حوار أحمد معاذ الخطيب مع وكالة الأناضول للأنباء

أكد، في حوار خاص مع الأناضول، أن قادة أتراك لعبوا دورًا كبيرًا في إقناع بشار الأسد بـ”التخلي عن جنونه” لكنه أصرّ على ذلك.

حازم بدر

القاهرة – الأناضول

ابتسامة رقيقة لا تفارق وجهه.. صوت هادئ يبعث على الطمأنينة.. شخصية واثقة من نفسها من الصعب استفزازها.. سمات تستطيع التقاطها في شخصية معاذ الخطيب، رئيس ائتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية، بمجرد الجلوس معه لبضع دقائق.

هذه السمات عندما توضع في سياق ما قاله من كلمات في مقابلة خاصة مع مراسل وكالة الأناضول للأنباء، تستطيع وبمنتهى السهولة معرفة لماذا اختارته رموز المعارضة السورية بالإجماع ليكون رئيسًا للائتلاف، رغم أنه التقى الكثير منهم لأول مرة خلال اجتماعات المعارضة السورية بالدوحة التي بدأت يوم 8 نوفمبر الجاري وأسفرت عن تشكيل الائتلاف.

ففي الوقت الذي يلعب فيه نظام بشار الأسد بالورقة الطائفية، كان من الضروري البحث عن شخصية توافقية تقبل الآخر، وهو ما يتوفر في معاذ الخطيب، الذي يصف نفسه خلال الحوار قائلا: “أنا أمثّل ما أحب أن أسميه بـ”التدين الدمشقي المنفتح”، الذي يقبل الآخر، ولديه قدر كبير من التسامح والفهم الواسع للإسلام ومعانيه الحقيقية”.

ويبدي الخطيب سعادة بهذا التوجّه الفكري، نافيًا في الوقت ذاته الانتماء لأي تيار سياسي، وهو ما جعله يحتفظ بعلاقات طيبة مع الجميع، دفعت بهم نحو ترشيحه لمهمة رئاسة الائتلاف، الذي تجاوز به السوريون مرضًا عمل النظام على زرعه فيهم على مدى 50 عامًا وهو فقدان الثقة في بعضهم البعض.

وقال: “عندما فقدنا الثقة في بعضنا.. بدأ كل منا يخوّن الآخر ويبحث عن مصلحته، لكننا عدنا إلى طبيعة الشعب السوري الأصيلة في مؤتمر الدوحة”.

ويأمل الخطيب أن ينجح، من خلال رئاسته للائتلاف، في تحقيق خمس مهام أساسية تضمنتها وثيقة إنشائه، وهي “العمل الإغاثي، إنشاء مكتب قضائي، توحيد المعارضة المسلحة في مجلس عسكري موحّد، تأسيس لجان تنفيذية للتواصل مع الداخل، تشكيل حكومة مؤقتة”.

وقال: “سنعمل على تنفيذ المهام الخمس، ولكن العمل الإغاثي سيكون هو أولويتنا القصوى”.

وحرص على توجيه الشكر للحكومة التركية، مؤكدًا أن قادتها حاولوا إقناع النظام بالعدول عن تدمير شعبه، لكنه استمر في جنونه، وقال: “زرع النظام فينا بغض تركيا.. ولكن الإنسانية والتاريخ المشترك جمعنا بإخواننا الأتراك الذين مدوا لنا يد العون والمساعدة خلال الأزمة”.

وفيما يلي نص الحوار:

*بداية: ما الذي حدث في الدوحة؟.. كانت كل الأخبار تتحدث عن خلافات، ثم فجأة قيل إنكم اتفقتم واخترت لرئاسة الائتلاف؟

** السبب الأساسي للاتفاق أنه لا يزال في بلدنا مخلصون تركوا تفصيلات الدين والانتماء ووضعوا نصب أعينهم مصلحة البلد، وهناك سبب آخر شخصي وهو أنني لا أنتمي لأي حزب، فكانت المحبة من كل الأخوة.

*لم تنتم في حياتك إلى أي حزب أو تيار سياسي؟

**انتمائي ليس سياسيًّا، ولكنه فكري من خلال عضويتي في جمعية “التمدن الإسلامي”، وهي جمعية عريقة في سوريا تأسست في عام 1938، وتنشر أفكار التسامح وقبول الآخر.

