننا القطريون إلى جانبنا في كلّ الأمور، ولم يُقصّروا بل فتحوا صدورهم وبلدهم وخزائنهم ومحبّتهم للشعب السوري. لم أقابل قطريّاً إلا وشعرت أنّه يحسُّ بلوعةٍ تجاه الدمار الذي تشهده سوريا. ونشكر باسم إخواننا في سوريا دولة قطر أميراً وحكومةً وشعباً.
بالنسبة للوضع السوري، فكما ترون، الأمورُ تزداد تأزّماً، فسوريا عُقدة المنطقة كلّها، وهي كذلك منذ آلاف السنين، لذلك كانت دائماً فيها صراعات تاريخية ومحاولة للسيطرة عليها. ولم يكنْ يخطر ببال أحدٍ أنْ يستمر الانبثاق العفوي الذي حصل للثورة السورية مدّةً طويلةً لأنّ أحداً لم يعرف أنّ للنظام هذا الدور الذي فضحته الثورة السورية.
والشعب السوري معروفٌ بصدور أبنائه العارية، ودم أطفاله ونسائه والأبرياء منه، يتصدّى لهذه الأزمة الشديدة منذ ثلاث سنوات. الأمر الخطير الذي لا بُدّ من قراءته هو: لماذا مثلاً سُمح للنظام أنْ يستمرّ هكذا رغم جهودٍ كبيرةٍ بُذلت لاقتلاعه.. تفاهمات وتعارضات إقليمية ودولية، ولكن – سُبحان الله – المنطقة كلها منطقة كُمُون حضاري، وخُصومنا يسهرون على امتصاص هذا الأمر.. كثيرٌ من الإخوة أسألهم: ماذا فعل أبناء العراق حتى يُدخَلوا في حصارٍ شديدٍ ويُدمّر العراق؟ أمِن أجل صدّام؟ صدّام شخص وقد ذهبَ، ولكن لماذا يستمرُّ حصار العراق عشر سنوات ويُقتل من أبنائه أكثر من مليون طفلٍ بفريةٍ ظالمةٍ يعلم الجميع الآن أنّها كانت كذباً محضاً.
إنّ سوريا تحت خطرٍ وجوديٍّ، واضمحلالٍ – لا سمح الله – للأرضِ والشعب.. الأمة العربية – وهي جسم الإسلام -الآن تحت خطرٍ وجودي، وتُفكّك قطعةً قطعة، وكثيرٌ من الجهات لا تنتبه لهذا الأمر؛ لقد دُمّر العراق، والآن بلاد الشام، ومصر تُفكّك، وتقريباً لا يكاد يوجد بلدٌ عربيٌّ ليس فيه إشكال.. والبلد الذي ليس فيه هناك من يُحاول أن يُدندنَ ويوجِدَ من الهواء مُشكلةً.
نحن جزءٌ من منظومةٍ أكبر وأخطر، فحتّى السودان قد التُهمتْ بدون أنْ يُحسّ أحد.. السودان أكبر بلدٍ عربي، ومعروفٌ أنّها وحدها كانت كافية لِتُقيم أوْد العرب.
النظام العالمي الجديد والمنظومات الدولية طبيعتها التوسُّع، وهذا التوسع يصطدم بالقوى الموجودة، لذلك لا بُدّ من تحطيمها، وأفضل طريقةٍ هي تجزِئتها إلى مجموعاتٍ صغيرةٍ مُتناحرة، فتُستهلك كلُّ طاقتها الحضارية وتُدمّر كل مقوّماتها البشرية، ومن ثَمّ تُصبح هذه المنظومات الدولية التي تُحاول الهيمنة على العالم في بحبوحةٍ شديدة، وتَستهلِك طاقات العالم كلّه كما نرى.
التفاوض مع النظام
– من أسباب بقاء النظام كُلّ تلك المُدّة هو أنّ الطرف الآخر ضعيف ومُفكّك ومُتشرذم والخلافات تعصف به، فهل ترى أنّ إلقاء تبعيّة بقاء النظام على أطراف إقليمية ودولية ليس دقيقاً بالصورة الصحيحة؟
– سأذكر لكم أمراً عرفت جوابه منذ أقلّ من شهر: طُرحت مبادرةُ تفاوض مع النظام مُقابل إطلاق سراح النساء والأطفال، هذه كانت عفويّةً بصراحة ولكنّها انتشرت بسبب الحاجة إليها.. بعد ذلك طُرِحت مبادرة مدروسة بعمقٍ، وكانت لها بنود مدروسة بموضوعية شديدة، ورغم ذلك رُفضِتْ. تقريباً لم يبْقَ مسؤولٌ دوليٌّ أستطيع الوصول إليه إلا أوصلتُ له هذه المبادرة. حتّى لا يُقال إنّ المعارضة غير جاهزة.. هدفُنا إنقاذ البلد.. وتلك المبادرة كانت تقوم على أساس أنْ يُسلّم رئيس النظام كامل صلاحياته للحكومة الموجودة، وهي تبدأ بإعادة الهيكلة وتنظيف الوضع الداخلي، مع بنودٍ إضافيةٍ منها: عفو عام عن كلّ الذين حملوا السلاح سواءً من هذا الطرف أو ذاك كي لا تحصل مذابح مخيفة فيما بعد. وطبعاً كانت هذه فرصة كبيرة، حدث لها بعض الصدى الإعلامي الجيّد، ولكنْ لم يحصل لها أيُّ تبنٍّ دولي. ومنذ شهرٍ قال لي أحد المسؤولين: “هل تظنُّ أنّ أيّة جهةٍ تطرح أمراً سيتمُّ تبنيه؟ بلادكم لم تكن قد دُمّرت بالشكل الكافي قبل سنة ضمن ما يُرسم لها من التدمير، ولذلك حتّى لو تبنّى النظام تلك المبادرة فسيوضع لها عراقيل”.
بعيداً عن المعارضة، لِنفترض أنّ المعارضة كلّها خارج قوسين وليست ذات فائدة للبلد.. دعونا ننقذ البلد. إنّ بقاء هذه العصابة الحاكمة له دورٌ في زرع بذور صراع شديد. نحن لم نكُن نشعر كم فُتّتنا حتّى قامت الثورة، على سبيل المثال: حدثت مرّة مشكلة في منطقة الجزيرة وحاولت مع بعض الإخوة في الائتلاف التدخّل.. شيء عجيب جداً؛ لم تبقَ قبيلة ولا قرية لم يُزرع الشقاق فيها عن عمد. وحتّى الآن هناك أمورٌ أخطر قد لا ندري بها، وهي أنْ يتمّ فتح الأبواب لإعادة تركيب المنطقة جغرافياً وسياسياً وبشرياً بطريقةٍ تضمن بقاء الصراعات مستقبلاً.
