في كل بلاد الدنيا تحصل حوادث مؤسفة يذهب ضحيتها أشخاص أبرياء[1] وتذوي حياة أفراد مثل الورود ، ممن كانت أوطانهم تنتظرهم من أجل أن يدفعوها إلى النهضة والنماء.
لكن ما حصل في بحيرة زرزر من غرق بناتنا نتيجة ركوبهن في زورق متآكل هو مؤشر مخيف بحق ، ولم يكن أمراً طبيعياً بحال ، وهو قمة لجبل جليدي قاعه مرعب، ومن أجله كان هذا المقال.
من أكبر علماء الزلازل في العالم الدكتور (سوري الأصل) معاوية برزنجي (رئيس قسم علم المحيطات في جامعة كورونيل ، ورئيس مشروع رصد الزلازل للشرق الأوسط وشمال أفريقية) وفي أول الثمانينيات قدم إلى جامعة دمشق ، بعد اغتراب علمي طويل ، ليلقي محاضرة قيمة عن توقعات حصول الزلازل في سورية ، وقد جزم العالم الكبير بأن زلزالاً قادماً سوف يكون ذا ضرر بالغ لا يمكن لأحد تصوره ، وهو أخطر من أي زلزال سابق ، وقال: مهما حدثتكم فالكارثة ستكون أعظم !! ومما أذكره تماماً مطالبته بإنشاء صندوق وطني لإغاثة منكوبي الزلزال القادم [والذي لا يعلم وقت حصوله بدقة إلا الله ] ولكن وفق التعاقبات التاريخية[2] ، فإن من المتوقع أن يحصل خلال أربعين عاماً (أي بقي له حوالي عشر سنوات فقط مع الزيادة والنقصان) ، ووقتها صار العديد من الزملاء الطلاب يهتفون بعبارة لم يفهمها المحاضر (لأنه يتكلم عادة الفصحى ، وساهم طول غربته في نسيانه الكثير من العامية) ، فاقترب من بعض الطلاب ليتبين الكلمة تماماً .. فدهش وانفجرت القاعة بالضحك!! لقد كانت الكلمة : (بيندفوه .. بيندفوه … ) أي سوف ينهبونه!!
إذا كانت حادثة مثل زرزر تضطر فيها أفواج الإطفاء للقدوم من درعا وحمص وحماه للمساعدة في إنقاذ زورق صغير لعدم توفر الإمكانيات في عاصمة كبرى مثل دمشق! فما الحال بمصيبة على المستوى الوطني (لا سمح الله) مثل زلزال كارثي قادم.
من هي الجهة المسؤولة عن حماية الناس وأرواحهم ، ولماذا لا يتحول الهاجس الأمني ، ليكون شاملاً لحياة الناس! ولماذا لا تستنفر كافة الطاقات من أجل الأمن الاجتماعي كما تستنفر إذا مسَّ أحد قداسة بعض الأشخاص أو الجهات.
من المسؤول : وزارة التربية أم الأوقاف؟ أم المالية!! السياحة ، أم الري أم الزراعة، محافظة الزبداني أم المديرية العامة لقلعة حلب !! أم مديرية الأعلاف وهيئة الدواجن ومؤسسة الصيصان ومكتب الفراشات والعصافير .. وهل سيتفرق دم المواطن بين القبائل ، إلى حد أن موقع ” Syria news نشر مقالة عنوانها : المسؤولون يتهربون من الإجابة على مأسأة بحيرة زرزر!! وعلق أحد القراء قائلاً : أعلنوا اكتشاف جرة من الذهب ، وانظروا كم جهة سوف تعلن مسؤوليتها عن الأرض والمكان ، وطلب قارئ آخر أن تسلم له أرض البحيرة مادام لا يريد أحد أن تنسب إليه ..
هل سينتهي الأمر بإدانة مديرة مسكينة جزم الجميع بأنها أنقذت سبع فتيات ، وكادت تلفظ أنفاسها وهي تستميت لإنقاذ تلميذاتها ، وتضيع القصة؟؟ وهل الحل هو تعليق رحلات الطلاب إلى أجل غير مسمى!!
