كلمة أحمد معاذ الخطيب في مؤتمر السلم الأهلي السوري

كلمة رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد معاذ الخطيب
في مؤتمر السلم الأهلي السوري

نص الكلمة:
استنبول 17 نيسان 2013

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته، و أهلاً بكم جميعاً أيها الإخوة الأفاضل و الأخوات الكريمات..
أريد أن أبدأ بالشكر للجنة السلم الأهلي في الائتلاف الوطني و على رأسها فضيلة الدكتور عبد الكريم بكار و سائر إخواننا و أخواتنا الكرام.
هذا الموضوع في غاية الأهمية و ربما سرقه اللصوص منا، أريد أن أذكر أمراً كان يتعلق ببلاد الشام، يذكر المرحوم فخري البارودي في مذكراته عن مرجعيات كانت موجودة في سوريا و في دمشق خصيصاً كونها العاصمة، كان عندنا أربع مرجعيات: مرجعية المهنة و منها بقايا العائلات المعروفة: شيخ الحدادين و شيخ القصابين… ومرجعية الحي: كل حي كان له زعيم، و مرجعية العائلة: كل عائلة كان فيها كبير و أخيراً المرجعية الشرعية.
يذكر البارودي في مذكراته أن الدولة العثمانية في آخر أيامها و كانت أيام ضعف قد فتحت محكمة تجارية لفض المنازعات بين الناس، بقيت هذه المحكمة ثلاث سنوات لم تطأها قدم إنسان واحد، لأن الناس كانت تحل مشاكلها بين هذه المرجعيات الأربعة..هذا هو مجتمعنا، و كان الناس يتعاطون فيما بينهم بالثقة.

الذي أصاب الأمة هو وباء طويل و نريد اليوم أيها الإخوة أن نسترجع أنفسنا و هويتنا و أن نسترجع أنفسنا فقد سُرقنا و اُستلبنا و أُخرجنا عن مسار الإنسانية كلها بهذا النظام الظالم البطاش، نريد أن نرجع إلى قوله تعالى:” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوباً و قبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.
نحن لا ننكر أن هناك إشكاليات كثيرة، أولها أن هذا الشعب العظيم الشجاع بقي خمسين سنة لا يعرف بعضه بعضاً، الناس خائفون من بعضهم وولد هذا عندهم إشكالات كبيرة، و هي تنعكس على كل أعمالنا، و لكن أقول أن الرجعة قريبة و ليست بعيدة أبداً، و هناك تحديات كبيرة سنفشلها معاً لهذا الشعب الشجاع، أولها ما يلقى أحياناً عن تقسيم سوريا….أبها الإخوة هذا الكيان هو جزء من كيان أكبر و أكبر و أكبر و أقول أن أجدادنا عندما حاول الاستعمار الفرنسي أن يقسم سوريا تصدوا له بكل شجاعة و أفشلوه فشلاً ذريعاً و سنفشل كل تقسيم إن شاء الله بمعيتكم.

الأمر الآخر، عتب علي بعض الإخوة و قال لي تتحدثون أحياناُ عن محاولة لعلها تجدي من مفاوضات مع النظام، مفاوضات مع الدول القريبة و البعيدة، لماذا لا يتفاوض الشعب السوري مع نفسه؟ و أنا أقول اليوم، بمناسبة ذكرى عزيزة علينا جميعاً، اليوم ذكرى الجلاء عن سوريا، جلاء آخر جندي محتل عن سوريا، منذ سبعة و ستين عاماً و كما حصل الجلاء فأنا استبشر و أقول إن شاء الله هي بداية لجلاء الظلم و لنرجع إلى سوريا عزيزة كريمة حرة، و أنا أقول لنطلق مبادرة الحوار بين أبناء البلد، بين أبناء الشعب، بين أبناء الثورة فيما بينهم.

هناك عوائق في الداخل و قد عاتبني أحد الإخوة فقال لي: ذهبتم بعيداً و نحن بحاجة إلى حوار داخلي، حوار بين أبناء الثورة و أنا أقول هذا صحيح، و استفتحنا البارحة أيها الإخوة لصد غارة عن أبنائنا..هناك محاولات دولية لرمي بذور أو التلاعب على بعض الأمور، قلت لهم لن نسمح لأحد أن يمد يديه على أبنائنا و سنحاورهم جميعاً و سنتواصل مع كل أبناء سوريا كان ما كان هذا المكون ما دام هو ضد الظلم، و لن نسمح لأحد باجتياحه.