احتمالات
– إذاً هل نتوقّع “سايكس — بيكو” التي بدأت من الشام، أنْ تبدأ أيضاً مرةً أخرى من الشام؟
– هناك دفعٌ باتّجاه هذا الأمر، حتى الآن لم يتبلور الموضوع بشكلٍ كامل، ولكنْ في الأجندات الدولية أحياناً توضع احتمالات بحيث يتّجه الأمر إلى هذا الجانب. الآن هناك أمرٌ أزعمُ أنّه تحليلٌ وليس معلومات، وهو أنّ دندنة بعض الأطراف على دولة إسلامية هو أكبر مساعدٍ الآن على إيجاد الدولة اليهودية التي لها سنوات تُحاول أنْ تمدّ برأسها ولا تنجح.. وطبعاً هذا الأمر ليس لِصالح الإسلام، وكُلّنا مسلمون ونتمنّى قيام كيان إسلامي يحمل الحضارة الإسلامية ولا يحمل جزئيات ضيّقة تُدخِل الأمّة في متاهات شديدة.. الإسلام وعاء حضاري وليس مجموعات عِصابيّة مغلقة تحمل للناس أدوات النفور. وموضوع الدندنة على الدولة اليهودية يحتاج إلى مقابل، وهذا المقابل لا يتحرّك بطريقةٍ تُلائم الإسلام وتتحرّك باسمه العريض والواسع، بل على العكس تُدخلنا في متاهات أكبر وأكبر، وتوقظُ العداوات الطائفية والنزعات المركزية. إنّ شعوب المنطقة كلّها مُعرّضة لمظالِم مختلفة، وكلّ هذه المظالم تستيقظ الآنْ لِتواجه بعضها، مما يعني المزيد من التفكّك والتشرذم. صرتُ مذهولاً حقاً مما كتبه ابن خلدون عن العرب وكيف أنّهم يحتاجون إلى الوقت ريثما تنضج الأمور عندهم، لكنّ الأمر أخطر بكثير، ما زلنا نستدعي التاريخ في كلّ خطوةٍ وبشكلٍ حاد جداً.
ساحة تصفية
– ماذا عن اللاعبين الإقليميين في سوريا؟
– سوريا الآن ساحة تصفية حسابات إقليمية ودولية، هناك تخوّف عربي من النفوذ الإيراني. هذا النفوذ الإيراني، هل سيكون إنهاؤه على حساب دور السوريين؟.. نحن لا نقول إنّ هناك من يتآمر علينا، لكنْ نقول إنّ دمنا يُستخدم لتصفية حسابات.. فعندنا أربع جهات في سوريا يُشتغل لتصفيتها:
1 – المتطرّفون، هم يُجمّعون لِيُصفَّوا هناك، ونحن مع رفضنا الكامل للفكر الذي يتحرّكون به لكنْ نأسف على أنّ المئات من شباب الأمة يذهب ومن دون قضيّة واضحة..
2 – الطرف الآخر هو الإسلام المعتدل الموجود في سوريا: الإسلام يُصفّى الآن، نحن السوريين انطلاقاً من رؤية إسلامية مُتمدّنة عميقة، لم يكن يخطر ببالنا أبداً مثلاً فكرة أنّ “هذا جاري من طائفة أخرى فلا أريد أنْ أعيش معه!”.. أهلاً وسهلاً وأستوعبه، فالناس كانت كلّها على تواصل اجتماعي وحضاري طيب، وتعيش بنوعٍ من التراحم والمحبّة والحرص على الآخر كإنسان.. فهذه العدوانية التي استُنفِرت لا تأتي بشيءٍ بسيط، وهناك مناهج تُضخُّ ضخّاً من أجل إيقاظ الخصومات التاريخية.. الآن يوضع شيء يُشظّي العالم الإسلامي كله، فهذا الإسلام المعتدل الذي يلمُّ الناس هو مقصود، ويُراد إيجاد إسلام عدواني يُوجدُ ذريعةً للصدام والتدخّل والهجوم في كلّ مكان..
3 – الطرف الثالث هو حزب الله وإيران ومشتقاتها..
4 – الطرف الرابع هو النظام..
هذه الأطراف الأربعة يُراد إنهاؤها في سوريا بإيجاد وقود ومبرّرات دائمة للصراع فيما بينها حتّى تفنى كلّها.
التورط في سوريا
– لكن هل ترون أنّ الطرف الثالث رُبما استقوى أكثر الآن؛ أي أنّ التدخل الإيراني وحزب الله رُبّما تمدّد أكثر في سوريا، وفي المنطقة كلّها إجمالاً؟
– برأيي أنّ من يُفكّر بتصفية هذه الجهات الأربع، لا يُفكّر بأنّ الملف الإيراني أكبر من قدرته على استيعابه. الآن، حتى موضوع دعم إيران حتّى تُنهك العالم الإسلامي أمرٌ يجري العمل له، كما يقول أحد الكاتبين: “دع الخصمين الشرّيرين يتقاتلان حتى النهاية، ثمّ ساعد الأضعف منهما”.. وهذا الذي يجري.
سألتُ رئيسَ جمهورية لإحدى الدول الإسلامية سؤالاً شعرتُ بالخوف حينما أجابني عليه، وهو: “هل هناك احتمال لدفع تركيا إلى التورّط عسكرياً في سوريا، وبالتالي فلن تسكت إيران، و من ثَم لن تسكت دول الخليج، فتتورّط أكبر قوى اقتصادية، وهي تركيا، مع أقوى قوة عسكرية في المنطقة: وهي إيران، مع أقوى قوة مالية: وهي الخليج، في صراع مئة سنة يخرج منه العالم العربي والإسلامي صحراء قاحلة؟”، فأجابني بأنْ هذا صحيح. لذلك من حوالي عشرة أشهر كانت هناك محاولة لزجّ الأتراك للتدخّل العسكري، وبصراحة رأس الحربة في ذلك كانت فرنسا، فالأتراك قالوا لهم نحن من حلف الناتو، فإما أنْ ندخل سوياً أو لا ندخل.. الفرنسيون لكونهم قد احتلوا سوريا أكثر من مرة (إبان الحروب الصليبية والاستعمار الحديث) فهم يعتبرون في منظوماتهم الفكرية أنّ أي مكان وطئه جنود فرنسيون فهو لهم.. الأمريكيون يتعاملون مع الأطراف التي تتقاطع معهم في المصالح، أمّا الفرنسيون فيُريدون من يتعامل معهم بولاءٍ ثقافي وفكري واجتماعي، ولذلك فهذه المنطقة مهمة بالنسبة لهم، وقد جعلوا أنفسهم منذ القرن السابع عشر حماةً للأقلّيات الدينية، ليس حرصاً عليها فهناك وثائق ومعلومات أنّهم ورّطوا الطوائف في صراعاتٍ مريرة، مثلاً مجزرة 1860 التي حصلت بين المسيحيين والدروز ويظهر أنّه كان وراءها بعض القناصل الأوروبيين. في السياسة — وهو شيء عجيب للغاية — لا تتورّع أيّة دولةٍ لديها نزعات استعمارية عن استخدام كل الأمور اللا أخلاقية واللا إنسانية. كنت قد قرأت في كتابٍ لساطع الحُصَري أنّ أحد احتمالات التدخل العسكري الفرنسي لاحتلال سوريا في بداية القرن العشرين كانت باغتيال بعض الشخصيات الفرنسية المقيمة في بلاد الشام.. فالأمور حقيقةً أكثر خطورةً مما يظهر لنا على السطح، والمكر التحتي أكبر بكثير.
