صحيفة العرب: معاذ الخطيب: لن أذهب إلى جنيف.. ولا يجب على السوريين هدم الائتلاف

العرب إبراهيم الجبين [نُشر في 02/11/2013، العدد: 9367، ص(12)]

حين تم انتخاب معاذ الخطيب في الدوحة في شهر نوفمبر من العام 2012، رئيساً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، كان أكثر من وفد أجنبي مشارك في أعمال المؤتمر مصعوقاً، بوصول رجل دين وخطيب وإمام للجامع الأموي في دمشق إلى رأس أكبر تشكيلات المعارضة السورية، بعد أن كان الغرض الرئيسي من خلق الائتلاف هو التخلص من هيمنة الإسلاميين والإخوان المسلمين على المجلس الوطني السوري، وكان الإخوان المسلمون السوريون سعداء بذلك، فهم يتوقعون أنه لن يكون صعباً عليهم التأثير في قرارات الرئيس الجديد ما دام ينتمي إلى الفكر الإسلامي، بينما تعامل العلمانيون والديمقراطيون السوريون مع الأمر بمبدأ “لنراقب كيف سيتصارع الإسلام السياسي بفروعه الإخوانية والسلفية والمدنية التي يحاول المهندس معاذ الخطيب أن يكون ممثلاً لها في المشهد، بحكم كونه رئيساً “لجمعية التمدّن الإسلامي”.

وبدأت رحلة الخطيب، الذي كان قد عاش في دمشق في مناخ علمائها ومشايخها، ذلك العالم المغلق، رغم انفتاح الشخصية الدمشقية وحتى الدينية منها، الهادئ والرصين، الذي آثر الذهاب إلى العلوم على الاشتغال بالسياسة، لغاية حفظ الدين، أياً كان السلطان، تشارك في هذا كبار علماء الشام، رغم محاولاتهم رفض الاستبداد في أكثر من مرحلة، فبعد أن ولد معاذ الخطيب في دمشق في العام 1960 بثلاث سنوات، بدأ النظام الذي جاء بالبعث إلى الحكم، بشن هجومه غير المبرر (وربما كان استباقياً) ضد الإسلاميين، والمعاني الإسلامية والقيم الإسلامية، فتوالت الإعلانات التي استفزّت علماء سوريا، فردوا عليها بالاعتصامات السلمية، في الوقت الذي حافظ نظام البعث على قرار حل جماعة الإخوان المسلمين السورية الذي كان الإخوان قد اتخذوه بأنفسهم أيام الوحدة، وفي العام 1964 بدأ النظام بالأعمال العسكرية ضد الإسلاميين، فقام بهدم مسجد السلطان (أهم وأكبر مسجد في حماة)، بعد اعتصام الشيخ المهندس مروان حديد وبعض تلاميذ المدرســة الإعدادية ليدفعوا مدينة حماة إلى الإضراب، ودخلت الدبابات مدينة حماة، ودمرت مئذنة المسجد وقبّتـه ثم دخلت الدبابات إلى داخل المسجد واعتقلت مروان حديد والطلاب المرافقين له، وقتلت العديد، ثم تكرّر الأمر في دمشق هذه المرة، وفي الجامع الأموي الذي تعاقب جدّ معاذ الخطيب ووالده وشقيقه على الإمامة والخطابة فيه، ففي العام 1965 اعتصم بعض سكان دمشق في الجامع الأموي احتجاجاً على الحالة التي آلت إليها البلد، وأغلقت المتاجر أبوابها، ودخل الضابط سليم حاطوم إلى الجامع بآلية عسكرية، واقتحم المسجد بعد أن كسر عتبته و أطلق الرصاص على المصلين، دون أن يكون أي منهم حاملاً للسلاح، واقتيد نحو عشرة آلاف من المصلين بالشاحنات إلى السجون، بينما وقف رئيس الدولة أمين الحافظ على شرفة قصر الضيافة ليقول في كلمته: “إن النساء يلدن كثيراً وسنقطع أيديهم وأرجلهم ونرميها للكلاب”، و تم كسر العديد من أبواب محال دمشق التجارية ونهبت محتوياتها وصودرت أكثر من مائة وعشر من الشركات بدعوى أنها تضامنت مع المضربين، وكتب إبراهيم خلاص في العدد رقم (794) من مجلة “جيش الشعب” في 25 نيسان ـ أبريل من العام 1967 يقول: “إن الله والرأسمالية والإقطاع أصبحت دمى محنطة في متحف التاريخ … لسنا بحاجة إلى إنسان يصلي ويركع خاشعاً ذليلاً، بل نحن بحاجة إلى إنسان اشتراكي ثائر”.