أذكر مرة أنني اقتحمت إدراة معهد شرعي عقدت فيه لجنة التأديب اجتماعاً لفصل طالب ، أعتقد براءته ، ولكن زعمت الإدارة الموقرة أنه سب المدير!! والذي حشد الشهود ، فسألت أحدهم : هل سمعت بنفسك الطالب يسب المدير ، وكان في الشاهد بقية خير ، فقال : بصراحة ، أنا لم اسمعه ، ولكن سائق المدير أخبرني بذلك !! واغتاظ المدير ، وأصر على فصل الطالب (ظلماً وعدواناً) وتدخل أحدهم قائلاً : يجب أن يدخل الطلاب جميعاً ولمدة عام كامل في دورة حول الأخلاق !! وابتسمت بمرارة قائلاً : ومن هذا الشجاع الذي سيدق صدره ويزعم أنه سيقود تلك الدورة ، وأنتم تصرون على نحر الطالب المسكين!! وتفاصح أحدهم قائلاً : أن ذلك للمحافظة على هيبة الإدارة ، فالتفت إليه أستاذ غيور قائلاً : وأين هيبة الإسلام؟؟
لقد دمرت صورة المعهد والأساتذة والأخلاق والإسلام من أجل نزوة مدير لم يلحظ ما استباحه من أجل أنانيته وذاته غير المقدسة.
ونحن نخشى حقيقة أن تكون هيبة أي مسؤول (مهما علا أو نزل موقعه) أهم من المواطن والأرواح والمجتمع والحاضر والمستقبل.
إن مأساة بحيرة زرزر هتكت الحجاب عن ظاهرة مقلقة، وهي تدني المستوى الأخلاقي بشكل غير مسبوق ، ولا أقصد هنا الجزئيات الأخلاقية بل المنظومات الكلية التي لا بد منها للحفاظ على حياة صالحة.
بصراحة : إن الكثيرين يشعرون بأن هناك إقصاء لأي منهج أخلاقي من المجتمع[3] ، ويتساءلون : هل هناك تدمير ممنهج لمعاقد القوة وأسباب النجاة أم بمحض التطور الاجتماعي المزعوم تحصل كل تلك البلايا.
وحتى لا يغضب أحد لهذا الكلام فإنني أريد جواباً صريحاً للسؤال التالي : من هي الجهة المسؤولة عن ضخ الأخلاق ؟؟ وما هو منهجها .. إذا كان هناك جواب واضح لهذا السؤال فإنني سأعتذر عن هذا المقال بشكل صريح ، بل سأعتزل الناس جميعاً مطمئناً إلى أن هناك أيدٍ قادرة ترعى المجتمع وتقدم له الزاد الكافي من الأخلاقيات.
خذوا هذا المثال : كنت ماراً أمام مدرسة [ … ] ووقفت على الرصيف المقابل أحصى عدد الطلاب الذين يدخنون ، وبُهِتُّ بل قل ارتعبت من الأمر ، لأنه لم يخرج طالب إلا وأشعل لفيفة دخان وبدأ بتدخينها حاملاً إلى رئتيه بدايات الموت والهلاك ، وأخبرتني أخت مدرسة أنها وبحوار صريح مع طالباتها وجدت أن ثلاثة أرباعهن يُدَخِّنَّ بطريقة ما!! وذهبت لاستقبال قريب في مطار دمشق ، وضاق صدري وخشيت على أطفالي من الدخان الموجود رغم كل لا فتات منعه ، وشكا لي ابني ذو العشر سنوات ، فأشرت إلى أربعة رجال في الطرف الآخر قائلاً ومشجعاً : أبي هل ترى أولئك الرجال الأربعة ، إنهم من الشرطة وهم الذين يحافظون على سلامتنا ، إذهب وأخبرهم ، وعاد ابني مذهولاً ، لقد كان الأربعة يدخنون …
هناك فشل أخلاقي شامل في هذه النقطة ، وعندما كنت في الصف العاشر ، لم يكن في ست شعب تضم حوالي مائتين وخمسين طالباً ، إلا طالب واحد يدخن جهاراً نهاراً .. ويستطيع أي أحد أن يرى بعينيه النسب اليوم.
إننا لا نستطيع أن نشارك أحداً في بلادته ، وموت إحساسه لمثل تلك الظاهرة الخطيرة التي تهدر فيها المليارات ، ولها تكاليف صحية واجتماعية وأخلاقية لا تظهر إلا مع الوقت ..