مقاومة عنيدة
– في فتراتٍ سابقة، كان يُقال إنّ النظام في سوريا قاب قوسين أو أدنى من السقوط، لكنّ الأشهر الأخيرة شهدت عكس ذلك تماماً، إذْ إنّ المعارضة تراجعت، وتمَّ استرداد الكثير من المناطق، وقويتْ شوكة النظام.. فهل ترى أنّ هذه بداية عودة النظام للسيطرة الكاملة على سوريا، وبالتالي إنهاء ما يُسمّى بـ”الثورة”؟
– بدايةً، إنهاء الثورة ضمن ما يحلمُ به النظام غيرُ ممكن. والذي أذهل حتى أبناء الثورة أنفسهم هو أنّ هذه المقاومة العنيدة خلال ثلاث سنوات، مع الإمكانيات البسيطة، والدعم النسبي البسيط أمام ما يُدعم به النظام الذي يتلقّى ترسانات من الأسلحة من الإيرانيين والروس، بالإضافة إلى الدعم العسكري المباشر الذي يتلقّاه من إيران، حتّى إنّ هناك طيارين كوريين وفنزويليين أيضاً.. والثورة كلّها لا تمتلك طائرة واحدة لِتُقاوم بها.. فالنظام (يُحاول) الكسب.. أنا أقول إنّ هناك مداً وجزراً ولا يُمكن قراءة الأخبار باتّجاهٍ واحد. النظام يزحف، ولكنّ هذا الزحف سيكون عمره طويلاً جداً، أيْ لن تنتهي الأمور معه من خلال الحرب الإعلانية التي يشُنّها ويُحاول إقناع الناس بها.
عندما بدأت الثورة لم يبقَ شخص عاقل إلا وذهب وزار رئيس النظام ونصحه، وقال النظام حينها إنّ الأمور لا تعدو كونها خلافاً بسيطاً بين أبناء الحارة ومن شأن المخفر أن يحلّها وتنتهي المشكلة!.. ورأينا التدمير المُخيف الذي شهدته السنوات الثلاث الماضية.
أنا أستغرب فهناك قادة في التاريخ دمّروا شعوباً أخرى، لكنْ أنْ يقوم حكّامٌ بتدمير شعوبهم بهذه الطريقة فأمرٌ غريب وغير مقبول.
إنّ حجم الألم الذي أُصيب به الشعب السوري لا يسمح بإلغاء الثورة، فهو غدا أكبر من أنْ تقف الثورة به أو أنْ يستطيع أحدٌ إيقافها. هناك نقاط ضعف هائلة ضمن الجسم الثوري، وهناك من يُحاول مدّ يده إلى كلّ مِفصلٍ والتحكّم به والعمل على استراتيجيات خطيرة لا تكون لمصلحة البلد في المستقبل، ولكنّ الثورة بمجموعها لا يُمكن إنهاؤها بالطريقة التي يُوحي بها النظام والتي هي جزءٌ من حربه الإعلامية.
وفي نفس الوقت، وبكلّ صراحة، الثورة ضمن الوضع الحالي حسمُها للأمر ليس سهلاً.. لذلك نصلُ إلى نقطةٍ مُهمّة، وبغض النظر عن إرادات الدول الكُبرى التي تتقاطع مع هذا الأمر، إن موضوع الحسم العسكري صعبٌ جداً، ومن ثَم فإنّ الحلّ السياسي هو الحلُّ الأفضل، إلا أنّ النظامَ هو من يتعالى عليه بشكلٍ هائلٍ.. وبسبب نوع من “العقليّة اليابسة” الموجودة في المعارضة. عقلية النظام الآن هي نفسها قبل ثلاث سنوات، ولم يُصبح في لحظةٍ من اللحظات ذلك النظام الحريص على شعبه.
روسيا وايران
– أيْ هل بإمكاننا القول إنّ النظام هو من يقود دفةَ إدارة المعاركِ أو حتّى الخارطةَ السياسية؟
– هناك جزءٌ من النظام له قرار، ولكنّ الاستراتيجيّة العامة تتقاطع بين المصالح الروسية والإيرانية، والنظام صار دوره ضعيفاً بالنسبة لاستقلاليّته السابقة، فهو الآن لا يستطيع الخروج من هذه الاستراتيجية وهم يُورّطونه أكثر.. الأمر أصبح أشبه بلعبة المُقامرة، من حيث إنّ لاعب القمار يقول: لعلّي أعوّض الخسائر، والنظام يقول: لعلّ المزيد من العنف يُنهي الأمر.. والمزيد من العنف إنّما أوصل الشعب إلى نقطة اللا عودة مع النظام، فحتّى لو استطاع النظام — لا سمح الله — أن يُسيطر عسكرياً فهو لنْ يستطيع أنْ يُسيطر على الناس.
