لقاء الشيخ أحمد معاذ الخطيب بمجلة شباب سورية المستقبل

مجلة شباب سورية المستقبل (العدد التاسع)

أجرت اللقاء شيماء البوطي.

1 – كثيرون من اتهموا الشيخ معاذ الخطيب بأنه سياسي غير محنك وانتقدوا عدداً من أطروحاته بدون أن ينظروا إلى ثقافته السياسية.. فهل لتلك الاتهامات أو لهذا التشكيك علاقة بلباس الداعية أو ثوب المشيخة مثلا ؟ هل لها علاقة برفض التيار الديني المعتدل والتشكيك فيه؟

الجواب : لا يضايقني الانتقاد الصحيح، ولكني أنفر بشدة من الظلم، وقد اكتشفت أن في الأجسام السياسية الحزبية نوعاً من التقليد الذي لا يقوم على بصيرة، بل على اتباع وولاء حزبي، وبعضهم وقَرَ في نفسه أن كل شخص له علاقة بالدين هو غير مدرك سياسياً، وهي مقولة لا تقل غباء عن إطلاقات القرون الوسطى التي أرهقت البشرية، زاعمة أن الدين والعلم لا يتفقان. 

2 – أي الفئات تصدرت للتشكيك بأي مبادرة سياسية من قبلك أكثر: العلمانيون؟ الإسلاميون المتشددون؟ النظام وأزلامه؟ أم شرائح متنوعة من الثوار، وما تعليلك لموقفهم؟

الجواب : من باب الأمانة لا أستطيع أن أعطي نسباً، ولكن عديدين من كل الأطراف شاركوا في تحطيم أي مبادرة، وأعتبر أن هذا قصور واضح أثبتته الأيام في قراءتهم للأزمة، وهناك من دفع أموالاً لجمع بعض الثوار لمهاجمة المبادرة، كما أن هناك بعض المخلصين لم يستوعبها فهاجمها توجساً من أن تؤدي إلى ما ظنه سلبيات غير مقبولة، أما النظام فقد تعامل معها بطريقته المعروفة من الامتصاص والتفريغ. وهناك أفراد، وأكرر مجرد أفراد رأوا في المبادرة نافذة خلاص، ولكنهم كانوا يخشون رد الفعل السلبي عليها، وهذا لم يحصل فقد استقبلها الناس بترحاب شديد.

3 – دور رجال الدين عموما في الثورة كان سلبيا بالنظر إلى مكانتهم السابقة في مجتمعنا لدى شرائح واسعة..
كيف تنظر إلى مدى أثرهم الحالي على الشعب وعلى مسار الثورة؟
هل ما يقوم به بعضهم من أعمال إنسانية كاف وكفيل بتصدر دور مؤثر في مسارالثورة؟

الجواب : الثورة تفجرت مثل الينابيع من الأرض، ولم يكن العلماء قادرين على احتواء تدفقاتها، وقد دفعهم الناس إلى المقدمة: ثقة بهم أولاً، ثم رغبة دينية وعاطفية وإنسانية من طرف ثانٍ بضرورة وجودهم في ذلك الموقع، وهم لم يكونوا مستعدين لذلك. وهذا يرجع جزء منه إلى طرائق تفكيرهم ابتداء. ورغم ذلك فقد تصدى الكثيرون منهم للأمر وقاموا بأدوار إيجابية في لمّ الناس ورفع معنوياتهم، وأذكر منهم العلامة الشهيد إبراهيم السلقيني، وشيخ القراء كريم راجح، والشيخ أحمد الصياصنة، إضافة إلى بضع آلاف من العلماء غير المشتهرة أسماؤهم، وقد قضى المئات منهم شهداء تحت التعذيب، وما يزال المئات في السجون، والمئات بين الناس.

4 – برأيك ما المطلوب من رجل الدين أو الداعية في هذه الحقبة لبناء الإنسان المسلم المستخلف في الأرض؟ وهل تتوقع لرجال الدين دورا رياديا أو إيجابيا في توجيه الثورة أو تصحيح مسارها؟

الجواب : مجتمعنا يحترم العلماء ويثق بهم، ولكنه يظلمهم أيضاً عندما يحملهم أكثر مما يستطيعون، وما زال لهم دور رائد في بناء الإنسان الصالح، ثباتاً على الحق، وتوعية بدوره، وتربيته إيمانياً وأخلاقياً، وقيادته سلوكياً ودعوياً، وإرشاده علمياً وفقهياً، وهذا الأمر أنتج إيجابيات كبيرة على الأرض رغم أنه لا يستطيع تغطية كل الساحة. لأقل بصراحة أكثر: إن ما ينتظره الناس من دور سياسي للعالم متعلق بكفاءته، لا بمجرد رغبته أو رغبة الناس، وهذا الدور هو غير حزبي، بل دور مرجعي يجمع الناس على الحق، ولا يشارك في التقسيم الحزبي القاتل الذي يقوم به البعض حتى داخل الجماعة الواحدة.