لنترك موضوع الدخان الذي عمت به البلوى، حتى لم يعد الكثيرون يحسون بخطورته ، ولننتقل إلى المخدرات التي بدأ يزداد الحديث عن انتشارها بين المراهقين وبعض طلاب الجامعة ، وتتحدث بعض البرامج التلفزيونية والصحف المحلية عن ازدياده يوماً بعد يوم … ما هي الخطة الأخلاقية لإنهائه .. وما هو دور المؤسسات والوزارات في الموضوع؟؟
لنترك المخدرات التي يظهر أن البعض لم يشعر بخطورتها بعد ، ولننتقل إلى الإهمال الوظيفي ، والتسيب والترهل في العمل والبيروقراطية ، وتضييع أوقات المواطنين من قبل البعض أو التلاعب بهم من قبل آخرين ، والغش والرشوة ، والاحتيال ، والتزوير , ونهب المال العام أو الخاص ، والاستهتار بالناس وحياتهم وصحتهم ، والقفز فوق القوانين ، أو طيها لذوي النفوذ وتطبيقها على المساكين من عباد الله ، وتدني الإنتاج ، وخراب البيئة وتلويث مصادر المياه ، واستنزاف موارد الطاقة ، وضعف الضمان الصحي والاجتماعي ، فضلاً عن الخصومات الاجتماعية التي تزداد وتزداد ، والتفكك الأسري ، وزيادة المشردين في الشوارع .. وغير ذلك
تلك الأمور ما هو علاجها ، أليست بحاجة إلى منطق أخلاقي ما ليكسر شوكتها وغلواءها إن لم يستطع إبعادها وتطويقها..
المنطق الأخلاقي بُعد يمس كل مفصل ، ومَن خَلَقَ العباد يقول : “وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً”[4] أي لا تكون العقوبة إلا بعد قيام الحجة ، وتهيؤ الأسباب ، ولكن المواطن المسكين لم يعد يعرف أن ينبغي أن يركن سيارته ، فلا أحد أنشأ له مواقف مناسبة وكافية ، وهو يحتار في البحث عن موقف في مدينة تكاد تصبح مثل ساعة الحشر من الزحام ، ويفاجأ المواطن (بشحط سيارته) بحجة أنها تقف في مكان غير مسموح الوقوف به! فليؤمَّن للناس مواقف كافية ومناسبة ، وليحاسب بعدها الجميع!! إنها مسألة أخلاقية تماماً ..
من الذي ينبغي أن يعطي الأمور بعدها الأخلاقي؟ ومن المسؤول عن رعاية الجانب الأخلاقي الذي يتقلص بشكل غير مسبوق! وبشكل غير خاف على أحد .. هل هناك من يظن أنه يمكن لبلد أن تقف على أقدامها دون تربية أخلاقية.
هناك سؤال لوزارة التربية : ما هو المنهج الأخلاقي (ولا أقول الديني) الذي تقدمه للناس؟ والذي يناسب التطورات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في العالم.
وسؤال لوزارة الأوقاف ومؤسساتها الهائلة من المساجد والمعاهد الشرعية (التي ضمت إليها مؤخراً) : ماهو منهج رفع السوية الأخلاقية للمجتمع من خلال الدين؟ وبالتأكيد فمن المرفوض تماماً أن يكون الوعظ هو الجواب …
وسؤال لوزارة المالية: هل تضع في موازناتها أن وصول المواطن إلى درجة من الضغط المادي سوف يجعله يستبيح كثيراً من الخطوط الحمراء ، لا لأنه جشع ، بل لأنه يبحث عن الكفاية .. ولماذا لا يكون في الموازنة مخصصات لشراء طائرات عمودية للإنقاذ والإسعاف ، وحتى إذا لم تكن الموازنة كافية!!!! فيمكن بسهولة اختصار سيارات بعض المسؤولين الأفاضل عدداً أو كمية وقود ، وشراء معدات لازمة للحفاظ على المواطن المسكين ، ويدخل معه كل مسؤول همام بالطبع.