صراعٌ طويل، دفع الإمام معاذ الخطيب إلى الرحيل إلى التخصص في العلوم والجيوفيزياء التطبيقية وعمل مهندساً بتروفيزيائياً لستة أعوام في شركة الفرات للنفط، حتى عاد إلى عالم الخطابة والعلوم الشرعية، فبدأ في المسجد الأموي في بداية التسعينيات، وفي مساجد أخرى أشهرها جامع “دك الباب”، وقام الخطيب بتدريس المواد الشرعية في معهد الشيخ بدر الدين الحسني، وأصبح أستاذ مادتي الدعوة الإسلامية والخطابة في معهد التهذيب والتعليم للعلوم الشرعية حالياً، وترحّل في العالم داعياً إلى الإسلام الوسطي، بانياً على إرث عائلته وجدّه ووالده خطيب الشام الشيخ أبي الفرج الخطيب ومشايخه الكبار كالشيخ حمدي الجويجاتي والشيخ عبد الغني الدقر والشيخ عبد القادر الأرناؤوط.

يقول الخطيب “كان الناس مخدّرين، وقد حاولنا وحاول غيرنا، إيقاظهم، وإيجاد جيل من الشباب من الذين يقيمون المحاكمات العقلية، وكنت أعتقد وما زلت أن إجبار الناس على نظام معيّنٍ هو أكبر إجرام، وحقوق الناس لا يجوز التساهل في سلبها، لا برضى وموافقة وصمت العلماء ولا بغير ذلك، وكنت أعيش في مجتمع لا أستطيع تغييره، صحيحٌ أنني لا أتبنى الفكر الصدامي، ولكني لا أقبل الاستسلام، وأقف مع الحق وإنقاذه من أهل الباطل”.

وكثيراً ما اتهم السوريون الخطيب بأنه كان يعيش في دمشق أول الثورة متبيناً فلسفة الفكر التوفيقي الذي لا يميل إلى الحسم، فكيف يمكن لسوري أن يصبح إماماً للمسجد الأموي دون موافقة النظام ومخابراته؟!

يجيب الخطيب “الفكر التوفيقي كلمة مطّاطة، وإذا استعرضنا ما جرى في تلك السنوات، فسنعرف أنه لم يكن هيناً علينا ترك الناس دون أن نقوم بواجبنا الشرعي والوطني تجاههم، فحملة العلم مكلفون، وعليهم العمل مهما كانت ظروف السلطان وأخلاقه، بالعكس إن تجربة الخطابة في المساجد، جعلت منا أقرب إلى الناس، وجعلتنا نفهمهم أكثر، وندرك ما يريدون، وكنّا تحت المساءلة والاستدعاء من أجهة المخابرات في كل لحظة، وفي كل خطبة، بينما كان من المهم أن نشارك الناس في مجالسهم، ونحاول تنويرهم، وقد منعني النظام من الخطابة أكثر من مرة قبل الثورة بسنوات”.