5 – ما رأيك في التشكيل الوزاري الجديد: هل راعت المكونات كافة؟ وهل يفترض في وزارة دولة تطلب الحرية بعد ثورة دامية كما حدث في الحالة السورية أن تراعي التقسيمات البشرية في مجتمعنا؟ (مثلاً الآشوريون اعترضوا على عدم تمثيلهم في أي مقعد وزاري في الائتلاف)

الجواب : أريد التذكير بأنني لا أرى وجود حكومة للمعارضة صواباً، وكان يكفي وجود هيئة تنفيذية مما لا مجال لشرحه الآن، ولكن جواباً على سؤالك أجزم بأن التشكيل لم يراع ولن يستطيع ولا يجوز أن يراعي التقسيمات العرقية والطائفية والحزبية، وهذه العقليات الخشبية ستدمر الثورة كلها. عندنا همّ واحد هو إنقاذ بلدنا، وليتقدم الأكفأ لأي موقع، ومن المضحكات المبكيات أن هذه العقلية سرت إلى أصغر الوحدات البشرية نتيجة التأثر بتلك العقليات الحزبية، وخلال رئاستي للائتلاف كان يتصل ممثلون لقرى صغيرة، ومجموعات حزبية غير معروفة، وكتائب لا يتجاوز عدد أفرادها العشرات، إضافة إلى مئات الشخصيات التي تقدم نفسها بأنها شخصيات وطنية، والكل يطلب تمثيله في الائتلاف، وما توسعته الأخيرة التي أعتقد أنها خرّبته إلا من تلك الإرهاصات، وقد كنت أداعب الأستاذ هيثم المالح، وأقول له: يجب على الائتلاف أن يبني سينما كبيرة فيها صف واحد طويل.
إن خمسة عشر من الحكماء المخلصين لأمتهم وبلادهم خير من عشرات الهيئات في غابة تتشابك فيها الأصابع الإقليمية والدولية.

6 – وماذا عن تمثيل المرأة:هل مشاركة المرأة كانت في دور حقيقي وفاعل أم شكلاني؟

الجواب : هناك جهات غربية تحديداً تضغط باتجاه (كوتا) للمرأة، وهذا إشكال كبير، فالدفع باتجاه المحاصصة في أي أمر هو نوع من التخريب برأيي، ووحدها المشاركة القائمة على نضج ذاتي هي التي تبني، وزج من لا كفاءة له، فقط لإرضاء جهة ما شيء ليست له نتيجة إيجابية، وشعرت بنفور شديد من بعض الأشخاص ممن كانوا يتحدثون عن إقحام اسم أية امرأة في وفد ما، كي ترضى عنهم بعض الجهات. إن امرأة راشدة قد تقود أمة وتبني لها مجداً، وامرأة في موقع مزور ستكون قبراً لكل عمل صحيح.

7 – هل كان هنالك أسس لاختيار الوزراء، أي أنها بنيت على الكفاءة والاختصاص أم على توزيع مناطقي وفئوي، أم أن هنالك محسوبيات من نوع معين روعيت في هذا التشكيل؟

الجواب : لا أستطيع أن أعطي جواباً دقيقاً، فوحدها تلك الوزارة هي التي يمكن أن تشرح الأسس في انتقاء عناصرها، ولكني أزعم أن اختيار أية شخصية مراعاة لأي دولة هو عار لا يليق بشعب سورية الحر وثورته العظيمة.

8 – هل تتوقع نهاية مفاجئة للأزمة تحقن الدماء بعد تمرير أجندات الدول الكبرى، وهل ترى إمكانية تحصيل مكاسب للثورة عن طريق التفاوض في مؤتمرات كجنيف أو مثيلاتها؟
وحتى نتمكن من سحب البساط إلى طرفنا ما الأسس التي يجب توافرها في المفاوضين وما الأوراق التي يجب أن توضع على لطاولة٠

الجواب : لا يوجد احتمال غير ممكن مهما كان ضعيفاً، ولا أثق في المؤتمرات الدولية، وأعتقد أن السوريين يجب أن يحلوا خلافاتهم اختصاراً للدماء والدمار، وتعنت النظام إلى جانب بعض أطراف المعارضة هو الذي يقود سورية إلى مزيد من الخراب.
المفاوض يجب أن يحمل همّ بلده، وأن يكون ذا كفاءة عالية وصاحب اختصاص، ولا يخضع للابتزاز الدولي أو الإقليمي، ومدعوماً بطواقم عمل غنية، ويخرج من الحزبية وبلادتها.
أهم الأوراق التي يجب وضعها على الطاولة برأيي: إيقاف شلال الدم، وإطلاق سراح المعتقلين، وإيجاد سلطة عاقلة تنهي القتال، وتعيد لمّ السوريين بعيداً عن كل من شارك في التدمير.

