وشوشات في آذان العاملين

(1)  : تفضل عليك فنسب إليك

مجريات الأمور تفضح سرائرنا ، وتُخرج كوامننا ، فترى منا من يتيه على إخوانه لأنه فعل أمراً قبل غيره ، ويغفل أن كثيرين قد سبقوه ، وفلان  كان له فضل في إنشاء عمل معين وينسى أن الله قد تفضل عليه فنسب إليه ، وآخر يجمع فضائله فيراها باقة ورود فواحة ولا يتذكر أغلاطه التي تشبه غابة متوحشة يتيه فيها الناس.

قال شاب مغرور لأصحابه: أنا من صنع وأنشأ هذا العمل، فأجابه أحد الحكماء: ومن صنعك أنت؟

قليل من التواضع يجعل أعمالنا محفوفة بكثير من التوفيق والبركة والتأييد من الله ، وإلا فلن نهتدي إلى الصواب! قال تعالى: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق … ) .. ولمن لا يزال يرى لنفسه فضلاً على إخوانه!  نذكره بفاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وقد تفجر الدم من جرحه ، فيأتي ابنه عبد الله رضي الله عنه يريد أن يضع رأس عمر على فخذه ، فيأبى عمر وهو يحتضر، ويقول لابنه: ضع رأسي على الأرض! فلعل الله ينظر إليَّ في مثل هذا الموطن فيرحمني.

هل فعلت يا أخي ما فعل عمر للأمة؟ وهل تمتلك شيئاً من افتقاره وتواضعه؟ أرجوك: حباً بك وحرصاً على عملك ، انس نفسك قليلاً وسيتضح لك الطريق

(2) : صنّاع الانتصار

العامل للحق يبحث عمن يصلح للعمل فيقدمه على نفسه، والعامل لنفسه يشغب على كل عامل، ويظن أن الحق لا يقوم إلا به، فتقع الخصومة، وترتفع الرحمة، ويحصل التنازع (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ..

حب الرئاسة والتزعم توهماً لاستحقاقها آفة خطيرة في كل عمل، وقد قال المربون: آخر شهوة تخرج من قلوب الصديقين حب الرئاسة، لذا فإن الانضباط لمصلحة عليا شيء يحتاج إلى مجاهدة عميقة. وعندما استبدل عمر بن الخطاب خالد بن الوليد بأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم جميعا، لم يتغير في وجه خالدٍ ولا قلبه شيء وقال: والله لو ولىَّ عليَّ عمرُ امرأة لسمعت وأطعت.
ومما ينبغي للعاملين الصادقين تأمله طويلاً قصة قائد جيش مغوار، قل حوله الرجال فاستدعى من بقي وقال لهم: لم يبق من رؤوساء الجند إلا القليل ولا بد أن يتقدم من بقي عوضَ من مضى، وأريد من كل واحد منكم أن يذكر ما يطيقه من العمل! فصار كل منهم يقول: أنا أصلح أن أكون رئيس مائة! والآخر قال: أنا أقود ألفاً! إلا رجلاً واحدا قال: أنا أدير اصطبل الخيول! وأعلفها وأرفع روثها! فقال القائد: لله درُّك … أنت أنت الرجل! فما قيمة جيش تتعب خيوله!

فياأيها العامل لله والمحب لأمتك: ربما في رفع روث الخيول من النفع والأجر واستدعاء النصر ما لايدركه ولا يقدمه القادة الكبار.

(3) : إياك والغرور

هل تعجبك نفسك؟ هل أنت مغرور لا سمح الله أم من المتكبرين؟ ربما لم تفكر في الأمر من قبل! ولا تدري خطورته!

استشار الفاروق رضي الله عنه مَن حوله، من أجل قائد لأحد الجيوش، فنصحه أحدهم برجل ظنه أهلا! فلم يرضه عمر وقال: إن به كِبراً وأخشى أن يحتقر عدوه فيهلِك.

إذا احتقرت عدوك هلكت يامسكين لأن تقديرك الأمور يصبح سراباً! فما بالك إذا احتقرت أخاك، وكيف إذا ركبك غرور لم تعد ترى معه رفيق دربك في طريق الخير!

ربما تظن الدواء يمر بدورات تأهيلية للعاملين! وهذا وهم شديد، ويكفيك في دفعه قصة سالك سمع عن مرب فاضل فذهب إليه طالباً رعايته ونصحه، واستقبله المربي دون إعطائه حظوة خاصة كان يتوقعها، وبعد أيام سئم الرجل وقال للمربي: كيف لا تهتم بي وقد قطعت إليك مسافة بعيدة!! فأجابه: ليس الأمر بقطع المسافات! فارق نفسك خطوة واحدة تعرف المطلوب.

فيامن تعمل لله : فارق نفسك تلك الخطوة وسترى كم يبعدك الله عن الآفات .. وكم سيتدفق الخير على يديك ألواناً.

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف تذكرة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على: وشوشات في آذان العاملين

  1. عبدالله محمد سميا كتب:

    جزاكم الله خيرا . وددت لو بينتم لنا الفيصل بين نكران الذات المفضي الى جلدها و تثبيطها وبين التجرد المحمود المفضي الى الترقي في مدارج الاخلاص ؟ حققنا الله واياكم به .وشكرا .