لن يمروا … ولن تستمروا .. كتاب مفتوح إلى الرئيس محمد حسني مبارك

الرئيس محمد حسني مبارك رئيس جمهورية مصر العربية :

سلام الله عليك متبعاً للهدى ، سديد الرأي ، حريصاً على أمتك ، وبعد : فإن موقعكم الخطير يوجب مواجهتكم ببعض الحقائق المؤلمة ، حرصاً على الأمة أولاً وأخيراً ثم عليكم.


قد تكون بعض الأمور شديدة التعقيد والاستعصاء على الأرض العملية ، ولكنها في الخلاصة تعود إلى مفردات في غاية البساطة ، وأعتقد أنها غائبة عنكم.

إنني لم أنتم في حياتي إلى أي تيار سياسي ، والتيار الوحيد الذي أنتسبت إليه هو جمعية التمدن الإسلامي [والتي شرفت برئاستها سنوات عديدة] ، وهذا التيار كان قد عبر عن رأيه في القضية الفلسطينية منذ أكثر من ستين عاماً من خلال كتاب وجهه إلى اللجنة العربية العليا في فلسطين عام 1948:  “وملخص هذا الرأي أن تستثمر فلسطين استثماراً جماعياً …. كما تستثمر الشركات المساهمة …. إن استثمار الفلاح العربي لأرضه منفرداً لا يتفق وروح الزمن الحاضر، وخاصة في فلسطين التي أصبحت فيها الصهيونية تدير مستعمراتها بطريقة مشتركة، إن الاستثمار المشترك يساعد على التقدم السريع والاستفادة من المخترعات الحديثة …. يقولون إن اليهود أغنياء وعلماء! وأنا أقول كلا! وإنما أصبحوا أغنياء باتحادهم! وأصبحوا علماء بمعرفتهم كيف يستفيدون من العلماء! فهل هناك مانع يمنع من أن نحذو حذوهم في استثمارهم المشترك!

أيها العرب! أيها المسلمون في أطراف الأرض إذا كنتم تحبون فلسطين فجودوا عليها بالمال ، فليس كالمال المنظم من منقذ لها مبدئياً”[1]. وذكر أحد قادة الجمعية مايلي :”إنني أحب أن ابتعد قليلاً عن آفاق الشعورالعربي القائل: لنا الصدر دون العالمين أو القبر، فأريكم ميداناً من ميادين العمل فأحدثكم بالشعور المادي، والتنظيم الاقتصادي … إنكم لو نظرتم إلى فلسطين باعتبارها تربة ومزرعة، وأنشأتم الشركات التي تحب المال، تحب الربح، إذاً لا ستملكتم أراضي فلسطين بشركات تعاونية أو مساهمة، تبذرون أسهمها في جميع الأقطار العربية إن لم تحتاجوا ما وراءها من ديار النصرة … لقد كانت عواطفنا غالبة ومساعينا هزيلة … وإن ماصارت إليه قضيتنا في فلسطين هو ثمن هذا الموقف الهزيل، فاعرفوا قيمة الأعمال بنتائجها، ولا تؤخذوا بأوهام مخادعة …”[2].

لقد كان لتيارنا نظر بعيد سابق لوقته ، ونحن اليوم نفهم تماماً أن هناك أوضاعاً دولية وضغوطاً ، وحسابات وقوى إقليمية وعالمية ، وظروفاً اقتصادية وسياسية واجتماعية ، ومطامع من جهات عديدة .. ونتفهم تماماً أيها الرئيس أن الظروف لم تعد تسمح بتلك الحروب الحماسية ، التي هي أقرب للتمثيليات [في رأيكم] ، والتي تقرر قوى كبرى مصائرها.

كما أنه لا يستطيع أحد أن ينكر دور مصر العظيمة ملجأ الأمة بعد الله في كل عصر ، ومنبع التحرير من الغزاة ، ونقدر حرصكم على المصلحة العامة [ضمن منظوركم] ، ولكنني أحب أن أنقل لكم وجهة نظر أتبناها ومعي الكثيرون ، وأرى أن نبض معظم الأمة يجري من خلالها. وبعض الكلمات التي ستقرؤونها هي في صالحكم وليست ضدكم ، ومن خوَّفكَ حتى بلغ بك الأمان خير ممن أمنك حتى بلغ بك الخوف.