لقد انتقدنا كثيراً بعض حملة الدين الذين قزموا مقاصده الإنسانية ، وعطلوا آفاقه الرحبة وضيقوا منه واسعاً بسبب مناهج حرفية يحملونها ، وربما يريدون فرضها على الناس فرضاً وهي لا تناسب الزمان ولا الجغرافية بحال .. ومقال الشهر الماضي (كم قرناً تحتاج الهوية حتى تتوازن) كان جزءاً من ذلك السياق ، ويمكن الاطلاع أيضاً على مقالة الدكتورة هبة رؤوف عزة عن اختفاء الدكتورة (ن) لأخذ مثال عن عميان دينيين مخيفين ، ولكن هناك أطرافاً أخرى في المجتمع ينبغي أيضاً أن ينقد أداؤها وبشكل صريح ..
كان الحكماء يقولون : نعوذ بالله من الأنصاف ، ويعنون : نصف متدين ، ونصف سياسي ، ونصف طبيب ، لأن أنصاف المتدينين خربوا الأديان ، وأنصاف السياسيين خربوا الأوطان ، وأنصاف الأطباء خربوا الأبدان ، وأضيف إليهم اليوم : أنصاف العلمانيين الذين تخرب على أيديهم الأبدان والأوطان والأديان معاً ..
في بعض بلاد العرب والمسلمين أنصاف علمانيين (أسميهم العلمانيين العميان) وليتهم كانوا علمانيين حقيقيين إذاً لكانت إيجابياتهم أكثر من سلبياتهم ، وكما أن بعض المتدينين لا يرون في الغرب إلا الفساد ، فإن بعض العلمانيين لا يفهمون من العلمانية ولا ينبهرون بما في الغرب إلا من ناحية أنه أقصى الدين عن الحياة[5] ، واعتبر الدين والأخلاق مسائل شخصية لا تدعمها الدولة في شيء!! وهؤلاء العلمانيين العميان عن إدراك هويتنا الإسلامية والقومية والوطنية تناسوا الأمور التالية:
– أن الدول هناك أولويتها هو الأمن الاجتماعي لشعوبها وليس للأنظمة الحاكمة، وهذا يشكل منظومة تعوض بشكل كبير (ولا تكفي) عن غياب العديد من الجوانب الأخلاقية. وتبقى تحفظ المجتمع من التدهور.
– إن هامش الحرية الموجود يسمح وبشكل كامل وللجميع بطرح أفكارهم ومبادئهم الأخلاقية وممارستها ، وهذا يوجد زخماً هائلاً من الأخلاقيات التي تبقى تتحرك في المجتمع وتمده بعوامل القوة ، وأذكر من باب المثال فقط ، أن الحزب المسيحي الصغير في هولندا ، يعارض تماماً اشتراك النساء في الحزب!! وقاد حملة ضد إعلانات الملابس الداخلية للنساء ، وأن بلدية أمستردام قد منعت دعايات الأفلام الإباحية في (الترامات) نتيجة استهجان الناس ، والبرلمان يناقش فكرة رفع السن المسموح بها لشراء الكحوليات ، وأن الحرية الدينية مصانة تماماً لدور العبادة ولكل الطوائف ، والحالة الوحيدة التي تتدخل فيها الدولة ، هي منع التجاوز من أي طرف على آخر ، أي باختصار : منع تغول الطوائف والمذاهب على بعضها ، أي ضمان العدل والحرية[6] ، وليس الهيمنة والوصاية ، التي صارت وسواساً مرضياً في عديد من الدول العربية والإسلامية ، والتي قد لا يستطيع أحد فيها أن يكون مفتياً ولا إماماً ولا حتى خادم مسجد ، ولا يقدم رسالة دكتوراة في الشريعة إلا بعد موافقات أمنية ودراسات استراتيجية بعيدة النظر!!
– إن الأنظمة السياسية تضمن لكافة الناس حق التعبير والنشر والعمل[7] والتظاهر والاجتماع ، وسائر الحقوق المدنية والسياسية ، وهذا بدوره يمنع أي جهة من التلاعب ، أو الوصاية أو المصادرة لأي موقع في المجتمع ، وبالتالي فذلك يوجد حراكاً دائماً ، ويؤدي إلى نتائج أخلاقية عميقة وفعالة.