 

الخروج من دمشق ورئاسة الائتلاف:

يقول الخطيب عن أيام الثورة الأولى، إنه كان يحرص على التواجد في كل مكان، ويدفع الناس إلى الثورة ولكن دون أن يزهقوا أرواحهم، “في دمشق أوقدت شعلة الثورة، من الحريقة، وتلتها درعا وأطفالها ومظاهراتها وشهداؤها، ثم بدأت تأتيني تحذيرات وضغوط شديدة بأنني صرت مستهدفاً من قبل النظام، خاصة بعد اعتقالي مرتين، وخرجت من سوريا في تموز يوليو 2012، أي منذ أقل من سنة ونصف السنة”.

ويتابع الحديث عن حياته في الأشهر الثلاثة التي سبقت تحوّله إلى رئيس لائتلاف الثورة السورية “عشت في القاهرة، في مصر، وكانت الأوضاع حين ذاك مناسبة لحياة السوريين فيها، وتفرغت لرؤية الصورة واستجلاء الواقع السياسي السوري خارج سوريا، حتى جاءني بعض الإخوة السوريين ممن أسمعوني حديثاً عن ضرورة تشكيل جسم سياسي واسع للثورة يمثلها سياسياً أكثر من المجلس الوطني الذي كان قائماً حينها” ولكنه يشير إلى الطريقة التي دعي فيها إلى العمل السياسي وتستوقفك كلماته قائلا “لا أكتمك سرّاً.. ربما كان هناك، من بين من عرضوا عليّ العمل في مشروع الائتلاف، من كان غارقاً في شطآن لم أكن أعرف عنها شيئاً! وقيل لي حينها إن هذا المشروع فيه لمّ شملٍ للمعارضة السورية كلّها، ودعيتُ كممثل عن مجلس دمشق ولم أكن أريد أن أسير إلى ما هو أبعد من هذا حتى ذلك الحين”.

ولكن في الدوحة تغيّرت الأمور، فقد طلب كثيرون من معاذ الخطيب أن يسير إلى ما هو أبعد، وأن يترشّح لمنصب رئيس الجسم السياسي الجديد، يقول الخطيب: “هناك من ناقشني بحدّة وطالبني بتحمّل مسؤولياتي وقبلت الترشيح وأنا لا أعرف ما الذي سيحدث، ففوجئت بأنّ أحداً لم يترشّح كمنافس أمامي، وبالتالي صرتُ رئيساً للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ولم أكن أريد هذا ولم أسع إليه”.

ولكن الحافز كان العمل على خدمة الشعب كما يقول، و”تحت ضغط القوى الوطنية، وأطرافٍ أخرى لها عقليات تبحث عن مواقع وربما ترتبط بنصائح من جهاتٍ ما، ومن اليوم الأول وجدت الجو قاتماً غير مريح، ورغم ذلك حاولت بذل الجهد في إشاعة العمل المشترك والمحبة، وبنينا شبكة علاقات ممتازة للثورة ولصالح الشعب، وكان هذا بجهد كثيرين ربما لم يسمع عنهم الناس، وصار هناك احترام دولي للعمل السياسي أكثر من ذي قبل”

العمل المنفرد:

كانت أكثر الاتهامات التي وجّهت لمعاذ الخطيب من قبل شركائه في العمل السياسي المعارض هو أنه يعمل منفرداً ولا يلتزم بالمؤسسة، ولكنه ردّ على هذا نافياً: “وجدتُ نفسي في قارب صغيرٍ في محيط، وكان خياري صعباً، فإما أن تتهم بأنك إسلامي أو دمشقي منحاز أو أن تقبل بألا يكون لك رأي مختلف، وأنت تقول لي إنك لم تعمل بشكل مؤسساتي بل بشكل منفرد، ولكني أقول لك إن أعضاء الائتلاف كانوا يقولون لي إنهم موافقون على أفكاري في الجلسات المغلقة، ولكنهم في الاجتماعات يصوّتون ضدّها، واكتشفت أن الكثيرين لا يريدون وربما لا يستطيعون الجهر بقناعاتهم، كنت أستشير الجميع، حتى من خارج الائتلاف، ولم أطرح شيئاً لم أطلع زملائي عليه من قبل، ولكنني موضوع تحت مسؤولية ثقيلة، يصعب معها اتخاذ القرار، وبصراحة فقد كانت كل القوى السياسية في الهيئة العامة رافضة لفكرة وجود هيئة سياسية للائتلاف، منعاً لاستفراد أحد بالقرار، وقد طرحت الأمر مراراً، حتى تم الاستماع إليه مرةً على مضض، ولمجرّد رفع العتب، كان الوضع لا يليق بالشعب السوري ولا يرضي أحداً”.