تحدثوا عن جبهة النصرة و قال لي أخ قريب منهم، قال لي: بمجرد شريط موضوع على اليوتيوب لا ندري أوله من آخره و من ألقى به سنوضع كلنا في خانة معينة و تتصرف دول و حكومات و ترمى الطاولة على شباب أطهار، و قلت له لن نسمح أن تمد يد على أبناء الثورة السورية و سنتحاور معهم جميعاً و هذا الأمر باطل، و هناك ثلاث أمور ذكرناها دائماُ:
• الأمر الأول: كل فكر تكفيري دموي يستبيح دماء الناس فهذا مرفوض شرعاً و أخلاقاً.
• الأمر الثاني: كل فكر يريد أن يفرض فكره على الناس فهو أيضاً مرفوض فلا إكراه في الدين.
• الأمر الثالث: كل فكر يريد أن يهدد أو يدمر النسيج الاجتماعي السوري فهو أمر مرفوض.

بعد ذلك فليتكلم من شاء بما شاء، بعض الإخوة قال نريد خلافة إسلامية، قلت أهلاً و سهلاً بكم بالطريقة القرآنية ” ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنى”، أنت تريد أن تحبب الله تعالى إلى الناس أم تريد أن تنفر الناس من الله! قال لي: أريد أن أحبب الناس إلى الله، قلت له تعال إلى إخوانك و تكلم معهم و حافظ على قوله تعالى و على الأسس القرآنية “لا إكراه في الدين”، ادع إلى ما تريد، و لكن اعلم في نفس الوقت أن حقوق الناس تنبع من وجودهم لا من كثرتهم، و هذه الحقوق لا يجوز أن تستبيحها، فهي حقوق شرعية وأخلاقية إنسانية، مهما تباينت الأفكار و الآراء، فيجب في النهاية أن نتعلم شيء واحد: فن الإصغاء إلى بعضنا و هذا شيء حرمنا منه، نحن نعذر الجميع و قد قال أحد المفكرين يوماً افهمني ثم ارفضني نحن نرفض بعضنا من دون ان نفهم بعضنا أصلاً، و أنا أدعو إخواننا أن يتواصلوا مع بعضهم، أدعو الإخوة الثوار في الأرض أن يفتحوا قلوبهم لإخوانهم، الجهات التي تعمل في الأرض من أجل حرية هذا الشعب جهات كثيرة، كل الناس شاركت في الثورة، و أنا قلت أكثر من مرة، ستين بالمائة من الحراك السلمي كانت تقوده أخوات عظيمات، أخوات كثيرات دفعن حياتهن من أجل الإغاثة..

و أكرر مرة ثانية، لولا المرأة السورية لما رفعت الثورة رأسها، آلاف الأخوات في السجون، هؤلاء الأخوات هم مفاتيح للثورة، آلاف الأطفال في السجون..هم روح الثورة، هناك آلاف الناشطين المدنيين…هناك آلاف الأطباء، آلاف العاملين، آلاف عمال المخابز، آلاف الناس العتالين الشرفاء الذين هم أشرف من في البلد، يحملون على أكتافهم كل ما تريده الأمة من سلاح و من طعام و يعرضون أنفسهم للقتل و القناصين و يتابعون الطريق و هناك ناسٌ لم يعودوا يتحملون هذا الظلم و هذا البطش فحملوا السلاح، كل هؤلاء مشتركون في الثورة.

نحن نريد إعادة الجسور فيما بيننا في جلسات هادئة و لو كانت تحت القصف ، دخلت مرة ووالله كنت في حالة قلق شديد – و بعض إخواننا في الداخل يأخذ فكرة عمن في الخارج قد لا تكون دقيقة – والله مرات بكيت يا إخواننا، أتاني أخ لا أدري ما هي أفكاره، قال لي أنا أخالفك تماماً و لكن في كتيب صغير أحب أن تقرأه فتطلع على ما فيه، أتاني إخوة عديدون و قالوا نحن نراك في كل ماتقول على خطأ، قلت أنا بشر، و لكننا سنجتمع مع بعض لنحصل على الحرية مع بعض، ناس كنت أتصورهم شيئاً و رأيت فيهم شيئاً آخر…يا إخواننا دوماً الأمر الصحيح لا يحتاج إلى دعاية، الناس تشير إلى الأمر الخطأ، و أنا أقول: شعبنا رغم كل جراحه من أعظم شعوب العالم، حتى الآن أخفقت السلطة في إشعال فتيل الطائفية، و أخفقت في إشعال حرب أهلية، و أخفقت في تأليب المجتمع على بعضه و ما زال مجتمعنا قوياً و سيرجع إلى عافية أقوى و الدليل هذا الاجتماع و مثله كثير داخل سوريا، لدينا الكثير من مكونات الخير و لكن بحاجة أن نتروى قليلاً و نعذر بعضنا البعض قليلاً من أجل أن نجد ساحةً أكبر لنتحاور و لنتواصل.

