كلمة رئيس الائتلاف الوطني أحمد معاذ الخطيب في القمة العربية

كلمة الشيخ معاذ الخطيب في اجتماع القمة العربية 2013 بالدوحة-قطر

بسم الله الرحمن الرحيم
رئيس القمة العربية صاحب السمو الشيخ حمد ابن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر
أصحاب الجلالة والفخامة والسموّ
ملوك ورؤساء وأمراء الدول العربية الشقيقة ونوّابهم
ممثّل الأمين العام للأمم المتّحدة
معالي الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي
معالي الأمين العام لجامعة الدّول العربية
الإخوة والأخوات الضيوف..

سلام الله عليكم ورحمته، من شعبٍ شجاعٍ صار ربع سكانه مشرّداً، ودخل مئتا ألفٍ من سكّانه السجون، ودفع ثمناً لحريته قريباً من مائة ألف شهيد، ودُمرت بنيته التحتيّة على يدَي نظام متوحش أرعن..
سلام الله عليكم من شعب يُذبح تحت أنظار العالم لمدة سنتين.. ويُقصف بكل أنواع الأسلحة الثقيلة والصواريخ البالستية، وما زالت بعض الحكومات تحكّ رأسها لتفكر ماذا تفعل!
سلام الله عليكم من الشعب الوحيد في العالم الذي تَقصِفُ الطائرات الحربية فيه أفران الخبز، ليخرج معجوناً بدماء الأطفال والنساء..
سلام الله عليكم من الأرامل والأيتام، من المعذبين والمضّطهدين من الجرحى والمعاقين، من السّجناء والمعتقلين، من المهاجرين والمشرّدين، من المجاهدين والمرابطين، من الشهداء الذين تُرفرِفُ أرواحهم في كلّ هذا العالم المسكين
سلام الله عليكم من شعبٍ سيتابع طريق حريته، ويملك من الإرادة ما يقوّض به أكبر صنمٍ في الأرض، ومن الحبّ ما يملأ العالم كله بالسكينة والدفء والحنان

نكره الحرب والقتال.. وبدأنا ثورة سلميّة، دفعها النظام بطيشه وتوحّشه نحو السلاح والخراب والدمار
سأتكلم عن شعبنا الجريح الصامد من خلال النقاط التالية:

أولاً: صار أكثر السوريين زاهداً بأي مؤتمر دوليّ، ما دام يعجز عن تمرير الحدّ الأدنى من الدّعم لحرية السوريين، فهل يحتاج تقرير حق الدفاع عن النّفس إلى سنوات يُذبَحُ فيها الشعب السوري بطريقة ممنهجة وواضحة؟!

ثانياً: مع خالص شكرنا لكلّ الجهات التي تحاول أن تساعدنا وهي كثيرة، إلا أننا نكرّر أن شعبنا قد دفع ثمن حريته من دمه، وقراره ينبُع من مصالحه، ويرفض وصاية أيّة جهة في اتخاذ قراره، وإن اختلاف وجهات النظر الإقليمية والدولية قد ساهم في تعقيد المسألة، وقد تتقاطع مصالحنا مع بعض الجهات ولكنّ ثورتنا صنيعة نفسها، والشعب السوري وحده هو الذي فجّرها وهو الذي سيقرر طريقها.

ثالثاً: لقد قدمت جامعة الدول العربية مشكورةً مبادرةً شجاعة بتقديم مقعد سورية إلى الشعب السوري بعد مصادرة قراره لمدة نصف قرن.. هذا المقعد هو جزءٌ من إعادة للشرعيّة التي حُرِم الشعب السوري منها طويلاً
إن هذا التجاوز للضغوط الدولية ليس فقط إنجازاً يقدم للشعب السوري، بل يدلّ على ما يمكن أن يحصل في حال التعاضد، وأقول أن دور الدول العربية مع جيرانها من خلال التفاهم والتعاون هو دور حضاري رائد، ويجب على جامعة الدول العربية أن تستعيده.
باسم الشعب السوري أشكر كل إخواننا على هذا الإنجاز الكبير.

رابعاً: هناك محاولات دائمة للتشويش على الثورة السورية من خلال ثلاثة محاور:

أولها الأقليات:
وأقول دائماً إذا أردتم أن تعرفوا تعامل النظام مع الأقليات فانظروا إلى إخوتنا الأحبة في لبنان عندما اقتحمهم النظام السوري ماذا فعل معهم، في كل الطوائف.
انظروا ماذا فعل مع إخواننا الأكراد والفلسطينيين والمسيحيّين، بل أقول حتى مع إخواننا العلويّين، من الذي قتل اللواء غازي كنعان؟ ومن الذي يعتقل الدكتور عبد العزيز الخيّر؟
البارحة، نزع إخوتنا العلويون عن النظام آخر أوراقه باعتباره مارقاً متوحشاً يخالف إرادة الشعب السوري كله.
ما يجري في سورية هو عبارة عن صراع بين الحرية والعبودية، بين العدل والظلم، وأقول لكم عن أمر.. في بداية الثورة حاولت أطرافٌ تنتسبُ إلى النظام، إشعال فتيل حربٍ أهلية بين إخوتنا في منطقة بانياس، التي يختلط فيها السنة مع العلويين، الذين يعرفون أنهم شعب واحد، لهم نفس الحقوق وعليهم نفس الواجبات، انطلق وفد من هؤلاء وهؤلاء من شيوخ الطرفين وتجاوزوا الأزمة، وأثبتوا أن سورية شعب لا يحتاج إلى المافيا الأسدية، شعب يعيش مع بعضه، وسيستمر في حياته إن شاء الله حياةً كريمةً عادلة.