وقد وصلت ثورة السوريين اليوم إلى اللحظة التي صار القرار فيها، في المشهد كلّه، غير سوري، وربما كان الأقل هو التدخل السوري الضعيف في هذا الشأن أو ذاك، يقول الخطيب عن هذا “عملت على أن يبقى القرار سورياً، ولم أقبل أن يفرض عليّ أحدٌ قراره أو فكرته، وأتحدى اليوم أي مسؤول في العالم إن كان قادراً على إثبات أني وافقت على فكرة غير سورية أو قبلت بطرح غير سوري، كنت أجيب كبار المسؤولين بحزم، وكثيراً ما رفضت أن يحضروا معنا بعض الجلسات”.

ولكن ماذا طلب بابا الفاتيكان من معاذ الخطيب؟! وما الذي رفض الخطيب القيام به من أجل البابا؟!

لم يكن الخطيب مرتاحاً أثناء الإجابة عن هذا السؤال، ولم يرغب بقول الكثير: “لم أتلق رسالة رسمية من البابا ولكن وجّهت لي الدعوة لزيارة الفاتيكان عبر طرف ثالث، واعتذرت عن قبولها، دعني أتحدّث بصراحة، لم يكن دورهم إيجابياً، وبرأيي لم يكن حيادياً حتى، بل كان يغمط الثورة حقّها ويظلمها ولا يفهمها، وقد تكرّر هذا أكثر من مرة، ففي المرة الأولى حاول الإيطاليون دعوتي واعتذرت، وفي المرة الثانية كانت الدعوة محمولة عبر بعض السياسيين السوريين المعارضين، فقلت لهم إن هناك عواصم أخرى أقرب لنا من الفاتيكان لم أقم بزيارتها، وحين أفعل لن يكون هناك مانعٌ من زيارة البابا في الفاتيكان”.

وقد تسرّب أن بابا الفاتيكان، كان يحاول ضمان مقاعد للتمثيل المسيحي في الائتلاف ضمن نسبة مئوية مبالغ فيها، في الوقت الذي يعتبر الخطيب فيه أن الوقت ما يزال مبكراً على التقاسم والحصص لا سيما وأن الحلم السوري الديمقراطي لا يعتمد المحاصصة، بل الدولة المدنية.

وماذا عن التدخل العربي في عمل الخطيب، هل كان السعوديون أو القطريون أو غيرهم حقاً يرغبون في ممارسة الضغط على قرار رئيس الائتلاف؟!

يقول الخطيب:”لم يعاتبني أي مسؤول قطري على أي شيء قلته أو فعلته، ولم أستشر منهم أحدأً، ولكن دعني أحدّد أكثر، إن الأزمة السورية متراكبة بطريقة يصعب فيها على غير السوريين فهم كل تلك التعقيدات، ولا يمكن الإحاطة بها إلا من خلالنا، فقد عاش الجميع معزولين بعيداً عن سوريا لعقود طويلة ولا يعرفون كيف تجري الأمور”.

