الإحياء بالكرامة والتكريم

موضوع خطير: الإحياء بالكرامة والتكريم

الثورات ليس هدفها اقتلاع الانظمة السياسية الجائرة، بل تطهير المجتمع من كل أنواع الفساد والأفكار المنحرفة، ولا يجوز لثورة شعب عظيم تحمل الكرامة والحرية إلا أن تمتد وبشجاعة في كل اتجاه.
المفاهيم الخاطئة تدفن الثورة، وتساعد الأنظمة الاستبدادية في توحشها وهيمنتها على المجتمعات.

كفى هذه الأمة ما تحملته من ظلم وفساد لقرون، وسنقول بكل شجاعة أن الاستبداد الاجتماعي من مقدمات الاستبداد السياسي وسدنته الأوفياء.

بعضنا ما يزال ينظر في أعماقه إلى بعض المسائل بنوع من الوصاية بل النفاق، ويتجاوز كل منطق ديني وعقلي بل وإنساني في تعامله مع بعض الإشكلات.

بناتنا الفاضلات الغاليات، كان لهن فضل عظيم في إيقاد شعلة الحرية، ودفعن الثمن من دمائهن وأسرهن بل وأعراضهن عندما ابتلين بالأسر في سجون نظام همجي عديم الإنسانية والضمير.

عملت بناتنا وأخواتنا في المؤسسات المدنية والاغاثية والطبية والدعم الإنساني والاجتماعي والمالي لكثير من النشاطات، وقمن بإعلام فعال جداً، وقدن مظاهرات ووجهن الحراك في المرحلة السلمية، وأدت هذه الشجاعة لاستشهاد أكثر من أربع عشرة ألف امرأة منهن واعتقال عدد مماثل، وقد أخضعت بعضهن للتعذيب الشديد، ووثق في المنظمات الانسانية تعرض أكثر من سبعة آلاف وخمسمائة امرأة منهن للاغتصاب والاعتداءات الجنسية، منهن أربعمائة طفلة، كما استشهدت كثيرات بالتعذيب حتى الموت، وبعضن حملن في أحشائهن أجنة من سجانين حقراء.

مازال جزء من مجتمعنا ينظر إلى المغتصبات بنوع من العقلية المريضة، والازدراء لهن، والتعالي الذكوري عليهن، رغم مآسيهن التي لا يستطيع أن يكتبها قلم ولا يصفها لسان.

يجب أن نعلم أن النظام المتوحش بدأ افتراس بناتنا خلال تاريخ طويل ومنه جريمة ٢ تشرين الثاني عام ١٩٨١ عندما أرسل أراذل الناس لنزع الحجاب عن رؤوس الطاهرات، وأعقب ذلك بمنع الحجاب في المدارس لأكثر من عشرين عاماً، ثم طرد الكثيرات في نهاية عام ٢٠١٠ مما هلل له بعض من صاروا من المعارضين اليوم!، و كان أحد عوامل الاحتقان التي أطلقت شرارة الثورة في وجه نظام الفجور والانحطاط والفساد.

هذا الاضطهاد تتابع إلى الاعتقال والتعذيب والاغتصاب، وزاد الأمر سوءاً النظرة السلبية الى المغتصبات مما يخالف الشرع والعقل، وإن من أكره على الكفر وهو شر من الاغتصاب قد رفع عنه الحرج؛ قال تعالى: (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ) (النحل ١٠٦)، وكما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).

إن المكرهَةُ على الزنا لاحدّ عليها ولا عقوبة في الدنيا أو الآخرة، بل التشنيع عليها مُحرّم، إذ لم تقم بذنبٍ أو معصية، وليست آثمة بأي حال، بل مأجورة فيما أصابها، كما يؤجر الإنسان لصبره على سائر ما يصيبه من الابتلاءات؛ وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: (ما من مسلم يُصيبه أذى: شوكة فما فوقها إلا كفّر الله بها سيئاته وحُطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها)، وكما ورد في حديث آخر من أنه: (ما يُصيب المسلم من نصبٍ (أي تعب) ولا وصبٍ (أي مرضٍ) ولا همٍ ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه).

لقد كان الفقهاء الأولون أكثر إدراكاً لمقاصد الشريعة وظروف الناس، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (أنه أتي بامرأة قد استسقت راعياً (استغل حاجتها) فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، فقال لعلي رضي الله عنه: ما ترى فيها؟ فقال: إنها مضطرة فأعطاها شيئا وتركها) (الكافي في فقه الامام احمد / ١٢٥٦)، وذكروا (عن الحسن والشعبي وابراهيم في الرجل إذا لم يجد امرأته عذراء، ليس عليه شيء، العذرة تذهبها الوثبة وكثرة الحيض والتعيش والحمل الثقيل (٧/ ٤٢٢ المغني لابن قدامة)، فهم لم يقيموا أنفسهم قضاة على النساء، ولم يتهموهن في أعراضهن، بل كانوا رحماء بهن، مدركين ما يعتريهن من شدائد الحياة، فكيف ستكون الحمية لهن، لو لحقوا زماناً تغتصب فيه النساء في السجون، ويعتدى فيه على الحرائر جهاراً نهاراً، بل توضع جداول لتنظيم اعتداء الأراذل عليهن.

إن من يشنع على أخواتنا المظلومات في سجون الطغاة إنما يشارك في جريمة الاعتداء عليهن، من خلال إهانتهن، وتحطيم كرامتهن، وعزلهن اجتماعياً ونفسياً، بل تجريمهن عملياً بين الناس كما أراد النظام الفاجر تماماً.
وما ينبغي التعامل معهن فيه، أن يعلم أن ظرفهن فيه ابتلاء عظيم، وما مررن به لا تحمله الجبال من الإذلال والقهر والألم وتحطيم الكرامة والرعب والخوف، ومداواة ذلك تكون في غمرهن بالود والرحمة، بل تعظيم صبرهن، وطول البال في التعامل معهن بسبب مامررن به، والرفق الشديد معهن وخصوصاً فيما يتعلق بكرامتهن، وأن من تعرضت للاغتصاب لم تأت بعار تحتاج إلى الستر عليها فيه كما يتكلم الجهلة منا، بل أوذيت أذى حري بنا أن نتواضع بين يدي الله معه، وأن إعادتهن إلى حياتهن الطبيعية وإشعارهن بالأمان والحب والسكينة، إنما هو فريضة في أعناقنا كمجتمع، وأن من رغبت أن تتزوج فلها كامل الاحترام والتكريم، وليست شيئاً معيباً يحتاج إلى خلاص منه.

كم وأد البعض بناتهن وأخواتهن وقريباتهن بجهلهم غير المسبوق، وأعانوا كل مجرم عليهن، وكم من كرام عرفوا حقهن فأكرموهن، وما أهان النساء إلا لئيم، وكم ُظلمت الشريعة من رعاع لم يعرفوا حق الله في عباده.

ليكن مع فزعنا إلى الله تحطيم لأصنام الجهل في نفوسنا، وليكن مع قومتنا للحق إحياء للنفوس، فإن الله تعالى يعلمنا: (.. أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيّنَـٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِى ٱلأرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة ٣٢).

أيها الناس، أيها المؤمنون،، يا شعب سورية الصابر،، لا تقتلوا بناتكم بل كرموهن.

أحمد معاذ الخطيب

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.