المضاربة .. ظاهرة مفيدة أم خطيرة؟؟؟؟

المواطن وجبة خفيفة على موائد كبار المضاربين .. بقلم إيفيلين مصطفى

الأزمنة 245

تحذير: إن المضاربات في الأسواق الآجلة تحتوي على مخاطر جمة.. ليست المضاربة مناسبة لكافة الناس ويجب فقط استخدام الأموال التي قررت المجازفة فيها.. هناك احتمال كبير بالخسارة حين التداول بالعقود الآجلة والخيارات
Futures and options trading involves substantial risk, is not for everyone and only risk capital should be used.
There is a substantial risk of loss in trading futures and options.
هذا التحذير لم تصدره جهة حكومية في دولة من العالم الثالث لا تؤمن بحرية الأسواق, ولا صادر عن جمعية لحماية المستثمرين معظم أعضائها ممن فقدوا رؤوس أموالهم في أعمال مضاربة في الأسواق أكلت الأخضر واليابس من ثروتهم خاصةً في السنوات الأخيرة.
إنه تحذير فرضته الحكومة الأمريكية منذ أكثر من 15 عاماً ألزمت به شركات المضاربة والتعامل في الأسواق الآجلة أن تضعه على كافة مقارباتها للزبائن وعلى صفحاتها في الويب في الإنترنت بعد انتشار التداول عن طريق الإنترنت.
إن دل ذلك على شيء فهو يدل على أن التشريعات العربية لم تكن على المستوى المطلوب لحماية المواطنين من الوقوع في فخ الرغبة نحو الربح السريع, فتركت هذه التشريعات المواطنين عُرضةً شراك المُضاربين المحترفين ولم تكن مؤهلة لحمايتهم من الممارسات الخاطئة التي مارسها المُضاربون في الأسواق العربية.
لقد تم تصوير الأمر للمواطنين كأنه منحة أو مكرمة تم السماح لهم وفقها بالجلوس على مائدة الكبار لمشاركتهم الوليمة, دون أن يدروا أنهم تم دعوتهم إلى الوليمة لأنهم هم الوجبة فيها.. فلاعجب أن نشاهد مواطني دولة ينتقلون إلى دولة مجاورة ويصطفون في الدور قبل الفجر للاكتتاب على أسهم شركة بالرغم من المشقات تماماً كاصطفاف البعض على أفران الخبز.
إن الإحصاءات تُشير أن 90% من المتعاملين في تداولات المضاربة يخسرون يقابلهم 10% يربحون غالبيتهم من المحترفين, وبذلك تنتقل الثروات إلى الطرف الرابح والسوق تحتاج دوماً لمضاربين حديثي العهد بالمضاربة لتؤدي دورها.. لا يقتصر الأمر على ذلك بل هناك صناعة ناشئة يزداد حجمها يوماً بعد يوم تعتاش على ما يُلقى إليها من فُتات من المائدة, إنها صناعة شركات الوساطة المالية ومكاتب الاستشارات والتحليل المالي إضافةً إلى الأقنية المرئية المختصة فضلاً عن الشركات التي تؤمّن برامج الكمبيوتر المختصة والشركات التي تؤمّن الوصول إلى التداول اللحظي.. لقد استفادت من هذه الإحصائيات التي يتكتم عنها الكثير بعض الشركات فأخذت تنتشر في بعض البلدان العربية ظاهرة خطيرة وهي شركات التداول الافتراضية, وتم الترخيص لها تحت مسميات مختلفة مثل خدمات رجال الأعمال.. تقوم هذه الشركات باستغلال مبدأ أن غالبية المتداولين يخسرون فتقوم بفتح حسابات لأشخاص لديها وتزودهم ببرامج أصبحت متوفرة بكثرة في قبرص يتم وفقها الإيحاء إليهم أنهم يقومون بالتداول والمضاربة على السلع والعملات دون أن يكون هناك طرفٌ حقيقيٌ مقابلٌ للعملية موجوداً.. وبما أن أغلب المتعاملين يخسرون فإن محصلة عمليات كافة الزبائن ستكون لمصلحة هذه الشركة ,علماً أن قوانين التداول في الأسواق الآجلة في الولايات المتحدة تُلزم أي شركة وساطة بأن تعطي الزبون اسم الطرف الثاني الذي تمت الصفقة معه حين يطلب ذلك, أي لا تسمح الأنظمة بأن تكون التداولات من طرف واحد.