هناك أمر سمعته البارحة و تألمت جداً لهذا المنطق الوثني، قال أحد المسؤولين إذا زال فلان فلن تكون هناك سوريا..قلت سبحان الله هل ما زلنا نعيش في هذه الوثنية، نحن لا نؤمن بالصنمية نحن نؤمن بالله تعالى، نحن لا نؤمن بالفرد نؤمن بالأمة، كيف تزول سوريا؟! آلاف السنوات من الحضارة لم يستطع طاغوت في الأرض أن يزيل سوريا، فهل تزول من أجل شخص ما؟ كائناً من كان…يا إخواننا عندنا أمراض فكرية كلنا تعودنا عليها من دون أن نحس، الآن إذا إنسان يريد أن يستقيل نقول قد ينهار هذا العمل، يا إخواننا لا ينهار عمل لشخص..إن الشمس و القمر آيتان من آيات الله لا تنكسفان لموت أحد و لا لحياته، فما بالك بما هو أعظم وأكثر..لا تخافوا يا إخواننا هذه الكراسي علمنا الظالمون أن نحترمها و لا احترام لكرسي بل الاحترام للمبدأ الذي ينطلق منه و هو فكر الامة و فكر الجماعة و فكرالوطن..الوطن الذي هو في خطر، و أنا والله يا أخي، لا أخاف على مسلم و لا أخاف على مسيحي و لا أخاف على أي مكون من داخل شعبنا العظيم أنا أخاف على شيء واحد: على الإنسان، على الوطن، الوطن أغلى من الثورة و أغلى من كل شيء فلنحافظ عليه جميعاً.

الآن عندنا مهمات جسيمة، نريد أن يكون كل واحد منا واحة خير، و أن نتواصل مع الداخل، إخواننا في الداخل يعانون من ظروف غير مسبوقة كما تعلمون جميعاً، يا إخواننا عندنا أمر عظيم و هو موضوع الوقف، أنا أقول إخواننا في الداخل يشكلون مجالس صغيرة، يتعودون على إدارة أنفسهم و هم أكفاء لذلك، و أقول دعونا في الخارج، كل مجموعة من الناس تنشىء وقفاً لدعم المكان الفلاني، لدعم البلدة الفلانية، لدعم المجلس الفلاني، هذا جزء من ثقافتنا و حضارتنا و ديننا، لماذا لا نعيده مرة ثانية؟ لماذا ننحصر في قوالب معينة..نعم وقف لإنقاذ أهلنا في سوريا، و هذا أمر كفيل بتحقيق قفزات كبيرة جداً، نريد من إخواننا ليس تبرع ينتهي، نريد وقفاً…عندنا عشرات الألوف من خيرة الشباب انقطع تعليمهم الجامعي..نرد وقفاً لهؤلاء..نحن لا تدمر بنتيتنا التحتية فحسب بل بنيتنا المعرفية ..و أنتم تعرفون رجالات الجلاء على سبيل المثال أخفاهم النظام تماماً مُحوا من الكتب، ظن الناس أن البعث هو الذي بدأ التاريخ كله و أن النهاية به، و هو شيء عارض ندبة سوداء في حياة هذه الأمة، نريد إعادة رجالاتنا و معرفتنا مفتاح أساسي في تقدمنا إلى الأمام.

اليوم إخواننا في حوران في عدة قرى ليس فيها خبز، ليس فيها دقيق..هذه واجباتنا نحن، أخوات كثيرات – و لا نستحي من ذلك فما أكل ابن آدم طعاماً خيراً من كسب يده – صرن يعملن في البيوت، هذه برقابنا كلنا نحن…إشاعة هذا التعاضد و التكافل و التراحم هو جزء و مكون أساسي مننا، و نريد استعادته إن شاء الله بمعيتكم، و هذه الأمة فيها خير، لا ينقطع الخير فيها أبداً.
هذا المؤتمر نواة بداية و حقيقةً وضع إخواننا برامج كثيرة لإشاعة الأمر في داخل القطر كله، لنتعاضد على الخير، لا أريد أن أتكلم أكثر، و أختم بقوله تعالى:” و العصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات و تواصوا بالحق و تواصوا بالصبر”، دعونا نمد أيدينا إلى بعضنا و نتواصى بالحق و الصبر و أشكركم جميعاً و نستودعكم الله.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.