الداعية الشيخ سلمان بن فهد العودة .
ج- العدل في الحكم على الدعوات و الحركات :
منذ سقوط الخلافة الإسلامية قامت في العالم الإسلامي دعوات و حركات كثيرة تهدف إلى استئناف الحياة الإسلامية و الحكم الإسلامي ، أو إلى استمرار الدعوة بين غير المسلمين ، أو إلى إحياء السنة ، أو ما شابه ذلك من الأهداف النبيلة .
وهذه الدعوات تختلف في منهاجها و أسسها و أهدافها ، و تختلف في قربها أو بعدها عن منهج الكتاب و السنة.
وقد تحدث كثيرون عن هذه الدعوات و درسوها من جوانب مختلفة ، و الأمر الذي تكاد أن تفقده في كثير من هذه الدراسات هو ‘ العدل ‘ ، فكثير من الكتاب ما بين منتم لهذه الدعوة ، معجب بمناهجها و طرائقها فهو يكيل لها المدح كيلا ، و يدعي وصلاً بليلى ! و آخر متحامل عليها لا يرى فيها إلا كل نقيصة ، و بين هذا و ذاك تضيع الحقيقة .
والله تعالى يحب العدل ، و يكره الجور ، و من قصّر في جانب فلا يلزم أن يكون مقصراً في كل جانب ، و لا يسوغ أن تنسيك سيئاتهم الكثيرة حسناتهم القليلة .
أحياناً تسمع البعض يتحدث عن فئة من الدعاة إلى الله فيحولهم إلى مجموعة من الشياطين حتى يفسّر نطقهم بالشهادتين تفسيراً يصرفه عن معناه المباشر الظاهر ، و يؤول تصرفاتهم تأويلاً قد يصدق في بعضها و لا يصدقها في كثير منها ، و التعميم في هذا الموضع خطأ ، بل يجب لمن تصدى للحديث عن الدعوات و مناهجها التفصيل و الدقة و ضبط العبارة و ذكر الجوانب المشرقة إلى جوار الجوانب المعتمة .
و أئمة أهل السنة و الجماعة كانوا يذكرون أهل البدعة فيذمونهم و يحذرون منهم ، لكنهم يذكرون مع ذلك مقاماتهم في الرد على من هو أشد منهم بدعة ، أو في دعوة بعض الكفار إلى الدخول في الإسلام ، بحيث يتحولون من كفار إلى مسلمين مبتدعين ، و هذا خير من بقائهم على الكفر الصحيح بلا ريب ، أو في ردّ بعض هجمات الأعداء العسكرية ، أو في أعمال خيرية قاموا بها .
فمن العدل ألا نتجاهل بدعتهم بحجة أنهم أحسنوا في أمور ، كما لا نتجاهل حسناتهم بحجة أنهم أصحاب بدعة ، بل نجمع بين الأمرين .
د – العدل في النظر إلى الجهود و الأعمال الدعوية:
هناك جهود في ميدان الدعوة إلى الله تعالى لا ترتبط بفئة معينة ، فهي عمل جهادي أو دعوي تضافرت عليه همم المؤمنين ، أو طوائف منهم ، و هي جهد بشري يخطئ و يصيب ، و ليس له من العصمة نصيب ، و لذلك فإن من المصلحة الظاهرة أن ‘ تقوّم ‘ هذه الأعمال تقويماً صحيحاً معتدلاً ، يحقق الانتفاع بالإيجابيات و توسيعها و تعميقها ، و تلافي السلبيات و الخلاص منها ، لئلا تتكرر الأخطاء نفسها و يعود المسلمون من حيث بدؤوا .
و لكن هذه المصلحة الظاهرة قد تضيع بين طرفين :
طرف يرى هذا العمل كاملا لا عيب فيه ، فيرمي بسهام الاتهام و الشك كل من يوجه نقداً أو ملاحظة .
و طرف لا يبصر إلا العيوب ، حتى لا يكاد يرى في هذا العمل شيئاً يمكن الانتفاع به !
· خذ مثلاً : الجهاد الأفغاني .. جهاد ما يزيد على عشر سنوات من العرق و الدمع و التضحية و السهر و العناء !
قد تجد من يصوره على أنه خال من الأخطاء ، بريء من العيوب ، حتى كأنه جهاد الصحابة رضوان الله عليهم ، و لا يقبل فيه النقد و التوجيه و الملاحظة .
و في المقابل قد تجد من يتحدث عن المجاهدين فيصمهم بالجهل و البدعة دون تروٍ أو تفصيل ، و يتعلل بأن منهم من يعلق التمائم ! ، أو بأن عندهم بدعاً في بعض المساجد ، بل تجاوز الأمر أن صرّح أحدهم قائلاً :
هؤلاء مشركون يحاربون ملحدين !!
و قرأت بخط أحدهم تعليقاً طائشاً عن إحدى الجماعات السلفية هناك ، بأنّ من لم يكفرهم فهو كافر !!
فإذا كان هذا حكمه على فئة سلفية .. فما بالك بغيرها ؟! و الله المستعان .
أين ميزان القسطاس الذي وضعه الله لهذه الأمة ؟
و هل هذا هو الاتباع الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه و سلم ، الذي كان يعرف للناس أقدارهم ، و لا يبخسهم أشياءهم ، و كان يثني على الإنسان بما فيه من خلال الخير ، إذا كان ثم مصلحة – و لو لم يسلم من الأخطاء !
أليس قد أثنى – صلى الله عليه و سلم – على النجاشي ، و وصفه بأنه ‘ ملك لا يظلم عنده أحد ‘(2) مع أنه حينها كان كافراً لم يسلم بعد ؟!
إن هناك فئة من الدعاة قد تنظر بعين واحدة ، إما بعين الرضا فتنسى العيوب و الأخطاء التي تعرف لتعالج و تقوم ،و إما بعين السخط التي لا ترى إلا المساوئ :
و عين الرضا عن كلّ عيب كليلة *** و لكن عين السخط تبدي المساويا
إذا كان المحبّ قليل حظٍّ *** فما حسناته إلا عيوبا !
و يجب أن يتطلع الدعاة إلى الأحكام العادلة التي تمسك الميزان من وسطه و تنظر نظرة معتدلة متوازنة تحرص ألا تتأثر بالعواطف سلباً أو إيجاباً :
‘ و لا يَجرمنك شنآن قـــــوم على ألاّ تعدلوا ، اعدلوا هو أقرب للتقوى ‘ [ المائدة : 8 ] .