إن غياب القوانين الرادعة والضابطة لعمل الشركات التي تطرح أسهمها في الأسواق,جعل الكثير من هذه الشركات تُضارب على أسهمها في الأسواق, والأغرب من ذلك تقوم بإدراج أرباح هذه العمليات في حسابات أرباحها السنوية مما يزيد من التضليل في تقدير حقيقة أرباح هذه الشركات.
لقد تم إغفال أن بعض الأشخاص لديهم استعداد للإدمان على المضاربة, وثبت علمياً أن المُضاربة كغيرها من الأنشطة القائمة على الترقب والإثارة وإفراز الأدرينالين يُمكن أن تصيب صاحبها بالإدمان تماماً مثل القمار في الكازينوهات أو في مضمار السباق, وإلاّ كيف يُمكن تفسير سلوك من رهن بيته (حالات عديدة) ودخل في أسواق التسهيلات ولمّا خسر المنزل والقرض يقوم بالاقتراض من جديد مقتنعاً أنه أصبح لديه من الخبرة ما تجعله يتجنب الخسارة في المرة المُقبلة!!
لقد بدأ الكثير من العاملين والموظفين بالمضاربة وهم على رأس عملهم ثم سرعان ما قام الكثير منهم بترك عمله الأساسي ومنهم من تقاعد مبكراً وقبض تعويضاته التي أضاعها كلها في المضاربة.. ولنُدرك حجم المشكلة يكفي أن نعلم أنه تم إرسال تعميم في دولة خليجية إلى كافة منافذ الحدود تلفت النظر أنه تم ملاحظة أن الكثير من عمليات التهريب تحصل أثناء ساعات التداول اليومي للأسهم وحضّ القائمين على هذه المنافذ بالانتباه إلى هذا الأمر وتفويت الفرصة على المُهربين!
لقد وقف وزير دولة خليجية أمام الكاميرات وخاطب من يطالب الحكومة بالتدخل في الأسواق وقال كيف تطلبون الدعم بعد أن غامرتم بأموالكم ؟ما هكذا تُعالج الأمور ولا يجب شيطنة الأمر.. أليست الحكومة هي من شجعت الناس على الاستثمار في الأسهم, كان على الحكومة توعيتهم وحمايتهم وعدم السماح للمتنفذين بالتلاعب بأرزاق الناس.. إذا كان الرأي أن هذه مقامرة فلتطبق عليها قوانين المقامرة وإذا كانت استثماراً فلْتحمِ التشريعات المستثمرين الصغار.
إن الاستثمار في أسهم الشركات ليس هو بالشيء السيئ بالضرورة, فعلى العكس فإن إحدى ميزات النظام الرأسمالي أنه أنشأ سوقاً للأسهم مما سمح للكثير من الشركات أن تنمو ويزداد إنتاجها عبر طرح أسهمها في الأسواق مما حلّ مشكلتين: مشكلة هذه الشركات، والثانية مشكلة من يملكون فائضاً مالياً ويحتاجون إلى ريع مستمر. إن دخول المُضاربة المتوحشة إلى هذا المجال أفقد أسواق الأسهم بريقها وإن انعدام الثقة في هذه الأسواق سيؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي, وإن فقدان ثقة المواطن العربي بسوق الأسهم نتيجةً لقصور التشريعات سيُجهض فكرة إنشاء صرح اقتصادي متطور قائم على الشركات المساهمة بدلاً من الشركات العائلية.
http://www.alazmenah.com/?page=show_det&select_page=9&id=18664‏

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.