*ولكن البعض يقول إنك تنتمي لما يمكن تسميته بـ”الإسلام الاجتماعي”؟

** قد يكون ذلك، ولكني أحب مصطلحًا آخر، وهو أنني أمثل ما يمكن تسميته بـ “التدين الدمشقي المنفتح”.

*تقصد الذي ينفتح على الآخر؟

** بالضبط.. فالسوريون بشكل عام، والدمشقيون على وجه الخصوص، لديهم تسامح يعيش في أعماقنا.. تأتي علينا أوقات بسبب مشاكل معينة تضيق مساحته، لكن يعود مرة أخرى لاتساعه.. وهذا يجعلهم يعيشون المعاني الحقيقية للدين.

*وهل ستقيكم مساحة التسامح هذه من خطر النزاعات الطائفية المحتملة بعض سقوط بشار الأسد؟

** نظام الأسد اجتهد في وضع الطوائف في مواجهة بعضها البعض وحاول أن يلهب الروح الطائفية، لكنه فشل.. والعامل الاجتماعي الذي سنعمل على تدعيمه سيكون هو الحامي بعد سقوطه إن شاء الله.

*بعض التحليلات تقول إن ثمة اتفاقًا حدث بالدوحة على أن يكون شخص مسيحي هو “جورج صبرا”، رئيسًا للمجلس الوطني، وأن يكون شخص قادم من خلفية إسلامية وهو معاذ الخطيب رئيسًا لائتلاف المعارضة الجديد، ما قولكم؟

** ثق تمامًا أن أغلب الموجودين رأيتهم لأول مرة.. فعلى حد علمي لا توجد صفقات، وإذا كانت هناك فأنا غير مسؤول عنها، ولكن تستطيع القول بأن الروح التي كانت سائدة هي المسؤولة عن ذلك.

ولكن سمعنا عن خلافات حدثت بينكم؟
** حدثت خلافات ولكن تم احتواؤها.. وسأحكي لك قصة أحد الأطراف المشاركة تعصّب بعض الشيء، وكان يقف حائلاً أمام الاتفاق.. تعرف كيف تم احتواؤه؟ .. تم احتواؤه بعناق من أحد المشاركين، فالشعب السوري منذ زمن لم يحب بعضه البعض، ولم يعانق بعضه البعض.. وإحدى المهام التي سأعمل عليها هي إعادة بناء جسور الود والمحبة.

*ولماذا وصل الشعب السوري لهذه الحالة؟

** النظام السوري اجتهد على مدى 50 عامًا في تمزيق الناس ووضعهم في موضع الشك، وهذا عمّق من الذاتية والفردية لديهم، فبدأ كل شخص يبحث عن نفسه ومصلحته الشخصية، لذلك الناس يستغربون لماذا المعارضة غير متفقة؟ لأن أعضاءها عانوا من هذا المرض الذي زرعه النظام، فهم لم يعرفوا الوحدة، ومَنْ جهل شيئًا عاداه، كما يقول الإمام الشافعي، ولكن أستطيع القول بأن العلاج بدأ من مؤتمر الدوحة بالاتفاق على تشكيل الائتلاف.

*ولكن هناك مشكلة قد تعوق روح الوحدة التي تسعى إليها، وهي أن وثيقة تأسيس الائتلاف لم تتضمن أي شخصية عسكرية؟

** اجتماعات الدوحة سياسية وليست عسكرية.. ولكن كانت تعقد بالتوازي معها اجتماعات عسكرية، وستعقد اجتماعات أخرى من أجل تشكيل مجلس عسكري موحّد، وهو أحد الأهداف التي يسعى لها الائتلاف.

*وماذا عن الأهداف الأخرى؟

** العمل يجري ليل نهار على عدة محاور، هي “العمل الإغاثي، تشكيل مجلس عسكري، مكتب قضائي، لجان تنفيذية للتواصل مع الداخل، وتشكيل حكومة مؤقتة”، وكلها نشتغل عليها جميعا، مع إعطاء الأولوية للعمل الإغاثي، فلدينا عائلات كانت تقطن في 3 ملايين بيت تم تدميرهم.