تقسيم سوريا
– قد طُرح أكثر من مرّة خيار تقسيم سوريا إلى ثلاث دولٍ أو أكثر، هل من الممكن أن يتحقّق هذا الخيار ويتمّ بالفعل تقسيم سوريا، أم أنّ الأمر لا يعدو كونه مجرّد تخويف؟
– ما أعتقده أنّه إلى الآن لم يُوضع هذا خياراً للتنفيذ المباشر، أيْ أنّه أحياناً تكون هناك إرادة دولية وزج مُباشر بهذا الاتجاه.. لم يوضع هذا الأمر بجدّيةٍ ولكنّه يبقى خياراً مطروحاً إذا حصلت بعض التطوّرات، يعني مثلاً، الآن لا الثوار ولا النظام يسعون إلى ذلك، ولكنّ هناك قوى معيّنة تضع هذا الأمر كاحتمال وقد تقودُ البلاد إليه وتزجّ بالأطراف من أجل استراتيجيات مُستقبلية، وما يجري حالياً يُمهّد لذلك، فحجم التوحّش الذي يقوم به النظام، واستخدام الطائفة التي ينتمي إليها رئيس النظام يوجد نوعاً من العداوات التي يصعبُ عيشُ الناس معاً في ظلّها. وكلّ الجهات العاقلة تُحاول إطفاء هذا الأمر، والثوّار مازالوا رغم آلامِهِم الشديدة يعملون بشكلٍ مناسبٍ ضمن إمكانياتهم وضمن طاقاتهم على ألا يتطوّر الأمر إلى صراعٍ مفتوح، أمّا النظام فلا مُشكلة لديه، هو كالمُقامر يقول إنّه إذا لم يستفِد فلن يخسر أكثر.
– كنت في فترةٍ من الفترات مُمسكاً بالائتلاف الوطني ثمّ خرجت منه، ما الأسباب الحقيقية التي تقف خلف خُروجك منه؟ هل فضّلت أنْ تخرج من هذا الكيان حتّى لا تُحسب عليك خطوات تُحمّلك حتّى مسؤوليّة الأجيال القادمة؟
– هناك عدّة أسباب، وأحدها أنّ تشكيلة الائتلاف نفسها ليست تشكيلةً مناسبة تقود المعارضة، وطريقة تعاطيه مع المسائل طريقةٌ أهزل بكثير من حجم الألم الذي يعيشه السوريون. كنا نمرّ في مراحل بنوعٍ من الحزبية داخل الائتلاف دمّرَتْ كثيراً من الأعمال ولم يُمكِنْ الإصلاح.
عندما انتُخبْتُ أنا، قُلتُ سأعطي نفسي فترة أربعة أشهر إذا استطعتُ أنْ أقومَ بشيءٍ إيجابيِّ كانَ بها، وبعد الأشهر الأربعة أُقرّرُ الاستقالة.. ولكنْ عملياً بقيتُ سبعة أشهرٍ إلى أنْ انتُخب الرئيس الجديد.
السبب الآخر، هو أنّ النظام نظامٌ متوحّشٌ وعقله عسكري.
وكان يُمكن – برأيي – القيام بأعمالٍ سياسية تُخلّصُ النظام من جزءٍ كبيرٍ من الحاملة الاجتماعية التي وراءه، وتزجُّ بالشعب السوري في مشروعٍ واحدٍ سياسي لإنقاذ البلد.. وهناك نوع من المقولات الخشبية التي يحملُها بعض إخواننا، منها على سبيل المثال قول: “نحن لا نتفاوض مع النظام”.. حسناً، وماذا بعد؟ هل التفاوض أمرٌ مرفوضٌ شرعاً وعقلاً وإنسانياً وقانونيا، أمْ تُرفَضُ آثاره السلبية؟ كان هناك نوعٌ من الرفض المُطلق غير الواضح، وقد أضاع هذا التفكير العقيم فرصاً كثيرة.
نعم النظام محتال، ولكنّ مُهمّتنا هي أن نُقيّد هذا الاحتيال ونلتفّ على مكره بنوعٍ من الضغط الشعبي والدولي من أجل إخراج الامور بنتيجةٍ لِصالح البلد والثورة وقضيّة الحريّة.
وأما السبب الثالث فهو التدخلات الإقليمية والدولية.. أنا لا أقبل بصراحةٍ أنْ يأتي سفير دولةٍ أو رئيسها ويُحاول التوجيه في أمرٍ ما، أنا أستمع وأقبل النصيحة، ولكنْ بعض المحاولات كانت فجّةً. بعض الدول لا تُريد إنهاء الأمر إلا عسكرياً، وبعضها تُريده أن ينتهي سياسياً، وبعضها تُريدها فوضى.. فهل نحن أداة لتنفيذ إرادات هذه الدول الكبرى؟ إنّ استقلال القرار السياسي السوري أمرٌ مُقدّس.
لمْ أكن راضياً عن طريقة سير الائتلاف وقد نبّهتُ إخواننا في الداخل مراتٍ كثيرة، وقلتُ لهم من البدايات إنّ الأمر سيكون مآله كذا وكذا.
قوى خارجية
– هل يُدار الائتلاف — وقبله المجلس — من قِبل قوى خارجية؟ الأمرُ الذي ليس من مصلحة سوريا..
– أنا لا أقول إنّ القوى الموجودة في الائتلاف عمِيلة، ولكنّني أقول إنّها أحياناً تسمح لأمورٍ مُعيّنةٍ أنْ تمرّ، من دون أنْ تكون عميلةً بالمعنى النظامي.
– وهل صحيحٌ ما يُقال عن أنّ المعارضة هي مُجرّد مُعارضة فُندقية للإعلام فقط؟
– الائتلاف فيه ناسٌ كثيرون لهم ماضٍ نضالي واسمٌ سابق، ولكنّهم لم يستطيعوا أنْ يكسبوا الناس. كان من الممكن أنْ يجمعوا الشعب السوري معهم ولكنّ طُرُق تفكيرهم المحدودة أبعدتْ الناس، ورُبّما كان رصيدهم أكبر قبل أنْ يدخلوا الائتلاف، وحينما دخلوه لم يتصرّفوا بالشكل المناسب فأضاعوا الفرص، وأضاعوا قِسماً كبيراً من شعبيّتهم.
– قلت في مُستهلّ حديثك إنّ هناك انشقاقا كبيرا بين القبائل والمجتمعات السورية، وهذا الانشقاق هو صنيعة استخباراتٍ للنظام.. ألا ترى أنّ هذا يُشكّل عائقاً في مسار الثورة السوريّة من حيث إنّه لا يوجد إجماعٌ على مسيرة الثورة يُمكنُ من خلاله مواجهة النظام؟
– كلامك صحيح تماماً، فوجود هذا التشرذم لا يسمح بمحصِّلةٍ واحدةٍ لمواجهة النظام، ولكنّ هذه السنوات الثلاث المريرة لمْ تُبقِ أحداً في الشعب السوري إلا وأعادت تقييمه؛ فالجسم الضعيف، والجسم المنافق، والجسم القوي، كُلّه ظهَر. الناس بدأت تُحسُّ بالألم الجماعي الآن، كانت من قبل يشكُّ بعضها ببعض، وتلك الشكوك أضاعت الثورة، أمّا الآن فقد عرفوا الانتهازيين ومن يُمكن شراؤهم بالمال من الوطنيين، وغيرهم. فالشعب السوري يمرّ بمخاضٍ صعبٍ جداً، والأمر يحتاج إلى الإصرار.