 

مشروع معاذ الخطيب:

يعترف الخطيب بأنه طرح مبادرته بطريقة غير مهنية، كما يقول، ولكن هذا “لا يمنع أن المبادرة التي طرحتها قد أحرجت النظام، ولم يكن فيها مطالب سياسية، وأظهرت حجم الألم السوري والمعاناة الإنسانية الكبيرة التي يعيشها الشعب، ولكن للأسف كنت أتوقّع أن يتم دعم المبادرة من قبل الشركاء السوريين وغيرهم من العرب، ولكن كما أن النظام يقول إنه سياقتل حتى آخر جندي، فإن بعض المعارضين يقولون إنهم سيقاتلون حتى آخر طفل” ثم طرحت مبادرتي الثانية، التي تعاملوا معها أيضاً برفع عتب، وأغلقوا عليها الباب، ومازلت أعتقد بصوابها، وعندما تتحدث عن الوضع الحالي فلا يمكنك أن تتجاهل ضرورة المرور بخطوات لإنهائه، إن بقاء بشار الأسد غير ممكن، ومن المستحيل أن يقبل الشعب بهذا، ولكن لا يمكننا الوصول إلى هذا من غير حلول سياسية، وهناك ما لا أريد الحديث عنه اليوم، فلم يتبلور الطرح بعد ولا يصح الجهر به”.

وهل يرى معاذ الخطيب أن السوريين ذاهبون إلى جنيف دون شك؟! يقول الخطيب جازماً في ردّه على السؤال: “أعتقد أن هناك تفاهمات دولية حول هذا، وسوف يذهب السوريون إلى جنيف، ولكنني شخصياً لن أذهب” وحين تقول له إن هناك من سيذهب إلى جنيف ويوقّع يجيب بنفس النبرة: “سيذهبون ويوقعون بأسمائهم فقط ولا يستطيعون تغيير شيء، علينا أن ننتظر ما الذي سيحصل على الأرض في الداخل”، وحين تسأله هل سيبقى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أم سيتفكك؟! يقول “الائتلاف سيبقى طالما كانت هناك إرادة دولية ببقائه، وأنا أرى أن الائتلاف ممثل أمام المجتمع الدولي، ليس أكثر من هذا، أما عن بعض الجهات من الإخوة في الداخل التي تبرأت من الائتلاف وأرادت سحب شرعيته، فأنا لا أوافقهم على هذا طالما لا يستطيعون تقديم البديل، وأريد أن أسألهم لماذا لم يشكلوا ائتلافاً في الداخل ما داموا غير مقتنعين بعمل الائتلاف في الخارج؟!”

ولكن معاذ الخطيب استقال من الائتلاف تماما وها هو يدافع عن وجوده اليوم؟! يقول “استقلت من الائتلاف لأني لا أوافق على سياساته، ولا ينبغي أن يجري تخريبه وتدميره، بل يجب أن تتم حماية وجوده بكل وسيلة”.

 

تقدم الثورة أو انحسارها:

لا يعدّ الخطيب من معارضي الخارج السوري، وهو القادم من دمشق، والذي بقي على تواصل معها كل لحظة، في صعوده وهبوطه السياسي، وفي اضطراب علاقاته مع الخارج، ولكن تبقى الثورة السورية في سوريا أساس العمل السياسي كلّه، يقول الخطيب: “الثورة في سوريا فيها كمون هائل جداً، بقاؤه بهذا الحال مدعاة للخطر، وإصرار النظام على المزيد من القوة والعنف والتجويع، سيقود إلى تفكك سوريا واضمحلالها، ونظام بشار الأسد هو المسؤول عن هذا كلّه، عندنا حوّل سوريا إلى ساحة صراعٍ دولية، ونحن اليوم تحت وحشية هذا الطرف الذي أراد أن يذهب في الدم إلى آخره، ولكن السؤال إلى متى يستطيع شعبنا أن يواصل ويتحمّل” “أما عن الجماعات الإسلامية المتشددة في الداخل، فأنت تعرف أن البنية العميقة لتلك الجماعات مكونة من الشباب المخلصين الذين يتحلون بأخلاقيات عالية، ولكن يقودهم رجال مخترقون بالكامل من قبل أصحاب المصالح، يقومون بجرّ الشباب إلى تنفيذ أهداف معينة، ويشمل الناس هؤلاء جميعاً بالتوصيف والحكم، بينما هم ليسوا كذلك، في مراكش قلت لمسؤول أميركي كبير: ما الذي فعلته لكم جبهة النصرة؟! قال : لم تفعل شيئاً، ولكنها رسالة استباقية، وهذا الوضع كلّه كما قلت لك نتيجة تفاهمات دولية، وما دمنا نقول إننا قد نفاوض النظام، فهل نعجز عن التفاوض مع هؤلاء الشباب؟! برأيي أن العقلية السورية هي التي يجب أن تتعامل مع التعقيدات السورية”.