أيها الرئيس المحترم : رغم خبرتكم التاريخية التي لا تنكر إلا أنكم شخصياً ومعكم القادة العرب قد أصبحتم وراء التاريخ في فهم شعوبكم.

إنني أريد أن أسألك : لماذا يحق لكل أمة في الأرض أن تحدد مصيرها إلا العرب والمسلمون! ، ولماذا يتاح لأي كيان أن يعكس إرادة شعبه ، إلا الشعوب العربية والإسلامية فعليها أن تعيش تحت هيمنة القوى الدولية ، وهي التي تقرر لها! ، لماذا تخدم حكومات الأرض مصالح شعوبها ، ووحدها الأمة العربية والإسلامية يحكمها فراعين وطغاة ، ينكلون بها ويفتحون السجون لأحرارها ، ويخنقون كل صوت نظيف فيها.

لماذا يسعى حكام كل كيان في الأرض إلى بسط نفوذه في كل اتجاه ، ووحدهم العرب ينكل بهم حكامهم ، ويقلصون نفوذهم ، ويدمرون مرجعيتهم ، ويبقون [إسرائيل ، وفقط إسرائيل] تتحكم بمصائر كل دول المنطقة! وتقرر هي ما الذي ينبغي أن يصير.

لماذا تختار أغلب شعوب الأرض حكامها ، ووحدهم العرب والمسلمون ، تفرض القوى الدولية عليهم حكامهم [مئات الدراسات والتقارير الغربية تذكر أن النظام في مصر نظام استبدادي وفاسد ، ولكن لا تسمح القوى الغربية بتغييره ، لأن البديل هم الإسلاميون ، وهو شيء لا يمكن مجرد التفكير به].

من الناحية الشرعية فإنني أعتقد بحرمة امتلاك أو استخدام الأسلحة النووية ، ولكن لماذا نسيت الأنظمة العربية قصف [إسرائيل] للمفاعل النووي العراقي ثم مهاجمة منشأة سورية ، ولم تتسابق يوماً إلى منع [إسرائيل] من امتلاك السلاح النووي وهي مقدمة هيمنة مخيفة للغرب ، بينما هي تتوجس من امتلاك دولة إقليمية إسلامية له مما لا يؤذي أحداً ، ولكنه يمكن أن يشل يد الهيمنة العالمية على المنطقة بأسرها.

أيها الرئيس: لقد فرض التواصل الإعلامي العالمي أسئلة محرجة فصار حتى الأطفال يريدون جواباً من الحكام العرب : مادام حمل السلاح لم يعد مناسباً ، وأجواء السلام ينبغي أن تكون السائدة ، وقضية الصراع العسكري قد انتهت ، فما هو البديل؟ ماذا بنيتم لشعوبكم؟ ماذا أعددتم لها كمستقبل وحضارة ودور على صعيد العالم؟

سياسة الغرب لا تعتبرنا [حكاماً وشعوباً] من البشر أصلاً ، وتتصرف من خلال نزعة استعلاء واحتقار ، معتبرة نفسها مركز العالم  ووحيه المطلق.

فكيف هو التعامل مع ذلك؟ هل هو فكر صدامي نرفضه شرعاً وعقلاً ، مميزين بين الأنظمة الظالمة والشعوب البريئة ، أم هو مزيد من التنازلات وعري حضاري غير مسبوق!

إن الحكام العرب أيها الرئيس لم يبنوا دولاً ولا أمماً ولا حضارات ، بل بنوا مزارع ومداجن وسجوناً بعقليتهم البدائية والعائلية والعشائرية والقبلية ، وكل فرعون كبير يريد أن يرحل يوصي لفرعون صغير قادم بعده! فهل هذه هي الإنجازات!

إن الحكام العرب لم يؤسسوا لمجتمعات آمنة ومنظمة ، متوازنة ومنضبطة بالقانون ، بل استباحوا هم كل قانون وجعلوا العرب أضحوكة العالم.

