كلمة أحمد معاذ الخطيب في مؤتمر انتخاب رئيس الحكومة المؤقتة‏

نص كلمة رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب بمناسبة اختيار أول رئيس حكومة مؤقتة من الائتلاف الوطني لقوى المعارضة
استنبول 19 آذار 2013

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته…
أبدأ باحترامي الشديد لأرواح الشهداء والإجلال العظيم لأسرانا و معتقلينا و مهجرينا و نسائنا و أطفالنا في المعتقلات و في المَهاجر و لشعبنا العظيم في الداخل الذي صمد صموداً أسطورياً في وجه آلة الدمار و التخريب غير المسبوقة في حياة البشر، هذا الشعب العظيم اليوم – و قد تأخرنا – نقدم له تجربة صغيرة من أجل خدمته.

يهمني أولاً مخاطبة شعبنا في الداخل، الشعب السوري حاولوا إظهاره شعباً همجياً، حتى الآن في أصغر قُراه يقوم بكل الأعمال المدنية، النظام هو الذي يقتل الأطباء، هو الذي يقصف المخابز، هو الذي يهاجم الجامعات، هو الذي يتناول كل شيء إنساني بالدمار و الخراب… الشعب السوري كما قلنا مراراً هو خلاصة عشرة آلاف سنة من الحضارة،لم يكن الشعب السوري في حياته شعباً همجياً، و الشيء الوحيد الذي جعله همجياً في كل تاريخه هو حزب البعث العربي الاشتراكي الذي خرب بنيته الأخلاقية، و ما ترونه من الفساد الآن هو ثمرة صغيرة من إطار تللك الحقبة التي نرجو ألا تعود أبداً في تاريخ سوريا، إخواننا في كثير من القُرى قدموا حياة مدنية كاملة،تعاون شديد، حتى في الكثير من القرى نظموا السير، قاموا بحملات إغاثة لم تتوقف حتى الآن، شعبنا شعب متمدن بطباعه و بأخلاقه و دينه و النظام الجائر هو الذي ألجأ الناس إلى ما صاروا إليه، النظام ربما نصحه بعض أصدقائه بأن يستخدم العنف من أجل قمع هذا الشعب و كلما استخدم شيء من العنف و لم ينجح، حاله تماماً كحال الذين يتعاطون المخدرات، ربما جرعة زائدة أو جديدة من العنف ستؤدي للمقصود، الشعب السوري لا يُذل و لا يُكسر رأسه أبداً، هذا ليس كلاماً عاطفياً، هذا شيء ترونه على أرض الواقع، إذن الشعب السوري شعب متمدن و الظروف التي أجبره النظام على التعمل معها ادت إلى هذه الوقاع المريرة،صار هناك مناطق كثيرة بحاجة إلى ضبط، مناطق كثيرة بحاجة إلى سلطة، هناك عصابات، نعم نقول هناك عصابات أنتجها النظام خلال تخريبه للبلد خلال خمسين سنة تسرق و تنهب و تعتدي و نحن براء من كل ذلك و ندينه بكل الأشكال و نرفضه.

و لكن صارت هذه الأمور بحاجة إلى إدارة، لذلك جرت كما تجري في كل شعوب الأرض نقاشات طويلة استغرقت أسابيع و أشهر بين إخوتكم في الائتلاف من أجل إيجاد صيغة، بحثاً عن حل و انبثقت كما تناقلته الأخبار و أنتم تشهدونه اليوم أول حكومة وطنية تستعيد ماضي الحكومات الوطنية التي أنشأها آباؤكم المؤسسون و نرجو أن تكون بداية خير بتعاون الناس كلهم.

هناك بعض الحقائق يجب أن نذكرها أيضاً، إخواننا، بعض الدول قالت أنتم ما عندكم شجاعة تعترفوا أننا قد ساعدناكم، نعم هناك كثير من الدول قدمت مساعدات مشكورة إغاثية و إنسانية و بعضها قدم عسكرية على حياء، نحن نشكر كل هذه الدول ، و طبعاً إخواننا أحياناً يقولون بسبب الضغط و الحاجة ان هذه الأمور لا تكفي و بالفعل هي لا تكفي، والمجتمع الدولي لم يقم بواجبه الكامل تجاه المجتمع السوري و الشعب السوري، بُذلت جهود كثيرة من دول كثيرة و نحن نشكرها، لكن نقول: عارٌ على المجتمع الدولي بكل رموزه أن يُذبح الشعب السوري سنتين و هو يتردد و يتلكأ في اتخاذ قرار، عار على المجتمع الدولي و على الدول الكبرى و الصغرى أن تشهد قتل الشعب السوري وأطفاله و نسائه و قصف كل بنيته التحتية و المجتمع الدولي يتفرج، نحن شعب لا يُضحك علينا، يوم تصريح: ربما نفكر، ربما نمد، ربما نعطي، ربما نمنع النظام… أنا أقول للشعب السوري في الداخل لا تثق بأي دولة ، ثق بالله تعالى كما انطلقت من أول يوم و أنت تقول “يا الله ما لنا غيرك” بعد ذلك اقبل مساعدة أصدقاءك غير مشروط و اعلم أنه لن يعطيك مصيرك و فجرك المشرق إلا هذه الأيدي النظيفة التي تبحث عن الخلاص للأمة كلها، لا تعتمد على أحد، الشعب السوري شعب حي، شعب شجاع، لا تنتظر وعود، إذا قام بعض اصدقائنا بشيء فهذا أمر نشكرهم عليه و إن لم يقكوا شيئاً فسنتابع طريق الامة إلى الحرية إن شاء الله.

