إلى الذي يستنسخون دون معرفة!!

مقال لحسين الشبكشي

الشرق الأوسط 20/12/2010 م

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issueno=11710&article=600249&search=حسين

الحركات الحركية السياسية الملتحفة بالدين الإسلامي في المنطقة لا تكل ولا تمل عن الاستمرار بالإشادة بنجاح التجربة الإسلامية في تركيا والمتمثلة في رجب أردوغان وعبد الله غل،

ومحالة إفهام الناس أن التجربة التركية هي تماما ما سيقدمونه هم.

وحقيقة هذه الفرضية لا يملك العاقل أمامها سوى الابتسام والضحك؛ لأن النجاح الحاصل (وهو نجاح مهم وباهر) لرجب أردوغان وعبد الله غل في تركيا لم يكن ليتحقق إلا لوجود مناخ علماني وقانوني صريح يمنع الاستبداد والقهر والإقصاء وسلب الحقوق عبر قرارات «شخصية» متعصبة، سواء أكانت باسم الانتماء العرقي أو الطائفي أو المذهبي. هذه هي الحقيقة التي يجب أن تكون واضحة.

 

المنظومة الحاكمة الناجحة جدا في تركيا اليوم نجحت لأنها راعت وبحس تنموي متطور مفهوم الاقتصاد الليبرالي المعتمد على تسهيل قواعد وقوانين الاستثمار وكسر الاحتكار ومحاربة الفساد وتحسين معدلات الشفافية والمساءلة والمحاسبة ورفع المعايير والمواصفات للحكم الرشيد في كافة المجالات، سواء أكانت السياسية منها أو الاقتصادية أو القانونية، وهو الذي استشعرته شرائح كبيرة من الناس في تركيا، وبالتالي رفع الإحساس بالاعتزاز والمفاخرة بالهوية المرتبطة بالإنجاز (فالإحساس الحقيقي بالانتماء يتعزز بالأرقام وتحسن مستويات المعيشة، وليس بالشعارات والأغاني الوطنية).

وهذا طبعا انعكس على الدول المجاورة لتركيا، وولّد الإعجاب بالتجربة التركية والغبطة بما حصل فيها.

بل إن التجربة التركية الحالية (وهي الأنضج والأعقل منذ الحركة الأتاتوركية التي أطلقها كما أتاتورك) حسنت من الحال الحقوقي لشرائح كبيرة من المجتمع التركي، مثل الأرمن والأكراد والعلويين مثلا، وكذلك الاحترام للحجاب بعد أن كانت تعامل مرتديته بالتفرقة والظلم الواضحين. حتما التجربة التركية، حتى بنكهتها الإسلامية، هي نتاج «انفتاح» فكري كبير، لا يمكن إغفاله، هذا الانفتاح الذي كان خلاصة الانصهار التركي الفريد كدولة، وهي نتيجة وجود وتوالد حضاراتي وأممي، سواء بموقعها الخاص بين أوروبا وآسيا، أو بعلاقاتها المترابطة بين الشرق والغرب والعرب والعجم، مما ولّد فقها وفكرا سمحا ووسطيا بحق، بحيث لم يعد هناك وجود للبغض والكره ونبذ الآخر من منظور ديني (وإن كانت هناك مواقف تركية ضد الأرمن والعرب في بدايات القرن الماضي نتاج ظروف سياسية معينة وليس نتاج مفهوم فقهي وديني مبني على تكريس وتأصيل إقصاء الآخر المخالف).

 

وهذا هو صميم الاختلاف بين التجربة التركية والحركات الحركية الإسلاموية بكافة أشكالها وأسمائها، فهي مغرقة في التشدد والانغلاق وحصر الآراء من منبع واحد والاستبداد ورفض التوسع على الآخرين والبعد عن مفهوم التسامح بمعناه الإنساني الكبير.

نجاح التجربة التركية الباهر، وبشكل استثنائي، هو القشة التي يتعلق بها كل منتم للحراك السياسي الإسلاموي، ولكن المسألتين لا علاقة لهما ببعض، لأن الفكرة الأولى ناجحة لقيامها على أسس واضحة وصريحة لم يدخل فيها الدين لا كشعار ولا كأسلوب ولا كأداة، وبالتالي لم يكن هناك مزايدة ولا ادعاء بأفضلية فريق على آخر وترويجه لفكرة أنه الأقرب إلى الله وبالتالي جدارته للوصول للحكم ليكون نائبا عنه في الأرض.

 

التجربة التركية هي تجربة مدنية بامتياز وهي نجاح فريد لشخصيتين ملتزمتين بأخلاق ونهج إداري مميز وفعال، وعلاقتهما برب العالمين لا يطلع عليها إلا رب العالمين

hussein@asharqalawsat.com

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف المناهج. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.