القرم وسوريا
– ألا تعتبر أنّ ما حدث في شبه جزيرة القرم بمثابة رسالة إلى الائتلاف السوري مفادُها “إننا مع النظام السوري، وهو سيبقى إلى الانتخابات القادمة، ورُبّما سيترشّح أيضاً”؟
– نعم، وسائل الإعلام الرسمية تقول إنّه سيترشّح، وطبعاً النتيجة مضمونة!.. هذا هو الواقع الموجود، لكنّ هذا الأمر ولو أنّهم يفرضونه فرضاً، فللثورة السوريّة مزية دفع ثمنها الشعب من دمه، وهي أنّها فضحت الدنيا، وما فعلته روسيا للشعب السوري، وما فعله كلّ من تآمر عليه لنْ يذهب سُدىً. حجم الألم يُحدثُ جراحاً غائرةً في نُفوس الشعوب، والآنْ حتّى المنظومات الكُبرى في العالم بُذورُ فنائها في داخلها، وكما تدين تُدان.
إنّ موضوع سوريا، ثُمّ أوكرانيا يوقظ الهويّة عند كثيرٍ من الشعوب على تُخُوم روسيا، والروس أنفسهم.. أيْ رُبّما بعد سنوات نشهد تفكك روسيا .. المسلمون داخل روسيا سيُشكّلون نصف سكّان روسيا خلال خمسين سنة، وهؤلاء يعرفون ماذا فعلت روسيا بالجمهوريات الإسلامية منذ التاريخ القيصري فما قبله، ثُمّ في الفترة الحالية، فروسيا تزرعُ بذور فنائها.
عنصر ضاغط
– هل لِما يحدث الآن في العراق تأثيرٌ مباشرٌ على ما تشهده سوريا اليوم؟
– حقيقةً، يُشكّلُ العراق عنصراً ضاغطاً على ما يحدث في سوريا، وللأسف، باتّجاهين ضدّ الثورة السورية، الأمر الأول هو نظام المالكي الذي كان في فترةٍ من الفترات على خصومة مع النظام السوري، ولكنّه تحوّل إلى تحالفاتٍ مع إيران واستراتيجيات مستقبلية معها.. وفي نفس الوقت، داعش؛ وهي الجسم المقاوم لنظام المالكي والمخرّب للثورة السورية. إنّ وجود الفوضى هناك قد سمح لهذه الأفكار بالامتداد عبر الحدود وشكّلتْ عاملاً ضاغطاً على الثورة السوريّة.
هناك من يقول إنّ داعش صنيعة النظام فقط، داعش منظومةٌ غريبة نشأت بعد سقوط العراق، وكان فيها ضُبّاط بعثيون – طبعاً حتّى البعثي من حقّه أنْ يُدافع من أجل وطنه – ولكنّ هؤلاء ليست عندهم هُوِيّة، فأتى بعض الإخوة يحملون أفكاراً حادّة وأعطوهم الهويّة، وامتزجوا معاً، واحتاجوا إلى الامتداد، فاستطاعوا من خلال الأموال التي يبتزّونها من أطراف كثيرة أنْ يُوسّعوا أنفسهم ويُدخلوا أشخاصاً لمْ يكُنْ لديهم شيئ من الالتزام.. الآن لا يُوجد دولة إقليمية أو عالمية مُهتمّة بالمنطقة إلا ولها فرعٌ في داعش، وبالتالي تتلقّى داعش الدعم من عدّة جهات، والنظام السوري له فرعٌ في داخلها.
النظام ضعيف
– في السياق العسكري أود السؤال عن معركة «كسب» التي تعددت حولها القراءات، فهناك من ربطها بالحاجة إلى منفذ بحري للثوار، وهناك من ربطها بالجانب التركي، وهناك من قال إنها رد على معركة «يبرود» وهناك من جعلها ذات ارتباط بالقاعدة وللرد على الروس وغير ذلك فما قراءتك للمعركة؟
– مما مر معي من التجارب أنه يحدث الأمر أحياناً فيكون من ورائه تحليلات كثيرة كلها غير صحيح، والأمر لا علاقة له بشيء من ذلك فهذه المنطقة فيها نوع من الضعف العسكري للنظام واستطاعت فوهات الثوار الموجودة هناك أن تحقق اختراقات للثوار.
– تعاني المعارضة الآن من أزمة قيادات وبما أنك صرت في نظر الكثيرين شخصية وطنية وليس مجرد قائد سياسي، وكثيرون نادوا بترشيحك للرئاسة فهل سيكون لك دور في مستقبل سوريا؟
– لا أعتقد أن سعي الإنسان مهما كانت إمكانياته ليفكر بموقع في هذا الظرف هو خدمة لبلده، والشيء الأساسي هو إنقاذ البلد، أما هذا الأمر فيناقش لاحقاً في ضوء الحاجة له فإذا كانت له ضرورة كان بها وإلا – بصراحة كما يقول الحكماء «آخر شهوة تخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة» فهذه آفة من الآفات – أنا كشخص لا أتمنى هذا الموقع لكن البعض يندفع لأمر معين من باب سد ثغرة أو القيام بواجب.
– هل ترى ضوءا في نهاية النفق؟
– نعم يوجد ضوء ولكن يحتاج إلى فكر وآليات خارج آليات التفكير التقليدية، وهذا الأمر نعاني من ضعف فيه، فعلى سبيل المثال اخواننا في المعارضة أطلقوا كلمات كأنها كلمات مقدسة مثل (لا نفاوض ولا نصافح) .. صحيح اننا لن نصافح من تلطخت ايديهم بالدماء وكنت أمزح وأقول هل تلطخت فيزيائيا أم ماذا، فلو فرضنا ان وزير الخارجية السوري وليد المعلم لم تسل على يديه الدماء لكنه جزء من النظام فهل تصافحه او لا تصافحه؟ فهذه المقولات نريد الخروج منها ونصل للهدف الذي نسعى لتحقيقه بعيدا عن كل تلك المقولات، وصحيح ان داخل المعارضة خطين ، أحدهما اسلامي وآخر غير اسلامي وعندهم مقولات تاريخية عقيمة، فأنا اقول ان النظام مجرم ولا احد يختلف في ذلك ومتوحش، اذن دعوه يجلس امامنا للتفاوض.. ماذا سيحدث؟ هل سيأكلنا؟ أحضروا كبار مجرمي النظام لنسمع رؤيتهم وتصوراتهم لإخراج البلد من هذه الأزمة، لا لإنقاذ النظام، ولا لإنقاذ المعارضة ولكن لإنقاذ البلد.. وضعوا الفضائيات فوق رؤوسنا لتسجل ما يدار ولنحل المشكلة.. البلد تموت وتتجه الى الدمار بشكل اخطر من الحاصل حتى الان، فيوجد خروج من النفق ولكن يحتاج الى آليات تخرج سوريا من النفق وتبدأ بمعرفة الاطراف في المشهد السوري سواء السعودية او قطر او تركيا او الروس او الامريكان او الايرانيون او اللبنانيون وحزب الله، كل الاطراف، والجلوس مع النظام لا يعني إعطاءه شرعية او براءة مما فعله في سوريا ولكن اذا بقينا على هذه الطريقة فسندفع ثمنا باهظا ولن نخرج بنتيجة وستزداد الامور تعقيدا. والشيء الاساسي هو ألا توجد صفقات سرية وليكن كل شيء واضحا، والهدف الاساسي هو انقاذ البلد.. علما بأنه اذا أُنقِذت سوريا فسننقذ المنطقة كلها من دمار تسير اليه، وخلخلة الوطن العربي أمر خطير، وإذا أوقفنا الانهيار في سوريا فإننا بذلك نقدم خدمة لأجيال كاملة.