الشعب السوري حتى الآن بذل بذلاً شديداً، و أنا أكرر ما قلته في مؤتمر روما، يا إخواننا قد يوجد بعض المجموعات التي يدندنون عليها في الليل و النهار، كل إنسان ضد الظلم فنحن سندعمه، كل إنسان يقاتل الفساد فنحن معه، و دماء أطفال و نساء سوريا أكثر أهمية من طول لحية بعض المقاتلين، كفى ضحك علينا، أقول بكل صراحة: كلنا شعب واحد و لن نرضى أن يُقصف إنسان واحد يحمل سلاحة ضد الظلم، الأمر الآخر هو موضوع الإرهاب، نحن ضد كل تجمع، كل جماعة، كل فكرة، كل سلاح يريد أن يدمر البينة التحتية للنسيج الاجتماعي لسوريا، ضد كل فكر تكفيري صراحةً، نحن ضد كل فكر دموي يحمل أفكاره للناس بالحديد و النار و الإرهاب و الإكراه و القرآن الكريم يقول لا إكراه في الدين، نحن مجنمع منفتح و متسامح و لن تعيش هذه الأفكار بيننا و لكن لن نسمح باستغلال هذا الامر المرة تلو المرة كما اُستخدمت حيلة أسلحة الدمار الشامل في العراق لتدمير العراق، لن نسمح و لن نرضى باستخدام حيلة وجود مجتمعات إرهابية في سوريا لتدمير سوريا، دماء الشعب السوري أغلى من كل التصريحات الخارجية، و قرار الشعب السوري يتخذه الشعب السوري وحده، و موضوع المجموعات التي تحمل فكراً غريباً، فكراً متطرفاً، نقول للدول التي تدعمها بمئات الملايين و لاتدعم شعبنا:اسحبوا مجموعاتكم، شعبنا لا يوجد فيه إرهابيين….

دماء الناس أغلى علينا من كل شيء، في شباب مثل الزهور يدفعون دفعاً إلى بلادنا للتخلص منهم بلادهم و أعلن ذلك بصراحة، هناك أشخاص أتقياء أبرياء أنقياء مخلصون إخلاصاً شديداً، وضعوا أرواحهم على أكفهم من أجل الدفاع عن هذا الشعب العظيم المظلوم المذبوح، هناك دول تدفع مئات الملايين من أجل أن تأتي هذه المجموعات إلى بلادنا للتخلص منها لا حباً بسوريا و لا حباً بالجهاد.

الوعود الدولية إما أن تُعطى لهذا الشعب و إما كفى مماطلة و تسويف و ضحك على هذا الشعب، شعبنا قرر طريقه و سيتابع، و نحن نعرف كيف ندبر أنفسنا مع بعضنا، الشعب السوري إذا ابتعدت الأيدي التي تحاول تغيير خطه سيجد طريقه إلى حريته بأسرع وقت، هناك معركة كسر عظم في بلادنا إقليمية و دولية، أرضنا ليست مسرحاً للعب، اخرجوا من بلادنا جميعاًـ اتركوا الشعب السوري و سيجد طريقه بنفسه وأن أقول للدول الكبرى: العلاقات و المصالح ليست طريقاً باتجاه واحد، يعني لا يجوز أن تتدخلوا في كل الامور و عندما نحتاج إلى دعمكم تعطوننا بالقطارة، إما أن تعطوننا الدعم الكافي بكل شيء و إما أن تنسحبوا بكل تصوراتكم و بكل أصابعكم في المنطقة.

الشعب السوري حتى الآن يعاني مأساة غير مسبوقة و أقول مرة ثانية الشعب السوري شعب متمدن، كلمة المدنية من صميم أخلاقنا و ديننا، النبي عليه الصلاة و السلام عندما ذهب إلى المدينة، أول شيء فعله هو “وثيقة المدينة”، و هي وثيقة تجمع بين كل مكونات الناس للعيش المشترك و كان في المدينة مسيحيون و مسلمون و يهود و غير ذلك ضمتهم وثيقة المدينة ونحن نقول أن الإسلام هو إسلام مدني حضاري يسع الناس جميعاً.

الآن عندنا تجربة غنية تبدأ اليوم لا أقول أنها ستكون كاملة و لكن أقول أنها بداية طريق من أجل استقرار هذا البلد و حريته و ترتيب أموره، استقر رأي الكثرة من إخواننا و كما يحصل في أرقى برلمانات العالم، شد و جذب و تباين في الآراء، استقر الأمر في النهاية على اختيار أخينا الكريم الأستاذ غسان هيتو رئيساً للحكومة المؤقتة و الذي سيقدم برنامجه للعمل بعد فترة طبعاً في اجتماع آخر و يختار وزارئه و يُصوت عليهم، أرجو للشعب السوري مزيداً من الكرامة و الحرية و أن يعيش بسلام و أمان و أن يخرج من هذه المحنة و هو أقوى عوداً، الشعب السوري ليس شعباً ضائعاً، الشعب السوري ممتدد في كل العالم و سيبني سوريا مرة ثانية، و أتمنى لأخي الكريم كل التوفيق، و كلنا معه جميعاً من أجل مستقبل واعد و شكر الله لكم جميعاً و أهلاً و سهلاً بكم..

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.