لماذا التقينا مع الروس؟ وهل صحيح ماقاله د برهان غليون ، وما الموقف من الهيئة العليا للمفاوضات ! وماهي أسباب خلافات بعض الفصائل العسكرية ! وماذا عن إخلاء المناطق المحيطة بدمشق ،،
مقابلة أجرتها صحيفة الشرق القطرية قبل عدة أسابيع مع أحمد معاذ الخطيب ، وقد حصلت خلال تلك الأسابيع أحداث هائلة ، وتغيرت أمور ، واتضحت أخرى…
1- كيف ترد على الدكتور برهان غليون الذي اتهمك بالالتفاف على المعارضة عندما قبلت الالتقاء بـ “بوغدانوف” المبعوث الخاص للرئيس الروسي في شأن الشرق الأوسط وإفريقيا ونائب وزير الخارجية.
– مدهش ما قاله الدكتور غليون فهو يطلق الأحكام المتناقضة وقد قال حرفياً في مقابلته مع صحيفتكم : “المعارضة السورية فقدت منذ زمن طويل استقلاليتها، فلم يعد هناك معارضة سورية لديها أجندة وطنية واضحة. بل صارت معارضة ضعيفة ومعزولة عن القوات المقاتلة على الأرض. وهذه القوات هي الأخرى مرتبطة بالدول الممولة لها بالمال والسلاح” ، كما قال: “المعارضة متحجرة وليس لديها القدرة على تنظيم نفسها” ، ثم أردف : “قادة الكتائب المقاتلة في الداخل ليس لديهم رؤية وطنية ولا ثقافة سياسية”، والشيء الأخطر من كل ذلك اعترافه بأن : “المعارضة فقدت استقلاليتها وأصبحت واجهة للتحالفات ليس أكثر”، وشيء مخجل أن يطلب الدكتور غليون من أي جهة سياسية الالتزام مع معارضة هذا هو توصيفه لها، والذي تجاوز الانصاف فيه.
2 – ماذا يفيد التواصل مع الروس والإيرانيين وهل هم جادين فعلاً في التفاوض مع المعارضة؟
ما يجري في سورية اليوم كنا نحذر منه قبل أربع سنوات ، ولكن غرور النظام بشكل أساسي ثم استهتار المعارضة بحقائق الأمور عقدا الأمور بشكل غير مسبوق، ولا يختلف اثنان أن الإيرانيين والروس محتلون حقيقيون لسورية ، والتواصل مع المحتل ليس هدفاً، وإنما هو وسيلة لتعرف خصمك كيف يفكر وماذا يريد، وكثير من الأمور تحتاج إلى جهد كبير على كل المحاور حتى تحصل على نتيجة في النهاية، وقد تفشل كل الجهود تبعاً للظروف والمتعلقات المحيطة ، والتواصل مع الروس والإيرانيين تم بشكل علني في مؤتمر ميونخ في بداية عام ٢٠١٣، وكان الأمر بسيطاً وقتها والحل أقرب من الآن بكثير، ولم يكن للروس والإيرانيين نفوذ عسكري في سوريا، وكان من الواضح لنا وقتها أنه سيتصاعد الدور الروسي والإيراني في سورية وسيصطفان في جانب النظام إن لم نستطع أن نكسبهما كمعارضة سياسية.
كان الأجدر بنا من البداية أن نحاول فهم مصالح الدول وندرك معادلاتها وتقاطعاتها لنطوق ما قد يكون من آثارها الكارثية القادمة، ولكن ويا للأسف أغمضت المعارضة السياسية أعينها عن هذه الحقيقة ، ورفضت الأمر مطلقاً غارقة في تنظيراتها الجدلية، ومنتشية بما توهمته من وعود الدول الصديقة، مثبتة أنها تعيش ضمن إطار مغلق في التفكير، مع أن طهران وموسكو في ذلك الوقت كانت مهتمتين بالتواصل والبحث عن حل ما، ولكن المعارضة سدت هذه الأبواب بنوع من الصلف السياسي والانغلاق الفكري الذي ساعد النظام على تحسين صورته وما زلنا ندفع ثمنه حتى الآن.
3-ولكن مع دخول الروس فعلياً إلى أرض المعركة أكد الروس أنهم يعتبرون أي عنصر يحمل السلاح ضد النظام هو إرهابي، وحتى الأطفال والنساء والشيوخ هم إرهابيون، كيف يمكن التفاوض مع الروس في ظل هذا الإجرام المنظم الذي يمارسونه.