ثانيها الأسلحة الكيميائية:
كل ما حصل للشعب السوري لم يلفت الأنظار، هناك من مرر رسائل خجولة، وأنا أصارح شعبنا بهذا الموضوع، يقول: هل يمكن تدمير هذه الأسلحة؟
وأقول إن هذا الأمر يقرره مؤتمر وطنيٌّ جامع، ويمكن أن يحصل برأيي في ظل صفقة كاملة لكل المنطقة، تبعد كل أنواع الأسلحة النوويّة والدمار الشامل.
إن المعارضة لن تبيع وطنها أيها الإخوة ويا حكومات العالم.

ثالث المحاور موضوع الإرهاب:
هل الإرهاب الدولة لمدة سنتين مقبول؟ هل لأحدٍ وجهٌ أن يتحدث عن الإرهاب، وكلّ يوم يُذبَح الشعب السوري تحت سمع العالم وبصره.
يقول نحن لسنا ضد الشعب السوري ولكن ضدّ المتطرفين الأجانب! أنا لا أدري هل الأمر حقيقةً متعلق بكونه أجنبياً أم بلحيته؟!
ماذا عن آلاف الخبراء الروس والإيرانيين ومقاتلي حزب الله؟ كل هؤلاء من أهل البلد؟!
فليخرجوا جميعاً من بلادنا، وسنعتذر من إخواننا وضيوفنا الكرام.

هناك أمهات سوريّات كثيرات، أم فرنسية وأم هولندية، أرسلوا لي رسائل كثيرة، قالوا أرجوك أولادي ذهبوا للجهاد في سورية، هل توافق على هذا؟ قلت لها إن أولادك ذوو ضمير حيّ لم يعد يتحمل ذبح شعب بكامله.
ولكني أقول لجميع الشباب أيضاً: إن كان أهلك بحاجتك فلا تأتِ، إن خدمة الوالدين ولو كانا غير مسلمين هو من صميم الجهاد في سبيل الله.
يتساءلون أيضاً من سيحكم سورية، شعب سورية هو الذي سيقرر، لا أية دولة في العالم، شعب سورية سيقرر من سيحكمه وكيف سيحكمه، سيتفاهم أبناؤه ليعيشوا مع بعضهم يجمعهم جميعاً قوله تعالى: “لا إكراه في الدين”، أما الفكر المتشدد فهو نتيجة الظلم والفساد وعلينا أن نعالج المقدمات وليس فقط أن نلوم الذين لم تعد ضمائرهم تتحمّل ما يجري من المذابح كل يوم.

خامساً: النظام هو الذي يرفض أيّ حل للأزمة، نحن نرحب بأي حلّ سياسي يحفظ دماء الناس ويجنّب المزيد من الخراب، قدّمنا للنظام مبادرة إنسانيّة ليس فيها أي بند سياسي ولا عسكري، فقط أطلق سلاح الأبرياء، رفض النظام بصلافة!
سامحوني إذا ذكرت هذا المثال، فقط لتعرفوا جزءاً مما يجري في السجون، هناك فندق اسمه فندق الكارلتون، يواجهه فرع اسمه الفرع 215، أطلب من مسؤولي النظام السوري إن كانوا يدعون أنهم لا يعرفون أن يذهبوا فيزوره الآن قبل أن تغسل الدماء من أرضه.
منذ فترة أحد تلاميذي اعتُقل، علّقوه من يديه سبعة أيام مع التعذيب الشديد بعدها أصبح مجنوناً، لأنه كان يُعذب في غرفة أرضها مليئة بالدماء والبول، وفيها عدة جثث منتفخة والرائحة قاتلة، يغلي الدود في تلك الجثث وألزموه على النوم فوقها، جُنّ هذا الشاب من الرعب، لم يكتفوا.. ذبحوه بالسكاكين أمام السجناء الآخرين. هل يرضي هذا أي أحد في العالم؟!
طلبنا فقط إطلاق سراح المعتقلين وخصوصاً النساء والأطفال، هل يوجد أطفال؟ نعم أيها الإخوة، وبإمكاني أن أذكر أسماءً، هناك طفل عند حاجز يعفور عمره سنة كاملة، له أسبوعان من دون أي غذاء ومن دون أي مساعدة!
إننا نؤثر الحل السياسي، توفيراً للمزيد من الدماء والخراب، والثورة السورية لا تملك طائرات حربيّة ولا صواريخ سكود، والنظام وحده هو المسؤول الأول والأخير.
نحن نريد الحرية، ولا نريد أن يمشي البلد إلى مزيد من الخراب، ونريد أن نتعامل من خلال عدالة انتقالية وتفاهم وطنيّ وحلّ سياسي واضح، يُقصي هذا النظام عن المزيد من التوحش والخراب.