ليسوا شياطين ولا ملائكة
– على ذكر الإسلاميين في الائتلاف، يقال إن الاخوان هم الذين يسيطرون على الائتلاف وقبله المجلس الوطني؟
– لاحول ولا قوة إلا بالله.. سأقول بكل صراحة: الإخوان المسلمون ليسوا شياطين وليسوا ملائكة وفيهم الصالح والطالح، وطريقتهم في الحركة طريقة لا تؤدي إلى الثقة بهم، هم عانَوا ولكنهم يرتكبون أخطاء كبيرة للغاية، وعليهم أن يعيدوا التفكير في آليات حركتهم وآليات تفكيرهم، وهناك أمور هي ناتج طبيعي للقوة، فالإنسان اذا كانت عنده قوة حزبية فإن من نتائجها حب التوسع والهيمنة، وهذا الامر اذا لم يُضبط بضوابط اخلاقية ودينية وسياسية واجتماعية فسيؤدي الى نتائج تنعكس بشكل سلبي كبير جدا.. فالمعارضة السورية تحتوي هذا الفصيل وارتكب أخطاء ارتدت عليه بشكل كبير جدا ويحتاج الى تجديد آلياته ليبقى في الساحة بصراحة وإلا فسيتلاشى موضوعيا.. وقياداته التاريخية اذا لم تجدد فكر شبابها فستفقد دورها المستقبلي.
– إذن هم لا يسيطرون على الائتلاف؟
– هم لا يسيطرون، لكن يحاولون.
– جرى حديث عن الوجوه المقبولة في النظام التي يمكنها إدارة المرحلة الانتقالية، هل هناك اسم من النظام تم طرحه عليكم كائتلاف؟
– بالنسبة لي لم يصلني شيء والنظام لم يطرح اسما ولم يطرح اي رؤية، والمعارضة مقصرة، ولكن طرح فكرة التفاوض وهي حركت الجو السياسي وأقول بكل موضوعية اذا كان نصف الشعب (افتراضا) يريد بشار الأسد ونصف الشعب يستحيل أن يقبله، فمعنى ذلك أن الرجل هو مصدر الإشكالات الاساسية في سوريا فدعوه يبتعد عن الساحة من اجل مصلحة البلد ويمكن لأطراف عاقلة من المعارضة ان تتفاوض مع اطراف عاقلة من النظام من أجل إيجاد صيغة، ولا اريد الان ان اطرح صيغة وان كانت لدي رؤية أعكف على بلورتها حاليا، وهذا الأمر من الناحية العقلية والسياسية والشرعية يوجد له مخرج وما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء. وهذا يتطلب مرونة إذا صدقت الارادات.
لنشتغل على التقاطعات
– حاليا هل تقوم بأدوار توفيقية أو تحمل رسائل معينة تهدف لمصلحة سوريا؟
– أنا لا أحمل رسائل خاصة، بل رسالة عامة فالبلد في خطر شديد، وكل العوامل التي تؤدي الى دمار البلد نريد أن نبعدها، وكل العوامل التي يمكن ان تنقذه يجب ان نشتغل بها وبصراحة كفكر أحاول أن ألم الناس، وبدلا من أن نشتغل على التباينات فيما بيننا لنشتغل على التقاطعات.
وحتى بالنسبة للنظام والجماعات الجهادية، أقول لهم تعالَوا نرَ الأشياء المتفق عليها.
بعض الناس يقول إذا حدث تفاوض مع النظام فماذا سيكون مصير هذه الجماعات؟
وأقول: ما دام النظام متوحشا ونرضى بالتفاوض معه فهذه الجماعات يجب أن نرضى بالتفاوض معها.. ولنا في تجربة الرئيس علي عزت بيجوفيتش نموذج جيد جدا.. وحصل شيء يقاس عليه هناك وتمت تفاهمات مع شريحة واسعة من المجاهدين في البوسنة وحُلت المشكلة.. وهناك ناس عندهم صلف شديد ولكن لن تتوقف مسيرة شعب على بضعة مئات أو آلاف من الأشخاص الذين يريدون أن يفرضوا إرادتهم على الناس.
– على الصعيد العسكري هل هناك تواصل مع كل الفصائل الموجودة؟ وهل صحيح ما يقال بأن النسبة الغالبة منهم هم من خارج سوريا؟
– هذا غير صحيح فالذين يحملون السلاح غالبهم من السوريين.
– كم تقريبا نسبة غير السوريين من هذه الفصائل؟
– أعتقد بين 5 إلى 7 % ليس أكثر، والنظام حرَص على تكبير العدد لاستصراخ المجتمع الدولي وايقاظ الغرائز الروسية، فالروس يخافون موضوع الارهاب اكثر من الامريكان، وأغلب الفصائل الموجودة وطنية سورية وخطابها معتدل وقامت ضد الظلم وليس هدفها الدم، لكن النظام يحاول ان يوحي ان كل هؤلاء ارهابيون، وهذا الكلام غير صحيح، فالنظام معروف بتوحشه منذ 50 سنة وقد وقعت الثورة السورية في العسكرة.. نحن بدأنا بها ثورة مدنية تطالب بالحقوق وكانت مطالب الشعب السوري بسيطة للغاية: أن ينام الانسان وهو لا يشعر بالخوف، ولكن فُرضت عليه العسكرة بالسعي الشديد من النظام، حيث كان يظن ان الامر سينتهي بسهولة ولم يدرك حتى الان حجم الالم الموجود لدى الشعب وهو يظن أن الامر يمكن قمعه وينساه الناس. ولدينا مئات الآلاف من الناشطين المدنيين أغلبهم في السجون أو تم تهجيرهم في المنافي أو استُشهدوا، وهم من قاموا بالدعم للثورة، بالدعم المدني والإعلامي والإغاثي والطبي، وجرى تهميشهم تماماً، وسيطرتْ قعقعةُ السلاح والكلاشينكوف الذي وزعته أجهزة النظام على أبواب المساجد وصوّرته، عبر سيارات كانت تنتهي رحلتها إلى فروع المخابرات العسكرية، والثورة دخلت في هذا النفق وتدخلت أيدٍ اقليمية ودولية ووصلت الامور الى ما وصلت اليه، وما زلت أعتقد ان الشعب السوري في مجموعه لم يقل كلمته بعد ثلاث سنوات على الثورة، فالحَراك المدني واسع جدا ويجب ان يفرض إرادته على كل الاطراف لإيقاف نزيف الدم في سوريا.