فعلاً يتصرف الروس مع كل جهة مسلحة كطرف إرهابي، وموضوع التفريق بين مجموعات معتدلة ومجموعات متطرفة هي خديعة ليست روسية فقط بل دولية لتمرير الوقت والتصفية التدريجية للثوار، كما أن قتل المدنيين ومنهم النساء والأطفال وتدمير البنى التحتية كما يجري في حلب وكل المناطق تحت القصف الجوي إنما هي جرائم حرب من الدرجة الأولى تقوم دول بتنفيذها وتصمت دول أخرى ، وبالنتيجة فالكل مشترك في تلك الجرائم بطريقة أو أخرى.
التفاوض هو مبدأ سياسي ويمكن أن يجري في كل الظروف، وبقي الفيتناميون يتفاوضون مع الأميركيين أكثر من عشر سنوات وهم تحت قصف مريع، علماً أننا لم نوقع أي معاهدة أو اتفاق ليقال أننا نتفاوض مع أحد، وكل لقاءاتنا تهدف إلى البحث عن مخرج ما وفهم عقلية من نجتمع معهم كما نحاول تغيير القناعات والحث على إيجاد حلول مناسبة، فلا يعني لقاؤنا مع أي جانب أننا مستسلمون لقناعاته ومنطلقاته وأحكامه، بل على العكس تماما، فنحن نحاول التغيير والتصدي لتلك المنطلقات المؤذية لشعبنا وبلادنا بشراسة ولا نسلم لها.
4- ألم يكن هناك استجداء للروس من طرفكم كما قال الدكتور برهان غليون؟
لا يمكننا استجداء أحد، ولو لزم لإنقاذ بلدنا لم يكن معيباً ولا عاراً، ونحن لم نطلب اللقاء بالروس بهذه الطريقة أبدا، لا في الدوحة ولا عندما زرناهم في موسكو، الروس هم من كانو يطلبون اللقاء بنا ويتصلون من موسكو لترتيب ذلك، وأغلب قادة المعارضة ذهبوا إلى موسكو وكاد بعضهم لولا بقية من حياء أن يتكلم باسم الأميركان ولم يجدوا في ذلك أي غضاضة ، فلما ذهب غيرهم مستقلاً تدفقت شجونهم الوطنية بشكل مفرط غير مسبوق.
5- من خلال لقاءك مع الروس كيف تبدو المرحلة الانتقالية من وجهة نظرهم وهل يمكن أن يقبلوا برحيل الأسد في هذه المرحلة أو بعدها؟
في البداية قبل الروس بمرحلة انتقالية يرحل الأسد من خلالها، مع متعلقات جنيف حولها، وأزعج هذا الأمر النظام بشكل واضح، وحاول بكل الطرق إقناع الدول برفضه ، ثم اتجهت الأمور إلى وضع تعقدت فيه المسألة بشكل كبير، فاقمها طريقة تعاطي المعارضة مع أي حل، حيث تتجه إلى تصليب أي طرح وتشارك في تعقيده، وبدل محاولة استمالة الروس تكفلت أخطاء المعارضة وتخشبها السياسي بمساعدة النظام على كسبهم أكثر، مما غير مواقفهم وصاروا لا يقبلون برحيل بشار الأسد كما كان الطرح الأساسي، وتغيرت قناعتهم سابقاً بأنه لا يمكن أن تستقر سوريا مرة ثانية بوجود ذلك الرجل وعليه أن يرحل .
لا أقول أن الجميع من هذا النمط، ولكن هناك معارضيين أسميهم المستريحيين، لا ينظرون إلى الواقع الفعلي الذي اتجهت سوريا إليه بسبب التصلب السياسي الذي يتفوق فيه النظام بالطبع، ولا يحسون بالدماء التي تجري كل يوم، فكانوا يصغون إلى بعض الدول التي تعطيهم الوعود الكاذبة، وعاشوا في أوهامها و أحلامها وسدوا الطرق التي كانت يمكن أن تؤدي في لحظة من اللحظات إلى حل منطقي وعملي ، كما تحجر خطابهم السياسي ولم يحاولوا ولا مرة واحدة محاصرة النظام سياسياً بل ظنوا أن تصليب المواقف هو الحل الذي يزداد بعداً رغم الحاجة الماسة إلى مخرج يُنهي نزيف الدم وفيه أقل الخسائر للجميع.