إن الحكام العرب لم ينجزوا شيئاً بل جعلوا أممهم متسولة على موائد أمم الأرض ، ولم تتقدم بهم أممهم بل تنكفئ كل يوم على أيديهم أعواماً إلى الوراء.

لسنا فكراً ولا شعوباً بدائية ،  بل نحن ورثة عشرة آلاف سنة من الحضارة الإنسانية ، وانتماؤنا الأول للإسلام.

نعم نحن مسلمون لا على مقياس شيوعي ولا رأسمالي ولا أميركي ولا أوربي ، مسلمون لا ندجن ولا نعلب مهما سفكت دماؤنا التي ستكتب كل قطرة منها على الأرض : إسلام .. إسلام .. إسلام  ..

لماذ ا تخوفون الشعوب من الإسلام ، وتتذرعون بأن الفكر المتطرف سوف يسود مع أن هذا الفكر المتطرف إنما زرعته الأنظمة السياسية التي كانت أقمأ من أن تستوعب طموحات الشعوب ، فقهرت الناس وفتحت السجون ، وامتصت دماء الناس وأموالهم وانتهكت كرامتهم وإنسانيتهم ، وفرضت على الأمة فرضاً مرجعيات دينية هزيلة لا يعترف بها أحد ، وقفزت فوق آلام الأمة وعقيدتها وانتمائها وهويتها ، ظانة أن القفز فوق الحبال ، والتلاعب بالناس سيعطيها الشرعية [التي لن تجدها أبداً ولو بقيت فوق رؤوس الأمة ألف عام].

متى كان الناس في مصر يتحدثون عن طائفية بغيضة بين المسلم وأخيه القبطي ، ومتى كانوا يتذابحون لأن أحدهم سني وآخر شيعي في العراق ، ومتى كانوا يحتقنون لأن أحدهم عربي وآخر بربري في المغرب!

لقد كان هناك إسلام سمح [لم يبنه أي نظام عربي] ، وكانت هناك قومية راشدة [لم يساهم بها أي زعيم عربي] ، وكان هناك ألفة ومحبة وعيش حقيقي مشترك بين كل الناس ، مؤمنهم وكافرهم وصالحهم وفاسدهم ، وكانت هناك ثوابت يحترمها الجميع اقتربوا منها أم ابتعدوا.

ثم أتت الأنظمة تلعب على شعوبها ، وتنكأ بعض جراح التاريخ ، وتؤدي بطيشها إلى إصلاح جزء وتخريب ألف جزء ، فأنبتت هي لا غيرها فكراً أعرج أعوج متطرفاً ، فإذا وقعت المصائب نصبت الأنظمة نفسها وصية على الشعوب وحكماً وقاضياً ، وهي سبب الفتنة وأم البلاء.

لسنا نريد دولة دينية بالمعنى الذي ينفر الحكام الناس منه [وإن كان من حق كل أمة اختيار النظام الأصلح لها] بل نريد دولة  فيها أمران ، وفقط أمران : عدل وحرية ، من دون وصاية أية هوية غريبة على الأمة ، وهو أمر لم يقدمه نظام عربي إلى شعبه.

تتحدث أيها الرئيس وسائل إعلامكم عن دور النظام المصري في إيقاف هيمنة بعض القوى الإقليمية التي تريد الالتفاف على أهل السنة في المنطقة!

وأنا أسألكم : ماهو البديل الذي قدمتموه للأمة على الصعيد الإسلامي أو القومي في مواجهة ذلك، إذا كانت هناك أطراف معينة تسعى للهيمنة ، وهي ذات بعد عقدي ومذهبي أفلا تحتاج إلى مقابل يدفعها؟ ومن هو المقابل؟ شعارات فارغة مقابل عقائديين في غاية الصلابة! أم مرجعية دينية هزيلة لولا بقية احترام لموقعها [لا لها] لقلنا أكثر من أنه لم يكن في تاريخ الأمة الحديث أسذج ولا أكثر استغباءاً للناس منها ، في مقابل مرجعيات راسخة متمكنة!

%3

هذه التدوينة كُتبت في التصنيف كلمة الشهر. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

التعليقات مغلقة.