سادساً: المجتمع السوري مجتمع متمدّن، يعاني أبناؤه من أمرٍ هو أنهم لم يجلسوا مع بعضهم من قبل، اكتشفوا أنفسهم مع الثورة، أنشأوا إدارات مدنية، أجهزة شرطة، محاكم، قضاء، مشافٍ تعمل تحت الأرض، مدارس تحت القصف..
هناك عقبات كثيرة ولكن هناك تصميم على الإنجاز، من الإنجازات مشروع حكومةٍ مؤقتة، تم اختيار رئيسها السيد غسان هيتو وكلنا ثقة به، وننتظر في الهيئة العامة للائتلاف الوطني تقديم برنامج الأستاذ غسان لمناقشته، كما أننا نفكر بتطوير الائتلاف إلى مؤتمر وطنيّ جامع.

سابعاً: نطالب باسم شعبنا المظلوم بالدعم في كل صوره وأشكاله، من كل أشقائنا وأصدقائنا، ومن ذلك الحق الكامل في الدفاع عن النّفس، ومقعد سورية في هيئة الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وتجميد أموال النظام التي نهبها من شعبنا، وتخصيصها لإعادة البناء والإعمار.
أشكر كل حكومات العالم التي تدعم الشعب السوري لنيل حريّته، ونطالبُ الجميع بالإيفاء بالالتزامات التي وعدوا بها، هناك عشرات من الدول قدموا مساعدات.
قال لي أحد المسؤولين الأميركيين: هل تخجلون من أن تذكروا أن الولايات المتحدة قد ساعدتكم بحوالي 365 مليون دولار للإغاثة الإنسانية؟
قلت: نحن لا نخجل ونحن نشكر كل حكومات العالم، ولكن أقول أن دور الولايات المتحدة هو أكبر من هذا. وقد طالبتُ في الاجتماع مع السيد كيري بمدّ نطاق مظلة صواريخ باتريوت لتشمل الشمال السوري، ووعد بدراسة الموضوع ونحنا ما زلنا ننتظر قراراً من حفظ الناتو حفاظاً على الأبرياء وأرواح الناس، وإعادةً للمهجّرين إلى أوطانهم، لا لنقاتل بل لنحمي الناس ويعودوا إلى حياتهم الطبيعية.
عشرات الدول قدّمت مساعدات، وأخصّ بالشكر دولة قطر التي استضافت المؤتمر، وإخواننا الكرام في المملكة العربية السعودية، وإخواننا في الأردن ولبنان وإقليم كردستان العراق والذين يتحمّلون جميعاً عِبئاً كبيراً.
أتوجه بشكر خاص إلى الإخوة في تركيا وليبيا، وإلى الجندي المجهول الذي فتح ذراعيه للسوريين دون قيد ولا شرط، إخواننا في مصر.
أشكر إخوتنا الأعزاء في الإمارات وتونس والمغرب وكلّ الدول التي شاركتنا في اجتماعنا هذا، أشكر إخواننا في الإمارات، أشكر إخواننا في تونس والمغرب وكل من دعم حقّ الشعب السوري من أجل حريته، وأطالبهم جميعاً بتسهيل معاملات السوريين وإقاماتهم ودعمهم قدر الإمكان.

ثامناً: إخواننا الكرام، سامحوني إذا خرجت عن الأعراف الدبلوماسية قليلاً، هناك كلمات أحبّ أن أقولها لكم أمام جميع شعوبنا:
عمر بن الخطاب رضي الله عنه أوقفته امرأة في الطريق فقالت له اتّق الله يا عمر، فقالوا لها: أتقولين هذا لأمير المؤمنين؟ فقال: دعوها فلا خير فيكم إن لم تقولوها ولا خير فينا إن لم نسمعها.
وأنا أقول لكم بصفتي أصغر إخوتكم: اتّقوا الله في شعوبكم، وحصّنوا بلادكم بالعدل والإنصاف، وازرعوا الحب في كل مكان.
شعوبنا تتوق للمزيد من الكرامة والعدل والمساواة، وأنا متأكّد أننا لو مشينا بين الناس لعانقونا ووضعوا رؤوسهم على أكتافنا، وبكوا من ثقل ما يحملون من الآلام والعناء.
شعوبنا أمانة ثقيلة نرجو الله تعالى أن يعينكم على حملها وأنتم أهل لكل خير.
وهناك طلب أتاني من خلال مئات الرسائل، ولو خرج عن الأعراف الدبلوماسية قليلاً:
أطلب منكم إن وجدتم ذلك مناسباً اعتماد قرار في المؤتمر وضمن ما تسمح به ظروف كل دولة واستجابةً للكثيرين، بإطلاق سراح المعتقلين في كل الوطن العربي ليكون يوم انتصار الثورة السورية في كسر حلقة الظلم هو يوم فرحة لكل شعوبنا.
“والعصر*إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات*وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر”
والسلام عليكم ورحمة الله

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.