6- الدكتور غليون أشار بأنك واهم إن اعتبرت روسيا حليف للمعارضة؟
هذا كلام عجيب، لأنه لا يوجد عاقل يمكن أن يعتبر روسيا حليفاً للمعارضة، وقد صرحنا مراراً أن روسية وإيران هما محتلان حقيقيان لسوريا، لكننا نبحث عن مخارج ومنافذ ضمن هذا الوضع المأساوي الذي صار الروس يتحملون أكبر المسؤولية فيه، وأظن أن هذا واجبنا كسوريين فضلاً عن كوننا سياسيين.
ولا أدري لماذا يحصل كل هذا الضجيج عند لقاء الروس ولا يحصل مثله عند لقاء الأمريكان أو لقاء بعض الدول الأوربية! فمن هي الجهة النزيهة في التعامل مع الملف السوري، وهل يعتبر الاجتماع مع تلك الدول ملائكياً مقدساً والاجتماع مع غيرها من وحي الشياطين!
7 – هل يعترف معاذ الخطيب بهيئة المفاوضات العليا كممثل للشعب السوري؟
فعلياً لا يوجد أي جهة تمثل الشعب السوري كله، ولنكن واضحين أكثر، فإن قسماً ممن كانوا في المجلس الوطني وصادروا قرار الشعب السوري وفرضوا أنفسهم أوصياء عليه قد قفزوا إلى سفينة الائتلاف ثم قفزوا إلى سفينة الهيئة العليا، وهم بنفس العقلية والنمطية السلبية ، فالهيئة العليا للمفاوضات تمثل جزءاً نخبوياً من المعارضة فيه مكونات عديدة وعندما تتصدى الهيئة بإيجابية للدور الذي وجدت من أجله فسنكون معها ، أما إذا تحول دورها للتنافس والصراع السياسي مع المكونات الأخرى وتناست دورها المطلوب فلا أعتقد أنها بهذه الحالة تمثل غير أشخاصها.
8-مع مرور الوقت يتضح بأن المعارضة المسلحة على الأرض تؤكد ثقلها وأهميتها عن المعارضة السياسية في مجريات الأحداث السورية؟
تغيير المعادلات على الأرض هو مفتاح أساسي لأي تغيير سياسي لاحق، فالمعارضة المسلحة لها ثقل ولا يمكن بسهولة القفز فوق هذا الثقل أو تجاوزه، ولكن المعارضة المسلحة ذاتها إذا لم تتوحد ، وتبتعد عن الصراعات الداخلية ، وتتجاوز التدخلات الاقليمية والدولية لتفرز مشروعًا سياسيًا، فمع الوقت ستفقد زخمها، وهذا شيء لا يرغب أحد بمآلاته.
9- بعد فك ارتباط النصرة بالقاعدة، هل ترى بأن جبهة فتح الشام هي الآن أقرب للداخل السوري، أم أن فك الارتباط هذا صوري ليس إلا؟
بعد فك الارتباط الذي أعلنه الجولاني حصلت تغيرات ليست قليلة داخل قيادة فتح الشام “النصرة سابقا”، ومنها أنها اقتربت أكثر من الخط السوري، فالنصرة سابقاً كانت منظمة تنطلق في رؤيتها من فكر القاعدة، أما الآن فقد صارت قيادتها بيد السوريين، ولكن ماهي الرؤية القادمة؟ وكيف ستتعامل مع التحديات والظروف المحيطة! وهل ستستفيد من تجاربها؟ وهل ستستمر في خط معين نهايته قطعة أرض تدار بطريقة نرى أن الاسلام أوسع منها بكثير، وأنها ليست مطلبا للشعب السوري، أم أنها ستلتحم مع الخط الوطني السوري بشكل أكثر فاعلية من دون إصدارات خاصة تحمل فكراً ضيقاً لا يمكنه أن يكون حاملا لمجتمع سليم .
10- دول إقليمية طالبت جبهة فتح الشام “النصرة” سابقاً بالخروج من حلب هل يمكن أن يؤدي الخروج إلى وقف القصف وتدمير المدينة على رؤوس أهلها؟
الموقف معقد هنا، فأولاً سأذكر رأيي الشخصي المبني على معطيات تم تداولها مع عدد من الخبراء العسكريين، وهو أن التحصن داخل المدن خطأ عسكري لأجل سلامة المدنيين أولاً، فهل تشكل تلك المدينة أي موقع استراتيجي لا يمكن التنازل عنه؟ وفي نفس الوقت فالجميع يعلم أن خروج فتح الشام من مدينة حلب لن يوقف القصف على الأهالي والمدنيين، فالمشهد يؤكد بأن قصف النظام والروس ليس هدفه المعارضة المسلحة بشكل رئيس، بل الهدف الحقيقي هو تطبيق سياسة الأرض المحروقة وكسر إرادة الشعب السوري وتدمير تطلعه للحرية.