– ما رؤيتك لمستقبل الائتلاف الوطني وهل تعتبر بعد استقالتك أن دخولك الائتلاف كان خطأ؟
– بصراحة لو كنت أعرف أن الائتلاف سيكون هكذا لما دخلته، ولكن خلال اقل من سنة تعلمت ما تعلمته في 20 سنة، فلأمر يريده الله دخلت، ولم اكن اريد الدخول في الائتلاف على الاطلاق وكنت في مؤتمر ويريدون ممثلا عن مدينة دمشق فقلت لهم: انا آتي بشكل مؤقت ريثما تُجري المجالس المحلية انتخاباتها وتختار مرشحا. فوافقوا على دخولي ممثلا عن دمشق وكان هناك ترشيح لرئاسة الائتلاف، وأنا والله ما رضيت وكنا في سجال شديد، وأصرّ بعض الاخوة من باب الثقة على أن أترشح، فقبلت وانفتحت أبواب….
– فيما يتعلق بأرقام الشهداء والمعتقلين واللاجئين هل هناك أرقام قريبة للدقة؟
– هناك مراكز موثوقة مثل مركز توثيق الانتهاكات والارقام قريبة للدقة وعدد الشهداء والمصابين أقل مما يذكر وبعضهم يرمي ارقاما لكن الارقام الرسمية تقول ان الشهداء 150 ألف شهيد، لكني اعتقد ان الامر اكبر من ذلك ببضعة ألوف، وكثير من الضحايا لم يتم التعرف عليهم، وعدد من دخل السجون وخرج أكثر من نصف مليون، ونحو 200 ألف لايزالون معتقلين. ومن بقي منهم حيا لا نعرف عدده، وقيل ان 11 الف شخص ماتوا جوعا.. ومَن تمت تصفيتهم بضعُ عشرات من الألوف.
مسارات عقيمة
– هل تفكرون بحوار مع الدول الفاعلة تحديدا ايران وروسيا بدلا من النظام فقط؟
– هذه الدول لها مشاريعها وهي تتلاعب بالقضية السورية، واللقاءات السياسية ضرورية ولكن المعارضة ادخلت نفسها في مسارات عقيمة لم تعد تستطيع الخروج منها، وصار هناك نوع من الأطروحات التي تشد عامة الناس، بأننا لن نقبل الجلوس مع النظام، ولكن الحريق يكبر والبحث عن حل له ليس فيه إشكال، وإن لم ينجح الأمر نعلن انه لم ينجح، وهذه الدول لها مشاريعها وقد لا تنجح.
الحالة في سورية مثل إنسان في غرفة العناية المركزة وأتى الاطباء ليؤكدوا استحالة بقائه حيا لكن ابنه وهو طالب طب مبتدئ بقي يترجاهم أن يُبقوه، ومن شدة حبه لأبيه لم ينم الليل وبقي يضغط بالمنفسة من هنا ويعطيه صدمات كهربائية من هناك… غَيرته على أبيه أكبر من كل الطب.. حتى ظهرت نبضة في الجهاز أعطت الأمل في بقاء أبيه حيا.. إن سوريا محتاجة الى هذه الروح، أما إذا بقينا اسرى التفاهمات الدولية والمؤتمرات الدولية فسيفنى الشعب ولن نخرج بنتيجة. وكما يقول بيجوفيتش: إن السياسيين ذكاؤهم متوسط . وأقول إن سياسيي العالم الكبار هم من أغبى الناس فأغلب حروب العالم نتيجة تصرفات رعناء.
– مؤخرا زار الدوحة مجموعة من محرري اعزاز فكيف تنظر إلى الوساطة القطرية لإطلاق المختطفين؟
– قطر قامت بدور إيجابي وكنا بحاجة إلى وسيط لإنهاء هذه الملفات الشائكة، واخواننا في قطر تدخّلوا عدة مرات وآمل ان يتابعوا الموضوع لانه لاتزال هناك عدة ملفات شائكة تنتظر الوساطة. ولدينا مشكلة انتهت وهي قضية الارمن في كسب، ولا يتجاوز عددهم 40 شخصا، والدور القطري مميز جدا في حل النزاعات وآمل ان يتابعوه لإنهاء مأساة الكثير من الناس.
من كانوا مختطفين في اعزاز ليسوا مدنيين لكنهم اشخاص لديهم ارتباطات ورُتَب، لكن إنهاء إحدى المشاكل اقتضى التدخل لإنهاء الملف، وفي مؤتمر الوحدة الوطنية تم الطلب من منظمة التعاون الاسلامي التدخل لإنهاء الموضوع. نحن ندرك معاناة الانسان في الداخل فالشخص الذي يُعتقل أحد اقربائه يفقد صوابه، ولا نريد ان يتحول الامر الى اخذ الحق باليد، وتدخُّل جهات عاقلة مثل اخواننا في قطر يحل هذه الامور ويُنهي إشكالات كبيرة. والوساطة القطرية كانت (ضربة معلم) فأساس احتجاز المدنيين خطأ والنظام بدأ به وفتح الباب ليفكر الناس في إطلاق أقاربهم، والغريب أن راهبات معلولا حاول النظام قصفهن عدة مرات لقتلهن؛ ليركب على اكتاف الثورة ويحرك العالم، لكن الثوار والوساطة القطرية مَن أنهى المشكلة من جذورها، وأعطت الراهبات كلمة حق في حق مختطفيهم.