ولكنك ترى ممارساتهم في الرقة وبقية المناطق اليوم، وهم يقومون بأعمال لا تقل استبداداً عن نظام بشار الأسد، يجيب الخطيب على توصيف ممارسات دولة الشام والعراق الإسلامية وبعض المتطرفين بالقول “كل هذا يسيء للإسلام ورسالة الإسلام، الفكر الذي يريد أن يحكم الناس بالحديد والنار نرفضه كائناً من كان، حتى لو كان حكماً إسلامياً، والفكر الذي يريد أن يفكك بنية المجتمع فكر مرفوض، والأنظمة الغربية لها أهداف من خلق هذا كلّه، وتمكر بالجميع، لذلك فنحن لا نشارك في شيء لا نعرف أبعاده، بالنسبة إلي الغرب ليس من الثقات، فلماذا آخذ كلامه بمصداقية؟ أنا كإنسان عربي مسلم سوري لدي مشكلة كبيرة في بلادي أريد حلّها ضمن هذه المحدّدات”.

ماذا تحضّر المعارضة السورية لهذا الملف، الذي يستمثر فيه نظام بشار الأسد ويحرص على تقوية وجوده في الحكم بكل الأشكال والصور بفضل تنسيقه العميق على طول خط الصراع العربي الإسرائيلي، نبحث في الإجابة بين المعارضين السوريين، الخطيب يرى أن” الموضوع المهم الآن هو إنقاذ الشعب، والدخول في تعقيدات الصراع العربي الإسرائيلي لا يفيدنا الآن، فقد مرّت خمسون سنة ولم يتنفّس أحدٌ في وجه إسرائيل، وأنا شخصياً لا أستطيع أن أفكّر في أمر تقرّره أمّة بأكملها”.

لم تكن تجربة الخطيب سلسة ليّنة في الممر السوري المعارض الطويل، وقد خرج منها وله من يناصرونه في الداخل، بالإضافة إلى كثيرين ينتقدون أداءه، ولكنه مصرٌ على أنه كان منسجماً مع ذاته، ومع حياته السابقة قبل الثورة وبعدها، يقول: “أريد أن أقول للسوريين أن بعد كل هذا الظلام لابد وأن يأتي فجر، ولابد من آخر لهذا الليل، وليثقوا بالله، فالظفر صبر ساعة، فسيجعل الله لهم مخرجاً وتكون هذه المحنة بداية جديدة لأمّة جديدة”.

ألّف معاذ الخطيب عدداً من الكتب حول قضايا متعددة، تنظر إلى الإسلام على أنه حالة صوفية وتعامل أكثر منه رسالة حرب وتمكين فصدر له “جمالية الإسلام” و”قل هذه سبيلي” و”رمضان.. حياة بعد ضياع” و”الهندسة البشرية” و”لا حياة من دون أخلاق” وكتب أخرى في مجالات مختلفة، ليختلط السياسي بالمثقف بالديني بالوطني بالعلمي في المشهد السوري المحتدم.

المصدر http://www.alarab.co.uk/?id=7433

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.