يتساءل الناس : لماذا يزداد التفريغ الأخلاقي للمجتمع؟ ولماذا تم طرح مسلسلات تلفزيونية لا عمل لها إلا توهية البعد الأخلاقي لدى الناس ، وإلى حد يثير الغثيان ، ولسنا ضد أي ظاهرة فنية تتناول الواقع وتظهر ما فيه سلباً وإيجاباً ، ولكن هذا النحت الدائم لأخلاقيات البيت والأسرة ، والتشجيع على التمرد والنظر إلى الأهل كمستحاثات متخلفة ، دون تقديم أمثلة إيجابية .. كل ذلك ما ذا يمكن للمتابع أن يسميه؟؟
كي لا نظلم أي شخص أوجهة فإننا نقول: يوجد عندنا أشخاص أخلاقيون ، ولكن لا يوجد عندنا منظومة أخلاقية ، والرصيد الطويل من أخلاقياتنا يستنزف بشكل هائل نتيجة غياب القدوة ، والمنهج والوسائل والساحة العملية ، هذا إن لم يكن هناك من ينحت عن عمد ويفتح الثغرات.
ليس مقالي سياسياً ، بل إنسانياً وأخلاقياً وتربوياً ، وقد هزتني كما هزت المجتمع كله حادثة غرق البنات المسكينات في بحيرة زرزر ، والتي ذكرت بعض المواقع أنه غرق فيها العام الماضي ما يقارب خمسمائة شخص!!.
لقد كانت البنات على موعد مع الموت ، وعندما أردن الصعود إلى القارب كانت فيه فتحة صغيرة يتسرب منها بعض الماء ، وضحك الربان البائس ، قائلاً أن زورقه هو تايتانيك الثاني ، وصدق قوله ، فقد كان زورق الهلاك .
منطق الزورق سنة ربانية ، ونتائجها الماحقة نتيجة قطعية ، ومن يتسلون بحرمان الناس من مناهجهم الأخلاقية يدفعون السفينة إلى القاع البعيد ، ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها ، كمثل قوم استهموا على سفينة ، فأصاب بعضهم أعلاها ، وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً “[8].
إننا نحب بلدنا سورية ولا نريد لأي جزء منها أن يكون تحت الخطر، ونريد حملة وطنية هائلة لإنقاذها من أجل أن لا تكون هي تايتانك الثالثة ، وهذا يحتاج إلى إعادة بناء منهجية أخلاقية عميقة ، وإقصاء البلداء ، وفتح أبواب الحرية ، وضمان أمن الناس الاجتماعي واحترام حقوق الإنسان ، ونذكر الجميع ، بأن من الفرائض الشرعية ثم الأخلاقية والوطنية أن نحافظ عليها ، وأن نقاوم غرقها ولو دفعنا دمنا لذلك ، ومهما تكن النتائج ، ولن نأخذ إذناً من أحد لذلك.
همسة أخيرة : أيها السادة الربابنة الذين لا يحسون بالفتحات التي تسبب الغرق! ويبتسمون عندما نتكلم أو ينظرون باستعلاء إلينا أو بتكبر أو باستخفاف ، ظانين أن مهاراتهم الخارقة كفيلة بالنجاة ، وأن هذه الثقوب الصغيرة أقل من أن يهتم لها أحد … نحن جميعاً في خطر إذا لم تهتموا بأرواح الناس وتعتبروا أن أمن المجتمع قبل أمنكم الخاص … وثقوا تماماً أن الشعب كله ينظر إليكم … وماذا تفعلون …
مسكين ربان زرزر البائس ، كان يمكن له أن يبقى حياً ويحفظ الأرواح لو أدرك خطورة الفتحة الصغيرة التي تتسرب منها المياه.. وغادر المركب ..
حسنٌ .. ألا يريد أحد أن يترك هذه السفينة كيلا تغرق؟
أحمد معاذ الخطيب الحسني
12 ربيع الثاني 1430هـ/ 7 نيسان 2009م
[1] – للكاتب قرابة بعيدة مع أكثر من فتاة من الغريقات ..