9 – الواقع العسكري إلى أين .. كيف تراه؟
وكيف يمكن ضبط هذا النمو العشوائي للعسكرة في الوقت الذي نعلم كلنا به أن الثورة كانت شعبية بما تعني الكلمة وأنها خرجت مبكرة وغير مدروسة وأن هنالك انفصالا بين من يصلح أن يكون موجها ومفكرا وقياديا وبين الشارع؟

الجواب : لا أومن بالعسكرة ابتداء، وأعتقد أنها ليست ذات نهاية إيجابية، والثورة وقعت في خديعة التسليح الذي أرغمت عليه، بسبب توحش النظام وعدوانيته غير المسبوقة.
إضافة إلى اجتناب بعض حملة السلاح التعامل مع العسكريين الاختصاصيين، وابتعاد أغلب الأجسام العسكرية عن التعاطي السياسي، إضافة إلى أنها لن تخدم الشعب السوري في حال سماحها لأي طرف خارجي أن يوجه أي جزء من مسارها.

10 – داعية التمدن الإسلامي هل هو مجرد وصف أم لقب؟ أم كيان سياسي أم تجمع مدني؟ وإن كانت كذلك فما هي وما دورها وما مدى انتشارها أو التصاقها بالناس؟

الجواب : التمدن الإسلامي جمعية أسست عام ١٩٣٢ لتقدم فكراً ووعياً منفتحاً أسسه علماء كبار لمواجهة الاستعمار الفرنسي، وليس هدفه بناء تنظيم أو جماعة حزبية، ولا تحركه الأهداف السياسية، بل الفكرية والاجتماعية والحضارية، وهو دعوة إلى إسلام يلم الجميع، وقادر على المقابلة الحضارية والإحياء الإسلامي، وبشكل يصنع من الإسلام نقطة جذب، تجنباً لآثار مدمرة توجدها تيارات تُقدم الإسلام نقطة صدام مع الجميع.
كان للتمدن دور فعّال منذ تأسيسها حتى بداية الستينيات ثم انحسر ليستعيد نشاطه منذ بضعة عشر عاماً، وما زال لديه كمون جيد يتحرك بدون دعاية أو ضجيج. بقيتُ في إدارة الجمعية أكثر من عشرين عاماً، ورئيساً لها تسعة أعوام، قبل أن أُمنَع إدارتها من قبل النظام.

11 – حدثنا عن محنة الاعتقال .. ما الاتهامات التي كان الاعتقال بسببها، وما هي أشد اللحظات قسوة؟
كيف كنت تمضي وقتك؟ هل تتوقع الآن أن تطول مرحلة الغربة وما شعورك؟

الجواب : قصة الاعتقال طويلة، والاتهامات سببها العمل التراكمي الطويل الهادف إلى إيقاظ وعي الناس بالوجوب الشرعي للمطالبة بحريتهم وبناء مجتمع لا ظلم فيه بأفكار لا يرضى عنه نظام أمني مستبد.
من أشد اللحظات قسوة رؤية سجين سقط اللحم عن أكواعه بسبب التعذيب، أو كسرت أصابعه العشرة، أو سماع صوت أخت يحقق معها سجان نذل في الزنزانة الفردية، كنت أفكر بالعمل الصحيح لإنقاذ البلد، وعندما نقلت إلى الجماعية صرت أستفيد من الناس وأفهم طبائع الناس أكثر، فلم يكن هناك وقت أو حتى مكان للتفكير الهادئ. أتوجس من غربة طويلة، رغم اعتيادي عليها، فقد كنت غريباً بطريقة ما ثم تحولت إلى غريب بنمط آخر، وفي الحالين فكلي أمل أن لا تطول تلك الغربة، وأن نؤجر جميعاً، ونكون ممن يصلح ما أفسده البعض، وطوبى للغرباء.

ختاماً .. أتوجه بوافر الشكر للأستاذ الداعية أحمد معاذ الخطيب على هذا اللقاء وأرجو أن تكون مجلتنا قد وفقت بنقل بعض جوانب من فكره ورؤاه للقراء.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.