الطائفية
– خلال الثورة استطاع النظام أن يُدخل الطائفة في أتون الحرب، فلم يبق أحدٌ من طائفته في صفوف الثورة رغم أن سوريا مشهورة بالموزاييك الطائفي؟ يهمنا رأيك كشخصية وطنية؟
– منذ فجر الاسلام ولأسباب سياسية خرجت طوائف مختلفة لم تكن على وفاق مع الجسم الاكبر واقصد به السنة، وساعدت الظروف السياسية على استثمار هذه المجموعات ضمن تفكير من قادها، والان هذا الأمر التاريخي له حلان: إما انهاؤه عسكريا وهذا يستحيل تاريخيا، والامر الآخر عن طريق التعاطي التدريجي والاستيعاب، وهذا ما يتميز به الشعب السوري الذي لديه نسيج اجتماعي راقٍ للغاية. هذه المجموعات عندما وجدت فان اخراجها من بعض السدود التاريخية يعتمد على التعاطي الحضاري في طرح الاسلام. والانظمة الديكتاتورية تتشارك في قمع الاسلام المعتدل وهي لا تريد الفكر والوعي الحضاري بل تريد اسلاما بروتوكوليا شكليا ليس له أي دور في الحياة، ووجدت ضالتها في الطوائف التي وقعت في فخ المنظومات الديكتاتورية وصارت اداة من ادواتها للسيطرة على الشعب عموما مما اورثها عداء شديدا، وقسم كبير من ابناء الطوائف لم يدركوا حجم الجرائم التي شاركوا فيها بحق المجتمع. ونحن نحتاج الى فكر استراتيجي يعيد دراسة قضية الاقليات والطوائف في العالم العربي ويعمل على استيعابها مرة أخرى بالإسلام الجامع. والموضوع الطائفي معقد وهناك جهات عقيمة تعمل على تأزيمه.
– ماذا عن تدخل حزب الله في الصراع؟
– هم يعتبرون سوريا ممرا لهم ويريدون ظهرا قويا وهذا كان يمكن التفاهم فيه مع المعارضة وطرح ما يريدونه في سوريا، وقد تعطيهم المعارضة اكثر مما يعطيهم النظام.. لقد دمروا صورة المقاومة وأساؤوا لرصيدهم ولم يعد احد يحترمهم، وأظهروا وجها طائفيا بشعاً.. كان الناس يظنون عقيدة اهل البيت نصرة للمظلومين ضد كل ظالم، وهؤلاء يشاركون في سفك دماء السوريين.
استراتيجية
– ألا تعتقد أن تأخر حسم الثورة يعود إلى نجاح النظام في وضع استراتيجية محكمة التنفيذ بدأ يجني ثمارها الآن؟
– صحيح والمعارضة حتى الآن لم تتفق على استراتيجية والنظام لم تنجح استراتيجيته كما يرغب لأنه لا يدرك حجم الألم والجراح التي سبّبها فهو يتصرف بذكاء وغباء معاً، والثورة عمرها طويل جدا مقارنة بالثورات العربية لكن بالنسبة لعمر الثورات ليس طويلا.. والامر ليس في عدد الضحايا لكن في حجم الانتهاكات التي وقعت في حق الشعب.. النظام يخطئ في حساباته اذا ظن الأمور كما يتصور، ولا بد أن نعيد لمّ البيت السوري قبل ان يتسع ليشمل لبنان والعراق و الدول كافة.
– ما رسالتك للمجتمع الدولي، والدول العربية، والمعارضة؟
– المجتمع الدولي نائم والدول العربية تشاجرنا معهم في الغرف.. والمعارضة أسمعناها ما فيه الكفاية.. والوضع في العالم العربي يشابه وضع ملوك الطوائف في الأندلس في آخر حكم المسلمين.. كل شخص يظن أن قدمه ثابتة ويستعين بالفرنجة لإزالة إخوانه ولا ينام الليل من الفرح لإزالة إخوانه فأكلوهم واحدا واحدا.. الخطر الوجودي يحيط بالجميع، والمعارضة يجب ان تضع همها فقط في إنقاذ سوريا ارضا وشعبا.. والمجتمع الدولي اقول له كما تدين تدان.
داعش
– بالنسبة للجماعات المتطرفة ذهبت إلى مصالحها الخاصة بعيداً عن أهداف الثورة فإلى أي مدى أفادت هذه الجماعت الثورة، وماذا عن حقيقة ما يقال ان داعش صنيعة النظام؟
– الجماعات بعضها أدخل الثورة في نفق مظلم ووضعها في مواجهات وجبهات لم يكن لها داع، ووجَّهتُ رسائل مباشرة وعلى الملأ بأن قضيتنا هي إنقاذ الشعب، والشعب أغلى من كل هذه المبايعات والبيعات لأمراء الجماعات، وهم يطيلون أمد النزاع حتى إنهم يجذبون كالمغناطيس مجموعات تكون نهايتهم هناك والمشاريع التي يحملونها لا تحمل في داخلها فكرا يقيم امة وسطَّحت الاسلام وأتت بمشروع أممي لا تحتمله بلادنا، ونحن لا نتوافق مع فكر القاعدة لأنها ترى الإسلام نقطة صدام مع العالم ونرى الاسلام نقطة جذب للعالم. وداعش لم يخترعها النظام فهي موجودة قبله لكنه فتح فرعا ولاؤه للنظام في داخلها.
– هل انت متفائل بنجاح الثورات العربية؟
– متفائل استراتيجيا، لكن عمليا غير متفائل. وكثير من الثورات ليس لها مفكرون ولا قادة فكريون فتأخذ وقتا طويلا حتى تُحقق أهدافها.
الانشقاقات
– لماذا توقف قطار الانشقاقات؟ ولماذا لم تستفد الثورة من المنشقين؟
– الثورة انشق فيها قرابة 3850 ضابطا من أرفع الرتب وكان هناك إبعاد مقصود للقادة المنشقين من صفوف الثوار، وبعضهم كان يعتقل في مقر إقامته كي لا يشارك في بعض الاجتماعات. يراد للثورة السورية أن تكون تحت وصاية بعض الأطراف. وعندنا قادة لبعض الألوية ليست لديهم خبرات وارتكبوا أخطاء فادحة منها الدخول في حي مدني والتحصن فيه بينما جرى اعتقال القادة في غرفهم كي لا يشاركوا في العمليات.
– سؤال أخير : هل هناك عقلاء يمكن الاعتماد عليهم داخل النظام؟
– لا يوجد عقلاء ولكن نحن نعتمد على الأقل جنونا. وداخل النظام الناس محكومون بالحديد والنار، وتذكرون غازي كنعان وكيف جرت تصفيته، والعميد محمد سليمان مفتاح الأمن لسوريا ومسؤول الامن انتهى، ومحمود الزعبي الذي ” انتحر” بخمس رصاصات (ساخرا) فهناك قسم يعرف ولا يستطيع أن يتكلم…