[2] – آخر الزلازل المدمرة التي حصلت في سورية بدأت بهزات عام 1173 هـ الموافق 25 آب عام 1759م ، وحتى ربيع الثاني 1173هـ / تشرين الثاني 1759م ، حيث سقطت أغلب مآذن دمشق وقببها ، وخربت فيها قرية معربا والتل عن آخرها ومنين وبعض حلبون ، والدريج وصيدنايا وحرستا وعربين ودوما وعذرا وحزة وحمورية وبيت سوا وجسرين و ….. ودمر والهامة عن آخرها ، وسقبا والسوق ومضايا والزبداني عن آخرها …. وبعلبك وإقليمها والحولة ونواحيها ، والبقاع ونواحيها ، فالجميع مما ذكر وقع أكثره على الأرض وبقي القليل آيل [اً] للسقوط ، وذهب من الناس ما لايحصى ، وخرج الناس عن المدن إلى البراري …
وتزلزلت بلاد صفد فذهب أكثر أهلها قتلى .. ولم يبق في جبل الدروز قرية إلا وأصابها حادث عظيم وبلاء جسيم .. وفي دمشق قتل ما لايحصى من الرجال والنساء … ووقع سور مدينة دمشق في نهر بانياس ، وسدت الطرق بالتراب والأخشاب والصخور ، وصارت السماء مع الأرض تمور .. وتلف من الأموال والأنفس ما لايحيط به حد ولا يحصره حد …. وخرج [من بقي من] أهل دمشق جميعاً .. إلى خارجها ونصبوا الخيام ، وبقوا مقدار ثلاثة أشهر وهم في الخارج …ووافت الناس من سائر الأقطار من الوجه الغربي والساحل يقولون لأهل دمشق : احمدوا الله على ماحفكم به من اللطف ، فإن الخارجين عنكم لم يسلم منهم إلا القليل …
وللمزيد إقرأ كتاب العلامة المؤرخ محمد أحمد دهمان : في رحاب دمشق ، دمشق ، دار الفكر ، 1402هـ/1982م ، ص 194-218.
[3] – كان الأستاذ أحمد مظهر العظمة وزيراً للزراعة ، ثم رئيساً لهيئة تفتيش الدولة خلال الستينات ، وهو مفكر وكاتب وحقوقي ، وأحد الآباء الفكريين والروحيين للحركة الإسلامية في سورية ، وأحد مؤسسي جمعية التمدن الإسلامي ، وكان إذا اتصل من الجمعية لأمر ضروري بالبيت ، جمع كلفة المكالمات وردها إلى صندوق الجمعية ، والملاحظ : ليس تغييب اسمه وأمثاله فقط ، بل تغييب الخط الذي يمثله ومحاصرته ، وآخره قرار قسري بإجبار الجمعية على تغيير مجلس إدارتها من دون دون سبب!!!
[4] – سورة الإسراء ، آية 15.
[5] – هو منهج العلمانية الفرنسية التي اصطدمت مع الكنيسة ، بينما العلمانية الأميركية تعتبر أن الدولة يجب أن تحترم الدين وتدعمه.
[6] – ينصح بشدة قراءة مقال : الحرية أولاً للأستاذ فهمي الهويدي ، ومقال : الحرية مهما طال الطريق للكاتب.
[7] – منذ أكثر من عشر سنوات قدمت جمعية التمدن الإسلامي طلباً لتوزيع ورقة كتب عليها : كل قطرة ماء أمانة فلنحافظ عليها جميعاً. لتوضع في مواضىء المساجد ، مساهمة في توعية الناس بخطورة استنزاف المياه ، وأتى الجواب من قبل [….] بالمنع ..[ومن الغريب أن تحتاج حتى مثل هذه الورقة إلى إذن] بينما سمح لشركات أجنبية مثل دايو وبنتون وحتى شركات العلكة .. بالمساهمة في الموضوع ، ومنذ أقل من عام منعت الجمعية من المشاركة في الفعاليات الثقافية بمناسبة كون دمشق عاصمة للثقافة العربية ، بينما صالت المراكز الثقافية الأجنبية وخصوصاً المركز الثقافي الفرنسي وغيره وجالت في الأمر ، وحرم على الطير أن يطير في دوحه ، وسمح للثقافات الغازية والدخيلة بالعمل المفتوح … فواخجلتاه ..
[8] – البخاري ، كتاب الشركة ، الحديث2313.