وقد تواجهنا مع ممثلي الجانب الروسي بهذا الموضوع واختلفنا معهم بشدة عندما قالوا أنهم لا يقصفون إلا جهات إرهابية! فرفضنا منطقهم وأخبرناهم بأننا نحن من يعرف ما يعانيه شعبنا وما يجري في بلادنا أكثر منهم ونحن بمتابعة دائمة للأمور ، وقلنا لهم: “أنتم تقصفون المدنيين والمخابز والمشافي والمدارس ودور العبادة وتحطمون البنية التحتية عامدين لكسر ارادة الشعب السوري”.
11- كيف تنظر لمنصات المعارضة في الدول الاخرى؟
لا يمكن النظر إلى المنصات الموجودة من زاوية ضيقة، واعتبارها غير معنية بما يجري في بلدها، وكل منصة من المنصات فيها أشخاص وطنيون يبحثون عن مخرج لبلدهم.
ولكن عندنا حذر شديد من أي منصة تعكس رؤية الدولة التي تحتضنها قبل أن تتحرك بمشروع وطني مجرد، وهذا هو اعتراضنا الأساسي، فعندما تكون هناك منصات تفرزها روسية مثلاً أوغيرها فنحن لا نتهمها بالخيانة، وإنما نقول بأنها ستحقق مصالح روسية أولاً وليس مصالح سورية.
وعندما تكون هناك منصة تفرزها دولة أخرى فنحن نقول أن هذه المنصة ستعكس رغبة هذه الدولة قبل أن تعكس رغبة السوريين.
بعد ذلك نتقاطع مع كل منصة في بعض الأمور ونختلف في البعض الآخر، ولكن في النهاية نريد أن نتفق على موضوع أساسي وهو إنقاذ سوريا وإيقاف الدم فيها، وأظن أن هذا أمر أساسي عند أغلب السوريين وليس عند المنصات السياسية فقط.
12- الخلافات بين الفصائل المسلحة في الغوطة أوصلتهم للإقتتال في أحيان كثيرة.. ما هي أسباب هذه الخلافات وماهي نتائجها؟
يوجد في فصائل الغوطة بعض أفضل القيادات ولكنهم جروا إلى معارك لم يريدوها والخلافات بين فصائل المعارضة في الغوطة لها عدة أسباب وعوامل، من أهمها تدخلات بعض الدول الإقليمية من أجل توسيع هذا الخلاف وإبقائه لتفتيت المعارضة المسلحة وتشتيتها، ثم إضعاف الحاضنة الشعبية والسيطرة المستقبلية على المنطقة، وللأسف الشديد فاشخاص معينين لم يكن الحس الوطني والأخلاقي عندهم أقوى من الوقوع تحت تأثير الغرف الاستخباراتية في بعض الدول المجاورة، وهو ما بات واضحا لكل متابعي الأمور في الغوطة، وهذا مما دفع الأهالي للخروج في تظاهرات ضد الفصائل لحثهم على التوحد والابتعاد عن الأيادي الخارجية والحفاظ على حياة الناس ومسار الحرية التي مات الكثير من أجلها، وقد تم منذ يومين اتفاق للمصالحة بين أكبر الفصائل والأمل أن يكون اتفاقاً ينهي المعاناة العميقة للناس، كما أن بعض من يسمون: الشرعيين هم ذوو أفق محدود وساهموا في تفاقم الأمور من خلال نوافذهم الضيقة.
13- ما هي تبعات قيام نظام الأسد بإخلاء المناطق المحيطة بدمشق من أهلها؟
يبدو هذا الأمر في ظاهره نوعاً من إعادة التموضع للدولة ولكن باطنه خطط تهجير سكانية وتغيير اجتماعي واضح، وإضعاف لكل الأطراف الأهلية الموجودة، والتعامل مع الأمر أضعف من المطلوب، والتفرق هو أحد أسباب نجاحه، وأرى أن إيران هي مهندس عمليات الاخلاء، وهي تعتمد على عدة عوامل: أولها هو العامل العسكري وثانيهما العامل السياسي، فأما من الناحية العسكرية فالنظام هو المفتاح الأول والرئيسي فهو يريد مناطق خالية من المسلحين والمقاتلين على أطراف دمشق، ومن ثم يأتي دور التغيير الديمغرافي الإيراني بملىء الفراغات بتركيبات سكانية معينة، تقوم باجتياح اجتماعي مع صمت مريب من الأعداء والعديد من الأصدقاء.