*البعض قال إن العمل الإغاثي قد يعطّل تشكيل الحكومة؟

** المشاورات بشأن تشكيل الحكومة بدأت من الآن، وهي حكومة مؤقتة ستمارس عملها حتى سقوط بشار الأسد، لتنتهي بعدها مهمتنا ومهمتها، وتقوم حكومة انتقالية تتولى المسؤولية، وتهيئ الأجواء لانتخابات حرة ونزيهة تنتج حكومة منتخبة.

*وأين سيكون مقرها؟

** هذه مسألة فنية بحتة.. قد تكون في الداخل أو الخارج.. أو جزء في الداخل والآخر في الخارج حسب الظروف، وحسب ما يخدم الشعب السوري.

*وهل سيكون لك دور في الحكومة سواء المؤقتة أو الانتقالية؟

** لا دور لي في الحكومتين، فهناك مَنْ هم أقدر مني على تولي هذه المهمة.. أنا في مهمة محددة وهي قيادة الائتلاف لحين سقوط النظام، وإذا لم أنجح في تقديم شيء خلال شهر أو شهرين على الأكثر سأترك مكاني وأبحث عن وسيلة أخرى لخدمة الشعب السوري.

*ما هو تقييمك لما قام به الأخضر الإبراهيمي حتى الآن؟

** الإبراهيمي أستاذ في السياسة لا خلاف على ذلك.. وهو يعالج الأمور بطريقة يظن أنها مجدية ويظن أنها في الصالح.. وأنا لا أملك إلا أن أقول: “دعه يجرّب”، ولكن لن نعول عليه كثيرًا، لأن الشارع هو من سيقرر.

*هناك تسريبات تقول إنه لعب دورًا لعدم صدور بيان قوي من الجامعة العربية بشأن الاعتراف بالائتلاف كممثل وحيد للشعب السوري؟

** ليست لدي معلومات قطعية بذلك.. وأنا أحب أن أتعامل بما هو معلوم لدي، وفي هذا الإطار فإن هناك دولتين عربيتين أبْدتا عدم موافقة وهما الجزائر والعراق، ولكن دعني أتجاوز فكرة الاعتراف وأقول نحن نحتاج لما هو أكبر من ذلك، نحن نحتاج لدعم سياسي وعسكري أكبر، فنحن طماعون ولكن في الحق.

*سمعنا أن إيران وجّهت دعوة لكم لحضور مؤتمر تنوي عقده لحل الأزمة السورية؟

** إيران وروسيا تحاولان كسب الوقت ومد عمر النظام، وأنا أقول لهما “انتهى عصر كسب الوقت”، ولن أكون سببًا في إطالة عمر هذا النظام ولو دقيقة، لذلك فموقفي لا ذهاب إلى طهران أو موسكو، وإذا قرر الائتلاف ذلك بالإجماع سيكون صوتي لا.

*وهل ينصرف نفس الأمر على بشار الأسد؟

** نعم، فمن ثوابت الائتلاف: “لا مفاوضات مع بشار الأسد”، فأي مفاوضات ستكون محاولة لتضييع الوقت.

*ولكن كان لك موقف سابق لا يستبعد التفاوض مع بشار لحقن الدماء؟

** كان ذلك موقفي في مبادرة طرحتها في ديسمبر الماضي للبحث عن مخرج للأزمة.. وكان التفاوض في هذه المبادرة مشروطًا برحيل النظام، غير أنه تجاوز كل الخطوط الحمراء، بشكل لم يجعل هناك مجالاً للتفاوض.

*أخيرًا، ما هو تقييمك للدور التركي في الأزمة؟

** دعني أتكلم بصراحة.. نظام الأسد أدخل في ذهن الشعب السوري أن تركيا دولة استعمارية، وبعد أن حصل من قادة تركيا على مكاسب، خفف من هذه النغمة حتى كادت تختفي، وما إن ظهرت بعض الخلافات السياسية حتى عاد وكرر هذه النغمة مرة أخرى.. لكن أزمة الشعب السوري أثبتت كيف أنه يجمعنا إنسانية وتاريخ مشترك.. كما أنني أعرف أن قادة أتراك لعبوا دورًا كبيرًا في محاولة إقناع الأسد بالعدول عن جنونه، لكنه أصرّ على ذلك.

 

http://www.aa.com.tr/ar/s/100391

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف صوتيات ومرئيات, مقابلات إعلامية. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.